التصنيفات
الأدب واللغة العربية

الخطاب النقدي عند المعتزلة لـ د/ كريم الوائلي

الخطاب النقدي عند المعتزلة لـ د/ كريم الوائلي


الونشريس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إليكم في هذا الموضوع كتاب:

الخطاب النقدي عند المعتزلة

لصاحبه الدكتور كريم الوائلي

التحميل من الملفات المرفقة

منقول للفائدة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
الخطاب النقدي عند المعتزلة.rar‏  1.45 ميجابايت المشاهدات 153


رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة لـ د/ كريم الوائلي

بارك الله فيك ، وجزاك الله خير الجزاء


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
الخطاب النقدي عند المعتزلة.rar‏  1.45 ميجابايت المشاهدات 153


رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة لـ د/ كريم الوائلي

جزاكم الله خيرا


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
الخطاب النقدي عند المعتزلة.rar‏  1.45 ميجابايت المشاهدات 153


رد: الخطاب النقدي عند المعتزلة لـ د/ كريم الوائلي

الونشريس اقتباس الونشريس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام كلثوم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إليكم في هذا الموضوع كتاب:

الخطاب النقدي عند المعتزلة
لصاحبه الدكتور كريم الوائلي

التحميل من الملفات المرفقة
منقول للفائدة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
الخطاب النقدي عند المعتزلة.rar‏  1.45 ميجابايت المشاهدات 153


التصنيفات
الأدب واللغة العربية

تعريف إدوارد سابير للغة من كتاب فقه اللغة و علم اللغة

تعريف إدوارد سابير للغة من كتاب فقه اللغة و علم اللغة


الونشريس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إليكم و حصرياً على منتديات بوابة الونشريس

تعريف إدوارد سابير للغة من كتاب:

فقه اللغة و علم اللغة

نصوص و دراسات

تأليف الدكتور محمود سليمان ياقوت

الونشريس

التحميل من الملفات المرفقة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
Edward Sapir.pdf‏  1.50 ميجابايت المشاهدات 312


التصنيفات
الأدب واللغة العربية

عاجل بحث

عاجل بحث


الونشريس

أريد بحث بعنوان الوثائق التربوية في مقياس اللسانيات التطبيقية




رد: عاجل بحث

الونشريس اقتباس الونشريس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة youcasif
أريد بحث بعنوان الوثائق التربوية في مقياس اللسانيات التطبيقية
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جاري البحث عن طلبك




التصنيفات
الأدب واللغة العربية

إليكم بعض المواضيع لمذكرات التخرج

إليكم بعض المواضيع لمذكرات التخرج


الونشريس

الله تستفادوا منها
الرسم القرآني والكتابة العربية المعاصرة
التداول اللغوي في لغة الصحافة الجزائرية
التفسير الدلالي للتراكيب النحويةلآيات الأحكام – البقرة
التطور الدلالي لألفاظ الاعتقاد في القرآن الكريم
البنية اللغوية لخطية البناء والخلق
الإيجاز وجمالياته الفنية والدلالية فيالحديث الشريف
القواعد النحوية مقررات التعليم الثانوي في آراء التيسير النحوي
التخريج النحوي للقراءات القرآنية – آل عمران
توظيف التراكيب اللغويةالمكتسبة عند تلاميذ الأساسي
الدرس الصرفي المدرسة الجزائرية بين النظريةوالتطبيق
الأوصاف المشتقة – أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم
المعجمالعربي وطرق اختصاره
الجملة الاسمية وأنماطها في الأنعام
منصوبات الأسماءفي النحو العربي وأنماطها في الروم وسبأ
الوصل والفصل في القرآن الكريم
الجملة الشرطية في سورة النساء
التشبيه في الشعر الجاهلي – امرؤ القيس زهير
حياة الألفاظ بين العصر الجاهلي وصدر الإسلام
الأسماء المشتقة ودلالتها فيسورة البقرة وآل عمران
الأخطاء الإملائية في العربية في ضوء الدراسات اللسانيةالحديثة
الجمالية المقطعية في شعر صالح خطاب
الفعل الثلاثي في سورة الكهف
الجملة في بردة كعب بن زهيربين الشكل والوظيفة
فرضية الصوائت واللون لرومانجاكبسون
التشكيل اللغوي للقراءات الشاذة
القضايا الصوتية في المؤلفاتالعلمية العربية
النفي في سورة آل عمران
التقديم والتأخير بين القاعدةالنحوية والقيمة البلاغية
الخطاب العلمي في كتابي النصوص للسنة 7 أساسي و 1متوسط
أخطاء النظم والاستبدال الصوتي عند الطفل
حذف العناصر الإسنادية فيالجملة العربية
الجملة الفعلية في النحو العربي
بنية اللغة الخطابية وأثرالقرآن فيها
لغة الثورة عند الشابي
جملة الأمر بين النحو والبلاغة
الجملة الاستفهامية في الربع الأخير من القرآن الكريم
معاني حروف العطف فيربع مريم
الترادف في اللغة العربية بين المعنى اللغوي والسياق القرآني
الدخيل والمعرب في الأعمال الصحفية الجزائرية المكتوبة
جماليات البديع فيجزء تبارك
ألفاظ الثواب في القرآن الكريم
لفظتا الخير والشر في القرآنالكريم
نظرية خصائص الحروف العربية ومعانيها
الألقاب دراسة لغوية
علاقةالصوت بالمعنى
اللحن في الصوت اللغوي عند الطفل السوفي
صور الجملة من خلالسورة البقرة
التوكيد بين النحو والبلاغة في سورتي الحجر والمؤمنون
الاقتراضاللغوي
تفاوت قدرات التعبير لدى تلاميذ الإكمالي
الزمن في اللغة العربية
الأمثال الشعبية السوفية
الدرس اللساني عند الجاحظ
عوائق تعليم اللغةالعربية بين الوظيفتين التبليغية والفنية
المطابقة النحوية في التراكيب النحوية
الجملة الاسمية بين النحو والدلالة
تأويل شكل القرآن الكريم
صورةقسنطينة من خلال روايتي الزلزال وذاكرة الجسد
القصة الشعبية في منطقة وادي سوف
الجملة الاسمية دراسة نحوية بلاغية – الكهف
الخطاب الإشهاري وفعاليةالتأثير
أبنية الأفعال في سورة مريم وطه والأنبياء
الزمن في اللغة العربيةبين الصيغة الصرفية والسياق النحوي
البيان في آي القرآن
تقنيات الحوار فيتدريس اللغة العربية
الأخطاء اللغوية الشائعة بين تلاميذ الطور الثاني من التعليم الاساسي
البنية الرمزية في شعر محمود درويش
2 الحنين في الشعر المهجري .
3 البنية الأسطورية في الشعر العربي المعاصر
4 سيميائية العنوان في ديوان وسابعهم وجهها
5 التماسك النصي في القصة القرآنية
6 شعرية الخطاب في أدب السجون نموذج اللهب المقدس

8 مجرورات الأسماء في سورة آل عمران والبقرة
9 مرفوعات الأسماء في سورة البقرة
10 شكسبير من خلال مسرحية هاملت .
11 البديع من خلال مقامات الهمذاني
12 فلسفة الوجود من خلال لوميات أبي العلاء
13 تعليمية القواعد في المرحلة الأساسية (السنة الرابعة )
14 صيغ المبالغة من الوجهة البلاغية في ربع يس

15 الأداء البلاغي لأسلوب القصر في الربع الأخير
16 التصوير الفني في آيات النعيم والعذاب الربع الأخير
17 جماليات التعريف والتنكير في القرآن الكريم جزء عم .
18 بناء الشخصية في القصة القرآنية قصة إبراهيم ( ع س ) .
19 الصور البيانية في القرآن الكريم الكناية في آل عمران
20 صورة الاقتراض اللغوي في لهجة سوف المزج اللغوي
21 المجتمع السوفي من خلال أمثاله
22 دلالة الحركة الإعرابية دراسة تطبيقية في القرآن الكريم
23 الوقف في القرآن الكريم وعلاقته بالمعنى والإعراب .
24 دلالة الرمز في أدب الطفل
25 الأخطاء الإملائية عند الطفل (مرحلة الروضة
26 بنية الزمان والمكان في الأدب الجزائري .
27 الدور الوظيفي للتوابع النحوية .
28 الأمثال في القرآن الكريم من خلال سورة البقرة .
29 دور جمعية العلماء المسلمين في تقويم الأدب الجزائري .

30 النزعة التأملية بين جبران والشابي .
31 المعنى البلاغي للتكرار في القرآن الكريم .
32 الأخطاء اللغوية أثناء عملية القراءة الصرفية .
33 الرمز الصوفي في قصيدة أستاذي الصوفي للأمير
34 اللغة الإعلامية دراسة في الإعلام المكتوب
35 مشكلة التعبير في المدرسة الابتدائية س
36 الإرغام الإيديولوجي في بناء الشخصية الروائية اللاز نموذجا
37 تشخيص ضعف التلاميذ في اكتساب المفاهيم النحوية س6
38 تدريس الإملاء في المرحلة الابتدائية
39 ظاهرة عسر القراءة عند تلاميذ الطور الثاني .
40 قصيدة المواكب "
دراسة بنيوية
41 بنية الخطاب الشعري في القصة الشعرية
42 شعرية الرفض والمقاومة في شعر النجفي
43 شعرية التدوير عند البياتي أشعار في المنفى
تقنيات السرد في رواية ملكةالعنب لنجيب الكيلاني
52 البعد الاجتماعي فيالشعر الجزائري53 البعد الرمزي في شعر عبد المعطي حجازي
54 أثر نظرية العامل على الدرس النحوي
55 الأمر في القرآن الكريم وخصوصياته مع الرسول (ص)
56 الظاهرة الإعرابية بين القدماء والمحدثين
57 بناء الجملة الفعلية في سورة الرحمن
58 التواصل غير اللغوي في الحديث النبوي
59 اللهجات وعلاقاتها بالفصحى الأمثال السوفية نموذجا
60 الخصائص الفنية للقصة القرآنية .
61 المجاز في الحديث النبوي الشريف .
62 البنية الصوتية والصرفية في لامية العرب
63 رواية الشحاذ لنجيب محفوظ دراسة لغوية نفسية
64 المستوى الصوتي في شعر ابن عربي
65 التشكيل الصوتي في شعر نازك الملائكة
66 توظيف الشخصيات التراثية عند أمل دنقل
67 الصورة الشعرية عند الشابي .
68 التناص الديني في شعر محمد العيد .
69 البنية السردية في رواية حضرة المحترم
الأثر الصوفي في شعر الحداثة (صلاح عبد الصبور
71 النزعة الإصلاحية في شعر محمد العيد آل خليف
72 الرمز الصوفي عند عز الدين ميهوبي
73 النصوير البياني في الشعر الجاهلي أنموذج امرؤ القيس
74 حروف الجر بين المعنى والوظيفة في سورة طه .
75 دلالات البناء الصرفي في معلقة امرئ القيس .
76 أهمية السرد في البناء الفني للقصة الجزائرية القصيرة.
77 تعليم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية دراسة لسانية تربوية
78 النزعة البطولية في شعر مفدي زكرياء
79 سيميائية الطبيعة في شعر الشابي
80 البنية الإيقاعية في شعر أحمد مطر
81 جملة الأمر بين المكي والمدني في سورتي التوبة




رد: إليكم بعض المواضيع لمذكرات التخرج

مشكوووووووووور




رد: إليكم بعض المواضيع لمذكرات التخرج

بارك الله فيك اخي والله مشكور
جزاك الله كل الخير
الله يجعلها في ميزان حسناتك




رد: إليكم بعض المواضيع لمذكرات التخرج

بارك الله فيك اخي والله مشكور
جزاك الله كل الخير
الله يجعلها في ميزان حسناتك




التصنيفات
الأدب واللغة العربية

التحليل السيميائي للنصوص

التحليل السيميائي للنصوص


الونشريس

التحليـــــــــــــــــــل السيميائـــــــــــــــــي للنصـــــــــــــــــوص

خوسي روميرا كاستيلوا



الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
التحليل السيميائي للنصوص.pdf‏  78.2 كيلوبايت المشاهدات 248


رد: التحليل السيميائي للنصوص

من فضلكم أريد تحليل نص سيميائيا تطبيقيا. فكل ما نجده دائما التنظير اما الاعمال التطبيقة فهي منعدمة.
مع الشكر والاحترام الكبير.


