التصنيفات
أدباء و شعراء

فيكتور هيغو

فيكتور هيغو


الونشريس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[SIZE="6"][COLOR="Red"]كل صخرة هي حرف وكل بحيرة هي عبارة وكل مدينة هي وقفة، فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لي هناك دائما شيء من ظلال السحب أو زبد البحر".
فيكتور هوجو الذي يمر اليوم ذكرى ميلاده (26 فبراير 1802م -22 مايو 1885) هو أديب وشاعر ورسام فرنسي، من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية، ترجمت أعماله إلى أغلب اللغات المنطوقة.
أثّر فيكتور هوجو في العصر الفرنسي الذي عاش فيه وقال "أنا الذي ألبست الأدب الفرنسي القبعة الحمراء" أي قبعة الجمال.
ولد فيكتور هوجو في بيسانسون بمنطقة الدانوب شرقي فرنسا، عاش في المنفى خمسة عشر عاماً، خلال حكم نابليون الثالث، من عام 1855 حتى عام 1870. أسس ثم أصبح رئيساً فخرياُ لجمعية الأدباء والفنانين العالمية عام 1878م. توفي في باريس في 22 مايو 1885م.
كان والده ضابطا في الجيش الفرنسي برتبة جنرال.تلقى فيكتور هوجو تعليمه في باريس وفي مدريد في اسبانيا.. وكتب أول مسرحية له – وكانت من نوع المأساة- وهو في سن الرابعة عشرة من عمره.. وحين بلغ سن العشرين نشر أول ديوان من دواوين شعره.. ثم نشر بعد ذلك أول رواية أدبية.
كان يتحدث عن طفولته كثيرا قائلا "قضيت طفولتي مشدود الوثاق إلي الكتب".
الحرية هي أيضا من أهم الجوانب في حياة كاتب أحدب نوتردام الشهير فهي الكلمة التي تتكرر كثيرا بالنسبة لهوجو. "إذا حدث واعقت مجري الدم في شريان فستكون النتيجة أن يصاب الإنسان بالمرض. وإذا أعقت مجري الماء في نهر فالنتيجة هي الفيضان، وإذا أعقت الطريق أمام المستقبل فالنتيجة هي الثورة"
كان يري في نفسه صاحب رسالة، كقائد للجماهير، قائد لا بالسيف أو المدفع وانما بالكلمة والفكرة. فهو أقرب إلى زعيم روحي للنفس البشرية أو صاحب رسالة إنسانية.
مثّل هوجو الرومانسية الفرنسية بعيونه المفتوحة على التغيرات الاجتماعية مثل نشوء البروليتاريا الجديدة في المدن وظهور قراء من طبقة وسطى والثورة الصناعية والحاجة إلى إصلاحات اجتماعية، فدفعته هذه التغيرات إلى التحول من نائب محافظ بالبرلمان الفرنسي مؤيد للملكية إلى مفكر اشتراكي ونموذج للسياسي الاشتراكي الذي سيجيء في القرن العشرين، بل أصبح رمزا للتمرد على الأوضاع القائمة.
تم نشر أكثر من خمسون رواية ومسرحيات لفيكتور هوجو خلال حياته، من أهم أعماله: أحدب نوتردام، البوساء، رجل نبيل، عمال البحر، وآخر يوم في حياة رجل محكوم عليه بالإعدام.

وفي عام 1827 نشر مسرحيته التاريخية كرومويل التي استقبلت بحماس شديد وحققت نجاحا في الاوساط الفنية والأدبية.
وفي عام 1831 نشرت مسرحيته ((هرناني)) ونشرت روايته الأدبية أحدب نوتردام التي أثارت الأعجاب وترجمت إلى العديد من لغات العالم.. وفي نفس العالم تم تنصيبه إماما للكتاب والأدباءالرومانسيين.
وفي عام 1862 نشرت أروع وأعظم رواياته الأدبية وهي رواية ((البؤساء))..ونشرت بعد ذلك رواية((الرجل الضاحك)).
وفي عام 1876 اختير عضوا في مجلس الشيوخ الفرنسي
من أقواله

لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء
ليس هناك جيش أقوى من فكرة حان وقتها.
أعظم سعادة في الدنيا أن نكون محبين
فن العمارة هي المرآة التي تنعكس عليها ثقافات الشعوب ونهضتها وتطورها
الحب هو أجمل سوء تقدير.. بين الرجل والمرأة !
في قلبي زهرة.. لايمكن لأحد أن يقطفها
قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً.. ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه.. ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله.
عندما تتحدث إلى امرأة.. أنصت إلى ما تقوله عينيها.
من الممكن مقاومة غزو الجيوش، ولكن ليس من الممكن مقاومة الأفكار.
إن أجمل فتاة هي التي لا تدرى بجمالها.
وكان يصف الشرق بقوله:
"الشرق عالم ساحر مشرق وهو جنة الدنيا، وهو الربيع الدائم مغمورا بوروده، وهو الجنة الضاحكة، وأن الله وهب أرضه زهورا أكثر من سواها، وملأ سماءه نجوما أغزر، وبث في بحاره لآلئ أوفر
منقول




رد: فيكتور هيغو

الونشريس




رد: فيكتور هيغو

الونشريس




رد: فيكتور هيغو

بارك الله فيك وجزاك الله كل خيرا موضوعك جد رائع انرا الله دربك وحفظك ورعاك كما تنير عقولنا بنورعلوم الحكمه كل التقدير لك منا على هذا الجهذ الطيب المبذول من طرفكم




رد: فيكتور هيغو

العفو لا شكر على واجب أشكركم على المرور




رد: فيكتور هيغو

شكرااا لكـ




التصنيفات
أدباء و شعراء

الجاحظ

الجاحظ


الونشريس

الجاحـــــظ

الونشريس

هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، أحد أئمة الأدب والشعر في العصر العباسي له العديد من الكتب، وعقله كنز زاخر بالأخبار والأشعار والأنساب، وعالم باللغة وأدواتها ويجيد استخدامها، وكان الجاحظ دميم الوجه، جاحظ العينين، ويتمتع بشخصية فكاهية انعكست في كتاباته. وقد رحل الجاحظ عن الحياة تاركاً إرثاً أدبياً وعلمياً هائلاً فله العديد من المؤلفات والتي تنوعت مجالاتها بين علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء وغيرها.

عاشقاً للعلم والقراءة:
ولد الجاحظ في البصرة بالعراق عام 776م، ونشأ يتيمياً فقيراً ولكنه أصبح غنياً بعلمه، حيث انكب على نهل العلم، فاختلف إلى المساجد ومنازل العلماء، وسوق "المربد" والذي كان مركزاً يلتقي فيه الأدباء والشعراء وأهل اللغة ليقيموا فيه ندواتهم ومناقشاتهم، فتلقى العلم على يد شيوخ وبلغاء اللغة من العرب.
وعرف عن الجاحظ عشقه للقراءة فما كان يدع كتاباً قط يصل إليه دون أن يتم قراءته، ومما يدل على شغفه بالقراءة، أنه كان يستأجر دكاكين الوراقين ويبيت فيها للإطلاع على ما فيها من كتب.ذهب الجاحظ وراء العلم فانتقل من البصرة إلى بغداد ليتصل بمفكريها، فالتقى مع الأصمعي والأنصاري وأخذ اللغة عنهما، كما اتصل بالأخفش واخذ عنه النحو، والنظام واخذ عنه علم الكلام، واطلع على الثقافة اليونانية من خلال سلمويه وحنين بن اسحق، وارتاد البادية ليأخذ اللغة والأخبار، وزار الجاحظ كل من دمشق وإنطاكية وذلك من أجل التعمق في الثقافة واللغة.مما يقوله في قيمة العلم والعلماء:

يَطيبُ العَيشَ أَن تَلقى حَكيماً

غَـذاهُ الـعِلمُ وَالظَنُّ المُصيب


فَـيَكشِفُ عَنكَ حيرَةَ كُلِّ جَهل


فَـفَضلُ الـعِلمِ يَـعرِفُهُ الأَديـب

سَقامَ الحِرصِ لَيسَ لَهُ دَواءُ

وَداءُ الـجَهلِ لَـيسَ لَـهُ طَبيب

مكانته الأدبية:
كان للجاحظ مكانة أدبية ولغوية كبيرة فكان عقله زاخراً بالأخبار، والأنساب والأشعار والحكم، والنوادر، مما شكل عنده خلفية عظيمة ساعدته فيما كان يكتبه، كما كان يقوم بالتجارب العملية فتميزت كتاباته بالصدق والموضوعية، وكان يسعى من أجل الحصول على المعلومة ويتقصى حقيقتها حتى يصل لليقين.تميز الجاحظ بعلمه الواسع وتبحره في علم الكلام، وتوسعه في علوم الدين والدنيا، وإجادة النثر ونظم الشعر، ولم يكتفي الجاحظ بالسماع فقط بل عمد إلى التجربة والملاحظة، وكان خبيراً بالطبائع، صاحب خيال خصب، تعددت وتنوعت مؤلفاته في مجالات المعرفة المختلفة، كما كان للجاحظ في "الاعتزال"رأي وحجة وقد ألف في ذلك، وكان لسان حال المعتزلة في زمانه.

خفة ظله وحبه للفكاهة:
عرف الجاحظ بخفة ظله وحبه للنوادر وروح الفكاهة، فكان صاحب نكته، هذا مع إتقان الأسلوب، ومعرفته العميقة بطبائع الناس، وتتبعه واستقصاءه مما جعله واسع المعرفة بالأخبار والنوادر وغيرها، ومن نوادره التي كان هو بطلها قال: "ذُكرت للمتوكل لتأديب بعض وُلده، فلما رآني استبشع منظري، فأمر لي بعشرة ألاف درهم وصرفني".

مؤلفاته:
قدم الجاحظ العديد من المؤلفات ونظراً لثقافته الواسعة وإطلاعه الدائم، وبحثه وراء العلم، وأخذه من مصادره من علماء وشيوخ اللغة وغيرهم، تنوعت مؤلفاته وتعددت ونذكر من مؤلفاته الشهيرة والتي تعد إرثاً قيماً للأجيال اللاحقة مايلي:

البيان والتبين: وهو في ثلاثة أجزاء أهداه إلى الوزير ابن أبي دؤاد، وعمد فيه إلى تعليم الناشئة والكتاب أصول الكتابة الصحيحة مظهراً بلاغة العرب، وكاشفاً أسرار اللغة مما يرفع من شأنها ومن مقام البلغاء فيها.

البخلاء:

الونشريس

ويصور الجاحظ في هذا الكتاب أحوال البخلاء في عصره، من أهل البصرة وخراسان ذاكراً أخبارهم، متندراً بأحاديثهم، وحججهم، متناولاً مناظرات بينهم حول البخل والكرم والضيافة، في مزيج بين الجد والعبث، والنقد الأجتماعي

الحيوان: جاء هذا الكتاب في سبعة أجزاء أهداه إلى ابن الزيات وزير المأمون، وهو كتاب موسوعي،قام فيه الجاحظ بالكلام عن الحيوان طبائعه وميزاته، واستطرد لذكر أخبار العرب ونوادرهم في هذا الموضوع، والكتاب يمزج بين الإفادة والتسلية معاً. ومن مؤلفاته الأخرى رسالة التربيع والتدوير،التاج في أخلاق الملوك ويعرف بأساليب التعامل مع القادة والحكام، وغيرها من الكتب مثل المحاسن والأضداد، الصرحاء والهجناء، أقسام فضول الصناعات ومراتب التجارات، فضل ما بين الرجال والنساء وفرق ما بين الذكور والإناث، الحجة في ثبت النبوة، الرد على الجهمية، الرد على اليهود، ذكر ما بين الزيدية والرافضة، الطفيليون، المزاح والجد، عناصر الآداب، الأمثال.

المرض والوفاة:
اشتد المرض بالجاحظ في أواخر أيامه فأصيب "بالفالج"، وقال المبرد يصف حاله: "دخلت على الجاحظ في أخر أيامه، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج لو حزّ بالمناشير ما شعر به، ونصف الأخر منقرس، لو طار الذباب بقربه ألمه، واشد من ذلك ست وتسعون سنة أنا فيها".
وعلى الرغم من شدة المرض إلا أن المرض لم يكن هو السبب في وفاته، ولكن كان علمه هو السبب حيث يقال انه توفى بعد سقوط قسم من مكتبته فوق رأسه، وجاءت وفاته عام 868 م، وقد تجاوز التسعون عاماًُ.

أَتَرجو أَن تَكونَ وَأَنتَ شَيخ


كَـما قَـد كُـنتَ أَيّـام الـشَباب


لَـقَد كَذَّبتَكَ نَفسَكَ لَيسَ ثَوب


دَريـسُ كَـالجَديدِ مِـنَ الثِياب

منقول للفائدة




رد: الجاحظ

بسم الله الرحمن الرحيـــم
الســلام عليــكم ورحمة الله تعالى وبركاتـــه

جزاك الله كل خيـــر أختي أم كلثوم على التعريف بالجاحظ
عله يخدم الكثير من البحوث والمشاريع للطلاب

تقبلي خالص تحيتي وتقديري لك

كريــم




رد: الجاحظ

شكرررا جزيلا على هده النبدة الجميلة على الجاحظ




رد: الجاحظ

خاااااالص شكري




التصنيفات
أدباء و شعراء

ابن جنّي

ابن جنّي


الونشريس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهه

إليكم في هذا الموضوع تعريف لشخصية الكاتب النحوي ابن جنّي

نسبه وموطنه:

هو أبو الفتح، عثمان بن جِنّي الموصلي النحوي اللغوي، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وصاحب التصانيف الفائقة المتداولة في اللغة.

ولم تذكر المصادر التاريخية وكتب التراجم نسبًا له بعد جني؛ إذ إن أباه (جني) كان عبدًا روميًّا مملوكًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي، ولم يُعرف عنه شيء قبل مجيئه الموصل، وإلى هذا أشار ابن جني نفسه بقوله في جملة أبيات:

فإن أصبح بلا نسب *** فعلمي في الورى نسبي

عـلى أني أءول إلى *** قرومٍ سـادة نجـب

قيـاصرة إذا نطقوا *** أرَمّ الدهـر ذو الخطب

أولاك دعا النبـي لهم *** كفى شرفاً دعاء نبي

وكانت ولادة ابن جني بالموصل، وفيها قضى طفولته وتلقى دروسه الأولى، وذكرت المصادر التي ترجمت له أنه ولد قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة، فلم تحدد سنة مولده غير ما جاء بلفظ. وقيل: مولده سنة ثلاث وثلاثمائة. وإذا كانت أغلب المصادر التاريخية على أنه توفي -كما سيأتي- سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وكان آنذاك في السبعين من عمره -على قول ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، والذهبي في تاريخه وفي العبر- فإن ولادته تكون في سنة اثنتين وعشرين أو إحدى وعشرين وثلاثمائة من الهجرة.

وقد أقام ابن جني بعد الموصل ببغداد، وظل يدرس بها العلم إلى أن توفي، وكان له من الولد: علي وعالٍ وعلاء، وكلهم أدباء فضلاء، قد خرجهم والدهم وحسن خطوطهم، فهم معدودون في الصحيحي الضبط وحسني الخط، بحسب تعبير ياقوت.

شيوخه وتلاميذه:

ذكر ياقوت في معجمه أن ابن جني صحب أبا علي الفارسي أربعين سنة، وكان السبب في صحبته له أن أبا علي اجتاز بالموصل فمر بالجامع وابن جني في حلقةٍ يُقرئ النحو وهو شاب (قيل إن عمره كان سبع عشرة سنة)، فسأله أبو علي الفارسي عن مسألةٍ في التصريف فقصر فيها ابن جني، فقال له أبو علي: زببت وأنت حِصرِم، فسأل عنه فقيل له: هذا أبو عليٍ الفارسي، فلزمه من يومئذٍ وسافر معه وسكن بغداد، واعتنى بالتصريف، قال ياقوت: "فما أحد أعلم منه به ولا أقوم بأصوله وفروعه، ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه".

ولما مات أبو علي الفارسي تصدر أبو الفتح ابن جني في مجلسه ببغداد -وكان قد صنف في حياته- وأقرأ بها الأدب، وقد أخذ عنه الثمانيني، وعبد السلام البصري، وأبو الحسن السمسمي، وقام أيضًا بالتدريس لأبناء أخي الحاكم البويهي.

هذا، وقد كان لابن جني علاقة خاصة بأبي الطيب المتنبي، فقد صحبه دهراً طويلاً، وقرأ عليه ديوانه ثم شرحه بعد ذلك ونبه على معانيه وإعرابه، قال ابن خلكان: "ورأيت في شرحه قال: سأل شخص أبا الطيب المتنبي عن قوله:

بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا *** ………………………….

فقال: كيف أثبت الألف في "تصبرا" مع وجود لم الجازمة، وكان من حقه أن يقول "لم تصبر"؟ فقال المتنبي: لو كان أبو الفتح ها هنا لأجابك، يعنيني، وهذه الألف هي بدل من نون التأكيد الخفيفة، كان في الأصل "لم تصبرن"، ونون التأكيد الخفيفة إذا وقف الإنسان عليها أبدل منها ألفًا، قال الأعشى:

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا *** ………………………….

وكان الأصل فاعبدن فلما وقف أتى بالألف بدلاً". فكان المتنبي يحترم ابن جني كثيرًا ويجله ويقدره، وكان يقول عنه: "هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس"، ولتمكّن ابن جني من شعر أبي الطيب قال عنه أبو الطيب: "ابن جني أعرف بشعري".

ويبدو أنه كانت لابن جني رحلات إلى بلاد كثيرة في طلب العلم ومشافهة العلماء والشيوخ، والدليل على ذلك تلك الإجازة التي ذكرها ياقوت في ترجمته في معجمه، والتي جاء فيها: "… فليرو -أدام الله عزه- ذلك عني أجمع إذا أصبح عنده وأنس بتثقيفه وتسديده، وما صح عنده -أيده الله- من جميع رواياتي مما سمعته من شيوخي -رحمهم الله- وقرأته عليهم بالعراق والموصل والشام، وغير هذه البلاد التي أتيتها وأقمت بها مباركًا له فيه منفوعًا به بإذن الله…".

ابن جني.. النحوي الصرفي:

كان ابن جني -كما ذكرنا- من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، إلا أن علمه بالصرف كان أقوى وأكمل من علمه بالنحو، بل لم يكن في شيءٍ من علومه أكمل منه في التصريف، ولم يتكلم أحد -كما قال ياقوت- في التصريف أدق كلامًا منه.

وكان السبب في ذلك تلك القصة التي أوردناها سابقا، والتي قال له فيها شيخه أبي علي الفارسي حين سأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها ولم يستطع الإجابة عنها: "زببت وأنت حِصرِم"، فمن يومئذ -وكان حينها في مقتبل شبابه- لزم نفسه شيخه هذا مدة أربعين سنة، وقد اعتنى بالتصريف أحسن ما يكون الاعتناء، حتى إنه لما مات شيخه أبي علي تصدر هو (ابن جني) مكانه ببغداد.

وأسوة بأستاذه فقد كان ابن جني بصريا، يجري في كتبه ومباحثه على أصول المدرسة البصرية، ولا يألو جهدا في الدفاع عنها، على أنه كان يأخذ العلم أيا كان مصدره، وبغض النظر عن مذهب أهله، ولهذا نجده -كما يقول الدكتور رحاب خضر- كثير النقل عن ثعلب والكسائي وأمثالهما، وهو حين يذكرهما في كتبه يثني عليهما، فيقول مثلا: "باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف لا بالإقدام والتعجرف"، وكان هذا الرجل كبيرًا في السداد والثقة عند أصحابنا"، يعني الكسائي.

