التصنيفات
العلوم الإقتصادية

النظرية الكمية الحديثة

النظرية الكمية الحديثة


الونشريس

بحث حول النظرية الكمية الحديثة

خطـة العرض

مقدمة

1- منطلقات التحليل النقدوي

2- العوامل المؤثرة في الطلب على النقود وفق فريدمان

3- الأشكال المتعددة للاحتفاظ بالثروة

4- النموذج العام

5- النموذج الصالح للاختبار

6- انتقادات نموذج فريدمان

الخاتمة
المراجع

مقدمــة

طور ميلتون فريدمان نظرية الطلب على النقود بإعادة صياغة النظرية الكمية حيث نجد أن تحليله قريب إلى تحليل كينز بحيث أدمج فريدمان النظرية الكمية في النظرية العامة للأسعار فهي أكثر ملائمة لتحليل وتفسير النشاط الاقتصادي سنحاول في بحثنا هذا الإجابة على التساؤل التالي:هل استطاع فريدمان وضع مبادئ يمكن تطبيقها في السياسة الاقتصادية؟

أو بصيغة أخرى هل استطاع تحديد موصفات دالة الطلب على النقد تخضع للاختبار العلمي والتحليل التجريبي؟

وللإجابة على هذا التساؤل سنتطرق إلى النقاط التالية:

– منطلقات التحليل النقدوي

– العوامل المؤثرة في الطلب على النقود والأشكال المتعددة الاحتفاظ بالنقود

– النموذج العام

– النموذج الصالح للاختبار وفي الأخير التعرض للانتقادات التي وجهت لتحليل فريدمان

النظرية الكمية الحديثة

نشأت المدرسة النقدية بعد الحرب العالمية II في بداية الخمسينات، ويعتبر فريدمان أحد ركازها الذي دافع عن هذه المدرسة حتى نهاية السبعينات.

I- منطلقات التحليل النقدوي:

تعتبر النظرية النقدوية نظرية الطلب على النقود لكونها تبحث في العلاقة بين التغير في كمية النقود والتغير في مستوى الأسعار.

– شككوا في كفاءة السياسة المالية.

– السياسة النقدية في نظرهم هي الأداة الفعالة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

– اعتقدوا بأن نظام السوق نظام مستقر ولا داعي لتدخل الدولة.

– تعد النقود هي المتغير الاستراتيجي في تقلبات النشاط الاقتصادي وأن التقلبات الدورية في الإنتاج هي نتيجة لتغير كمية النقود.

– تمارس النقود أثرا مباشرا وهاما على الإنفاق الكلي ومن ثم على الدخل في المدى القصير.

– أن عرض النقود ليس له أي تأثير في المدى الطويل على مستوى التوازن الخاص بالدخل الكلي الحقيقي([1]).

II- العوامل المؤثرة في طلب على النقود وفق فريدمان:

يعتقد فريدمان أن كمية النقود المطلوبة من قبل الجمهور تعتمد على مستويات الأسعار، فتتغير بتغيرها وبنفس النسبة، كما يعتبر أن الدخل الحقيقي يعتبر المحدد الأساسي للطلب على النقود وأن مرونة الطلب الدخلية للنقود أكبر من الواحد، وهي بحدود 1.8 معتمدا في هذا التفسير أن النقود سلعة كمالية، ويتفق فريدمان مع بيجو من أن النقود ما هي إلا واحدة من الموجودات التي يحتفظ بها أصحابها للحصول منها على منافع وخدمات.

يعتمد الطلب على النقود فضلا على مستويات الأسعار والدخول على تكلفة الاحتفاظ بالنقود وهي:

1- سعر الفائدة الذي يمكن أن يحصل عليه المقرضين للنقود بدل احتفاظهم على شكل سائل.

2- معدل ارتفاع الأسعار، إذا يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تخفيض قيمة النقود عند الاحتفاظ بها على شكل سائل.

– إن ارتفاع تكلفة الاحتفاظ بالنقود يدفع الأفراد إلى تقليل كمية النقود المحتفظ بها سائلة([2]).

III- الأشكال المتعددة للاحتفاظ بالثروة:

يتوقف الطلب على النقود على الاعتبارات التالية:

1- الثروة:

هي المقدار الكلي الذي يقسم بين الأشكال المختلفة للأصول التي يقبل حائزي الثروة على حيازتها، ونعلم أن تقديرات الثروة الكلية نادرا ما تكون متاحة، وعلى هذا لا بد من استخدام مؤشر بديل للثروة الكلية وهذا المؤشر هو الدخل الدائم([3]).

فالثروة الكلية ما هي إلا القيمة الحالية لتدفقات الدخل عبر الزمن والتي نعرف صيغتها في:

عناصر الثروة الكلية:

1- الأصول العينية غير البشرية (A).

2- الأصول المالية وتقسم إلى:

– الأصول ذات المردود الثابت بالقيمة الاسمية والتي يمكن تمثيلها بالسندات(B).

– الأصول ذات المردود المتغير تتمثل في الأسهم(E).

3- الأصول النقدية: عبارة عن قيمة الديون أو السلع إلى نقلها بشكل عام لتسديد الديون وذلك بقيمة اسمية معينة(M).

4- الأصول البشرية: تتمثل في مقدرة الأفراد في الحصول على دخل في شكل أجر أو راتب وهو ما يسمى برأس المال البشري أو الثروة البشرية (Wh).

ويجب عزل هذا العنصر من الثرة الكلية عن العناصر الأخرى التي يمكن إدخالها في مجتمع واحد نسميه الثروة غير البشرية (Wn)، بحيث: Wn = A+B+E+M وبذلك تكون الثروة الكلية مجموع الثروة البشرية والغير بشرية:W = Wh + Wn.

– وهذه التفرقة تبررها قلة أو ضعف إمكانية الإحلال بين عناصر الثروة، ولكن هذا لا يعني الانعدام التام لوجود إمكانية الإحلال إلا أنها تبقى محدودة، مما جعل بعض الاقتصاديين يستبعدون من الثروة العنصر البشري.

– فيرى فريدمان أنه يمكن التغلب على هذا المشكل بطريقة أخرى دون استبعاد هذا العنصر. إذا اعتبرنا أن الطلب على النقد لا يتعلق بمستوى الثروة فحسب، بل وكذلك بتركيبتها، وخاصة التركيب الثنائي (البشري وغير البشري من الأصول).

– يمكن إذن الأخذ بعين الاعتبار في الدالة بمتغير وإن كان ثانويا ألا وهو نسبة الثروة البشرية (Wh) (أو تدفق الدخول المنبثقة عنها ) إلى الثروة غير البشرية Wn (أو تدفق الدخول المنبثقة عنها ) فيكون لدينا: .

وهكذا كلما كان (W) مرتفعا زاد الطلب على النقد:

– تكلفة الفرصة السانحة:

تتكون من المردود الذي ينجر عن الاحتفاظ بمختلف الأصول: سندات، أسهم، أصول عينية وبموجب مبدأ الإحلال بين النقد وهذه الأصول تكون العلاقة عكسية بين الطلب على النقود وتكلفة الفرصة السانحة.

نعرف أن مردود الأصول يتكون من عنصرين:

– يتمثل العنصر الأول في الدخل الذي يدره الأصل في شكل معدل فائدة: (re)، (rb) أو في شكل خدمات (بالنسبة للأصول العينية والنقد نفسه).

– يتمثل العنصر الثاني في الربح (أو الخسارة) في رأس المال الذي يترتب عن تغيرات أسعار السوق لهذه الأصول (الأسهم والسندات) وتغيرات مستوى الأسعار العام.

بالنسبة للتغيرات أسعار الأصول يمكن اعتبارها كما يلي:

نعلم أن هذه التغيرات تنجر عن تغيرات معدل الفائدة السوقي، هكذا يؤدي ارتفاع معدل الفائدة السائد في السوق إلى انخفاض في سعر السوق للسند أو السحب وبالتالي ينخفض مردود السند أو السهم، أي تكلفة الفرصة السانحة للاحتفاظ بالنقد تنخفض.

يعني هذا أن الطلب على النقد يرتبط بعلاقة موجبة مع تغيرات أسعار الأسهم والسندات. عمليا يجب طرح معدل تغير سعر الأصل من معدل الفائدة الموافق له.

أما قياس معدل هذه التغيرات فإنه يتمثل في معدل تغير سعر الفائدة السوقي:

بالنسبة للسندات.

بالنسبة للأسهم.

أما بالنسبة لتغيرات مستوى العام للأسعار الذي يمس الأسهم والأصول العينية فإنه يمكن اعتبارها كما يلي:

– بالنسبة للأسهم: بالإضافة إلى العنصرين السابقين يمكن أن نضيف عنصرا ثالثا يتمثل في معدل تغير مستوى الأسعار العام ( ).

هكذا، فارتفاع مستوى الأسعار العام يعني ارتفاعا في القيمة الاسمية للسهم وبالتالي في المردود الاسمي أي أن معدل تغير مستوى الأسعار العام يزيد من تكلفة الفرصة السانحة للاحتفاظ بالنقد، مما يستوجب إضافته إلى مردود السهم.

أما بالنسبة للأصل العيني فوضعه يشبه تماما وضع السهم. أي أن ارتفاع المستوى العام للأسعار يؤدي إلى ارتفاع القيمة الاسمية للأسعار, وبالتالي لابد من الأخذ بعين الاعتبار لهذا الارتفاع في القيمة عند حساب تكلفة الفرصة السانحة للاحتفاظ بالنقد, ويتمثل ذلك في معدل تغير مستوى الأسعار العام المعروف أعلاه.

وأخيرا حتى نحصل على الدخول المختلفة المتمثلة في مختلف المردودات بالقيم الحقيقية لا بد من إدخال المستوى العام للأسعار في الحسبان، وهكذا يكون المتغير الأول في جملة المتغيرات المكونة لتكلفة الفرصة السانحة هو المستوى العام للأسعار (p) أما المتغيرات الأخرى، فهي كالتالي، وذلك بالنسبة لقيمة اسمية لكل أصل قدرها وحدة نقدية واحدة (الدينار مثلا) ([1]).

