التعريف به
شاعرنا اسمه كاملاً محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شرف الدين أبو عبد الله، ولد عام 1212م – 608 هـ، بقرية دلاص إحدى قرى بني سويف في صعيد مصر، وترجع أصوله إلى إحدى قبائل البربر التي استوطنت جنوب المغرب الأقصى، ونشأ البوصيري وترعرع بقرية بوصير والتي استمد منها لقبه.
كان أول تعليم البوصيري القرآن الكريم الذي حفظه في طفولته، ثم تتلمذ على يد عدد من علماء عصره، نظم البوصيري الشعر صغيراً، وجرب أنواعاً من الشعر إلا انه مال إلى الزهد والتصوف فأتجه إلى المدائح النبوية، والشعر الصوفي.
شعر البوصيري
بلغت شهرة البوصيري الأفاق في نظم الشعر في المدائح النبوية، فظهرت قصائده مغلفة بالروح العذبة والمعاني الصادقة مع روعة التصوير والتعبير والتي أستلهمها من حبه للنبي الكريم "صلى الله عليه وسلم"، فجاءت ألفاظه دقيقة بديعة السبك والنظم، فكانت قصائده بمثابة مدرسة لشعراء المدائح النبوية.
وأمتاز شعر البوصيري بالرصانة والجزالة وأجاد في استعمال البديع، والبيان وغلبت على قصائده المحسنات البديعية، كما تميز شعره بالقوة والرصانة، وتأتي قصيدة البردة للبوصيري على رأس قصائد المدائح النبوية، والتي عارضها أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته "نهج البردة ".
انكب البوصيري على مذهب الصوفية، فاطلع على سير عدد من أربابها قديماً وحديثاً وغاص فيها، وتلقى الصوفية على يد أبي الحسن الشاذلي، ومدح الشاذلية في شعره، وقد غلب على الشعر في العصر المملوكي والذي ينتمي إليه البوصيري، المدائح النبوية والموضوعات الدينية، ومنظومات الزهد والتصوف.
إنَّ الإِمـــــامَ الــشَّـاذِلـيَّ طَــرِيـقُـهُ … فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي
فـانْـقُـلْ ولـــوْ قَـدَمـاً عَـلَـى آثــارِهِ … فـــإذَا فَـعَـلْـتَ فَـــذاكَ آخَـــذُ بـالْـيَدِ
قصة البردة
يقال عن سبب تسمية هذه القصيدة "بالبردة" لأن المرض كان قد أشتد على البوصيري، وفي إحدى المرات عندما كان نائماً رأى النبي "صلى الله عليه وسلم" وقد غطاه ببردته – عباءته – فأصبح وقد شفي مما هو فيه، وسميت هذه القصيدة أيضاً بالبرأة، والميمية لأنها تختتم قافيتها بحرف "الميم"، وفي هذه القصيدة يجمع كل أدواته الشعرية ويجمع همته لمدح خير خلق الله "محمد" صلى الله عليه وسلم، وقد شرح وعارض هذه القصيدة العديد من الشعراء.
ويبدأ البوصيري "البردة" بالأبيات التالية:
أمْ هَـبَّـتْ الـريـحُ مِــنْ تِـلْـقاءِ كـاظِمَةٍ…وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فــمــا لِـعَـيْـنَيْكَ إنْ قُــلْـتَ اكْـفُـفـاهَمَتا… وَمـــا لِـقَـلْـبِكَ إنْ قُـلْـتَ اسْـتَـفِقْ يَـهِـمِ
أَيَـحْـسَـبُ الــصَّـبُّ أنَّ الــحُـبَّ مُـنْـكتِمٌ… مـــا بَــيْـنَ مُـنْـسَجِمٍ مـنـهُ ومُـضْـطَرِمِ
لـولاَ الـهَوَى لَـمْ تُـرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ… ولا أَرِقْــــتَ لِــذِكِــرِ الــبَــانِ والـعَـلَـمِ
فـكـيـفَ تُـنْـكِرُ حُـبّـاً بـعـدَ مــا شَـهِـدَتْ… بـــهِ عـلـيـكَ عــدولُ الـدَّمْـعِ وَالـسَّـقَمِ
وَأَثْـبَـتَ الـوجِـدُ خَـطَّـيْ عَـبْـرَةِ وضَـنىً… مِــثْـلَ الـبَـهـارِ عَــلَـى خَـدَّيْـكَ وَالـعَـنَمِ
نَـعَمْ سَـرَى طَـيفُ مَـنْ أهـوَى فَأَرَّقَنِي… والــحُــبُّ يَــعْـتَـرِضُ الــلَّـذاتِ بــالألَـمِ
و يستمر في مدح الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" في نفس القصيدة قائلاً:
نَـبِـيُّـنَـا الآمِـــرُ الـنَّـاهِـي فـــلاَ أَحَـــدٌ… أبَّـــرَّ فِـــي قَـــوْلِ لا مِــنْـهُ وَلا نَــعَـمِ
هُــوَ الـحَـبيبُ الـذي تُـرْجَى شَـفَاعَتُهُ… لِــكـلِّ هَـــوْلٍ مِــنَ الأهــوالِ مُـقْـتَحَمِ
دَعــا إلــى اللهِ فـالـمُسْتَمْسِكُونَ بِــهِ… مُـسْـتَـمْسِكُونَ بِـحَـبْلٍ غـيـرِ مُـنْـفَصِمِ
فــاقَ الـنَّـبِيِّينَ فـي خَـلْقٍ وفـي خُـلُقٍ… وَلَـــمْ يُــدانُـوهُ فـــي عِــلْـمٍ وَلا كَــرَمِ
وَكـلُّـهُـمْ مِـــنْ رَسُــولِ اللهِ مُـلْـتَمِسٌ… غَـرْفاً مِـنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِـــفُــونَ لَـــدَيْــهِ عــنــدَ حَــدِّهِــمِ… مِـنْ نُـقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فــهْـوَ الـــذي تَــمَّ مـعـناهُ وصُـورَتُـه… ثــمَّ اصْـطَـفَاهُ حَـبـيباً بــارِىءُ الـنَّسَمِ
مُــنَـزَّهٌ عَــنْ شَـرِيـكٍ فــي مـحـاسِنِهِ… فَـجَـوْهَرُ الـحُـسْنِ فـيه غـيرُ مُـنْقَسِمِ
دَعْ مــا ادَّعَـتْهُ الـنَّصارَى فـي نَـبيِّهِمِ… وَاحْـكُمْ بـما شْـئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ… وَانْـسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فـــإنَّ فَـضْـلَ رســولِ الله لـيـسَ لــهُ… حَــــدُّ فــيُـعْـرِبَ عــنــه نــاطِـقٌ بِــفَـمِ
أجاد البوصيري الخط، وتعلم قواعد هذا الفن على يد إبراهيم بن أبي عبدالله المصري وكان واحداً ممن اشتهروا بتجويد الخط في مصر، شغل البوصيري عدد من الوظائف في القاهرة والأقاليم، فعمل في صناعة الكتب خلال فترة شبابه، ثم عمل ككاتب للحسابات بمدينة بلبيس بالشرقية، ووقعت بعض المصادمات بينه وبين المستخدمين المحيطين به فضاق بهم وبأخلاقهم فنظم عدد من القصائد هجاهم فيها وذكر فيها عيوبهم مما قاله:
فَـخُـذْ أَخْـبَـارَهُمْ مَـنِّـي شِـفـاهاً… وَأنْــظِـرْنـي لأُخْــبِـرُكَ الـيَـقِـينا
فَـقَـدْ عَـاشَـرْتُهُمْ وَلَـبِـثْتُ فِـيهمْ… مَعَ التَّجْرِيبِ مِنْ عُمْرِي سِنينا
حَـوَتْ بُـلْبُيْسُ طـائِفَةً لُـصُوصاً… عَــدَلْـتُ بِــوَاحِـدٍ مِـنْـهُمْ مِـئِـينا
فُـرَيْـجِي والـصَّـفِيَّ وَصـاحِـبَيْهِ… أبَــا يَـقْطُونَ والـنَّشْوَ الـسَّمِينا
فَـكُـتَّـابُ الـشَّـمالِ هُــمُ جَـمِـيعاً… فــلا صَـحِـبَتْ شِـمالُهُمُ الـيَمِينا
وَقَـدْ سَرقُوا الْغِلالَ وما عَلِمْنا… كـما سَرَقَتْ بَنُو سَيْفِ الجُرُونا
غادر بعد ذلك البوصيري الشرقية إلى القاهرة، وافتتح كتاباً لتعليم الأطفال ثم مالبث أن غادره إلى الإسكندرية، وظل بها حتى أخر حياته، وبها تعرف على الشيخ أبا العباس المرسي، وتتلمذ على يديه وأقبل على طريقته الصوفية، وظل بالإسكندرية حتى وفاته.
المدح النبوي
أنكب البوصيري على قراءة السيرة النبوية الشريفة، ومعرفة أخبار ومواقف في حياة الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، ثم انطلق ينشد العديد من القصائد المميزة التي تجلى فيها حبه للرسول وبالإضافة لقصيدته الشهيرة "البردة" قدم القصيدة الهمزية التي لا تقل روعة عن "البردة" ويقول فيها:
لَـمْ يُـساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حالَ… ســنــاً مِــنــك دونَــهـم وسَــنـاءُ
إنّــمـا مَـثَّـلُـوا صِـفـاتِـك لـلـناس… كــمــا مــثَّــلَ الــنـجـومَ الــمــاءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصدُرُ… إلا عــــن ضــوئِــكَ الأَضــــواءُ
لـكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيبِ… ومــــنـــهـــا لآدمَ الأَســـــمــــاءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَارُ… لــــــــك الأُمــــهـــاتُ الأَبـــــــاءُ
مـا مـضتْ فَـترةٌ مـن الرُّسْلِ إِلّا… بَــشَّـرَتْ قـومَـهـا بِـــكَ الأَنـبـياءُ
تـتـباهَى بِــكَ الـعـصورُ وَتَـسْمو… بِــــكَ عــلْـيـاءٌ بــعـدَهـا عـلـيـاءُ
وَبَــــدا لــلـوُجُـودِ مــنــك كــريـمٌ… مــــن كــريــمٍ آبَــــاؤُه كُــرمــاءُ
نَــسَـبٌ تَـحـسِـبُ الــعُـلا بِــحُـلاهُ… قَــلَّـدَتْـهَـا نـجـومـهَـا الْــجَــوزاءُ
حــبــذا عِــقْــدُ سُــــؤْدُدٍ وَفَــخَـارٍ… أنـــتَ فــيـه الـيـتيمةُ الـعـصماءُ
وُمُـحَيّاً كـالشَّمس مـنكَ مُـضِيءٌ… أسْــفَــرَت عــنـه لـيـلـةٌ غَـــرّاءُ
لـيـلةُ الـمـولدِ الـذي كَـان لـلدِّينِ… ســـــرورٌ بــيــومِـهِ وازْدِهــــاءُ
وتـوالَتْ بُـشْرَى الهواتفِ أن قدْ… وُلِــدَ الـمـصطفى وحُــقّ الـهَناءُ
وتَـدَاعَـى إيــوانُ كِـسْرَى ولَـوْلا… آيـــةٌ مِـنـكَ مــا تَـدَاعَـى الـبـناءُ
وغَـــدَا كـــلُّ بــيـتِ نـــارٍ وفــيـهِ… كُــرْبَـةٌ مِـــنْ خُـمـودِهـا وَبـــلاءُ
وعارض قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير فقال البوصيري في قصيدته:
فِي كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوب غدا… وَعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحْلُولُ
كما قدم بائياته الثلاثة والتي قال في إحداها:
وَبَـــــدا لـــــه أنَّ الـــوُقُــوفَ بِــبـابِـهِ… بــــابٌ لِــغُـفْـرانِ الــذُّنــوبِ مُــجَــرَّبُ
صــلَّــى عــلـيـه الــلَّـهُ إنَّ مَـطـامِـعي… فـــي جُــودِهِ قــد غــارَ مـنـها أشـعَـبُ
لِــــم لا يــغــارُ وقــــد رآنــــي دونَـــه… أدركْــتُ مِــنْ خَـيْرِ الـوَرَى مـا أطـلُبُ
مـــــاذا أخــــافُ إذا وَقَــفْــتُ بِــبـابِـهِ… وصَـحـائِـفي سُـــودٌ ورأْسِــيَ أشْـيَـبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي… يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ
توفى البوصيري بالإسكندرية عام 1296م – 696هـ، وقد ترك إرثاً قيماً للأجيال اللاحقة تمثلت في عدد كبير من قصائده والتي ضمها ديوانه الشعري، بالإضافة لقصيدة البردة أو "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "المضرية في الصلاة على خير البرية"، والقصيدة "الهمزية"، و"المحمدية"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود".
باركـ الله فيكـ
بمناسبة ذكرى مولد الكاتب والشاعر الكبير جبران خليل جبران اردت ان اعطي نبذة صغيرة عنه
جبران خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، (6 يناير 1883 – 10 ابريل 1931) من أحفاد يوسف جبران الماروني البشعلاني، شاعر لبناني أمريكي، ولد في بلدة بشري شمال لبنان وتوفي في نيويورك بداء السل، سافر مع أمه وإخوته إلى أمريكا عام 1895، فدرس فن التصوير وعاد إلى لبنان، وبعد أربع سنوات قصد باريس لمدة ثلاث سنوات، وهناك تعمق في فن التصوير. عاد إلى الولايات الأمريكية المتحدة مرة أخرى وتحديدا إلى نيويورك، وأسس مع رفاقه "الرابطة القلمية" وكان رئيسها. جمعت بعض مقالاته في كتاب "البدائع والطرائف".
حياته
ولد هذا الفيلسوف والأديب والشاعر والرسام من أسرة صغيرة فقيرة في بلدة بشري في 6 كانون الثاني 1883. وكانت وقتها تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. كان والده خليل جبران الزوج الثالث لوالدته كاملة رحمة التي كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران وشقيقتيه مريانا وسلطانة.
كان والده، خليل سعد جبران، يعمل راعياً للماشية ويمضي أوقاته في الشرب ولعب الورق. كان صاحب مزاج متغطرس، ولم يكن شخصاً محباً، كما يتذكر جبران، الذي عانى من إغاظته وعدم تفهمه. وكانت والدته كاملة رحمة، من عائلة محترمة وذات خلفية دينية، واستطاعت أن تعتني بها ماديا ومعنويا وعاطفيا وكانت قد تزوجت بخليل بعد وفاة زوجها الأول وإبطال زواجها الثاني. كانت شديدة السمرة، ورقيقة، وصاحبة صوت جميل ورثته عن أبيها.
لم يذهب جبران إلى المدرسة لأن والده لم يعط لهذا الأمر أهمية ولذلك كان يذهب من حين إلى آخر إلى كاهن البلدة الذي سرعان ما أدرك جديته وذكاءه فانفق الساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة مما فتح أمامه مجال المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب.
وبفضل أمه، تعلم الصغير جبران العربية، وتدرب على الرسم والموسيقى. ولما لاحظت ميل الرسم لديه، زودته بألبوم صور لـ ليوناردو دافنشي، الذي بقي معجباً به بصمت. بعد وقت طويل، كتب يقول: "لم أر قط عملاً لليوناردو دافنشي إلاّ وانتاب أعماقي شعور بأن جزءاً من روحه تتسلل إلى روحي…".
تركت أمه بصمات عميقة في شخصيته، ولم يفته أن يشيد بها في "الأجنحة المتكسرة": "إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة "الأم"، وأجمل مناداة هي "يا أمي". كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه ويداً تباركه وعيناً تحرسه…".
سنواته الأولى أمضاها جبران لا مبالياً، رغم الشجارات بين والديه والسقوط من فوق ذلك المنحدر الذي ترك فيه التواء في الكتف. تتلمذ في العربية والسريانية على يد الأب جرمانوس. وعلمه الأب سمعان القراءة والكتابة في مدرسة بشري الابتدائية. ويروي صديقه الكاتب ميخائيل نعيمة أن الصغير جبران كان يستخدم قطعة فحم ليخط بها رسومه الأولى على الجدران. ويحكى أنه طمر يوماً (وكان عمره أربع سنوات) ورقة في التراب وانتظر أن تنبت.
في العاشرة من عمره وقع جبران عن إحدى صخور وادي قاديشا وأصيب بكسر في كتفه اليسرى، عانى منه طوال حياته.
لم يكف العائلة ما كانت تعانيه من فقر وعدم مبالاة من الوالد، حتى جاء الجنود العثمانيون عام (1891) وألقوا القبض عليه أودعوه السجن بسبب سوء إدارته الضرائب التي كان يجيبها. أدين، وجرد من كل ثرواته وباعوا منزلهم الوحيد، فاضطرت العائلة إلى النزول عند بعض الأقرباء ولكن الوالدة قررت ان الحل الوحيد لمشاكل العائلة هو الهجرة إلى الولايات المتحدة الإميركية سعيا وراء حياة أفضل.
ان في كتاباته اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة.
ادبه
كان في كتاباته اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة.
أبطأ هذا النشاط الإنساني والأخبار المأساوية التي توافدت عليه من أوروبا والمشرق نتاجه الأدبي. صحيح أنه نشر عام 1914 مجموعته "دمعة وابتسامة"، غير أنها لم تكن سوى جمع لمقالات بالعربية (56 مقالة) نشرت في "المهاجر"، وكان هو نفسه قد تردد في نشرها. كانت ذات نفحة إنسانية وضمت تأملات حول الحياة، والمحبة، والوضع في لبنان وسورية، وقد اتخذت شكل القصيدة المنثورة، الأسلوب غير المعروف في الأدب العربي، وقد كان رائده.