وقد يأخذ برأي البغداديين، والمدرسة البغدادية وسط بين المدرستين البصرية والكوفية، يقول في الخصائص: "ووجه ما ذكرناه من ملالتها الإطالة -مع مجيئها بها للضرورة الداعية إليها- أنهم أكدوا فقالوا: أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون.."، ويقول الرضيّ في شرح الكافية: "وأما أكتع وأخواته البصريون -على ما حكى الأندلسي عنهم- جعلوا النهاية أبصع ومتصرفاته، والبغدادية جعلوا النهاية أبتع وأخواته…".

وإن من بعض آرائه النحوية -كما يقول الدكتور رحاب خضر- تجويزه إظهار متعلق الظرف الواقع خبرًا في الكون العام، نحو "زيد عندك"، قال ابن يعيش: "وقد صرح ابن جني بجواز إظهاره".

وهو يُجيز أيضًا أن يقال: مررت بزيد وعمرًا، بعطف عمرًا على محل زيد المجرور بالحرف، وهذا لا يُجيزه النحويون؛ لأن شرط العطف على المحل عندهم ظهور الإعراب المحلي في فصيح الكلام.

ابن جني.. الأديب الشاعر:

لم يكن ابن جني إمامًا في النحو والصرف فقط، ولم يكن من العلماء الذين يقتصرون على مجالس العلم والتعليم، أو حتى التأليف، إنما كان ابن جني كمن يريد أن يملك نواصي اللغة، فهو إلى جانب ما سبق يعد من أئمة الأدب، جمع إتقان العلم إلى ظرف أهل الكتابة والشعر، وهو الأمر الذي جعل الثعالبي ينعته في يتيمة الدهر بقوله: "إليه انتهت الرياسة في الأدب"، وقال الباخرزي في دمية القصر موضحًا: "ليس لأحدٍ من أئمة الأدب في فتح المقفلات، وشرح المشكلات ما له؛ فقد وقع عليها من ثمرات الأعراب، ولا سيّما في علم الإعراب".

وكدليل مادي على ذلك، فقد أثبت ياقوت في معجمه عن خط أبي الفتح بن جني خطبة نكاحٍ من إنشائه يقول فيها:

"الحمد لله فاطر السماء والأرض، ومالك الإبرام والنقض، ذي العزة والعلاء، والعظمة والكبرياء، مبتدع الخلق على غير مثالٍ، والمشهود بحقيقته في كل حالٍ، الذي ملأت حكمته القلوب نورًا، فاستودع علم الأشياء كتابًا مسطورًا، وأشرق في غياهب الشبه خصائص نعوته، واغترقت أرجاء الفكر بسطببة ملكوته.

أحمده حمد معترف بجزيل نعمه وأحاظيه، ملتبسًا بسني قسمه وأعاطيه، وأؤمن به في السر والعلن، وأستدفع بقدرته ملمات الزمن، وأستعينه على نوازل الأمور، وأدرئه في نحر كل محذور، وأشهد شهادةً تخضع لعلوها السموات وما أظلت، وتعجز عن حملها الأرضون وما أقلت، أنه مالك يوم البعث والمعاد، والقائم على كل نفسٍ بالمرصاد، وأن لا معبود سواه، ولا إله إلا هو، وأن محمدًا -وبحل وكرم- عبده المنتخب، وحجته على العجم والعرب، ابتعثه بالحق إلى أوليائه ضياءً لامعًا، وعلى المراق من أعدائه شهابًا ساطعًا، فابتذل في ذات الله نفسه وجهدها، وانتحى مناهج الرشد وقصدها، مستسهلاً ما يراه الأنام صعبًا، ومستخصبًا ما يرعونه بينهم جدبًا، يغامس أهل الكفر والنفاق، ويمارس البغاة وأولى الشقاق، بقلبٍ غير مذهولٍ، وعزمٍ غير مفلول يستنجز الله صادق وعده، ويسعى في خلود الحق من بعده، إلى أن وطد بوانى الدين وأرساها، وشاد شرف الإسلام وأسماها، فصرم مدته التي أوتيها في طاعة الله موفقًا حميدًا، ثم انكفأ إلى خالقه مطمئنا به فقيدًا، ما ومض في الظلام برق، أو نبض في الأنام عرق، وعلى الخيرة المصطفين من آله، والمقتدين بشرف فعاله.

وإن مما أفرط الله تعالى به سابق حكمه، وأجرى بكونه قلم علمه، ليضم بوقوعه متباين الشمل، ويزم به شارد الفرع إلى الأصل، أن فلان ابن فلان وهو -كما يعلم من حضر من ذوي الستر وصدق المختبر- مشجوح الخليقة، مأمون الطريقة، متمسك بعصام الدين، آخذ بسنة المسلمين، خطب للأمر المحموم، والقدر المحتوم، من فلان بن فلان الظاهر العدالة والإنصاف، أهل البر وحسن الكفالة والكفاف، عقيلته فلانة بنت فلانٍ خيرة نسائها وصفوة آبائها في زكاء منصبها وطيب مركبها، وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا، فليشهد على ذلك أهل مجلسنا، وكفى بالله شهيدًا، ثم يقرهما ثم يقال: لاءم الله على التقوى كلمتيكما، وأدام بالحسنى بينكما، وخار لكما فيما قضى، ولا أبتركما صالح ما كسا، وهو حسبنا وكفى".اهـ

والخطبة تنبئ بنفسها على ما فيها من جزالة اللفظ وبلاغة الأسلوب وجماله.

وإضافة إلى ذلك فقد كان لابن جني ملكة الشاعر وحسه، حتى إنه ليقرض الشعر وينظمه بما يعبر عن حسن تأتِّيهِ في الصنعة على طريقة شعراء دهره، يقول الباخرزي في دمية القصر: "… فوربيّ، إنّه كشف الغطاء عن شعر المتنبّي، وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض، أو يسيغ ذلك المتنبّي، وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض، أو يسيغ ذلك الجريض، حتّى قرأت له مرثيّته في المتنبّي وأوَّلها:

غاض القريض وأودت نضرة الأدب *** وصوّحت بعدري دوحة الكتب".

ومن هذه المرثية أيضًا:

سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه *** لما تخطّفت بالخطّيّـة السـلب

ما زلت تصطحب الجلّى إذا نزلت *** قلبًا جميعًا وعزمًا غير منشعب

وقد حلبت لعمر الدّهر أشطره *** تمطـو بهمّة لا وان ونصب

وقد قال الثعالبي: "… وكان الشعر أقل خلاله لعظم قدره، وارتفاع حاله". ومما أنتجته قريحته أيضًا قوله في الغزل:

غزال غير وحشي *** حكى الوحشي مقلته

رآه الورد يجني الور *** د فاستكساه حلته

وشم بأنفه الريحا *** ن فاستهداه زهرته

وذاقت ريقه الصهبا *** ء فاختلسته نكهته

الخصائص.. وأصول النحو:

الونشريس

ما إن يذكر ابن جني حتى يشرد الذهن عفو الخاطر إلى كتابه الشهير "الخصائص"، وبالمثل إذا كان الحديث عن "الخصائص" فإنه يذهب إلى مؤلفه ابن جني، والخصائص هذا هو أجلّ تآليف ابن جني التي أبر بها على المتقدمين وأعجز المتأخرين، والتي عناها في بائيته بقوله:

تناقلها الرواة لها *** على الأجفان من حدب

فيرتع في أزاهرها*** ملوك العجم والعرب

فمن مغن إلى مدنٍ *** إلى مثنٍ إلى طرب

وهو كتاب في أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه، احتذى ابن جني في مباحثه النحوية منهج الحنفية في أصول الفقه، وقد بناه على اثنين وستين ومائة بابا، تبدأ بباب القول على الفصل بين الكلام والقول، وتنتهي بباب في المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول، وقد أهداه لبهاء الدولة البويهي، الذي ولي السلطنة من سنة تسع وسبعين وثلاثمائة إلى ثلاث وأربعمائة من الهجرة، وذلك بعد وفاة أستاذه أبي علي الفارسي (ت 377هـ).

والكتاب وإن كان يبحث في خصائص اللغة العربية، وتهتم أغلب مباحثه بما يخص فلسفة تلك اللغة ومشكلاتها، إلا إنه اشتمل أيضا على أبواب من شأنها أن تخرج عن هذا النطاق، وذلك كبحثه في الفرق بين الكلام والقول، وبحثه في أصل اللغة: إلهام هي أم اصطلاح؟ وغيرها، وفي ذلك يقول ابن جني: "… وليكون هذا الكتاب ذاهبًا في جهات النظر؛ إذ ليس غرضنا فيه الرفع والنصب والجرّ والجزم؛ لأن هذا أمر فُرغ منه في أكثر الكتب المصنَّفة فيه، وإنما هذا الكتاب مبنيّ على إثارة معادن المعاني، وتقرير حال الأوضاع والمبادئ، وكيف سرت أحكامها في الأحناء والحواشي…".

ومما يُعد من النوادر في كتابه هذا مثل هذه الأبواب: الباب الخامس والأربعون بعد المائة في القول على فوائت الكتاب لسيبويه، الباب الحادي والخمسين بعد المائة فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية، الباب الثامن والخمسين بعد المائة في سقطات العلماء.

وقد طبع الخصائص لأول مرة في مصر سنة (1331هـ/ 1913م) (جزء منه)، ثم طبع كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد على النجار في ثلاثة أجزاء ما بين (1952 و1955م)، مع مقدمة جليلة، وضح فيها أثر الكتاب في أعمال النحويين من بعده، وقد عقد فصلاً نبه فيه إلى كثرة النصوص التي نقلها عنه ابن سيده بلا عزو، حتى إنه استعار عبارته ذاتها في وصف حاله فقال: (فوجدت الدواعي والخوالج قوية التجاذب… إلخ).

وفي عام سبعة وتسعين وتسعمائة وألف من الميلاد أصدر معهد المخطوطات العربية في القاهرة (الفهارس المفصلة لابن جني)، وكانت الحلقة الأولى ضمن سلسلة (كشافات تراثية) صنعه د. عبد الفتاح السيد سليم، ويضم ستة عشر فهرسًا، منها: إحدى وتسعين مسألة في أصول اللغة، وخمس وخمسين مسألة في العلل النحوية، وإحدى وثمانين مسألة في اللغات، وأيضا فهرس الآيات المحتج بها في الخصائص وهي ست وعشرين وثلاثمائة أية، وكذلك فهرس الكتب المذكورة في الكتاب، وهي إحدى وثلاثين كتابًا، وفيه أيضا ما يختص بنقوله عن العلماء في الكتاب، وكان ذلك في ثمان وتسعين وثلاثمائة مسألة، الغالب منها عن شيخه أبي علي الفارسي، ثم عن سيبويه والأخفش والأصمعي والمازني وأبي زيد والفراء والمبرد والخليل وثعلب والكسائي، وغيرهم.

مؤلفاته:

في معجمه أورد ياقوت إجازة كتبها ابن جني لأحد تلاميذه، وهو الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر، وذلك في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة من الهجرة، أي قبل وفاته بنحو ثماني سنوات، أورد فيها معظم تواليفه إن لم يكن كلها، وقد جاء في أولها: "قد أجزت للشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر -أدام الله عزه- أن يروي عني مصنفاتي وكتبي مما صححه وضبطه عليه أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري -أيد الله عزه- عنده منها…"، ثم ذكر من الكتب التالية:

الخصائص – التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله السكري – سر الصناعة – تفسير تصريف المازني – شرح المقصور والممدود لابن السكيت – تعاقب العربية – تفسير ديوان المتنبي الكبير، ويسمى الفسْر – تفسير معاني ديوان المتنبي، وهو شرح ديوان المتنبي الصغير – اللمع في العربية – مختصر التصريف المشهور بالتصريف الملوكي – مختصر العروض والقوافي – الألفاظ المهموزة – المتقضب – تفسير المذكر والمؤنث ليعقوب (ذكر أنه لم يتمه)… إلخ.

هذا وغيره مما لم نرد حصره، وقد ذكر ياقوت أن له كتبًا أخرى لم تتضمنه هذه الإجازة منها: كتاب المحتسب في شرح الشواذ، وكتاب تفسير أرجوزة أبي نواس، وكتاب تفسير العلويات وهي أربع قصائد للشريف الرضي كل واحدةٍ في مجلدٍ، وهي قصيدة رثى بها أبا طاهر إبراهيم ابن نصر الدولة أولها:

ألق الرماح ربيعة بن نزار *** أودى الردى بقريعك المغوار

ومنها قصيدته التي رثى بها الصاحب بن عبادٍ، وأولها:

أكذا المنون تقطر الأبطالا *** أكذا الزان يضعضع الأجيالا

وقصيدته التي رثى بها الصابئ أولها:

أعلمت من حملوا على الأعواد *** أرأيت كيف خبا زناد النادي

وكتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقةً في تفسير بيتٍ من شعر عضد الدولة.

أهلاً وسهلاً بذي البشرى ونوبتها *** وباشمال سرايانا على الظفر

وكتاب رسالةٍ في مد الأصوات ومقادير المدات كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدارها ست عشرة ورقةً بخط ولده عالٍ: كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المنتصف، كتاب مقدسات أبواب التصريف، وكتاب النقض على ابن وكيعٍ في شعر المتنبي وتخطئته، كتاب المغرب في شرح القوافي، كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام، كتاب الوقف والابتداء كتاب الفرق، كتاب المعاني المجردة، كتاب الفائق، كتاب الخطيب، كتاب الأراجيز، كتاب ذي القد في النحو، وكتاب شرح الفصيح، وكتاب شرح الكافي في القوافي وجد على ظهر نسخةٍ ذكر ناسخها أنه وجده بخط أبي الفتح عثمان بن جني -رحمه الله- على ظهر نسخة كتاب المحتسب في علل شواذ القراءات.

وفاته:

في بغداد، وفي خلافة القادر، وتحديدًا يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة (392هـ) رحل ابن جني عن دنيا الناس، تاركًا مؤلفاته وذخائره العلمية تتحدث عنه، وتحييه بينهم من جديد.

المراجع:

– اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان (1/394).

– ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (1/457).

– الثعالبي: يتيمة الدهر (1/33).

– ياقوت الحموي: معجم الأدباء (2/1).

– الباخرزي: دمية القصر وعصرة أهل العصر (1/230).

– ابن خلكان: وفيات الأعيان (3/246).

– ابن الجوزي: المنتظم (4/297).

– الذهبي: سير أعلام النبلاء (17/17).

– الذهبي: العبر في خبر من غبر (1/172).

– الذهبي: تاريخ الإسلام (6/370).

– الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (5/163).

– ابن كثير: البداية والنهاية (11/379).

– الباباني: هدية العارفين (1/345).

– ابن النديم: الفهرست (1/95).

– القنوجي: أبجد العلوم (3/32).

– الزركلي: الأعلام (4/204).

– رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام (3/100).

– موقع الموسوعة العربية العالمية.

منقول للفائدة




رد: ابن جنّي

شكرا لك عزيزتي على الموضوع المميز …………..




رد: ابن جنّي

شكرا لك على موضوع المتميز




رد: ابن جنّي

بارك الله فيك … موضوع قيم ..شكرا لك




رد: ابن جنّي

بوووركتـــــي أختــــــــــي




التصنيفات
أدباء و شعراء

مولود فرعون

مولود فرعون


الونشريس

مولود فرعون (1913-1962)ولد في قرية تيزي هيبل بولاية تيزي وزو بالجزائر يوم 18 مارس 1913 ميلادي من عائلة فقيرة اضطر فقرها أباه إلى الهجرة مرات عديدة بحثاً عن العمل, لكن هذا الفقر لم يصرف الطفل ولا أسرته عن تعليمه, فالتحق بالمدرسة الابتدائية في قرية تاوريرت موسى المجاورة, فكان يقطع مسافة طويلة يومياً بين منزله إلى مدرسته سعياً على قدميه في ظروف صعبة, فتحدى ‘"مولود فرعون’" ظروفه القاسية والمصاعب المختلفة بمثابرته واجتهاده وصراعه مع واقعه القاتم الرازح تحت نير الاستعمار الفرنسي, وبهذا الصراع استطاع التغلب على كل المثبطات والحواجز مما أهله للظفر بمنحة دراسية للثانوي بتيزي وزو أولا ً وفي مدرسة المعلمين ببوزريعة بالجزائر العاصمة بعد ذلك, ورغم وضعه البائس تمكن من التخرج من مدرسة المعلمين’ واندفع للعمل بعد تخرجه, فاشتغل بالتعليم حيث عاد إلى قريته تيزي هيبل التي عين فيها مدرساً سنة 1935 ميلادي في الوقت الذي بدأ يتسع فيه عالمه الفكري وأخذت القضايا الوطنية تشغل اهتمامه.و هذا وكما أعطى من علمه لأطفال قريته أعطى مثيلا له في القرية التي احتضنته تلميذا ًقرب قرب مسقط رأسه بأقل من ثلاثة كيلومترات, وهي قرية تاوريرت موسى التي التحق بها معلما سنة 1946 في المدرسة نفسها التي استقبلته تلميذاً, وعين بعد ذلك سنة 1952 ميلادي في إطار العمل الإداري التربوي بالأربعاء ناث ايراثن أما في سنة 1957 ميلادي فقد التحق بالجزائر العاصمة مديراً لمدرسة (نادور) (في المدنية حالياً) كما عين في 1960 ميلادية مفتشاً لمراكز اجتماعية كان قد أسسها أحد الفرنسيين في 1955 ميلادية وهي الوظيفة الأخيرة التي اشتغل فيها قبل أن يسقط برصاص الغدر والحقد الاستعماري في 15 مارس 1962 ميلادي, حيث كان في مقر عمله, مهموماً بقضاياً العمل وبواقع وطنه خاصة في المدن الكبرى في تلك الفترة الانتقالية حين أصبحت عصابة منظمة الجيش السري الفرنسية المعروفة ب(أويس) تمارس جرائم الاختطاف والقتل ليلا ونهاراً, حيث اقتحمت مجموعة منها على "’مولود فرعون"’ وبعض زملائه في مقر عملهم, فيسقط برصاص العصابة ويكون واحداً من ضحاياها الذين يعدون بالألوف, فتفقد الجزائر بذلك مناضلاً بفكره وقلمه.
مؤلفاته

– (أيام قبائلية) ويتكلم فيه عن عادات وتقاليد المنطقة- (أشعار سي محند) – (نجل الفقير) كتبها في شهر أفريل سنة1940م – (الذكرى) – (الدروب الوعرة) – (الأرض الدم) – مجموعة رسائل ومقالات ذات الطابع الشخصي وكلها تتكلم عن المعاناة الجزائرية تحت ظلام الاستعمار, والمحاولات العديدة لطمس هويته من تجهيل ونشر للمسيحية

من أقواله

(أكتب بالفرنسية, وأتكلم بالفرنسية, لأقول للفرنسيين, أني لست فرنسياً).




رد: مولود فرعون

خاااالص تقديري




التصنيفات
أدباء و شعراء

مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "

مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "


الونشريس

في ذكرى رحيله اليوم 31 أكتوبر]

مالك بن نبي


( 1973-1905) من أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين.

شهد عام 1905م ولادة ثلاث عبقريات:

ـ فأما الأولى فكانت في الفيزياء النووية دشنها (آينشتاين) في نظرية النسبية الخاصة.

ـ وأما الثانية فكانت في الفلسفة، فشهدت ولادة فيلسوف الوجودية (سارتر) الذي كتب حتى عمي، وكان من أغزر من كتب.