– مردود سند قيمته دينار واحد:

– مردود سهم قيمته دينار واحد:

– مردود أصل عيني قيمته دينار واحد:

3- الأذواق واختيارات وتفضيلات العائلات:

يقصد بالأذواق أن الوحدة الاقتصادية قد لا تقوم بتوزيع الثروة بين أشكالها المختلفة على أساس العوائد المتأتية منها فحسب وإنما هناك اعتبارات أخرى لا تعتمد على معايير الفائدة أو العائد ويرمز لها بـ (U) ([2]).
IV- النموذج العام:

إذا اعتبرنا مختلف المتغيرات التي عرفناها سابقا يكون لدينا النموذج العام للطلب على النقود، بالقيمة الاسمية، كما يلي:

هذه الدالة المفصلة تحتوي في الواقع على متغيرات المزاحمة، يمكن الاستغناء عنها فعلا كما يمكن اختصارها وذلك بافتراض ما يلي:

– أن (rb) و (re) ثابتتين

– أن معدل الفائدة السوقي r ما هو إلا متوسط معدلات الفوائد الأخرى (rb، re)، ويتغير في نفس الاتجاه الذي تتغير فيه هذه الأخيرة، فهو بالتالي متغير زائد يمكن استغناء عنه:

– باعتبار أن (rb) و (re) ثابتتين عبر الزمن فإنه لا داعي لاعتبار تغيرات أسعار الأصول الموافقة لها، وهكذا تصبح المعادلة السابقة كما يلي([3]):

وللتعامل أكثر بهذه الدالة يفترض فريدمان أنها متجانسة من الدرجة الأولى بالنسبة للدخل ولمستوى الأسعار العام، أي أن:

وبوضع: (حيث عددا حقيقيا موجبا) تصح المعادلة كمايلي:

تمثل هذه المعادلة الطلب على النقد بالقيمة الحقيقية، كما تفيدنا بأن الطلب على النقد (بالقيمة الاسمية) في علاقة تناسب طردي مع مستوى الأسعار العام، أما إذا فرضنا أن يساوي فإنه يكون لدينا([4]):

وإذا وضعنا: فإنه يصبح لدينا:

وبما أن: ( ) حيث يمثل الدخل الحقيقي فإنه يكون لدينا:

وتمثل هذه المعادلة النظرية الكمية المعتادة بحيث يمثل (v) سرعة تداول النقد بالنسبة للدخل ولكن عوض أن تكون (v) ثابتة و محددة بالعوامل المؤسسية كما هو الحال بالنسبة للكلاسيك فإنها تصبح دالة لمتغيرات اقتصادية عند فريدمان.

ولكن الشيء الذي يهمنا أكثر هو اثر المتغيرات المختلفة على الطلب على النقد فإذا وضعنا جانب المتغير المؤسسي (u) اعتبرنا الدالة

1- بالنسبة للثروة: نظرا لكون النقد سلعة عادية كلما زادت الثروة زاد الطلب على النقد.

2- بالنسبة لمعدلات المردود:

أي أن الطلب على النقد ينخفض كلما ارتفع معدل معدلات مردود الأصول الأخرى:

3- بالنسبة للمعدل w : 0 > كلما كانت نسبة الثروة البشرية إلى الثروة الغير البشرية مرتفعة ارتفع الطلب على النقد.

4- أخيرا لدينا العلاقة:

التي تفيدنا بان هناك تناسبا طرديا بين الطلب على النقد و مستوى الأسعار العام أي أن الطلب على النقد يزيد عندما يرتفع مستوى الأسعار و ذلك بشكل تناسبي :

بطبيعة الحال، أن كل علاقة على حدا معرفة تحت فرضية كل المتغيرات الأخرى تبقى على حالها. باعتبار أن بعض هذه الآثار سالب و البعض الآخر موجب فإيجاد الأثر الصافي لكل المتغيرات على الطلب على النقد يستلزم، من الناحية التحليلية تحديد قيمة أو أهمية كل اثر وهو أمر عملي بطبيعة الحال، مما يؤدي إلى تعيين نموذج صالح للاختبار.

V- النموذج الصالح للإختبار:

إذا بلغت هذه النظرية التحليلية هدفها في انتقاء المتغيرات المختلفة المحددة للطلب على النقد فإنه يصعب على الباحث أن يتأكد من أهمية أثر كل منها مع استقراره عبر الزمن أو بعبارة أخرى يجب التحقق من استقرار هذه الحالة عبر الزمن.

وفي الواقع هذا هو المشكل الأساسي الذي اعتنى به فريدمان ليخرج بنموذج مبسط وقابل للتقدير و الاختبار الإحصائي. رتب المتغيرات المختلفة ووضع متغير الدخل الدائم في مقدمتها و إعطائه الدور الأساسي أما معدلات المردود ) معدل الفائدة و تغيرات الأسعار) فلا تلعب إلا دورا ثانويا وباعتبار أن الوحدات الاقتصادية قد أخذت في الحسبان معدل الفائدة عند تقريرها للدخل الدائم و نظرا كذلك لكونه عبارة عن متوسط للأولى و انه يتغير في نفس الاتجاه الذي تتغير فيه فلا داعي لإدخال هذا النوع من المتغيرات في عملية الاختبار العلمي. هكذا اقترح فريدمان دالة الطلب على الأرصدة النقدية بالقيمة الحقيقية وهي:

حيث يمثل:

-Md الطلب على النقد بالقيمة الاسمية وهو يساوي الرصيد النقدي للمتداول.

-Pp مستوى الأسعار الدائم.

-Yp الدخل الدائم الكلي بالقيمة الاسمية.

– N عدد السكان . وسيطان يمثل) ( وحدات القياس والثاني ) ( مرونة الطلب على الأرصدة النقدية بالنسبة لـ Yp.

تعبر هذه الدالة عن الطلب على الأرصدة النقدية الدائمة الحقيقية لكل فرد (حسب العلاقة السابقة) كما يمكن أن تعبر عن الطلب الكلي عليها حسب العلاقة التالية:

نعلم من جهة أخرى أن الرصيد الحقيقي النقدي المقاس (m) يساوي بالتعريف ناتج قسمة الرصيد النقدي الاسمي المقاس (M) على المستوى العام المقاس (P):

يمكن إعادة كتابة هذه النسبة كما يلي : و بما أن يكون لدينا: بالتعويض في المعادلة الأصلية يصبح لدينا:

تعبر هذه المعادلة عن الطلب على الأرصدة النقدية الحقيقية المقاسة وهي دالة للدخل الدائم (Yp). عدد السكان (N) و مستوى الأسعار العام الدائم و المقاس في نفس الوقت . من دالة الأصلية يمكن حساب سرعة تداول النقد الدائمة (Vp) بالنسبة للدخل الدائم. لدينا بالتعريف : Vp= Y/M = yp/mp و بالتعويض نحصل على :

أو

و في الأخير :

نعلم كذلك أن سرعة تداول النقد المقاسة بالنسبة للنقد المقاس ، أي (V) القصيرة المدى ، هي بالتعريف : V = Y/M، و التي يمكن كتابتها في الشكل: = Yp/M . Y/Yp V = Y/M . Yp/M . Y/Yp و بما أن Vp = Yp/M

و يكون لدينا : V = Vp.Y/Ypو بالتعويض في العلاقة السابقة يكون لدينا :

و هي سرعة تداول النقد في المدى المتوسط، بدلالة الدخل الدائم الحقيقي و المطلق و الدخل المقاس المطلق، و عدد السكان ترتفع V في حالة الازدهار حيث يكون تطور (Y) أسرع من تطور(Yp) و تنخفض في حالة الانكماش، حيث يتطور Y بوتيرة أبطأ من الوتيرة التي يتطور بها (Yp). يجب الآن حساب مرونة (V) بالنسبة للدخل. نعلم أن صيغة المرونة هي:

و بالتالي : – 1= لكن الحد الذي يمكن كتابته في شكل طبيعي ما هو في الواقع إلا مرونة الطلب على الأرصدة النقدية المقاسة بالنسبة للدخل المقاس (***958;M/y) و إذا افترضنا أن هذه الأخيرة تشكل قياسا تقريبا مقبولا لمرونة الطلب على الأرصدة النقدية الدائمة للدخل الدائم) (، فإنه يمكن أن نحسب مباشرة قيمة مرونة سرعة تداول النقد بالنسبة للدخل (***958;v/y). إذا كانت هذه المرونة سالبة يدل على أنها متناقصة على المدى البعيد. حيث يتزايد خلاله الدخل الكلي كما يتزايد الرصيد النقدي بوتيرة أعلى.

و هذه النتيجة تناقض الطرح الكلاسيكي (بالنسبة لعلاقة فيشر الكمية أو النسبة لمعادلة كمبردج الذي يفترض ثبات V بالنسبة للدخل لأن هناك علاقة تناسبية طردية بين الطلب على النقد والدخل كما أنها تؤكد على أن النقد ليس سلعة عادية بل سلعة فاخرة. السبب في ذلك أن النقد متغير مخزون يعتبر من السلع الدائمة التي يحتفظ بها نظرا للخدمات التي تؤديها لحائزها، و لكن بعض من هذه الأخيرة لا يمكن التمتع بها إلا ابتداء من مستوى معين من الدخل فإن خدمة الاحتياط، خاصة المضاربة لا يمكن الاستفادة منها إلا بالنسبة للمستويات مرتفعة للدخل.

و بذلك كلما أرتفع مستوى الدخل زاد الطلب على الأرصدة النقدية بقدر أكبر و ذلك لتمكين صاحبها من الاستجابة لدافع الاحتياط و إلى دافع المضاربة.
VI – انتقادات نموذج فريدمان :

دارت هذه الانتقادات حول دور معدل الفائدة، استخدام مفهوم Yp أو الثروة الكلية و اختيار المجمع النقدي (M2) ، (M1). و تعتبر دراسةMELTZER نموذجيا جيدا لأهم الانتقادات المذكورة أعلاه. فعلى الرغم من أن هذا الأخير انطلق من نفس المبادئ و الفرضيات إلا أنه رفض إهمال معدل الفائدة. كما عوض متغير الدخل بمتغير الثروة.

