تمهيد : لقد جاءت العلوم الإنسانية متأخرة النشأة قياسا بالعلوم الدقيقة، كما جاءت تلك النشأة، كنتيجة لما بدأت المجتمعات الحديثة تعرفه من قضايا نفسية واجتماعية جديدة ارتبطت بتطورها السريع.. هكذا أصبحت هذه العلوم تسعى إلى تحويل الإنسان إلى ظاهرة قابلة للدراسة العلمية الموضوعية. إلا أن تميز الإنسان واختلافه عن الظواهر الطبيعة جعل العلوم الإنسانية تعرف مشاكل إبيستيمولوجية من نوع خاص، ومن ثم بدأ العلماء يتساءلون حول مدى قدرة هذه العلوم على بلوغ دقة العلوم الطبيعية.
ب- ماالفرق بينها وبين العلوم المعيارية ؟
أنالعلوم الإنسانية S.Humaines تدرس الحالة الراهنة للسلوك أي ما هو كائن أما العلوم المعياريةAxiologie فهي تهتمبما يجب أن يكون أي بما تحمله الأماني كعلم االمنطق Logique الذي يبحث في قوانين التفكير الصحيح .وعلم الجمال Esthétique الذي يدرس الفرق بين القبيح و الجميل و أسس التعبير الجمالي وعلم الأخـــــــــلاق . Ethique التي تبحث في القواعد و القيم التي ينشأ عليها السلوك الفاضل و على أساسها يتم التمييز بين الخير و الشر
ج– صياغة المشكلة : لقد حققت العلوم الطبيعية نجاحا كبيرا بفضل استخدامها المنهج التجريبي و قوانين الحتمية ، فهل يمكن أن يتحقق ذلك مع العلوم الإنسانيـــة؟ بمعنى هل يمكن دراسة الظواهر الإنسانية بطريقة تجريبية تماما كما يحدث في العلوم الفيزيائة و الكيميائية.. ؟
الموقف المعارض/ لا يمكن إخضاع الظواهر الإنسانية للتجريب ، وبالتالي لا يمكن أن تكون موضوعا لمعرفة علمية نظرا للعوائق الابستيمولوجية التالية( الحجج)
1 – الحادثة التاريخية فريدة من نوعها لا تتكرر /، لأن الزمن الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ، و الاطار الاجتماعي الذي اكتنفها يكون قد تغير و لذلك لا يمكن للمؤرخ إخضاعها للتجريب عن طريق اصطناع حربا تجريبية حتى يتحقق من صحة فرضياته ، ثم انها ظواهر لا تمتثل لقوانين الحتمية ، إن أسباب وقوع حرب ماضية قد تجتمع حاليا ولا تقع الحرب قد تلجأ الأطراف المتنازعة الى السلم بدل الحرب ، وما دام الإنسان يتصرف عادة بحرية فان التنبؤ بأحواله يكون شبه مستحيل
2- الحادثة التاريخية لها طبيعة معنوية / كالحروب الصليبية أو الحرب الباردة ، لا تلاحظ بالعين المجردة أو بالأجهزة كما نلاحظ الظواهر الطبيعية ، و ما يمكن ملاحظته فقط آثارها غير المباشرة و هذا يعني أن الخطوة الأولى في المنهج التجريبي منعدمة
3- انها حادثة من انتاج الإنسان و تخطيطه /، لذلك يصعب تحديد أسبابها بدقة ، و نتائجها و أبعادها وقت حدوثها ، فالكثير من الحروب تقع بطريقة غير مفهومة ، يخفي مقرروها أسبابها الحقيقية و يصر
4– عائق الذاتيــــــــــة / و هو من أكبر العوائق الابستيمولوجية في العلوم الإنسانية ، لأن المؤرخ لا يواجه في هذه الحالة ظواهر طبيعية مستقلة ، بل سيواجه حقائق تتعلق بكيانه الشخصي و الوطني و الاديولوجي ، فيكون هو الدارس و المدروس في نفس الوقت ، يتأثر حتما بانتمائه السياسي و الديني ، ان المؤرخ الجزائري على سبيل المثال لا يكتب تاريخ الثورة التحريرية وما جرى فيها من مجازر كما يكتبها المؤرخ الفرنسي ، إن المؤرخ بصفة عامة بدل أن يلتزم الحياد و الموضوعية و يفسر الحادثة كما وقعت يقوم بتأويلها و يصدر بشأنها أحكام تقييمية ، فتراه يضخم الوقائع التي تخدم قضيته ، و يتغاضى عن الوقائع التي تسيئ اليها . و في جميع الحالات تزييف للحقيقة
1- انها ظاهرة بشرية ، من صنع الإنسان و ترتبط بحياته الخاصة و العامة ، و الإنسان كما نعلم يتصرف بحرية له القدرة على إبداع مظاهر سلوكية غير معهودة و غير متوقعة ، كما أنه لا يستقر على حالة واحدة و عليه لا يمكن اخضاعها لقوانين الحتمية ، مثلا اذا وقع الطلاق بين زوجين لأسباب معينة ، فان نفس الأسباب قد نجدها في عائلة أخرى دون ان يحدث الطلاق ، نفس الشيئ بالنسبة لظاهرة الانتحار و العنف و غيرها ، و هذا ما يضيق دائرة التنبؤ بشكل كبير
2- انها ظواهر متشعبة / تتدخل فيها عوامل كثيرة ، اقتصادية و اجتماعية و سياسية و عقائدية و تاريخية ، فقد يقول البعض أن سبب الهجرة الى الخارج اقتصادي محض ، لكن يمكن أن يكون سياسي أو اديولوجي
3- انها ظواهر خاصة /تنطوي على عوامل و محركات ذاتية ، كعوامل الطلاق و الانتحار و الهجرة ،و ما هو ذاتي لا يكون قابلا للدراسات التجريبية لانعدام الملاحظة الخارجية ، و لايكون قابلا أيضا للتحليل الرياضي الدقيق .