ـ والثالثة كانت في علم الاجتماع الذي جدد سيرة ابن خلدون، وجاءت من مهندس كهربائي، من خارج حقل علم الاجتماع كما هو دأب المبدعين، وكانت من جزائري هو المفكر (مالك بن نبي)، كما كان الحال مع ابن خلدون من تونس.

مالك بن نبي أبى إلاّ أن يواصل المسيرة الخلدونية في ضمير المسلم المعاصر جاعلا من البيان القرآني هاديا في سبيل اكتشاف المنهج السنني في التغيير، أي المنهج العلمي الذي يؤسس قواعده انطلاقا من استقراء الحوادث واكتشاف النواميس و القوانين التي تحكمها.

السؤال الذي يطرحه بن نبي هو كيفية الاندماج في العصر دون ذوبان والعيش لحظة الإنسانية بكل تفاعلاتها والبحث عن المشترك الإنساني في نطاق الخصوصيات الحضارية التي تشبع التجربة الإنسانية بالتنوع الخصب والثراء المفيد.

فإشكالية التخلف والتقدم والصعود والسقوط الحضاري إشكالية مواكبة لحركة الإنسان مادام موجودا عل هذه الأرض. فيجب قراءة التاريخ واستخلاص العبر منه والاستنارة به لتجاوز الأحداث والأزمات وليس للانحباس و التقوقع بداخله.

فمالك ابن نبي كان من الرواد الذين عرفوا كيف يتفاعلوا مع المعرفة الانسانية تفاعلا خلاقا دون تقليد صبياني منبعه الانبهار الذي يفضي إلى انسحاق الوعي وضموره و الذي هو نتيجة منطقية لعدم استيعاب وامتلاك لغة العصر وعدم فهم ما يبتغيه الإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو لغته.

فمالك كان محاورا متميزا لمنظومة الأفكار السائدة في عصره من ماركس إلى انجلز ومن طاغور والمهاتما غاندي إلى فرويد و دوركايم و سارتر و ماوتسي تونغ. مع استحضار مستمر للحس النقدي وليس التكرار الأجوف من اللمسات الإبداعية التي تنم عن تأمل عميق ومشاركة فاعلة في المنجز الفكري المعاصر.

مالك بن نبي أو ابن خلدون القرن العشرين, صاغ المفهوم الحضاري في قالب جديد ليتماشى مع العصر, إستقرأ التاريخ, حاور الفلسفة, اخترق الجهل و الصّمت, تغلغل في عمق المشكلة الإنسانية فاقتبس من هدي القرآن فأنار الدرب و وضع معالم للخروج من النفق المظلم و الالتحاق بركب الحضارة بل و قيادتها.

فلسفة المفكرالاجتماعي مالك بن نبي تتمحور :

الإنسان+التراب+الوقت = الحضارة

المستعمر يستعمر الشعوب التي لها قابلية للاستعمار

غير طريقة تفكيرك يتغير حالك

المشكلة فينا و ليس في ديننا

الفعالية أساس الحركة في الفرد و المجتمع

حياته :

وُلد مالك بن نبي عام 1905 في قسنطينة شرق الجزائر في أسرة فقيرة بين أحضان مجتمع جزائري محافظ ، وكانت مراحل دراسته الابتدائية والثانوية بين مدينتيْ (تِبِسّة) و(قسنطينة) وكان شغوفا بالقراءة.

سافر عام 1925 إلى مرسيليا وليون وباريس؛ بحثًا عن عمل ولكن دون جدوى، فعاد إلى الجزائر حيث عمل في تِبسَّة مساعد كاتب في المحكمة سنة 1927 وأتاح له عمله هذا الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع والفئات البسيطة من الشعب و اطلع على المعاناة الفكرية و الأخلاقية و المادية التي يتخبط فيها المجتمع الجزائري مما ساعده على تفسير ظواهر مختلفة فيما بعد.

وفي عام 1928 تعرَّف مالك بن نبي على الشيخ عبد الحميد بن باديس (1887- 1940م)، وعرف قيمته الإصلاحية، ثم سافر مرة ثانية إلى فرنسا عام 1930؛ حيث سعى إلى الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات بالرغم من ذكائه. تركت هذه الممارسات العنصرية تأثيرا في نفسه. فاضطّر للتعديل في أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) للتخرج كمهندس كهربائي. أحب الدراسة و انغمس فيها ، وفي الحياة الفكرية و ألم باللغة الفرنسية و أتقنها بامتياز، تزوج من فرنسية مسلمة واختار الإقامة في فرنسا حيث شرع يؤلف، في قضايا العالم الإسلامي و يدافع على الإسلام.

فكان أول كتاب له هو (الظاهرة القرآنية) سنة 1946


وتلاه برواية (لبَّيك) 1947 وهي رواية فلسفية


ثم (شروط النهضة) 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار و (وجهة العالم الإسلامي) 1954

أما كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي
فيعتبر من أهم ما كتب بالعربية في القرن العشرين .‏

انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م وهناك حظي باحترام، فكتب فكرة الإفريقية الآسيوية 1956.

بعد استقلال الجزائر عاد إلى الوطن سنة 1963 ، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في جامعة الجزائر المركزية، حتى استقال سنة‏ 1967 متفرغاً للكتابة، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته، بعنوان عام مذكرات شاهد القرن.

مذكرات شاهد القرن الجزء الأول من كتاب (مذكرات شاهد القرن) صدر في عام 1966 بعنوان (مذكرات شاهد القرن: الطفل) و قد تضمن هذا الجزء طفولة الكاتب ثمّ تلاه في بداية السبعينيات بالجزء الثاني وخصصه لمرحلة دراسته في باريس، وتمتد هذه الفترة من 1930 إلى 1939 و يعتبر هذا الكتاب صورة عن نضاله في طلب العلم والمعرفة ، والبحث في أسباب الهيمنة الأوروبية الصليبية ونتائجها السلبية المختلفة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا.

فهو شاهد على حقبة مظلمة في تاريخ الجزائر وظروف مواجهة الاستعمار الفرنسي العنصري، فكانت الشهادة قوية زاخرة، وستبقى من المناجم الثرية للباحثين في أكثر من مجال من مجالات الحياة المختلفة، وفي مقدمتها المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي.

وفاته :

توفي مالك بن نبي رحمه الّله يوم 31 أكتوبر 1973م، مخلفا وراءه مجموعة من الأفكار القيمة و المؤلفات النادرة .

فكر مالك بن نبي لا يزال مفتوحا وقادرا على العطاء المستمر إذا توفرت القراءة الواعية التي تؤسس على الصلب المتين ولا تقف كثيرا عند المتجاوز واللّحظي المرتبط بحدود زمنية والجغرافية المعرفية للمؤسس الرائد، لأن طبيعة الفكر الإنساني محدود بظرفه وتاريخيته.

ودور المواكبون لحركة التجديد الحضاري هو تجاوز المحدودات التاريخية باحثين عن النظم الكلية والقواعد الجامعة التي تبني الرؤية الحضارية وتضع لبنة جديدة في بناء هذه المدرسة التي بدأت مع ابن خلدون وتجددت عل يد ابن نبي في هذا العصر ولا يجب أن تتوقف هنا.

مؤلفاته:

تحلَّى مالك بن نبيّ بثقافة منهجيَّة، استطاع بواسطتها أن يضع يده على أهم قضايا العالم المتخلِّف، فألف سلسلة كتب تحت عنوان " مشكلات الحضارة" بدأها بباريس ثم تتابعت حلقاتها في مصر فالجزائر، وهي ( مرتبة ترتيبا هجائيا):

• 1- بين الرشاد والتيه 1972.


• 2-
تأملات 1961.

• 3- دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين (محاضرة ألقيت في 1972).


• 4-
شروط النهضة 1948.




• 5-
الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة 1959.

• 6- الظاهرة القرآنية 1946.

• 7- الفكرة الإفريقية الآسيوية 1956.

• 8- فكرة كومنولث إسلامي 1958.


• 9-
في مهبِّ المعركة 1962.

• 10- القضايا الكبرى.

• 11- مذكرات شاهد للقرن _الطفل 1965.

• – مذكرات شاهد للقرن _الطالب 1970.


• 12-
المسلم في عالم الاقتصاد 1972.


• 13-
مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي 1970.


• 14-
مشكلة الثقافة 1958.

• 15- من أجل التغيير.


• 16-
ميلاد مجتمع


• 17- وجهة العالم الإسلامي 1954

كما له أيضا:

• "
آفاق جزائرية" 1964.

• "
لبيك" 1947.

• "
النجدة…الشعب الجزائري يباد" 1957.

• "
حديث في البناء الجديد" 1960 ( ألحق بكتاب تأملات).

• "
إنتاج المستشرقين " 1968.

• "
الإسلام والديمقراطية" 1968.

• "
معنى المرحلة" 1970.





رد: مالك بن نبي

شكراً لك أم كلثوم على إبراز
هذه القيمة الفكرية التاريخية
لهذا الجيل




رد: مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "

لا شكر على واجب صيام

فهذا واجبنا تجاه رجالاتنا و ثقافتنا




رد: مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "

الله يجعلو في ميزان حسناتك
جزاك الله الجنة
بارك الله فيكي
في امان الله
مع تحياتي
نوال




رد: مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "

آمين يا رب العالمين

و لك مثل ذلك

و فيك بارك الله أختي نوال

مشكورة على المرور الطيب




رد: مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "

شكراً لك أم كلثوم على إبراز
هذه القيمة الفكرية التاريخية
لهذا الجيل




رد: مالك بن نبي " ابن خلدون القرن العشرين "

السلام عليكم
شكرا يا أم كلثوم على ابراز هده الشخصية التاريخية
شكراااااااااااااااااااا




التصنيفات
أدباء و شعراء

شرف الدين البوصيري

شرف الدين البوصيري


الونشريس

الونشريس نتذكر مع قدوم الذكرى النبوية الشريفة واحد من اشهر شعراء المدائح النبوية وهو شرف الدين البوصيري, شاعر من العصر المملوكي, اشتهر بنظم المدائح النبوية, ومن أشهر قصائده "البردة", هذه القصيدة التي شرحها وعارضها الكثير من الشعراء، وكانت ومازالت واحدة من أروع القصائد في مدح أشرف خلق الله رسولنا الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم".

التعريف به
شاعرنا اسمه كاملاً محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شرف الدين أبو عبد الله، ولد عام 1212م – 608 هـ، بقرية دلاص إحدى قرى بني سويف في صعيد مصر، وترجع أصوله إلى إحدى قبائل البربر التي استوطنت جنوب المغرب الأقصى، ونشأ البوصيري وترعرع بقرية بوصير والتي استمد منها لقبه.

كان أول تعليم البوصيري القرآن الكريم الذي حفظه في طفولته، ثم تتلمذ على يد عدد من علماء عصره، نظم البوصيري الشعر صغيراً، وجرب أنواعاً من الشعر إلا انه مال إلى الزهد والتصوف فأتجه إلى المدائح النبوية، والشعر الصوفي.

شعر البوصيري
بلغت شهرة البوصيري الأفاق في نظم الشعر في المدائح النبوية، فظهرت قصائده مغلفة بالروح العذبة والمعاني الصادقة مع روعة التصوير والتعبير والتي أستلهمها من حبه للنبي الكريم "صلى الله عليه وسلم"، فجاءت ألفاظه دقيقة بديعة السبك والنظم، فكانت قصائده بمثابة مدرسة لشعراء المدائح النبوية.

وأمتاز شعر البوصيري بالرصانة والجزالة وأجاد في استعمال البديع، والبيان وغلبت على قصائده المحسنات البديعية، كما تميز شعره بالقوة والرصانة، وتأتي قصيدة البردة للبوصيري على رأس قصائد المدائح النبوية، والتي عارضها أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته "نهج البردة ".

انكب البوصيري على مذهب الصوفية، فاطلع على سير عدد من أربابها قديماً وحديثاً وغاص فيها، وتلقى الصوفية على يد أبي الحسن الشاذلي، ومدح الشاذلية في شعره، وقد غلب على الشعر في العصر المملوكي والذي ينتمي إليه البوصيري، المدائح النبوية والموضوعات الدينية، ومنظومات الزهد والتصوف.

أعْـنِي أَبـا الحَسَنِ الإِمامَ المُجْتَبَى … مِـــنْ هَــاشِـمٍ والـشَّـاذِليَّ الـمَـوْلِدِ
إنَّ الإِمـــــامَ الــشَّـاذِلـيَّ طَــرِيـقُـهُ … فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي
فـانْـقُـلْ ولـــوْ قَـدَمـاً عَـلَـى آثــارِهِ … فـــإذَا فَـعَـلْـتَ فَـــذاكَ آخَـــذُ بـالْـيَدِ

قصة البردة

يقال عن سبب تسمية هذه القصيدة "بالبردة" لأن المرض كان قد أشتد على البوصيري، وفي إحدى المرات عندما كان نائماً رأى النبي "صلى الله عليه وسلم" وقد غطاه ببردته – عباءته – فأصبح وقد شفي مما هو فيه، وسميت هذه القصيدة أيضاً بالبرأة، والميمية لأنها تختتم قافيتها بحرف "الميم"، وفي هذه القصيدة يجمع كل أدواته الشعرية ويجمع همته لمدح خير خلق الله "محمد" صلى الله عليه وسلم، وقد شرح وعارض هذه القصيدة العديد من الشعراء.

ويبدأ البوصيري "البردة" بالأبيات التالية: الونشريس

أمِــــنْ تَــذَكُّــرِ جِــيـران بِـــذِي سَــلَـمٍ… مَـزَجْـتَ دَمْـعـاً جَــرَى مِـنْ مُـقْلَةٍ بِـدَمِ
أمْ هَـبَّـتْ الـريـحُ مِــنْ تِـلْـقاءِ كـاظِمَةٍ…وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فــمــا لِـعَـيْـنَيْكَ إنْ قُــلْـتَ اكْـفُـفـاهَمَتا… وَمـــا لِـقَـلْـبِكَ إنْ قُـلْـتَ اسْـتَـفِقْ يَـهِـمِ
أَيَـحْـسَـبُ الــصَّـبُّ أنَّ الــحُـبَّ مُـنْـكتِمٌ… مـــا بَــيْـنَ مُـنْـسَجِمٍ مـنـهُ ومُـضْـطَرِمِ
لـولاَ الـهَوَى لَـمْ تُـرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ… ولا أَرِقْــــتَ لِــذِكِــرِ الــبَــانِ والـعَـلَـمِ
فـكـيـفَ تُـنْـكِرُ حُـبّـاً بـعـدَ مــا شَـهِـدَتْ… بـــهِ عـلـيـكَ عــدولُ الـدَّمْـعِ وَالـسَّـقَمِ
وَأَثْـبَـتَ الـوجِـدُ خَـطَّـيْ عَـبْـرَةِ وضَـنىً… مِــثْـلَ الـبَـهـارِ عَــلَـى خَـدَّيْـكَ وَالـعَـنَمِ
نَـعَمْ سَـرَى طَـيفُ مَـنْ أهـوَى فَأَرَّقَنِي… والــحُــبُّ يَــعْـتَـرِضُ الــلَّـذاتِ بــالألَـمِ


و يستمر في مدح الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" في نفس القصيدة قائلاً: الونشريس

مُــحَـمَّـدُ سَــيِّـدَ الـكَـوْنَـيْنِ والـثَّـقَـلَيْنِ… والـفَـرِيقَيْنِ مِــنْ عُـرْبٍ ومِـنْ عَـجَمِ
نَـبِـيُّـنَـا الآمِـــرُ الـنَّـاهِـي فـــلاَ أَحَـــدٌ… أبَّـــرَّ فِـــي قَـــوْلِ لا مِــنْـهُ وَلا نَــعَـمِ
هُــوَ الـحَـبيبُ الـذي تُـرْجَى شَـفَاعَتُهُ… لِــكـلِّ هَـــوْلٍ مِــنَ الأهــوالِ مُـقْـتَحَمِ
دَعــا إلــى اللهِ فـالـمُسْتَمْسِكُونَ بِــهِ… مُـسْـتَـمْسِكُونَ بِـحَـبْلٍ غـيـرِ مُـنْـفَصِمِ
فــاقَ الـنَّـبِيِّينَ فـي خَـلْقٍ وفـي خُـلُقٍ… وَلَـــمْ يُــدانُـوهُ فـــي عِــلْـمٍ وَلا كَــرَمِ
وَكـلُّـهُـمْ مِـــنْ رَسُــولِ اللهِ مُـلْـتَمِسٌ… غَـرْفاً مِـنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِـــفُــونَ لَـــدَيْــهِ عــنــدَ حَــدِّهِــمِ… مِـنْ نُـقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فــهْـوَ الـــذي تَــمَّ مـعـناهُ وصُـورَتُـه… ثــمَّ اصْـطَـفَاهُ حَـبـيباً بــارِىءُ الـنَّسَمِ
مُــنَـزَّهٌ عَــنْ شَـرِيـكٍ فــي مـحـاسِنِهِ… فَـجَـوْهَرُ الـحُـسْنِ فـيه غـيرُ مُـنْقَسِمِ
دَعْ مــا ادَّعَـتْهُ الـنَّصارَى فـي نَـبيِّهِمِ… وَاحْـكُمْ بـما شْـئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ… وَانْـسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فـــإنَّ فَـضْـلَ رســولِ الله لـيـسَ لــهُ… حَــــدُّ فــيُـعْـرِبَ عــنــه نــاطِـقٌ بِــفَـمِ


أجاد البوصيري الخط، وتعلم قواعد هذا الفن على يد إبراهيم بن أبي عبدالله المصري وكان واحداً ممن اشتهروا بتجويد الخط في مصر، شغل البوصيري عدد من الوظائف في القاهرة والأقاليم، فعمل في صناعة الكتب خلال فترة شبابه، ثم عمل ككاتب للحسابات بمدينة بلبيس بالشرقية، ووقعت بعض المصادمات بينه وبين المستخدمين المحيطين به فضاق بهم وبأخلاقهم فنظم عدد من القصائد هجاهم فيها وذكر فيها عيوبهم مما قاله:
الونشريس

ثَـكِـلْتُ طـوائِـفَ الـمُـسْتَخْدَمِينا… فَــلَـمْ أَرَ فِـيـهـمُ رَجُـــلاً أَمِـيـنـا
فَـخُـذْ أَخْـبَـارَهُمْ مَـنِّـي شِـفـاهاً… وَأنْــظِـرْنـي لأُخْــبِـرُكَ الـيَـقِـينا
فَـقَـدْ عَـاشَـرْتُهُمْ وَلَـبِـثْتُ فِـيهمْ… مَعَ التَّجْرِيبِ مِنْ عُمْرِي سِنينا
حَـوَتْ بُـلْبُيْسُ طـائِفَةً لُـصُوصاً… عَــدَلْـتُ بِــوَاحِـدٍ مِـنْـهُمْ مِـئِـينا
فُـرَيْـجِي والـصَّـفِيَّ وَصـاحِـبَيْهِ… أبَــا يَـقْطُونَ والـنَّشْوَ الـسَّمِينا
فَـكُـتَّـابُ الـشَّـمالِ هُــمُ جَـمِـيعاً… فــلا صَـحِـبَتْ شِـمالُهُمُ الـيَمِينا
وَقَـدْ سَرقُوا الْغِلالَ وما عَلِمْنا… كـما سَرَقَتْ بَنُو سَيْفِ الجُرُونا


غادر بعد ذلك البوصيري الشرقية إلى القاهرة، وافتتح كتاباً لتعليم الأطفال ثم مالبث أن غادره إلى الإسكندرية، وظل بها حتى أخر حياته، وبها تعرف على الشيخ أبا العباس المرسي، وتتلمذ على يديه وأقبل على طريقته الصوفية، وظل بالإسكندرية حتى وفاته.