هكذا تصبح دالة الطلب على النقد الكلية محددة بمتغيرين أساسيين:

الثروة ، معدل الفائدة. أختبر بنجاح ملحوظ عدة أنواع من الدوال تحتوي على هذين المتغيرين، و ذات الشكل العام : Md/p= f(x,r) والتي عينت بالشكل:

Md/p = bXB0 . rB1 . حيث أعطيت للمتغير x كل التعاريف: نراه يمثل تارة الدخل المقاس (Y) أو الدخل الدائم (Yp) أو الثروة الكلية (Yp/r, w)… كما استخدمت كل تعاريف الرصيد النقدي (…M3,M2,M1) واستخدمت كذلك معدلات الفوائد طويلة الأمد و القصيرة الأمد. و في كل الأحوال كانت العلاقة بين الطلب على النقد و معدل الفائدة سالبة و ذات دلالة إحصائية أكيدة:

ترتب عن تحليل MELTZER العديد من النتائج منها:

– نلاحظ أولا أن سرعة تداول النقد بعكس ما أفترضه فريدمان. أن استخدام الثروة بدلا من الدخل الدائم يعطي نتائج أحسن و السبب في ذلك في رأي MELTZER هو أن هذا الأخير يعطي الأفضلية لدافع المعاملات في الطلب على النقد من جهة و مردودات الأصول الأخرى من جهة أخرى. و يترتب على هذا إن الفكرة التي مفادها أن إنتاج بعض الخدمات التي يقدمها النقد لا يحصل إلا عند مستويات مرتفعة من الدخل غير صحيحة و بالتالي لا يكون النقد سلعة فاخرة. إن احدى النتائج الأساسية لتحليل MELZER هي أن النقد سلعة عادية. ولقد أكد أن مرونة الطلب على النقد بالمعنى الضيق، أي من نوع (M1) بالنسبة للدخل قريبة جدا من 1 هذه المرونة ترتفع عندما يستخدم المجموع (M2) الذي يحتوي كما نعلم بالإضافة إلى (M1) على الودائع الأجل. يعني هذا أن هذه الأخيرة هي التي تعتبر سلعة فاخرة و ينتظر أن تكون هذه المرونة أكبر إذ استخدم المجمع (M3) الذي يحتوي بالإضافة إلى(M2) على الودائع الادخارية و هذا ما يؤكد مقولة SAMUELSON التي مفادها أن الادخار يعتبر أفخر سلعة:

أن دور معدل الفائدة هام، و هذه الأهمية تتوفق إلى حد ما على المجمع النقدي المستخدم. فإذا استعمل المجمع (M2) أو مجمع أوسع منه ، فإن مرونة الطلب على النقد بالنسبة لمعدل الفائدة تكون ضعيفة السبب في ذلك هو أن تغيرات معدل الفائدة في حالة (M2) تؤدي أولا إلى حركة الإحلال بين النقد القانوني و بخاصة الودائع تحت الطلب والودائع لأجل دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير الكتلة النقدية نفسها كما لاحظنا ذلك من قبل.

نعلم أن فريدمان قد استخدم المجمع(M2) في دراسته الشيء الذي يسمح له بأن يهمل دور معدل الفائدة. و بالرغم من تغيرات المرونة، فإن قيمتها تدور حول العدد (-07) بالنسبة لمعدل الفائدة طويل الأجل. و هذه النتيجة أكدتها دراسات أخرى منها LAIDLER الذي توصل إلى نتيجة و هي أن مرونة الطلب على النقد بالنسبة لمعدل الفائدة طويل الأجل تدور حول (-0.7) أما قصير الأجل تدور حو ل (-0.15).

هكذا أثبت نهائيا أن دور معدل الفائدة هام في تحديد الطلب على النقد مهما كان تعريف المتغيرات المستخدمة([1]).

الخاتمــة

إن التيار الكمي الجديد يصبو أن تكون الدالة الكلية للطلب على النقد مستقرة أكان ذلك بالنسبة لمتغير واحد أو لمتغيرين و أهم من ذلك إنها أكثر استقرارا من دالة الاستهلاك الكلية وبالتالي تعتبر أفضل وأضمن دالة كلية يمكن الاعتماد عليها في تقدير مستوى الإنتاج وكذلك مستوى الأسعار العام .

هكذا باختلاف الكنزيين الذين تشكل عندهم دالة الإستهلاك الكلية الركيزة الأساسية في بناء النظرية، تشكل عند الكميين الجدد دالة الطلب الكلية على النقد الركيزة الأساسية في بنائهم النظري وفي اقتراحاتهم في ميدان السياسة الاقتصادية.

المراجع

1- د. ضياء مجيد الموسوي، الاقتصاد النقدي، مؤسسة شباب الجامعة، طبعة 2000.

2- أحمد أبو الفتوح النقاقة، نظرية النقود والبنوك والأسواق المالية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر، طبعة 1998.

3- ألمان شريف، محاضرات في النظرية الاقتصادية الكلية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني، طبعة 2022.

4- د. واصف سعيدي، دروس في الاقتصاد الكلي، جامعة ورقلة.




التصنيفات
العلوم الإقتصادية

النظرية الكمية الحديثة

النظرية الكمية الحديثة


الونشريس

مقدمــة

طور ميلتون فريدمان نظرية الطلب على النقود بإعادة صياغة النظرية الكمية حيث نجد أن تحليله قريب إلى تحليل كينز بحيث أدمج فريدمان النظرية الكمية في النظرية العامة للأسعار فهي أكثر ملائمة لتحليل وتفسير النشاط الاقتصادي سنحاول في بحثنا هذا الإجابة على التساؤل التالي:

هل استطاع فريدمان وضع مبادئ يمكن تطبيقها في السياسة الاقتصادية؟

أو بصيغة أخرى هل استطاع تحديد موصفات دالة الطلب على النقد تخضع للاختبار العلمي والتحليل التجريبي؟

وللإجابة على هذا التساؤل سنتطرق إلى النقاط التالية:

منطلقات التحليل النقدوي

العوامل المؤثرة في الطلب على النقود والأشكال المتعددة الاحتفاظ بالنقود

النموذج العام

النموذج الصالح للاختبار وفي الأخير التعرض للانتقادات التي وجهت لتحليل فريدمان

النظرية الكمية الحديثة

نشأت المدرسة النقدية بعد الحرب العالمية II في بداية الخمسينات، ويعتبر فريدمان أحد ركازها الذي دافع عن هذه المدرسة حتى نهاية السبعينات.

I- منطلقات التحليل النقدوي:

تعتبر النظرية النقدوية نظرية الطلب على النقود لكونها تبحث في العلاقة بين التغير في كمية النقود والتغير في مستوى الأسعار.

شككوا في كفاءة السياسة المالية.

السياسة النقدية في نظرهم هي الأداة الفعالة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

اعتقدوا بأن نظام السوق نظام مستقر ولا داعي لتدخل الدولة.

تعد النقود هي المتغير الاستراتيجي في تقلبات النشاط الاقتصادي وأن التقلبات الدورية في الإنتاج هي نتيجة لتغير كمية النقود.

تمارس النقود أثرا مباشرا وهاما على الإنفاق الكلي ومن ثم على الدخل في المدى القصير.

أن عرض النقود ليس له أي تأثير في المدى الطويل على مستوى التوازن الخاص بالدخل الكلي الحقيقي([1]).

II- العوامل المؤثرة في طلب على النقود وفق فريدمان:

يعتقد فريدمان أن كمية النقود المطلوبة من قبل الجمهور تعتمد على مستويات الأسعار، فتتغير بتغيرها وبنفس النسبة، كما يعتبر أن الدخل الحقيقي يعتبر المحدد الأساسي للطلب على النقود وأن مرونة الطلب الدخلية للنقود أكبر من الواحد، وهي بحدود 1.8 معتمدا في هذا التفسير أن النقود سلعة كمالية، ويتفق فريدمان مع بيجو من أن النقود ما هي إلا واحدة من الموجودات التي يحتفظ بها أصحابها للحصول منها على منافع وخدمات.

يعتمد الطلب على النقود فضلا على مستويات الأسعار والدخول على تكلفة الاحتفاظ بالنقود وهي:

1- سعر الفائدة الذي يمكن أن يحصل عليه المقرضين للنقود بدل احتفاظهم على شكل سائل.

2- معدل ارتفاع الأسعار، إذا يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تخفيض قيمة النقود عند الاحتفاظ بها على شكل سائل.

– إن ارتفاع تكلفة الاحتفاظ بالنقود يدفع الأفراد إلى تقليل كمية النقود المحتفظ بها سائلة([2]).

III- الأشكال المتعددة للاحتفاظ بالثروة:

يتوقف الطلب على النقود على الاعتبارات التالية:

1- الثروة:

هي المقدار الكلي الذي يقسم بين الأشكال المختلفة للأصول التي يقبل حائزي الثروة على حيازتها، ونعلم أن تقديرات الثروة الكلية نادرا ما تكون متاحة، وعلى هذا لا بد من استخدام مؤشر بديل للثروة الكلية وهذا المؤشر هو الدخل الدائم([3]).

فالثروة الكلية ما هي إلا القيمة الحالية لتدفقات الدخل عبر الزمن والتي نعرف صيغتها في:

عناصر الثروة الكلية:

1- الأصول العينية غير البشرية (A).

2- الأصول المالية وتقسم إلى:

الأصول ذات المردود الثابت بالقيمة الاسمية والتي يمكن تمثيلها بالسندات(B).

الأصول ذات المردود المتغير تتمثل في الأسهم(E).

3- الأصول النقدية: عبارة عن قيمة الديون أو السلع إلى نقلها بشكل عام لتسديد الديون وذلك بقيمة اسمية معينة(M).

4- الأصول البشرية: تتمثل في مقدرة الأفراد في الحصول على دخل في شكل أجر أو راتب وهو ما يسمى برأس المال البشري أو الثروة البشرية (Wh).

ويجب عزل هذا العنصر من الثرة الكلية عن العناصر الأخرى التي يمكن إدخالها في مجتمع واحد نسميه الثروة غير البشرية (Wn)، بحيث: Wn = A+B+E+M وبذلك تكون الثروة الكلية مجموع الثروة البشرية والغير بشرية:W = Wh + Wn.