في هذه الفترة تقريباً، شعر بالحاجة للكتابة بالإنكليزية، هذه اللغة التي يمكن أن تفتح له الكثير من الأبواب وتمكنه من ملامسة الجمهور الأمريكي. قرأ "شكسبير" مرة أخرى، وأعاد قراءة الكتاب المقدس مرات عدة بنسخة "كينغ جيمس"… كانت إنكليزيته محدودة جداً، غير أنه عمل طويلاً وبجد حتى أتقن لغة شكسبير ولكن دون أن يتخلى عن لغته الأم: "بقيت أفكر بالعربية". ".. كان غنى العربية، التي أولع بها، يدفعه دائماً إلى سبر الكلمة التي تتوافق بأفضل شكل مع مثيلتها في الإنكليزية، بأسلوب بسيط دائماً…"، كما ذكرت مساعدته بربارة يونغ.
من أين يبدأ؟ كان أمامه مشروع "النبي"، الذي نما معه منذ الطفولة. سار العمل بطيئاً جداً. أراد أخيراً أن يجد موضوعاً يستقطب أفكاره ولغته الثانية. وفكر جبران: ما الذي يمكن، مع الإفلات من العقاب، أن يكشف حماقة الناس وجبنهم وينتزعه حُجُب المجتمع وأقنعته؟. المجنون. أغرته الفكرة. لم ينس "قزحيّا" في الوادي المقدس وتلك المغارة التي كانوا يقيدون فيها المجانين لإعادتهم إلى صوابهم، كما كانوا يعتقدون. في "يوحنا المجنون"، كان قد كتب يقول إن "المجنون هو من يجرؤ على قول الحقيقة"، ذاك الذي يتخلى عن التقاليد البالية والذي "يصلب" لأنه يطمح إلى التغيير. برأيه، "أن الجنون هو الخطوة الأولى نحو انعدام الأنانية… هدف الحياة هو تقريبنا من أسرارها، والجنون هو الوسيلة الوحيدة لذلك". وهكذا، عنوان كتابه القادم: (بالإنجليزية: The Madman). وبقي أن يكتبه.
في هذه الأثناء، شارك في مجلة جديدة، The Seven Arts***161; التي كان ينشر فيها كتاب مشهورون، مثل جون دوس باسوس وبرتراند راسل، ومن خلالها أضحى مشهوراً في الأوساط الفنية النيويوركية، حيث نشر رسومه ونصوصه الأولى بالإنكليزية.
كانت فترة 1914 ـ 1916 غنية باللقاءات: تردد جبران إلى صالونات المجتمع الراقي الذي كانت تديره نساء متنفذات. تعرف إلى الفنانة الشهيرة "روز أونيل"، وعمدة نيويورك، والشاعرة "آمي لويل"، والرسام الرمزي "ألبرت رايدر". ودعي عدة مرات إلى Poetry Society of America***161; التي ألقى فيها مقتطفات من كتاب Madman***161; الذي كان بصدد تأليفه، أمام حضور منتبه.
في خريف 1916، التقى مرة أخرى بمخائيل نعيمة، الذي ألف فيه كتاباً، جبران خليل جبران". كان "نعيمة" يدرس في روسيا قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة، حيث درس أيضاً القانون والآداب. كتب كلاهما في "الفنون"، وكلاهما آمنا بالتقمص، وناضل كلاهما من أجل تحرير بلدهما عبر لجنة المتطوعين، جبران كمسؤول عن المراسلات بالإنكليزية ونعيمة كمسؤول عن المراسلات بالعربية.
في كانون الأول 1916، التقى أخيراً بـ "رابندراناته طاغور"، الشاعر الهندي الشهير، المتوج بجائزة نوبل في الآداب لعام 1913. وكتب إلى "ميري" في وصفه قائلاً: "حسن المنظر وجميل المعشر. لكن صوته مخيِّب: يفتقر إلى القوة ولا يتوافق مع إلقاء قصائده…". بعد هذا اللقاء، لم يتردد صحفي نيويوركي في عقد مقارنة بين الرجلين: كلاهما يستخدمان الأمثال في كتاباته ويتقنان الإنكليزية واللغة الأم. وكل منهما فنان في مجالات أخرى غير الشعر".
مع اقتراب الحرب من نهايتها، أكب جبران أكثر على الكتابة. ألف مقاطع جديدة من "النبي"، وأنهى كتابه "المجنون"، التي اشتملت على أربعة وثلاثين مثلاً (قصة قصيرة رمزية) وقصيدة. أرسلها إلى عدة ناشرين، لكنهم رفضوها جميعاً بحجة أن هذا الجنس الأدبي "لا يباع". لكنه وجد ناشراً أخيراً، وظهر العمل عام 1918 مزيناً بثلاثة رسوم للمؤلف. وكان جبران قد كتب بعض نصوصه بالعربية أصلاً، ثم ترجمها إلى الإنكليزية. ويروي فيه حكاية شخص حساس ولكن "مختلف"، يبدأ بإخبارنا كيف أصبح مجنوناً. "… في قديم الأيام قبل ميلاد كثيرين من الآلهة نهضت من نوم عميق فوجدت أن جميع براقعي قد سرقت… فركضت سافر الوجه في الشوارع المزدحمة صارخاً بالناس: "اللصوص! اللصوص! اللصوص الملاعين!" فضحك الرجال والنساء مني وهرب بعضهم إلى بيوتهم خائفين مذعورين… هكذا صرت مجنوناً، ولكني قد وجدت بجنوني هذا الحرية والنجاة معاً…". تميز أسلوب جبران في "المجنون" بالبساطة واللهجة الساخرة والمرارة، وشكل هذا العمل منعطفاً في أعمال الكاتب، ليس فقط لأنه أول كتاب له بالإنكليزية، بل لما فيه من تأمل وسمو روحي. وأرسل نسخة منه إلى "مي زيادة"، التي وجدته سوداوياً ومؤلماً. وأرسل نسخة أخرى إلى جيرترود باري، حبيبته الخبيئة. ربما أخفى جبران هذه العلاقة كي لا يجرح "ميري" ومن أجل أن لا تمس هذه العلاقة اللاأفلاطونية صورته الروحية. كان لجبران علاقات غير محددة، أفلاطونية وجسدية: جيرترود شتيرن التي التقاها عام 1930 واعتبرت نفسها حبه الأخير، وماري خواجي وماري خوريط، وهيلينا غوستين التي أكدت، كما فعلت "شارلوت" و"ميشلين" بأن جبران "زير نساء"، وقد روت، مازحةً ومداعبة، أنه طلب منها ذات مرة أن تشتري له مظلة ليقدمها إلى شقيقته "ماريانا"، لكنها اكتشفت بعد حين أنه قد أهداها لامرأة أخرى. هذه المغامرات عاشها جبران سراً, إما حفاظاً على سمعة تلك العشيقات أو خوفاً من تشويه الصورة التي كان يريد أن يعطيها حول نفسه: صورة الناسك، صورة الكائن العلوي، عاشق الروح وليس الجسد.
في تشرين الثاني 1918، أعلن الهدنة أخيراً. وكتب جبران إلى "ميري" يقول: "هذا أقدس يوم منذ ميلاد اليسوع!".
في أيار 1919، نشر جبران كتابه السادس بالعربية، "المواكب". كان قصيدة طويلة من مائتين وثلاثة أبيات فيها دعوة للتأمل، كتبها على شكل حوار فلسفي بصوتين: يسخر أحدهما من القيم المصطنعة للحضارة؛ ويغني الآخر، الأكثر تفاؤلاً، أنشودةً للطبيعة ووحدة الوجود. وقد تميز الكتاب بتعابيره البسيطة والصافية والتلقائية.
في نهاية عام 1919، نشر مجموعة من عشرين رسماً تحت عنوان (بالإنجليزية: Twenty Drawings). وقد أدخل الناشر إلى مقدمتها نصاً للناقدة الفنية أليس رافائيل إكستين، حيث جاء فيها أن جبران "يقف في أعماله الفنية عند الحدود بين الشرق والغرب والرمزية والمثالية". وقد قيل إن "جبران يرسم بالكلمات"، إذ يبدو رسمه في الواقع تعبيراً دقيقاً عن أفكاره.
رائعة جبران الكبيرة.. النبي
سنة 1923 ظهرت إحدى روائع جبران وهي رائعة (النبي) ففي عام 1996، بيعت من هذا الكتاب الرائع، في الولايات المتحدة وحدها، تسعة ملايين نسخة. وما فتئ هذا العمل، الذي ترجم إلى أكثر من أربعين لغة، يأخذ بمجامع قلوب شريحة واسعة جداً من الناس. وفي الستينيات، كانت الحركات الطلابية والهيبية قد تبنت هذا المؤلف الذي يعلن بلا مواربة: "أولادكم ليسوا أولاداً لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها…". وفي خطبة شهيره له، كرر جون فيتزجرالد كندي سؤال جبران: "هل أنت سياسي يسأل نفسه ماذا يمكن أن يفعله بلده له […]. أم أنك ذاك السياسي الهمام والمتحمس […] الذي يسأل نفسه ماذا يمكن أن يفعله من أجل بلده؟".
حمل جبران بذور هذا الكتاب في كيانه منذ طفولته. وكان قد غير عنوانه أربع مرات قبل أن يبدأ بكتابته. وفي تشرين الثاني 1918، كتب إلى "مي زيادة" يقول "هذا الكتاب فكرت بكتابته منذ ألف عام..". ومن عام 1919 إلى عام 1923، كرس جبران جل وقته لهذا العمل، الذي اعتبره حياته و"ولادته الثانية". وساعدته "ميري" في التصحيحات، إلى أن وجد عام 1923 أن عمله قد اكتمل، فدفعه إلى النشر، ليظهر في أيلول نفس العام.
"النبي" كتاب ممتميز جداً ممن حيث أسلوبه وبنيته ونغمية جمله، وهو غني بالصور التلميحية، والأمثال، والجمل الاستفهامية الحاضة على تأكيد الفكرة نفسها، من يستطيع أن يفصل إيمانه عن أعماله، وعقيدته عن مهنته؟، أو ليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها؟.
أمكن أيضاً إيجاد تشابه بين "النبي" و"هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه. من المؤكد أن جبران قرأ كتاب المفكر الألماني، وثمّنه. اختار كلاهما حكيماً ليكون لسان حاله. الموضوعات التي تطرقا إليها في كتابيهما متشابهة أحياناً: الزواج، والأبناء، والصداقة، والحرية، والموت…. كما نعثر على بعض الصور نفسها في العملين، كالقوس والسهم، والتائه….. مع ذلك، ففي حين تتسم الكتابة النيتشوية برمزية شديدة وفصاحة تفخيمية، تمتاز كتابة "النبي" بالبساطة والجلاء وبنفحة شرقية لا يداخلها ضعف. ونيتشه أقرب بكثير إلى التحليل الفلسفي من جبران، الذي يؤثر قول الأشياء ببساطة.
"النبي" هو كتاب في التفاؤل والأمل. وبطريقة شاعرية، وأسلوب سلس، يقدم لنا جبران فيه برسالة روحية تدعونا إلى تفتح الذات و"إلى ظمأ أعمق للحياة".
ماذا يقول لنا جبران في "النبي" على لسان حكيمه؟. عندما طلبت منه المطرة، المرأة العرافة، خطبة في المحبة، قال: "المحبة لا تعطي إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها. المحبة لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأن المحبة مكتفية بالمحبة". ولما طلبت رأيه في الزواج، أجاب: "قد ولدتم معاً، وستظلون معاً إلى الأبد. وستكونون معاً عندما تبدد أيامكم أجنحة الموت البيضاء.. أحبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود.. قفوا معاً ولكن لا يقرب أحدكم من الآخر كثيراً: لأن عمودي الهيكل يقفان منفصلين، والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها". وفي الأبناء، يقول: أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم". وفي العمل: "قد طالما أُخبرتم أن العمل لعنة، والشغل نكبة ومصيبة. أما أنا فأقول لكم إنكم بالعمل تحققون جزءاً من حلم الأرض البعيد، جزءاً خصص لكم عند ميلاد ذلك الحلم. فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة. لأن من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها، وتدنيه من أبعد أسرارها"…….
في عام 1931، كتب جبران بخصوص "النبي": "شغل هذا الكتاب الصغير كل حياتي. كنت أريد أن أتأكد بشكل مطلق من أن كل كلمة كانت حقاً أفضل ما أستطيع تقديمه". لم تذهب جهوده عبثاً: بعد سبعين سنة على وفاته، ما يزال يتداوله ملايين القراء في أنحاء العالم.
بقي جبران على علاقة وطيدة مع ماري هاسكال، فيما كان يراسل أيضا الأديبة مي زيادة التي أرسلت له عام 1912 رسالة معربة عن إعجابها بكتابه " الأجنحة المتكسرة". وقد دامت مراسلتهما حتى وفاته رغم أنهما لم يلتقيا أبدا.
مؤلفاته
بالعربية
ألّف باللغة العربية:
دمعة وابتسامة. 1914
الأرواح المتمردة. 1908
الأجنحة المتكسرة. 1912
العواصف / المواكب 1918
البدائع والطرائف: مجموعة من مقالات وروايات تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة ومن مقالاته "الأرض". نشر في مصر عام 1923.
عرائس المروج
بالإنجليزية
ألّف باللغة الإنجليزية:
النبي مكون من 26 قصيدة شعرية وترجم إلى ما يزيد على 20 لغة. 1923
المجنون. 1918
السابق 1920
رمل وزبد. 1926
يسوع ابن الإنسان. 1928
حديقة النبي. 1933
آلهة الأرض. 1931
الأعلام للزركلي.
التائه 1932
وفاته
كانت صحة جبران قد بدأت تزداد سوءاً. وفي 9 نيسان، وجدته البوابة يحتضر فتوفي جبران في 10 نيسان 1931 في إحدى مستشفيات نيويورك وهو في الثامنة والأربعين بعد أصابته بمرض السرطان فنقل بعد ثلاثة أيام إلى مثواه الأخير في مقبرة "مونت بنيديكت"، إلى جوار أمه وشقيقته وأخيه غير الشقيق. ونظمت فوراً مآتم في نيويورك وبيونس آيرس وساوباولو حيث توجد جاليات لبنانية هامة. وبعد موافقة شقيقته "ماريانا"، تقرر نقل جثمان جبران في 23 تموز إلى مسقط رأسه في لبنان. واستقبلته في بيروت جموع كبيرة من الناس يتقدمها وفد رسمي. وبعد احتفال قصير حضره رئيس الدولة، نقل إلى بشري، التي ووري فيها الثرى على أصوات أجراس الكنائس. وإلى جوار قبره، نقشت هذه العبارة: "كلمة أريد رؤيتها مكتوبة على قبري: أنا حي مثلكم وأنا الآن إلى جانبكم. أغمضوا عيونكم، انظروا حولكم، وستروني….". عملت شقيقته على مفاوضة الراهبات الكرمليات واشترتا منهما دير مار سركيس الذي نقل إليه جثمان جبران، وما يزال إلى الآن متحفا ومقصدا للزائرين.
وفضلاً عن الأوابد التي كرست للفنان في وطنه الأم (متحف جبران، وساحة جبران التي دشنت في وسط بيروت عام 2000)، هنالك مواقع، وتماثيل، ولوحات تذكارية تكرم ذكراه: في الولايات المتحدة نصبان تذكاريان لجبران، أحدهما في بوسطن، والآخر في واشنطن. ويضم عدد من أشهر المتاحف الأمريكية العديد من لوحات جبران. وكانت الجالية اللبنانية في البرازيل قد دشنت أيضاً مركزاً ثقافياً سمي "جبران".
و قدم العديد من الفنانين العرب أغانى من كلمات جبران خليل جبران ومنهم فيروز والفنانة ماجدة الرومي، وأخيرا احتفل الفنان المصري طوني قلدس بيوبيل 125 عام على ولادة الشاعر والأديب عام 2022 في عدة حفلات واطلق عملين من كلمات جبران.
شكرا جزيلا
الفيروزآبادي
اسم الفيروزآبادي ومولده
محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، أبو طاهر مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي. كان رحمه الله تعالى ينتسب إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، صاحب التنبيه، وربما يُرفع نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان يكتب بخطه: (الصديقي)[1].
وُلِد الفيروزآبادي عام 729هـ/ 1329م[2]، وذلك في كازرون من أعمال شيراز[3]، وانتقل إلى العراق، وجال في مصر والشام، ودخل بلاد الروم والهند، وزَبِيد باليمن حيث استقر بها العشرين عامًا الأخيرة من عمره[4].
أهم ملامح شخصية الفيروزآبادي وأخلاقه
كان الإمام محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي حادَّ الذهن، شديد الذكاء، سريع البديهة، ذا فطنة عظيمة، وكان حريصًا غاية الحرص على تحصيل العلم وشراء الكتب وحملها معه، مهما كلفه ذلك من مشقَّات، أو جَلَبَ لَهُ من متاعب.
وعن ذلك يقول ابن حجر في (إنباء الغمر بأبناء العمر): "وقد أكثر المجاورة بالحرمين، وحصل دنيا طائلة وكتبًا نفيسة، لكنه كان كثير التبذير، وكان لا يسافر إلا وصحبته عدة أحمال من الكتب، ويُخرِج أكثرها في كل منزلة ينظر فيها، ويعيدها إذا رحل"[5]، وكان لا ينام حتى يحفظ مائتي سطر[6].
