التصنيفات
الفلسفة للشعب العلمية

مقالة تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية

مقالة تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية


الونشريس

جدلية: هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية
المقدمة:
إذا كانت الرياضيات تدرس المفاهيم المجردة،فإن العلوم الطبيعية تدرس الاشياء الحسية الواقعية أي الظواهر الطبيعية عن طريق المنهج التجريبي،وهو المنهج الذي استخدمته في البداية العلوم التجريبية في المادة الجامدة والذي كان وراء نجاحها و تقدمها وزهذا مايجعل العلوم المبتدئة في الطموح الى هذا الهدف كعلوم المادة الحية "البيولوجيا" تحاول تقليدها في تطبيق المنهج العلمي
الأمر الذي كان موقع خلاف بين الفلاسفة و العلماء فكان البعض منهم يؤمن بإمكانية تطبيق المنهج التجربيي على المادة الحية بنفس الكيفية المطبقة في المادة الجامدة ، و يذهب آخرون إلى عدم إمكانية تطبيقه على المادة الحية لأن لها خصوصياتها التي تمنع ذلك والإشكال الذي يطرح نفسه:هل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟
محاولة حل المشكلة:
أ- الاطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجرببي على الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس ذاته و هو المادة الحية ، و بعضها الاخر الى يتعلق بتطبيق خطوات المنج التجريبي عليها
ب- الحجة : و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على توازن الجسم الحي يكون عن طريق التغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة اللاحقة هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها جملة من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية – ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم بوظيفته الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية – باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا، و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة.
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو "غازي ،سائل ،وصلب" وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ، بحيث ان الكائن الحي لا يكون هو هو مع الانواع الاخرى من الكائنات ، ويعود ذلك الى الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي فما يبطبق على الفئر في المختبر لا ينطبق على كائن حي آخر فلكل مميزاته و خصائصه التي تميزه عن غيره من الحيوانات يقول لايبينتز لايوجد فردان متشابهان ).
بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق يصادفنا على مستوى المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الاجزاء العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين وهو كوفييني : " إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك الا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام الاحياء الى نظام الاموات"
و دائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و يخلق اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن "كالعصفور مثلا في الطبيعة ليس هو نفسه في القفص"فالإضطرابات النفسية التي تصيبه تأثر كثيرا على النتائج المتوصل إليها في التجربة
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء "كأن نجرب مثلا على معدن من المعادن كالحديد مثلا فنجده يتمدد بالحرارة،فنعيد التجربة مرات و مرات ثم نصل إلى نتيجة عامة مفادها أن الحديد يتمدد بالحرارة و نعمم هدا الحكم على جميع المعادن"، ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس النتيجة ، مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الاولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ، مما يعني أن نفس الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب و تكراره يستند الى هذا المبدأ.
ويضاف الى كل هذه الصعاب مجموعة الموانع الدينية والخلقية والقانونية التي تحرم وتمنع التجريب على الأحياء، فهناك العديد من الهيئات الدينية و الإنسانية ترفض إستخدام المنهج التجريبي على المادة الحية ،خصوصا مع ظهور فكرة الإستنساخ،فالإنسان كائن مقدس لايمكن تشبيهه بالمادة الجامدة.
جـ- النقد : لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها.
أ- نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن اخضاع المادة الحية الى المنهج التجريبي ، فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ، وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية- الكميائية أي يمكن دراستها بنفس الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة، يقول غوبلو ( لاشيء مستحيل في العلم) . ويعود الفضل في ادخال المنهج التجريبي في البيولوجيا الى العالم الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) في كتابه "المدخل الى علم الطب التجريبي" متجاوزا بذلك العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي حيث يقول:" إن إنكار تحليل الكائنات الحية عن طريق التجربة هو إنكار للمنهج التجريبي و إيقاف للعلم"
ب- الادلة : و ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الكالسيوم و الفسفور … فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة هذا على مستوى طبيعة الموضوع.
أما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن القيام بالملاحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة الى فصل الاعضاء عن بعضها ، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم بوظيفتها ، و ذلك بفضل ابتكار وسائل الملاحظة كالمجهر الالكتروني و الأشعة و المنظار، بالاضافة الى اكتشاف الكثير من العلوم المساعدة للبيولوجيا مثل : علم الوراثة ،علم التشريح ،علم الخلية.
كما أصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة وخير دليل على ذلك التطور الكبير الذي عرفه مجال الطب من خلال زراعة الأعضاء "كزراعة القلب،الكلى،الكبد،…".وتجارب التهديم و التي تقوم على قطع العضو و استئصاله قصد التعرف على وظيفته و تأثيره على بقية الأعضاء "كقطع الأعصاب مثلا"
وماتاريخ العلم إلا دليل على أنه من الممكن تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية من خلال التجارب التي قام بها كلود برنار حول بول الأرانب حيث بين بأن المادة الحية تخضع لمبدأ الحتمية كالظواهر الجامدة و بالتالي يمكن دراستها دراسة تجريبية و تفسيرها تفسيرا سببيا للوصول الى القوانين التي تتحكم فيها:" جميع الحيوانات الآكلة العشب إذا ما فرغت بطونها تغذت على المواد المدخرة في أجسامها وهي عبارة عن بروتينات" و كذلك التجارب التي قام بها مندل حول نبات البازلاء و التي أدت إلى ظهور علم الوراثة الذي وصل إلى أعلى درجات العلم ،و الشيء نفسه في الأبحاث التي قام بها باستور بإكتشاف داء الكلب و الجمرة الخبيثة التي كانت تصيب الماشية ،وكذا التفنيد التجريبي لفكرة النشوء العفوي للجراثيم.
بالإضافة إلى كل هذا تطور الوعي الإنساني عموما الذي سمح بالتشريح والتجريب في البيولوجيا إلى الحد الذي جعل بعض الأفراد يهبون أجسامهم و أعضائهم بعد وفاتهم لمراكز البحث العلمي للتجريب عليها بل و الإستفادة منها إذا أمكن ذلك.
جـ- النقد : ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة علمية على غرار المادة الجامدة ، غير ان ذلك تصادفه جملة من العوائق و الصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه اذا كانت الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا حتميا و آليا ، فإن للغائية إعتبار و أهمية في فهم وتفسير المادة الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد لا تكون للمعرفة العلمية علاقة بها. .
التركيب : و بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة علمية ، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الاخرى مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة كما يذهب عليه أستاذ علم الوراثة الفرنسي فرنسوا جاكوب الذي يرى بأن المادة الحية تخضع للتجريب كما هو الشأن في المادة الجامدة و لكن هذا مع مراعاة خصوصياتها .
وحسب رأيي الشخصي فإن الظواهر الحية قابلة للمنهج التجريبي إذا تمكنا من معرفة طبيعة هذه الظواهر و خصائصها،والقوانين التي تحكمها و ما يظهر من عوائق من حين لآخر في ميدان البحث،فهذا لا يعود إلى الظاهرة،بل يرتد إلى قصور و سائل البحث.
الخاتمة:
وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ، يعود اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ، والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك العقبات التي تعترضه تدريجياوعليه فالتجريب في البيولوجيا أمر ممكن و واقع و لكنه محدود مقارنة بالعلوم الفيزيائية و الكيميائية بالطبيعة المعقدة للكائنات الحية و الإعتبارت الأخلاقية و العقائدية و الإديويولوجية.




رد: مقالة تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.