المدح النبوي
أنكب البوصيري على قراءة السيرة النبوية الشريفة، ومعرفة أخبار ومواقف في حياة الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، ثم انطلق ينشد العديد من القصائد المميزة التي تجلى فيها حبه للرسول وبالإضافة لقصيدته الشهيرة "البردة" قدم القصيدة الهمزية التي لا تقل روعة عن "البردة" ويقول فيها: الونشريس


كــيـف تــرقَـى رُقِــيَّـك الأَنـبـياءُ… يــا سـمـاءً مــا طـاوَلَتْها سـماءُ
لَـمْ يُـساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حالَ… ســنــاً مِــنــك دونَــهـم وسَــنـاءُ
إنّــمـا مَـثَّـلُـوا صِـفـاتِـك لـلـناس… كــمــا مــثَّــلَ الــنـجـومَ الــمــاءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصدُرُ… إلا عــــن ضــوئِــكَ الأَضــــواءُ
لـكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيبِ… ومــــنـــهـــا لآدمَ الأَســـــمــــاءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَارُ… لــــــــك الأُمــــهـــاتُ الأَبـــــــاءُ
مـا مـضتْ فَـترةٌ مـن الرُّسْلِ إِلّا… بَــشَّـرَتْ قـومَـهـا بِـــكَ الأَنـبـياءُ
تـتـباهَى بِــكَ الـعـصورُ وَتَـسْمو… بِــــكَ عــلْـيـاءٌ بــعـدَهـا عـلـيـاءُ
وَبَــــدا لــلـوُجُـودِ مــنــك كــريـمٌ… مــــن كــريــمٍ آبَــــاؤُه كُــرمــاءُ
نَــسَـبٌ تَـحـسِـبُ الــعُـلا بِــحُـلاهُ… قَــلَّـدَتْـهَـا نـجـومـهَـا الْــجَــوزاءُ
حــبــذا عِــقْــدُ سُــــؤْدُدٍ وَفَــخَـارٍ… أنـــتَ فــيـه الـيـتيمةُ الـعـصماءُ
وُمُـحَيّاً كـالشَّمس مـنكَ مُـضِيءٌ… أسْــفَــرَت عــنـه لـيـلـةٌ غَـــرّاءُ
لـيـلةُ الـمـولدِ الـذي كَـان لـلدِّينِ… ســـــرورٌ بــيــومِـهِ وازْدِهــــاءُ
وتـوالَتْ بُـشْرَى الهواتفِ أن قدْ… وُلِــدَ الـمـصطفى وحُــقّ الـهَناءُ
وتَـدَاعَـى إيــوانُ كِـسْرَى ولَـوْلا… آيـــةٌ مِـنـكَ مــا تَـدَاعَـى الـبـناءُ
وغَـــدَا كـــلُّ بــيـتِ نـــارٍ وفــيـهِ… كُــرْبَـةٌ مِـــنْ خُـمـودِهـا وَبـــلاءُ


وعارض قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير فقال البوصيري في قصيدته: الونشريس

إلـى مـتى أنـتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ… وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ
فِي كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوب غدا… وَعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحْلُولُ


كما قدم بائياته الثلاثة والتي قال في إحداها: الونشريس

وقَــفَــتْ بِــجــاهِ الـمـصـطـفى آمــالُـه… فــــكـــأَنـــه بـــذنـــوبـــه يَـــتَـــقَـــرَّبُ
وَبَـــــدا لـــــه أنَّ الـــوُقُــوفَ بِــبـابِـهِ… بــــابٌ لِــغُـفْـرانِ الــذُّنــوبِ مُــجَــرَّبُ
صــلَّــى عــلـيـه الــلَّـهُ إنَّ مَـطـامِـعي… فـــي جُــودِهِ قــد غــارَ مـنـها أشـعَـبُ
لِــــم لا يــغــارُ وقــــد رآنــــي دونَـــه… أدركْــتُ مِــنْ خَـيْرِ الـوَرَى مـا أطـلُبُ
مـــــاذا أخــــافُ إذا وَقَــفْــتُ بِــبـابِـهِ… وصَـحـائِـفي سُـــودٌ ورأْسِــيَ أشْـيَـبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي… يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ



توفى البوصيري بالإسكندرية عام 1296م – 696هـ، وقد ترك إرثاً قيماً للأجيال اللاحقة تمثلت في عدد كبير من قصائده والتي ضمها ديوانه الشعري، بالإضافة لقصيدة البردة أو "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "المضرية في الصلاة على خير البرية"، والقصيدة "الهمزية"، و"المحمدية"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود".




رد: شرف الدين البوصيري

باركـ الله فيكـ




التصنيفات
أدباء و شعراء

نبذة عن الكاتب والشاعر جبران خليل جبران

نبذة عن الكاتب والشاعر جبران خليل جبران


الونشريس

بمناسبة ذكرى مولد الكاتب والشاعر الكبير جبران خليل جبران اردت ان اعطي نبذة صغيرة عنه

جبران خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، (6 يناير 1883 – 10 ابريل 1931) من أحفاد يوسف جبران الماروني البشعلاني، شاعر لبناني أمريكي، ولد في بلدة بشري شمال لبنان وتوفي في نيويورك بداء السل، سافر مع أمه وإخوته إلى أمريكا عام 1895، فدرس فن التصوير وعاد إلى لبنان، وبعد أربع سنوات قصد باريس لمدة ثلاث سنوات، وهناك تعمق في فن التصوير. عاد إلى الولايات الأمريكية المتحدة مرة أخرى وتحديدا إلى نيويورك، وأسس مع رفاقه "الرابطة القلمية" وكان رئيسها. جمعت بعض مقالاته في كتاب "البدائع والطرائف".

حياته
ولد هذا الفيلسوف والأديب والشاعر والرسام من أسرة صغيرة فقيرة في بلدة بشري في 6 كانون الثاني 1883. وكانت وقتها تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. كان والده خليل جبران الزوج الثالث لوالدته كاملة رحمة التي كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران وشقيقتيه مريانا وسلطانة.
كان والده، خليل سعد جبران، يعمل راعياً للماشية ويمضي أوقاته في الشرب ولعب الورق. كان صاحب مزاج متغطرس، ولم يكن شخصاً محباً، كما يتذكر جبران، الذي عانى من إغاظته وعدم تفهمه. وكانت والدته كاملة رحمة، من عائلة محترمة وذات خلفية دينية، واستطاعت أن تعتني بها ماديا ومعنويا وعاطفيا وكانت قد تزوجت بخليل بعد وفاة زوجها الأول وإبطال زواجها الثاني. كانت شديدة السمرة، ورقيقة، وصاحبة صوت جميل ورثته عن أبيها.
لم يذهب جبران إلى المدرسة لأن والده لم يعط لهذا الأمر أهمية ولذلك كان يذهب من حين إلى آخر إلى كاهن البلدة الذي سرعان ما أدرك جديته وذكاءه فانفق الساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة مما فتح أمامه مجال المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب.
وبفضل أمه، تعلم الصغير جبران العربية، وتدرب على الرسم والموسيقى. ولما لاحظت ميل الرسم لديه، زودته بألبوم صور لـ ليوناردو دافنشي، الذي بقي معجباً به بصمت. بعد وقت طويل، كتب يقول: "لم أر قط عملاً لليوناردو دافنشي إلاّ وانتاب أعماقي شعور بأن جزءاً من روحه تتسلل إلى روحي…".
تركت أمه بصمات عميقة في شخصيته، ولم يفته أن يشيد بها في "الأجنحة المتكسرة": "إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة "الأم"، وأجمل مناداة هي "يا أمي". كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه ويداً تباركه وعيناً تحرسه…".
سنواته الأولى أمضاها جبران لا مبالياً، رغم الشجارات بين والديه والسقوط من فوق ذلك المنحدر الذي ترك فيه التواء في الكتف. تتلمذ في العربية والسريانية على يد الأب جرمانوس. وعلمه الأب سمعان القراءة والكتابة في مدرسة بشري الابتدائية. ويروي صديقه الكاتب ميخائيل نعيمة أن الصغير جبران كان يستخدم قطعة فحم ليخط بها رسومه الأولى على الجدران. ويحكى أنه طمر يوماً (وكان عمره أربع سنوات) ورقة في التراب وانتظر أن تنبت.
في العاشرة من عمره وقع جبران عن إحدى صخور وادي قاديشا وأصيب بكسر في كتفه اليسرى، عانى منه طوال حياته.
لم يكف العائلة ما كانت تعانيه من فقر وعدم مبالاة من الوالد، حتى جاء الجنود العثمانيون عام (1891) وألقوا القبض عليه أودعوه السجن بسبب سوء إدارته الضرائب التي كان يجيبها. أدين، وجرد من كل ثرواته وباعوا منزلهم الوحيد، فاضطرت العائلة إلى النزول عند بعض الأقرباء ولكن الوالدة قررت ان الحل الوحيد لمشاكل العائلة هو الهجرة إلى الولايات المتحدة الإميركية سعيا وراء حياة أفضل.
ان في كتاباته اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة.

ادبه
كان في كتاباته اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة.
أبطأ هذا النشاط الإنساني والأخبار المأساوية التي توافدت عليه من أوروبا والمشرق نتاجه الأدبي. صحيح أنه نشر عام 1914 مجموعته "دمعة وابتسامة"، غير أنها لم تكن سوى جمع لمقالات بالعربية (56 مقالة) نشرت في "المهاجر"، وكان هو نفسه قد تردد في نشرها. كانت ذات نفحة إنسانية وضمت تأملات حول الحياة، والمحبة، والوضع في لبنان وسورية، وقد اتخذت شكل القصيدة المنثورة، الأسلوب غير المعروف في الأدب العربي، وقد كان رائده.
في هذه الفترة تقريباً، شعر بالحاجة للكتابة بالإنكليزية، هذه اللغة التي يمكن أن تفتح له الكثير من الأبواب وتمكنه من ملامسة الجمهور الأمريكي. قرأ "شكسبير" مرة أخرى، وأعاد قراءة الكتاب المقدس مرات عدة بنسخة "كينغ جيمس"… كانت إنكليزيته محدودة جداً، غير أنه عمل طويلاً وبجد حتى أتقن لغة شكسبير ولكن دون أن يتخلى عن لغته الأم: "بقيت أفكر بالعربية". ".. كان غنى العربية، التي أولع بها، يدفعه دائماً إلى سبر الكلمة التي تتوافق بأفضل شكل مع مثيلتها في الإنكليزية، بأسلوب بسيط دائماً…"، كما ذكرت مساعدته بربارة يونغ.
من أين يبدأ؟ كان أمامه مشروع "النبي"، الذي نما معه منذ الطفولة. سار العمل بطيئاً جداً. أراد أخيراً أن يجد موضوعاً يستقطب أفكاره ولغته الثانية. وفكر جبران: ما الذي يمكن، مع الإفلات من العقاب، أن يكشف حماقة الناس وجبنهم وينتزعه حُجُب المجتمع وأقنعته؟. المجنون. أغرته الفكرة. لم ينس "قزحيّا" في الوادي المقدس وتلك المغارة التي كانوا يقيدون فيها المجانين لإعادتهم إلى صوابهم، كما كانوا يعتقدون. في "يوحنا المجنون"، كان قد كتب يقول إن "المجنون هو من يجرؤ على قول الحقيقة"، ذاك الذي يتخلى عن التقاليد البالية والذي "يصلب" لأنه يطمح إلى التغيير. برأيه، "أن الجنون هو الخطوة الأولى نحو انعدام الأنانية… هدف الحياة هو تقريبنا من أسرارها، والجنون هو الوسيلة الوحيدة لذلك". وهكذا، عنوان كتابه القادم: (بالإنجليزية: The Madman‏). وبقي أن يكتبه.
في هذه الأثناء، شارك في مجلة جديدة، The Seven Arts***161; التي كان ينشر فيها كتاب مشهورون، مثل جون دوس باسوس وبرتراند راسل، ومن خلالها أضحى مشهوراً في الأوساط الفنية النيويوركية، حيث نشر رسومه ونصوصه الأولى بالإنكليزية.
كانت فترة 1914 ـ 1916 غنية باللقاءات: تردد جبران إلى صالونات المجتمع الراقي الذي كانت تديره نساء متنفذات. تعرف إلى الفنانة الشهيرة "روز أونيل"، وعمدة نيويورك، والشاعرة "آمي لويل"، والرسام الرمزي "ألبرت رايدر". ودعي عدة مرات إلى Poetry Society of America***161; التي ألقى فيها مقتطفات من كتاب Madman***161; الذي كان بصدد تأليفه، أمام حضور منتبه.
في خريف 1916، التقى مرة أخرى بمخائيل نعيمة، الذي ألف فيه كتاباً، جبران خليل جبران". كان "نعيمة" يدرس في روسيا قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة، حيث درس أيضاً القانون والآداب. كتب كلاهما في "الفنون"، وكلاهما آمنا بالتقمص، وناضل كلاهما من أجل تحرير بلدهما عبر لجنة المتطوعين، جبران كمسؤول عن المراسلات بالإنكليزية ونعيمة كمسؤول عن المراسلات بالعربية.
في كانون الأول 1916، التقى أخيراً بـ "رابندراناته طاغور"، الشاعر الهندي الشهير، المتوج بجائزة نوبل في الآداب لعام 1913. وكتب إلى "ميري" في وصفه قائلاً: "حسن المنظر وجميل المعشر. لكن صوته مخيِّب: يفتقر إلى القوة ولا يتوافق مع إلقاء قصائده…". بعد هذا اللقاء، لم يتردد صحفي نيويوركي في عقد مقارنة بين الرجلين: كلاهما يستخدمان الأمثال في كتاباته ويتقنان الإنكليزية واللغة الأم. وكل منهما فنان في مجالات أخرى غير الشعر".
مع اقتراب الحرب من نهايتها، أكب جبران أكثر على الكتابة. ألف مقاطع جديدة من "النبي"، وأنهى كتابه "المجنون"، التي اشتملت على أربعة وثلاثين مثلاً (قصة قصيرة رمزية) وقصيدة. أرسلها إلى عدة ناشرين، لكنهم رفضوها جميعاً بحجة أن هذا الجنس الأدبي "لا يباع". لكنه وجد ناشراً أخيراً، وظهر العمل عام 1918 مزيناً بثلاثة رسوم للمؤلف. وكان جبران قد كتب بعض نصوصه بالعربية أصلاً، ثم ترجمها إلى الإنكليزية. ويروي فيه حكاية شخص حساس ولكن "مختلف"، يبدأ بإخبارنا كيف أصبح مجنوناً. "… في قديم الأيام قبل ميلاد كثيرين من الآلهة نهضت من نوم عميق فوجدت أن جميع براقعي قد سرقت… فركضت سافر الوجه في الشوارع المزدحمة صارخاً بالناس: "اللصوص! اللصوص! اللصوص الملاعين!" فضحك الرجال والنساء مني وهرب بعضهم إلى بيوتهم خائفين مذعورين… هكذا صرت مجنوناً، ولكني قد وجدت بجنوني هذا الحرية والنجاة معاً…". تميز أسلوب جبران في "المجنون" بالبساطة واللهجة الساخرة والمرارة، وشكل هذا العمل منعطفاً في أعمال الكاتب، ليس فقط لأنه أول كتاب له بالإنكليزية، بل لما فيه من تأمل وسمو روحي. وأرسل نسخة منه إلى "مي زيادة"، التي وجدته سوداوياً ومؤلماً. وأرسل نسخة أخرى إلى جيرترود باري، حبيبته الخبيئة. ربما أخفى جبران هذه العلاقة كي لا يجرح "ميري" ومن أجل أن لا تمس هذه العلاقة اللاأفلاطونية صورته الروحية. كان لجبران علاقات غير محددة، أفلاطونية وجسدية: جيرترود شتيرن التي التقاها عام 1930 واعتبرت نفسها حبه الأخير، وماري خواجي وماري خوريط، وهيلينا غوستين التي أكدت، كما فعلت "شارلوت" و"ميشلين" بأن جبران "زير نساء"، وقد روت، مازحةً ومداعبة، أنه طلب منها ذات مرة أن تشتري له مظلة ليقدمها إلى شقيقته "ماريانا"، لكنها اكتشفت بعد حين أنه قد أهداها لامرأة أخرى. هذه المغامرات عاشها جبران سراً, إما حفاظاً على سمعة تلك العشيقات أو خوفاً من تشويه الصورة التي كان يريد أن يعطيها حول نفسه: صورة الناسك، صورة الكائن العلوي، عاشق الروح وليس الجسد.
في تشرين الثاني 1918، أعلن الهدنة أخيراً. وكتب جبران إلى "ميري" يقول: "هذا أقدس يوم منذ ميلاد اليسوع!".
في أيار 1919، نشر جبران كتابه السادس بالعربية، "المواكب". كان قصيدة طويلة من مائتين وثلاثة أبيات فيها دعوة للتأمل، كتبها على شكل حوار فلسفي بصوتين: يسخر أحدهما من القيم المصطنعة للحضارة؛ ويغني الآخر، الأكثر تفاؤلاً، أنشودةً للطبيعة ووحدة الوجود. وقد تميز الكتاب بتعابيره البسيطة والصافية والتلقائية.
في نهاية عام 1919، نشر مجموعة من عشرين رسماً تحت عنوان (بالإنجليزية: Twenty Drawings‏). وقد أدخل الناشر إلى مقدمتها نصاً للناقدة الفنية أليس رافائيل إكستين، حيث جاء فيها أن جبران "يقف في أعماله الفنية عند الحدود بين الشرق والغرب والرمزية والمثالية". وقد قيل إن "جبران يرسم بالكلمات"، إذ يبدو رسمه في الواقع تعبيراً دقيقاً عن أفكاره.