1– انها ظواهر داخلية يدركها صاحبها ، ولا تدرك من الخارج ، فنحن لا نرى الشعور و اللاشعور ، أو الحب و الكراهية و الانانية و غيرها ، لا مكان لها ، و لا حجم . فعندما يتحول الحزن الى فرح لا ندري المكان الذي اختفى فيه الحزن ، و لا المصدر الذي جاء منه الفرح
2– انها ظواهر كيفية ، تقبل الوصف لا تقبل التقدير الكمي ، فاذا كان العلم قادر على قياس درجة حرارة الجسم أو ارتفاع ضغط الدم بالوسائل التقنية ،فان هذه الوسائل غير قادرة على قياس درجة القلق أو الحب الإيمان و غيرها..، يقول الكسيس كاريل ( ان تقنياتنا عاجزة عن تناول ما لا بعد له و لا وزن و عن قياس درجة الغرور و الأنانية ، و الحب و الكراهية و سمو الروح نحو الله)
3- إنها ظواهر خاصة / تتعلق بمقومات الشخصية ، وما دامت هذه المقومات مختلفة من شخص لآخر يتعذرفيها التعميم ، كل واحد و انفعالاته ، و اهتماماته ، و قناعته ، و لذلك يستحيل تعميم النتائج ، و هذا يعني أن مبدأ الاستقراء المعروف في العلوم التجريبية غير قابل للتطبيق في الدراسات النفسية
4 إنها ظواهر شديدة التداخل و الاختلاط ،يشتبك فيها الإحساس و الإدراك ، و الذكاء مع الإرادة و الانتباه مع الإرادة ، و اللاشعور بما تحت الشعور ، فتنعدم الدقة النتائج المتوصل إليها
5– إنها ظواهر لا تتكرر بنفس الطريقة و نفس الشعور و نفس الأثر ، فلا يمكن للباحث أن يصطنع الحب و الكره أو التفاؤل و التشاؤم حتى يتحقق من صحة فرضياته ، فهي ظواهر تفلت من قبضة الإرادة و المنطق .
الموقف المؤيد/ يمكن إخضاع الظواهر الإنسانية لدراسة علمية ، وتجريب خاص ، كما يمكن تجاوز تلك العوائق بفضل المناهج التي كيفت حسب طبيعة الموضوع
*تجاوز العوائق في التاريخ
لقد استطاع ‘عبد الرحمان ابن خلدون’ أن يجعل من التاريخ علما له منهجه و قوانينه ، فالتاريخ في نظره ليس مجرد سرد للأخبار بل تحليل و تعليل لها يقول (وأما الأخبار عن الواقعات فلا بد في صدقها و صحتها من اعتبار المطابقة فلذلك وجب أن ينظر في إمكان وقوعه ، و صار فيها أهم من التعديل و مقدما عليه)
علمية التاريخ تستوجب العمل بالقوانين التالية :
1– قانون السببية: ما من حادثة تقع الا و لها أسباب طبيعية أدت الى وقوعها ، و المقصود بالأسباب الطبيعية ما تعلق بحالة المجتمع السياسية و الاقتصادية و الثقافية ، و هنا يربط ابن خلدون بين حركة التاريخ و يفرزه العمران البشري من أحوال يقول( التاريخ خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو العمران وما يعرض لطبيعته من الأحوال مثل التوحش و التأنس و العصبيات …)
2– قانون الإمكان و الاستحالة : ما كان من الأخبار معقول أدخلناه دائرة الإمكان و ما كان غير معقول أدخلناه دائرة الاستحالة ، وبهذا المبدأ يمكن لنا التمييز بين الأخبار الصحيحة و الأخبار الخاطئة بشكل برهاني
3– قانون التشابه : ان الأحداث التاريخية تتشابه في عللها و نتائجها ، فالحضارات تنمو على عصبية معينة و لما تصل الى قمة الهرم يلجأ أفرادها الى الترف فيبدأ التقهقر و الانحطاط لتبدأ حضارة أخرى في النمو بنفس العملية ، فالتاريخ يخضع لمبدأ الحتمية
4– قانون التطور: ان العمران البشري في تطور مستمر ، و أحوال الناس في تغير و تنوع ، وأن قانون التشابه ليس مطلقا و أن تغير الاعراض و المظاهر كتغير الشخصيات والوسائل لا يغير العلل و قوانينها ، فالوقائع لا تتكرر بذاتها بل بكيفيات مختلفة .
كما أن الدراسة العلمية للتاريخ تمر بالمراحل التالية
–المصادر غير الإرادية التي بقيت من غير قصد مثل الأبنية،النقود الأسلحة والأوسمة والتراث الفكري والأدبي
المصادر الإرادية وهي التيبقيت قصدًا لتكون شاهدة عليهم كالرواية وكتب التاريخ .
ب- مرحلة النقد و التحقق : و يتم بمستويين
*النقد الخارجي : وهو الفحص الخارجي للمصدر من أجل معرفة هل هذهالوثيقة تعود إلى ذلك الزمن أم لا ؟ وهل وصلت لنا دون تشويه أو تزوير ؟ وإذا كانتوثيقة يتفحص نوع الورق أو الحبر أو شكل الخط, وإذا كان سلاح أو نقود أو أوسمة يتفحصنوع المعدن طبيعة المواد الكيمائية من أجل التأكد من الآثار .