نشأة الفيروزآبادي
نشأ بكازرون، فحفظ القرآن بها وهو ابن سبع، وجوَّد الخط ثم نقل فيها كتابين من كتب اللغة، وانتقل إلى شيراز وهو ابن ثمانٍ، وأخذ اللغة والأدب عن والده ثم عن القوَّام عبد الله بن محمود بن النجم وغيرهما من علماء شيراز، وسَمِع فيها على الشمس أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنصاري الزَّرَندي المدني الصحيحَ، بل قرأ عليه جامع الترمذي هناك درسًا بعد درس في شهور سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وارتحل إلى العراق فدخل واسط وقرأ بها القراءات العشر على الشهاب أحمد بن علي الديواني، ثم دخل بغداد في السنة المذكورة فأخذ عن التاج محمد بن السباك، والسراج عمر بن علي القزويني[7].
شيوخ الفيروزآبادي
ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة خمس وخمسين فسمع بها من التَّقِي السبكي، وأكثر من مائة شيخ منهم ابن الخبَّاز، وابن القيِّم، ومحمد بن إسماعيل بن الحموي، وأحمد بن عبد الرحمن المرداوي، وأحمد بن مظفر النابلسي، ويحيى بن علي بن مجلي بن الحداد الحنفي، وغيرهم ببعلبك وحماة وحلب، وبالقدس من العلائي والبياني والتقي القلقشندي. ثم دخل القاهرة بعد أن سمع بغزة والرَّملة، فكان ممن لقيه بها البهاء بن عقيل، والجمال الأسنوي، وابن هشام النحوي، وسمع من العز بن جماعة، والقلانسي، والمظفر العطار، وناصر الدين التونسي، وناصر الدين الفارقي، وابن نباتة، والعرضي، وأحمد بن محمد الجزائري. وسمع بمكة من الضياء خليل المالكي، واليافعي، والتقي الحرازي، ونور الدين القسطلاني، وجماعة. وجال في البلاد الشمالية والمشرقية، ودخل بلاد الروم والهند، ولقي جمعًا من الفضلاء وأخذ عنهم[8].
تلامذة الفيروزآبادي
من تلاميذه: الشاعر المؤرخ الصلاح الصفدي، والبهاء بن عقيل، والجمال الأسنوي، وابن هشام النحوي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهم[9].
مؤلفات الفيروزآبادي
في التفسير (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) مجلدان، و(تنوير المقياس في تفسير ابن عباس) أربع مجلدات، و(تيسير فاتحة الإياب في تفسير فاتحة الكتاب) مجلد كبير، و(الدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم)، و(حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص)، و(شرح قطبة الحُساف في شرح خطبة الكشاف).
وفي الحديث والتاريخ: (شوارق الأسرار العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية) أربع مجلدات، و(منح الباري بالشيح الفسيح المجاري في شرح صحيح البخاري)، و(عمدة الحكام في شرح عمدة الأحكام) مجلدان، و(امتضاض السهاد في افتراض الجهاد) مجلد، و(الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الجهاد) ثلاث مجلدات، و(النفحة العنبرية في مولد خير البرية)، و(الصلاة والبشر في الصلاة على خير البشر)، و(الوصل والمُنَى في فضل مِنَى)، و(المغانم المطابة في معالم طابة)، و(مهيج الغرام إلى البلد الحرام)، و(إثارة الحجون لزيارة الحجون)، و(أحاسن اللطائف في محاسن الطائف)، و(فصل الدرة من الخرزة في فضل السلامة على الجنزة) قريتان بوادي الطائف، و(روضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر)، و(المرقاة الوفية في طبقات الحنفية)، و(البلغة في تراجم أئمة النحاة واللغة)، و(الفضل الوفي في العدل الأشرفي)، و(نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان) في مجلد، و(تعين الغرفات للمعين على عين عرفات)، و(منية السُّول في دعوات الرسول)، و(التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح)، و(تسهيل طريق الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول)، و(الدر الغالي في الأحاديث العوالي)، و(سِفر السعادة)، و(المتفق وضعًا والمختلف صنعًا).
وفي اللغة وغيرها: (اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب)، و(القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط) في جزأين ضخمين وهو عديم النظير، و(مقصود ذوي الألباب في علم الأعراب) مجلد، و(تحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين)، أخذه عنه البرهان الحلبي الحافظ، ونقل عنه أنه تتبع أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضعٍ، مع تعظيمه لابن فارس وثنائه عليه. و(المثلث الكبير) في خمس مجلدات، و(الصغير)، و(الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف)، و(الدرر المبثثة في الغرر المثلثة)، و(بلاغ التلقين في غرائب اللعين)، و(تحفة القماعيل فيمن يسمى من الملائكة والناس إسماعيل)، و(أسماء السراح في أسماء النكاح)، و(أسماء الغادة في أسماء العادة)، و(الجليس الأنيس في أسماء الخندريس) في مجلد، و(أنواء الغيث في أسماء الليث)، و(أسماء الحمد)، و(ترقيق الأسل في تصفيق العسل) في كراريس، و(مزاد المزاد وزاد المعاد في وزن بانت سعاد) وشرحه في مجلد، و(النخب الطرائف في النكت الشرائف)، إلى غيرها من المؤلفات[10].
ثناء العلماء على الفيروزآبادي
قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: "كان حافظًا للغة، واسع المعرفة بها"[11]. قال عنه التَّقِيُّ الكِرْمانيُّ: "كان عديم النظير في زمانه، نظمًا ونثرًا بالفارسي والعربي"[12]. وقال الخزرجي في (تاريخ اليمن): "إنه لم يزل في ازدياد من علوِّ الجاه والمكانة ونفوذ الشفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار"[13].
وقال المقري: "هو آخر من مات من الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفنٍّ فاق فيه أقرانه على رأس القرن الثامن، وهم: الشيخ سراج الدين البلقيني في الفقه على مذهب الشافعي، والشيخ زين الدين العراقي في الحديث، والشيخ سراج الدين ابن المُلقِّن في كثرة التصانيف وفن الفقه والحديث، والشيخ شمس الدين الفناري في الاطِّلاع على كل العلوم العقلية والنقلية والعربية، والشيخ أبو عبد الله بن عرفة في فقه المالكية بالمغرب، والشيخ مجد الدين الشيرازي (الفيروزآبادي) في اللغة"[14].
وقال عنه أيضًا: "كان كثير العلم والاطلاع على المعارف العجيبة، وبالجملة كان آية في الحفظ والاطلاع والتصنيف"[15]. وقال عنه الزركلي: "كان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير"[16].
وفاة الفيروزآبادي
تُوُفِّي في زَبِيد باليمن سنة 817هـ/ 1415م[17].
[1] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الثانية، 1986م، 7/160.
[2] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[3] السخاوي: الضوء اللامع 5/29. ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر 7/160.
[4] ابن حجر: السابق نفسه، الصفحة نفسها. د/رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 3/198.
[5] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر 7/161.
[6] السابق نفسه 7/162.
[7] السخاوي: الضوء اللامع 5/29.
[8] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[9] د. رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 3/198.
[10] السخاوي: الضوء اللامع 5/30، 31.
[11] ابن حجر: تقريب التهذيب 1/13.
[12] السخاوي: الضوء اللامع 5/31.
[13] المقري: أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض 1/250.
[14]السابق نفسه 1/248.
[15] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[16] الزركلي: الأعلام 7/146.
[17] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
نبذ شائقة عن أبي العلاء المعرّي
نبذ شائقة عن علَم من أعلام اللّغة أو الأدب
المعرّيّ، أبو العلاء
حياة المعري | شخصية المعري | مؤلفاته النثرية |
شعر المعري | اثرعلمه وثقافته في شعره | فلسفة المعري
أسئلة
المعرّيّ، أبو العلاء (363 – 449هـ، 973 – 1057م)
أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد بن سليمان المعري، التنوخي. شاعر ومؤلف عربي كبير
كنيته أبو العلاء، ولقب نفسه برهين المحبسين
المحبس الأول فقد البصر والثاني ملازمته داره واعتزاله الناس
ولد بمعرة النعمان وهي مدينة شامية، يرى بعض المؤرخين أنها منسوبة للنعمان بن عدي
ويرى آخرون نسبتها للنعمان بن بشير الأنصاري والي حمص وقنسرين أيام معاوية ويزيد
ثم أيام عبدالملك، لأنه أول من بنى بيتًا بها
وكان قد مر بها فمات ابن له فدفنه وأقام عليه
فيكون معناها الشدة، فيقال معرة النعمان أي شدته أو حزنه
حياتـه:
أسرته.
في هذه المدينة استقرت أسرة المعري
التي ترجع بأصولها إلى قبيلة عربية مشهورة
هي تنوخ التي ينتهي نسبها إلى قضاعة ثم إلى يعرب بن قحطان.
وسميت بذلك لأنها تنخت بالشام قديمًا أي أقامت،
وقد عمر المعرة منهم بطن لبني ساطع الجمال وهو النعمان بن عدي
ولقب "بالساطع" لجماله وبهائه وكان جوادًا شجاعًا.
وبيت أبي العلاء في بني سليمان بن داود بن المطهر وفيهم العلم والرئاسة
يقول ابن العديم "وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها من بني سليمان".
وتولى أجداد أبي العلاء قضاء المعرة وضم إليها جده أبوالحسن سليمان قضاء حمص أيضًا،
وعرف بالفضل وكرم النفس، ومات سنة 290 هـ، فولي بعده ابنه أبوبكر محمد بن سليمان
عم أبي العلاء الذي قصده الشعراء بالمدح. يقول الصنوبري فيه
بأبي يا ابن سليمان لقد سدت تنوخا
وهم السادة شبانًا لعمري وشيوخا
فلما مات ولي القضاء بعده أخوه عبدالله بن سليمان والد أبي العلاء،
واختلف في سنة وفاته، وله من الولد، غير أبي العلاء، أبو المجد محمد بن عبدالله
وأبو الهيثم عبدالواحد ابن عبدالله، وكانا شاعرين وخلّفا طائفة من الأولاد تولوا القضاء.
واستمر مجد الأسرة حتى أواخر القرن السادس الهجري.
وجدته لأبيه هي أم سلمة بنت أبي سعيد الحسن بن إسحاق المعري،
كانت تروي الحديث وعُدّت من شيوخ أبي العلاء الذين سمع الحديث عنهم.
وأمه من بيت معروف من بيوتات حلب الشهباء. وجده لأمه هو محمد بن سبيكة.
وخالاه هما أبوالقاسم علي وأبو طاهر المشرف، وكانا من ذوي الشرف والمروءة والكرم
ومن أرباب الأسفار طلبًا للمجد والجاه. يقول أبو العلاء في رثاء أمه
وكم لك من أب وسم الليالي
على جبهاتها سمــة اللئام
مضى وتَعــرُّف الأعــلام فيـه
غني الوسم عن ألف ولام
يقول في خاله علي:
كأن بني سبيـــكة فوق طير
يجوبون العزائز والنـــــجادا
أبالإســكندر الملك اقتديتم
فما تضعون في بلد وســـادا
وكانت صلته بهم طيبة، كما كانوا به بررة يعينونه ويصلونه.
وخاله أبو طاهر هذا هو الذي أعانه على رحلة بغداد، ولذا كان يكثر من ذكرهم
وله معهم مراسلات ومنها قصيدة بعث بها إلى خاله أبي القاسم علي
وكان قد سافر إلى المغرب فطالت غيبته
تفدِّيك النفوس ولاتفادى
فأدن الوصل أو أطل البعادا
وكان المعري شديد التعلق بأمه يتحدث عنها بعاطفة مشبوبة متقدة،
ولما رحل إلى بغداد كان حنينه إليها متصلاً وطيفها لا يفارقه، وتصحبه الهواجس والظنون،
وبقي طوال عمره يذكرها ولم ينسها على مر الأعوام.
يقول ـ وهو شيخ ـ لابن أخيه القاضي أبي عبدالله محمد:
[color="rgb(153, 50, 204)"]أعبدالله ما أُسـدي جميـلاً
نظير جميل فعلك مثل أمي
سقتني درها ورعت وباتت
تعـوذني وتـقـرأ أو تُسـمي
[/color]
نشأته.
أصيب في آخر العام الثالث من عمره بالجدري فعمي في الرابعة من عمره،
ولم يبق من ذكريات ما رآه إلا اللون الأحمر.
قال: " لا أعرف من الألوان إلا الأحمر،
لأني ألبست في الجدري ثوبًا مصبوغًا بالعصفر، لا أعقل غير ذلك".
بدأ أبوالعلاء صغيرًا في تلقي العلم على أبيه،
وأول ما بدأ به علوم اللسان والدين على دأب الناس في ذلك العصر،
وتُلمح الفائدة التي جناها من هذه الدروس إذ بدأ يقرض الشعر وله إحدى عشرة سنة
ثم ارتحل إلى حلب ليسمع اللغة والآداب من علمائها تلاميذ ابن خالويه.
وكانت حلب في ذلك العصر إحدى حواضر العالم الإسلامي الكبرى
تضم جمعًا من العلماء ممن استدعاهم سيف الدولة إبان عنفوان دولته،
ولم تذهب نهضتها بموته بل استمرت بعده.
وفي حلب شهر تبريز المعري وروايته للأدب والشعر.
فقد روي أنه صحّح رواية شيخه ابن سعد لبيت المتنبي:
أو موضعًا في فناء ناحية
تحمل في التاج هامة العاقد
فقال أبوالعلاء:
أو موضعًا في فتان ناجية
ولم يقبل شيخه ذلك حتى مضى إلى نسخة عراقية للديوان فوجده كما قال أبوالعلاء.
تلقى أبوالعلاء دروسًا في السنة عن يحيى بن مسعر.
ومن حلب توجه إلى أنطاكية، وكانت بها مكتبة عامرة تشتمل على نفائس من الكتب
فحفظ منها ما شاء الله أن يحفظ، ثم سافر إلى طرابلس الشام ومر في طريقه باللاذقية،
ويقال إنه درس النصرانية واليهودية جميعًا.
ولما وصل أبو العلاء إلى طرابلس وجد بها مكتبة كبيرة ـ
وقفها أهل اليسار ـ درس منها ثم عاد إلى المعرة.
تردد في طور لاحق في مكتبات بغداد ودور العلم بها.
كان استعداده للعلم عظيمًا وذكاؤه ملتهبًا. روى الثعالبي عن أبي الحسن المصيصي الشاعر قوله:
" لقيت بمعرة النعمان عجبًا من العجب، رأيت أعمى شاعرًا ظريفًا يلعب بالشطرنج والنرد
ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول:
"أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر،
فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء"".
أشار ابن العديم إلى قوة حفظ أبي العلاء برواية حكاية عن ابن منقذ ذكر فيها
أنه يقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فيحفظهما،
ولم يعلم له من شيوخ بعد سن العشرين، وذكر هو نفسه أنه لم يحتج إليهم بعدها.
وفاة أبيه
اختلف المؤرخون في السنة التي مات فيها أبوه، فيذكر ياقوت أنه توفي سنة 377هـ بحمص،
وبهذه الرواية يأخذ بعضهم ويبني عليها رأيه في نبوغ أبي العلاء الباكر وعبقريته الفذة.
ويقول ابن العديم: إنه توفي سنة 395هـ بمعرة النعمان.
ويؤيد جمع من الدارسين روايته لأسباب منها أنه كان يذكر أسانيد رواياته،
وأغلب رواته من بني سليمان أو من تلاميذ المعري ومعاصريه،
ويذكر طرق الرواية قراءة أو سماعًا أو مكاتبة،
هذا فضلاً عن تخصصه واقتصاره على أخبار أبي العلاء بخلاف ياقوت في كتابه الجامع المانع.
ومنها أن القصيدة التي رثى بها أباه شديدة الأسر محكمة التركيب
فيها درجة من النضج الفني والفكري يصعب أن يتصف به ابن أربع عشرة سنة،
وقد وصفت بأنها من عيون الشعر في الديباجة والأغراض والمعاني.
وقد خلفت وفاة والده جراحًا غائرة وأسى عميقًا في نفسه لعظم عطاء الوالد البر
الذي كان اعتماد أبي العلاء عليه كبيرًا في كثير من شؤونه،
فأحس بعده بأنه مهيض الجناح ضائع أو شبه ضائع،
وهذا الحدث أمده بكثير من الآراء التي عظمت عنده من سوء رأيه في الحياة ويقينه بفسادها.
[color="rgb(46, 139, 87)"]رحلته إلى بغداد[/color]
كان أبوالعلاء فقيرًا، وكان لايتكسب بشعره، وكان له ثروة ضئيلة
لا تتجاوز ثلاثين دينارًا في السنة جعل نصفها لخادمه.
ويرى بعضهم أن الذي منعه من التكسب أمران:
أولهما أن عزة النفس التي ورثها عن أسرته تمنعه من إراقة ماء وجهه،
وتصده عن ذل السؤال،
وثانيهما فطرته السليمة ودراسته الفلسفية اللتان صانتاه من الابتذال
وصوغ الأكاذيب في الأمراء. والكذب عنده بشع قبيح،
ثم إن المال الذي يأخذه عن طريق التكسب مال حرام
استحل ظلمًا وأولى به شيخ كبير وعجوز فانية وأرملة مهيضة الجناح وأطفال زغب.
كانت أمه تمانع في سفره أول الأمر، ولكنه أقنعها فأذنت له،
وأعد له خاله أبو طاهر سفينة انحدر بها إلى الفرات حتى بلغ القادسية،
وهناك لقيه عمال السلطان فاغتصبوا سفينته واضطروه إلى أن يسلك طريقًا مخوفة إلى بغداد،
وعند وصوله نظم قصيدة قدمها إلى أبي حامد الأسفراييني واصفًا سفره
وجور عمال السلطان طالبًا مودة أبي حامد ومساعدته في رد سفينته.
ويتظرف فيها واصفًا سفره البري باصطلاح الفقهاء:
ورب ظهر وصلناها على عجل
بعصرها من بعيد الورد لمّاع
بضربتين لطهر الوجه واحدة
وللذراعــين أخــرى ذات إســراع
وكم قصرنا صلاة غير نافلة
في مهمه كصلاة الكسف شعشاع
ولا يذكر المؤرخون أسبابًا لرحلته تلك سوى أنها للسياحة وطلب العلم والحرص على الشهرة بمدينة السلام،
وربما أشاروا من طرف خفي إلى فقره وطلبه الغنى.