رائعة جبران الكبيرة.. النبي
سنة 1923 ظهرت إحدى روائع جبران وهي رائعة (النبي) ففي عام 1996، بيعت من هذا الكتاب الرائع، في الولايات المتحدة وحدها، تسعة ملايين نسخة. وما فتئ هذا العمل، الذي ترجم إلى أكثر من أربعين لغة، يأخذ بمجامع قلوب شريحة واسعة جداً من الناس. وفي الستينيات، كانت الحركات الطلابية والهيبية قد تبنت هذا المؤلف الذي يعلن بلا مواربة: "أولادكم ليسوا أولاداً لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها…". وفي خطبة شهيره له، كرر جون فيتزجرالد كندي سؤال جبران: "هل أنت سياسي يسأل نفسه ماذا يمكن أن يفعله بلده له […]. أم أنك ذاك السياسي الهمام والمتحمس […] الذي يسأل نفسه ماذا يمكن أن يفعله من أجل بلده؟".
حمل جبران بذور هذا الكتاب في كيانه منذ طفولته. وكان قد غير عنوانه أربع مرات قبل أن يبدأ بكتابته. وفي تشرين الثاني 1918، كتب إلى "مي زيادة" يقول "هذا الكتاب فكرت بكتابته منذ ألف عام..". ومن عام 1919 إلى عام 1923، كرس جبران جل وقته لهذا العمل، الذي اعتبره حياته و"ولادته الثانية". وساعدته "ميري" في التصحيحات، إلى أن وجد عام 1923 أن عمله قد اكتمل، فدفعه إلى النشر، ليظهر في أيلول نفس العام.
"النبي" كتاب ممتميز جداً ممن حيث أسلوبه وبنيته ونغمية جمله، وهو غني بالصور التلميحية، والأمثال، والجمل الاستفهامية الحاضة على تأكيد الفكرة نفسها، من يستطيع أن يفصل إيمانه عن أعماله، وعقيدته عن مهنته؟، أو ليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها؟.
أمكن أيضاً إيجاد تشابه بين "النبي" و"هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه. من المؤكد أن جبران قرأ كتاب المفكر الألماني، وثمّنه. اختار كلاهما حكيماً ليكون لسان حاله. الموضوعات التي تطرقا إليها في كتابيهما متشابهة أحياناً: الزواج، والأبناء، والصداقة، والحرية، والموت…. كما نعثر على بعض الصور نفسها في العملين، كالقوس والسهم، والتائه….. مع ذلك، ففي حين تتسم الكتابة النيتشوية برمزية شديدة وفصاحة تفخيمية، تمتاز كتابة "النبي" بالبساطة والجلاء وبنفحة شرقية لا يداخلها ضعف. ونيتشه أقرب بكثير إلى التحليل الفلسفي من جبران، الذي يؤثر قول الأشياء ببساطة.
"النبي" هو كتاب في التفاؤل والأمل. وبطريقة شاعرية، وأسلوب سلس، يقدم لنا جبران فيه برسالة روحية تدعونا إلى تفتح الذات و"إلى ظمأ أعمق للحياة".
ماذا يقول لنا جبران في "النبي" على لسان حكيمه؟. عندما طلبت منه المطرة، المرأة العرافة، خطبة في المحبة، قال: "المحبة لا تعطي إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها. المحبة لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأن المحبة مكتفية بالمحبة". ولما طلبت رأيه في الزواج، أجاب: "قد ولدتم معاً، وستظلون معاً إلى الأبد. وستكونون معاً عندما تبدد أيامكم أجنحة الموت البيضاء.. أحبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود.. قفوا معاً ولكن لا يقرب أحدكم من الآخر كثيراً: لأن عمودي الهيكل يقفان منفصلين، والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها". وفي الأبناء، يقول: أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم". وفي العمل: "قد طالما أُخبرتم أن العمل لعنة، والشغل نكبة ومصيبة. أما أنا فأقول لكم إنكم بالعمل تحققون جزءاً من حلم الأرض البعيد، جزءاً خصص لكم عند ميلاد ذلك الحلم. فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة. لأن من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها، وتدنيه من أبعد أسرارها"…….
في عام 1931، كتب جبران بخصوص "النبي": "شغل هذا الكتاب الصغير كل حياتي. كنت أريد أن أتأكد بشكل مطلق من أن كل كلمة كانت حقاً أفضل ما أستطيع تقديمه". لم تذهب جهوده عبثاً: بعد سبعين سنة على وفاته، ما يزال يتداوله ملايين القراء في أنحاء العالم.
بقي جبران على علاقة وطيدة مع ماري هاسكال، فيما كان يراسل أيضا الأديبة مي زيادة التي أرسلت له عام 1912 رسالة معربة عن إعجابها بكتابه " الأجنحة المتكسرة". وقد دامت مراسلتهما حتى وفاته رغم أنهما لم يلتقيا أبدا.

مؤلفاته

بالعربية
ألّف باللغة العربية:
دمعة وابتسامة. 1914
الأرواح المتمردة. 1908
الأجنحة المتكسرة. 1912
العواصف / المواكب 1918
البدائع والطرائف: مجموعة من مقالات وروايات تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة ومن مقالاته "الأرض". نشر في مصر عام 1923.
عرائس المروج

بالإنجليزية
ألّف باللغة الإنجليزية:
النبي مكون من 26 قصيدة شعرية وترجم إلى ما يزيد على 20 لغة. 1923
المجنون. 1918
السابق 1920
رمل وزبد. 1926
يسوع ابن الإنسان. 1928
حديقة النبي. 1933
آلهة الأرض. 1931
الأعلام للزركلي.
التائه 1932

وفاته

كانت صحة جبران قد بدأت تزداد سوءاً. وفي 9 نيسان، وجدته البوابة يحتضر فتوفي جبران في 10 نيسان 1931 في إحدى مستشفيات نيويورك وهو في الثامنة والأربعين بعد أصابته بمرض السرطان فنقل بعد ثلاثة أيام إلى مثواه الأخير في مقبرة "مونت بنيديكت"، إلى جوار أمه وشقيقته وأخيه غير الشقيق. ونظمت فوراً مآتم في نيويورك وبيونس آيرس وساوباولو حيث توجد جاليات لبنانية هامة. وبعد موافقة شقيقته "ماريانا"، تقرر نقل جثمان جبران في 23 تموز إلى مسقط رأسه في لبنان. واستقبلته في بيروت جموع كبيرة من الناس يتقدمها وفد رسمي. وبعد احتفال قصير حضره رئيس الدولة، نقل إلى بشري، التي ووري فيها الثرى على أصوات أجراس الكنائس. وإلى جوار قبره، نقشت هذه العبارة: "كلمة أريد رؤيتها مكتوبة على قبري: أنا حي مثلكم وأنا الآن إلى جانبكم. أغمضوا عيونكم، انظروا حولكم، وستروني….". عملت شقيقته على مفاوضة الراهبات الكرمليات واشترتا منهما دير مار سركيس الذي نقل إليه جثمان جبران، وما يزال إلى الآن متحفا ومقصدا للزائرين.
وفضلاً عن الأوابد التي كرست للفنان في وطنه الأم (متحف جبران، وساحة جبران التي دشنت في وسط بيروت عام 2000)، هنالك مواقع، وتماثيل، ولوحات تذكارية تكرم ذكراه: في الولايات المتحدة نصبان تذكاريان لجبران، أحدهما في بوسطن، والآخر في واشنطن. ويضم عدد من أشهر المتاحف الأمريكية العديد من لوحات جبران. وكانت الجالية اللبنانية في البرازيل قد دشنت أيضاً مركزاً ثقافياً سمي "جبران".
و قدم العديد من الفنانين العرب أغانى من كلمات جبران خليل جبران ومنهم فيروز والفنانة ماجدة الرومي، وأخيرا احتفل الفنان المصري طوني قلدس بيوبيل 125 عام على ولادة الشاعر والأديب عام 2022 في عدة حفلات واطلق عملين من كلمات جبران.




رد: نبذة عن الكاتب والشاعر جبران خليل جبران

شكرا جزيلا




التصنيفات
أدباء و شعراء

الفيروزآبادي

الفيروزآبادي


الونشريس


اسم الفيروزآبادي ومولده
محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، أبو طاهر مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي. كان رحمه الله تعالى ينتسب إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، صاحب التنبيه، وربما يُرفع نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان يكتب بخطه: (الصديقي)[1].
وُلِد الفيروزآبادي عام 729هـ/ 1329م[2]، وذلك في كازرون من أعمال شيراز[3]، وانتقل إلى العراق، وجال في مصر والشام، ودخل بلاد الروم والهند، وزَبِيد باليمن حيث استقر بها العشرين عامًا الأخيرة من عمره[4].
أهم ملامح شخصية الفيروزآبادي وأخلاقه

كان الإمام محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي حادَّ الذهن، شديد الذكاء، سريع البديهة، ذا فطنة عظيمة، وكان حريصًا غاية الحرص على تحصيل العلم وشراء الكتب وحملها معه، مهما كلفه ذلك من مشقَّات، أو جَلَبَ لَهُ من متاعب.
وعن ذلك يقول ابن حجر في (إنباء الغمر بأبناء العمر): "وقد أكثر المجاورة بالحرمين، وحصل دنيا طائلة وكتبًا نفيسة، لكنه كان كثير التبذير، وكان لا يسافر إلا وصحبته عدة أحمال من الكتب، ويُخرِج أكثرها في كل منزلة ينظر فيها، ويعيدها إذا رحل"[5]، وكان لا ينام حتى يحفظ مائتي سطر[6].
نشأة الفيروزآبادي

نشأ بكازرون، فحفظ القرآن بها وهو ابن سبع، وجوَّد الخط ثم نقل فيها كتابين من كتب اللغة، وانتقل إلى شيراز وهو ابن ثمانٍ، وأخذ اللغة والأدب عن والده ثم عن القوَّام عبد الله بن محمود بن النجم وغيرهما من علماء شيراز، وسَمِع فيها على الشمس أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنصاري الزَّرَندي المدني الصحيحَ، بل قرأ عليه جامع الترمذي هناك درسًا بعد درس في شهور سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وارتحل إلى العراق فدخل واسط وقرأ بها القراءات العشر على الشهاب أحمد بن علي الديواني، ثم دخل بغداد في السنة المذكورة فأخذ عن التاج محمد بن السباك، والسراج عمر بن علي القزويني[7].
شيوخ الفيروزآبادي

ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة خمس وخمسين فسمع بها من التَّقِي السبكي، وأكثر من مائة شيخ منهم ابن الخبَّاز، وابن القيِّم، ومحمد بن إسماعيل بن الحموي، وأحمد بن عبد الرحمن المرداوي، وأحمد بن مظفر النابلسي، ويحيى بن علي بن مجلي بن الحداد الحنفي، وغيرهم ببعلبك وحماة وحلب، وبالقدس من العلائي والبياني والتقي القلقشندي. ثم دخل القاهرة بعد أن سمع بغزة والرَّملة، فكان ممن لقيه بها البهاء بن عقيل، والجمال الأسنوي، وابن هشام النحوي، وسمع من العز بن جماعة، والقلانسي، والمظفر العطار، وناصر الدين التونسي، وناصر الدين الفارقي، وابن نباتة، والعرضي، وأحمد بن محمد الجزائري. وسمع بمكة من الضياء خليل المالكي، واليافعي، والتقي الحرازي، ونور الدين القسطلاني، وجماعة. وجال في البلاد الشمالية والمشرقية، ودخل بلاد الروم والهند، ولقي جمعًا من الفضلاء وأخذ عنهم[8].
تلامذة الفيروزآبادي

من تلاميذه: الشاعر المؤرخ الصلاح الصفدي، والبهاء بن عقيل، والجمال الأسنوي، وابن هشام النحوي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهم[9].
مؤلفات الفيروزآبادي

في التفسير (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) مجلدان، و(تنوير المقياس في تفسير ابن عباس) أربع مجلدات، و(تيسير فاتحة الإياب في تفسير فاتحة الكتاب) مجلد كبير، و(الدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم)، و(حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص)، و(شرح قطبة الحُساف في شرح خطبة الكشاف).
وفي الحديث والتاريخ: (شوارق الأسرار العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية) أربع مجلدات، و(منح الباري بالشيح الفسيح المجاري في شرح صحيح البخاري)، و(عمدة الحكام في شرح عمدة الأحكام) مجلدان، و(امتضاض السهاد في افتراض الجهاد) مجلد، و(الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الجهاد) ثلاث مجلدات، و(النفحة العنبرية في مولد خير البرية)، و(الصلاة والبشر في الصلاة على خير البشر)، و(الوصل والمُنَى في فضل مِنَى)، و(المغانم المطابة في معالم طابة)، و(مهيج الغرام إلى البلد الحرام)، و(إثارة الحجون لزيارة الحجون)، و(أحاسن اللطائف في محاسن الطائف)، و(فصل الدرة من الخرزة في فضل السلامة على الجنزة) قريتان بوادي الطائف، و(روضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر)، و(المرقاة الوفية في طبقات الحنفية)، و(البلغة في تراجم أئمة النحاة واللغة)، و(الفضل الوفي في العدل الأشرفي)، و(نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان) في مجلد، و(تعين الغرفات للمعين على عين عرفات)، و(منية السُّول في دعوات الرسول)، و(التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح)، و(تسهيل طريق الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول)، و(الدر الغالي في الأحاديث العوالي)، و(سِفر السعادة)، و(المتفق وضعًا والمختلف صنعًا).
وفي اللغة وغيرها: (اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب)، و(القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط) في جزأين ضخمين وهو عديم النظير، و(مقصود ذوي الألباب في علم الأعراب) مجلد، و(تحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين)، أخذه عنه البرهان الحلبي الحافظ، ونقل عنه أنه تتبع أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضعٍ، مع تعظيمه لابن فارس وثنائه عليه. و(المثلث الكبير) في خمس مجلدات، و(الصغير)، و(الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف)، و(الدرر المبثثة في الغرر المثلثة)، و(بلاغ التلقين في غرائب اللعين)، و(تحفة القماعيل فيمن يسمى من الملائكة والناس إسماعيل)، و(أسماء السراح في أسماء النكاح)، و(أسماء الغادة في أسماء العادة)، و(الجليس الأنيس في أسماء الخندريس) في مجلد، و(أنواء الغيث في أسماء الليث)، و(أسماء الحمد)، و(ترقيق الأسل في تصفيق العسل) في كراريس، و(مزاد المزاد وزاد المعاد في وزن بانت سعاد) وشرحه في مجلد، و(النخب الطرائف في النكت الشرائف)، إلى غيرها من المؤلفات[10].
ثناء العلماء على الفيروزآبادي

قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: "كان حافظًا للغة، واسع المعرفة بها"[11]. قال عنه التَّقِيُّ الكِرْمانيُّ: "كان عديم النظير في زمانه، نظمًا ونثرًا بالفارسي والعربي"[12]. وقال الخزرجي في (تاريخ اليمن): "إنه لم يزل في ازدياد من علوِّ الجاه والمكانة ونفوذ الشفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار"[13].
وقال المقري: "هو آخر من مات من الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفنٍّ فاق فيه أقرانه على رأس القرن الثامن، وهم: الشيخ سراج الدين البلقيني في الفقه على مذهب الشافعي، والشيخ زين الدين العراقي في الحديث، والشيخ سراج الدين ابن المُلقِّن في كثرة التصانيف وفن الفقه والحديث، والشيخ شمس الدين الفناري في الاطِّلاع على كل العلوم العقلية والنقلية والعربية، والشيخ أبو عبد الله بن عرفة في فقه المالكية بالمغرب، والشيخ مجد الدين الشيرازي (الفيروزآبادي) في اللغة"[14].
وقال عنه أيضًا: "كان كثير العلم والاطلاع على المعارف العجيبة، وبالجملة كان آية في الحفظ والاطلاع والتصنيف"[15]. وقال عنه الزركلي: "كان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير"[16].
وفاة الفيروزآبادي

تُوُفِّي في زَبِيد باليمن سنة 817هـ/ 1415م[17].
[1] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الثانية، 1986م، 7/160.
[2] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[3] السخاوي: الضوء اللامع 5/29. ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر 7/160.
[4] ابن حجر: السابق نفسه، الصفحة نفسها. د/رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 3/198.
[5] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر 7/161.
[6] السابق نفسه 7/162.
[7] السخاوي: الضوء اللامع 5/29.
[8] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[9] د. رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 3/198.
[10] السخاوي: الضوء اللامع 5/30، 31.
[11] ابن حجر: تقريب التهذيب 1/13.
[12] السخاوي: الضوء اللامع 5/31.
[13] المقري: أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض 1/250.
[14]السابق نفسه 1/248.
[15] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[16] الزركلي: الأعلام 7/146.
[17] السابق نفسه، الصفحة نفسها.




التصنيفات
أدباء و شعراء

نبذ شائقة عن أبي العلاء المعرّي

نبذ شائقة عن أبي العلاء المعرّي ..


الونشريس

نبذ شائقة عن علَم من أعلام اللّغة أو الأدب

المعرّيّ، أبو العلاء

حياة المعري | شخصية المعري | مؤلفاته النثرية |
شعر المعري | اثرعلمه وثقافته في شعره | فلسفة المعري
أسئلة

المعرّيّ، أبو العلاء (363 – 449هـ، 973 – 1057م)
أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد بن سليمان المعري، التنوخي. شاعر ومؤلف عربي كبير
كنيته أبو العلاء، ولقب نفسه برهين المحبسين
المحبس الأول فقد البصر والثاني ملازمته داره واعتزاله الناس
ولد بمعرة النعمان وهي مدينة شامية، يرى بعض المؤرخين أنها منسوبة للنعمان بن عدي
ويرى آخرون نسبتها للنعمان بن بشير الأنصاري والي حمص وقنسرين أيام معاوية ويزيد
ثم أيام عبدالملك، لأنه أول من بنى بيتًا بها
وكان قد مر بها فمات ابن له فدفنه وأقام عليه
فيكون معناها الشدة، فيقال معرة النعمان أي شدته أو حزنه
حياتـه:

أسرته.
في هذه المدينة استقرت أسرة المعري
التي ترجع بأصولها إلى قبيلة عربية مشهورة
هي تنوخ التي ينتهي نسبها إلى قضاعة ثم إلى يعرب بن قحطان.
وسميت بذلك لأنها تنخت بالشام قديمًا أي أقامت،
وقد عمر المعرة منهم بطن لبني ساطع الجمال وهو النعمان بن عدي
ولقب "بالساطع" لجماله وبهائه وكان جوادًا شجاعًا.
وبيت أبي العلاء في بني سليمان بن داود بن المطهر وفيهم العلم والرئاسة
يقول ابن العديم "وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها من بني سليمان".
وتولى أجداد أبي العلاء قضاء المعرة وضم إليها جده أبوالحسن سليمان قضاء حمص أيضًا،
وعرف بالفضل وكرم النفس، ومات سنة 290 هـ، فولي بعده ابنه أبوبكر محمد بن سليمان
عم أبي العلاء الذي قصده الشعراء بالمدح. يقول الصنوبري فيه
بأبي يا ابن سليمان لقد سدت تنوخا
وهم السادة شبانًا لعمري وشيوخا
فلما مات ولي القضاء بعده أخوه عبدالله بن سليمان والد أبي العلاء،
واختلف في سنة وفاته، وله من الولد، غير أبي العلاء، أبو المجد محمد بن عبدالله
وأبو الهيثم عبدالواحد ابن عبدالله، وكانا شاعرين وخلّفا طائفة من الأولاد تولوا القضاء.
واستمر مجد الأسرة حتى أواخر القرن السادس الهجري.
وجدته لأبيه هي أم سلمة بنت أبي سعيد الحسن بن إسحاق المعري،
كانت تروي الحديث وعُدّت من شيوخ أبي العلاء الذين سمع الحديث عنهم.
وأمه من بيت معروف من بيوتات حلب الشهباء. وجده لأمه هو محمد بن سبيكة.
وخالاه هما أبوالقاسم علي وأبو طاهر المشرف، وكانا من ذوي الشرف والمروءة والكرم
ومن أرباب الأسفار طلبًا للمجد والجاه. يقول أبو العلاء في رثاء أمه
وكم لك من أب وسم الليالي
على جبهاتها سمــة اللئام
مضى وتَعــرُّف الأعــلام فيـه
غني الوسم عن ألف ولام
يقول في خاله علي:
كأن بني سبيـــكة فوق طير
يجوبون العزائز والنـــــجادا

أبالإســكندر الملك اقتديتم
فما تضعون في بلد وســـادا

وكانت صلته بهم طيبة، كما كانوا به بررة يعينونه ويصلونه.
وخاله أبو طاهر هذا هو الذي أعانه على رحلة بغداد، ولذا كان يكثر من ذكرهم
وله معهم مراسلات ومنها قصيدة بعث بها إلى خاله أبي القاسم علي
وكان قد سافر إلى المغرب فطالت غيبته
تفدِّيك النفوس ولاتفادى
فأدن الوصل أو أطل البعادا
وكان المعري شديد التعلق بأمه يتحدث عنها بعاطفة مشبوبة متقدة،
ولما رحل إلى بغداد كان حنينه إليها متصلاً وطيفها لا يفارقه، وتصحبه الهواجس والظنون،
وبقي طوال عمره يذكرها ولم ينسها على مر الأعوام.
يقول ـ وهو شيخ ـ لابن أخيه القاضي أبي عبدالله محمد:

[color="rgb(153, 50, 204)"]أعبدالله ما أُسـدي جميـلاً
نظير جميل فعلك مثل أمي
سقتني درها ورعت وباتت

تعـوذني وتـقـرأ أو تُسـمي
[/color]

نشأته.
أصيب في آخر العام الثالث من عمره بالجدري فعمي في الرابعة من عمره،
ولم يبق من ذكريات ما رآه إلا اللون الأحمر.
قال: " لا أعرف من الألوان إلا الأحمر،
لأني ألبست في الجدري ثوبًا مصبوغًا بالعصفر، لا أعقل غير ذلك".
بدأ أبوالعلاء صغيرًا في تلقي العلم على أبيه،
وأول ما بدأ به علوم اللسان والدين على دأب الناس في ذلك العصر،
وتُلمح الفائدة التي جناها من هذه الدروس إذ بدأ يقرض الشعر وله إحدى عشرة سنة
ثم ارتحل إلى حلب ليسمع اللغة والآداب من علمائها تلاميذ ابن خالويه.
وكانت حلب في ذلك العصر إحدى حواضر العالم الإسلامي الكبرى
تضم جمعًا من العلماء ممن استدعاهم سيف الدولة إبان عنفوان دولته،
ولم تذهب نهضتها بموته بل استمرت بعده.
وفي حلب شهر تبريز المعري وروايته للأدب والشعر.
فقد روي أنه صحّح رواية شيخه ابن سعد لبيت المتنبي:
أو موضعًا في فناء ناحية
تحمل في التاج هامة العاقد
فقال أبوالعلاء:

أو موضعًا في فتان ناجية

ولم يقبل شيخه ذلك حتى مضى إلى نسخة عراقية للديوان فوجده كما قال أبوالعلاء.
تلقى أبوالعلاء دروسًا في السنة عن يحيى بن مسعر.
ومن حلب توجه إلى أنطاكية، وكانت بها مكتبة عامرة تشتمل على نفائس من الكتب
فحفظ منها ما شاء الله أن يحفظ، ثم سافر إلى طرابلس الشام ومر في طريقه باللاذقية،
ويقال إنه درس النصرانية واليهودية جميعًا.
ولما وصل أبو العلاء إلى طرابلس وجد بها مكتبة كبيرة ـ
وقفها أهل اليسار ـ درس منها ثم عاد إلى المعرة.
تردد في طور لاحق في مكتبات بغداد ودور العلم بها.
كان استعداده للعلم عظيمًا وذكاؤه ملتهبًا. روى الثعالبي عن أبي الحسن المصيصي الشاعر قوله:
" لقيت بمعرة النعمان عجبًا من العجب، رأيت أعمى شاعرًا ظريفًا يلعب بالشطرنج والنرد
ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول:
"أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر،
فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء"".
أشار ابن العديم إلى قوة حفظ أبي العلاء برواية حكاية عن ابن منقذ ذكر فيها
أنه يقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فيحفظهما،
ولم يعلم له من شيوخ بعد سن العشرين، وذكر هو نفسه أنه لم يحتج إليهم بعدها.

وفاة أبيه
اختلف المؤرخون في السنة التي مات فيها أبوه، فيذكر ياقوت أنه توفي سنة 377هـ بحمص،
وبهذه الرواية يأخذ بعضهم ويبني عليها رأيه في نبوغ أبي العلاء الباكر وعبقريته الفذة.
ويقول ابن العديم: إنه توفي سنة 395هـ بمعرة النعمان.
ويؤيد جمع من الدارسين روايته لأسباب منها أنه كان يذكر أسانيد رواياته،
وأغلب رواته من بني سليمان أو من تلاميذ المعري ومعاصريه،
ويذكر طرق الرواية قراءة أو سماعًا أو مكاتبة،
هذا فضلاً عن تخصصه واقتصاره على أخبار أبي العلاء بخلاف ياقوت في كتابه الجامع المانع.
ومنها أن القصيدة التي رثى بها أباه شديدة الأسر محكمة التركيب
فيها درجة من النضج الفني والفكري يصعب أن يتصف به ابن أربع عشرة سنة،
وقد وصفت بأنها من عيون الشعر في الديباجة والأغراض والمعاني.
وقد خلفت وفاة والده جراحًا غائرة وأسى عميقًا في نفسه لعظم عطاء الوالد البر
الذي كان اعتماد أبي العلاء عليه كبيرًا في كثير من شؤونه،
فأحس بعده بأنه مهيض الجناح ضائع أو شبه ضائع،
وهذا الحدث أمده بكثير من الآراء التي عظمت عنده من سوء رأيه في الحياة ويقينه بفسادها.

[color="rgb(46, 139, 87)"]رحلته إلى بغداد[/color]
كان أبوالعلاء فقيرًا، وكان لايتكسب بشعره، وكان له ثروة ضئيلة
لا تتجاوز ثلاثين دينارًا في السنة جعل نصفها لخادمه.
ويرى بعضهم أن الذي منعه من التكسب أمران:
أولهما أن عزة النفس التي ورثها عن أسرته تمنعه من إراقة ماء وجهه،
وتصده عن ذل السؤال،
وثانيهما فطرته السليمة ودراسته الفلسفية اللتان صانتاه من الابتذال
وصوغ الأكاذيب في الأمراء. والكذب عنده بشع قبيح،
ثم إن المال الذي يأخذه عن طريق التكسب مال حرام
استحل ظلمًا وأولى به شيخ كبير وعجوز فانية وأرملة مهيضة الجناح وأطفال زغب.
كانت أمه تمانع في سفره أول الأمر، ولكنه أقنعها فأذنت له،
وأعد له خاله أبو طاهر سفينة انحدر بها إلى الفرات حتى بلغ القادسية،
وهناك لقيه عمال السلطان فاغتصبوا سفينته واضطروه إلى أن يسلك طريقًا مخوفة إلى بغداد،
وعند وصوله نظم قصيدة قدمها إلى أبي حامد الأسفراييني واصفًا سفره
وجور عمال السلطان طالبًا مودة أبي حامد ومساعدته في رد سفينته.
ويتظرف فيها واصفًا سفره البري باصطلاح الفقهاء:

ورب ظهر وصلناها على عجل
بعصرها من بعيد الورد لمّاع
بضربتين لطهر الوجه واحدة
وللذراعــين أخــرى ذات إســراع
وكم قصرنا صلاة غير نافلة
في مهمه كصلاة الكسف شعشاع
ولا يذكر المؤرخون أسبابًا لرحلته تلك سوى أنها للسياحة وطلب العلم والحرص على الشهرة بمدينة السلام،
وربما أشاروا من طرف خفي إلى فقره وطلبه الغنى.
ولكن القفطي والذهبي ينصان على أن عامل حلب كان قد عارض أبا العلاء في وقف له،
فارتحل إلى بغداد شاكيًا متظلمًا. وقد يكون الاضطراب السياسي في الشام آنذاك
أحد الأسباب التي أخرجته وبغضت إليه المعرة فتركها ليقيم ببغداد.
وكانت أجزاء كبيرة من الشام قد خضعت للعبيديين وهم من الشيعة الباطنية
وكان المعري مبغضًا لهم غاية البغض،
فيرجح بعض الدارسين أن خروجه قد يكون بسبب تحكم هؤلاء في المعرة في السنة التي خرج فيها.
أما المعري فينفي أن يكون خروجه طلبًا لدنيا أو التماسًا لرزق:

[color="rgb(153, 50, 204)"]أنبئكم أني على العهد سالم
ووجهي لما يبتذل بسؤال
وأني تيممت العراق لغير ما
تيممـه غيـلان عند بـلال
[/color]

وكرر هذا في رسائله لأهل المعرة ولخاله،
وذكر أن أهل بغداد بذلوا له الأموال ليبقى بينهم، ولكن وجدوه
"غير جذل بالصفات ولاهش إلى معروف الأقوام".
كما نفى نفيًا قاطعًا أن يكون خروجه ليستزيد من العلم:
"ومنذ فارقت العشرين من العمر ما حدثت نفسي باجتداء العلم من عراقي ولا شامي.
وانصرفت وماء وجهي في سقاء غير سرب، لم أرق قطرة منه في طلب أدب ولا مال. "
مع أنه كان أمرًا مألوفًا في عصره أن يرحل الرجل ليستكثر من لقاء الشيوخ
وكانت بغداد مما يقصد إليها الشعراء واللغويون والفقهاء والمحدثون.
وقد صرح أبو العلاء بسبب سفره في بعض رسائله أنه أتاها قاصدًا دار الكتب بها،
وكان يسميها دار العلم. ويذكر أنه لما دخل بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائنها.
وأنه حضر إلى خزانة الكتب التي بيد عبدالسلام البصري
وعرض عليه أسماءها فلم يستغرب شيئًا لم يره من قبل بدور العلم بطرابلس
إلا ديوان تيم اللات فاستعاره.
كان خروج المعري إلى بغداد في أواخر سنة 398هـ ودخلها في أوائل سنة 399هـ،
ولم يأت بغداد مغمورًا بل سبقته شهرته إليها،
ولكن أهل العاصمة الكبرى لم يكونوا ليسلموا بعبقرية الوافد قبل امتحانه.
وقد أعدوا له امتحانًا عسيرًا اجتازه بنجاح، ذكره ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار:
"احضروا دستور الخراج الذي في الديوان، وجعلوا يوردون عليه ما فيه مياومة
وهو يسمع إلى أن فرغوا، فابتدأ أبو العلاء وسردعليهم كل ما أوردوه له".
وأقروا له بالحفظ والعلم، والشعر معًا إذ قرأوا عليه ديوان سقط الزن
حضر المعري كثيرًا من مجالس العلماء ببغداد
واشترك في دروسهم ومناظراتهم فكان يحضر مجمع سابور بن أردشير وفيه يقول:

وغنت لنا في دار سابور قينة
من الورق مطراب الأصائل ميهال

ويحضر مجمع عبدالسلام البصري يوم الجمعة ويقول فيه:

[color="rgb(153, 50, 204)"]تهيـج أشـواقي عروبة أنها
إليك ذوتني عن حضور بمجمع
ويحضر دروس الشريف المرتضي،
[/color]

وكانت علاقته أول الأمر حسنة متينة بالشريفين المرتضي والرضي وأسرتهما،
ورثى والدهما الشريف الطاهر بقصيدة مرتجلة، وكانا يجلانه ويرفعان منزلته،
ثم تغير المرتضي عليه. كما كان يحضر المجالس الشعرية بمسجد المنصور حيث يلقي الشعراء قصائدهم.
ورغم هذا الحضور وتلك المشاركات العلمية الاجتماعية الحافلة إلا أن المقام لم يطب له ببغداد،
وحدث له من الحوادث ما آلمه وزهده فيها.
من تلك الحوادث ما يروى من أنه عثر يوم إنشاده المرثية في الشريف الطاهر برجل لا يعرفه،
فقال له الرجل إلى أين يا كلب؟ فأجابه: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا.
وأشد من هذا وقعًا على نفسه موقف الشريف المرتضي منه لما جرى ذكر المتنبي في مجلسه،
وكان المرتضي يكرهه ويتعصب عليه ويتتبع عيوبه،
فقال المعري: "لو لم يكن له إلا قوله: "لك يا منازل في القلوب منازل". لكفاه،
فغضب المرتضي وأمر بإخراجه فسحب برجله وأخرج،
ثم قال المرتضي لجلسائه: أتدرون لم اختار الأعمى هذه القصيدة
دون غيرها من غرر المتنبي؟ قالوا: لا. قال: إنما عرض بقوله:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل

وحاول المعري حضور مجلس إمام النحو ببغداد أبي الحسن علي بن عيسى الربعي،
ولما قصده واستأذن عليه قال أبو الحسن: ليصعد الاصطبل، وتعني الأعمى بلغة الشام،
فانصرف من فوره مغضبًا، ثم قرر المعري الانسحاب من بغداد،
وما كان هينًا على البغداديين مفارقته فكانوا لرحيله كارهين ولفراقه محزونين وودعوه باكين
. وودعهم بقصيدته المشهورة:

[color="rgb(153, 50, 204)"]نبي من الغربان ليس على شرع
يخبرنا أن الشعوب إلى الصدع
ويذكر أبو العلاء سببين لرحيله هما فقره ومرض أمه.

أثارني عنكم أمران والدة
لم ألقها وثراء عاد مسفوتا
[/color]
ويقال إن من أسباب خروجه أن فقهاء بغداد تعرضوا له في بيتين هما:
[color="rgb(153, 50, 204)"]يد بخمس مئين عسجد وديب

ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكــوت له

وأن نعـوذ بمـولانـا من النــار
[/color]
ولما عزمو على أخذه بهما خرج من بغداد طريدًا منهزمًا
ورجع إلى المعرة ولزم منزله فكان لا يخرج منه.
ولايذكر معاصروه شيئًا من هذا ولا المعري نفسه، الذي كان يقظًا في تسجيل ما يمر به من أحداث
. بل إن إحدى رسائله تشهد بعكس هذا إذ يقول فيها:
"يحسن الله جزاء البغداديين فقد وصفوني بما لا أستحق،
وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم، وعرضوا أموالهم عرض الجد".
ويذكر بعضهم أنه فارق بغداد كارهًا لها، زاهدًا فيها،
ولكن رسائله تبين أنه أحبها حبًا جمًا وفارقها مكرهًا،
وكان يتمنى المقام بها وكأن مقامه بها كان يقتضيه أن يبذل ما لا يستطيع بذله من خلقه وعزته وأنفته،
وما كان باستطاعته تغيير طبعه وقد شب عن الطوق. وتبين التائية شيئًا من عاطفته تجاه بغداد:
[color="rgb(153, 50, 204)"]يا عارضًــا راح تحــدوه بوارقـه

للكرخ سلمت من غيث ونجيتا
لنــا ببغــداد من نهــوى تحيتــه

فـإن تحمـــلتها عــنـا فحيــيــتا
يا ابن المحسن ما أنسيت مكرمة

فاذكر مودتنا إن كنت أنسـيتـا
سقيًا لدجلــة والدنـــيا مفرقــة

حتى يعود اجتماع النجم تشـتيتًا

وله من قصيدة أخرى:
متى سألت بغــداد عني وأهلها

فإني عن أهل العواصـم سـآل
[/color]
وتظهر على لسانه فلتات في ذم أهل بغداد في اللزوميات،
لعلها أثر من آثار ما لقي من أذى فيها، أو لعلها صدى لسوء رأيه في الناس جميعًا إبان عزلته.
خرج أبوالعلاء من بغداد لست ليال بقين من رمضان عام 400هـ،
وحدد طريق عودته من بغداد إلى الموصل
ثم نزل بالحسنية ووصل بعدها إلى آمد، وقد مر في طريقه بطرف حلب ولم يدخلها تنفيذًا لقرار العزلة.

عزلته
توفيت أمه وهو في الطريق من بغداد راجعًا، فرثاها بقصيدتين وكثير من النثر،
وأضاف موتها إلى فواجعه ما ملأ نفسه ظلامًا وحبًا في العزلة التي اختارها،
وظل يذكرها طوال عمره ولا يرى عزاء إلا في لحاقه بها حيث يؤنسه أن يدفن إلى جوارها.
على أن قلبي آنس أن يقال لي

إلى آل هذا القبر يدفنك الآل

فبعد عودته من بغداد قرر أن يعتزل الناس جميعًا وسمى نفسه رهين المحبسين،
وعبر عن ثلاثة سجون يعيشها بقوله:

أراني في الثلاثة من سجوني

فلا تســـأل عن الخــبر النبيث
لفقـدي ناظـري ولـزوم بيـتي

وكون النفس في الجسم الخبيث

وكان في طبعه ميل إلى العزلة كما وصف نفسه بأنه
"وحشي الغريزة إنسي الولادة".
وتضافرت أسباب حملته على اتخاذ قرار العزلة؛
فمنها الأحداث المؤلمة التي مرت به من فقد أبيه وأمه وما يلقى من أذى أحيانًا من بعض الناس،
ويجعل بعضهم من أسباب عزلته ـ إضافة إلى ما سبق ـ سببين رئيسيين،
أولهما: ذهاب بصره الذي جعله يجهل كثيرًا من آداب الناس في عاداتهم،
وكان شديد الحياء عزيز النفس يكره أن يخطئ في ما ألف الناس
فيكون موضع السخرية والاستهزاء أو الرحمة أو الشفقة.
وثانيهما فشله في الإقامة في بغداد حيث يلقى العلماء والفلاسفة،
ومن ثم اضطراره إلى لزوم المعرة وهي خلو من العلماء،
فكأن معاشرته للبغداديين قد بغضت إليه معاشرة الناس.
قرر أبو العلاء الانقطاع عن الدنيا ومفارقة لذائذها،
فكان يصوم النهار ويسرد الصيام سردًا لا يفطر إلا العيدين، ويقيم الليل
ولا يأكل اللحوم والبيض والألبان ولايتزوج، وكان يكتفي بما يخرج من الأرض من بقل وفاكهة:

[color="rgb(153, 50, 204)"]يقنعني بَلْسَن يمارس لي

فإن أتتني حلاوة فبلس
[/color]
والبلس من البقل العدس أو الفول، والبلس التين. وعبر عن تحريم ما ذكر في قوله:

[color="rgb(153, 50, 204)"]فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالمًا

ولا تبغ قوتًا من غريض الذبائـح
ولاتفجعن الطير وهي غوافل

بما وضعــت فالظـلم شر القبائح
ودع ضَرَبَ النحل الذي بكرت له

كواسب من أزهار نبت صحائح

ويكتفي من الثياب بما يستره من خشنها،
ومن الفراش بحصير من بردي أو لباد،
[/color]

وكان يكلف نفسه أمورًا شاقة زيادة في مجاهدتها مثل الاغتسال شتاءً بالماء البارد:

[color="rgb(153, 50, 204)"]مضى كانون ما استعملت فيه

حميم الماء فاقدم يا شباط
[/color]
وقد التزم بقرار عزلته فلم يخرج من داره تسعًا وأربعين سنة
إلا مرة واحدة مكرهًا بعد ما ألح عليه أهل بلدته طالبين شفاعته لدى الأمير أسد الدولة صالح بن مرداس،
وذلك أن امرأة دخلت جامع المعرة صارخة تستعدي المصلين على أصحاب ماخور قصدوها بسوء،
فنفر إليها الناس وهدموا الماخور ونهبوا ما فيه.
وكان أسد الدولة في نواحي صيدا فأسرع إلى هناك وعسكر بظاهر المعرة
وحاصرها وشرع في قتالها واعتقل سبعين من أعيانها،
فلما ضاق الأمر بالمعريين لجأوا إلى أبي العلاء فخرج وقابل صالحًا واستشفع لديه
فقال له: قد وهبتها لك يا أبا العلاء، وقد ذكر أبو العلاء الحادثة في قصيدة:

[color="rgb(153, 50, 204)"]أتت جامع يوم العروبة جامـعًا

تقص على الشهاد بالمصر أمرها
فلو لم يقوموا ناصرين لصوتها

لخلـت سمـاء الله تمطـر جمرها
[/color]
والتزم بقرار عزلته من جهة ثانية مدة من الزمان،
أي أنه لم يفتح داره لأحد من الناس. قال ابن العديم:
"أقام مدة طويلة في منزله مختفيًا لا يدخل عليه أحد.
ثم إن الناس تسببوا إليه وألحوا في طلب الشفاعة لديه من أقاربه الأدنين".
ثم إنه استجاب لتوسلات المتوسلين ففتح داره لطلاب العلم من كل صقع وصوب،
وصارت داره جامعة يؤمها الزائرون من شتى البقاع، وأخذ الناس يفدون إليه،
وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار.