* النقد الباطني :وهو فحص الداخلي للمصدر ،من أجل معرفة هل ما ورد في هذه الوثيقة يتماشى مع عقليةالذي تنسب إليه ، وهل هو متفق مع ما روي في مراجع أخرى وكذلك معرفة نفسية الكاتبوموفقه اتجاه هذه الحادثة مما دفعه إلى التمحيص و المبالغة أو إلى التشويه فيالأحداث والقراءة الدقيقة حتى يتمكن من الوقوف على أخطاء الغير المقصودة والعفوية
خ- إعادة بناء الحادثة : و ذلك بالتأليف بين أجزائها و ترتيبها وفق تسلسلها الزمني و السببي ، فتكون كل مرحلة مقدمة لما بعدها و نتيجة لما قبلها من مراحل بهذه الطريقة يتم دراسة التاريخ بعيدا عن الأحكام الذاتية
* تجاوز العوائق في علم النفس Psychologie: من أهم المناهج العلمية التي أدخلت في دراسة الظواهر النفسية المنهج السلوكي الذي تجاوز منهج الاستبطان L Introspection (الملاحظة الذاتية الأحوال النفسية)
لقد رفضت المدرسة السلوكية مع واطسن Watson ( 1878-1958) منهج الاستبطان ، لأن الشعور في نظره فكرة فلسفية ميتافيزيقية ، و عوضه بمصطلح السلوك الذي يقبل الملاحظة الخارجية و تجسيد حي لما يقوم به الكائن من ردود أفعال منظمة ، فكل فعل هو في الحقيقة استجابة لمنبهات خارجية ، فالظواهر النفسية لها بعد خارجي و بالتالي فهي قابلة للدراسة التجريبية و و التحليل الموضوعي ، و أحسن مثال على ذلك قانون المنعكس الشرطي الذي استنتجه العالم الروسي بافلوف Pavlov بعد التجارب التي أجراها على الكلب ، حيث تحولت الاستجابة الطبيعية و هي سيلان اللعاب عند رؤية الطعام أو شم رائحته الى استجابة شرطية و هي سيلان العاب عند سماع الجرس . و نفس المنبهات تعطي نفس الاستجابات ، وهذا يعني أن التنبؤ ممكن ، وأن البيئة الخارجية التي يعيش فيها الفرد هي التي تحدد طبيعة السلوك المكتسب
المنهج التحليلي أو التحليل النفسي Psychanalyse طريقة علمية في تحليل الظواهر النفسية و الاضطرابات العقلية أبدعها العالم النمساوي سيجموند فرويد S.Freud كبديل للتنويم النغناطيسي L Hypnose . و يقوم التحليل النفسي على الحوار و التداعي الحر للأفكار من خلال الأسئلة التي يلقيها الطبيب على المريض أو السوي و تتعلق أساسا بماضيه و أحلامه و رغباته و ميوله ، الغرض من ذلك هو اخراج الرغبات المكبوتة في اللاشعور الى ساحة الشعور ، حتى تزول العقد و تختفي الأعراض المرضية يقول فرويد ( إن اللاشعور فرضية لازمة و مشروعة لتفسير الكثير من الأفعال الي لا تتمتع بشهادة الشعور ، سواء عند الأسوياء أو المرضى على حد سواء)
* تجاوز العوائق في علم الاجتماع Sociologie يتخذ من الظواهر الاجتماعية موضوع بحث مثل ظاهرة البطالة و العنف و الانتحار …الخ و لقد حدد "إيميل دوركايم "خمسة خصائص للظاهرة الاجتماعية ،نأخذها كمسلمات من أجل تفسير الظاهرة الاجتماعية تفسيرا موضوعيا و علميا و هي
أ- أنها توجد خارج شعور الأفراد أي خاضعة للعاداتوالتقاليد والمعتقدات التي هي موجودة قبل أن يولد الإنسان وتوجه سلوكاتهب– كما تعتبر قوانين المجتمع القوة الآمرة القاهرة ما يجعل الظاهرة الاجتماعية تمتازبالإلزام والإكراه لذلك تصبح تفرض نفسها على الفردج- كما أنها صفة جماعيةتتمثل في ما يسميه "دوركايم" الضمير الجمعي ،أي أنها لا تنسب إلى فرد ولا إلى بضعةأفراد أنما هي من صنع المجتمع وهي عامة يشترك فيها جميع أفراد المجتمع وتظهر في شكلواحد وتتكرر إلى قترة طويلة من الزمن رغم أن الفضل في نشوئها يعود على الأفراد
د- كما أنها في ترابط يؤثر بعضها في بعض ويفسر بعضها البعض الآخر مثل الآسرة هيمرآة المجتمع و بينهما تأثير متبادله- كما تمتاز بأنها حادثة تاريخية أي أنهاتعبر عن لحظة من لحظات تاريخ الاجتماع البشرى . أن هذا التحديد للظاهرة الاجتماعيةصحح بعض التعارف الفاسدة مما أدى للدراسات الاجتماعية بالتقدم إلى مجال العلموالموضوعية بعدما كانت عبارة عن تصورات ،وهذا ما أوصل "وركايم" إلى اعتبار نطاقالظواهر الاجتماعية أوسع مما يعتقد حيث يقول مامن حادثة إنسانية إلا ويمكن أننطلق عليها اسم ظاهرة اجتماعية )كما أعتبر "دوركايم" أن الظاهرة الاجتماعية مثلهامثل بقية الظواهر القابلة للدراسة وفق النهج التجريبي من أجل صياغة القانون وفي هذاقال(يجب أن نعالجالظواهر على أنها أشياء ) أي بنفس المنهج الذي يدرس به عالم الفيزياء الحادثةالطبيعية . خاصة قواعد الاستقراء التي مكنت علماء الاجتماع من اعتماد المقارنة بين الحالات و استنتاج القوانين
و من جملة القوانين التي توصل اليها الاجتماعيون قانون وارد Ward الذي يقول ( إن الافراد يبحثون عن أكبر كسب بأقل مجهود) و قانون دوركايم حول الانتحار ( الميل الشخصي الى الانتحار يزداد مع قلة الروابط التي تربط الفرد بالمجتمع )
تقييم / رغم التطور الكبير الذي عرفته العلوم الانسانية بفضل هذه المناهج لا يمكن الجزم بأنها وصلت الى الدقة و التحليل الموضوعي المعروف في العلوم الطبيعية ، فلا تزال مشكلة الموضوعية مطروحة في التاريخ ، كما أن المنهج السلوكي في علم النفس غير كاف لأن المظاهر الخارجية لا تعكس حقيقة الأحوال النفسية الداخلية ، كذلك مبدأ التعميم لا يصدق كثيرا في علم الاجتماع فإذا كان سبب الطلاق عند الزوجين هو عدم الإنجاب مثلا ، فان نفس السبب قد يتواجد عند زوجين دون أن يتم الطلاق
هل يمكن معالجة هذه المقالة نفسها بالنسبة لهذا السؤال
هل يمكن دراسة الظواهر الطبيعية كما تدرس الظواهر الطبيعية؟
بارك الله فيكم
معذرة لقد أخطأت في طرح السؤال
هل يمكن دراسة الظواهر الإنسانية كما تدرس الظواهر الطبيعية؟
هل من مساعدة في حل هذه المقالة؟
أين الإجابة اخواني؟!