وهذه التفرقة تبررها قلة أو ضعف إمكانية الإحلال بين عناصر الثروة، ولكن هذا لا يعني الانعدام التام لوجود إمكانية الإحلال إلا أنها تبقى محدودة، مما جعل بعض الاقتصاديين يستبعدون من الثروة العنصر البشري.

– فيرى فريدمان أنه يمكن التغلب على هذا المشكل بطريقة أخرى دون استبعاد هذا العنصر. إذا اعتبرنا أن الطلب على النقد لا يتعلق بمستوى الثروة فحسب، بل وكذلك بتركيبتها، وخاصة التركيب الثنائي (البشري وغير البشري من الأصول).

يمكن إذن الأخذ بعين الاعتبار في الدالة بمتغير وإن كان ثانويا ألا وهو نسبة الثروة البشرية (Wh) (أو تدفق الدخول المنبثقة عنها ) إلى الثروة غير البشرية Wn (أو تدفق الدخول المنبثقة عنها ) فيكون لدينا: .

وهكذا كلما كان (W) مرتفعا زاد الطلب على النقد:
<hr align=left width="33%" SIZE=1>

([1]) د. واصف سعيدي، دروس في الاقتصاد الكلي، جامعة ورقلة.

([2]) د. ضياء مجيد الموسوي، الاقتصاد النقدي، مؤسسة شباب الجامعة، طبعة 2000، ص 137.

([3]) د. أحمد أبو الفتوح النقاقة، نظرية النقود والبنوك والأسواق المالية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر، طبعة 1998، ص 251

– تكلفة الفرصة السانحة:

تتكون من المردود الذي ينجر عن الاحتفاظ بمختلف الأصول: سندات، أسهم، أصول عينية وبموجب مبدأ الإحلال بين النقد وهذه الأصول تكون العلاقة عكسية بين الطلب على النقود وتكلفة الفرصة السانحة.

نعرف أن مردود الأصول يتكون من عنصرين:

يتمثل العنصر الأول في الدخل الذي يدره الأصل في شكل معدل فائدة: (re)، (rb) أو في شكل خدمات (بالنسبة للأصول العينية والنقد نفسه).

يتمثل العنصر الثاني في الربح (أو الخسارة) في رأس المال الذي يترتب عن تغيرات أسعار السوق لهذه الأصول (الأسهم والسندات) وتغيرات مستوى الأسعار العام.

بالنسبة للتغيرات أسعار الأصول يمكن اعتبارها كما يلي:

نعلم أن هذه التغيرات تنجر عن تغيرات معدل الفائدة السوقي، هكذا يؤدي ارتفاع معدل الفائدة السائد في السوق إلى انخفاض في سعر السوق للسند أو السحب وبالتالي ينخفض مردود السند أو السهم، أي تكلفة الفرصة السانحة للاحتفاظ بالنقد تنخفض.

يعني هذا أن الطلب على النقد يرتبط بعلاقة موجبة مع تغيرات أسعار الأسهم والسندات. عمليا يجب طرح معدل تغير سعر الأصل من معدل الفائدة الموافق له.

أما قياس معدل هذه التغيرات فإنه يتمثل في معدل تغير سعر الفائدة السوقي:

بالنسبة للسندات.

بالنسبة للأسهم.

أما بالنسبة لتغيرات مستوى العام للأسعار الذي يمس الأسهم والأصول العينية فإنه يمكن اعتبارها كما يلي:

– بالنسبة للأسهم: بالإضافة إلى العنصرين السابقين يمكن أن نضيف عنصرا ثالثا يتمثل في معدل تغير مستوى الأسعار العام ( ).

هكذا، فارتفاع مستوى الأسعار العام يعني ارتفاعا في القيمة الاسمية للسهم وبالتالي في المردود الاسمي أي أن معدل تغير مستوى الأسعار العام يزيد من تكلفة الفرصة السانحة للاحتفاظ بالنقد، مما يستوجب إضافته إلى مردود السهم.

أما بالنسبة للأصل العيني فوضعه يشبه تماما وضع السهم. أي أن ارتفاع المستوى العام للأسعار يؤدي إلى ارتفاع القيمة الاسمية للأسعار, وبالتالي لابد من الأخذ بعين الاعتبار لهذا الارتفاع في القيمة عند حساب تكلفة الفرصة السانحة للاحتفاظ بالنقد, ويتمثل ذلك في معدل تغير مستوى الأسعار العام المعروف أعلاه.

وأخيرا حتى نحصل على الدخول المختلفة المتمثلة في مختلف المردودات بالقيم الحقيقية لا بد من إدخال المستوى العام للأسعار في الحسبان، وهكذا يكون المتغير الأول في جملة المتغيرات المكونة لتكلفة الفرصة السانحة هو المستوى العام للأسعار (p) أما المتغيرات الأخرى، فهي كالتالي، وذلك بالنسبة لقيمة اسمية لكل أصل قدرها وحدة نقدية واحدة (الدينار مثلا) ([1]).

مردود سند قيمته دينار واحد:

مردود سهم قيمته دينار واحد:

مردود أصل عيني قيمته دينار واحد:

3– الأذواق واختيارات وتفضيلات العائلات:

يقصد بالأذواق أن الوحدة الاقتصادية قد لا تقوم بتوزيع الثروة بين أشكالها المختلفة على أساس العوائد المتأتية منها فحسب وإنما هناك اعتبارات أخرى لا تعتمد على معايير الفائدة أو العائد ويرمز لها بـ (U) ([2]).

I- النموذج العام:

إذا اعتبرنا مختلف المتغيرات التي عرفناها سابقا يكون لدينا النموذج العام للطلب على النقود، بالقيمة الاسمية، كما يلي:

هذه الدالة المفصلة تحتوي في الواقع على متغيرات المزاحمة، يمكن الاستغناء عنها فعلا كما يمكن اختصارها وذلك بافتراض ما يلي:

أن (rb) و (re) ثابتتين

– أن معدل الفائدة السوقي r ما هو إلا متوسط معدلات الفوائد الأخرى (rb، re)، ويتغير في نفس الاتجاه الذي تتغير فيه هذه الأخيرة، فهو بالتالي متغير زائد يمكن استغناء عنه:

باعتبار أن (rb) و (re) ثابتتين عبر الزمن فإنه لا داعي لاعتبار تغيرات أسعار الأصول الموافقة لها، وهكذا تصبح المعادلة السابقة كما يلي([3]):

وللتعامل أكثر بهذه الدالة يفترض فريدمان أنها متجانسة من الدرجة الأولى بالنسبة للدخل ولمستوى الأسعار العام، أي أن:

وبوضع: (حيث عددا حقيقيا موجبا) تصح المعادلة كمايلي:

تمثل هذه المعادلة الطلب على النقد بالقيمة الحقيقية، كما تفيدنا بأن الطلب على النقد (بالقيمة الاسمية) في علاقة تناسب طردي مع مستوى الأسعار العام، أما إذا فرضنا أن يساوي فإنه يكون لدينا([4]):

وإذا وضعنا: فإنه يصبح لدينا:

وبما أن: ( ) حيث يمثل الدخل الحقيقي فإنه يكون لدينا:

وتمثل هذه المعادلة النظرية الكمية المعتادة بحيث يمثل (v) سرعة تداول النقد بالنسبة للدخل ولكن عوض أن تكون (v) ثابتة و محددة بالعوامل المؤسسية كما هو الحال بالنسبة للكلاسيك فإنها تصبح دالة لمتغيرات اقتصادية عند فريدمان.

ولكن الشيء الذي يهمنا أكثر هو اثر المتغيرات المختلفة على الطلب على النقد فإذا وضعنا جانب المتغير المؤسسي (u) اعتبرنا الدالة
<hr align=left width="33%" SIZE=1>

([1]) د. ألمان الشريف، محاضرات في النظرية الاقتصادية الكلية، ديوان المطبوعات الجامعية, الجزء الثاني، الطبعة2003، ص301.

([2]) ضياء مجيد الموسوي، مرجع سابق، ص 142.

([3]) د. ألمان الشريف، مرجع سابق، ص 307.

([4]) ضياء مجيد الموسوي، مرجع سابق، ص 143.
ويمكننا تحديد إشارات ومشتقات الجزئية كما يلي، بافتراض في كل مرة بقاء المتغيرات الأخرى على حالها.

1- بالنسبة للثروة: نظرا لكون النقد سلعة عادية كلما زادت الثروة زاد الطلب على النقد.

2- بالنسبة لمعدلات المردود: 0> ، 0> ، 0>

أي أن الطلب على النقد ينخفض كلما ارتفع معدل معدلات مردود الأصول الأخرى:

3- بالنسبة للمعدل w : 0 > كلما كانت نسبة الثروة البشرية إلى الثروة الغير البشرية مرتفعة ارتفع الطلب على النقد.

4- أخيرا لدينا العلاقة:

التي تفيدنا بان هناك تناسبا طرديا بين الطلب على النقد و مستوى الأسعار العام أي أن الطلب على النقد يزيد عندما يرتفع مستوى الأسعار و ذلك بشكل تناسبي :

بطبيعة الحال، أن كل علاقة على حدا معرفة تحت فرضية كل المتغيرات الأخرى تبقى على حالها. باعتبار أن بعض هذه الآثار سالب و البعض الآخر موجب فإيجاد الأثر الصافي لكل المتغيرات على الطلب على النقد يستلزم، من الناحية التحليلية تحديد قيمة أو أهمية كل اثر وهو أمر عملي بطبيعة الحال، مما يؤدي إلى تعيين نموذج صالح للاختبار.

V– النموذج الصالح للإختبار:

إذا بلغت هذه النظرية التحليلية هدفها في انتقاء المتغيرات المختلفة المحددة للطلب على النقد فإنه يصعب على الباحث أن يتأكد من أهمية أثر كل منها مع استقراره عبر الزمن أو بعبارة أخرى يجب التحقق من استقرار هذه الحالة عبر الزمن.