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
التحليل السيميائي للنصوص.pdf‏  78.2 كيلوبايت المشاهدات 248


التصنيفات
الأدب واللغة العربية

مسيرة اللّغة العربية في الجزائر: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال الفرنسي

مسيرة اللّغة العربية في الجزائر: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال الفرنسي


الونشريس

رفت الجزائر منذ القدم حركة تطورية في ميادين مختلفة، ابتداء من الحضارة الآمازيغية إلى الحضارة الإسلامية، و نلمس ذلك جليا في مظاهر حياتية و فكرية متنوعة، و مما لا شك فيه أنّ نقوش الخط الأمازيغي و آثار العمران القديمة دليل كاف على ذلك، و ما يجلب نظر الباحثين فعلا إلى هذه الحضارة هو التنوع الثقافي و المعرفي في هذه البلاد، و الذي يرجع في الأساس إلى تمازج الحضارتين الأمازيغية و العربية في منطقة جغرافية واحدة، لتخرج إلى الوجود حضارة جزائرية متميّزة بطابعها الخاص، فكيف تم هذا التمازج؟ و الأهم من ذلك، كيف شقّت اللغة العربية لنفسها طريقا في بلاد المغرب الأوسط؟ و ما هي المحفزات و العقبات التي واجهت الحركة التطورية للغة القرآن الكريم أثناء توالي الاستعمارات و الفتوحات على هذه المنطقة؟ الجزائر – بالتسمية الحالية – هي بلاد المغرب الأوسط – قديما – و قد صنفها القدماء ضمن الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة للمعمورة، و هي تأخذ حيزا هاما من جغرافية المغرب الذي كان في السابق بلدا واحدا، لكنها استقلت عنه بعد أن مرت بمراحل تاريخية عديدة، و لم يطلق عليها اسم الجزائر إلا بعد دخول الأتراك إليها، حيث اختاروا لها اسم المدينة التي اتخذوها قاعدة لهم، و هي مدينة الجزائر التي أصبحت و لازالت عاصمة لهذا البلد.
تعتبر الجزائر من البلدان العريقة عراقة الإنسان، حيث يمتد عهدها من العصر الحجري الأخير، الذي يمتد من 6000 سنة إلى 2500 سنة قبل الميلاد، والدليل على ذلك هي الحجارة المنحوتة التي وُجدت في عين حنش قرب العلمة بعمالة سطيف، و هي تعود إلى ذلك العصر.
أما السكان الأصليون للجزائر فهم الأمازيغ أو ما يُعرف عند البعض بالبربر، و هم أجناس بشرية مختلفة الشكل جمعت بينها خصائص جغرافية و عقائدية و لغوية مشتركة، و هناك اعتقاد أنّ اللهجة البربرية التي كان يتكلم بها سكان الجزائر تنحدر من اللغات الحامية، و كانت حروفها عبارة عن رسومات لشكل الشمس و الهلال و البرق، و كان الخط البربري يتكون من عشرة حروف هي "تيفيناغ" أي الحروف المنزلة من عند الإله، و الأشكال هي خمسة و تسمى "تيسدباكين".
أما نعت السكان الأصليين للجزائر بالبربر فكان من طرف اليونانيين و الرومان و العرب الفاتحين، و البربر صفة و ليست تسمية أصلية لهذا العرق الذي يعرف بالأمازيغ نسبة إلى جدهم الأول مازيغ، و لا تطلق تسمية البربر على أمازيغ الجزائر و المغرب العربي و حسب، بل هي لفظة لطالما أطلقها المستعمرون في مختلف أقطار المعمورة على الشعوب المستَعمرة، لكونها ذات طبيعة و لغة غير معروفة من قبل الآخر، لذلك لطالما رُفضت هذه التسمية لِما فيها من تعصب و إساءة لبعض الفئات البشرية. و إذا تمحصنا المفردة جيدا وجدناها مناسبة للطرفين، فكلاهما غريب الطباع و اللغة بالنسبة للآخر.
شهدت الجزائر سلسلة طويلة من الاستعمارات و الفتوحات، فدخلتها حضارات كثيرة بكل مكوناتها من لغات و ديانات و عادات، و في ذلك يقول المستشرق غوته: "…فإنّنا نلاحظ تسلسلا غير منقطع من التسلّطات الأجنبية: فالفرنسيون قد جاؤوا بعد الأتراك الذين جاؤوا بعد العرب الذين جاؤوا بعد البيزنتيين الذين جاؤوا بعد الوندال الذين جاؤوا بعد الرومان الذين جاؤوا بعد القرطاجيين، و يلاحظ أنّ الفاتح مهما كان يبقى سيد المغرب إلى أن يطرد من طرف الفاتح الجديد الذي يخلفه." و ما يهمنا نحن من هذا القول هو التعاقب الاستعماري فقط، بعيدا عن آراء المستشرقين التي قد تأخذ منحى لا يناسب أصحاب الشأن من الشرقيين، و ما يهمنا من كل هذه الاستعمارات و الفتوحات هو الفتح الإسلامي الذي دخل الجزائر حاملا بين يديه دينا جديدا و لغة جديدة.
بعد أن لقي الإسلام مكانا في قلوب سكان الجزيرة العربية، عزم المسلمون على إكمال الرسالة و نشر الإسلام عبر كل الأمصار، و انتشرت الفتوحات إلى أن وصلت إلى المغرب. فبعد محاولات عديدة تمَّ فتح إفريقية، و وُلي عقبة بن نافع الفهري عليها سنة 50هـ/669م من طرف الخليفة معاوية بن أبي سفيان. لكن ولايته واجهت مشاكل جعلت مسلمة بن مخلد يتولى مكانه، و كان أول من حكم مصر و إفريقية معا. و هو من أرسل أبا المهاجر دينار الذي فتح الجزائر طلبا للتوسع. حيث التقى بالملك الأمازيغي كسيلة الذي صادقه بعد أن حاربه و هزمه. و كان كسيلة مقرّرا لمصير الأمازيغ و صاحب الكلمة المسموعة. ثم عادت الولاية بعد ذلك إلى عقبة بن نافع الذي اختلف مع كسيلة، و استعمل طريق القوة، و كانت النتيجة أنه قُتِل من طرف كسيلة هذا بمساندة من الكاهنة و الأمازيغ.
استمرت عملية الكر و الفر بين العرب و الأمازيغ، إلى أن قتلت الكاهنة، حيث دخل حسان بن النعمان الجزائر، و صلّح ما ارتكبه سابقيه من أخطاء. فاستمال الابن الأكبر للكاهنة و أعطاه ولاية الأوراس، و هناك وقع الاتفاق بين العرب و البربر (الأمازيغ) أخيرا. و من بين العوامل التي ساعدت على هذا الاتفاق هو اقتناع ابني الكاهنة بالغاية الشريفة من فتح الجزائر، حيث تأكدوا من كونها غاية دينية لا دنيوية، خاصة أنّ العرب تمسكوا بهذه الأرض حتى بعد حرق الكاهنة للمزارع قبل موتها ظنا منها أنّ المسلمين دخلوا طمعا في الثروات. و بعد الاتفاق بين العرقين، اعتنق ابني الكاهنة الإسلام، و كذلك معظم الأمازيغ، و تحسّنت العلاقات بين الجميع، حتى بعد عزل حسان بن النعمان و تعيين موسى بن نصير مكانه.
لما أحسّ الأمازيغ ببساطة هذا الدين الوافد إليهم، حاولوا فهمه و التعرف على مبادئه، فتعلموا العربية لبلوغ غايتهم، "إنّ هذا الإقبال على الإسلام بهذه السرعة قد أدهش كل المؤرّخين الغربيين، الذين لاحظوا أنّ الإسلام و العربية قد قضيا بسهولة على المحاولات التي بذلتها اللاتينية و المسيحية خلال قرون طويلة لربط مصير المغرب العربي بالغرب الأوروبي. و لسنا في حاجة إلى الإلحاح على أنّ وضوح العقيدة الإسلامية و بساطتها بالإضافة إلى العوامل السابقة دفعت البربر إلى الإقبال على الإسلام و اعتناقه." و من أهم العوامل أيضا العدالة و المساواة التي نادى بها الإسلام و التي أعطت حق الخلافة لكل مسلم تتوفر لديه الشروط المطلوبة بغض النظر عن عرقه، كما كان من حق الأمازيغ أن يثوروا على الخليفة إن خالف تعاليم الشّريعة.
بعد أن أقبل الأمازيغ على الإسلام بشغف، اتجهوا إلى لغة الإسلام التي كان تعلّمها جزءا من دينهم الجديد. فبعد أن حقق حسان بن النعمان غايته في نشر الأمن و الاستقرار "عمل على نشر الدين الإسلامي بين البربر، فوزّع الفقهاء إلى سائر أنحاء البلاد لتعليم البربر قواعد الدين، و نشر اللغة العربية لغة القرآن، فأقبل البربر على الإسلام في حماس منقطع النظير، و حَسُن إسلامهم." و بذلك وجدت العربية بصحبة الإسلام مكاناً في قلوب الأمازيغ، و في ذلك يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: "و عرف البربر على طريقها ما لم يكونوا يعرفون، وسعت إليها حكمة اليونان تستجديها البيان، و تستدعيها على الزمان، فأجْدت و أعدَت. و طار إلى البربر منها قبس لم تكن لتطيّره لغة الرومان، و زاحمت البربرية على ألسنة البربر فغلبت و بزت، و سلطت سحرها على النفوس البربرية فأحالتها عربية، كل ذلك باختيار لا أثر فيه للجبر."
إنّ اختيار الأمازيغ للإسلام إذاً يقتضي اختيارهم للغته التي تبقى لصيقة به أبد الدهر، و هي اللغة التي "دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين، ترحل برحيلهم و تقيم بإقامتهم." أما العوامل التي دفعت الأمازيغ إلى الإقبال على تعلم العربية فهي:
1- التصاقها بالإسلام و قد سبق توضيح ذلك.
2- كون العربية لغة دين و دنيا، فالواقع يقول إنّ "العربي الفاتح لهذا الوطن جاء بالإسلام و معه العدل، و جاء بالعربية و معها العلم."
3- اشتغال الأمازيغ بمناصب هامة في مراكز الحكم التي كانت تتعامل باللغة العربية.
4- اختلاط الأنساب، حيث إنّ الأمازيغ "اختلطوا بالعرب و تزوجوا معهم، فاتخذت كثرة من الأسر الإسلامية الجديدة أنسابا عربية ليدخلوا في الأرستقراطية الحاكمة."
5- أصبحت العربية هي لغة التعامل بين الأندلس و المغرب.
6- تشابه العنصر الأمازيغي و العربي في نمط الحياة من بداوة قبلية و رعي و ما إلى ذلك، و في هذا يرى ابن خلدون إنّ البربر أشبه الخلق بالعرب. و كان هذا التشابه عاملا من عوامل الاندماج بين الجنسين، "و كان من الممكن أن يِؤدي هذا الاندماج إلى ذوبان العرب في البربر لولا أنّ اللقاء كان في إطار الإسلام و الحضارة العربية الإسلامية، و بذا كان هذا الاندماج مشجعا على تعريب أكثر البربر في المغرب."