بارك الله فيك
نعم يمكن معالجة السؤال بنفس الطريقة الجدلية
1- يمكن دراسة الظواهر الانسانية كما ندرس الظواهر الطبيعية ( مناهج العلوم الانسانية )
2- لا يمكن دراسة الظواهر الانسانية كما ندرس الظواهر الطبيعية ( تحليل العائق)
3- التركيب و الخروج بالحل
-ا- الاتجاه العقلي/يرى أن الاستقراء مشروع ، و له أساس منطقي يبرره ، و العلم يقوم على القوانين العامة المستخلصة من الأحكام الجزئية ، و ما يبرر مشروعية الاستقراء هي مبادئ العقل كمبدأ السببية Causalite القائل أن كل ظاهرة لها سبب أدى الى وقوعها ، و مبدأ الحتمية Déterminisme القائل أن نفس الأسباب تؤدي حتما الى نفس النتائج مهما تغير الزمان و المكان ، قال لايبنتز Leibnitz " ان كل ظاهرة لها سبب كافي يحدثها" ، و يقول كانط Kant " ان الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام "عندما نلاحظ مثلا أن الحديد يتمدد بالحرارة ، ثم نلاحظ أن الذهب و الفضة و النحاس تتمدد أيضا بالحرارة تتكون في أذهاننا قاعدة عامة مفادها أن كل المعادن تتمدد بالحرارة ، و يكون مبدأ التعميم هذا مؤسس و صحيح لاشتراك أفراد النوع في نفس الخصائص . هكذا نختزل عدد هائل من الظواهر في عينات ، و تكون لنا نظرة واضحة لما يجري في الطبيعة من ظواهر ، و نكون قادرين على التنبؤ بوقوع الظواهر قبل حدوثها .
النقد / ان مبدأ الحتمية مسلمة عقلية و ليس حقيقة حسية ، و ما يصدق على الجزء قد لا يصدق على الكل من الناحية المنطقية ، ما يجعنا نعتقد أن نتائج الاستقراء احتمالية و ليست يقينيــــــــــــــة
-ب- الاتجاه التجريبي / يرى الفيلسوف التجريبي الانجليزي دافيد هيوم D.Hume أن الاستقراء غير مشروع ، و لا أساس منطقي له ، و منه لا يمكن أن نستخلص القوانين العامة من الاحكام الجزئية ، لأن الملاحظات و التجارب تتم على العينات فقط و لا تتم على على جميع الظواهر. إن صدق القضايا الاستقرائية في الماضي لا تعني صدقها في المستقبل فالمرأة التي أنجبت أربع أولاد على التوالي لا نستطيع أن نجزم بأن الخامس سيكون ولدا و ليس بنتا ، و كما أنكر هيـــوم مبدأ التعميم أنكر أيضا مبدأ السببية ، و رده الى العادة ، أي أن تعودنا على مشاهدة تتابع الظواهر كتتابع البرق و الرعد… هو الذي جعلنا نعتقد أن الظاهرة الأولى هي سبب الظاهرة الثانية ، لكن في الحقيقة ليس في هذا التتابع ما يدل أن هناك علاقة سببية بينهما . هكذا شك هيوم في نتائج الاستقراء فهو من مدرسة الشكاك ، أو النزعة اللاأدريـــــة التي امتدت من مبدأ سقـــــراط القائل " أعرف شيء واحد هو أني لا اعرف شيء "
النقد/ ان موقف دافيد هيوم برافضه لمبدأ السببية العام و القوانين العلمية يكون قد دمر العلم من أساسه ، فلا يمكن أن يقوم علم الفيزياء دون هذا المبدأ ، و دون هذه القوانين التي تفسر العلاقة الثابتة بين الظواهر .
thank you so much ….rabi yjazik
هل معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي أم وجود الغير ؟
*الموقف الاول/ معرفة الذات تتوقف على وجود الوعي ، لذلك قال سقراط Socrate "إعرف نفسك بنفسـك" و الدليل على ذلك
أن الوعي (الشعورConscience )باعتباره حدس نفسي يمكن المرء من إدراك ذاته و أفعاله و أحواله النفسية إدراكا مباشرا دون واسطة خارجية ،كأن نشعر بالوحدة أو بالخوف أو الفرح و غيرها ، و بواسطته يدرك المرء أن له ذات مستقلة و متميزة عن الآخرين يقول مان دي بيـــران " إن الشعور يستند الى التمييز بين الذات الشاعرة و الموضوع الذي نشعر به"
الأنا Le Moi هو شعور الذات بذاتها ، و الكائن الشاعر بذاته هو من يعرف أنه موجود ، و أنه يدرك ذاته بواسطة التفكير لقد شك ديكارت Descarte في وجود الغير ، و في وجود العالم على أساس أن الحواس مصدر غير موثوق في المعرفة ، و أن معرفتنا السابقة بالأشياء غير دقيقة و غير يقينية ، لكنه لم يتمكن من الشك في أنه يشك ، و ما دام الشك موجود فلا بد من وجود الذات التي تشك و ما دام الشك ضرب من ضروب التفكير " أنا أفكر فأنا اذن موجود Je Pense donc je Suis" هكذا برهن ديكارت على وجود ذاته من خلال التفكير الممنهج دون الاعتماد على أحكام الغير ، ديكارتبواسطة الكوجيتو Cogito يدشن مرحلة وحدانية الذات Le solipsisme أنا وحدي موجود حيث كل ذات تعتبر ذاتها حقيقة مكتفية بذاتها ، وتملك يقين وجودها بشكل فردي عبر آلية التفكير ، فالإنسان يعي ذاته بذاته دون الحاجة إلى وساطات الغير حتى ولو كان هذا الغير مشابها لي .