وفي الواقع هذا هو المشكل الأساسي الذي اعتنى به فريدمان ليخرج بنموذج مبسط وقابل للتقدير و الاختبار الإحصائي. رتب المتغيرات المختلفة ووضع متغير الدخل الدائم في مقدمتها و إعطائه الدور الأساسي أما معدلات المردود ) معدل الفائدة و تغيرات الأسعار) فلا تلعب إلا دورا ثانويا وباعتبار أن الوحدات الاقتصادية قد أخذت في الحسبان معدل الفائدة عند تقريرها للدخل الدائم و نظرا كذلك لكونه عبارة عن متوسط للأولى و انه يتغير في نفس الاتجاه الذي تتغير فيه فلا داعي لإدخال هذا النوع من المتغيرات في عملية الاختبار العلمي. هكذا اقترح فريدمان دالة الطلب على الأرصدة النقدية بالقيمة الحقيقية وهي:

حيث يمثل:

-Md الطلب على النقد بالقيمة الاسمية وهو يساوي الرصيد النقدي للمتداول.

-Pp مستوى الأسعار الدائم.

-Yp الدخل الدائم الكلي بالقيمة الاسمية.

– N عدد السكان . وسيطان يمثل) ( وحدات القياس والثاني ) ( مرونة الطلب على الأرصدة النقدية بالنسبة لـ Yp.

تعبر هذه الدالة عن الطلب على الأرصدة النقدية الدائمة الحقيقية لكل فرد (حسب العلاقة السابقة) كما يمكن أن تعبر عن الطلب الكلي عليها حسب العلاقة التالية:

نعلم من جهة أخرى أن الرصيد الحقيقي النقدي المقاس (m) يساوي بالتعريف ناتج قسمة الرصيد النقدي الاسمي المقاس (M) على المستوى العام المقاس (P):

يمكن إعادة كتابة هذه النسبة كما يلي : و بما أن يكون لدينا: بالتعويض في المعادلة الأصلية يصبح لدينا:

تعبر هذه المعادلة عن الطلب على الأرصدة النقدية الحقيقية المقاسة وهي دالة للدخل الدائم (Yp). عدد السكان (N) و مستوى الأسعار العام الدائم و المقاس في نفس الوقت . من دالة الأصلية يمكن حساب سرعة تداول النقد الدائمة (Vp) بالنسبة للدخل الدائم. لدينا بالتعريف : Vp= Y/M = yp/mp و بالتعويض نحصل على :

أو

و في الأخير :

نعلم كذلك أن سرعة تداول النقد المقاسة بالنسبة للنقد المقاس ، أي (V) القصيرة المدى ، هي بالتعريف : V = Y/M، و التي يمكن كتابتها في الشكل: = Yp/M . Y/Yp V = Y/M . Yp/M . Y/Yp و بما أن Vp = Yp/M

و يكون لدينا : V = Vp.Y/Ypو بالتعويض في العلاقة السابقة يكون لدينا :

و هي سرعة تداول النقد في المدى المتوسط، بدلالة الدخل الدائم الحقيقي و المطلق و الدخل المقاس المطلق، و عدد السكان ترتفع V في حالة الازدهار حيث يكون تطور (Y) أسرع من تطور(Yp) و تنخفض في حالة الانكماش، حيث يتطور Y بوتيرة أبطأ من الوتيرة التي يتطور بها (Yp). يجب الآن حساب مرونة (V) بالنسبة للدخل. نعلم أن صيغة المرونة هي:

و بالتالي : – 1= لكن الحد الذي يمكن كتابته في شكل طبيعي ما هو في الواقع إلا مرونة الطلب على الأرصدة النقدية المقاسة بالنسبة للدخل المقاس (***958;M/y) و إذا افترضنا أن هذه الأخيرة تشكل قياسا تقريبا مقبولا لمرونة الطلب على الأرصدة النقدية الدائمة للدخل الدائم) (، فإنه يمكن أن نحسب مباشرة قيمة مرونة سرعة تداول النقد بالنسبة للدخل (***958;v/y). إذا كانت هذه المرونة سالبة يدل على أنها متناقصة على المدى البعيد. حيث يتزايد خلاله الدخل الكلي كما يتزايد الرصيد النقدي بوتيرة أعلى.

و هذه النتيجة تناقض الطرح الكلاسيكي (بالنسبة لعلاقة فيشر الكمية أو النسبة لمعادلة كمبردج الذي يفترض ثبات V بالنسبة للدخل لأن هناك علاقة تناسبية طردية بين الطلب على النقد والدخل كما أنها تؤكد على أن النقد ليس سلعة عادية بل سلعة فاخرة. السبب في ذلك أن النقد متغير مخزون يعتبر من السلع الدائمة التي يحتفظ بها نظرا للخدمات التي تؤديها لحائزها، و لكن بعض من هذه الأخيرة لا يمكن التمتع بها إلا ابتداء من مستوى معين من الدخل فإن خدمة الاحتياط، خاصة المضاربة لا يمكن الاستفادة منها إلا بالنسبة للمستويات مرتفعة للدخل.

و بذلك كلما أرتفع مستوى الدخل زاد الطلب على الأرصدة النقدية بقدر أكبر و ذلك لتمكين صاحبها من الاستجابة لدافع الاحتياط و إلى دافع المضاربة.
VI انتقادات نموذج فريدمان :

دارت هذه الانتقادات حول دور معدل الفائدة، استخدام مفهوم Yp أو الثروة الكلية و اختيار المجمع النقدي (M2) ، (M1). و تعتبر دراسةMELTZER نموذجيا جيدا لأهم الانتقادات المذكورة أعلاه. فعلى الرغم من أن هذا الأخير انطلق من نفس المبادئ و الفرضيات إلا أنه رفض إهمال معدل الفائدة. كما عوض متغير الدخل بمتغير الثروة.

هكذا تصبح دالة الطلب على النقد الكلية محددة بمتغيرين أساسيين:

الثروة ، معدل الفائدة. أختبر بنجاح ملحوظ عدة أنواع من الدوال تحتوي على هذين المتغيرين، و ذات الشكل العام : Md/p= f(x,r) والتي عينت بالشكل:

Md/p = bXB0 . rB1 . حيث أعطيت للمتغير x كل التعاريف: نراه يمثل تارة الدخل المقاس (Y) أو الدخل الدائم (Yp) أو الثروة الكلية (Yp/r, w)… كما استخدمت كل تعاريف الرصيد النقدي (…M3,M2,M1) واستخدمت كذلك معدلات الفوائد طويلة الأمد و القصيرة الأمد. و في كل الأحوال كانت العلاقة بين الطلب على النقد و معدل الفائدة سالبة و ذات دلالة إحصائية أكيدة:

ترتب عن تحليل MELTZER العديد من النتائج منها:

– نلاحظ أولا أن سرعة تداول النقد بعكس ما أفترضه فريدمان. أن استخدام الثروة بدلا من الدخل الدائم يعطي نتائج أحسن و السبب في ذلك في رأي MELTZER هو أن هذا الأخير يعطي الأفضلية لدافع المعاملات في الطلب على النقد من جهة و مردودات الأصول الأخرى من جهة أخرى. و يترتب على هذا إن الفكرة التي مفادها أن إنتاج بعض الخدمات التي يقدمها النقد لا يحصل إلا عند مستويات مرتفعة من الدخل غير صحيحة و بالتالي لا يكون النقد سلعة فاخرة. إن احدى النتائج الأساسية لتحليل MELZER هي أن النقد سلعة عادية. ولقد أكد أن مرونة الطلب على النقد بالمعنى الضيق، أي من نوع (M1) بالنسبة للدخل قريبة جدا من 1 هذه المرونة ترتفع عندما يستخدم المجموع (M2) الذي يحتوي كما نعلم بالإضافة إلى (M1) على الودائع الأجل. يعني هذا أن هذه الأخيرة هي التي تعتبر سلعة فاخرة و ينتظر أن تكون هذه المرونة أكبر إذ استخدم المجمع (M3) الذي يحتوي بالإضافة إلى(M2) على الودائع الادخارية و هذا ما يؤكد مقولة SAMUELSON التي مفادها أن الادخار يعتبر أفخر سلعة:

أن دور معدل الفائدة هام، و هذه الأهمية تتوفق إلى حد ما على المجمع النقدي المستخدم. فإذا استعمل المجمع (M2) أو مجمع أوسع منه ، فإن مرونة الطلب على النقد بالنسبة لمعدل الفائدة تكون ضعيفة السبب في ذلك هو أن تغيرات معدل الفائدة في حالة (M2) تؤدي أولا إلى حركة الإحلال بين النقد القانوني و بخاصة الودائع تحت الطلب والودائع لأجل دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير الكتلة النقدية نفسها كما لاحظنا ذلك من قبل.

نعلم أن فريدمان قد استخدم المجمع(M2) في دراسته الشيء الذي يسمح له بأن يهمل دور معدل الفائدة. و بالرغم من تغيرات المرونة، فإن قيمتها تدور حول العدد (-07) بالنسبة لمعدل الفائدة طويل الأجل. و هذه النتيجة أكدتها دراسات أخرى منها LAIDLER الذي توصل إلى نتيجة و هي أن مرونة الطلب على النقد بالنسبة لمعدل الفائدة طويل الأجل تدور حول (-0.7) أما قصير الأجل تدور حو ل (-0.15).

هكذا أثبت نهائيا أن دور معدل الفائدة هام في تحديد الطلب على النقد مهما كان تعريف المتغيرات المستخدمة([1]).

الخاتمــة

إن التيار الكمي الجديد يصبو أن تكون الدالة الكلية للطلب على النقد مستقرة أكان ذلك بالنسبة لمتغير واحد أو لمتغيرين و أهم من ذلك إنها أكثر استقرارا من دالة الاستهلاك الكلية وبالتالي تعتبر أفضل وأضمن دالة كلية يمكن الاعتماد عليها في تقدير مستوى الإنتاج وكذلك مستوى الأسعار العام .

هكذا باختلاف الكنزيين الذين تشكل عندهم دالة الإستهلاك الكلية الركيزة الأساسية في بناء النظرية، تشكل عند الكميين الجدد دالة الطلب الكلية على النقد الركيزة الأساسية في بنائهم النظري وفي اقتراحاتهم في ميدان السياسة الاقتصادية.