هكذا إذا كانت البداية، إلاّ أنّ معالم التعليم حينها لم تكن واضحة، و لم تُذكر تفاصيلها في كتب التاريخ، لأنّ المنطقة كانت في حالة مخاض، إلى أن دخل عبد الرحمن بن رستم البلاد، و أسّس دولته الرستمية سنة 141 هـ/758م، حيث اهتمّ الرّستميون بنقل الثقافة المشرقية إلى شمال إفريقية، فأحضروا الكتب، و اعتنوا بعلوم الدين و الأدب، و كان أئمتهم بارعين في العلوم و الآداب و السياسة. و كانت اللغة العربية هي لسان الدولة الرستمية.
في هذا العصر شهدت الجزائر – أو ما كان يسمى بدولة تيهرت حينها – ازدهارا ثقافيا و اقتصاديا هائلا، كما تطور المجال الفكري بشكل ملفت للنظر، ففي القرن الثاني و الثالث للهجرة، ظهر نوابغ من أهل البلاد الجزائرية، جمعوا بين مختلف المجالات الثقافية و العلمية. و ممن عرف في ذلك العصر أذكر:

  • الشيخ أبو السهل: البارع في اللغتين العربية و البربرية و أكبر المؤلفين بالبربرية.
  • يهود بن قريش التاهرتي: الذي كان متضلعا في عدة لغات، كالعربية و البربرية و العبرانية و الأرمنية و الفارسية، و قد اتهم بالبحث المقارن في اللغات، و سعى إلى إنشاء أسس النحو التنظيري (المقارن).
  • بكر بن حماد التاهرتي (200هـ/296هـ): أديب و شاعر، ما زالت آثاره تعيش إلى يومنا هذا.

ثم تواصلت الولايات على الجزائر، الواحدة تلوى الأخرى، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثر على المجال الفكري فيها، بل زاده تطورا، خاصة في عصر الحماديين، حيث اشتهر علماء و أدباء كانوا في قمة البراعة، إذ جمعوا بين فنون و علوم كثيرة، أذكر من هؤلاء:

  • يحي بن معطي الزواوي (564هـ/628هـ): صاحب الدُّرة الألفية في علم العربية.
  • ابن الرمامة (567هـ): هو أبو عبد الله محمد بن علي، و قد روى عن أبي الفضل النحوي التازي، و تعلم على يد مشايخ ذلك العصر، كما التقى ابن رشد بالأندلس، و تولى القضاء و التدريس.
  • الحسن بن علي التيهرتي (501هـ): كان لغويا نحويا، تعلم على يده العديد من العلماء.

ثم زاد المجال الفكري نضجا في عهد المرابطين و الموحدين، حيث راجت في الجزائر ثقافتان خارجيتان أثّرتا على المثقفين بالإيجاب لا بالسلب، و هما الثقافة الأندلسية و الثقافة المشرقية. و في هذا العهد زاد الاهتمام باللغة العربية، و تمّ "استعراب قسم كبير من البربر بفضل تشجيع الحماديين للحركة العقلية و الثقافية مدّة عهدهم." حينها ظهر عدد هائل من العلماء و الأدباء و الشعراء و اللغويين، و من أعلام اللغة في هذا العصر أذكر:

  • عبد الله الحضرمي اللغوي الأديب، و كان راويا و مدرّسا.
  • أبو عبد الله التميمي و كان عالما في اللغة، اهتم بشرح مقامات الحريري، فكتب عن مقدمتها خمسة عشر كراسا.
  • عبد الرحمن القرشي الصقلي: فقيه لغوي و نحوي.

بعد ذلك، دخل الحفصيون الجزائر، و من بعدهم الزيّانيون و المرينيون، و كان كل هؤلاء شغوفين بالعلم و الفنون، فقرّبوا إليهم المفكرين و اعتنوا بهم. و بدخول القرن التاسع الهجري، ظهر علماء في كل مجالات الفكر، و ظهرت علوم جديدة في الدين و الدنيا. و من لغويي هذا العصر، أذكر:

  • أبو جميل زيان إبراهيم بن فائد الزواوي (857هـ): له أرجوزة في النحو، و شرح لألفية ابن مالك و تلخيص المفتاح، و كان أشهر لغوي اهتم بالنحو بعد يحي بن معطي الزواوي.
  • مجموعة من العلماء العقليين المهتمين بالنحو أمثال: ابن قنفذ و المشدالي و المغيلي و أحمد بن أحمد البجائي.

في القرن العاشر للهجرة، دخل الأتراك إلى الجزائر قصد حمايتها من أطماع الإسبان، لكنّ اللغة التركية لم تؤثر على اللغة الرّسمية الجزائرية، بل ضاعف علماء اللغة – في هذه الفترة و بعدها – من جهودهم العلمية، إلاّ أنّهم اهتموا بالتدريس أكثر من الدّراسة و التأليف. و كان معظم العلماء يهتمون بالمجالين، "و من الذين جمعوا بين الاثنين في الجزائر؛ أبو راس و أحمد المقري و الفكون. غير أنّ هؤلاء لم يكونوا في توازن في الجمع بين الخطّتين. فالأول مثلا قد غلب عليه التدريس بالرغم من كثرة تأليفه و الثاني قد غلب عليه التأليف بالرغم من كثرة تدريسه، و هناك مدرسون لم يتركوا إلا قليلا من التآليف، كمحمد التواتي و عمر الوزان و سعيد المقري. و هناك من ترك بعض الشروح و الحواشي و التعاليق كسعيد قدورة."
امتاز علماء هذا العصر باتساع فكرهم و إلمامهم بعلوم مختلفة، و ممن برز في مجال اللغة أذكر:

  • عمر بن محمد الكمّاد الأنصاري القسنطيني (الوزان): اهتم بالتدريس و رفض منصب القضاء لأجله.
  • يحي بن سليمان الأوراسي: ترك أورقا و تقاييد في النحو و البيان و الفقه.
  • عبد الكريم الفوكون (1073هـ): له شرح على أرجوزة المكودي في التصريف "البسط و التعريف"، و "شرح على شواهد الشريف على الأجرومية"، و "شرح جمل المجردي و مخارج الحروف من الشاطبية."
  • عيسى الثعالبي (1080هـ): اهتم بعدّة علوم من بينها النحو و الصرف و البلاغة.
  • يحي الشاوي (1096هـ): ترك مؤلفات في شتى العلوم، أذكر منها؛ "أصول النحو" و "الدر النضيد في إعراب كلمة التوحيد" و "حاشية على شرح المرادي للخلاصة في النحو" و "حاشية على شرح الشريف بالأجرومية" و "حاشية على شرح عصام الكافية لابن الحاجب" و "المحاكمة بين أبي حيان المفسر و الزمخشري و ابن عطية في التفسير".
  • أحمد بن قاسم البوني (1139هـ): "له تآليف تنيف عن المائة، ما بين مختصر و مطوّل، نظما و نثرا، و ذَكر جزءا قليلا منها. و أكثرها في نظم متون العلم." و من ضمن تلك التآليف، نجد له تآليفا في فنون اللغة و الأدب، أذكر منها: "أنس النفوس بفوائد القاموس" و " نظم الأجرومية" و "إعانة المعاني بما للّفظ العجز من المعاني".
  • محمد أبو راس المعسكري (1238هـ): له تآليف في علوم كثيرة،من بينها الكتب اللغوية التالية: "رفع الأثمان في لغة الولائم الثمان" و "الضابط المختصر من الأزهري على قواعد القاموس و الجوهري" و "ضياء القابوس على كتاب القاموس".

أمّا عن أماكن التعليم و الدّراسة، فكانت تتمثل في الزّوايا و الكتاتيب و المدارس، بالإضافة إلى المساجد، حيث كثرت "المدارس الابتدائية حتى كان لا يخلو منها حي من الأحياء في المدن، و لا قرية من القرى في الريف، بل إنّها كانت منتشرة حتى بين أهالي البادية و الجبال النائية." ليس ذلك و حسب، بل وجدت بعض المدارس الثانوية و العالية في بعض المدن الجزائرية المهمة. و لم يكن ذلك في العهد العثماني فقط، و إنّما قبله أيضا. ففي تلمسان وُجدت خمس مدارس ثانوية و عالية، و في قسنطينة وُجدت مدرستان ثانويّتان في عهد صالح باي، و وصلت إلى سبع مدارس عند دخول فرنسا. أمّا في الجزائر العاصمة فقد اختلف المؤرّخون في إحصائها، نظرا لإلحاقهم الزوايا و المساجد بالثانويات لتشابه مهامهم، كما عرفت الجزائر كمّا هائلا من الكتاتيب، التي انتشرت عبر أنحاء القُطر، و كانوا يسمونها "المسيد" تصغيرا لكلمة "مسجد" في نواحي العاصمة. و كانت مهمّتها تتمثّل في تعليم القراءة و الكتابة و تحفيظ القرآن. أمّا في البادية فكانت "الزوايا" هي التي تتولّى مهمّة التعليم, ففي ناحية تلمسان وحدها وُجدت ثلاثون زاوية.
هكذا، كانت مسيرة اللغة العربية – بين الدراسة و التأليف – في نجاح مستمر، إلى أن جاء وقت الجد، حين وجد العلماء و المدرّسون أنفسهم أمام المواجهة كبرى مع العدو الجديد، إنهم الفرنسيون الذين حاولوا منذ البداية مسح ملامح الشخصية الجزائرية، فجعلوا التعليم باللغة الفرنسية، و حتى هذا لم يكن من حقّ الجميع، حيث " قضوا على التعليم العربي و نفوا المعلمين، و استولوا على أملاك الأوقاف التي كان التعليم بفضلها يقف سدّا منيعا في وجه الأميّة بالجزائر. ففي سنة 1865 كان التعليم العربي في المدارس القومية ما يزال موجودا، و كان عدد التلاميذ الجزائريين فيها نحو 13 ألف تلميذ. و لكن لم تأت سنة 1880 حتى كان عددهم قد تناقص إلى ثلاثة آلاف تلميذ."
لم يستسلم علماء الجزائر أمام طغيان الاحتلال الفرنسي، بل واصلوا جهادهم الفكري، و اكتفوا بالكتاتيب و الزوايا لتعليم الجزائريين أصول دينهم و دنياهم، و كذا لغتهم العربية. و رَفع المشعل آنذاك نخبة لا بأس بها من العلماء، أذكر من بينهم أسماء لامعة في مجال الدراسات اللغوية:

  • إبراهيم بن عامر السوفي (1934م): فقيه و مؤرخ و لغوي.
  • ابن أبي شنب محمد بن العربي بن محمد (1869م/1929م): كان ملمّا بعدّة لغات، و عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق، له كتب في اللهجات و اللغات و المعاجم.
  • ابن خوجة محمد بن مصطفى (1922م): كاتب و شاعر و عالم في الشريعة الإسلامية و اللغة العربية.
  • ابن موهوب مولود بن محمد السعيد بن الشيخ المدني بن العربي بن مسعود الموهوب (1863م/1930م): له "مختصر الكافي في العروض و القوافي" و "نظم مقدمة ابن أجروم".
  • اطفيش امحمد بن يوسف بن عيسى بن صالح (1820م/1914م): فقيه و أديب و لغوي و مفسِّر، له أرجوزة في النحو، و "الرسم" في قواعد الخط العربي.
  • المجاوي عبد القادر بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن (1848م/1913م): فاضل نحوي، له "الدرر النحوية".