ولكن القفطي والذهبي ينصان على أن عامل حلب كان قد عارض أبا العلاء في وقف له،
فارتحل إلى بغداد شاكيًا متظلمًا. وقد يكون الاضطراب السياسي في الشام آنذاك
أحد الأسباب التي أخرجته وبغضت إليه المعرة فتركها ليقيم ببغداد.
وكانت أجزاء كبيرة من الشام قد خضعت للعبيديين وهم من الشيعة الباطنية
وكان المعري مبغضًا لهم غاية البغض،
فيرجح بعض الدارسين أن خروجه قد يكون بسبب تحكم هؤلاء في المعرة في السنة التي خرج فيها.
أما المعري فينفي أن يكون خروجه طلبًا لدنيا أو التماسًا لرزق:
[color="rgb(153, 50, 204)"]أنبئكم أني على العهد سالم
ووجهي لما يبتذل بسؤال
وأني تيممت العراق لغير ما
تيممـه غيـلان عند بـلال
[/color]
وكرر هذا في رسائله لأهل المعرة ولخاله،
وذكر أن أهل بغداد بذلوا له الأموال ليبقى بينهم، ولكن وجدوه
"غير جذل بالصفات ولاهش إلى معروف الأقوام".
كما نفى نفيًا قاطعًا أن يكون خروجه ليستزيد من العلم:
"ومنذ فارقت العشرين من العمر ما حدثت نفسي باجتداء العلم من عراقي ولا شامي.
وانصرفت وماء وجهي في سقاء غير سرب، لم أرق قطرة منه في طلب أدب ولا مال. "
مع أنه كان أمرًا مألوفًا في عصره أن يرحل الرجل ليستكثر من لقاء الشيوخ
وكانت بغداد مما يقصد إليها الشعراء واللغويون والفقهاء والمحدثون.
وقد صرح أبو العلاء بسبب سفره في بعض رسائله أنه أتاها قاصدًا دار الكتب بها،
وكان يسميها دار العلم. ويذكر أنه لما دخل بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائنها.
وأنه حضر إلى خزانة الكتب التي بيد عبدالسلام البصري
وعرض عليه أسماءها فلم يستغرب شيئًا لم يره من قبل بدور العلم بطرابلس
إلا ديوان تيم اللات فاستعاره.
كان خروج المعري إلى بغداد في أواخر سنة 398هـ ودخلها في أوائل سنة 399هـ،
ولم يأت بغداد مغمورًا بل سبقته شهرته إليها،
ولكن أهل العاصمة الكبرى لم يكونوا ليسلموا بعبقرية الوافد قبل امتحانه.
وقد أعدوا له امتحانًا عسيرًا اجتازه بنجاح، ذكره ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار:
"احضروا دستور الخراج الذي في الديوان، وجعلوا يوردون عليه ما فيه مياومة
وهو يسمع إلى أن فرغوا، فابتدأ أبو العلاء وسردعليهم كل ما أوردوه له".
وأقروا له بالحفظ والعلم، والشعر معًا إذ قرأوا عليه ديوان سقط الزن
حضر المعري كثيرًا من مجالس العلماء ببغداد
واشترك في دروسهم ومناظراتهم فكان يحضر مجمع سابور بن أردشير وفيه يقول:
وغنت لنا في دار سابور قينة
من الورق مطراب الأصائل ميهال
ويحضر مجمع عبدالسلام البصري يوم الجمعة ويقول فيه:
[color="rgb(153, 50, 204)"]تهيـج أشـواقي عروبة أنها
إليك ذوتني عن حضور بمجمع
ويحضر دروس الشريف المرتضي،
[/color]
وكانت علاقته أول الأمر حسنة متينة بالشريفين المرتضي والرضي وأسرتهما،
ورثى والدهما الشريف الطاهر بقصيدة مرتجلة، وكانا يجلانه ويرفعان منزلته،
ثم تغير المرتضي عليه. كما كان يحضر المجالس الشعرية بمسجد المنصور حيث يلقي الشعراء قصائدهم.
ورغم هذا الحضور وتلك المشاركات العلمية الاجتماعية الحافلة إلا أن المقام لم يطب له ببغداد،
وحدث له من الحوادث ما آلمه وزهده فيها.
من تلك الحوادث ما يروى من أنه عثر يوم إنشاده المرثية في الشريف الطاهر برجل لا يعرفه،
فقال له الرجل إلى أين يا كلب؟ فأجابه: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا.
وأشد من هذا وقعًا على نفسه موقف الشريف المرتضي منه لما جرى ذكر المتنبي في مجلسه،
وكان المرتضي يكرهه ويتعصب عليه ويتتبع عيوبه،
فقال المعري: "لو لم يكن له إلا قوله: "لك يا منازل في القلوب منازل". لكفاه،
فغضب المرتضي وأمر بإخراجه فسحب برجله وأخرج،
ثم قال المرتضي لجلسائه: أتدرون لم اختار الأعمى هذه القصيدة
دون غيرها من غرر المتنبي؟ قالوا: لا. قال: إنما عرض بقوله:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
وحاول المعري حضور مجلس إمام النحو ببغداد أبي الحسن علي بن عيسى الربعي،
ولما قصده واستأذن عليه قال أبو الحسن: ليصعد الاصطبل، وتعني الأعمى بلغة الشام،
فانصرف من فوره مغضبًا، ثم قرر المعري الانسحاب من بغداد،
وما كان هينًا على البغداديين مفارقته فكانوا لرحيله كارهين ولفراقه محزونين وودعوه باكين
. وودعهم بقصيدته المشهورة:
[color="rgb(153, 50, 204)"]نبي من الغربان ليس على شرع
يخبرنا أن الشعوب إلى الصدع
ويذكر أبو العلاء سببين لرحيله هما فقره ومرض أمه.
أثارني عنكم أمران والدة
لم ألقها وثراء عاد مسفوتا
[/color]
ويقال إن من أسباب خروجه أن فقهاء بغداد تعرضوا له في بيتين هما:
[color="rgb(153, 50, 204)"]يد بخمس مئين عسجد وديب
ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكــوت له
وأن نعـوذ بمـولانـا من النــار
[/color]
ولما عزمو على أخذه بهما خرج من بغداد طريدًا منهزمًا
ورجع إلى المعرة ولزم منزله فكان لا يخرج منه.
ولايذكر معاصروه شيئًا من هذا ولا المعري نفسه، الذي كان يقظًا في تسجيل ما يمر به من أحداث
. بل إن إحدى رسائله تشهد بعكس هذا إذ يقول فيها:
"يحسن الله جزاء البغداديين فقد وصفوني بما لا أستحق،
وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم، وعرضوا أموالهم عرض الجد".
ويذكر بعضهم أنه فارق بغداد كارهًا لها، زاهدًا فيها،
ولكن رسائله تبين أنه أحبها حبًا جمًا وفارقها مكرهًا،
وكان يتمنى المقام بها وكأن مقامه بها كان يقتضيه أن يبذل ما لا يستطيع بذله من خلقه وعزته وأنفته،
وما كان باستطاعته تغيير طبعه وقد شب عن الطوق. وتبين التائية شيئًا من عاطفته تجاه بغداد:
[color="rgb(153, 50, 204)"]يا عارضًــا راح تحــدوه بوارقـه
للكرخ سلمت من غيث ونجيتا
لنــا ببغــداد من نهــوى تحيتــه
فـإن تحمـــلتها عــنـا فحيــيــتا
يا ابن المحسن ما أنسيت مكرمة
فاذكر مودتنا إن كنت أنسـيتـا
سقيًا لدجلــة والدنـــيا مفرقــة
حتى يعود اجتماع النجم تشـتيتًا
وله من قصيدة أخرى:
متى سألت بغــداد عني وأهلها
فإني عن أهل العواصـم سـآل
[/color]
وتظهر على لسانه فلتات في ذم أهل بغداد في اللزوميات،
لعلها أثر من آثار ما لقي من أذى فيها، أو لعلها صدى لسوء رأيه في الناس جميعًا إبان عزلته.
خرج أبوالعلاء من بغداد لست ليال بقين من رمضان عام 400هـ،
وحدد طريق عودته من بغداد إلى الموصل
ثم نزل بالحسنية ووصل بعدها إلى آمد، وقد مر في طريقه بطرف حلب ولم يدخلها تنفيذًا لقرار العزلة.
عزلته
توفيت أمه وهو في الطريق من بغداد راجعًا، فرثاها بقصيدتين وكثير من النثر،
وأضاف موتها إلى فواجعه ما ملأ نفسه ظلامًا وحبًا في العزلة التي اختارها،
وظل يذكرها طوال عمره ولا يرى عزاء إلا في لحاقه بها حيث يؤنسه أن يدفن إلى جوارها.
على أن قلبي آنس أن يقال لي
إلى آل هذا القبر يدفنك الآل
فبعد عودته من بغداد قرر أن يعتزل الناس جميعًا وسمى نفسه رهين المحبسين،
وعبر عن ثلاثة سجون يعيشها بقوله:
أراني في الثلاثة من سجوني
فلا تســـأل عن الخــبر النبيث
لفقـدي ناظـري ولـزوم بيـتي
وكون النفس في الجسم الخبيث
وكان في طبعه ميل إلى العزلة كما وصف نفسه بأنه
"وحشي الغريزة إنسي الولادة".
وتضافرت أسباب حملته على اتخاذ قرار العزلة؛
فمنها الأحداث المؤلمة التي مرت به من فقد أبيه وأمه وما يلقى من أذى أحيانًا من بعض الناس،
ويجعل بعضهم من أسباب عزلته ـ إضافة إلى ما سبق ـ سببين رئيسيين،
أولهما: ذهاب بصره الذي جعله يجهل كثيرًا من آداب الناس في عاداتهم،
وكان شديد الحياء عزيز النفس يكره أن يخطئ في ما ألف الناس
فيكون موضع السخرية والاستهزاء أو الرحمة أو الشفقة.
وثانيهما فشله في الإقامة في بغداد حيث يلقى العلماء والفلاسفة،
ومن ثم اضطراره إلى لزوم المعرة وهي خلو من العلماء،
فكأن معاشرته للبغداديين قد بغضت إليه معاشرة الناس.
قرر أبو العلاء الانقطاع عن الدنيا ومفارقة لذائذها،
فكان يصوم النهار ويسرد الصيام سردًا لا يفطر إلا العيدين، ويقيم الليل
ولا يأكل اللحوم والبيض والألبان ولايتزوج، وكان يكتفي بما يخرج من الأرض من بقل وفاكهة:
[color="rgb(153, 50, 204)"]يقنعني بَلْسَن يمارس لي
فإن أتتني حلاوة فبلس
[/color]
والبلس من البقل العدس أو الفول، والبلس التين. وعبر عن تحريم ما ذكر في قوله:
[color="rgb(153, 50, 204)"]فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالمًا
ولا تبغ قوتًا من غريض الذبائـح
ولاتفجعن الطير وهي غوافل
بما وضعــت فالظـلم شر القبائح
ودع ضَرَبَ النحل الذي بكرت له
كواسب من أزهار نبت صحائح
ويكتفي من الثياب بما يستره من خشنها،
ومن الفراش بحصير من بردي أو لباد،
[/color]
وكان يكلف نفسه أمورًا شاقة زيادة في مجاهدتها مثل الاغتسال شتاءً بالماء البارد:
[color="rgb(153, 50, 204)"]مضى كانون ما استعملت فيه
حميم الماء فاقدم يا شباط
[/color]
وقد التزم بقرار عزلته فلم يخرج من داره تسعًا وأربعين سنة
إلا مرة واحدة مكرهًا بعد ما ألح عليه أهل بلدته طالبين شفاعته لدى الأمير أسد الدولة صالح بن مرداس،
وذلك أن امرأة دخلت جامع المعرة صارخة تستعدي المصلين على أصحاب ماخور قصدوها بسوء،
فنفر إليها الناس وهدموا الماخور ونهبوا ما فيه.
وكان أسد الدولة في نواحي صيدا فأسرع إلى هناك وعسكر بظاهر المعرة
وحاصرها وشرع في قتالها واعتقل سبعين من أعيانها،
فلما ضاق الأمر بالمعريين لجأوا إلى أبي العلاء فخرج وقابل صالحًا واستشفع لديه
فقال له: قد وهبتها لك يا أبا العلاء، وقد ذكر أبو العلاء الحادثة في قصيدة:
[color="rgb(153, 50, 204)"]أتت جامع يوم العروبة جامـعًا
تقص على الشهاد بالمصر أمرها
فلو لم يقوموا ناصرين لصوتها
لخلـت سمـاء الله تمطـر جمرها
[/color]
والتزم بقرار عزلته من جهة ثانية مدة من الزمان،
أي أنه لم يفتح داره لأحد من الناس. قال ابن العديم:
"أقام مدة طويلة في منزله مختفيًا لا يدخل عليه أحد.
ثم إن الناس تسببوا إليه وألحوا في طلب الشفاعة لديه من أقاربه الأدنين".
ثم إنه استجاب لتوسلات المتوسلين ففتح داره لطلاب العلم من كل صقع وصوب،
وصارت داره جامعة يؤمها الزائرون من شتى البقاع، وأخذ الناس يفدون إليه،
وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار.
كتابه وتلاميذه
قال ابن فضل العمري:
"أخذ عنه خلق لا يعلمهم إلا الله،كلهم قضاة وخطباء وأهل تبحر واستفادوا منه،
ولم يذكره أحد منهم بطعن ولم ينسب حديثه إلى ضعف أو وهن".
ومن أشهر تلاميذه أبو زكريا الخطيب التبريزي
وعلي بن المحسن بن علي التنوخي القاضي.وله كتاب يملي عليهم مصنفاته،
منهم أبو محمد عبدالله بن محمد القاضي ابن أخيه، وكان برًا بعمه وفيه يقول أبو العلاء:
وقاضٍ لا ينــام اللـيل عني
وطول نهاره بين الخصوم
وأبو الحسن علي بن محمد أخو عبدالله، وأبو نصر زيد ابن عبدالواحد،
وجعفر بن أحمد بن صالح التنوخي، وإبراهيم بن علي بن الخطيب،
وأبو الحسن علي بن عبدالله ابن أبي هاشم المقرئ. وكان يذكرهم بالخير في شعره ونثره.
وفاته.
عمر أبو العلاء طويلاً وأصابته الشيخوخة بالوهن ووصفها بقوله:
"الآن علت السن، وضعف الجسم، وتقارب الخطو، وساء الخلق".
ولكنها إن أصابت جسمه فما أصابت عقله وصفاءه وقريحته وتوقدها وحافظته وقوتها،
فما نسي شيئًا مما حصَّل. وفي اليوم العاشر من ربيع الأول سنة 449هـ اعتل أبو العلاء
وعاده الطبيب المشهور أبو الحسن مختار بن بطلان،
وكان ممن يتردد عليه للزيارة والسماع أثناء مقامه بديار الشام،
ووصف له كأسًا من شراب أتاه به ابن أخيه القاضي فامتنع عن شرابه وأنشد
تعللــني لتسقيــني فـذرني
لعلي أستريح وتستريحُ
كما وصفوا له لحم الدجاج فلما وضعوه بين يديه لمسه بيده فجزع وقال:
"استضعفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد".
وتوفي بعد ثلاثة أيام وأوصى أن يُكتب على قبره:
[color="rgb(153, 50, 204)"]هذا جنـــــاه أبي عـــليَّ
وما جنـيت عـلى أحــــد
[/color]
ووقف على قبره أربعة وثمانون شاعرًا يرثونه،
ومن أشهر ما قيل فيه رثاء تلميذه أبي الحسن علي بن همام:
[color="rgb(153, 50, 204)"]إن كنت لم ترق الدماء زهادة
فلقد أرقت اليوم من جفني دمًا
[/color]
للأعلى
شخصية المعري
أخلاقه
كان المعري رغم عزلته ذا صلة حسنة بالناس.
وكان مع فقره كريمًا ذا مروءة يعين طلاب الحاجات
وينفق على من يقصده من الطلاب يهدي ويُهدى إليه، ويكرم زائريه.
ومن مروءته وكرمه أنه لم يقبل من تلميذه الخطيب التبريزي ذهبًا كان قد دفعه إليه ثمنًا لإقامته عنده.
لم يرده إليه في حينه حتى لا يؤذي نفسه ويوقعه في مشقة الحرج،
ولكنه احتفظ له به حتى تجهز قافلاً فودعه ورد إليه ما دفع.
وكان رقيق القلب رحيمًا عطوفًا على الضعفاء
حتى شملت رقة قلبه الحيوان فلا يذبح ولا يروع بولده وبيضه.
وكان وفيًا لأصدقائه وأهله. وتفيض رسائله إلى أهل بغداد والمعرة وإلى أخواله بهذا الوفاء.
ومن أهم خصاله الحياء الذي يكلفه ضروبًا من المشقة والأذى،
وكثيرًا ما كتب كتبًا ورسائل لأناس طلبوا منه ذلك، وكتب يستشفع لأناس عند الأمراء،
وهو كاره لذلك ولكنه لفرط حيائه لا يستطيع لهم ردًا.
وكان سيئ الظن بالناس يعتقد فيهم الشرور والأسواء ويمقت فيهم خصال الكذب والنفاق والرياء.