نفس الفكرة تبناها السوفسطائيون Sophistes قديما عندما قالوا " الإنسان مقياس كل شيء" فما يراه خير فهو خير و ما يراه شر فهو شر. أي أن المعرفة تابعة للذات العارفة و ليست مرتبطة بأمور خارجية
النقد / إن الأحكام الذاتية غالبا ما تكون مبالغ فيها ، و وعي الذات لذاتها ليس بمنهج علمي ، لأنه لا يوصلنا الى نتائج موضوعية ، فالمعرفة تتطلب وجود الذات العارفة و موضوع المعرفة ، في حين أن الذات واحدة لا يمكن أن تشاهد ذاتها بذاتها ، فالفرد لا يمكن أن يتأمل ذاته و هو في حالة غضب أو فزع ، يقول أوغست كومت A.Comte " الذات التي تستبطن ذاتها كالعين التي تريد أن ترى نفسها بنفسها " و يرى س.فرويد S.Freud أن معطيات الشعور ناقصة جدا ، و أن الكثير من الأفعال تصدر عنا و لا نعي أسبابها ، مثل الأحلام و النسيان و فلتات اللسان …فالحياة النفسية تبقى غير مفهومة دون أن الى الدوافع اللاشعوريـــة
*الموقف الثاني / معرفة الذات تتوقف على وجود الغير ، و المقصود بالغير L autre الطرف المقابل الموجود خــارج عنا ، و ما يؤكد ذلك :
إن المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد ، و التفاعل الذي يحصل بينه و بين الآخرين هو الذي يمكنه من إدراك نفسه و باختلافه عن الآخرين ، هذا الغير الذي يواجهنا ، يصدر أحكاما حول ذواتنا مما يدفعنا الى التفكير في أنفسنا . يقول سارتر Sartre " وجود الآخر شرط وجودي" فبالقياس الى الغير ندرك نقائصنا و عيوبنا أو محاسننا ، و أحسن مثال على ذالك أن التلميذ يعرف مستواه من خلال تقييم الأستاذ له ، كذلك وجودي مع الغير يحد من حريتي و يقلقني ويقدم سارتر هنا مثال النظرة المتبادلة بين الأنا والغير؛ فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. هكذا يصبح الغير جحيما، وهو ما تعبر عنه قولة سارتر الشهيرة:"الجحيم هم الآخرون". هكذا يتحدد وجود الغير مع الأنا من خلال عمليات الصراع. لكن مع ذالك يعتبر سارتر أن وجود الغير شرط ضروري لوجود الأنا و وعيه بذاته بوصفه ذات حرة ومتعالية.
و للمجتمع الدور الفعال في تنظيم نشاط الفرد و تربيته و تنشئته منذ الوهلة الأولى يقول واطسن Watson " الطفل مجرد عجينة يصنع منها المجتمع ما يشاء " من خلال الوسائل التي يوفرها ، فكلما كان الوسط الاجتماعي أرقى و أوسع كانت الذات أنمى، و أكثر اكتمالا ، و عليه يمكن التمييز بين الأفراد من خلال البيئة التي يعيشون فيها .فالفرد كما يرى دوركايم Durckeime ابن بيئته ، و مرآة تعكس صورة مجتمعه .فمن غير الممكن إذن أن يتعرف على نفسه الا من خلال اندماجه في المجتمع و احتكاكه بالغير ، فنحن نتعرف على الأناني مثلا من خلال تعامله مع الغير ، كذلك الأمر بالنسبة للفضولي ، و العنيد …الخ و لو عاش المرء منعزلا في جزيرة بعيدة لما علم عن نفسه شيئ
النقد/ صحيح أن الفرد يعيش مع الغير ، لكن هذا الغير لا يدرك منا الا المظاهر الخارجية التي لا تعكس حقيقة ما يجري بداخلنا من نزوات خفية و ميول و رغبات ، و هذه المظاهر بامكاننا اصطناعها و التظاهر بها ، كالممثل السينمائي الذي يصطنع الانفعالات . كما أن أحكام الغير تتم باللغة و اللغة كما يرى برغسون Bergson عاجزة عن وصف المعطيات المباشرة للحدس وصفا حيا .
حل المشكلة / أن ادراك المرء لذاته لا يحصل دون وجود الوعي و الغير في نفس الوقت ، لأن الإنسان في تعامله مع الآخرين من أفراد مجتمعه يتصرف بوعي ، و يوفق بين ما يقوله الآخرون عنه و ما يعتقده في نفسه ، لأن الشخصية التي تمثل الأنا تتكامل فيها الجوانب الذاتية و الموضوعيــــــــــــــــــــــة
الأستاذ ج-فيصل يهدي هذه المقالة الى طلبة الفلسفة ، و يتمنى لهم كل النجاح
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
يعطيكم الصحة الله يعطيكم ما تتمناو ادعولي
شك……………….راااااا
مشكور يا أخي الفاضل الكريم على الجهد الكبير
سلام عليكم شكرا على المقالة الرائعة وادعولي معكم ان انحج في شهادة البكالوريا بتقدير جيد وماهي المقالات المقترحة في بكالوريا 2022 من فضلكم اسرعو بالجواب عني وشكرا لكل اعضاء المنتدى
ادعو لي معاكم من فضلكم ان انجح في شهادة بكالوريا وماهي المقالات المقترحة للفلسفة للشعب علمية سنة 2022
شكرااااااااااااااااااااااا جزيلااااااااااااااااا
للعلوم التجريبية
1- قيل لكل سؤال جواب . فند القول
الأستاذ ج-فيصل
بارك الله فيك
جازاك الله خيرا على ما تبذله
merci a vousssssssssssssss
جازاك الله خيرا
بارك الله فيك
قارن بين المشكلة الفلسفية و الإشكالية الفلسفية ؟
طرح المشكلة
منذ أن وجد الإنسان وهو يتساءل عن حقيقته وحقيقة العالم الذي يحيط به ، فبعض الأسئلة التي يطرحها أخذت اسم المشكلة الفلسفية و أخرى بالإشكالية الفلسفية ،فما الفرق بينهما يا ترى وما العلاقة التي تربطهما ؟
ذكر أوجه الاختلاف
المشكلة الفلسفية أضيق مجالا و الإشكالية الفلسفية أوسع واكبر حجما، لان الإشكالية الفلسفية تشمل على الأقل مشكلتين، بنما تشملالمشكلة الفلسفية أطروحة واحدة او أطروحتين على الأكثر.