و لا أنسى أن أذكر إلى جانب هؤلاء؛ رواد الأدب الجزائري الذين ساهموا حينها في حفظ ملامح العروبة، حيث فضّلوا التدوين بلغة القرآن، و كرّسوا أقلامهم للدفاع عن الهوية الجزائرية، و حاربوا الاستعمار بالشعر الحماسي و الوطني، بالإضافة إلى الصحافة و فنون النثر و المسرح، و من هؤلاء: مفدي زكريا و العربي التبسي و محمد العيد آل خليفة و محمد البشير الإبراهيمي و المسرحي محي الدين باشتارزي، و عبد الحميد بن باديس و رائد القصة القصيرة الجزائرية الشهيد أحمد رضا حوحو…و الكثير ممن شارك في مسيرة إثبات الهوية العربية في الجزائر، و التي ترتبط كل الارتباط بمسيرة اللغة العربية، هذه المسيرة التي شاء لها القدر أن تصل إلى القمة قبل أن يلقاها حاجز الاستعمار الفرنسي الذي أعاقها و أبطأ خطاها، قبل أن تُعيد انطلاقتها من جديد بعد الاستقلال، و بهذا أكون قد توصّلت إلى وصف الخطوط العريضة للحركة التطورية التي عرفتها اللغة العربية في الجزائر من بداية الفتح الإسلامي إلى عهد الاحتلال الفرنسي.
إختارها لكم الأستاذ فضلون صابر




رد: مسيرة اللّغة العربية في الجزائر: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال الفرنسي

بارك الله فيك أخي على الموضوع الرائع

الونشريس




التصنيفات
الأدب واللغة العربية

طبيعة العقلية العربية

طبيعة العقلية العربية


الونشريس

*تمهيد:
*يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من(الشعر والنثر)وإن كانالنثر قليلا جدا مقارنةبالشعر أن نقدم بهذهاللمحة عنبيئة الأدب،و مظاهر الحياةالعربية المختلفة من سياسية،واجتماعية،ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية والاجتماعية.
*ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترةالتي سبقت الإسلام بنحومائة وثلاثين عامقبل الهجرة.وقدشب هذا الأدب وترعرع في بلادالعرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتهاالطبيعية والاجتماعية والفكرية،ويحدد لنابشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة.ممايعين الدارس علىفهم أدب ذلك العصر،واستنتاجخصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهوللضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل .
*بلادالعرب:
يطلق على بلاد العرب جزيرة العرب أوالجزيرة العربيةوتقع في الجنوب الغربي منأسيا، وهي فيالواقعشبه جزيرة،لأن الماء لا يحيط بها منجهتها الشمالية،لكن القدماء سموها جزيرة تجوزا،وهي فيجملتها صحراء ،بها الكثير من الجبال الجرداء،ويتخللهاوديان تجري فيها السيول أحيان، وإلى جانبذلك: بعض العيون والواحات.
*وتحد جزيرة العرب بنهر الفراة وباديةالشام شمالا،وبالخليج العربي،وبحر عمان شرقا،وبالبحر العربيوالمحيط الهندي جنوبا وببحرالأحمر (بحر القلزم)غربا،وتبلغ مساحتها نحوربع أوروبا،وتتكون الجزيرةالعربية من جزأينكبيرين:
*(ا)أماالحجاز:فسمي بهذه التسمية لأنسلسلة جبال السراة التي يصل ارتفاعها أحيانا إلى 3150م،تمتدمن الشمال إلى بلاد اليمن جنوبا،فسمته العربحجازا،لأنه حجز بين تهامة ونجد.والحجاز أرضه قفر،قليلة المطر شديدة الحرارة،إالا في بعض المناطق كالطائف التي يعتدل جوها،وتجود أرضها وأشهر مدن الحجاز :مكة،وبها (الكعبة )البيت الحرام ،ويثرب (المدينةالمنورة)التي هاجر إليها النبي صلى الله عليهوسلم،وبها لحق بربه.وكان يسكن الحجاز من القبائل العربية (قريش)فيمكة،و(الأوس والخزرج)فيالمدينة ،و(ثقيف)فيالطائف.
*(ب)وأمااليمن:فيقع جنوبي الحجاز،وهو أرضمنخفضة على شاطئ البحر الأحمر،مرتفعة في الداخل،وقد إشتهر بالثروة والغنى والحضارة،جوهمعتدل بسبب إشرافه على المحيط الهندي(البحر العربي)و البحرالأحمر،وأمطارهغزيرة وأرضه خصبة.وأشهر مدن اليمن: نجران التي اشتهرت في الجاهليةبإعتناق أهلهاالنصرانية،وصنعاء في الوسط وهيعاصمة اليمن الحديثة،وفي الشمال الشرقي منها مأرب المعروفةبسدها الذي ورد في القران في قصةسبأ.ومنأكبر القبائل التي كانت تسكن اليمنقبيلة همدان،وقبيلتامذحج ومراد.ومناخ شبهالجزيرة قاري،حار صيفا،بارد شتاء،وليس بهاأنهار ولذا يعتمد أهلها علىالأمطار.
أصلالعرب:
يرجع أصل العرب لإلى شعبين عضيمينكبيرين،تفرعت منهما القباائل العربية،وهما:
*(أ)عرب الشمال أوالحجازيون: وهم من نسل عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ويسمون: بالعرب المستعربة،لأن إسماعيل عليه السلاملم تكن لغته الأصلية اللغة العربية،وإنما نطق بها لما رحل مع أبيه إبراهيم إلىالحجاز وأصهلر إلى قبيلة جرهم،وتكلم بلسانهم.
*(ب)عربالجنوب:وهم من نسل قحطان،ويسمونبالعرب العاربة،لأن العربية في الأصل لغتهم ولسانهم.وكلالعدنانيين و القحطانيينينقسمون إلى فرعين أساسيين،وكل فرع ينقسم إلى قبائل متعددة،والقبيلة هي الوحدةالتي أقاموا عليها نظامهم الاجتماعي،ومنأشهر القبائل العدنانية:بكر،وتغلب وهما من فرع ربيعة،قريشوكنانة وأسد وقيس وتميم وهم من فرع مضرومنأشهر قبائل القحطانيين:طيئ وكندة ولخم والأزدوغسان، وهم من فرع كهلان،وقضاعة وجهينة وعذرة وكلب وهم من فرع حمير.
و القبيلة:
أسرة واحدة كبيرة تنتمي إلى أب وأمواحدة،ولها شيخ هو سيد القبيلة،ومن وظائفه الفصل بين المتخاصمينوسيادته مستمدة من احترام وإجلال القبيلة لهو علاقة القبائل تقوم غالبا على العداء،فالقبيلة إما مغيرة أو مغار عليها،إلا أنيكون بين بعض القبائل حلف أو مهادنة.ولكل قبيلة شاعر أو أكثر يرفع ذكرها،ويتغنىبمفاخرها،ويهجو أعداءها،وكل فرد في القبيلة متعصب لقبيلته، مادح لمحاسنها،وعلىالقبيلة أن تحميه، وتدافع عنه،وتطالب بدمه،فالفرد من القبيلة و إليها،حتى ليقولقائلهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشدغزية أرشد.
لغةالعرب:
*اللغة العربية هي إحدى اللغات الساميةالتي نشأت عن أصل واحد،وهيالاشورية والعبرية والسريانيةوالحبشية)،وتقتصر اللغات العربية في كتابتهاعلى الحروف دون الحركات،ويزيد حروفهاعناللغات الآريةمع كثرة الاشتقاق في صيغهاوقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى،ولكن مؤرخي العربيةاتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين:جنوبية أو قحطانية،ولها حروف تخالف الحروف المعروفة،وشمالية أو عدنانية،وهي أحدث من لغة الجنوب،وكل ما وصلنا من شعرجاهلي فهو بلغة الشمال،لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أومضر،وهما منا القبائل العدنانية،أو من قبائليمنية رحلت إلىالشمال، كطيئ وكندةو تنوخ،وقد تقاربتاللغتانعلىمر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب والتجارةوالأسواقالأدبية كسوق عكاظ قربالطائف،وذي المجاز و مجنة قرب مكة. وبذلكتغلبت اللغة العدنانية علىالقحطانية،وحين نزل القرانالكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية،وأصبحت معروفة باللغة الفصحى. وقد كان لنزول القران بها اثر في رقيهاوحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ و التعبيرات و المعاني مما أعان على بسطنفوذها،واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرناالحالي.
العرب الذين أخذتعنهم اللغة:
*قال (أبو نصر الفارابي) في أول كتابهالمسمى بالألفاظ والحروف: *كانت(قريش)أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ،وأسهلهاعلى اللسان عند النطق،وأحسنها مسموعا، وأبينها عما في النفس.والذين أخذت عنهم العربية هم (قيس)و(تميم)و(أسد) وعليهم إتكل في الغريبو الأعرابوالتصريف،ثم(هذيل)وبعض(كنانة)وبعض(الطائيين) ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط،ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهمالمجاورة لسائر الأمم الذين حولهم.
*و الذي نقل اللغة واللسان العربي عنهؤلاء وأثبتها في كتاب فصيرها علما و صناعة هم أهل(البصرة) و(الكوفة) فقط من بينأمصار العرب.
*حياة العربالسياسية:
تاريخ العرب في الجاهلية غامض،ولميدون،لتفشي الأميةبينهم،ومع ذلك فقد كانتهناك حياة سياسية، بعضهامتصل بنظام حياتهمالداخلية و بعضها الأخر متصل بعلاقتهم وإتصالهم بمنحولهم:
(أ)أما فيما يتصلبنظمهم الداخلية: فقد قامت في اليمن دولة سبأ،التي كانت عاصمتها (مأرب) ،كما قامت دولة حمير التي كانت عاصمتها (ظفار) وقد حاربت الفرس والأحباش،وفي الشمال نجد العدنانيين الذينتعددت قبائلهم وأكبر فروعهم :ربيعة و مضروكانت بينهما أحداث كثيرة وحروب طويلة،كحرب البسوس بين بكر وتغلب وحرب داحسوالغبراء يبن عبس وذبيان،وكانت مكة أعظم موطن العدنانيين و قد سكنتها كنانة وقريش،وانتهت إليهما ولاية البيت الحرام ثم انحصرت فيقريش.
*(ب)وأما فيمايتصل بعلاقة العرب بغيرهم:فقداتصلوا بمن حولهم عن طريق التجارة،وأشار القران الكريم إلى ذلك وكانت هذه التجارةوسيلة إلى معرفتهم ببعض شؤون الممالك وعمرانها،كما نقلوا عن طريق تلك الرحلات كثيرامن ألفاظ تلك الأمم كالفارسية والرومية و المصرية والحبشية و أدخلوها في لغتهم. *وبالإضافة إلى ذلك فقد أقامت الدولتانالكبيرتان (الفرس و الروم) إمارتين عربيتين على حدودها لدفعغزوات العرب،فكونت (فارس) من القبائلالمجاورة لحدودها إمارة الحيرة وكان أميرها يعينه ملك فارس ومن أشهرهم النعمان بنالمنذر الذي مدحه النابغة الذبياني و إعتذر إليه كذلك أقام الروم إمارة الغساسنة وكانوا يدينون بالنصرانية،واشتهروا بالكرم وقد مدح حسان بن ثابت وغيره بعضأمرائهم،ونتج عن هذا الاتصال بين العرب وجيرانهم تسرب أنواع من الثقافات إليهم،ظهرتفي الألفاظ و القصص والأخبار.
حياة العربالأجتماعية
ينقسم العرب إلى قسمين رئيسيين:
*(أ)سكانالبدو: وهم أغلب سكانالجزيرة،وعيشتهم قائمة على الإرتحال والتنقل وراء العشب والماءومن ثم سكنوا الخيام المصنوعة من الوبرو الشعر والصوف،وقد أكثر الشعراء في وصفها و الوقوفأمام أطلالها (ما بقي من أحجار بعد رحيل سكانها) ،وأكثر طعام أهلالبادية: الحليب و التمر،والإبل عماد حياتهم،يأكلون من لحومها،ويشربون منألبانها،ويكتسبونمن أوبارها،ويحملون عليهاأثقالهم،ولقد قوموابهاالأشياء،وافتدوا بها أسراهم في الحروب: وقالفيها شعراؤهم القصائد الطويلة،كما كانوا يعنون بالخيل،فاستخدموها في الصيد و السباق والحروب،وكانت متاع المترفين،لذلك وردفيها أقل مما ورد في الإبل.
*وكانت العلاقة بين القبائل العربية علاقةعداء،فسادت الحروب حياتهم وانبعثت من خلالها صيحاتالسلام،وظهرت عاطفة الإنتقام و الأخذبالثأر،وكثر في أشعارهم وصف الوقائع و الفخر بالإنتصار والحرص على الشرف،ومن أجلذلك سادت الأخلاق الحربية فيهم،وهي الشجاعة والكرم والوفاء،ومارس العرب من متعالحياة الصيد،وتفشت بينهم عادة شرب الخمر ولعب الميسر،وخاصة بين المترفين منهم،وقامت حياة العربيفي الصحراء على أساس الاعتماد على النفس،ومواجهة الحياة بخيرهاوشرها.وشاركت المرأة الرجل في كثير من شؤون الحياة ،وفي الحروب كن يخرجن لإثارةالحماسة،ومما يدل على مكانتها،أنه لا تكاد تخلو قصيدة من الافتتاح بذكرها والتغزلبها.
*(ب)أماسكانالحضر:فقد سكنوا المدن،وعاشوا في استقرار،واتخذوا الدور والقصور،وكانواأقل شجاعة وأشد حبا للمال،وكان أهل اليمن أرسخ قدما في الحضارة،وقد نقل المؤرخونكثيرا من أحوالهم،في ثيابهم الفاخرة،وأطباق الذهب والفضة التي يأكلون فيها،وتزيينقصور أغنيائهمبأنواع الزينة،وقد أمدهمبذلككثرة أموالهم عن طريق التجارة والزراعة،وكانت (قريش) في مكة أكثر أهل الحجاز تحضرا،فقد أغنتهم التجارة ومن يأويإليهم من الحجيج،فنعموا بما لم ينعم به غيرهم من سكانالحجاز.
حياة العربالدينية:
تعددت الأديان بين العرب،وكان أكثرهاانتشارا عبادة الأصنام و الأوثان،واتخذوا لها أسماء ورد ذكرها في القرانالكريم،مثل: (اللات،والعزى،ومناة) وقد عظمها العرب وقدموا لها الذبائح،وتأثرتحياتهم بها،حتىجاء الإسلام فأزالها وأنقذهممن شرها وكان من العرب من عبدوا الشمسكمافي بعض جهات اليمن ،ومن عبدوا القمر كما في كنانة،وقد انتشرت اليهودية في يثربواليمن وانتشرت النصرانية في ربيعة و غسان و الحيرة ونجران،وهناك طائفة قليلة منالعرب لم تؤمن بالأصنام ولا باليهودية ولا بالنصرانية و اتجهتإلى عبادة الله وحده وهؤلاء يسمون بالحنفاءوكان من بينهم زيد بن عمرو بن نفيل،وورقة بن نوفل وعثمانبن الحارث.وهكذا تعددت الأديان بين العرب،واختلفت المذاهب حتى أشرق نور الإسلام فجمع بينهم،وأقام عقيدة التوحيد على أساس منعبادة الخالق وحده لا شريك له.