وانتهى أخيرًا إلى أن الإنسان شرير بطبعه، وأن الفساد غريزة فيه ولا يُرجى برؤه من أدوائه:
إن مازت الناس أخلاق يقاس بها
فإنهم عند سوء الطبع أسواء
عماه وأثره في شخصيته
يبدو من شعر المعري إحساسه الشديد بهذه العاهة التي أصابته:
[color="rgb(153, 50, 204)"]ومابي طرق للمسير ولا السرى
لأني ضرير لا تضيء لي الطرق
[/color]
وقوله:
[color="rgb(153, 50, 204)"]ويا أسيرة حجليها أرى سفهًا
حمل الحلي لمن أعيا عن النظر
[/color]
وقد دفعه عماه إلى تحدي الصعاب والرغبة في التكيف واكتساب العلم والمعرفة والتفوق فيهما على البصراء.
ويتبدى تحديه هذا في لعبه النرد والشطرنج،
ولكن هذه العاهة رغم تكيفه معها واكتسابه صفات تعويضية،
أورثته شعورًا عميقًا بالألم والحزن ملأ شعره بالزفرات الحارة مما يدل على مالها من أثر شديد على نفسه.
اتهامه بالزندقة
اتهم المعري بالزندقة والإلحاد من بعض معاصريه،
ولا شك أنه كان يناقش في مجالسه قضايا الفلسفة ويشرح للطلاب أشعاره ويفسر لهم ما صعب منها.
وربما قاده الشرح إلى الحديث عن مختلف الآراء الفلسفية التي لا يرتضيها عامة الناس.
يضاف إلى هذا تبتله وتركه الزواج وامتناعه عن اللحم وما أشبه ذلك،
وفيه ما فيه من مجانبة لسنن الدين ولحوق بفلسفات برهمية هندية.
وقد استند متهموه إلى ما في رسالة الغفران من أخبار الزنادقة وأشعارهم.
أما أشعاره فيبين في بعضها الشك والإنكار.
ولكنه وجد من يدافع عنه نافيًا هذه التهمة.
ومن هؤلاء القفطي وابن العديم، وسمى الأخير كتابه:
كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري
وقال في مقدمته متحدثًا عن حساده وشانئيه:
"رموه بالإلحاد والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل،
فمنهم من وضع على لسانه أقوال ملحدة ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده
فجعلوا محاسنه عيوبًا وحسناته ذنوبًا وعقله حمقًا وزهده فسقًا،
ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام".
ومن أحسن الشهادات في حقه شهادة الإمام الذهبي المتوفي سنة 747هـ، 1346م، حيث قال:
"وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب.
وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة،
شعر كثير والمشكل منه فله ـ على زعمه ـ تفسير".
للأعلى
[color="rgb(46, 139, 87)"]مؤلفاته النثرية[/color]
أشهر مؤلفاته
ألف أبو العلاء مصنفات جمة ضاع أكثرها ولم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير.
يقول القفطي والذهبي إن أكثر كتبه باد ولم يخرج من المعرة، وحرقها الصليبيون فيما حرقوا من المعرة،
وأحصيا له من الكتب خمسة وخمسين كتابًا في أربعة آلاف كراسة،
تشمل الشعر والنثر فقد ذكر له كتاب اسمه استغفر واستغفري فيه عشرة آلاف بيت ضاع مع ما ضاع.
ويذكر الرحالة الفارسي ناصر خسرو أن أبا العلاء نظم مائة ألف بيت من الشعر
وذلك سنة 438هـ قبل موته بإحدى عشرة سنة. وعد ياقوت من مصنفاته اثنين وسبعين مصنفًا.
وبقي من شعره ثلاثة دواوين: سقط الزند، والدرعيات، وهو ديوان صغير طبع ملحقًا بالسقط،
واللزوميات.
ومن أشهر مؤلفاته النثرية رسالة الغفران
التي أملاها ردًا على رسالة الأديب الحلبي علي بن منصور بن القارح،
وكانت أكثر كتبه يؤلفها ردًا على طلب طالب وكان بعض الأمراء يسألونه أن يصنف لهم. ومن ذلك:
كتاب تضمين الرأي، وهو عظات وعبر وحث على تقوى الله يُختم كل فصل منها بآية؛
وتاج الحرة، وهو خاص بوعظ النساء ومقداره أربعمائة كراسة، كما يقول ابن العديم؛
سجع الحمائم، في العظة والحث على الزهد أيضًا؛
اللامع العزيزي، في تفسير شعر المتنبي؛
جامع الأوزان في العروض والقوافي؛ الصاهل والشاحج، ولسان الصاهل والشاحج والقائف،
وهذه الثلاثة ألفها للأمير عزيز الدولة شجاع بن فاتك والي حلب من قبل المصريين؛
الفصول والغايات؛ شرف السيف؛ معجز أحمد، في شرح شعر المتنبي؛ ذكرى حبيب في شعر أبي تمام؛
عبث الوليد، في شرح شعر البحتري؛
رسالة الملائكة، وغيرها كثير. لكن آخر ما أملى من الكتب كتابا
المختصر الفتحي وعون الجُمل، ألفهما لابن كاتبه الشيخ أبي الحسن علي بن عبدالله بن أبي هاشم.
وكان المعري شديد الاهتمام بكتبه وعلمه وأدبه يجمعها ويفسرها ويدافع عنها.
شرح ديوانه سقط الزند بكتاب ضوء السقط، كما شرح اللزوميات بكتابين ودافع عنها بثالث.
وشرح الفصول والغايات بكتابين، وشرح الرسائل بكتاب سماه خادم الرسائل.
وهذا الجهد ـ فضلاً عن عنايته بها ـ يدل على غزارة علمه وثقته بنفسه،
كما يدل على خوفه من التأويل والكذب عليه. وتدل أسماء كتبه على ذوق رفيع.
نثر المعري. بقي من نثره رسالة الغفران ورسالة الملائكة، وهي صغيرة،
وأجزاء من الفصول والغايات وطائفة من الرسائل كان يوجهها إلى أصدقائه.
ويمتاز نثره بالغريب وكثرة الغموض واللجوء إلى السجع مثل أهل عصره.
وقد طرق في نثره موضوعات مختلفة مثل المدح والعزاء والوصف.
رسالة الغفران. كتبها المعري ردًا على رسالة بعث بها إليه ابن القارح،
وهو صديق له من حلب عنوانها في تقبل الشرع وذم من ترك الوقوف عنده،
وهي رسالة طويلة ـ أي رسالة الغفران ـ وفيها يمازح المعري صديقه ويعبث به
ويشير من طرف خفي إلى أنه كان مشككًا غير قوي الإيمان.
وفيها يطوف ابن القارح في الجنة وتظهر فيها مقدرة المعري اللغوية
كما تبدو فيها مقدرته على السخرية والنقد.
الفصول والغايات. صورة أخرى للزوميات، فقد أورد فيه كثيرًا من الآراء التي أوردها هناك،
وألفه المعري تقربًا إلى الله وتمجيدًا وتسبيحًا له قال:
"علم ربنا ما علم.. أني ألفت الكلم، آمل رضاه المسلم وأتقي سخطه المؤلم"،
وقد التزم أن يختم كل فصل بكلمة يلتزم آخرها في جملة من الفصول،
ثم رتب هذه الكلمات على حروف المعجم كلها فيلتزم الهمزة في بعض الغايات
ثم الباء إلى آخر الحروف. وتكون الغاية ساكنة قبلها ألف،
وأحيانًا يلتزم حرفًا قبل الألف، ويلتزم السجع أحيانًا ويضيف إليه قيدًا آخر
بحيث يلتزم حرفين أو أكثر على نحو ما فعل في اللزوميات،
وقد يضيف إلى السجع التزامًا آخر فيجري السجع على حروف المعجم.
وتطول الفصول وتقصر بلا ضابط معين، وتكون مستقلة أحيانًا ومرتبطة ببعضها أحيانًا أخرى.
وكان الشائع المشهور أنه ألف هذه الفصول متأثرًا ببلاغة القرآن الذي هو المثل الأعلى للبلاغة والبيان،
وما وجد أديب وشاعر إلا فتن بأسلوب القرآن.
[color="rgb(46, 139, 87)"]شعر المعري[/color]
مكانته الشعرية ورأي النقاد فيه
كان القدماء، إلا أقلهم، يعترفون بشاعرية المعري،
ويعرفون تقدمه، وينشد الناس أشعاره ويتظرف بها الظرفاء.
أما المحدثون فمنهم من جعل المعري فيلسوفًا وجرده من الشعر،
وعده آخرون شاعرًا مجردًا من الفلسفة، وجمع له فريق ثالث بين الحسنيين.
فبينما يرى بعضهم فيه شاعرًا فيلسوفًا حقًا لم يعهد المسلمون في قديمهم وحديثهم فيلسوفًا مثله؛
يرى آخرون أن ليس له مذهب فلسفي، بل له اتجاهات تخل بالمنهج الفلسفي إخلالاً واضحًا،
فهو رجل وجدان، دقيق الحس، عميق الإدراك، صادق التعبير،
جريء التعرض للمعاني والخواطر.
بينما جعله فريق ثالث
مع سقراط والقديس أوغسطين والغزالي وتوما الأكويني وشوبنهاور في طبقة واحدة،
فضلاً عن من عده فيلسوفًا له نظراته في الفلسفة أو مجددًا لأصول الفلسفة أو هو الفيلسوف الأكبر.
ولكن أكثر النقاد يرونه شاعرًا إنسانيًا متأملاً في المحل الأرفع بين شعراء العربية،
له مقام فريد لامن حيث أسلوبه وفنه فحسب، ولكن من حيث روحه ونظرته إلى الحياة والأحياء من حوله.
كما أدلى المستشرقون بدلوهم في هذا الشأن، فعدوه شاعرًا عالميًا
سبق زمانه بآرائه العقلية والأخلاقية والسياسية والدينية.
دواوينه
بقي من شعر المعري ثلاثة دواوين:
سقط الزند, والدرعيات, واللزوميات.
سقط الزند
يضم أكثر شعر صباه وشيئًا من شعر الكهولة.
وقد رتبه أبو العلاء ووضع له مقدمة.
ويظهر في شعر صباه المبالغة والتكلف والمحاكاة.
وكلما تقدم به العمر اكتسب شعره صفات تجعله متفردًا.
فتبدو فيه ظاهرة استعمال الاصطلاحات والإشارات العلمية،
كما في قصيدة توديع بغداد.
أما الشعر الذي نظمه في كهولته
ففيه نضج في الفكر وإتقان للمعاني وبعد عن الضرورات والمبالغات.
ويلجأ فيه للقوافي الصعبة ويطيل فيها مثل الطائية التي بعث بها إلى خازن دار العلم ببغداد.
وفي هذا الديوان تأثر واضح بالمتنبي، وكان به مغرمًا ولأشعاره دارسًا،
وبينهما صفات مشتركة
أهمها التفوق والنبوغ والشعور بالامتياز والطموح والشعور بفساد الحياة والأحياء في عصريهما.
ويأتي تباينهما من اختلاف طباع كليهما وظروفه.
فبينما آثر المتنبي الحرب والثورة وسيلة للإصلاح
آثر المعري النقد السلبي والاعتزال وتصوير القبائح والسخرية منها،
وهذا الذي جعل له التفرد والأصالة. ويحوي ديوانه أغراضًا مختلفة كثيرة من أهمها:
المدح. لم يمدح أبو العلاء أميرًا طلبًا لنواله، وقد سطر في مقدمة هذا الديوان:
"ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طلبًا للثواب،
وإنما كان بغرض الرياضة وامتحان القريحة"
وسلوك الطريق التي سلكها الشعراء قبله، وإن كان له مدائح نظمها في أناس من أصحابه،
أو أجاب بها نفرًا من الشعراء أرسلوا إليه قصائد.
ولهذا السبب جاء مدحه مختلفًا عن مدائح من سبقوه.
فليس هو محتاجًا لأن يتزلف الممدوح أو يسبغ عليه صفات مبالغة.
ومن هذا النوع النونية التي بعث بها إلى الشريف أبي إبراهيم العلوي،
وكان قد بعث إليه بقصيدة:
غير مستحسن وصال الغواني
بعد سبعـين حجـة وثماني
يقول أبو العلاء:
علــلاني فإن بيــض الأمــاني
فنيت، والظلام ليس بفان
الفخر. جعلت نفسية أبي العلاء الزاهدة وحياته المنعزلة التي عاشها للفخر
حظًا ضئيلاً في صناعته الشعرية،
فلم تظهر فيه الأنا المتضخمة،
ولم يبتل بالحساد لأنه ترك للناس ما يمكن أن يزاحموه عليه من حطام الدنيا،
ووجدنا له قليلاً من الفخر في صباه يعبر عن عنفوان هذه المرحلة من العمر وجنوحها.
ومن أشهر ما قاله في الفخر قصيدته:
[color="rgb(153, 50, 204)"]ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل
عفاف وإقدام وحـزم ونائل
[/color]
وفيها البيت المشهور:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
وهذه القصيدة علامة من علامات المتنبي حتى يكاد القارئ يظن
أنها ضلت طريقها من ديوان أبي الطيب إلى سقط الزند. ثم إن المعري ترك الفخر في آخر عمره.
الوصف. يحاول المعري وصف الأشياء المحسوسة،
ويزين لفظه حتى يعوض ما يحس به من نقص تجاه وصف المبصرين،
ولعله كان يعمد إلى الوصف الحسي ليثبت أنه لا يقل قدرة عن المبصرين في الوصف.
ومن جميل شعره في الوصف قوله:
رب ليل كأنه الصبح في الحسن
وإن كان أســود الطيلســان
ليلــتي هــذه عـروس مــن الزنج
عليهـــا قلائــد مـن جمــان
هـرب النــوم من جفــوني فيهــا
هرب الأمن عن فؤاد الجبان
وكأن الهــلال يهــــوى الثريــــا
فهمـــا للـــوداع معتنقــــان
وسهيل كوجنة الحب في اللــون
وقلب المحــب في الخفقــان
الغزل. في ديوانه مقطوعات غزلية رقيقة.
ولم ينقل المؤرخون عنه أنه أحب فتاة بعينها في صباه،
ويراه بعضهم ضريرًا زاهدًا محزونًا لا سبيل للحب إلى قلبه،
ويرتفع شعره القليل في الغزل عن أن يكون رياضة كما قال في المديح
أو محاولة لإكمال الديوان بالموضوعات التي استنها الأوائل ففي بعضه لوعة حقيقية،
وغناء واله مشوق:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر
لعل بالجزع أعوانًا على السهر
وإن بخلت عن الأحياء كلهم
فاسق المواطر حيًا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفهًا
حمل الحلي لمن أعيا عن النظر
ما سرت إلا وطيف منك يتبعني
سرى أمامي وتأويبًا على أثري
الرثاء. رثى أبو العلاء أباه وأمه وطائفة من الناس، وفي ديوانه سبع مراث،
وفي أغلبها حزن وتفجع لأنها أحزان شخصية وليست تعزية.
وأجود ماله في الرثاء الدالية التي أبَّن بها أبا حمزة الفقيه الحنفي،
يقول عنها طه حسين:
"نعتقد أن العرب لم ينظموا في جاهليتهم وإسلامهم ولا في بداوتهم وحضارتهم
قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة في حسن الرثاء" ومنها:
ير مجد في ملتي واعتقادي
نـوح بــــاك ولا ترنم شـــــــــاد
وشبيه صوت النعي إذا قيـس
بصـــوت البشــير في كل نـــاد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت
على فـــــرع غصنـهــا الميـــــاد
إن حزنًــا في ساعــة المــوت
أضعاف سرور في ساعة الميــلاد
الهجاء. لم ينظم المعري في هذا الغرض من أغراض الشعر بمعناه التقليدي المعروف،
بمعنى أن يتجه الشاعر إلى شخص، فيثلبه ويذمه. فليس للمعري عدو ليفعل به هذا.
ولكنه تتبع عيوب البشر عامة ونقائصهم فأظهرها في لهجة قاسية متجنبًا الفحش والإقذاع،
وليس غرضه الإساءة والتشهير، بل الرحمة والإصلاح.
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
نبذة عن المتنبي
فلسفة الحياة لدى شاعر الحكمة والطموح
أبو الطيب المتنبي، أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات. في شعره اعتزاز بالعروبة، وتشاؤم وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه، لاسيما في قصائده الأخيرة التي بدأ فيها وكأنه يودعه الدنيا عندما قال: أبلى الهوى بدني. لنتعرف على هذا الشاعر العظيم ونقترب أكثر من سيرة حياته:
ظهور الموهبة الشعرية:
هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي. ولد في كندة بالكوفة سنة 303 هـ=915 م. وتقع حالياً على مسافة عشرة كيلومترات من النجف وخمسة وستون من كربلاء تقريباً. يقال إن والده الحسين سماه أحمد و لقبه بأبي الطيب، ويقال إنه لم يعرف أمه لموتها وهو طفل فربته جدته لأمه. قضى طفولته في كندة (304-308 هـ= 916-920م)، اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية باكراً، فقال الشعر صبياً، وهو في حوالي العاشرة، وبعض ما كتبه في هذه السن موجود في ديوانه. في الثانية عشر من عمره رحل إلى بادية السماوة، أقام فيها سنتين يكتسب بداوة اللغة العربية وفصاحتها، ثم عاد إلى الكوفة حيث أخذ يدرس بعناية الشعر العربي، وبخاصة شعر أبي نواس وابن الرومي ومسلم بن الوليد وابن المعتز. وعني على الأخص بدراسة شعر أبي تمام وتلميذه البحتري. انتقل إلى الكوفة والتحق بكتاب (309-316 هـ=921-928م) يتعلم فيه أولاد أشراف الكوفة دروس العلوية شعراً ولغة وإعراباً. اتصل في صغره بأبي الفضل في الكوفة، وكان من المتفلسفة، فهوسه وأضله. كان أبو الطيب سريع الحفظ، فقيل أنه حفظ كتاباً نحو ثلاثين ورقة من نظرته الأولى إليه.
