الله معكالهدف من المحاضرة
1. معرفة الطالب للفرق بين مفهوم وسائل الاتصال ووسائل الإعلام والتعرف على وظائف هذه الأخيرة من خلال العديد من الباحثين في علوم الإعلام والاتصال.
2. التعرف على مستويات المعرفة النظرية في علوم الإعلام والاتصال وأهم الأفكار التي أتت بها وحتى الاختلافات التي تفرق بينها.
إشكالية وسائل الاتصال ووسائل الإعلام
قبل الحديث عن التنظير للاتصال كمفهوم قائم بذاته يجب الفصل في العديد من الإشكالات الفرعية التي من شأنها أن تحدث خللا في شبكة المفاهيم المشكلة للنظرية، ولعل من أبرز هذه الإشكاليات التي لا تزال مطروحة هي الفروقات الموجودة بين وسائل الاتصال ووسائل الإعلام.
إذن تحديد الفرق بين المفهومين يعد من الأمور التي يرتكز عليها التنظير، خاصة في تحديد سبب استعمال الباحثين لمفهوم وسائل الاتصال رغم أن الحديث في واقع الأمر يكون حول وسائل الإعلام، حيث أن الاتصال بمفهومه الذي يرتبط بنقل المعلومات والأفكار والتجارب والخبرات بين طرفين أو أكثر يلعب دورا فعالا في مختلف الأنشطة البشرية، كما أصبح مفهوم الاتصال يشير إلى كل العمليات الاتصالية مهما كانت طبيعتها.
إن الفروق الموجودة بين المفهومين لم تثن الدارسين لحقل الإعلام والاتصال إلى استعمال مفهومي وسائل الاتصال ووسائل الإعلام بصفة متبادلة على الرغم من نقاط الاختلاف التي يحددها الباحثون في ثلاث نقاط رئيسة.
المضمون
حجم الجمهور المخاطب
الهدف الذي تنشده كل وسيلة
من حيث المضمون
تعتبر وسائل الاتصال أكثر شمولية من وسائل الإعلام، فالمفهوم الأول يتعلق بكل وسيلة بإمكانها أن تكون واسطة بين طرفين لتسهيل عملية الاتصال، سواء أكان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بينما يقتصر مفهوم وسائل الإعلام على وسائل الاتصال الجماهيري من صحف مكتوبة ومجلات وإذاعة وتليفزيون باختلاف قنواتها وحواملها.
من حيث الجمهور المخاطب
عند الحديث عن وسائل الاتصال لابد أن نأخذ بعين الاعتبار مستويات الاتصال المختلفة، حيث أن وسائل الاتصال قد تقتصر في نقل رسائلها إلى طرف واحد كإرسال رسالة إلى صديق في إطار الاتصال الشخصي، أو التكلم معه عبر الهاتف أو عن طريق إرسال وثائق عبر الفاكس أو الإميل…إلخ، أو بين فرد وجماعة في إطار الاتصال الجمعي كإلقاء محاضرة أو خطبة سياسية من طرف على جمع من السياسيين، أما وسائل الإعلام فهي لا تختار جمهورها ولا تعرف حدوده، بل تبث رسائلها إلى الجماهير العريضة والحشود الغفيرة مع الاختلافات الكبيرة الموجودة في تركيبة الجمهور والفروق الخاصة بالوعي والفئات الاجتماعية.
من حيث الأهداف
يكمن الفرق بين المفهومين في تعدد أهداف الاتصال بتعدد أنواعه وشمولية عمليته، أما الإعلام فأهدافه محددة مسبقا ولا يمكن أن تخرج عما سطر له من قبل الباحثين، حيث أن عملية الإعلام تعني الفعل المتمثل في إحاطة الجمهور بالأخبار ومعرفته بوقائع معينة وآراء مختلفة بواسطة وسائل مبتكرة لهذا الغرض، ذلك أنها نظمت كمؤسسات اجتماعية وتستخدم التكنولوجيا المعقدة لتبليغ رسائل محددة إلى الجماهير العريضة بغرض الإعلام والتربية والترفيه.
تجدر الملاحظة في هذا السياق إلى أن الإعلام خاصية تكنولوجية ترتبط بأهداف المنظمات السياسية والاجتماعية القائمة، كما له صلة بمفاهيم الصراعات السياسية وتنوع المجتمعات البشرية.