*حياة العربالعقلية:
*العلم نتيجة الحضارة،وفي مثل الظروفالاجتماعية التي عاشها العرب،لا يكون علم منظم،ولا علماءيتوافرون على العلم،يدونون قواعده و يوضحونمناهجه إذ أن وسائل العيش لاتتوافر،ولذلكفإن كثيرامنهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهممن التفرع للعلم،والبحث في نظرياته وقضاياه.
*وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعملالمنظم،فهناك الطبيعة المفتوحةبين أيديهم،وتجارب الحياة العمليةوما يهديهم إليه العقلالفطري،وهذا ما كان في الجاهلية،فقد عرفواكثيرا من النجوم ومواقعها،والأنواء وأوقاتها،واهتدوا إلى نوع من الطبتوارثوه جيلا بعد جيل،وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة،إلى جانب درايتهمالقيافة والكهانة،كما كانت لهم نظرات في الحياة. *أما الفلسفة بمفهومها العلميالمنظم،فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ،وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلاالتفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون،من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد،من مثل قولزهير:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومنتخطئ يعمر فيهرم

*واكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضورالبديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية: لغتهم وشعرهم وخطبهمووصاياهم و أمثالهم.

المؤلفات التيتناولت الحياة العقلية في العصر الجاهلي هي:

كتاب للشيخ مصطفىالغلاييني::::::::::::::::::::رجال المعلقاتالعشر.
كتاب لجورجيزيدان:::::::::::::::::: تاريخ الآداب العربية.
لعبد الرحمانشيبان::::::::::::::::::::::::::الادب الجاهلي.
كتاب لطه حسن:::::::::::::::::::العصر الجاهلي كتاب

لكل أمة عقلية خاصة بها، تظهر في تعامل أفرادها بعضهم مع بعض وفي تعامل الأمة مع الأمم الأخري، كما أن لكل أمة نفسية تميزها عن نفسيات الأمم الأخري، وشخصية تمثل تلك الأمة، وملامح تكون غالبة علي أكثر أفرادها، تجعلها سمة لتلك الأمة تميزها عن سمات الأمم الأخري (1).
والعرب مثل غيرهم من الناس لهم ملامح امتازوا بها عن غيرهم، وعقلية خاصة بهم. ولهم شمائل عرفوا واشتهروا بها بين أمم العالم، ونحن هنا نحاول التعرف علي عقلية العربي وعلي ملامحه قبل الإسلام، أي قبل اندماجه واختلاطه اختلاطاً شديداً بالأمم الأخري، وهو ما وقع وحدث في الإسلام.
وقد بحث بعض العلماء والكتاب المحدثين في العقلية العربية، فتكلموا عليها بصورة عامة، بدوية وحضرية، جاهلية وإسلامية. فجاء تعميمهم هذا مغلوطاً وجاءت أحكامهم في الغالب خاطئة. وقد كان عليهم التمييز بين العرب الجاهلين والعرب الاسلاميين، وبين الأعراب والعرب، والتفريق بين سكان البواطن أي بواطن البوادي وسكان الأرياف وسكان أسياف بلاد الحضارة. ثم كان عليهم البحث عن العوامل والأسباب التي جبلت العرب من النوعين: أهل الوبر وأهل الحضر، تلك الجبلة، من عوامل اقليمية وعوامل طبيعية أثرت فيهم، فطبعتهم بطابع خاص، ميزهم عن غيرهم من الناس.

العرب بعيون اليونان و الرومان والكتاب المقدس

بل ان الحديث عن العقلية العربية، حديث قديم، ففي التوارة شيء عن صفاتهم وأوصافهم، كوّن من علاقات الاسرائيليين بهم، ومن تعاملهم واختلاطهم بالعرب النازلين في فلسطين وطور سيناء أو في البوادي المتصلة بفلسطين. ومن أوصافهم فيها: أنهم متنابذون يغزون بعضهم بعضاً، مقاتلون يقاتلون غيرهم كما يقاتلون بعضهم بعضاً (يده علي الكل، ويد الكل عليه) (2). يغيرون علي القوافل فيسلبونها ويأخذون أصحابها أسري، يبيعونهم في أسواق النخاسة، أو يسترقونهم فيتخذونهم خدماً ورقيقاً يقومون بما يؤمرون به من أعمال، الي غير ذلك من نعوت وصفات.
والعرب في التوارة، هم الأعراب، أي سكان البوادي، لذلك فإن النعوت الواردة فيها عنهم، هي نعوت لعرب البادية، أي للأعراب، ولم تكن صلاتهم حسنة بالعبرانيين.
وفي كتب اليونان والرومان والأناجيل، نعوت أيضاً نعت بها العرب وأوصاف وصفوا بها، ولكننا اذا درسناها وقرأنا المواضع التي وردت فيها، نري أنها مثل التوراة، قصدت بها الأعراب، وقد كانوا يغيرون علي حدود امبراطوريتي الرومان واليونان، ويسلبون القوافل، ويأخذون الإتاوات من التجار والمسافرين وأصحاب القوافل للسماح لهم بالمرور.
وقد وصف (ديودورس الصقلي) العرب بأنهم يعشقون الحرية، فيلتحفون السماء. وقد اختاروا الإقامة في أرضين لا أنهار فيها ولا عيون ماء، فلا يستطيع العدو المغامر الذي يريد الايقاع بهم أن يجد له فيها مأوي. انهم لا يزرعون حباً، ولا يغرسون شجراً، ولا يشربون خمراً، ولا يبنون بيوتاً. ومن يخالف العرف يقتل. وهم يعتقدون بالارادة الحرة، وبالحرية (3). وهو يشارك في ذلك رأي (هيرودوتس) الذي أشاد بحب العرب للحرية، وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم واستذلالهم.(4) فالحرية عند العرب هي من أهم الصفات التي يتصف بها العرب في نظر الكتبة اليونان واللاتين.

مآخذ كسري

وفي كتب الأدب وصف مناظرة، قيل انها وقعت بين (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة وبين (كسري) ملك الفرس في شأن العرب: صفاتهم وأخلاقهم وعقولهم، ثم وصف مناظرة أخري جرت بين (كسري) هذا وبين وفد أرسله (النعمان) لمناظرته ومحاجته فيما الحديث عليه سابقاً بين الملكين (5). وفي هذه الكتب أيضاً رأي (الشعوبيين) في العرب، وحججهم في تصغير شأن العرب وازدرائهم لهم، ورد الكتاب عليهم (6). وهي حجج لا تزال تقرن بالعرب في بعض الكتب.
ومجمل ما نسب الي (كسري) من مآخذ زُعم انه أخذها علي العرب، هو أنه نظر فوجد أن لكل أمة من الأمم ميزة وصفة، فوجد للروم حظاً في اجتماع الألفة وعظم السلطان وكثرة المدائن ووثيق البنيان، وأن لهم ديناً يبين حلالهم وحرامهم ويرد سفيههم ويقيم جاهلهم، ورأي للهند، نحواً من ذلك في حكمتها وطبّها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها، وعجيب صناعاتها ودقيق حسابها وكثرة عددها. ووجد للصين كثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد، وأن لها ملكاً يجمعها، وأن للترك والخزر، علي ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون ملوكاً تضم قواصيهم وتدبر أمرهم. ولم يرَ للعرب ديناً ولا حزماً ولا قوة. همتهم ضعيفة بدليل سكنهم في بوادي قفراء، ورضائهم بالعيش البسيط، والقوت الشحيح، يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة. أفضل طعامهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها. وإن قرَي أحدهم ضيفاً عدّها مكرمة. وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم، وتفتخر بذلك رجالهم . (7) ثم إنهم مع قلتهم وفاقتهم وبؤس حالهم، يفتخرون بأنفسهم، ويتطاولون علي غيرهم وينزلون أنفسهم فوق مراتب الناس. (8) حتي لقد حاولوا أن يكونوا ملوكاً أجمعين ، وأبوا الانقياد لرجل واحد منهم يسوسهم ويجمعهم.
اذا عاهدوا فغير وافين (9). سلاحهم كلامهم، به يتفننون، وبكلامهم يتلاعبون. ليس لهم ميل الي صنعة أو عمل ولا فن، لا صبر لهم، اذا حاربوا ووجدوا قوة أمامهم، حاولوا جهدهم التغلب عليها، أما اذا وجدوها قوة منظمة هربوا مشتتين متبعثرين شراذم، يخضعون لحكم الغريب ويهابونه ويأخذون برأيه فيهم، ما دام قوياً، ويقبلون بمن ينصبه عليهم، ولا يقبلون بحكم واحد منهم، اذا أراد أن يفرض سلطانه عليهم. (10)
وقد ذُكر أن أحد ملوك الهند كتب كتاباً الي عمر بن عبد العزيز ، جاء فيه لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كلّ شق من الارض لها ملوك تجمعها ومدائن تضمّها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة، ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة، ورمّانة القبّان التي يوزن بها رطل واحد ومئة رطل، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والاصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف وغير ذلك من الآثار المتقنة، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها، ويقمع ظلمها وينهي سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة ولا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر. وقد شاركتها فيه العجم، وذلك أن للروم أشعاراً عجيبة قائمة الوزن والعروض فما الذي تفتخر به العرب علي العجم فإنما هي كالذئاب العادية، والوحوش النافرة، يأكل بعضها بعضاً ويغير بعضها علي بعض. فرجالها موثقون في حلق الأسر، ونساؤها سبايا مردفات علي حقائب الإبل، فإذا أدركهن الصريخ استنقذن بالعشي، وقد وطئن كما توطأ الطريق المهيع . (11) الي آخر ذلك من كلام.
وقد تعرض السيد محمود شكري الألوسي في كتابه بلوغ الأرب ، لهذا الموضوع، فجاء بما اقتبسته منه، ثم جاء برأي ابن قتيبة علي الشعوبية، في كتابه: كتاب تفضيل العرب ، ثم أنهاه ببيان رأيه في هذه الآراء وفي رد ابن قتيبة عليها. (12)
ولابن خلدون رأي معروف في العرب، خلاصته أن العربي متوحش نهّاب سلاّب اذا أخضع مملكة أسرع اليها الخراب، يصعب انقياده لرئيس، لا يجيد صناعة ولا يحسن علماً ولا عنده استعداد للاجادة فيهما، سليم الطباع، مستعد للخير شجاع . (13) وتجد آراءه هذه مدوّنة في مقدمته الشهيرة لكتابه العام في التاريخ.