من البادية إلى السجن:
لم يستقر أبو الطيب في الكوفة، اتجه خارجاً ليعمق تجربته في الحياة وليصبغ شِعره بلونها، أدرك بما يتملك من طاقات وقابليات ذهنية أن مواجهة الحياة في آفاق أوسع من آفاق الكوفة تزيد من تجاربه ومعارفه، فرحل إلى بغداد برفقة والده، وهو في الرابعة عشرة من عمره، قبل أن يتصلب عوده، وفيها تعرف على الوسط الأدبي، وحضر بعض حلقات اللغة والأدب، ثم احترف الشعر ومدح رجال الكوفة وبغداد. غير أنه لم يمكث فيها إلا سنة، ورحل بعدها برفقة والده إلى بادية الشام يلتقي القبائل والأمراء هناك، يتصل بهم و يمدحهم، فتقاذفته دمشق وطرابلس واللاذقية وحمص. دخل البادية فخالط الأعراب، وتنقل فيها يطلب الأدب واللغة العربية وأيام الناس، وفي بادية الشام التقي القبائل والأمراء، اتصل بهم ومدحهم، وتنقل بين مدن الشام يمدح شيوخ البدو والأمراء والأدباء. قيل أنه تنبأ في بادية السماوة بين الكوفة والشام فتبعه كثيرون، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد، فأسره وسجنه سنة 323-324 هجرية، حتى تاب ورجع عن دعواه. كان السجن علامة واضحة في حياته وجداراً سميكاً اصطدمت به آماله وطموحاته، فأخذ بعد خروجه منه منهك القوى يبحث عن فارس قوى يتخذ منه مساعداً لتحقيق طموحاته. عاد مرة أخرى يعيش حياة التشرد والقلق، فتنقل من حلب إلى أنطاكية إلى طبرية.
شاعر لا يقل عن الأمير منزلة:
وفيها التقى ببدر بن عمار سنة 328 هجرية، وهو أول من قتل أسداً بالسوط، فنعم عنده حقبة من الزمن، راضياً بما لقيه عنده من الراحة بعد التعب والاستقرار بعد التشرد، إلا أنه أحس بالملل في مقامه وشعر بأنه لم يلتق بالفارس الذي كان يبحث عنه والذي يشاركه في ملاحمه وتحقيق آماله. فعاوده الضجر الذي ألفه والقلق الذي لم يفارقه، فسقم من حياة الهدوء ووجد فيها ما يستذل كبرياءه. فهذا الأمير يحاول أن يتخذ منه شاعراً متكسباً كسائر الشعراء، وهو لا يريد لنفسه أن يكون شاعر أمير، وإنما يريد أن يكون شاعراً فارساً لا يقل عن الأمير منزلة. فلم يفقده السجن كل شيء لأنه بعد خروجه منه استعاد إرادته وكبرياءه. فالسجن أسهم في تعميق تجربته في الحياة، وتنبيهه إلى أنه ينبغي أن يقف على أرض صلبة لتحقيق ما يريده من طموح. لذلك أخذ يبحث عن نموذج الفارس القوي الذي يشترك معه لتنفيذ ما يرسمه في ذهنه. أما بدر فلم يكن هو ذاك، ثم ما كان يدور بين حاشية بدر من الكيد لأبي الطيب ومحاولة الإبعاد بينهما، جعل أبا الطيب يتعرض لمحن من الأمير ومن الحاشية تريد تقييده بإرادة الأمير. لقد رأى ذلك إهانة وإذلالاً، عبّر عنه بنفس جريحة ثائرة بعد فراقه لبدر متصلاً بصديق له هو أبو الحسن علي بن أحمد الخراساني في قوله : لا افتخار إلا لمن لا يضام. وعاد المتنبي بعد فراقه لبدر إلى حياة التشرد والقلق ثانية، وعبر عن ذلك أصدق تعبير في رائيته التي هجا بها ابن كروس الأعور أحد الكائدين له عند بدر.
الاندفاع المخلص نحو سيف الدولة:
ظل باحثاً عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 ه، وعن طريقه اتصل بسيف الدولة بن حمدان، صاحب حلب، سنة 337 ه، انتقل معه إلى حلب فمدحه وحظي عنده. في مجلس هذا الأمير وجد أفقه وسمع صوته، وأحس أبو الطيب بأنه عثر على نموذج الفروسية الذي كان يبحث عنه، وسيكون مساعده على تحقيق ما كان يطمح إليه، فاندفع الشاعر مع سيف الدولة يشاركه في انتصاراته. ففي هذه الانتصارات أروع ملاحمه الشعرية، استطاع أن يرسم هذه الحقبة من الزمن وما كان يدور فيها من حرب أو سلم، فانشغل انشغالاً عن كل ما يدور حوله من حسد وكيد، ولم ينظر إلا إلى صديقه وشريكه سيف الدولة. فلا حجاب ولا واسطة بينهما. شعر سيف الدولة بهذا الاندفاع المخلص من الشاعر، واحتمل منه ما لا يحتمل من غيره من الشعراء، وكان هذا كبيراً على حاشية الأمير. ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة استطاع أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده، إلى أنه مطمئن إلى إمارة عربية يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.
خيبة الأمل وجرح الكبرياء:
وهذا ما كان يغري حساده به فيستغلونه ليوغروا صدر سيف الدولة عليه حتى أصابوا بعض النجاح. وأحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر وصديقه الأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منهما. وأحس أبو الطيب بأن السقف الذي أظله أخذ يتصدع، وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالوية عليه بحضور سيف الدولة ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرح لكرامته، لم يستطع أن يحتمل، فعزم على مغادرته، ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 ه ومنها: لا تطلبن كريماً بعد رؤيته. فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حساده ومنافسوه من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلباً، وهو يكن لأميرها الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط المعادي، وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة من مصر حتى كادت الصلة تعود بينهما.
الممدوح الجديد:
فارق أبو الطيب حلباً إلى مصر وفي قلبه غضب كثير، وكأنه يضع خطة لفراقها ثم الرجوع إليها كأمير عاملاً حاكماً لولاية يضاهي بها سيف الدولة، ويعقد مجلساً يقابل سيف الدولة. من هنا كانت فكرة الولاية أملا في رأسه ظل يقوي وأظنه هو أقوى الدوافع. دفع به للتوجه إلى مصر حيث كافور الذي يمتد بعض نفوذه إلى ولايات بلاد الشام. في مصر واجه بيئة جديدة ومجتمعاً آخر وظروفاً اضطرته إلى أن يتنازل في أول الأمر عما لم يتنازل عنه. ثم هو عند ملك لا يحبه، ولم يجد فيه البديل الأفضل من سيف الدولة إلا أنه قصده آملاً، ووطن نفسه على مدحه راضياً لما كان يربطه في مدحه من أمل الولاية، وظل صابراً محتملاً كل ذلك. وأخذ يخطط إلى أمله الذي دفعه للمجيء إلى هنا، ويهدأ كلما لاح بريق السعادة في الحصول على أمله، وهو حين يراوده نقيض لما يراه من دهاء هذا الممدوح الجديد ومكره يحس بالحسرة على فراقه صديقه القديم. في هذه البيئة الجديدة أخذ الشعور بالغربة يقوى في نفسه بل أخذ يشعر بغربتين غربته عن الأهل والأحبة، وعما كان يساوره من الحنين إلى الأمير العربي سيف الدولة. ويزداد ألمه حين يرى نفسه بين يدي غير عربي، إلا أنه حين يتذكر جرح كبريائه يعقد لسانه ويسكت. وغربته الروحية عمن حوله والتي كان يحس بها في داخله إحساساً يشعره بالتمزق في كثير من الأحيان. وظل على هذا الحال لا تسكته الجائزة، ولا يرضيه العطاء، وظل يدأب لتحقيق ما في ذهنه ويتصور أنه لو حصل عليها لحقق طموحه في مجلس كمجلس سيف الدولة تجتمع فيه الشعراء لمدحه، فيستمع لمديحه وإكباره على لسان الشعراء، بدلاً من أن يؤكد كبرياءه هو على لسانه. ولربما كان يريد إطفاء غروره بهذا. إلا أن سلوكه غير المداري وعفويته مثلت باباً سهلاً لدخول الحساد والكائدين بينه وبين الحاكم الممدوح، ثم حدته وسرعة غضبه وعدم السيطرة على لسانه. كان كل ذلك يوقعه في مواقف تؤول عليه بصور مختلفة وفق تصورات حساده ومنافسيه. وأكاد أعتقد أنه كان مستعداً للتنازل عن كل جوائزه وهباته لمن كان يتصور أنه كان يريد أن يتربع على عرش الشعر من أجل جائزة كافور وعطائه، ثم يصوره بصورة تشوه إحساسه وتزور مشاعره. وذلك هو الذي يغيظه ويغضبه ويدفعه إلى التهور أحياناً وإلى المواقف الحادة. كل ذلك يأخذ طابعاً في ذهن الحاكم مغايراً لما في ذهن الشاعر.
صريح في الرضا والسخط:
بدأت المسافة تتسع بينه وبين كافور، وكلما اتسعت كثر في مجالها الحاسدون والواشون، وكلما أحس الشاعر ولو وهما بانزواء كافور عنه تيقظت لديه آفاق جديدة لغربته، وثارت نفسه وأحس بالمرارة إحساساً حاداً. لقد أحس بأنه لم يطلب فوق حقه ولم يتصرف بما هو خطأ، لأنه لم يصدر منه تجاوز على حق أحد. إلا أن هذا التصور البريء في ذهن الشاعر بعيد عن واقع الصورة التي في ذهن حاشية كافور. وما يصل إلى كافور من أقوال عن الشاعر، وعادة المتملقين من الوجهاء يتوصلون إلى الحاكم بواسطة حاشيته وإغراء بعض أفرادها بأن يكونوا جسوراً بينهم وبين سيدهم. هذه الجسور قد تقطع عند الحاجة بين الحاكم وبين خصومهم. أما أبو الطيب فلم يحسن هذا اللون من التظاهر ولم يفكر فيه، وإنما كان صريحاً بكل شيء في رضاه وسخطه صريحاً بما يرغب دون احتيال ولا محاورة، فما دام يشعر بالحق طالب به دون تأجيل. هذه الصراحة كثيراً ما أوقعته في مواقف حرجة، عند سيف الدولة، وهنا أيضاً عند كافور. لذا صارت للمتنبي صورة سلبية في نفس كافور، وخشي على ملكه إذا أعطاه ما يمكنه من ذلك. ظل أبو الطيب يرغب ويلح في طلبه، وظل كافور يداوره ويحاوره. كافور يحسن الاحتيال والمداورة وأبو الطيب صريح لا يحسن من ذلك شيئاً حتى وصل إلى حالة لم يستطع بعدها أن يبقى صامتاً. وشعر كافور برغبته في مغادرته فظن أن تشديد الرقابة عليه وإغلاق الحدود دونه سيخيفه ويمنعه من عزمه، ويخضعه كما يفعل مع غيره من الشعراء بالترهيب حيناً والذهب حيناً آخر. إلا أن أبا الطيب لم يعقه ذلك كله عن تنفيذ ما عزم عليه بعد أن أحس باليأس من كافور، وندم على ما فعل بنفسه في قصده إياه، وهو عند أكثر أصدقائه إخلاصاً وحباً. وظل يخطط إلى الهرب ويصر على تحدي كافور ولو بركوب المخاطر حتى وجد فرصته في عيد الأضحى. وخرج من مصر، وهجاً كافوراً بأهاجيه المرة الساخرة. إن تحديه لكافور في هروبه وركوبه كل المخاطر، ثم هذه الطاقة المتفجرة من السخط والغضب في هجائه يدل على مبلغ اليأس والندم في نفسه، ويبدو أنه كان حائراً حين فارق سيف الدولة، وحاول أن يمنع نفسه من التوجه إلى كافور. إلا أنه رجح أمر توجهه إلى مصر بعد إطالة فكر. ويبدو أنه فكر بهذه النتيجة اليائسة من ملك مصر أراد أن يتقدم من نفسه على ارتكابه خطيئة التوجه إليه واحتمالها مدحه، والتقيد بأوامره حينا. فهو حاول بأي وجه أن يشعر بالانتصار على هذه السلطة، عندما تحداه في هروبه، وفخره بالشجاعة والفروسية في اقتحام المخاطر في طريقه إلى الكوفة في مقصورته: ضربت بها التيه ضرب القمار.
مدح ابن العميد:
بعد عودته إلى الكوفة، زار بلاد فارس، فمر بأرجان، ومدح فيها ابن العميد، وكانت له معه مساجلات.
مدح عضد الدولة:
ثم رحل إلى شيراز، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي.
معركة العودة:
ثم عاد من شيراز يريد بغداد فالكوفة، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه، ومع المتنبي جماعة أيضاً. فاقتتل الفريقان حتى قتل أبو الطيب وابنه محسد وغلامه مفلح (354 هـ= 965 م) بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد. وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة، وهي من سقطات المتنبي. وكان التمس منه خفارة لبعض الرجالة ليسلكوا به الطريق ويحموا عنه فلم يفعل، وقال معي سيفي ورمحي أخفّر. ويقال إن الذين خرجوا عليه من بني كلاب مع ضبة بن محمد العيني لما هجاه به: ما أنصف اليوم ضبُ. وكان الفرسان نحو خمسين فارساً، فقتل منهم جماعة وجرح جماعة وأثخن فيهم عدة، وقدرت الحرب من ضحوة إلى الأولى، ثم كلّ أبو الطيب وولده ومملوكه، فلما تطاول الأمر استرسل وظفروا به. فقتلوه وولده والمملوك. وأخذ جميع ما كان معه، ودفنوه في الموضع، وكان له قيمة كثيرة، ولم يكن طلبهم ما معه سوى نفسه. والذي تولى قتله منهم فاتك بن فراس بن بداد وكان قرابة لضبّة. ويقال أنه لما قرب منه فاتك كان معه عبد يقال له سراج، فقال له: يا سراج أخرج إليّ الدرع، فأخرجها ولبسها، وتهيأ للقتال، ثم قال هذه القصيدة.
أفرغ الدرع يا سراج وأبصر ما ترى اليوم ها هنا من قتال
فلئن رحت في المكر صريعا فأنعَ للعالمين كل الرجال
ثم قال له فاتك: قبحاً لهذه اللحية يا سبّاب. فقال فاتك ألست الذي تقول:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فقال أنا عند ذاك يابن اللخناء العفلاء. ثم قاتل وبطح نفساً أو نفسين، فخانته قوائم فرسه، فغاصت إحداها في ثقبة كانت في الأرض، فتمكن منه الفرسان وأحاطوا به وقتلوه واقتسموا ماله ورحله، وأخذوا ابنه المحسّد وأرادوا أن يستبقوه، فقال أحدهم لا تفعلوا، واقتلوه، فقتلوه. وحكى الشريف ناصر قال: عبرت على بدنه وكان مفروقاً بينه وبين رأسه، ورأيت الزنابير تدخل في فيه وتخرج من حلقه. أعاذنا الله من كل سوء ومكروه بمنّه وطوله. وكتب في سنة ثلث وثمانين وأربع مائة.
عصر أبي الطيب:
شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب تفكك الدولة العباسية وتناثر الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها. فقد كانت فترة نضج حضاري وتصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العرب والمسلمون. فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من غير العرب. ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام، وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية، ثم ظهرت الحركات الدموية في العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة. لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ووسيلة صلة بينه وبين الحكام والمجتمع، فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلاً يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعراً معروفاً استقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته. في هذا العالم المضطرب كانت نشأة أبي الطيب، وعى بذكائه الفطري وطاقته المتفتحة حقيقة ما يجري حوله، فأخذ بأسباب الثقافة مستغلاً شغفه في القراءة والحفظ، فكان له شأن في مستقبل الأيام أثمر عن عبقرية في الشعر العربي. كان في هذه الفترة يبحث عن شيء يلح عليه في ذهنه، أعلن عنه في شعره تلميحاً وتصريحاً حتى أشفق عليه بعض أصدقائه وحذره من مغبة أمره، حذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في اللاذقية، فلم يستمع له وإنما أجابه مصرا ً: أبا عبد الإله معاذ أني. إلى أن انتهى به الأمر إلى السجن.
نسب شريف:
في نسب أبو الطيب خلاف، إذ قيل أنه ابن سقاء كان يسقي الماء بالكوفة، وقيل أنه ابن عائلة فقيرة، وقيل أن أصوله من كندة، وهم ملوك يمنيون. ودس خصومه في نسبه …
كاتب ياسين
كاتب ياسين
كاتب و أديب جزائري مشهور عالميا كل كتاباته بـ اللغة الفرنسية صاحب أكبر رواية للأدب الجزائري باللغة الفرنسية و من أشهرها في العالم "نجمة"
ولد ببلدية زيغود يوسف إحدى بلديات مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري في 6 أوت 1926, . بعد فترة قصيرة تردد أثناءها على المدرسة القرانية التحق بالمدرسة الفنسية و زاول تعلمه حتى الثامن من شهر ايار 1948. شارك في مظاهرات 8 ماي 1945م فسجن وعمره لا يتجاوز 16 سنة. بعدها بعام فقط نشر مجموعته الشعرية الأولى "مناجاة". دخل عالم الصحافة عام 1948م فنشر بجريدة الجزائر الجمهورية التي أسسها رفقة ألبير كامو ، وبعد أن انضم إلى الحزب الشيوعي الجزائري قام برحلة إلى الإتحاد السوفياتي ثم إلى فرنسا عام 1951م.
تقلد منصب مدير المسرح بسيدي بلعباس قبل وفاته اكتشف من خلال حوادث سطيف التي جدّت في ذلك التاريخ واقع الاستعمار و كان لذلك أبعد الأثر في كتاباته.