كتابه وتلاميذه
قال ابن فضل العمري:
"أخذ عنه خلق لا يعلمهم إلا الله،كلهم قضاة وخطباء وأهل تبحر واستفادوا منه،
ولم يذكره أحد منهم بطعن ولم ينسب حديثه إلى ضعف أو وهن".
ومن أشهر تلاميذه أبو زكريا الخطيب التبريزي
وعلي بن المحسن بن علي التنوخي القاضي.وله كتاب يملي عليهم مصنفاته،
منهم أبو محمد عبدالله بن محمد القاضي ابن أخيه، وكان برًا بعمه وفيه يقول أبو العلاء:

وقاضٍ لا ينــام اللـيل عني

وطول نهاره بين الخصوم

وأبو الحسن علي بن محمد أخو عبدالله، وأبو نصر زيد ابن عبدالواحد،
وجعفر بن أحمد بن صالح التنوخي، وإبراهيم بن علي بن الخطيب،
وأبو الحسن علي بن عبدالله ابن أبي هاشم المقرئ. وكان يذكرهم بالخير في شعره ونثره.

وفاته.
عمر أبو العلاء طويلاً وأصابته الشيخوخة بالوهن ووصفها بقوله:
"الآن علت السن، وضعف الجسم، وتقارب الخطو، وساء الخلق".
ولكنها إن أصابت جسمه فما أصابت عقله وصفاءه وقريحته وتوقدها وحافظته وقوتها،
فما نسي شيئًا مما حصَّل. وفي اليوم العاشر من ربيع الأول سنة 449هـ اعتل أبو العلاء
وعاده الطبيب المشهور أبو الحسن مختار بن بطلان،
وكان ممن يتردد عليه للزيارة والسماع أثناء مقامه بديار الشام،
ووصف له كأسًا من شراب أتاه به ابن أخيه القاضي فامتنع عن شرابه وأنشد
تعللــني لتسقيــني فـذرني
لعلي أستريح وتستريحُ

كما وصفوا له لحم الدجاج فلما وضعوه بين يديه لمسه بيده فجزع وقال:
"استضعفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد".
وتوفي بعد ثلاثة أيام وأوصى أن يُكتب على قبره:
[color="rgb(153, 50, 204)"]هذا جنـــــاه أبي عـــليَّ

وما جنـيت عـلى أحــــد
[/color]
ووقف على قبره أربعة وثمانون شاعرًا يرثونه،
ومن أشهر ما قيل فيه رثاء تلميذه أبي الحسن علي بن همام:

[color="rgb(153, 50, 204)"]إن كنت لم ترق الدماء زهادة

فلقد أرقت اليوم من جفني دمًا
[/color]
للأعلى
شخصية المعري

أخلاقه
كان المعري رغم عزلته ذا صلة حسنة بالناس.
وكان مع فقره كريمًا ذا مروءة يعين طلاب الحاجات
وينفق على من يقصده من الطلاب يهدي ويُهدى إليه، ويكرم زائريه.
ومن مروءته وكرمه أنه لم يقبل من تلميذه الخطيب التبريزي ذهبًا كان قد دفعه إليه ثمنًا لإقامته عنده.
لم يرده إليه في حينه حتى لا يؤذي نفسه ويوقعه في مشقة الحرج،
ولكنه احتفظ له به حتى تجهز قافلاً فودعه ورد إليه ما دفع.
وكان رقيق القلب رحيمًا عطوفًا على الضعفاء
حتى شملت رقة قلبه الحيوان فلا يذبح ولا يروع بولده وبيضه.
وكان وفيًا لأصدقائه وأهله. وتفيض رسائله إلى أهل بغداد والمعرة وإلى أخواله بهذا الوفاء.
ومن أهم خصاله الحياء الذي يكلفه ضروبًا من المشقة والأذى،
وكثيرًا ما كتب كتبًا ورسائل لأناس طلبوا منه ذلك، وكتب يستشفع لأناس عند الأمراء،
وهو كاره لذلك ولكنه لفرط حيائه لا يستطيع لهم ردًا.
وكان سيئ الظن بالناس يعتقد فيهم الشرور والأسواء ويمقت فيهم خصال الكذب والنفاق والرياء.
وانتهى أخيرًا إلى أن الإنسان شرير بطبعه، وأن الفساد غريزة فيه ولا يُرجى برؤه من أدوائه:

إن مازت الناس أخلاق يقاس بها

فإنهم عند سوء الطبع أسواء

عماه وأثره في شخصيته
يبدو من شعر المعري إحساسه الشديد بهذه العاهة التي أصابته:

[color="rgb(153, 50, 204)"]ومابي طرق للمسير ولا السرى

لأني ضرير لا تضيء لي الطرق
[/color]
وقوله:

[color="rgb(153, 50, 204)"]ويا أسيرة حجليها أرى سفهًا

حمل الحلي لمن أعيا عن النظر
[/color]
وقد دفعه عماه إلى تحدي الصعاب والرغبة في التكيف واكتساب العلم والمعرفة والتفوق فيهما على البصراء.
ويتبدى تحديه هذا في لعبه النرد والشطرنج،
ولكن هذه العاهة رغم تكيفه معها واكتسابه صفات تعويضية،
أورثته شعورًا عميقًا بالألم والحزن ملأ شعره بالزفرات الحارة مما يدل على مالها من أثر شديد على نفسه.

اتهامه بالزندقة
اتهم المعري بالزندقة والإلحاد من بعض معاصريه،
ولا شك أنه كان يناقش في مجالسه قضايا الفلسفة ويشرح للطلاب أشعاره ويفسر لهم ما صعب منها.
وربما قاده الشرح إلى الحديث عن مختلف الآراء الفلسفية التي لا يرتضيها عامة الناس.
يضاف إلى هذا تبتله وتركه الزواج وامتناعه عن اللحم وما أشبه ذلك،
وفيه ما فيه من مجانبة لسنن الدين ولحوق بفلسفات برهمية هندية.
وقد استند متهموه إلى ما في رسالة الغفران من أخبار الزنادقة وأشعارهم.
أما أشعاره فيبين في بعضها الشك والإنكار.
ولكنه وجد من يدافع عنه نافيًا هذه التهمة.
ومن هؤلاء القفطي وابن العديم، وسمى الأخير كتابه:
كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري
وقال في مقدمته متحدثًا عن حساده وشانئيه:
"رموه بالإلحاد والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل،
فمنهم من وضع على لسانه أقوال ملحدة ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده
فجعلوا محاسنه عيوبًا وحسناته ذنوبًا وعقله حمقًا وزهده فسقًا،
ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام".
ومن أحسن الشهادات في حقه شهادة الإمام الذهبي المتوفي سنة 747هـ، 1346م، حيث قال:
"وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب.
وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة،
شعر كثير والمشكل منه فله ـ على زعمه ـ تفسير".
للأعلى

[color="rgb(46, 139, 87)"]مؤلفاته النثرية[/color]

أشهر مؤلفاته
ألف أبو العلاء مصنفات جمة ضاع أكثرها ولم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير.
يقول القفطي والذهبي إن أكثر كتبه باد ولم يخرج من المعرة، وحرقها الصليبيون فيما حرقوا من المعرة،
وأحصيا له من الكتب خمسة وخمسين كتابًا في أربعة آلاف كراسة،
تشمل الشعر والنثر فقد ذكر له كتاب اسمه استغفر واستغفري فيه عشرة آلاف بيت ضاع مع ما ضاع.
ويذكر الرحالة الفارسي ناصر خسرو أن أبا العلاء نظم مائة ألف بيت من الشعر
وذلك سنة 438هـ قبل موته بإحدى عشرة سنة. وعد ياقوت من مصنفاته اثنين وسبعين مصنفًا.
وبقي من شعره ثلاثة دواوين: سقط الزند، والدرعيات، وهو ديوان صغير طبع ملحقًا بالسقط،
واللزوميات.
ومن أشهر مؤلفاته النثرية رسالة الغفران
التي أملاها ردًا على رسالة الأديب الحلبي علي بن منصور بن القارح،
وكانت أكثر كتبه يؤلفها ردًا على طلب طالب وكان بعض الأمراء يسألونه أن يصنف لهم. ومن ذلك:
كتاب تضمين الرأي، وهو عظات وعبر وحث على تقوى الله يُختم كل فصل منها بآية؛
وتاج الحرة، وهو خاص بوعظ النساء ومقداره أربعمائة كراسة، كما يقول ابن العديم؛
سجع الحمائم، في العظة والحث على الزهد أيضًا؛
اللامع العزيزي، في تفسير شعر المتنبي؛
جامع الأوزان في العروض والقوافي؛ الصاهل والشاحج، ولسان الصاهل والشاحج والقائف،
وهذه الثلاثة ألفها للأمير عزيز الدولة شجاع بن فاتك والي حلب من قبل المصريين؛
الفصول والغايات؛ شرف السيف؛ معجز أحمد، في شرح شعر المتنبي؛ ذكرى حبيب في شعر أبي تمام؛
عبث الوليد، في شرح شعر البحتري؛
رسالة الملائكة، وغيرها كثير. لكن آخر ما أملى من الكتب كتابا
المختصر الفتحي وعون الجُمل، ألفهما لابن كاتبه الشيخ أبي الحسن علي بن عبدالله بن أبي هاشم.
وكان المعري شديد الاهتمام بكتبه وعلمه وأدبه يجمعها ويفسرها ويدافع عنها.
شرح ديوانه سقط الزند بكتاب ضوء السقط، كما شرح اللزوميات بكتابين ودافع عنها بثالث.
وشرح الفصول والغايات بكتابين، وشرح الرسائل بكتاب سماه خادم الرسائل.
وهذا الجهد ـ فضلاً عن عنايته بها ـ يدل على غزارة علمه وثقته بنفسه،
كما يدل على خوفه من التأويل والكذب عليه. وتدل أسماء كتبه على ذوق رفيع.

نثر المعري. بقي من نثره رسالة الغفران ورسالة الملائكة، وهي صغيرة،
وأجزاء من الفصول والغايات وطائفة من الرسائل كان يوجهها إلى أصدقائه.
ويمتاز نثره بالغريب وكثرة الغموض واللجوء إلى السجع مثل أهل عصره.
وقد طرق في نثره موضوعات مختلفة مثل المدح والعزاء والوصف.
رسالة الغفران. كتبها المعري ردًا على رسالة بعث بها إليه ابن القارح،
وهو صديق له من حلب عنوانها في تقبل الشرع وذم من ترك الوقوف عنده،
وهي رسالة طويلة ـ أي رسالة الغفران ـ وفيها يمازح المعري صديقه ويعبث به
ويشير من طرف خفي إلى أنه كان مشككًا غير قوي الإيمان.
وفيها يطوف ابن القارح في الجنة وتظهر فيها مقدرة المعري اللغوية
كما تبدو فيها مقدرته على السخرية والنقد.
الفصول والغايات. صورة أخرى للزوميات، فقد أورد فيه كثيرًا من الآراء التي أوردها هناك،
وألفه المعري تقربًا إلى الله وتمجيدًا وتسبيحًا له قال:
"علم ربنا ما علم.. أني ألفت الكلم، آمل رضاه المسلم وأتقي سخطه المؤلم"،
وقد التزم أن يختم كل فصل بكلمة يلتزم آخرها في جملة من الفصول،
ثم رتب هذه الكلمات على حروف المعجم كلها فيلتزم الهمزة في بعض الغايات
ثم الباء إلى آخر الحروف. وتكون الغاية ساكنة قبلها ألف،
وأحيانًا يلتزم حرفًا قبل الألف، ويلتزم السجع أحيانًا ويضيف إليه قيدًا آخر
بحيث يلتزم حرفين أو أكثر على نحو ما فعل في اللزوميات،
وقد يضيف إلى السجع التزامًا آخر فيجري السجع على حروف المعجم.
وتطول الفصول وتقصر بلا ضابط معين، وتكون مستقلة أحيانًا ومرتبطة ببعضها أحيانًا أخرى.
وكان الشائع المشهور أنه ألف هذه الفصول متأثرًا ببلاغة القرآن الذي هو المثل الأعلى للبلاغة والبيان،
وما وجد أديب وشاعر إلا فتن بأسلوب القرآن.

[color="rgb(46, 139, 87)"]شعر المعري[/color]

مكانته الشعرية ورأي النقاد فيه
كان القدماء، إلا أقلهم، يعترفون بشاعرية المعري،
ويعرفون تقدمه، وينشد الناس أشعاره ويتظرف بها الظرفاء.
أما المحدثون فمنهم من جعل المعري فيلسوفًا وجرده من الشعر،
وعده آخرون شاعرًا مجردًا من الفلسفة، وجمع له فريق ثالث بين الحسنيين.
فبينما يرى بعضهم فيه شاعرًا فيلسوفًا حقًا لم يعهد المسلمون في قديمهم وحديثهم فيلسوفًا مثله؛
يرى آخرون أن ليس له مذهب فلسفي، بل له اتجاهات تخل بالمنهج الفلسفي إخلالاً واضحًا،
فهو رجل وجدان، دقيق الحس، عميق الإدراك، صادق التعبير،
جريء التعرض للمعاني والخواطر.
بينما جعله فريق ثالث
مع سقراط والقديس أوغسطين والغزالي وتوما الأكويني وشوبنهاور في طبقة واحدة،
فضلاً عن من عده فيلسوفًا له نظراته في الفلسفة أو مجددًا لأصول الفلسفة أو هو الفيلسوف الأكبر.
ولكن أكثر النقاد يرونه شاعرًا إنسانيًا متأملاً في المحل الأرفع بين شعراء العربية،
له مقام فريد لامن حيث أسلوبه وفنه فحسب، ولكن من حيث روحه ونظرته إلى الحياة والأحياء من حوله.
كما أدلى المستشرقون بدلوهم في هذا الشأن، فعدوه شاعرًا عالميًا
سبق زمانه بآرائه العقلية والأخلاقية والسياسية والدينية.

دواوينه
بقي من شعر المعري ثلاثة دواوين:
سقط الزند, والدرعيات, واللزوميات.
سقط الزند
يضم أكثر شعر صباه وشيئًا من شعر الكهولة.
وقد رتبه أبو العلاء ووضع له مقدمة.
ويظهر في شعر صباه المبالغة والتكلف والمحاكاة.
وكلما تقدم به العمر اكتسب شعره صفات تجعله متفردًا.
فتبدو فيه ظاهرة استعمال الاصطلاحات والإشارات العلمية،
كما في قصيدة توديع بغداد.
أما الشعر الذي نظمه في كهولته
ففيه نضج في الفكر وإتقان للمعاني وبعد عن الضرورات والمبالغات.
ويلجأ فيه للقوافي الصعبة ويطيل فيها مثل الطائية التي بعث بها إلى خازن دار العلم ببغداد.
وفي هذا الديوان تأثر واضح بالمتنبي، وكان به مغرمًا ولأشعاره دارسًا،
وبينهما صفات مشتركة
أهمها التفوق والنبوغ والشعور بالامتياز والطموح والشعور بفساد الحياة والأحياء في عصريهما.
ويأتي تباينهما من اختلاف طباع كليهما وظروفه.
فبينما آثر المتنبي الحرب والثورة وسيلة للإصلاح
آثر المعري النقد السلبي والاعتزال وتصوير القبائح والسخرية منها،
وهذا الذي جعل له التفرد والأصالة. ويحوي ديوانه أغراضًا مختلفة كثيرة من أهمها:
المدح. لم يمدح أبو العلاء أميرًا طلبًا لنواله، وقد سطر في مقدمة هذا الديوان:
"ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طلبًا للثواب،
وإنما كان بغرض الرياضة وامتحان القريحة"
وسلوك الطريق التي سلكها الشعراء قبله، وإن كان له مدائح نظمها في أناس من أصحابه،
أو أجاب بها نفرًا من الشعراء أرسلوا إليه قصائد.
ولهذا السبب جاء مدحه مختلفًا عن مدائح من سبقوه.
فليس هو محتاجًا لأن يتزلف الممدوح أو يسبغ عليه صفات مبالغة.
ومن هذا النوع النونية التي بعث بها إلى الشريف أبي إبراهيم العلوي،
وكان قد بعث إليه بقصيدة:

غير مستحسن وصال الغواني

بعد سبعـين حجـة وثماني

يقول أبو العلاء:

علــلاني فإن بيــض الأمــاني

فنيت، والظلام ليس بفان

الفخر. جعلت نفسية أبي العلاء الزاهدة وحياته المنعزلة التي عاشها للفخر
حظًا ضئيلاً في صناعته الشعرية،
فلم تظهر فيه الأنا المتضخمة،
ولم يبتل بالحساد لأنه ترك للناس ما يمكن أن يزاحموه عليه من حطام الدنيا،
ووجدنا له قليلاً من الفخر في صباه يعبر عن عنفوان هذه المرحلة من العمر وجنوحها.
ومن أشهر ما قاله في الفخر قصيدته:

[color="rgb(153, 50, 204)"]ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

عفاف وإقدام وحـزم ونائل
[/color]
وفيها البيت المشهور:

وإني وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل

وهذه القصيدة علامة من علامات المتنبي حتى يكاد القارئ يظن
أنها ضلت طريقها من ديوان أبي الطيب إلى سقط الزند. ثم إن المعري ترك الفخر في آخر عمره.
الوصف. يحاول المعري وصف الأشياء المحسوسة،
ويزين لفظه حتى يعوض ما يحس به من نقص تجاه وصف المبصرين،
ولعله كان يعمد إلى الوصف الحسي ليثبت أنه لا يقل قدرة عن المبصرين في الوصف.
ومن جميل شعره في الوصف قوله:

رب ليل كأنه الصبح في الحسن

وإن كان أســود الطيلســان
ليلــتي هــذه عـروس مــن الزنج

عليهـــا قلائــد مـن جمــان
هـرب النــوم من جفــوني فيهــا

هرب الأمن عن فؤاد الجبان
وكأن الهــلال يهــــوى الثريــــا

فهمـــا للـــوداع معتنقــــان
وسهيل كوجنة الحب في اللــون

وقلب المحــب في الخفقــان

الغزل. في ديوانه مقطوعات غزلية رقيقة.
ولم ينقل المؤرخون عنه أنه أحب فتاة بعينها في صباه،
ويراه بعضهم ضريرًا زاهدًا محزونًا لا سبيل للحب إلى قلبه،
ويرتفع شعره القليل في الغزل عن أن يكون رياضة كما قال في المديح
أو محاولة لإكمال الديوان بالموضوعات التي استنها الأوائل ففي بعضه لوعة حقيقية،
وغناء واله مشوق:

يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر

لعل بالجزع أعوانًا على السهر
وإن بخلت عن الأحياء كلهم

فاسق المواطر حيًا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفهًا

حمل الحلي لمن أعيا عن النظر
ما سرت إلا وطيف منك يتبعني

سرى أمامي وتأويبًا على أثري

الرثاء. رثى أبو العلاء أباه وأمه وطائفة من الناس، وفي ديوانه سبع مراث،
وفي أغلبها حزن وتفجع لأنها أحزان شخصية وليست تعزية.
وأجود ماله في الرثاء الدالية التي أبَّن بها أبا حمزة الفقيه الحنفي،
يقول عنها طه حسين:
"نعتقد أن العرب لم ينظموا في جاهليتهم وإسلامهم ولا في بداوتهم وحضارتهم
قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة في حسن الرثاء" ومنها:

ير مجد في ملتي واعتقادي

نـوح بــــاك ولا ترنم شـــــــــاد
وشبيه صوت النعي إذا قيـس

بصـــوت البشــير في كل نـــاد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت

على فـــــرع غصنـهــا الميـــــاد
إن حزنًــا في ساعــة المــوت

أضعاف سرور في ساعة الميــلاد

الهجاء. لم ينظم المعري في هذا الغرض من أغراض الشعر بمعناه التقليدي المعروف،
بمعنى أن يتجه الشاعر إلى شخص، فيثلبه ويذمه. فليس للمعري عدو ليفعل به هذا.
ولكنه تتبع عيوب البشر عامة ونقائصهم فأظهرها في لهجة قاسية متجنبًا الفحش والإقذاع،
وليس غرضه الإساءة والتشهير، بل الرحمة والإصلاح.