المستشرقون

وقد رمي بعض المستشرقين العرب بالمادية وبصفات أخري، فقال أوليري : إن العربي الذي يعد مثلاً أو نموذجاً، ماديّ ينظر الي الأشياء نظرة مادية وضيعة، ولا يقوّمها الا بحسب ما تنتج من نفع، يتملك الطمع مشاعره، وليس لديه مجال للخيال ولا للعواطف، لا يميل كثيراً الي دين، ولا يكترث بشيء الا بقدر ما ينتجه من فائدة عملية، يملؤه الشعور بكرامته الشخصية حتي ليثور علي كل شكل من أشكال السلطة، وحتي ليتوقع منه سيد قبيلته وقائده في الحروب الحسد والبغض والخيانة من أول يوم اختير للسيادة عليه ولو كان صديقاً حميماً له من قبل، من أحسن اليه كان موضع نقمته، لأن الاحسان يثير فيه شعوراً بالخضوع وضعف المنزلة وأن عليه واجباً لمن أحسن. يقول لامانس إن العربي نموذج الديمقراطية ، ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها الي حد بعيد، وان ثورته علي كل سلطة تحاول أن تحدد من حريته ولو كانت في مصلحته هي السر الذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء في تاريخ العرب، وجهل هذا السر هو الذي قاد الأوروبيين في أيامنا هذه الي كثير من الأخطاء، وحملهم كثيراً من الضحايا كان يمكنهم الاستغناء عنها، وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيرهم في سبيل الحضارة الغربية، ويبلغ حب العربي لحريته مبلغاً كبيراً، حتي إذا حاولت أن تحدها أو تنقص من أطرافها هاج كأنه وحش في قفص، وثار ثورة جنونية لتحطيم أغلاله والعودة الي حريته. ولكن العربي من ناحية أخري مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدي واجبات الضيافة والمحالفة في الحروب كما يؤدي واجبات الصداقة مخلصاً في أدائها بحسب ما رسمه العرف… وعلي العموم، فالذي يظهر لي أن هذه الصفات والخصائص أقرب أن تعد صفات وخصائص الطور من النشوء الاجتماعي عامة من أن تعد صفات خاصة لشعب معين، حتي اذا قر العرب وعاشوا عيشة زراعية مثلاً، تعدلت هذه العقلية (14). ويوافق المستشرق (براون أوليري) في رمي العرب بالمادية المفرطة (15). ورماهم (أوليري) أيضاً بضعف الخيال وجمود العواطف (16).
أما (دوزي) فقد رأي أن بين العرب اختلافاً في العقلية وفي النفسية، وأن القحطانيين يختلفون في النفسية عن نفسية العدنانيين (17).
وقد تعرض (أحمد أمين) في الجزء الأول من (فجر الاسلام) للعقلية العربية، وأورد رأي الشعوبيين في العرب، ثم رأي (ابن خلدون) فيهم، وتكلم علي وصف المستشرق (أوليري) لتلك العقلية، ثم ناقش تلك الآراء، وأبان رأيه فيها وذلك في الفصل الثالث من هذا الجزء، وتحدث في الفصل الرابع عن (الحياة العقلية للعرب في الجاهلية). وخصص الفصل الخامس بـ (مظاهر الحياة العقلية)، وتتجلي عنده في: اللغة والشعر والمثل والقصص. أوجز (أحمد أمين) في بداية الفصل الثالث آراء المذكورين في العرب، وبعد أن انتهي من عرضها وتلخيصها ناقشها بقوله: لسنا نعتقد تقديس العرب، ولا نعبأ بمثل هذا النوع من القول الذي يمجدهم ويصفهم بكل كمال، وينزههم عن كل نقص، لأن هذا النمط من القوط ليس نمط البحث العلمي، انما نعتقد ان العرب شعب ككل الشعوب، له ميزاته وفيه عيوبه، وهو خاضع لكل نقد علمي في عقليته ونفسيته وآدابه وتاريخه ككل أمة أخري، فالقول الذي يمثله الرأي الخاص لا يستحق مناقشة ولا جدلاً، كذلك يخطيء الشعوبية أصحاب القول الأول الذين كانوا يتطلبون من العرب فلسفة كفلسفة اليونان، وقانوناً كقانون الرومان، أو ان يمهروا في الصناعات كصناعة الديباج، أو في المخترعات كالاصطرلاب، فإنه ان كان يقارن هذه الأمم بالعرب في جاهليتها كانت مقارنة خطأ، لأن المقارنة انما تصح بين أمم في طور واحد من الحضارة، لا بين أمة متبدية وأخري متحضرة، ومثل هذه المقارنة كمقارنة بين عقل في طفولته وعقل في كهولته، وكل أمة من هذه الأمم كالفرس والروم مرت بدور بداوة لم يكن لها فيه فلسفة ولا مخترعات. أما إن كان يقارن العرب بعد حضارتها، فقد كان لها قانون وكان لها علم وان كان قليلاً.. (18) ثم استمر يناقش تلك الآراء الي أن قال: فلنقتصر الآن علي وصف العربي الجاهلي (19)، فوصفه بهذا الوصف:

العربي الجاهلي

العربي عصبي المزاج، سريع الغضب، يهيج للشيء التافه، ثم لا يقف في هياجه عند حد، وهو أشد هياجاً اذا جرحت كرامته، أو انتهكت حرمة قبيلته. واذا اهتاج، أسرع الي السيف، واحتكم اليه، حتي أفنتهم الحروب، وحتي صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة.
والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيراً ما يعتمد علي اللمحة الدالة والاشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو الا أن يُفجأ بالأمر فيفجؤك بحسن الجواب، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعني الواحد علي أشكال متعددة، فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعني، وان شئت فقل ان لسانه أمهر من عقله.
خياله محدود وغير متنوع، فقلما يرسم له خياله عيشة خيراً من عيشته، وحياة خيراً من حياته يسعي وراءها، لذلك لم يعرف (المثل الأعلي)، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر اليه فيما نعرف من قوله، وقلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معني جديداً، ولكنه في دائرته الضيقة استطاع أن يذهب كل مذهب.
أما ناحيتهم الخلقية، فميل الي حرية قلّ أن يحدّها حدّ، ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الاجتماعية، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تاريخهم في الجاهلية ـ حتي وفي الإسلام ـ سلسلة حروب داخلية، وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه، رضي الله عنه، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب.
والعربي يحب المساواة، ولكنها مساواة في حدود القبيلة، وهو مع حبه للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم ممتاز، لم يؤمن بعظمة الفرس والروم مع ما له ولهم من جدب وخصب وفقر وغني وبداوة وحضارة، حتي اذا فتح بلادهم نظر اليهم نظرة السيد الي المسود (20).
ثم خلص الي أن العرب في جاهليتهم كان أكثرهم بدواً، وان طور البداوة طور اجتماعي طبيعي تمر به الامم في اثناء سيرها الي الحضارة، وان لهذا الطور مظاهر عقلية طبيعية، تتجلي في ضعف التعليل، وعني بذلك عدم القدرة علي فهم الارتباط بين العلة والمعلول والسبب والمسبب فهماً تاماً، يمرض أحدهم ويتألم من مرضه، فيصفون له علاجاً، فيفهم نوعاً ما من الارتباط بين الدواء والداء، ولكن لا يفهمه فهم العقل الدقيق الذي يتفلسف، يفهم ان عادة القبيلة أن تتناول هذا الدواء عند هذا الداء، وهذا كل شيء في نظره، لهذا لا يري عقله بأساً في أن يعتقد ان دم الرئيس يشفي من الكَلَب، أو ان سبب المرض روح شرير حل فيه فيداويه بما يطرد هذه الأرواح، أو انه اذا خيف علي الرجل الجنون نجسوه بتعليق الأقذار وعظام الموتي الي كثير من أمثال ذلك، ولا يستنكر شيئاً من ذلك ما دامت القبيلة تفعله، لأن منشأ الاستنكار دقة النظر والقدرة علي بحث المرض وأسبابه وعوارضه، وما يزيل هذه العوارض، وهذه درجة لا يصل اليها العقل في طوره الأول (21).
ثم أورد أمثلة للاستدلال بها علي ضعف التعليل، مثل قولهم بخراب سدّ مأرب بسبب جرذان حُمر، ومثل قصة قتل النعمان لسنمار بسبب آجرة وضعها سنمار في أساس قصر الخورنق، لو زالت سقط القصر. ثم تحدث عن مظهر آخر من مظاهر العقلية العربية، لاحظه بعض المستشرقين ووافقهم هو عليه، هو: ان طبيعة العقل العربي لا تنظر الي الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر الي العالم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، بل كان يطوف فيما حوله، فإذا رأي منظراً خاصاً أعجبه تحرك له، وجاس صدره بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. فأما نظرة شاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي. وفوق هذا هو اذا نظر الي الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه علي مواطن خاصة تستثير عجبه، فهو اذا وقف أمام شجرة، لا ينظر اليها ككل، انما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها، واذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه (الفوتوغرافيا)، انما يكون كالنحلة، يطير من زهرة الي زهرة، فيرتشف من كل رشفة . الي ان قال: هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ما نري في أدب العرب ـ حتي في العصور الإسلامية ـ من نقص وما تري فيه من جمال .
وقد خلص من بحثه، الي ان هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر به الأمم جميعاً في أثناء سيرها الي الكمال، نشأ من البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها العرب، وهو ليس الا وراثة لنتائج هذه البيئات، ولو كانت هنالك أية أمة أخري في مثل بياتهم، لكان لها مثل عقليتهم، وأكبر دليل علي ذلك ما يقرره الباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئات متشابهة أو متقاربة، واذا كان العرب سكان صحاري، كان لهم شبه كبير بسكان الصحاري في البقاع الأخري من حيث العقل والخلق (22).