كاتب ياسين هو أب لنادية و هانس و أمازيغ كاتب عضو في الفرقة الموسيقية المعروفة قناوة ديفيزيون Gnawa Diffusion.
وفاتــــه:
توفي في 28 أكتوبر 1989م بمدينة غرونوبل الفرنسية نقل جثمانه ودفن في الجزائر
جواز سفر كاتب ياسين
من مؤلفاته:
– مناجاة (شعر 1946م)
– أشعار الجزائر المضطهدة (شعر 1948م)
– نجمة (رواية 1956م)
– ألف عذراء (شعر 1958م)
– المضلع النجمي (رواية 1966م)
– دائرى القصاص (مجموعة مسرحيات 1959)
– الرجل ذو النعل المطاطي (مسرحية 1970)
قدم العديد من مسرحياته على خشبة المسرح في كل من فرنسا والجزائر.
شكرا على الموضوع كلثومة…
ننتظر جديدك…
لا شكر على واجب
نورت الموضوع بمرورك
شكرا لك ام كلثوم على نفض الغبار عن اديب جزائري كبير قد لا يعرفه الكثيرون من ابناء جلدتنا اليوم
تمنيت ان موضوعك اثري ببعض فقرات من روايته نجمة او بعض اشعاره
شكرا لك ام كلثوم على نفض الغبار عن اديب جزائري كبير قد لا يعرفه الكثيرون من ابناء جلدتنا اليوم
تمنيت ان موضوعك اثري ببعض فقرات من روايته نجمة او بعض اشعاره |
والله فكرة رائعة
أعتقد أنني لست أنا وحدي المعنية بما ذكرت
حتى أنت يمكنك أن تأتينا ببعض من رواياته
هكذا نعطي للموضوع صبغة أخرى
و يمكن كذلك لأي عضو أن يفيدنا بما يعرفه عن كاتب ياسين
مشكور حيدر على المرور و على الفكرة التي جاءت في محلها
السلام عليكم
شكرا اختي على المضوع
رواية نجمة للكاتب ياسين تدرس في اكبر الجامعات العالمية الامريكية و غيرها لم لها من طابع خاص
و هي حقا رواية رائعة لم اقراها و لكن اطلعت عليها و على قصتها من الجانب العام التي تروي حكاية فتاة جزائرية قسنطينية في عهد الاستعمار
شكرا مرة اخرى اختي الغالية
مات كاتب ياسين في ذلك اليوم البارد البعيد وحيداً في إحدي مستشفياتمدينة ” غرنيوبل ” الفرنسية عن عمر يناهز الستين ودفن في موطنه الجزائر .
في العام 1956م أصدر كاتب ياسين روايته ” نجمة” والتي كتب عنهاالروائي الشهير واسيني الأعرج أن ” نجمة هي رواية تأريخ ورصد للكفاحالجزائري وقبل أن تصبح رواية لملمها كاتب ياسين من شعره ، حيث كانت فيالسابق قصيدة تحمل عنوان نجمة والسكين ، وجعل منها نصاً متكاملاً حملالكثير من التفاصيل السردية ودمجها في رواية فصارت أكثر حميمية “.
حقاً وكما يقول واسيني الأعرج عن رواية نجمة ” هي الحب الطفوليالمستحيل وهي الجزائر في معركتها من أجل الوجود والإستمرار وهي أيضاًالبحث المستميت عن المعني الغائب والضائع وهي الحاضر والماضي والمستقبلمجتمعين في عدم انتظامهم وتعقدهم ، وهي المرأة الوطن التي تلتصق بالجلدعندما نريد أن نتخلص منها ، وربما أكثر من ذلك كله هي الإصرار علي الحياةفي قلب الحرب القاسية ووسط المستحيلات الكبيرة ..
كاتب ياسين هذا المبدع الذي أتقن حرفية الكتابة وعالج في روايته ” محمد .. احمل حقيبتك” مشكلة هجرة الجزائريين إلي فرنسا ضاعف من جهده وناضلبكتاباته ، كتب أيضاً للمسرح فقدم مسرحية ” الأسلاف يضاعفون ضراوتهم ” رصدفيها كفاح الشعب الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي ..
كان كاتب ياسين نبراساً لأجيال من الكتاب جاءوا من بعده وحملوا الرايةعلي نفس الدرب ، ظل طاقة متقدة ومنيرة تنير لهم في درب الكتابة .
ولد كاتب ياسين في يوم السادس من أغسطس عام 1929م لأسرة جزائريةثقافتها فرنسية ، بأحد أحياء مدينة قسنطينة التي تقع شرقي البلاد ، عاشطفولته الأولي يعاني ويكابد ككل الشعب الجزائري البطل من نير الإحتلال ،وحين شب عن الطوق تلقي تعليمه في المدرسة القرآنية وانتقل بعدها إليالمدرسة الفرنسية حتي العام 1948م ، ورأي بعينيه الجزائر وهي تهب وتنتفضضد الفظائع التي يرتكبها المحتل الغاصب في مدينة سطيف ، فلم يجد سبيلاًسوي الإنخراط في صفوف الشبيبة الجزائري وهو في سن السادسة عشرة ، فتم سجنهعقب مشاركته في المظاهرات التي وقعت في العام 1945 م ، ومن وراء قضبانالسجن تفتق ذهنه مبكراً فتوهج إبداعه في هذه السن الباكرة وانبثق من روحهالوثابة ديوانه الشعري الأول ” مناجاة” ، بعدها قر قراره بأن يسخر قلمهلمناهضة الإحتلال وللدفاع عن ثري الوطن الغالي.
كان العام 1948 م موعداً لدخوله عالم الصحافة حين نشرت كتاباته فيجريدة الجمهورية التي أسسها صديقه الأثير ” البير كامو ” ثم انضم للحزبالشيوعي الجزائري وسافر إلي الإتحاد السوفيتي ثم عرج منه إلي فرنسا فيالعام 1945 ..
لم يكف كاتب ياسين عن أن يظل مقاوماً حتي الرمق الأخير ، كان كاتبياسين نحيل القامة ، يخطوه في تؤدة كخطو المعتد الواثق ، علي وجهه ترتسمملامح قوية تليق برجل مقاوم لم تلن له قناة مهما تحدته الظروف ، شفتاهاصطبغا بلون التبغ الذي لم يكف عن تدخينه أو امتصاص رحيقه ..
ولكن المغاوير الأبطال وإن لم يكونوا عمالقة في أجسادهم إلا أنهم يطاولون السحاب بقاماتهم ، ويعانقون المجد بكفاحهم ..
كتب أعماله باللغة الفرنسية ، لكنه لم ينس يوماً عروبته ، وكتببالفرنسية سعياً وراء هدف ، فقد شكل كاتب ياسين أكبر حائط صد أمام ” فرنسةالجزائر” ، كانت أوردته مشحونة بطاقات وطنية هائلة ، ويمتلك من الشجاعةقدراً لا يكف عن التوهج في شرايينه ..
ولأن المقاوم والبطل يرتفع دوماً فوق جراحه مهما أثخنته ، ولأنه لايسقط سريعاً في حومة الميدان مهما نالت منه ، إلا أن المرض العضال تسللإلي جسده خفية ، وحين شعر به يتمدد في أوصاله ويغزو بدنه النحيل كان يزدادعزيمة وإصراراً بل وازداد تشبثاً بالحياة في تحدٍ وكأنه يسابقه في ماراثونالحياة ..
رفع كاتب ياسين راية الكتابة في التيار الأدب الطليعي والإنساني وضفرمن كلماته جدائل يلفها الحنين والتوق إلي الحرية ، فراح يزرع سهوب الجزائرووديانها بأحلام كبار ، ورصد في ابداعاته أحلام البسطاء والمهمشين سواء فيرواياته أو مسرحياته ..
كان كاتب ياسين مدافعاً بالكلمة فكانت كالنصل الذي جابه به كل من وقف عائقاً في سبيل تقدم الوطن ورقيه ..
فكانت كتاباته كالبوتقة التي صهر فيها روحه فأدت إلي تأجج روح الثورةفي النفوس وألهبت المشاعر وسعت لتطهير الوطن من دنس المحتل الذي ظل جاثماًفوق أرضه مائة وثلاثين عاماً .
وظل صاحب القلم يسيل مداده مضمخاً بعبق الكلمات ، يرتفع راية للتمردمناضلاً من أجل مواقفه الفكرية والأدبية وراح يحارب الفلول التي تسللت ذاتليل مدعية انتمائها للحركة الأدبية وأخذ يكشفها أمام الرأي العام .
قدم كاتب ياسين خلال رحلة حياته الكثير من الأعمال الإبداعية منها ” نجمة 1956 ـ الجثة المطوقة 1959 ـ دائرة الإنتقام ـ الأسلاف يضاعفونضراوتهم ـ شارع النساء ـ المرصع بالنجوم ـ محمد .. احمل حقيبتك” .
وفي عالم المسرح كتب ” الرجل ذو النعلين من الكاوتشوك ، رصد فيها كفاحالشعب الفيتنامي البطل ضد الصلف الأمريكي ، حرب الألفي يوم ـ ملك المغرب ،وغيرها “.
كما كتب عن كفاح الشعب الفلسطيني رواية ” فلسطين التي خانوها”.
وكان كاتب ياسين قد شد الرحال إلي فيتنام ليرصد عن كثب تجربة النضال ، كما سافر إلي جنوب لبنان ليسجل كفاح الشعب الفلسطيني ..
وفي ذكري رحيله لابد لنا من أن نقدم للأجيال العربية الصاعدة أعمالكاتب ياسين الإبداعية ، ولنذكر دوره الإنساني وسط هذا الركام الهائل الذييغلف ذاكرتنا ، ويكفي ماتداهمنا به سنابك الخيل المطهمة التي تحاول أنتدهس صورنا المخلصة دونما هوادة أو لين ..
معلومات جات في وقتها
شكراااااااااااااااااااااا
شكرا جزيلا استاد هيدر على الروبورتاج بارك الله فيـــــــــــــــك
شكــــــــرا جزيلا بـــــــــوركت.
محمود درويش
أحد أهم الشعراء الفلسطينيين واللغة العربية الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. يعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه. في شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى. قام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر
ولد عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا.حيث كانت أسرته تملك أرضا هناك. خرجت الأسرة برفقة اللاجئين الفلسطينيين في العام 1947 إلى لبنان ،ثم عادت متسللة العام 1949 بعيد توقيع اتفاقيات السلام المؤقتة، لتجد القرية مهدومة وقد أقيم على أراضيها موشاف (قرية زراعية إسرائيلية)"أحيهود". وكيبوتس يسعور. فعاش مع عائلته في قرية الجديدة.
بعد إنهائه تعليمه الثانوي في مدرسة يني الثانوية في كفرياسيف انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في صحافة الحزب مثل الاتحاد والجديد التي أصبح في ما بعد مشرفا على تحريرها،
بدأ بكتابة الشعر في جيل مبكر وقد لاقى تشجيعا من بعض معلميه. عام 1958، في يوم الاستقلال العاشر لإسرائيل ألقى قصيدة بعنوان "أخي العبري" في احتفال أقامته مدرسته. كانت القصيدة مقارنة بين ظروف حياة الأطفال العرب مقابل اليهود، استدعي على إثرها إلى مكتب الحاكم العسكري الذي قام بتوبيخه وهدده بفصل أبيه من العمل في المحجر إذا استمر بتأليف أشعار شبيهة. استمر درويش بكتابة الشعر ونشر ديوانه الأول، عصافير بلا أجنحة، في جيل 19 عاما. يعد شاعر المقاومة الفلسطينية
مؤلفاته
عصافير بلا أجنحة (شعر) – 1960.
أوراق الزيتون (شعر).
عاشق من فلسطين (شعر)1966
آخر الليل (شعر).1967
مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
يوميات جرح فلسطيني (شعر)
حبيبتي تنهض من نومها (شعر).1970
محاولة رقم 7 (شعر).
مديح الظل العالي (شعر).
هي أغنية … هي أغنية (شعر).
لا تعتذر عما فعلت (شعر).
عرائس.
العصافير تموت في الجليل.1970
أحبك أو لا أحبك (شعر).1972
تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.1975
حصار لمدائح البحر (شعر).
شيء عن الوطن (شعر).
ذاكرة للنسيان.
وداعاً أيتها الحرب وداعا أيها السلم (مقالات).
كزهر اللوز أو أبعد
في حضرة الغياب (نص) – 2022
لماذا تركت الحصان وحيداً.1995
بطاقة هوية (شعر)
أثر الفراشة (شعر) – 2022
أنت منذ الآن غيرك (17 يونيو 2022 ، وانتقد فيها التقاتل الداخلي الفلسطيني) .
«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» الديوان الأخير الذي صدر بعد وفاة الشاعر محمود درويش عن دار رياض الريس في آذار 2022
توفي في الولايات المتحدة الأمريكية يوم السبت 9 أغسطس 2022 بعد إجراءه لعملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن، التي دخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته بعد أن قرر الأطباء نزع أجهزة الإنعاش.
و أعلن الحداد الرسمي 3 أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر الفلسطيني، ووصف درويش بانه "عاشق فلسطين" و"رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء".
وقد وري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي. وتم الإعلان عن تسمية القصر بقصر محمود درويش للثقافة. وقد شارك في جنازته الآلالف من أبناء الشعب الفلسطيني وقد حضر أيضا أهله من أراضي 48 وشخصيات أخرى . تم نقل جثمان الشاعر محمود درويش إلى رام الله بعد وصوله إلى العاصمة الأردنية عمّان ، حيث كان هناك العديد من الشخصيات من العالم العربي لتوديعه.
ومن قصائده
توجعني ..و أعبدها
و أحميها من الريح
و أغمدها وراء الليل و الأوجاع.. أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
و يجعل حاضري غدها
أعزّ عليّ من روحي
و أنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين
بأنّا مرة كنّا وراء، الباب ،إثنين!
كلامك كان أغنية
و كنت أحاول الإنشاد
و لكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة
كلامك ..كالسنونو طار من بيتي
فهاجر باب منزلنا ،و عتبتنا الخريفيّة
وراءك، حيث شاء الشوق..
و انكسرت مرايانا
فصار الحزن ألفين
و لملمنا شظايا الصوت!
لم نتقن سوى مرثية الوطن
سننزعها معا في صدر جيتار
وفق سطوح نكبتنا، سنعزفها
لأقمار مشوهّة ..و أحجار
و لكنيّ نسيت.. نسيت يا مجهولة الصوت:
رحيلك أصدأ الجيتار.. أم صمتي؟!
رأيتك أمس في الميناء
مسافرة بلا أهل .. بلا زاد
ركضت إليك كالأيتام،
أسأل حكمة الأجداد :
لماذا تسحب البيّارة الخضراء
إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء
و تبقى رغم رحلتها
و رغم روائح الأملاح و الأشواق ،
تبقى دائما خضراء؟
و أكتب في مفكرتي:
أحبّ البرتقال. و أكره الميناء
و أردف في مفكرتي :
على الميناء
وقفت .و كانت الدنيا عيون الشتاء
و قشرةالبرتقال لنا. و خلفي كانت الصحراء !
رأيتك في جبال الشوك
راعية بلا أغنام
مطاردة، و في الأطلال..
و كنت حديقتي، و أنا غريب الدّار
أدقّ الباب يا قلبي
على قلبي..
يقوم الباب و الشبّاك و الإسمنت و الأحجار !
رأيتك في خوابي الماء و القمح
محطّمة .رأيتك في مقاهي الليل خادمة
رأيتك في شعاع الدمع و الجرح.
و أنت الرئة الأخرى بصدري ..
أنت أنت الصوت في شفتي ..
و أنت الماء، أنت النار!
رأيتك عند باب الكهف.. عند الدار
معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك
رأيتك في المواقد.. في الشوارع..
في الزرائب.. في دم الشمس
رأيتك في أغاني اليتم و البؤس !
رأيتك ملء ملح البحر و الرمل
و كنت جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفلّ
و أقسم:
من رموش العين سوف أخيط منديلا
و أ*** فوقه لعينيك
و إسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا ..
يمدّ عرائش الأيك ..
سأكتب جملة أغلى من الشهداء و القبّل:
"فلسطينية كانت.. و لم تزل!"
فتحت الباب و الشباك في ليل الأعاصير
على قمر تصلّب في ليالينا
وقلت لليلتي: دوري!
وراء الليل و السور..
فلي وعد مع الكلمات و النور..
و أنت حديقتي العذراء..
ما دامت أغانينا
سيوفا حين نشرعها
و أنت وفية كالقمح ..
ما دامت أغانينا
سمادا حين نزرعها
و أنت كنخلة في البال،
ما انكسرت لعاصفة و حطّاب
وما جزّت ضفائرها
وحوش البيد و الغاب..
و لكني أنا المنفيّ خلف السور و الباب
خذني تحت عينيك
خذيني، أينما كنت
خذيني ،كيفما كنت
أردّ إلي لون الوجه و البدن
وضوء القلب و العين
و ملح الخبز و اللحن
و طعم الأرض و الوطن!
خذيني تحت عينيك
خذيني لوحة زيتّية في كوخ حسرات
خذيني آية من سفر مأساتي
خذيني لعبة.. حجرا من البيت
ليذكر جيلنا الآتي
مساربه إلى البيت!
فلسطينية العينين و الوشم
فلسطينية الإسم
فلسطينية الأحلام و الهم
فلسطينية المنديل و القدمين و الجسم
فلسطينية الكلمات و الصمت
فلسطينية الصوت
فلسطينية الميلاد و الموت
حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري
حملتك زاد أسفاري
و باسمك صحت في الوديان:
خيول الروم! أعرفها
و إن يتبدل الميدان!
خذوا حذّرا..
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان
أنا زين الشباب ،و فارس الفرسان
أنا. و محطّم الأوثان.