في الإطار ذاته يمكن القول إلى أن الإعلام يخرج من نطاق العلاقات الفردية إلى عملية منظمة اجتماعيا على المستوى المحلي، الوطني أو حتى الدولي وأخيرا يرتبط الإعلام بمفاهيم الديمقراطية والحرية والقضايا السياسية والاجتماعية المناقشة على الساحة والقضايا الاقتصادية المعاشة داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات.
لكي نوضح أكثر نورد خصائص الإعلام في النقاط التالية
إن الإعلام كان ولا زال يتدفق في اتجاه واحد من القمة إلى القاعدة، أي من المرسل إلى المتلقي ونادرا ما يكون تدفقا في اتجاهين.
إن للإعلام مجالا واسعا للاختيار سواء من حيث الوسيلة أو من حيث الجمهور أي من حيث ساحة الأحداث والفاعلين بالنسبة للوسيلة أو من حيث تنوع وتعدد الرسائل والمضامين بالنسبة للجمهور.
أصبح الفرد كوحدة من الجمهور في حاجة إلى أكثر من وسيلة إعلامية لإشباع حاجاته الفكرية والثقافية والترفيهية…إلخ
تمركز الإنتاج الإعلامي في يد عدد قليل من المنتجين الخواص أو الدولة الدين يقومون بإنتاج عدد كبير من المنتجات.
تعمل وسائل الإعلام في البلدان الرأسمالية على جلب عدد كبير من الجمهور ولهذا تميل إلى التركيز على نقطة وسطية أو تلتزم خطا سياسيا معينا لإقناع جمهورها بفكرة معينة.
يتم الإعلام بواسطة مؤسسات اجتماعية تستجيب إلى البيئة التي تعمل فيها، أي أن هناك علاقة تفاعلية بين المجتمع ووسائل الإعلام.
يتضمن الإعلام عكس الدعاية الحياد فيما يخص هدفه النهائي وذلك في حالة استقلالية المؤسسات الإعلامية والموضوعية فيما يتعلق بمحتواه الإخباري.
ما هو الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في الحياة المعاصرة ؟
وسائل الإعلام قوة تؤثر على سلوك البشر، وتلعب دورا في الحياة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، ففي الشق السياسي مثلا تستطيع هذه الوسائل الإطاحة برؤساء الدول وتغير سياسات حكومات ولنا في قضية وزير المالية الفرنسي قيمار خير مثال على ذلك، كما أن الدور الذي لعبته الترسانة الإعلامية الأمريكية في إطار ما عرف بالحرب على الإرهاب ببعيدة، أما عن الجانب الاقتصادي فهي تدفع مثلا في سياق تغيير السياسات الحكومية على غرار ما يحصل من نقاشات لميزانية التسليح في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الأقلام البارزة في كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية.
إن فهم الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في المجتمع لا يكتمل إلا بتحديد خصائص الظرف الزماني من خلال التعرض للمناخ الذي تعمل به وسائل الإعلام، وهو ما يصطلح عليه فليب بروتن في مثلثه الحجاجي بمراعاة سياق الاستقبال، فتحليل المحتوى الإعلامي لا يحدث بمعزل عن السياق الاتصالي العام، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإعلامية والأنظمة القائمة في المجتمع.
كما أن الحديث عن وظائف وسائل الإعلام في المجتمع يجرنا إلى الاختلاف الكبير بين الباحثين في تحديدها حيث سنعرض أمثلة عن مجموعة من الباحثينفي هذه النقطة حتى نتمكن من أخذ نظرة معمقة عنها.
هارولد لاسويل Lasswel
1. الإشراف / الرقابة على البيئة أو المحيط.
2. العمل على ترابط أجزاء المجتمع في البيئة التي يعيش فيها.
3. نقل التراث الاجتماعي والثقافي من جيل إلى جيل آخر.
لازارسفلد و مورتون Lazarsfield & Morton
1. وظيفة تشاورية: خدمة القضايا العامة والأشخاص والتنظيمات …..
2. وظيفة تقوية الأعراف الاجتماعية: فضح وكشف الانحرافات عن الأعراف الاجتماعية وذلك بتعرية هذه الانحرافات للرأي العام.
3. الوظيفة التخديرية: زيادة مستوى المعلومات تحوّل معرفة الناس الى معرفة سلبية.
ليزلي مويلر Leislie Moeller
1. وظيفة الأخبار والتزويد بالمعلومات ورقابة البيئة.
2. الربط والتفسير والهدف منه تحسين نوعية فائدة المعلومات وتوجيه الناس.
3. الترفيه وهدفه تحرر الناس من التوتر والضغط والمصاعب.