الطبيعة

أما العوامل التي عملت في تكوين العقلية العربية وفي تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان هما: البيئة الطبيعية، وعني بها ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء وغير ذلك، والبيئة الاجتماعية، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية.
وحصر أحمد أمين مظاهر الحياة العقلية في الجاهلية في الأمور التالية: اللغة والشعر والأمثال والقصص. وتكلم علي كل مظهر من هذه المظاهر وجاء بأمثلة استدل بها ما ذهب اليه.
والحدود التي وضعها أحمد أمين للعقلية العربية الجاهلية، هي حدود عامة، جعلها تنطبق علي عقلية أهل الوبر وعقلية أهل المدر، لم يفرق فيها بين عقلية من عقلية الجماعتين. وقد كونها ورسمها من دراساته لما ورد في المؤلفات الإسلامية من أمور لها صلة بالحياة العقلية ومن مطالعاته لما أورده (أوليري) (وبراون) وأمثالهما عن العقلية العربية، ومن آرائه وملاحظاته لمشكلات العالم العربي ولوضع العرب في الزمن الحاضر. والحدود المذكورة هي صورة متقاربة مع الصورة التي يرسمها العلماء المشتغلون بالسامية عادة عن العقلية السامية، وهي مثلها أيضاً مستمدة من آراء وملاحظات وأوصاف عامة شاملة، ولم تستند الي بحوث علمية ودراسات مختبرية، لذا فانني لا أستطيع أن أقول أكثر مما قلته بالنسبة الي تحديد العقلية السامية، من وجوب التريث والاستمرار في البحث ومن ضرورة تجنب التعميم والاستعجال في اعطاء الأحكام.
وتقوم نظرية أحمد أمين في العقلية العربية علي أساس أنها حاصل شيئين وخلاصة عاملين، أثرا مجتمعين في العرب وكوّنا فيهما هذه العقلية التي حددها ورسم معالمها في النعوت المذكورة. والعاملان في رأيه هما: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. وعني بالبيئة الطبيعية ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك، وبالبيئة الاجتماعية ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وهما معاً مجتمعين غير منفصلين، أثّرا في تلك العقلية. ولهذا رفض أن تكون تلك العقلية حاصل البيئة الطبيعية وحدها، أو حاصل البيئة الاجتماعية وحدها. وأخطأ من أنكر أثر البيئة الطبيعية في تكوين العقلية ومن هنا انتقد (هيغل) (
Hegel)، لأنه أنكر ما للبيئة الطبيعية من أثر في تكوين العقلي اليوناني، وحجة (هيغل) انه لو كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين العقليات، لبان ذلك في عقلية الأتراك الذين احتلوا أرض اليونان وعاشوا في بلادهم، ولكنهم لم يكتسبوا مع ذلك عقلهم ولم تكن لهم قابلياتهم ولا ثقافتهم. ورد (أحمد أمين) عليه هو أن ذلك يكون صحيحاً لو كانت البيئة الطبيعية هي المؤثر الوحيد، اذن لكان مثل العقل اليوناني يوجد حيث يوجد اقليمه، وينعدم حيث ينعدم، أما والعقل اليوناني نتيجة عاملين، فوجود جزء العلة لا يستلزم وجود المعلول (23).
وأثر البيئة الطبيعية في العرب، أنها جعلت بلادهم بقعة صحراوية تصهرها الشمس، ويقل فيها الماء، ويجف الهواء، وهي أمور لم تسمح للنبات أن يكثر، ولا للمزروعات أن تنمو، الا كلأ مبعثرا هنا وهناك، وأنواعاً من الأشجار والنبات مفرقة استطاعت أن تتحمل الصيف القائظ، والجو الجاف، فهزلت حيواناتهم، ونحلت أجسامهم، وهي كذلك أضعفت فيها حركة المرور، فلم يستطع السير فيها الا الجمل، فصعب علي المدنيات المجاورة من فرس وروم أن تستعمر الجزيرة، وتفيض عليها من ثقافتها، اللهم الا ما تسرب منها في مجار ضيقة معوجة عن طرق مختلفة .
وأثر آخر كان لهذه البيئة الطبيعية في العرب، هو انها أثرت في النفوس فجعلتها تشعر انها وحدها تجاه طبيعة قاسية، تقابلها وجهاً لوجه، لا حول لها ولا قوة، لا مزروعات واسعة، ولا أشجار باسقة، تطلع الشمس فلا ظل، ويطلع القمر والنجوم فلا حائل، تبعث الشمس أشعتها المحرقة القاسية فتصيب أعماق نخاعه، ويسطع القمر فيرسل أشعته الفضية الوادعة فتبهر لبّه، وتتألق النجوم في السماء فتملك عليه نفسه، وتعصف الرياح العاتية فتدمر كل ما أتت عليه. أمام هذه الطبيعة القوية، والطبيعة الجميلة، والطبيعة القاسية، تهرع النفوس الحساسة الي رحمن رحيم، والي بارئ مصور والي حفيظ مغيث ـ الي الله ـ. ولعل هذا هو السر في أن الديانات الثلاث التي يدين بها أكثر العالم، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام نبعت من صحراء سيناء وفلسطين وصحراء العرب (24). والبيئة الطبيعية أيضاً، هي التي أثرت ـ علي رأيه ـ في طبع العربي، فجعلته كئيباً صارماً يغلب عليه الوجد، موسيقاه ذات نغمة واحدة متكررة عابسة حزينة، ولغته غنية بالالفاظ، اذ كانت تلك الألفاظ من ضروريات الحياة في المعيشة البدوية، وشعره ذا حدود معينة مرسومة، وقوانينه تقاليد القبيلة وعرف الناس، وهي التي جعلته كريماً علي فقره، يبذل نفسه في سبيل الدفاع عن حمي قبيلته. كل هذه وأمثالها من صفات ذكرها وشرحها هي في رأيه من خلق هذه البيئة الطبيعية التي جعلت لجزيرة العرب وضعاً خاصاً ومن أهلها جماعة امتازت عن بقية الناس بالمميزات المذكورة.
وقد استمر (أحمد أمين)، في شرح أثر البيئة الطبيعية في عقلية العرب وفي مظاهر تلك العقلية التي حصرها كما ذكرت في اللغة والشعر والأمثال والقصص، حتي انتهي من الفصول التي خصصها في تلك العقلية، أما أثر البيئة الاجتماعية التي هي في نظره شريكة للبيئة الطبيعية في عملها وفعلها في العقلية الجاهلية وفي كل عقلية من العقليات، فلم يتحدث عنه ولم يشر الي فعله، ولم يتكلم علي أنواع تلك البيئة ومقوماتها التي ذكرها في أثناء تعريفه لها، وهي: ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك ، ثم خلص من بحثه عن العقلية العربية وعن مظاهرها وكأنه نسي ما نسبه الي العامل الثاني من فعل، بل الذي رأيته وفهمته من خلال ما كتبه انه أرجع ما يجب ارجاعه الي عامل البيئة الاجتماعية ـ علي حد قوله ـ الي فعل عامل البيئة الطبيعية وأثرها في عقلية العرب الجاهليين. وهكذا صارت البيئة الطبيعية هي العامل الأول الفعال في تكوين تلك العقلية، وحرمنا بذلك من الوقوف علي أمثلته لتأثير عامل البيئة الاجتماعية في تكوين عقلية الجاهليين.
وأعتقد ان (أحمد أمين) لو كان قد وقف علي ما كتب في الألمانية أو الفرنسية أو الانكليزية عن تاريخ اليمن القديم المستمد من المسند، ولو كان قد وقف علي ترجمات كتابات المسند او الكتابات الثمودية، والصفوية، واللحيانية، لما كان قد أهمل الإشارة الي أصحاب تلك الكتابات، ولعدّل حتماً في حدود تعريفه للعقلية العربية، ولأفرز صفحة أو أكثر الي أثر طبيعة أرض اليمن وحضرموت في عقلية أهل اليمن وفي تكوين حضارتهم وثقافتهم، فإن فيما ذكره في فصوله عن العقلية العربية الجاهلية ما يجب رفعه وحذفه بالنسبة الي أهل اليمن وأعالي الحجاز.