خطـة العرض

مقدمة

1- منطلقات التحليل النقدوي

2- العوامل المؤثرة في الطلب على النقود وفق فريدمان

3- الأشكال المتعددة للاحتفاظ بالثروة

4- النموذج العام

5- النموذج الصالح للاختبار

6- انتقادات نموذج فريدمان

الخاتمة

المراجع

1- د. ضياء مجيد الموسوي، الاقتصاد النقدي، مؤسسة شباب الجامعة، طبعة 2000.

2- أحمد أبو الفتوح النقاقة، نظرية النقود والبنوك والأسواق المالية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر، طبعة 1998.

3- ألمان شريف، محاضرات في النظرية الاقتصادية الكلية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني، طبعة 2022.

4- د. واصف سعيدي، دروس في الاقتصاد الكلي، جامعة ورقلة.

<hr align=right width="33%" SIZE=1>

([1]) ألمان الشريف: مرجع سابق، ص 309.




التصنيفات
الأدب واللغة العربية

النظرية السلوكية

النظرية السلوكية


الونشريس


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إليكم في هذا الموضوع
– النظرية السلوكية –

للتحميل إضغط على محتوى الملفات المرفقة
منقول للفائدة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
النظرية السلوكية.rar‏  17.4 كيلوبايت المشاهدات 95


رد: النظرية السلوكية

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااا


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
النظرية السلوكية.rar‏  17.4 كيلوبايت المشاهدات 95


التصنيفات
الحقوق

دراسة : حقوق الإنسان، دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق

دراسة : حقوق الإنسان، دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق


الونشريس

السلام عليكم

هذا مذكرة ماجيستير في الحقوق حقوق الإنسان، دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق

أرجو ان يستفيد منه طلبة الماجيستير المقبلين على التخرج

التحميل من الملفات المرفقة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
حقوق الإنسان.doc‏  208.0 كيلوبايت المشاهدات 128


رد: دراسة : حقوق الإنسان، دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق

رائع ما تقدمه هنا …. أتمنى لك التوفيق و الإستمرارية في العطاء


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
حقوق الإنسان.doc‏  208.0 كيلوبايت المشاهدات 128


التصنيفات
الحقوق

محاضرات في النظرية العامة للقانون وتطبيقاته في القانون الجزائري للسنة أولى حقوق

محاضرات في النظرية العامة للقانون وتطبيقاته في القانون الجزائري للسنة أولى حقوق


الونشريس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إليكم في هذا الموضوع:

محاضرات في النظرية العامة للقانون وتطبيقاته في القانون الجزائري للسنة أولى حقوق/ الفصل الأول

التحميل من الملفات المرفقة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
introduction_Siences_juridique.pdf‏  1.17 ميجابايت المشاهدات 225


التصنيفات
علم الإجتماع

النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج

النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج


الونشريس

:النظرية التطورية الثقافية

بعد هذا العرض لأفكار رائدين من رواد الاتجاه التطوري فى الأنثروبولوجيا نحاول تحديد الخطوط العامة لهذه النظرية كما تضح من أطروحتهما. فى المقام الأول يلاحظ أنه وبالنسبة لهذا الاتجاه لا يمكن فهم العقل الإنساني إلا من خلال ربطه بالعقل التاريخي. إن فهم الممارسة النظرية ممكن فقط من خلا ل التاريخ بحسبانه تاريخ بشر متجانسين تحتويهم دائرة واحدة عامة. أما التمايز فهو وليد ظرف تاريخي محدد. تمثل المجتمعات الإنسانية تواصلاً متجانساً مؤلفاً من طبقات تطورية وأقسام موازية. إن مفهوم درجات التطور التاريخي هو معيار أساسي بالنسبة للتطور الذى يسير بخط مستقيم. وطور البشر تبعاً لذلك، من خلال توحدهم ضمن مجال حياة معين وضمن شروط محددة، ومن خلال ما ينتج عن ذلك من ممارسات ومن اقتصاد، وحدة ثقافية ومجتمعية.
لقد رأى أنصار الاتجاه التطوري فى التقدم ثمرة التكامل فى الأدوات المادية وثمرة التعقيد فى العلاقات خلال مراحل تطورية معقدة. يتمظهر التقدم من خلال الانتقال من المرحلة الحيوانية إلى المرحلة البدائية ومن هذه إلى البربرية فالتمدن. وفى مرحلة الثورة الصناعية صار معيار التقدم يقاس بدرجة التطور التقني. إن مبدأ وحدة الجنس البشرى أساسه عالمية المعرفة التقنية كما عبر عن ذلك مورغان حيث كتب "نجد وحدة فى فكر البدائيين البرابرة وإنسان المدنية. إنها هي نفسها ما ساعد البشر على ابتكار الأدوات نفسها والأواني ذاتها عندما يخضعون للعلاقات نفسها، وما يساعد أيضاً على اختراع المنشآت الاجتماعية نفسها وتطويرها انطلاقا من بدايات لا يمكن رؤيتها: من العصر الحجرى والسهام التي التمعت صورتها فى ذهن البدائي، إلى مزج المعادن، وفيه يتمثل ذكاء البربرى، وأخيراً إلى تحريك القطار الحديدي، هذا هو انتصار المدن".
هكذا يترك كل من النمو والتقدم بصماته على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية. وكان مورغان قد وصف ذلك فى كتاباته كما يلي: "يتحدد الذكاء بالاختراع والاكتشاف"، و"تطور القانون الاجتماعي"، "وتطور مفهوم الأسرة"، و"تطور مفهوم الملكية". بذلك يمكن عد كل وحدة، كل مجموعة إنسانية/ مجتمعاً بقدر ما تكون شروط حياة المجموعة المادية والذهنية. وبالإمكان وضعها فى الدرجة الاجتماعية نفسها طالما أنها نتاج الطبقة نفسها. يتضح من ذلك أن مورغان عدَّ التطور بمثابة خط مستقيم. فالبدائية حالة سبقت البربرية التي سبقت بدورها المدنية، وهذا ما يجده مورغان عند البشريَّة بمجموعاتها المختلفة كلها. إن تاريخ الجنس البشرى قد عرف شكلاً موحداً فى نشأته، وفى تجربته، وفى تقدمه (وهذا هو رأى تايلور أيضاً).
وبمكاننا رد التشكل نفسه الذي يشمل مراحل التمدن إلى المؤثرات والأسباب الأولية نفسها. أما مختلف درجات التشكل فهي بمثابة درجات التطور بحيث تكون كل دورة وليدة سابقتها وإسهاماً فى تشكيل تاريخ المستقبل.
هكذا يجوز القول بأن آراء التطوريين تتلخص فى أن تاريخ الإنسانية وتاريخ الثقافة يمثل خطاً متصاعداً من العادات والتقاليد والعقائد والتنظيمات والأدوات والآلات والأفكار. وأنَّ البشرية مرت بمراحل ثقافية تتدرج من الأشكال غير المعقدة إلى الأشكال المعقدة فالأكثر تعقيداً، وأن هذا الخط المتصاعد من الأسفل إلى الأعلى متشابه فى أجزاء العالم نتيجة الوحدة النفسية لبني الإنسان فى كل مكان وزمان وهو ما جعل التطوريين فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر شغلتهم فكرة تطور الثقافة والمجتمع الإنساني عبر مراحل التبدل من حالة إلى حالة، أكثر مما شغلتهم فكرة اكتشاف القوانين الأساسية التى تحكم عملية تطور الثقافة.
إيجازاً نشير إلى أن مولد الأنثروبولوجيا مهنة ارتباطا باتجاهات نظرية محددة قد حدث فى النصف الثاني للقرن التاسع عشر فى جو فكرى سادت فيه الفروض والنظريات التطورية فى مجال التاريخ الطبيعي للكائنات الحية وفى مجال المجتمعات الإنسانية على حد سواء، وذلك جنباً إلى جنب مع ازدياد السيطرة الغربية على شئون العالم. ولقد كان للإنجازات العظيمة التي أحرزتها العلوم الطبيعية أثرها فى حث المشتغلين بالمسائل الاجتماعية والأخلاقية آنذاك، فى أن يتبنوا تطبيق أساسيات المنهج العلمي فى دراساتهم. فقد شغل بال المفكرين عامة، ومن بينهم الاجتماعيون وعلماء الأنثروبولوجيا بصفة خاصة، سؤالاً معيناً هو كيف نشأت ثقافات العالم وتطورت؟ وبالرغم من سيادة الفكر التطوري فى إطار نشأة المجتمعات وتطورها (أي الثقافات) الإنسانية فى خط واحد، إلا أنه كان هناك أيضاً إجابة أخرى لهذا التساؤل وذلك فى إطار النظرية الإنتشارية التي تمتد جذورها إلى مفكرين سابقين على القرن التاسع عشر.
الإتجاه الإنتشارى
يفترض دعاة هذا الاتجاه أن الاتصال بين الشعوب المختلفة قد نتج عنه احتكاك ثقافي وعملية انتشار لبعض السمات