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلق العقبان!
و باسمك، صحت بالأعداء:
كلى لحمي إذا ما نمت يا ديدان
فبيض النمل لا يلد النسور..
و بيضة الأفعى ..
يخبىء قشرها ثعبان!
خيول الروم.. أعرفها
و أعرف قبلها أني
أنا زين الشباب، و فارس الفرسان
السلام عليكم موضوع جد جميل مشكور عليه وهو كذالك يستحق التقدير
نزار قباني
السلام عليكم
[COLOR=O****]نزار قباني
[/COLOR]
نزار قباني (1923-1998): شاعر سوري اشتهر بأعماله الرومانسية والسياسية الجريئة. تميزت قصائده بلغة سهلة وجدت بسرعة ملايين القراء في أنحاء العالم العربي. ولد نزار من عائلة دمشقية، درس القانون في جامعة دمشق وتخرج عام 1945. عمل سفيراً لسوريا في مصر وتركيا وبريطانيا والصين وإسبانيا قبل أن يتقاعد عام 1966. انتقل إلى بيروت (لبنان) حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم "منشورات نزار قباني". بدأ أولاً بكتابة الشعر التقليدي ثم انتقل إلى الشعر العمودي، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. كان لانتحار شقيقته التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياته، وتناولت كثير من قصائده قضية حرية المرأة. تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. وكان ديوان "قصائد من نزار قباني" الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة "خبز وحشيش وقمر" التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. تميز قباني أيضاً بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية "هوامش على دفتر النكسة" 1967 التي تناولت هزيمة العرب على أيدي إسرائيل في نكسة حزيران. من أهم أعماله "حبيبتي" (1961)، "الرسم بالكلمات" (1966) و"قصائد حب عربية" (1993).
كما أن الشاعر نزار قباني كان يلقب بشاعر الحب
الف الف شكر لك رانيا
شكرا على المرور أخي عبد الحق انت اول من رد نورت الموضوع
النور نور الموضوع …………….. شكرا مرة ثانية ………… ومزيدا من العطااااااااااء
ان شاء الله أخي الزويتني وبالتوفيق لك أيضا في الدراسة وبعدها المنتدى
شكرا جزيلا رنوش هذا هو شاعري المفضل !
العفو اختي خولة نزار قباني شاعر المرأة اكيد شعره جميل
محمد صالح باوية الطبيب الشاعر
أولا :الشاعر :محمد صالح باوية
بإيجاز :
* الدكتور محمد صالح باوية (الجزائر).
* ولد عام 1930 بالمغيّر – ولاية الوادي – الجزائر.
* حصل على دبلوم الطب العام في بلغراد 1969, ودبلوم الاختصاص في جراحة العظام في الجزائر 1979.
* عمل في مستشفيات وزارة الصحة الجزائرية, ويعمل حالياً في عيادته الطبية الخاصة بالبليدة.
* عضو اتحاد الكتاب الجزائريين منذ 1974.
* دواوينه الشعرية: أغنيات نضالية 1981.
* كتب عن شعره الكثيرون, وكان شعره محوراً لعدد من الندوات والمحاضرات.
* عنوانه: نهج كريتلي مختار – مقطع ب رقم 03 – البليدة 09000 – الجمهورية الجزائرية.
ثانيا :القصائد
الثـــــائـــــــــر
يا رفاقي, يا رفاقي في الذُّرى, في السِّجن, في القبْرِ
وفي آلام جُوعي
قهقه القيد برجلي يا رفاقي, حدِّقوا…
فالثأر يجتر ضلوعي
يا جنون الثورة الحمراء يجتر كياني ومغارات
ربوعي
أقسمت أمي بقيدي, بجروحي, سوف لا تمسح
من عيني دموعي
أقسمت أن تمسح الرشاش والمدفع والفأس
بأحقاد الجموع
أن أراها ضربة عذراء تغزو بسمة السفَّاح
في الحقل الخصيب
أقسمت أنْ ترضع النصر وأختي في ضفاف الموت
في عنف اللهيب
هذه (أوراس) أحلام ثقال
في رؤى الجلاد, في ليل الجناةِ
أنت أوراسُ أنا… ملءُ كياني
وأنا الإعصار في عيد الطغاة
يا حنين الثأر يسري في حنايا ضربتي ناراً
تناغي أمنياتي
أنا جبار, ورعد وانفجار… أحمل الفجر بأيد
داميات
وأحس الريح تعوي في ضلوعي, في دمائي
في حقولي, في لهاتي
ورفاقي كمنوا في ثنية الوادي
وفي السحب وفي كوخ الرعاة
صوّبوا المدفع للسجن
وباتوا شهباً تروي أحاسيس الحياة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من قصيدة: الرحلـــــة في المـــــــوت
– 1 –
مذ نتأتْ في الشيء,
في الإنسان,
أعراف الصفات
يمتد…
يمتد ذراع النخلة السمراء,
يطوي غلتي,
يشربني آهة ليل, في بحار الظلمات
يطوي تعاريج الشرايين,
إلى بحر العرق
يورق في طياته شوك الأرق
لكن…
يموت الطلع في ليل, على بعد قدم
آه… وَلِمْ?!
من يهب الواحة أحداقا وفَمْ?
لكنْ…
يزول الظل في الأشياء,
تهوي بدداً كل الصفات…
كل الصفات
في جرّة الصّبر… نداءُ النحل
ماتْ
في ثدْيها,
نهرُ الهوى جفّ… وماتْ
يا… يا أبي…
في جرّتي,
عشعش ليل البُوم, والطحْلبُ,
آهٍ… يابقايا الأغنياتْ
عشعش… يا أعوامنا…
آه… فما أقسى سجون الكلمات
– 2 –
لملمت أشتات وجودي,
في بحور الخوف,
ناديت يدي المكسورة الفأس,
عسى…
في داخلي أقلعُ أعْجاز الأسى
لكنّ صوتي,
لم تعدْ تحمله الريح…
صحوتْ
في قلبك المزروع في أودية النّخل…
خطوتْ
أفدي سدى,
موت زهور الانتظارْ
أشهدُ في جلدك أعشاب القفار
تقتل في فرحة أمي,
رحلة النخل… حكايات الصغارْ
أنْ أحلم اليوم أبي
ذاك رغيفٌ في مدارات القمرْ
أنْ أصْبر اليوم أبي
الصّبر سكّين غدرْ
اعتق فُؤادي يا أبي
من ذلك الحزن المندّى بالقدرْ
– 3 –
يا بائع الشّيح انتظرْ
الغولُ… يغتال بذور الشّيح في دفْق دمي
يُغرق أحبابي,
يُهيلُ التُّرْب في ملْء فمي
يا بائع الشّيح…
أجُوب التّيه عنْ ذرّة شيحْ
اسْقِ حزينات الخُطى قطْرة سرّ.
أعرج هذاالعام…
والعالمُ في هبّة ريحْ
يسْقي الحروف الخضْر في زنزانة الصّبرِ,
لعلّ الحرفَ يُعطي نكْهة التّمرِ…
عسى, يُرجع للعيْن علامات القمرْ
يا بائع الشيح انتظرْ…
– 4 –
منذُ المساء…
أرحل في ذاكرتي
أرحل مهزوم القدمْ
أرسي سفيني في مدى أطلالها
أسكن, مقطوع الرحم
بين تجاعيد زواياها…
ألوك الحي والميت من أعشابها
لكنْ… حبال الجوع من فوديّ,
تمتدُّ…, أفاعي
في ارْتعاش الظفر,
في كل وترْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فدائية من المدينة
مجهولةٌ
تطوي بحاراً وتلالْ
لا تقتني غيرَ طُرودٍ وسِلالْ
تُهديك أثقال السَّلالْ
تهدي الصبايا كلَّ أصنافِ الغِلالْ
لكنْ، تريد (الكلمه)(1)
تُهديك طرداً،
ثم تهديها وفاء الكلمه.
****
بائعةُ الأعمارِ،
في عمر الزَّهَرْ
عصفورةٌ
دوماً، تبيض النارَ في حيّ التّترْ
مجهولةٌ،
تجتاز أدغالَ القدرْ
هنا اسمع
انشودة مطر السياب
في تراتيل نازك الملائكة
على حروف محمود درويش الثائرة
هذا الحرف العربي
والثائر العربي
في كل مكان
سبحان الله تجمعنا الحروف وتجمعنا القلوب
وتفرقنا الحكومات
بارك الله بمن عرفنا على كلمات الشاعر
وبارك الله بشاعرنا وحرفه
وجزاكم الله كل خير
وبارك بك استاذنا الفاضل فتحي الجبوري
عبد الله بن المقفع
* تقديم:
من الأدباء الذائعي الصيت في أدبنا العربي على الرغم من قلة ما وصل إلى أيدينا من انتاجهم… أديبنا موضوع البحث(ابن المقفع).
ذلك الأديب الخليق بأن يتخذ مثلا على أن تقييم الأديب لا يأخذ بعين
الاعتبار غزارة انتاجه أو قلته…فالمقياس هو الكيف وليس الكم… وقيمة العمل الأدبي تكمن في مضمونه وأسلوبه وليس في شكله ومظهره ولا في طوله أو قصره.
فكم من قصيدة واحدة خلدت قائلها…وخطبة خلدت خطيبها…وكتاب
خلد كاتبه…بينما نجد في المقابل من الشعراء والخطباء والكتاب من
لم يكن انتاجهم على غزارته مساعدا لهم على احتلال مراكز متقدمة
في ذاكرة التاريخ الأدبي.
والغريب في قصة ابن المقفع أن الكتاب الذي شهره لم يكن حتى من ابداعه وليس له فضل فيه إلا بأنه من ترجمه إلى العربية من لغته التي كتب بها وهذا الكتاب هو كليلة ودمنة الذي كتب باللغة الهندية بيد أحد
فلاسفتها.
وفي هذا دليل قاطع واضح على أن ابن المقفع كان عملاقا من عمالقة
العربية وفطاحلها.
*حياته ومقتله:
هو عبد الله بن المقفع…فارسي الأصل…كان اسمه قبل إسلامه روزبة
وكنيته أبا عمرو…فلما أسلم سمي عبد الله وكني بأبي محمد.
ويعود لقبه بابن المقفع إلى أن أباه داذويه كان متوليا خراج فارس
من قبل الحجاج…فاختلس بعض مال الخراج… فضربه الحجاج على يديه
فتقفعتا (اي يبستا)…فلقب بالمقفع.
نشأ ابن المقفع في ولاء بني الأهتم…وهم أهل فصاحة وأدب …فكان لهذه
النشأة تأثير عظيم فيه…وفيما وصل إليه من درجة رفيعة في الأدب.
عمل كاتبا لداود بن هبيرة ثم لعيسى بن علي بن عبد الله عم الخليفة
المنصور…ثم كاتبا لسليمان بن علي أيام ولايته على البصرة.
وفي أثناء ذلك خرج عبد الله بن علي عم الخليفة المنصور عليه وكان واليا على الشام…فطارده المنصور فلجأ إلى أخويه سليمان وعيسى في
البصرة…فطلب المنصور منهما تسليمه… فرفضا أن يسلماه إياه إلا
بعهد أمان مكتوب يمليان شروطه…فوافق المنصور على ذلك…فطلبا من
ابن المقفع أن يقوم بكتابة عهد الأمان فكتبه وتشدد فيه على الخليفة
بحيث جعله يحمل في نفسه حقدا عليه ويضمر له الشر.
ثم عزل المنصور فيما بعد عمه سليمان عن البصرة و ولى مكانه سفيان
بن معاوية…وكان ذا أنف كبير فاتخذه ابن المقفع سخرية له فنقم عليه
هو الآخر…وذات يوم دخل ابن المقفع دار سفيان بن معاوية ذاك ولم
يخرج منها…فقد قتله سفيان… ويقال أنه كان للمنصور رأي في
قتله.
*صفاته:
كان ابن المقفع مشهورا بذكائه…وسعة علمه حتى قيل فيه (أنه لم
يكن في العجم أذكى منه)…وكان كريما جوادا…وافر المروءة… وقد
اشتهر بحبه للصديق…وكان يقول (ابذل لصديقك دمك ومالك).
وقد اتهمه حساده بالزندقة…ولكن لا شيء في كتبه يثبت هذه التهمة
عليه.
*كتبه:
يقال أن أثاره الأدبية كثيرة…ولكنني لم أجد في المراجع القليلة التي
بين يدي إلا كتبه الثلاثة الأشهر وهي..
1)كليلة و دمنة…وقد نقله عن الفارسية…وسنتحدث عنه لاحقا.
2)الأدب الكبير
3)الأدب الصغير
*الأدب الكبير:
يعترف ابن المقفع بأنه أخذ كتابه هذا من أقوال المتقدمين…وقد قدم
له بتوطئة في فضل الأقدمين على العلم وشروط درسه والغرض منه.
وقسمه إلى بحثين…الأول في السلطان ومصاحبه وما يجمل في كل منهما من الصفات…وفي هذا أيضا بابان الأول في آداب السلطان والثاني في صحبة السلطان.
أما البحث الثاني فقد خصه بالأصدقاء وحسن اختيار الصديق وحسن معاملته…وكل ما له علاقة بالأصدقاء.
*الأدب الصغير:
كان ابن المقفع في الأدب الصغير ناقلا أيضا. فقد قال (وقد وضعت في هذا
الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفا) غير أنه تصرف فيما نقله.
وهذا الكتاب كناية عن دروس أخلاقية اجتماعية ترغب في العلم وتدعو
المرء إلى تاديب نفسه…وتوصي بالصديق…ويتكلم عن سياسة الملوك.
*كليلة ودمنة:
كتاب ألفه الفيلسوف الهندي (بيدبا) للملك (دبشليم).
وفي أوائل القرن السادس الميلادي أرسل الملك الفارسي محب الحكمة (كسرى انوشروان) الطبيب الفارسي (برذويه) ليقوم بنقل الكتاب من الهندية إلى الفهلوية (الفارسية القديمة).
ثم في منتصف القرن الثاني الهجري نقله ابن المقفع إلى العربية.
ويشاء الله أن تكتسب النسخة العربية أهميه عالمية بعد فقد الأصل الهندي واختفاء الترجمة الفارسية…وكأنما حملت النسخة العربية مسؤولية الحفاظ على هذا الكتاب وتقديمه إلى طلاب المعرفة ومتذوقي الفن القصصي…وعلماء الأخلاق والسياسة عبر العصور.
وتمر السنون فإذا الناس لا يذكرون إلا ابن المقفع ناسبين إليه كليلة ودمنة.
والحق أنه اذا كان هذا الكتاب يحمل ملامح ثلاث حضارات هي الهندية
والفارسية والعربية… فإن بصمات ابن المقفع تبدو واضحة جلية فيه…وتجعله مثلا يحتذى تتراءى لنا من خلاله مدرسة ابن المقفع وطريقته المبدعة في النثر الفني.
وقد قال قائل (إن كتاب كليلة ودمنة قضية حاضرة ما دامت أخلاق
الأفراد…وسلوك الجماعات…وعلاقات القوى الفاعلة في أي تكوين بشري
موضع درس وتحليل من الفلاسفة وعلماء الاجتماع والنفسانيين…)
ومما يميز الكتاب عن غيره أنه وضع لمستويات ثلاثة… فالبسطاء وهواة التسلية يجدون فيه الجانب الترفيهي.
والحكماء فيختارونه لحكمته… ليستخلصوا منه دوافع السلوك وأسرار
النفس…وآداب الحياة الاجتماعية بين طوائف الشعب المختلفة…
وهناك المستوى الثالث وهم المتعلمون…فإنهم يجدون فيه المعلومات
الكثيرة…وتروقهم لغته الصافية وأسلوبه البلاغي المتين.
أما قصة تأليف هذا الكتاب فتبدأ بغزو الإسكندر بلاد الهند وثورة
الشعب عليه…والتي أدت بالتالي إلى تولي الملك (دبشليم) العرش وقد
كان مغرورا ظالما…ممادفع الفيلسوف ( بيدبا) إلى نصحه…فيسجنه
لكنه يندم فيا بعد فيطلقه ويقربه إليه ويجعله وزيرا له…يستشيره في كل الأمور…ويطلب منه أن يضع خبرته ونصائحه في كتاب…فكان هو هذا الكتاب…الذي يرمي إلى إصلاح الأخلاق وتهذيب العقول…وكل ذلك
على لسان كليلة ودمنة وهما حيوانان من الفصيلة الكلبية أصغر حجما
من الذئب.
والحديث على لسان الحيوانات ليس إلا من قبيل الأدب الرمزي .
*أسلوب ابن المقفع:
لهذا الأديب أسلوب خاص…نجد فيه أفكارا متسقة وقوة منطق…وألفاظاً سهلة فصيحة منتقاة…قوية المدلول على المعاني.
نجد فيه البلاغة بأرفع درجاتها حتى ساد أسلوبه واحتذاه بلغاء الكتاب وظل سائدا حتى ظهر أسلوب الجاحظ.
فرغم كونه أعجميا في تفكيره يتعصب لأداب قومه وعلومهم…ولا تجد في
كتبه من العربية إلا اللغة…قلما يستشهد بالشعر أو المثل أو الحكمة أو يشير إلى أيام العرب وآرائهم…نقول…على الرغم من ذلك كله فإن فضله على العربية عظيم…فهو أول من أدخل إليها الحكمة الفارسية والهندية والمنطق اليوناني وعلم الأخلاق والاجتماع…وأول من عرَّب وألَّف ورفع في كتبه النثر العربي إلى أعلى درجات الفن.
بارك الله فيك على كل ما تقدمينه أختي أم كلثوم
تقدير و احترامي لك
جزاك الله كل خير عزيزتي ام كلثوم…انرتينا بالافاده الطيبه ..انرا الله دربك بالحفظ وسداد الخطى