4. التنشئة الاجتماعية وهدفها للمساعدة في توحيد المجتمع (قاعدة مشترك … قيم)
5. التسويق
6. المبادرة في التغيير الاجتماعي وذلك بقيادة التغير الاجتماعي في المجتمع.
7. خلق النمط الاجتماعي: وهدفه وضع النمط للمجتمع ( الأدب ، الثقافة، نمط الحياة).
8. الرقابة.
9. التعليم.
شــرام Schramm
1. وظيفة المراقب: اعداد التقارير عن الأخطار والفرص التي تواجه المجتمع.
2. الوظيفة السياسية: اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة ، اصدار التشريعات.
3. دور المعلم: تنشئة أفراد المجتمع الجدد بامدادهم بالمهارات والمعتقدات التي يقدرها المجتمع.
دوفـلـور وساندرا بول روكيش
1. اعادة بناء الواقع الاجتماعي.
2. تكوين الاتجاهات لدى الجمهور.
3. ترتيب الأولويات لدى الجمهور ” وظيفة وضع الأجندة “.
4. توسيع نسق المعتقدات لدى الناس.
المعرفة النظرية الاتصالية
بعد أن وضحنا الفرق الموجود بين مفهومي وسائل الإعلام ووسائل الاتصال، سوف نعمد إلى استعمال المفهوم الثاني تبعا للتقليد الجاري من جهة ونظرا لتداخل العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى التكنولوجية في عملية الاتصال.
نتعرض الآن إلى المعرفة النظرية الاتصالية التي على أساسها ينظم تسيير المؤسسات الإعلامية، عن ما نقصده بالمعرفة النظرية هي مجمل ردود الأفعال التي يعبر عنها المفكرون في شكل أفكار ومفاهيم وتعاريف عامة وتصورات ونظريات وافتراضات بخصوص ظهور وسيلة من وسائل الاتصال وفيما يتعلق بطبيعة عملها ووظائفها وعلاقاتها بالبنيات الاجتماعية الأخرى، هذه الأفكار خضعت لعامل التراكم عبر الزمن وأصبحت بالتالي تشكل القاعدة النظرية لوسائل الاتصال، حيث يقسمها ماكايل إلى ثلاثة أنواع معرفية
1- نظرية الحس العام 2- النظرية العملية 3- النظرية العلمية الاجتماعية
نظرية الحس العام
وتشير إلى الأفكار التي نحملها حول وسائل الإعلام بصفتنا أفراد في المجتمع العام، حيث نرتكز على تجاربنا الشخصية المباشرة معها واستعمالنا لها كجزء من جمهور وسيلة إعلامية محددة أو من الجمهور العام والواسع، فكل قارئ للجريدة أو مستمع للإذاعة أو مشاهد للتلفزيون لديه نظرية ضمنية (مجموعة أفكار خاصة به) حول الوسيلة المعنية.
إن الجمهور العام يطرح مجموعة من الأسئلة التي تشكل تصورات لأفراده، حيث تدور في مخيلة الجمهور العديد من التساؤلات على غرار ما هي الوسيلة؟ لأي شيء تصلح؟ وما نفعها في الحياة اليومية؟ وكيف ينبغي قراءتها أو مشاهدتها؟ وما هي مدلولاتها؟ وكيف ترتبط بالمدلولات الأخرى للتجربة الاجتماعية؟.
كل هذه الأفكار تمكن الفرد من التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال، فعلى الرغم من أن نظرية الحس العام غير قائمة بصفة جلية، فهي تتمتع بأساس ترتكز عليه في تحديد تعاريف ومفاهيم وسائل الاتصال ومكامن الفروق الموجودة بينها، كما أنها تمثل احد المصادر الأساسية للمعايير والقواعد التي تتحكم في استعمالها ومشاعر الرأي العام حول المسائل التي تطرحها، حيث تتمتع الجماهير بقدرتها على تحديد استراتيجيات الوسائل الإعلامية وتخطيطاتها وحتى سياساتها.
النظرية العملية
وتشير إلى الأفكار التي يحملها العاملون في حقل الإعلام والاتصال من مسيرين، صحفيين وتقنيين، هذه الأفكار تدور حول غاية وطبيعة عملهم والكيفية التي يمكن أن تحقق من خلالها بعض التأثيرات، حيث يرتبط جزء من هذه الأفكار بالجانب التقني والجزء الآخر يرتبط بالتراث الإعلامي المتراكم والممارسات الميدانية عبر فترات زمنية متعاقبة، حيث يعتبر الجانب المهني من أهم معايير وقواعد السلوك التي في مجملها تشكل عمود الإنتاج الإعلامي وتعطيه تناسقا.