الثقافية أو كلها وهو ما يفسر التباين الثقافي بين الشعوب. وينطلق دعاة هذا الاتجاه من الافتراض بأن عملية الانتشار تبدأ من مركز ثقافي محدد لتنتقل عبر الزمان إلى أجزاء العالم المختلفة عن طريق الاتصالات بين الشعوب.
وبما أن نظرية الانتشار الثقافي تسعى إلى الكشف عن حلقات لربط الثقافات معاً نتيجة تفاعلها جغرافياً وزمنيا فإنها تلتزم أيضاً بالمبدأ التاريخي فى علاقات الثقافات بعضها بالبعض الآخر.
وقد ظهرت فى أوروبا مدرستان للانتشار الثقافي. كان فريدريك راتزل رائداً للمدرسة الأولى وتبني منهجاً تاريخياً-جغرافياً بتأثير المدرسة الجغرافية الألمانية وركز على أهمية الاتصالات والعلاقات الثقافية بين الشعوب ودور تلك العلاقات فى نمو الثقافة. وادعى راتزل بأنَّ الزراعة اعتمدت إما على الفأس أو المحراث وهو ما يفسر الاختلافات بين الثقافات الزراعية. وتبعه فى ذلك هان، المتخصص فى الجغرافيا البشرية، وادعى الأخير بأن تدجين الحيوانات أعقب اكتشاف الزراعة المعتمدة على الفأس. ومع اعتراف هان بأن الزراعة المعتمدة على الفأس يمكن أن تكون قد ظهرت عدة مرات فى أجزاء مختلفة من العالم إلا انه يؤكد على أن زراعة المحراث وتدجين الحيوانات واكتشاف عجلة الفخاري قد تمت كلها فى الشرق الأدنى القديم ثم انتشرت منه إلى بقية أجزاء العالم. أما هاينرينج شورتز فقد أبرز فكرة وجود علاقات ثقافية بين العالم القديم (اندونيسيا وماليزيا) وبين العالم الجديد (الأمريكتين). وقد طور ليوفروبينيوس فكرة انتقال الثقافات عبر المحيطات بادعائه حدوث انتشار ثقافي من اندونيسيا إلى أفريقيا. فقد حاول فى كتابه الذي نشره فى عام 1898 بعنوان "أصل الثقافات الأفريقية" إثبات وجود دائرة ثقافية ماليزية زنجية فى غرب أفريقيا فسرها بوصول نفوذ ثقافي اندونيسي فى صورة موجة ثقافية إلى ساحل أفريقيا الشرقي، ومن ثمَّ عبورها إلى غرب أفريقيا حيث لا تزال بقايا تلك الموجة موجودة فى حين أن بقاياها قد إندثرت فى شرق أفريقيا نتيجة هجرات البانتو والحاميين اللاحقة. بهذا يكون ليوفروبينيوس أول من أدخل مفهوم "الدائرة الثقافية" فى الاثنولوجيا وهو المفهوم الذي نال تطوره اللاحق فى أعمال جرايبز فكرة أحادية منشأ الثقافة الإنسانية مفترضاً وجود عدة مراكز ثقافية أساسية فى جهات مختلفة من العالم.. وبفعل التقاء الثقافات نشأت دوائر ثقافية وحدثت بعض عمليات الانصهار وبرزت تشكيلات مختلفة وهو الأمر الذي يفسر الاختلافات البادية فى الثقافات الأساسية. وفى عام 1905 نشر جرايبز بحثه عن "الدوائر الثقافية والطبقات الثقافية فى جزر المحيط الهادي" والذى استخدم فيه عدد لا يحصى من العناصر الثقافية التي ترتبط بعضها بالبعض الآخر لتؤلف دائرةً ثقافية. وباستخدام التتابع الزمني وانتشارها فى أستراليا وجزر المحيط الهادي. وفى عام 1911 نشر جرايبز كتابه "منهج الاثنولوجيا" الذى رسم فيه الخطوط العامة لمدرسته الإنتشارية.
أما فلهلم شميدت فقد نشر مع فيلهلم كوبرز خلاصة آراء مدرسة "فينا" وأكدا على وجود ثقافات أزلية تمثل أقدم أنواع المجموعات الثقافية المعاصرة. وكانت هذه الثقافات الأزلية (أقزام أفريقيا وآسيا والفيدا فى سيريلانكا، والسينوى فى الملايو، والكوبو فى سومطرة) تمثل الدائرة الثقافية الأولى. وتمثلت الدائرة الثانية فى الثقافات الرعوية فى مناطق سيبيريا وأواسط آسيا (حيث دجن الساموييد فى شمال سيبيريا الرنة، ودجن التركمان الحصان، ثم المجموعات التي دجنت الماشية والماعز … إلخ).
وتنطوي فكرة الدائرة الثقافية على نقطتين هما: وجود الدائرة الثقافية وكينونتها، والدائرة الثقافية بحسبانها منهجاً بحثياً اثنولوجياً. ويعرف شميدت الدائرة الثقافية بقوله: "إذا احتوت ثقافة كاملة على كل شيء: النواحى المادية والاقتصادية والاجتماعية والاعتيادية والدينية، فإننا نطلق عليها اسم الدائرة الثقافية لأنها متكاملة وتعود على نفسها مثل الدائرة. إنها تكفى نفسها بنفسها، ومن ثم تؤمن استقلال وجودها. وهى – أى الثقافة- فى حالة إذا ما أهملت أو فشلت فى إرضاء واحد أو أكثر من الاحتياجات الإنسانية الهامة تتيح حدوث تعويض من ثقافة أخرى. وكلما زاد عدد عناصر التعويض تقل هذه الثقافة عن أن تكون دائرة ثقافية (مستقلة). ويضيف شميدت بأن كل مفردات الثقافة متماسكة تماسكاً عضوياً وليست مجرد ارتباطات تلقائية، غالباً ما يسيطر واحد من مظاهر الثقافة فى الدائرة على بقية المظاهر، ومن ثم تدمغ هذه المظاهر بصبغتها الخاصة ويسوق مثالاً النسب الأموي المرتبط بالجماعات الأموية النسب غالباً ما تعبد القمر، بينما إله السماء هو الإله المسيطر عند الرعاة وإله الشمس عند الجماعات الطوطمية الأبوية النسب.
وقد لخص كوبرز في بحثه الذى نشره عن "الإنتشارية: الانتقال والتقبل" ضمن كتاب "الأنثروبولوجيا المعاصرة" الذى أشرف عليه توماس وطبع فى عام 1956، أهم وجهات نظر المدرسة الانتشارية – النمساوية وقد ترجم محمد رياض تلك النقاط فى كتابه "الإنسان : دراسة فى النوع والحضارة".
حيث أن الثقافة والإنسان (منذ نشأته) متزامنان فإن التاريخ فى أوسع معانيه يشتمل على كل الفترة التى ظهر فيها الإنسان على الأرض حتى اليوم.

2- لا ينكر أي باحث – قديماً وحديثاً – أن الانتشار الثقافي، ودرجة انتقاله تقبله حقيقة واقعة.

3- إن الإنتشارية مبدأ هام فى الدراسات الاثنولوجية ودراسات ما قبل التاريخ. ونتيجة لنقص الوثائق المكتوبة فإن الأمر يحتاج إلى دراسات مقارنة للصفات الثقافية من أجل الحصول على العوامل المكانية والزمانية والسببية.

4- يجب أن يستخدم الإنتشاريون مقياس الشكل والعدد المعروف عن المنهج التاريخي. ولا شك أن هذا المنهج لن يؤدى إلى تاريخ مماثل لما نجده فى الكتابات التاريخية العلمية. يمثل العنصر الثقافي هنا دليلاً قائماً على الصلات، كما يزداد هذا الدليل قوة نتيجة لمدى ترابط العنصر الثقافي ببقية الثقافة. ولا يمكننا أن نهمل هذه الأدلة على إنها تمثل جزءاً من العملية التاريخية.

5- الانتشار الثقافي لا يمثل كل أحداث التاريخ، فدراسة العناصر الثقافية لا تحل محل الوثائق التاريخية لكنها تعطي إضافات هامة فى هذا الاتجاه التاريخى. وفى حالة نقص الوثائق التاريخية، كما هو الحال عند دراسة ما قبل التاريخ والجماعات البدائية، يصبح من غير المعقول أن نمتنع عن تفسير الحقائق فى الاثنولوجيا وعلم الآثار.

6- تقوم الدراسات الإنتشارية على المتشابهات الثقافية، حتى فى الحالات التى لا نستطيع فيها التأكد من وجود ارتباطات وهجرات بين المتشابهات الثقافية، فلا شك أن تأكيدنا بأنَّ الظاهرتين المتشابهتين قد نشأتا نشأة مستقلة يصبح غير مقبول لأنه يفترض شيئاً أبعد تحققاً من الارتباطات السابقة. وعلى العموم يمكننا أن نترك الباب مفتوحاً دون اتخاذ قرار.

7- إن الانتشار والنقل والتقبل لا تسير كلها حسب قواعد معينة هناك دائماً فرص متعددة للقبول أو التعديل ، وهى فرصة الاختيار الحر عند غالبية الجماعات.

8- يترتب على ذلك أن كل حالة من حالات الانتشار الثقافي يجب ان تعالج قائمة بذاتها وحسب ظروفها.

والجدير بالذكر أن فكرة الدوائر الثقافية كانت فى مجموعها وسيلة ومنهجاً أدق وأحسن من أفكار المدرسة الإنتشارية الثانية التى تأسست فى بريطانيا على يد عالم التشريح البريطاني اليوت سميث الذى كان مهتماً بالآثار والهياكل البشرية. وكان سميث وكذلك تلميذه بيري قد اعتقدا بأن الثقافة الإنسانية نشأت على ضفاف النيل وازدهرت فى مصر القديمة منذ حوالي خمسة ألف سنة قبل الميلاد تقريباً. وعندما توافرت الظروف وبدأت الاتصالات بين الجماعات والشعوب انتقلت بعض مظاهر تلك الثقافة المصرية القديمة إلى بقية العالم. ففى كتابه "هجرة الحضارات" الذى نشره عام 1915 يؤكد سميث من خلال دراسته للمتشابهات الاثنوغرافية خارج مصر بأن مصر كانت مركزاً للثقافة ومنها انتقلت إلى عالم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا والهند واندونيسيا وعالم المحيط الهادي والأمريكتين.

وفى عام 1923 نشر بيري كتابه " أطفال الشمس" الذى حدد فيه عنصراً واحداً سيطر على مجمل الثقافة المصرية … الاعتقاد في ألوهية الملوك أبناء الشمس، وبالتالي عبادة الشمس. واهتم بيري بعدة عناصر ثقافية مصرية فى توزيعها العالمي مثل التحنيط وبناء الأهرام والقيمة التي يعطيها المصريون القدماء للمعادن النفيسة بحسبانها قوة مانحة للحياة المديدة… إلخ.