رد: نبذ شائقة عن أبي العلاء المعرّي ..

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii




التصنيفات
أدباء و شعراء

نبذة عن المتنبي

نبذة عن المتنبي


الونشريس

فلسفة الحياة لدى شاعر الحكمة والطموح

أبو الطيب المتنبي، أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات. في شعره اعتزاز بالعروبة، وتشاؤم وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه، لاسيما في قصائده الأخيرة التي بدأ فيها وكأنه يودعه الدنيا عندما قال: أبلى الهوى بدني. لنتعرف على هذا الشاعر العظيم ونقترب أكثر من سيرة حياته:

ظهور الموهبة الشعرية:

هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي. ولد في كندة بالكوفة سنة 303 هـ=915 م. وتقع حالياً على مسافة عشرة كيلومترات من النجف وخمسة وستون من كربلاء تقريباً. يقال إن والده الحسين سماه أحمد و لقبه بأبي الطيب، ويقال إنه لم يعرف أمه لموتها وهو طفل فربته جدته لأمه. قضى طفولته في كندة (304-308 هـ= 916-920م)، اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية باكراً، فقال الشعر صبياً، وهو في حوالي العاشرة، وبعض ما كتبه في هذه السن موجود في ديوانه. في الثانية عشر من عمره رحل إلى بادية السماوة، أقام فيها سنتين يكتسب بداوة اللغة العربية وفصاحتها، ثم عاد إلى الكوفة حيث أخذ يدرس بعناية الشعر العربي، وبخاصة شعر أبي نواس وابن الرومي ومسلم بن الوليد وابن المعتز. وعني على الأخص بدراسة شعر أبي تمام وتلميذه البحتري. انتقل إلى الكوفة والتحق بكتاب (309-316 هـ=921-928م) يتعلم فيه أولاد أشراف الكوفة دروس العلوية شعراً ولغة وإعراباً. اتصل في صغره بأبي الفضل في الكوفة، وكان من المتفلسفة، فهوسه وأضله. كان أبو الطيب سريع الحفظ، فقيل أنه حفظ كتاباً نحو ثلاثين ورقة من نظرته الأولى إليه.

من البادية إلى السجن:

لم يستقر أبو الطيب في الكوفة، اتجه خارجاً ليعمق تجربته في الحياة وليصبغ شِعره بلونها، أدرك بما يتملك من طاقات وقابليات ذهنية أن مواجهة الحياة في آفاق أوسع من آفاق الكوفة تزيد من تجاربه ومعارفه، فرحل إلى بغداد برفقة والده، وهو في الرابعة عشرة من عمره، قبل أن يتصلب عوده، وفيها تعرف على الوسط الأدبي، وحضر بعض حلقات اللغة والأدب، ثم احترف الشعر ومدح رجال الكوفة وبغداد. غير أنه لم يمكث فيها إلا سنة، ورحل بعدها برفقة والده إلى بادية الشام يلتقي القبائل والأمراء هناك، يتصل بهم و يمدحهم، فتقاذفته دمشق وطرابلس واللاذقية وحمص. دخل البادية فخالط الأعراب، وتنقل فيها يطلب الأدب واللغة العربية وأيام الناس، وفي بادية الشام التقي القبائل والأمراء، اتصل بهم ومدحهم، وتنقل بين مدن الشام يمدح شيوخ البدو والأمراء والأدباء. قيل أنه تنبأ في بادية السماوة بين الكوفة والشام فتبعه كثيرون، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد، فأسره وسجنه سنة 323-324 هجرية، حتى تاب ورجع عن دعواه. كان السجن علامة واضحة في حياته وجداراً سميكاً اصطدمت به آماله وطموحاته، فأخذ بعد خروجه منه منهك القوى يبحث عن فارس قوى يتخذ منه مساعداً لتحقيق طموحاته. عاد مرة أخرى يعيش حياة التشرد والقلق، فتنقل من حلب إلى أنطاكية إلى طبرية.

شاعر لا يقل عن الأمير منزلة:

وفيها التقى ببدر بن عمار سنة 328 هجرية، وهو أول من قتل أسداً بالسوط، فنعم عنده حقبة من الزمن، راضياً بما لقيه عنده من الراحة بعد التعب والاستقرار بعد التشرد، إلا أنه أحس بالملل في مقامه وشعر بأنه لم يلتق بالفارس الذي كان يبحث عنه والذي يشاركه في ملاحمه وتحقيق آماله. فعاوده الضجر الذي ألفه والقلق الذي لم يفارقه، فسقم من حياة الهدوء ووجد فيها ما يستذل كبرياءه. فهذا الأمير يحاول أن يتخذ منه شاعراً متكسباً كسائر الشعراء، وهو لا يريد لنفسه أن يكون شاعر أمير، وإنما يريد أن يكون شاعراً فارساً لا يقل عن الأمير منزلة. فلم يفقده السجن كل شيء لأنه بعد خروجه منه استعاد إرادته وكبرياءه. فالسجن أسهم في تعميق تجربته في الحياة، وتنبيهه إلى أنه ينبغي أن يقف على أرض صلبة لتحقيق ما يريده من طموح. لذلك أخذ يبحث عن نموذج الفارس القوي الذي يشترك معه لتنفيذ ما يرسمه في ذهنه. أما بدر فلم يكن هو ذاك، ثم ما كان يدور بين حاشية بدر من الكيد لأبي الطيب ومحاولة الإبعاد بينهما، جعل أبا الطيب يتعرض لمحن من الأمير ومن الحاشية تريد تقييده بإرادة الأمير. لقد رأى ذلك إهانة وإذلالاً، عبّر عنه بنفس جريحة ثائرة بعد فراقه لبدر متصلاً بصديق له هو أبو الحسن علي بن أحمد الخراساني في قوله : لا افتخار إلا لمن لا يضام. وعاد المتنبي بعد فراقه لبدر إلى حياة التشرد والقلق ثانية، وعبر عن ذلك أصدق تعبير في رائيته التي هجا بها ابن كروس الأعور أحد الكائدين له عند بدر.

الاندفاع المخلص نحو سيف الدولة:

ظل باحثاً عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 ه، وعن طريقه اتصل بسيف الدولة بن حمدان، صاحب حلب، سنة 337 ه، انتقل معه إلى حلب فمدحه وحظي عنده. في مجلس هذا الأمير وجد أفقه وسمع صوته، وأحس أبو الطيب بأنه عثر على نموذج الفروسية الذي كان يبحث عنه، وسيكون مساعده على تحقيق ما كان يطمح إليه، فاندفع الشاعر مع سيف الدولة يشاركه في انتصاراته. ففي هذه الانتصارات أروع ملاحمه الشعرية، استطاع أن يرسم هذه الحقبة من الزمن وما كان يدور فيها من حرب أو سلم، فانشغل انشغالاً عن كل ما يدور حوله من حسد وكيد، ولم ينظر إلا إلى صديقه وشريكه سيف الدولة. فلا حجاب ولا واسطة بينهما. شعر سيف الدولة بهذا الاندفاع المخلص من الشاعر، واحتمل منه ما لا يحتمل من غيره من الشعراء، وكان هذا كبيراً على حاشية الأمير. ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة استطاع أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده، إلى أنه مطمئن إلى إمارة عربية يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.

خيبة الأمل وجرح الكبرياء:

وهذا ما كان يغري حساده به فيستغلونه ليوغروا صدر سيف الدولة عليه حتى أصابوا بعض النجاح. وأحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر وصديقه الأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منهما. وأحس أبو الطيب بأن السقف الذي أظله أخذ يتصدع، وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالوية عليه بحضور سيف الدولة ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرح لكرامته، لم يستطع أن يحتمل، فعزم على مغادرته، ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 ه ومنها: لا تطلبن كريماً بعد رؤيته. فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حساده ومنافسوه من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلباً، وهو يكن لأميرها الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط المعادي، وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة من مصر حتى كادت الصلة تعود بينهما.

الممدوح الجديد:

فارق أبو الطيب حلباً إلى مصر وفي قلبه غضب كثير، وكأنه يضع خطة لفراقها ثم الرجوع إليها كأمير عاملاً حاكماً لولاية يضاهي بها سيف الدولة، ويعقد مجلساً يقابل سيف الدولة. من هنا كانت فكرة الولاية أملا في رأسه ظل يقوي وأظنه هو أقوى الدوافع. دفع به للتوجه إلى مصر حيث كافور الذي يمتد بعض نفوذه إلى ولايات بلاد الشام. في مصر واجه بيئة جديدة ومجتمعاً آخر وظروفاً اضطرته إلى أن يتنازل في أول الأمر عما لم يتنازل عنه. ثم هو عند ملك لا يحبه، ولم يجد فيه البديل الأفضل من سيف الدولة إلا أنه قصده آملاً، ووطن نفسه على مدحه راضياً لما كان يربطه في مدحه من أمل الولاية، وظل صابراً محتملاً كل ذلك. وأخذ يخطط إلى أمله الذي دفعه للمجيء إلى هنا، ويهدأ كلما لاح بريق السعادة في الحصول على أمله، وهو حين يراوده نقيض لما يراه من دهاء هذا الممدوح الجديد ومكره يحس بالحسرة على فراقه صديقه القديم. في هذه البيئة الجديدة أخذ الشعور بالغربة يقوى في نفسه بل أخذ يشعر بغربتين غربته عن الأهل والأحبة، وعما كان يساوره من الحنين إلى الأمير العربي سيف الدولة. ويزداد ألمه حين يرى نفسه بين يدي غير عربي، إلا أنه حين يتذكر جرح كبريائه يعقد لسانه ويسكت. وغربته الروحية عمن حوله والتي كان يحس بها في داخله إحساساً يشعره بالتمزق في كثير من الأحيان. وظل على هذا الحال لا تسكته الجائزة، ولا يرضيه العطاء، وظل يدأب لتحقيق ما في ذهنه ويتصور أنه لو حصل عليها لحقق طموحه في مجلس كمجلس سيف الدولة تجتمع فيه الشعراء لمدحه، فيستمع لمديحه وإكباره على لسان الشعراء، بدلاً من أن يؤكد كبرياءه هو على لسانه. ولربما كان يريد إطفاء غروره بهذا. إلا أن سلوكه غير المداري وعفويته مثلت باباً سهلاً لدخول الحساد والكائدين بينه وبين الحاكم الممدوح، ثم حدته وسرعة غضبه وعدم السيطرة على لسانه. كان كل ذلك يوقعه في مواقف تؤول عليه بصور مختلفة وفق تصورات حساده ومنافسيه. وأكاد أعتقد أنه كان مستعداً للتنازل عن كل جوائزه وهباته لمن كان يتصور أنه كان يريد أن يتربع على عرش الشعر من أجل جائزة كافور وعطائه، ثم يصوره بصورة تشوه إحساسه وتزور مشاعره. وذلك هو الذي يغيظه ويغضبه ويدفعه إلى التهور أحياناً وإلى المواقف الحادة. كل ذلك يأخذ طابعاً في ذهن الحاكم مغايراً لما في ذهن الشاعر.

صريح في الرضا والسخط:

بدأت المسافة تتسع بينه وبين كافور، وكلما اتسعت كثر في مجالها الحاسدون والواشون، وكلما أحس الشاعر ولو وهما بانزواء كافور عنه تيقظت لديه آفاق جديدة لغربته، وثارت نفسه وأحس بالمرارة إحساساً حاداً. لقد أحس بأنه لم يطلب فوق حقه ولم يتصرف بما هو خطأ، لأنه لم يصدر منه تجاوز على حق أحد. إلا أن هذا التصور البريء في ذهن الشاعر بعيد عن واقع الصورة التي في ذهن حاشية كافور. وما يصل إلى كافور من أقوال عن الشاعر، وعادة المتملقين من الوجهاء يتوصلون إلى الحاكم بواسطة حاشيته وإغراء بعض أفرادها بأن يكونوا جسوراً بينهم وبين سيدهم. هذه الجسور قد تقطع عند الحاجة بين الحاكم وبين خصومهم. أما أبو الطيب فلم يحسن هذا اللون من التظاهر ولم يفكر فيه، وإنما كان صريحاً بكل شيء في رضاه وسخطه صريحاً بما يرغب دون احتيال ولا محاورة، فما دام يشعر بالحق طالب به دون تأجيل. هذه الصراحة كثيراً ما أوقعته في مواقف حرجة، عند سيف الدولة، وهنا أيضاً عند كافور. لذا صارت للمتنبي صورة سلبية في نفس كافور، وخشي على ملكه إذا أعطاه ما يمكنه من ذلك. ظل أبو الطيب يرغب ويلح في طلبه، وظل كافور يداوره ويحاوره. كافور يحسن الاحتيال والمداورة وأبو الطيب صريح لا يحسن من ذلك شيئاً حتى وصل إلى حالة لم يستطع بعدها أن يبقى صامتاً. وشعر كافور برغبته في مغادرته فظن أن تشديد الرقابة عليه وإغلاق الحدود دونه سيخيفه ويمنعه من عزمه، ويخضعه كما يفعل مع غيره من الشعراء بالترهيب حيناً والذهب حيناً آخر. إلا أن أبا الطيب لم يعقه ذلك كله عن تنفيذ ما عزم عليه بعد أن أحس باليأس من كافور، وندم على ما فعل بنفسه في قصده إياه، وهو عند أكثر أصدقائه إخلاصاً وحباً. وظل يخطط إلى الهرب ويصر على تحدي كافور ولو بركوب المخاطر حتى وجد فرصته في عيد الأضحى. وخرج من مصر، وهجاً كافوراً بأهاجيه المرة الساخرة. إن تحديه لكافور في هروبه وركوبه كل المخاطر، ثم هذه الطاقة المتفجرة من السخط والغضب في هجائه يدل على مبلغ اليأس والندم في نفسه، ويبدو أنه كان حائراً حين فارق سيف الدولة، وحاول أن يمنع نفسه من التوجه إلى كافور. إلا أنه رجح أمر توجهه إلى مصر بعد إطالة فكر. ويبدو أنه فكر بهذه النتيجة اليائسة من ملك مصر أراد أن يتقدم من نفسه على ارتكابه خطيئة التوجه إليه واحتمالها مدحه، والتقيد بأوامره حينا. فهو حاول بأي وجه أن يشعر بالانتصار على هذه السلطة، عندما تحداه في هروبه، وفخره بالشجاعة والفروسية في اقتحام المخاطر في طريقه إلى الكوفة في مقصورته: ضربت بها التيه ضرب القمار.

مدح ابن العميد:

بعد عودته إلى الكوفة، زار بلاد فارس، فمر بأرجان، ومدح فيها ابن العميد، وكانت له معه مساجلات.

مدح عضد الدولة:

ثم رحل إلى شيراز، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي.

معركة العودة:

ثم عاد من شيراز يريد بغداد فالكوفة، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه، ومع المتنبي جماعة أيضاً. فاقتتل الفريقان حتى قتل أبو الطيب وابنه محسد وغلامه مفلح (354 هـ= 965 م) بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد. وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة، وهي من سقطات المتنبي. وكان التمس منه خفارة لبعض الرجالة ليسلكوا به الطريق ويحموا عنه فلم يفعل، وقال معي سيفي ورمحي أخفّر. ويقال إن الذين خرجوا عليه من بني كلاب مع ضبة بن محمد العيني لما هجاه به: ما أنصف اليوم ضبُ. وكان الفرسان نحو خمسين فارساً، فقتل منهم جماعة وجرح جماعة وأثخن فيهم عدة، وقدرت الحرب من ضحوة إلى الأولى، ثم كلّ أبو الطيب وولده ومملوكه، فلما تطاول الأمر استرسل وظفروا به. فقتلوه وولده والمملوك. وأخذ جميع ما كان معه، ودفنوه في الموضع، وكان له قيمة كثيرة، ولم يكن طلبهم ما معه سوى نفسه. والذي تولى قتله منهم فاتك بن فراس بن بداد وكان قرابة لضبّة. ويقال أنه لما قرب منه فاتك كان معه عبد يقال له سراج، فقال له: يا سراج أخرج إليّ الدرع، فأخرجها ولبسها، وتهيأ للقتال، ثم قال هذه القصيدة.

أفرغ الدرع يا سراج وأبصر ما ترى اليوم ها هنا من قتال
فلئن رحت في المكر صريعا فأنعَ للعالمين كل الرجال

ثم قال له فاتك: قبحاً لهذه اللحية يا سبّاب. فقال فاتك ألست الذي تقول:

الخيل والليل والبيداء تعرفني والطعن والضرب والقرطاس والقلم

فقال أنا عند ذاك يابن اللخناء العفلاء. ثم قاتل وبطح نفساً أو نفسين، فخانته قوائم فرسه، فغاصت إحداها في ثقبة كانت في الأرض، فتمكن منه الفرسان وأحاطوا به وقتلوه واقتسموا ماله ورحله، وأخذوا ابنه المحسّد وأرادوا أن يستبقوه، فقال أحدهم لا تفعلوا، واقتلوه، فقتلوه. وحكى الشريف ناصر قال: عبرت على بدنه وكان مفروقاً بينه وبين رأسه، ورأيت الزنابير تدخل في فيه وتخرج من حلقه. أعاذنا الله من كل سوء ومكروه بمنّه وطوله. وكتب في سنة ثلث وثمانين وأربع مائة.

عصر أبي الطيب:

شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب تفكك الدولة العباسية وتناثر الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها. فقد كانت فترة نضج حضاري وتصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العرب والمسلمون. فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من غير العرب. ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام، وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية، ثم ظهرت الحركات الدموية في العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة. لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ووسيلة صلة بينه وبين الحكام والمجتمع، فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلاً يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعراً معروفاً استقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته. في هذا العالم المضطرب كانت نشأة أبي الطيب، وعى بذكائه الفطري وطاقته المتفتحة حقيقة ما يجري حوله، فأخذ بأسباب الثقافة مستغلاً شغفه في القراءة والحفظ، فكان له شأن في مستقبل الأيام أثمر عن عبقرية في الشعر العربي. كان في هذه الفترة يبحث عن شيء يلح عليه في ذهنه، أعلن عنه في شعره تلميحاً وتصريحاً حتى أشفق عليه بعض أصدقائه وحذره من مغبة أمره، حذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في اللاذقية، فلم يستمع له وإنما أجابه مصرا ً: أبا عبد الإله معاذ أني. إلى أن انتهى به الأمر إلى السجن.

نسب شريف:

في نسب أبو الطيب خلاف، إذ قيل أنه ابن سقاء كان يسقي الماء بالكوفة، وقيل أنه ابن عائلة فقيرة، وقيل أن أصوله من كندة، وهم ملوك يمنيون. ودس خصومه في نسبه …