تتمثل أهمية النظرية العملية في المساعدة في الحصول على إجابات عن عدة تساؤلات: ماذا يطلب الجمهور وما يرضيه من جادة إعلامية؟ هل هناك تفاعل بين الجمهور والوسيلة وهل هناك فعالية؟ ما هو الحدث الذي له قيمة خبرية؟ ما هي مسؤولية الصحفي في وضع ما؟.
تجدر الإشارة إلى التردد الذي نلمسه عند الباحثين في مجال علوم الإعلام والاتصال في شرعية تصنيف هذه الأفكار في صف المعارف النظرية، فهي كسابقتها ليست ملفوظة، بل مستمدة من الممارسات الميدانية.
النظرية العلمية الاجتماعية
تعتبر أكثر النظريات وضوحا وتناسقا، فهي ناتجة عن المعرفة الواعية للملاحظ العلمي الاجتماعي المحترف الذي يحاول أن يعمم انطلاقا من الأدلة والملاحظات التي يجمعها حول طبيعة وعواقب وسائل الإعلام، وظائفها وأدوارها والرسائل التي تمررها وأهدافها، ومصدر هذه الأفكار هم المفكرون والباحثون في ميدان الاتصال والعلوم الاجتماعية الأخرى التي شكلت القاعدة النظرية قبل أن يصبح الاتصال منفردا بمواضيعه ومناهجه، كما تشكلت من خلال النظريات المختلفة والمدارس الكبرى على غرار الإمبريقية بروادها والنقدية (هوركايمر،ادورنو) والبنيوية (كلود لفي ستراوس)، التفاعلات الرمزية (كوفمان، هبرماس)، الظاهراتية (ميد، وليام جيمس)…إلخ.
علاقة النظرية الاتصالية بالنظرية الاجتماعية
يعد تناول العلاقة بين النظرية الاتصالية والنظرية الاجتماعية ضروري لسببين:
الأول: يتمثل في التأكيد على أن علم الإعلام والاتصال لم يصبح علما قائما بذاته إلاّ مؤخرا وبالضبط بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يرجع أساسا إلى حداثة الظاهرة الاتصالية بالمقارنة مع الظواهر الاجتماعية الأخرى.
أما الثاني فيتمثل في الإشارة إلى أن الآباء الأوائل لهذا العلم هم من ذوي اختصاصات مختلفة مرتبطة أساسا بالعلوم الاجتماعية.
هكذا إذن ترسخت في أذهاننا هذه الفكرة (العلاقة) فنتعرف بعد ذلك أن البحوث الإعلامية الأولى كانت تتم في إطار مفاهيم ونظريات ونماذج منهجية مستوحاة من الاختصاصات المذكورة سالفا، ومن أشهر هؤلاء المؤسسين لازويل، كاتز ولازر سفيلد وماك لوهان وبارك، وهذه الخلفية تساعدنا على فهم سياقات الفكرية لنظرية الاتصال، وتوضح هذه الخلفية التاريخية للعلاقة بين النظرية الاتصالية والنظرية الاجتماعية تستلزم تناول المستوى الثالث من نظريات الاتصال ونقصد سياقات وسائل الإعلام، أي تحديد مفهوم البنية الاجتماعية رغم أن هذا الأخير يعد من المفاهيم المجردة والمعقدة وبعيدا عن الاهتمام الخاص بدراسة وسائل الإعلام، إلاّ أن نموذج البنية الاجتماعية الذي يتبناه منظرا ما يحدد الكيفية التي يحلل بها وسائل الإعلام، حيث يتجلى هذا الاختلاف في الفرق بين الاتجاهات النظرية التي تنظر للبنية الاجتماعية من منظور صفوة الجماهير وتلك الاتجاهات التي تنظر إليها من زاوية العلاقات الطبقية أو الصراع الطبقي كالتحليلات الماركسية وهذا ما سنتعرض في الحديث عن المجتمع الجماهيري.
خلاصة
إذن الأدبيات الإعلامية الاتصالية هي نتاج المصادر الثلاثة السالفة الذكر، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لأن أي وسيلة إعلامية مقيدة من حيث إمكاناتها بالتعريف العام لها وبمجمل التوقعات والمعايير التي تعبر عنها، من ذلك أمكن القول أن هناك تكامل بين هذه المصادر الثلاثة في بناء قاعدة نظرية لعلوم الإعلام والاتصال.