المشكلةالفلسفية هي القضية التي لا نتوصل فيها الى حل يقيني. بينما الإشكالية الفلسفية مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل، -من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا
المشكلة الفلسفية تثير الدهشة …،أما الإشكالية الفلسفية تثير الإحراج، بحيث يصبح الإنسان في ضيق من أمره ينتابه الشك فيما كان يبدوله يقينيا. ويبقى معلقا بين مواقف تبدو كلها صحيحة
المشكلة تعني صعوبة الحل ، أما الإشكالية تعني الاحتمال و تعذر الاختيار نظرا للجدل القائم
أوجه التشابه بينهما:
كل منالمشكلة الفلسفية والإشكالية الفلسفية وسيلتان تحفزان الذهن من اجل معرفة الحقيقة، و تتطلب قدرا كبير من التأمل والتفكير.و التساؤل فيهما لا ينتهي بمجرد وضع جواب
أوجه التداخلبينهما
السؤال المشكلة يتطور ليتحول مع تعارض الآراء وتباين المواقف إلى إشكالية فلسفيةطبيعة العلاقة بينهما هي علاقة المجموعبعناصره او علاقة الكل بأجزائه أي علاقة تداخل وتضمن.، ولذلك لا نستطيع إن نفهمالجزء إلا اذا فهمنا الكل ولا نفهم الكل الا من خلال فهم الجزء.ولهذا السبب تزداد الإشكالية الفلسفية تعقيدا عندما تذوب المشكلة الفلسفيةفي الإشكالية الأم.
حل المشكلة
من خلال ما سبق نستنتج أن الاختلاق الذي يفرق المشكلة الفلسفية عنالإشكالية الفلسفية لا ينفي وجود علاقة بينهما تتسم بالتداخل والتكامل.
العنف والتسامح 3 ع ت
ما هو العنف؟ ماهي اسبابه؟ ماهي تبريراته ((تعليلاته))؟ ما هي سلبياته؟ وهل هو قدر الانسان المحتوم الذي لا يمكن رده او معالجته؟
ما هو التسامح؟ ماهي قيوده او شروطه(( خصائصه))؟ وما الحكمة من فك قيوده(( نقد مذهب تقييد التسامح بشروط))؟
ما هو العنف((تعريفه))؟
هو كل عمل يضغط به شخصا ما على ارادة الغير لسبب او لآخر.وهذا العمل يستوجب استعمال القوة.
وفي تعريف آخر العنف يكمن في استخدام القوة من اجل الضغط على الغير، مع نفي استقلاله وحريته ووحدته الجسدية الفيزيائية مع تعريض حياة الغير للهلاك دون اكتراث به.
ومن الآثار التي يتركها العنف هو التسلط على الغير والنيل من حرمة حياته المادية والمعنوية.
والعنف اذن يصبح نوعان: عنف مادي كالتعدي على جسد الغير بالضرب والجرح والقتل، ومعنوي كالأساءة الى شخص الغير بسب شخصيته وافكاره ومعتقداته وطريقة حياته.
ماهي أسباب العنف؟
هو ظاهرة معقدة تحكمها عوامل واسباب مختلفة ومتداخلة، وهو يشكل موضوع اهتمام لدى علم النفس وعلم الاجتماع وعلم البيولوجيا وعلم الجريمة. وتصنف اسبابه الى ما يلي:
الاسباب الاجتماعية والاقتصادية
فقر الاسرة وتعدد افرادها، اليتم وانعدام تربية الوالدين، التوجيه التربوي العائلي او الاجتماعي غير المسؤول او العشوائي. اصدقاء الوسط الاجتماعي للفرد…..الخ.
الاسباب السياسية والثقافية
التسلط في الحكم باسم القانون وباسم حفظ الامن يولد العنف.
تقييد الحريات الفكرية والسياسية والعقائدية يولد العنف.
انتشار المظالم بين الناس وغياب العدل يولد العنف.
الاحتلال العسكري لشعب ما ومصادرة حقوقه وممتلكاته وهويته يولد العنف.
الترويج للعنف او الحث عليه بطريقة غير مباشرة واظهار ممارسيه على انهم ابطال وشرفاء من خلال الافلام والمسلسلات والقصص والروايات عمل ثقافي قد يولد العنف لدى الجمهور الذي يشاهد هذه الافلام والمسلسلات او يقرأ هذه القصص والروايات.
الاسباب الاخلاقية
الفراغ الروحي المتمثل في خلو قلب الانسان من الايمان يولد لديه عجزا عن مواجهة الحياة وواقعها فيولد ذلك العجز لدى ذلك الفرد عواطف اليأس ((فقدان الامل في الحياة)) والقنوط والاحباط والحقد وحب الانتقام والتطرف وهي اسباب قد تولد ظاهرة العنف.
انهيار القيم والفضائل الاخلاقية والازدراء بقيم اساسية في الانسان مثل قيم الشرف والكرامة والصدق والاستقامة والتسامح واستبدالها بقيم ورذائل يبغضها الجميع وتقديمها على انها القيم الحقيقية الواجب العمل بها امر قد يولد العنف.
الاسباب النفسية
وهي كثيرة منها الحسد والغيرة المرضية وفقدان الامل والاحباط والحرمان والكبت وغيرها كثير اسباب قد تؤدي بالشخص الى تعاطي العنف.