أما فى أمريكا فإن الاتجاه الإنتشارى وجد تعبيراً له فى كتابات فرانز بواس العالم الطبيعي الألماني الذي استهوته الأنثروبولوجيا بعد زيارة قام بها إلى جزيرة بافن فى كندا فى عام 1883. فقد أشار بواس إلى أنه من خلال دراسة الشكل والتوزيع الجغرافي لمصدر السمات الثقافية وهجرتها واستعارتها عن طريق الاتصال بين الشعوب، يمكن للباحث أن يستدل على كيفية نشأة السمات الثقافية وتطورها، وبالتالي يمكن الوصول إلى نظرية تتوفر فيها عناصر الصدق والبرهان لتفسير المجتمعات الإنسانية وتطور النظم الاجتماعية أو السمات الثقافية. وانطلاقا من هذا الفهم استخدم بواس مصطلح المناطق الثقافية الذى يشير إلى مجموعات من المناطق الجغرافية التي تتصف كل منها بنمط ثقافي معين غض النظر عن احتواء أي من هذه المناطق على شعوب أو جماعات. ويشير مفهوم المنطقة الثقافية إلى طرق السلوك الشائعة بين عدد من المجتمعات التي تتميز باشتراكها فى عدد من مظاهر الثقافة نتيجة لدرجة معينة من الإتصال والتفاعل.

وفق هذا الإطار النظرى سعت المدرسة الأمريكية بزعامة بواس إلى إنجاز الدراسة التاريخية الدقيقة للعناصر المختلفة لثقافة محددة وتحليل كل جزء أو عنصر من حيث مصدر نشأته وتطوره واستخدامه وتتبع عمليات هجرته أو استعارته بين الشعوب المختلفة. وكان من نتيجة هذا الاتجاه الإنتشارى أن أخذ علماء الإنسان فى النظر إل الثقافات الإنسانية بحسبان أنها تؤلف كيانات مستقلة من حيث المنشأ والتطور ومن حيث ملامحها الرئيسة التى تميزها عن غيرها، وهو ما يضع الاتجاه الإنتشارى على عكس الاتجاه التطوري الذى يرى ان الثقافات متشابهة وأن الاختلاف الوحيد بينها يكمن فقط فى درجة تطورها التقني والاقتصادي. لقد زعزعت المدرسة الإنتشارية إن لم يكن إشكالية الاتجاه التطوري فعلى الأقل طريقته. فالاتجاه الإنتشارى قد ابتعد على الأقل عن الفهم الخطى للتاريخ، ومن ناحية ثانية جعل نظرية التاريخ لاحقة لتحليل التواريخ الجزئية لكل مجتمع بحسبانه كلاً مستقلاً، هكذا كتب بواس قائلاً "حين نوضح تاريخ ثقافة واحدة ونفهم مؤثرات المحيط والشروط النفسيَّة التى تنعكس فيها، نكون قد خطونا خطوة إلى الأمام . كذلك يمكننا أن نبحث فى الأسباب المؤثرة أثناء تكونه، أو إبانة تطور تلك الثقافة . وهكذا، وبفهمنا لمقاطع النمو، يمكننا اكتشاف قوانين عامة. هذه الطريقة أكثر ضماناً من الطريقة المقارنة (التطورية). والتى غالباً ما تمارس، فبدل وضع فرضية تتناول نمطاً لتطور، يقدم التاريخ الفعلي قاعدة الاستنتاجات.

اعتقادنا أن جل الانثروبولوجيا الثقافية كامن فى هذا النص: مفهوم الثقافة، والتحليل الوصفى للمحيط المادي، والتفسير النفسي، والشك بالتاريخ. اهتم بواس فى عبارته بالتساؤل عن المنهج الذى يتحكم بالعمل الأنثروبولوجي التقليدي. ومع ذلك فثمة نقد لمفهوم الطبقات، والشرائح. ونجد فى كتاب لوفي "المجتمع البدائي" (1920) رفضاً كاملاً لمفاهيم مورغان الأساسية : تتابع ذو خط واحد لطبقات التطور، مفهوم نسق القرابة، مفهوم الأصل … إلخ. استخلص مالينوفيسكي وراد كليف بروان، كما سنرى، هذه النتائج فى ما لها من أبعاد.

الإتجاه الوظيفى

يعد الاتجاه الوظيفي من الاتجاهات النظرية الأساسية فى علم الإنسان وفى علم الاجتماع. أخذ هذا الاتجاه فى التبلور منهجاً نظرياً لدراسة الثقافات الإنسانية فى الوقت الذى نشأ فيه الاتجاه الإنتشارى فى كل من أوروبا وأمريكا كرد فعل على منطلقات الاتجاه التطوري. إلا أن فكرة الوظيفة قديمة وجدت تعبيراً لها فى أعمال الفلاسفة والمفكرين فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. اقترن الاتجاه الوظيفي بصور ة أساسية بالأنثروبولوجيا الاجتماعية فى بريطانيا بأسماء مالينوفسكى ورادكليف بروان.

اقترنت الوظيفية بالاتجاه العضوي فى العلوم الطبيعية عرف الاتجاه الوظيفي فى الأنثربولوجيا الاجتماعية بتركيزه على دراسة الثقافات الإنسانية كل على حدة وفق واقعها المكاني والزماني ذلك أن الوظيفية ليست دراسة متزامنة بقدر ما هى آنية. وفى ذلك اختلف الاتجاه الوظيفي عن الدراسات التاريخية النزعة المميزة لكل من الاتجاهين التطوري الإنتشارى. وقد تجلى الاتجاه الذى صار يعرف باسم المماثلة العضوية بداية فى أعمال الفلاسفة الأخلاقيين الاسكتلنديين من أمثال آدم سميث وديفيد هيوم وغيرهما من الذين رأوا فى المجتمع نسقاً طبيعياً ينشأ من الطبيعة البشرية لا من العقد الاجتماعي. وقد استخدم مونتسكيو مفهوم النسق فى كتابه "روح القوانين" بوضعه أسس النسق الاجتماعي الكلى بناءً على ارتباط أجزاء المجتمع ارتباطا وظيفياً. وأصبحت فكرة النسق الاجتماعي العامل القوى فى إرساء دعائم علم الاجتماع المقارن والأنثروبولوجيا الاجتماعية. أصبح التحليل الوظيفي مدخلاً أساسياً فى تحليلات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية للربط بين النظام الاجتماعي ووظيفته وبين خصائص سلوك الأفراد الذين يؤلفون ذلك النظام. يشتمل النسق الاجتماعي على عدد من النظم يقوم كل نظام بوظيفته المعينة بغية الحفاظ على سلامة النسق. وينظر الوظيفيون إلى المجتمعات البشرية أنساقاً اجتماعية تعتمد أجزاؤها بعضها على بعض ويدخل كل جزء منها فى عدد من العلاقات الضرورية مع الأجزاء الأخرى. وقد ذهب هربرت سبنسر فى موضوع المماثلة إلى أبعد من ذلك حيث شبه المجتمع من حيث البناء والوظيفة بالكائن الحي بحسبان أن المجتمع ينمو ويتطور تماماً كما ينمو الأول ويتطور.

واستخدم سبنسر إصطلاحات العلوم الطبيعية فى تحليلاته البنائية الوظيفية للمجتمع والحياة الاجتماعية مثل الفسيولوجيا والمورفولوجيا والإيكولوجيا…إلخ. وأشار بوضوح إلى أن البناء يتألف من الأجزاء التى تدخل فى تركيبه وفى عناصر جزئية لا حصر لعددها تؤدى دورها فى عملية التساند بين جميع الأجزاء التى تدخل فى تركيب البناء الكلى.

ويعد إميل دوركايم بحق حلقة الوصل بين الفكر الذى كان سائداً فى القرن التاسع عشر والاتجاهات الجديدة للفكر الاجتماعي التى ظهرت فى بداية القرن التاسع عشر والاتجاهات الجديدة للفكر الاجتماعي التى ظهرت فى بداية القرن العشرين. اتخذ دوركايم موقفاً رافضاً للتفسيرات العضوية التى قال بها أنصار الاتجاه العضوي من أمثال هربرت سبنسر، مستبعداً إمكانية تفسير الظواهر الاجتماعية من خلال المماثلة العضوية. وكان دوركايم يسعى إلى تحرير الظواهر الاجتماعية من محتوياتها النفسية وإلى تجريدها من أصولها البيولوجية بالتركيز على دراسة تلك الظواهر من وجهة نظر اجتماعية صرفة فى حدود علم الاجتماع. يرى دوركايم أن الظاهرة الاجتماعية يجب أن تتمتع باستقلالها بحسبانها ظاهرة قائمة بذاتها، أي أنَّ لها وجودها المستقل عن الظواهر البيولوجية ولا يمكن لها ان تتأثر إلا اجتماعيا ولا تفسر إلا على أسس اجتماعية. وفى كتابه "تقسيم العمل" استخدم دوركايم الوظيفة بمعنيين اثنين: أولاً بالإشارة إلى نسق من الحركات الحيوية اللازمة لحياة الكائن العضوي، وثانياً بالإشارة إلى العلاقة التى تربط بين تلك الحركات الحيوية وبين حاجات الكائن العضوي (وظيفة التنفس، والهضم على سبيل المثال). استخدم دوركايم مفهوم الدور مرادفاً لمفهوم الوظيفة ذلك أنه حين يتحدث عن وظيفة الدين مثلاً فإنه يشير إلى الدور الذي يقوم به الدين فى الحياة الاجتماعية. ويوصى دوركايم تلاميذه بكلمته: إذا كنت ترغب فى دراسة ظاهرة اجتماعية فعليك أن تصل إلى السبب الذى أدى إلى الوظيفة التى تقوم بها الظاهرة.




رد: النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج

مشكووووووورة اختي على الموضوع




رد: النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج

أنا أشكرك على النظريات لأني سأراجع منها للماجستير فادعوا لي




رد: النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج

بارك الله فيك……




رد: النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج

iam still very glad




رد: النظرية التطورية والوظيفية و الإنتشارية في الأنثروبولوج

اريد المرجع ارجوك




التصنيفات
علم الإجتماع

النظرية التطورية في الانثروبولوجيا

النظرية التطورية في الانثروبولوجيا


الونشريس

اريد من لديه اي معلومه عن النظرية التطورية او المدرسة او الاتجاه في الانثروبولوجيا ان يعطيني المرجع قبل يوم السبت لانني لم اجد ايت مرجع فية وجزاكم الله كل خير




رد: النظرية التطورية في الانثروبولوجيا

الايوجد من مجيب