وفي هذا السياق يركز الالماني فرويد على عملية الكبت، فيرى ان الضغط الاجتماعي يتحول نفسيا الى كبت لاشعوري لدى الفرد ليعود -متى اتيحت له الفرصة- في شكل سلوك عدواني ((عنف))ضد كل ما يمكن اعتباره المسؤول عن معاناته وقتلهم ، وقد يصل به الامر الى قتل نفسه ايضا ((بالانتحار)) تعبيرا عن رفضه للواقع الذي يضغط عليه، او هروبا واستسلاما منه اليه.
ماهي تبريرات العنف او ماهي تعليلاته؟
• العنف لدى الفيلسوف اليوناني القديم هيروقليدس هو اصل العالم ومحركه، فالعنف برايه خصوبة يولد الحياة ويولد الموت على حد سواء كي تستمر الحياة.
• العنف مصدر السلطة أي العنف اساسه القوة ولا يمكن لاي سلطة ان تفرض نفسها على غيرها دون قوة العنف سواء تعلق الامر بالمجتمع الحيواني او بالمجتمع الانساني. وهو مبدأ قال به الايطالي ماكيافيلي في القرن 16 كوسيلة لاستقرار الحكم .
• هو قصد عدواني الهدف منه الدفاع عن النفس واثبات الذات ونفي الآخر الذي اكرهه او احقد عليه.
• العنف ميل عدواني طبيعي في الانسان حسب الالماني سيغموند فرويد مثله مثل باقي الحيوانات لان الحياة برايه صراع مستمر بين غريزة الحياة والبناء ((ايروس)) وغريزة الموت والفناء ((ثناطوس)) فهو ميل طبيعي تلقائي لدى كل عضوية فهو يحيا ليموت. ولذلك فأن اصل العنف براي فرويد هو ذلك الصراع الذي ينشأ بين غريزة حب الحياة والبناء مع غريزة حب الموت والهدم والفناء. وما دام العنف طبيعيا في الانسان فهو ظاهرة يستمر وجودها ولا يمكنها ان تتوقف عن الظهور.
• العنف اصل البناء رغم انه يسبب الفناء والهدم: معناه ان العنف يولد مجتمعا جديدا وذلك عن طريق تصحيح الواقع المتردي لبناء مجتمع تتأصل فيه قيم العدل والمساواة، وهو مبرر قال به احد مؤسسي النظرية الاشتراكية ((انجلز)) أي هناك عنف سلبي غير عادل تمارسه الدولة الراسمالية، وفي مقابلها هناك عنف ايجابي عادل وبناء يهدف الى تصحيح الواقع الرديء واعادة بنائه بصورة تتناسب اكثر مع قيم الخير والحق والعدل والمساوة في الحياة من خلال النظام السياسي الاشتراكي.
• العنف وسيلة اخلاقية في أساسها مادام يقف في وجه الاضطهاد والظلم ومن حيث انه وسيلة تسعى الى استرجاع الحقوق المغتصبة الى اصحابها وتحقيق العدل بدل الظلم والاضطهاد. وفي هذا السياق يرى الفرنسي جون جاك روسو ان العنف وسيلة ضرورية فهو شر من اجل غاية سامية فيقول((ليس لنا فقط الحق بل من الواجب ان نثور اذا اقتضت الضرورة ذلك، فهناك نوع من الاخلاقية يدعونا الى حمل السلاح في اوقات ما.)) وفي نفس السياق يقول ماوتسي تونغ(( نقوم بالحرب من اجل السلم لا الحرب من اجل الحرب، والعنف لا تبرره الغاية السامية فقط، وانما يبرره ايضا الدفاع عن النفس.))
• بعض من المسلمين يبررون اللجوء الى العنف كوسيلة ضرورية لأعلاء كلمة الله وذلك عن طريق الجهاد في سيبل الله، او استخدام العنف لبناء دولة اسلامية. ولكن المسلمين اليوم لا يتفقون في استخدام العنف للوصول الى الحكم او للثورة ضد الحكم او لبناء دولة اسلامية.
سلبيات العنف
العنف لا يولد الا العنف عاجلا ام آجلا، أي الذي يستخدم العنف سيجد امامه مقاومة ربما تكون اعنف منه، وربما سيكون الرد والمقاومة فورية عاجلة او متأنية وآجلة غير فورية.
بدعوى الدفاع عن النفس يصبح العنف مبررا لارتكاب الجريمة ومبررا للافلات من العقاب.
العنف يعبر عن تجرد الانسان من انسانيته ومماثلته للبهيمية الحيوانية في ابشع صورها.
هل العنف هو قدر الانسان المحتوم الذي لا يمكن رده او معالجته؟
العنف سلوك استثنائي في حياة الانسان، وبالتالي ليس قدرا عليه، وانما هو ظاهرة تولدت نتيجة مجموعة من العوامل والظروف-كما راينا في اسبابه سابقا- وعلى هذا الاساس يمكننا محاربته متى عرفنا هذه العوامل والظروف التي تغذيه، ومعرفة العلة كفيل بالقضاء على المعلول او كفيلة بالبحث عن علاجه بالحكمة الانسانية التي تقابل العنف باعتباره مذموما بفضيلة اسمها التسامح، فما هو التسامح؟
ما هو التسامح (( تعريفه))؟
التسامح هو الموقف الذي يبيح لشخص ما قبول اساليب الآخرين في التفكير والحياة رغم اختلافها عن اساليب ذلك الشخص الخاصة به.
او هو الموقف الذي يبدي فيه شخصا ما تساهلا او تحملا لمفعول مؤثر خارجي في حالة انزعاجه منه مثل تحملنا لسلوكات بعضنا البعض فهو تسامح.
التسامح اذن هو ليس تراجعا ولا تخاذلا ولا خوفا وانما هو اسلوب آخر في محاربة الشر والعنف دون تغذيته، انه يمثل استرتيجية اخرى للتحكم في المعركة. فاذا كان العنف قانون البهيمة، فان التسامح هو قانون الجنس البشري. فهو شكل من اشكال النضال الاكثرنفعا ونجاعة من قانون القصاص بالمثل الذي يقابل الشر بالشر، فيضاعف الشر مرتين بدل وقفه بفضيلة التسامح.
قيود التسامح او شروطه او(( طبيعته اوخصائصه))
• لايمكن للتسامح كفضيلة اخلاقية ان يكون دون حدود او قيود والا فقد قيمته، ومن الحجج التي تبرر ضرورة تقييده ما يلي:
• فضيلة التسامح فضيلة اخلاقية سامية، لكنها في المقابل اذا كانت لاتملك نظاما ولا حدا تقف عنده قد تنقلب الى نقيضها وهو اللاتسامح ، تمام مثل الحرية كقيمة اخلاقية فانها قد تتحول الى فوضى في غياب حدود وقيود لها. هذه الخاصية تنطبق عليها الحكمة المعروفة القائلة ((كل شيء يزيد عن حده ينقلب الى ضده)) لذلك لزم على التسامح ان يرسم لنفسه قيودا وحدودا لا يتعداها والا فقد قيمته كفضيلة وكقيمة اخلاقية بين الناس. ولذلك ليس من المعقول وباسم التسامح والديمقراطية ان نصغي او نتحاور مع اعداء الديمقراطية، كما انه ليس من المعقول ان نتسامح مع جماعة اللاتسامح((العنف)) باسم التسامح.كما انه ليس من المعقول ان نسمح في حقوقنا لغيرنا الذي اخذها ظلما وزورا باسم التسامح.
• التسامح تاريخيا ثبت انه عالج وحارب مشكلة الحقد في المجال الديني في اوروبا في القرنينالسادس عشر والسابع عشر، وتوصل الفكر الاوروبي في القرن الثامن عشر الى الاتفاق على الحدود التي يجب ان يتوقف التسامح عندها، فتم الاتفاق بعد حروب دينية دامية عن طريق التسامح المشروط على تقرير حرية الاديان في 04 اوت1789م.
• القيم الاخلاقية قيم نسبية لاتثبت على حال، فكذلك التسامح اذا كان مقبولا وبشدة في مجتمع وثقافة ما، فانه مرفوض وممنوع وبشدة في مجتمع وثقافة اخرى،فالتسامح اذن نسبي نسبة الى الضوابط الاجتماعية والتاريخية والعقائدية التي تتحكم فيه، فترسم له حدودا وقيودا لا ينبغي تجاوزها كيفما كانت الاحوال والظروف.
• لايمكن تفعيل قيمة التسامح بين طرفين دون تراض اوتنازل بينهما، أي لايمكن الحديث عن التنازل او التسامح من طرف واحد، والطرف الآخر باق على موقفه دون تنازل او تسامح، فلا تسامح اذن الا اذا كان مطلب ومطمح كلا الطرفين.
• من خلال ما سبق نستنتج ان التسامح لايكون ذا قيمة الا اذا وضع لنفسه حدودا وقيودا يقف عندها، فالتسامح اذن مشروط بنبذ العنف على اختلاف اشكاله، ومتوقف على تراضي المتسامحين، ولكن هل هذه الشروط في صالح التسامح؟ الا يمكن اعتبارها عقبات في وجهه؟ أليس من الحكمة فك هذه الشروط واعتبارها شروطا باطلة؟
ما الحكمة من فك قيوده؟ (( نقد مذهب تقييد التسامح بشروط))
• ان تقييد التسامح في صلاحياته الشاسعة ومهامه الحرة والشاملة باسم النسبية، معناه خنقه وجعله تحت رحمة الاهواء الشخصية الضيقة والتقديرات الاجتماعية والعقائدية الواسعة ، الامر الذي يصبح معه استخدام التسامح ضربا من الاستحالة. فيسود منطق العنف والتنافر ويغيب منطق التسامح والتجاذب، وتنقلب الحياة بين الناس الى جحيم.
• الاشتراط في التسامح يقضي على التسامح نفسه فلا يشجعه ان يبقى مصدر رحمة وتعايش وقبول للغير بسلبياته وايجابياته.
• التسامح مطلب عالمي متسامي ولذلك خصص- وبمبادرة من منظمة اليونيسكوسنة 1995م -يوم 16نوفمبر من كل سنة للاحتفال باليوم العالمي للتسامح.
• والتسامح في الاسلام يتجلى بوضوح في دعوته للمسلمين استخدام العقل والمنطق ومحاولة اقناع المتحاور بالتي هي احسن والابتعاد عن العنف واشكاله في مجادلة طاغية عنيف او مجادلة اهل الكتاب وذلك من خلال قوله تعالى في سورة النحل من الآية 125(( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن.)).
• كما جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو الى التسامح والصفح الجميل مثل قوله تعالى: ((فاصفح الصفح الجميل)) سورة الحجر الآية 85. (( واصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون)) سورة الزخرف الآية 89. ((وليعفوا وليصفحوا، الا تحبون ان يغفر الله لكم، والله غفور رحيم)) سورة النور الآية 22.
الخلاصة
ان الانسان رغم كونه كائن القيم الانسانية السامية، الا انه في غياب الحكمة وطغيان المصالح والحسابات الضيقة وخضوعه لغرائزه العمياء وميوله النفسية المعقدة والمتداخلة، يتحول الى بهيمة تنزل بالانسان الى مجتمع الغابة والاقتتال من اجل فرض السيطرة واثبات الذات والغاء الآخروقتله، لكن الحكمة التي اودعها الله في عباده هي اسلوب من التفكير السليم تجعل علاقة الانسان باخيه الانسان علاقة محبة وايخاء وتعاون من مظاهرها نبذ العنف وافشاء السلام وتغليب منطق الحوار والتسامح والصفح الجميل وعدم تهميش الآخر واقصائه بدعوى الاختلاف والمغايرة او التناقض، باعتبارها دعاوي تغذي العنف من جهة وتغيب التسامح ((اللاعنف)) من جهة اخرى، فتستحيل حياة البشر الى جحيم لايطاق.
شكراااااااااااااااااااااااا
السلام
كيف تؤسس لمذكرة في درس الفلسفة
الملف مرفق