رد: طبيعة العقلية العربية

الونشريس اقتباس الونشريس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yasser83
*تمهيد:
*يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من(الشعر والنثر)وإن كانالنثر قليلا جدا مقارنةبالشعر أن نقدم بهذهاللمحة عنبيئة الأدب،و مظاهر الحياةالعربية المختلفة من سياسية،واجتماعية،ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية والاجتماعية.
*ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترةالتي سبقت الإسلام بنحومائة وثلاثين عامقبل الهجرة.وقدشب هذا الأدب وترعرع في بلادالعرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتهاالطبيعية والاجتماعية والفكرية،ويحدد لنابشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة.ممايعين الدارس علىفهم أدب ذلك العصر،واستنتاجخصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهوللضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل .
*بلادالعرب:
يطلق على بلاد العرب جزيرة العرب أوالجزيرة العربيةوتقع في الجنوب الغربي منأسيا، وهي فيالواقعشبه جزيرة،لأن الماء لا يحيط بها منجهتها الشمالية،لكن القدماء سموها جزيرة تجوزا،وهي فيجملتها صحراء ،بها الكثير من الجبال الجرداء،ويتخللهاوديان تجري فيها السيول أحيان، وإلى جانبذلك: بعض العيون والواحات.
*وتحد جزيرة العرب بنهر الفراة وباديةالشام شمالا،وبالخليج العربي،وبحر عمان شرقا،وبالبحر العربيوالمحيط الهندي جنوبا وببحرالأحمر (بحر القلزم)غربا،وتبلغ مساحتها نحوربع أوروبا،وتتكون الجزيرةالعربية من جزأينكبيرين:
*(ا)أماالحجاز:فسمي بهذه التسمية لأنسلسلة جبال السراة التي يصل ارتفاعها أحيانا إلى 3150م،تمتدمن الشمال إلى بلاد اليمن جنوبا،فسمته العربحجازا،لأنه حجز بين تهامة ونجد.والحجاز أرضه قفر،قليلة المطر شديدة الحرارة،إالا في بعض المناطق كالطائف التي يعتدل جوها،وتجود أرضها وأشهر مدن الحجاز :مكة،وبها (الكعبة )البيت الحرام ،ويثرب (المدينةالمنورة)التي هاجر إليها النبي صلى الله عليهوسلم،وبها لحق بربه.وكان يسكن الحجاز من القبائل العربية (قريش)فيمكة،و(الأوس والخزرج)فيالمدينة ،و(ثقيف)فيالطائف.
*(ب)وأمااليمن:فيقع جنوبي الحجاز،وهو أرضمنخفضة على شاطئ البحر الأحمر،مرتفعة في الداخل،وقد إشتهر بالثروة والغنى والحضارة،جوهمعتدل بسبب إشرافه على المحيط الهندي(البحر العربي)و البحرالأحمر،وأمطارهغزيرة وأرضه خصبة.وأشهر مدن اليمن: نجران التي اشتهرت في الجاهليةبإعتناق أهلهاالنصرانية،وصنعاء في الوسط وهيعاصمة اليمن الحديثة،وفي الشمال الشرقي منها مأرب المعروفةبسدها الذي ورد في القران في قصةسبأ.ومنأكبر القبائل التي كانت تسكن اليمنقبيلة همدان،وقبيلتامذحج ومراد.ومناخ شبهالجزيرة قاري،حار صيفا،بارد شتاء،وليس بهاأنهار ولذا يعتمد أهلها علىالأمطار.
أصلالعرب:
يرجع أصل العرب لإلى شعبين عضيمينكبيرين،تفرعت منهما القباائل العربية،وهما:
*(أ)عرب الشمال أوالحجازيون: وهم من نسل عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ويسمون: بالعرب المستعربة،لأن إسماعيل عليه السلاملم تكن لغته الأصلية اللغة العربية،وإنما نطق بها لما رحل مع أبيه إبراهيم إلىالحجاز وأصهلر إلى قبيلة جرهم،وتكلم بلسانهم.
*(ب)عربالجنوب:وهم من نسل قحطان،ويسمونبالعرب العاربة،لأن العربية في الأصل لغتهم ولسانهم.وكلالعدنانيين و القحطانيينينقسمون إلى فرعين أساسيين،وكل فرع ينقسم إلى قبائل متعددة،والقبيلة هي الوحدةالتي أقاموا عليها نظامهم الاجتماعي،ومنأشهر القبائل العدنانية:بكر،وتغلب وهما من فرع ربيعة،قريشوكنانة وأسد وقيس وتميم وهم من فرع مضرومنأشهر قبائل القحطانيين:طيئ وكندة ولخم والأزدوغسان، وهم من فرع كهلان،وقضاعة وجهينة وعذرة وكلب وهم من فرع حمير.
و القبيلة:
أسرة واحدة كبيرة تنتمي إلى أب وأمواحدة،ولها شيخ هو سيد القبيلة،ومن وظائفه الفصل بين المتخاصمينوسيادته مستمدة من احترام وإجلال القبيلة لهو علاقة القبائل تقوم غالبا على العداء،فالقبيلة إما مغيرة أو مغار عليها،إلا أنيكون بين بعض القبائل حلف أو مهادنة.ولكل قبيلة شاعر أو أكثر يرفع ذكرها،ويتغنىبمفاخرها،ويهجو أعداءها،وكل فرد في القبيلة متعصب لقبيلته، مادح لمحاسنها،وعلىالقبيلة أن تحميه، وتدافع عنه،وتطالب بدمه،فالفرد من القبيلة و إليها،حتى ليقولقائلهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشدغزية أرشد.
لغةالعرب:
*اللغة العربية هي إحدى اللغات الساميةالتي نشأت عن أصل واحد،وهيالاشورية والعبرية والسريانيةوالحبشية)،وتقتصر اللغات العربية في كتابتهاعلى الحروف دون الحركات،ويزيد حروفهاعناللغات الآريةمع كثرة الاشتقاق في صيغهاوقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى،ولكن مؤرخي العربيةاتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين:جنوبية أو قحطانية،ولها حروف تخالف الحروف المعروفة،وشمالية أو عدنانية،وهي أحدث من لغة الجنوب،وكل ما وصلنا من شعرجاهلي فهو بلغة الشمال،لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أومضر،وهما منا القبائل العدنانية،أو من قبائليمنية رحلت إلىالشمال، كطيئ وكندةو تنوخ،وقد تقاربتاللغتانعلىمر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب والتجارةوالأسواقالأدبية كسوق عكاظ قربالطائف،وذي المجاز و مجنة قرب مكة. وبذلكتغلبت اللغة العدنانية علىالقحطانية،وحين نزل القرانالكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية،وأصبحت معروفة باللغة الفصحى. وقد كان لنزول القران بها اثر في رقيهاوحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ و التعبيرات و المعاني مما أعان على بسطنفوذها،واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرناالحالي.
العرب الذين أخذتعنهم اللغة:
*قال (أبو نصر الفارابي) في أول كتابهالمسمى بالألفاظ والحروف: *كانت(قريش)أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ،وأسهلهاعلى اللسان عند النطق،وأحسنها مسموعا، وأبينها عما في النفس.والذين أخذت عنهم العربية هم (قيس)و(تميم)و(أسد) وعليهم إتكل في الغريبو الأعرابوالتصريف،ثم(هذيل)وبعض(كنانة)وبعض(الطائيين) ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط،ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهمالمجاورة لسائر الأمم الذين حولهم.
*و الذي نقل اللغة واللسان العربي عنهؤلاء وأثبتها في كتاب فصيرها علما و صناعة هم أهل(البصرة) و(الكوفة) فقط من بينأمصار العرب.
*حياة العربالسياسية:
تاريخ العرب في الجاهلية غامض،ولميدون،لتفشي الأميةبينهم،ومع ذلك فقد كانتهناك حياة سياسية، بعضهامتصل بنظام حياتهمالداخلية و بعضها الأخر متصل بعلاقتهم وإتصالهم بمنحولهم:
(أ)أما فيما يتصلبنظمهم الداخلية: فقد قامت في اليمن دولة سبأ،التي كانت عاصمتها (مأرب) ،كما قامت دولة حمير التي كانت عاصمتها (ظفار) وقد حاربت الفرس والأحباش،وفي الشمال نجد العدنانيين الذينتعددت قبائلهم وأكبر فروعهم :ربيعة و مضروكانت بينهما أحداث كثيرة وحروب طويلة،كحرب البسوس بين بكر وتغلب وحرب داحسوالغبراء يبن عبس وذبيان،وكانت مكة أعظم موطن العدنانيين و قد سكنتها كنانة وقريش،وانتهت إليهما ولاية البيت الحرام ثم انحصرت فيقريش.
*(ب)وأما فيمايتصل بعلاقة العرب بغيرهم:فقداتصلوا بمن حولهم عن طريق التجارة،وأشار القران الكريم إلى ذلك وكانت هذه التجارةوسيلة إلى معرفتهم ببعض شؤون الممالك وعمرانها،كما نقلوا عن طريق تلك الرحلات كثيرامن ألفاظ تلك الأمم كالفارسية والرومية و المصرية والحبشية و أدخلوها في لغتهم. *وبالإضافة إلى ذلك فقد أقامت الدولتانالكبيرتان (الفرس و الروم) إمارتين عربيتين على حدودها لدفعغزوات العرب،فكونت (فارس) من القبائلالمجاورة لحدودها إمارة الحيرة وكان أميرها يعينه ملك فارس ومن أشهرهم النعمان بنالمنذر الذي مدحه النابغة الذبياني و إعتذر إليه كذلك أقام الروم إمارة الغساسنة وكانوا يدينون بالنصرانية،واشتهروا بالكرم وقد مدح حسان بن ثابت وغيره بعضأمرائهم،ونتج عن هذا الاتصال بين العرب وجيرانهم تسرب أنواع من الثقافات إليهم،ظهرتفي الألفاظ و القصص والأخبار.
حياة العربالأجتماعية
ينقسم العرب إلى قسمين رئيسيين:
*(أ)سكانالبدو: وهم أغلب سكانالجزيرة،وعيشتهم قائمة على الإرتحال والتنقل وراء العشب والماءومن ثم سكنوا الخيام المصنوعة من الوبرو الشعر والصوف،وقد أكثر الشعراء في وصفها و الوقوفأمام أطلالها (ما بقي من أحجار بعد رحيل سكانها) ،وأكثر طعام أهلالبادية: الحليب و التمر،والإبل عماد حياتهم،يأكلون من لحومها،ويشربون منألبانها،ويكتسبونمن أوبارها،ويحملون عليهاأثقالهم،ولقد قوموابهاالأشياء،وافتدوا بها أسراهم في الحروب: وقالفيها شعراؤهم القصائد الطويلة،كما كانوا يعنون بالخيل،فاستخدموها في الصيد و السباق والحروب،وكانت متاع المترفين،لذلك وردفيها أقل مما ورد في الإبل.
*وكانت العلاقة بين القبائل العربية علاقةعداء،فسادت الحروب حياتهم وانبعثت من خلالها صيحاتالسلام،وظهرت عاطفة الإنتقام و الأخذبالثأر،وكثر في أشعارهم وصف الوقائع و الفخر بالإنتصار والحرص على الشرف،ومن أجلذلك سادت الأخلاق الحربية فيهم،وهي الشجاعة والكرم والوفاء،ومارس العرب من متعالحياة الصيد،وتفشت بينهم عادة شرب الخمر ولعب الميسر،وخاصة بين المترفين منهم،وقامت حياة العربيفي الصحراء على أساس الاعتماد على النفس،ومواجهة الحياة بخيرهاوشرها.وشاركت المرأة الرجل في كثير من شؤون الحياة ،وفي الحروب كن يخرجن لإثارةالحماسة،ومما يدل على مكانتها،أنه لا تكاد تخلو قصيدة من الافتتاح بذكرها والتغزلبها.
*(ب)أماسكانالحضر:فقد سكنوا المدن،وعاشوا في استقرار،واتخذوا الدور والقصور،وكانواأقل شجاعة وأشد حبا للمال،وكان أهل اليمن أرسخ قدما في الحضارة،وقد نقل المؤرخونكثيرا من أحوالهم،في ثيابهم الفاخرة،وأطباق الذهب والفضة التي يأكلون فيها،وتزيينقصور أغنيائهمبأنواع الزينة،وقد أمدهمبذلككثرة أموالهم عن طريق التجارة والزراعة،وكانت (قريش) في مكة أكثر أهل الحجاز تحضرا،فقد أغنتهم التجارة ومن يأويإليهم من الحجيج،فنعموا بما لم ينعم به غيرهم من سكانالحجاز.
حياة العربالدينية:
تعددت الأديان بين العرب،وكان أكثرهاانتشارا عبادة الأصنام و الأوثان،واتخذوا لها أسماء ورد ذكرها في القرانالكريم،مثل: (اللات،والعزى،ومناة) وقد عظمها العرب وقدموا لها الذبائح،وتأثرتحياتهم بها،حتىجاء الإسلام فأزالها وأنقذهممن شرها وكان من العرب من عبدوا الشمسكمافي بعض جهات اليمن ،ومن عبدوا القمر كما في كنانة،وقد انتشرت اليهودية في يثربواليمن وانتشرت النصرانية في ربيعة و غسان و الحيرة ونجران،وهناك طائفة قليلة منالعرب لم تؤمن بالأصنام ولا باليهودية ولا بالنصرانية و اتجهتإلى عبادة الله وحده وهؤلاء يسمون بالحنفاءوكان من بينهم زيد بن عمرو بن نفيل،وورقة بن نوفل وعثمانبن الحارث.وهكذا تعددت الأديان بين العرب،واختلفت المذاهب حتى أشرق نور الإسلام فجمع بينهم،وأقام عقيدة التوحيد على أساس منعبادة الخالق وحده لا شريك له.

*حياة العربالعقلية:
*العلم نتيجة الحضارة،وفي مثل الظروفالاجتماعية التي عاشها العرب،لا يكون علم منظم،ولا علماءيتوافرون على العلم،يدونون قواعده و يوضحونمناهجه إذ أن وسائل العيش لاتتوافر،ولذلكفإن كثيرامنهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهممن التفرع للعلم،والبحث في نظرياته وقضاياه.
*وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعملالمنظم،فهناك الطبيعة المفتوحةبين أيديهم،وتجارب الحياة العمليةوما يهديهم إليه العقلالفطري،وهذا ما كان في الجاهلية،فقد عرفواكثيرا من النجوم ومواقعها،والأنواء وأوقاتها،واهتدوا إلى نوع من الطبتوارثوه جيلا بعد جيل،وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة،إلى جانب درايتهمالقيافة والكهانة،كما كانت لهم نظرات في الحياة. *أما الفلسفة بمفهومها العلميالمنظم،فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ،وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلاالتفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون،من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد،من مثل قولزهير:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومنتخطئ يعمر فيهرم

*واكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضورالبديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية: لغتهم وشعرهم وخطبهمووصاياهم و أمثالهم.

المؤلفات التيتناولت الحياة العقلية في العصر الجاهلي هي:

كتاب للشيخ مصطفىالغلاييني::::::::::::::::::::رجال المعلقاتالعشر.
كتاب لجورجيزيدان:::::::::::::::::: تاريخ الآداب العربية.
لعبد الرحمانشيبان::::::::::::::::::::::::::الادب الجاهلي.
كتاب لطه حسن:::::::::::::::::::العصر الجاهلي كتاب

لكل أمة عقلية خاصة بها، تظهر في تعامل أفرادها بعضهم مع بعض وفي تعامل الأمة مع الأمم الأخري، كما أن لكل أمة نفسية تميزها عن نفسيات الأمم الأخري، وشخصية تمثل تلك الأمة، وملامح تكون غالبة علي أكثر أفرادها، تجعلها سمة لتلك الأمة تميزها عن سمات الأمم الأخري (1).
والعرب مثل غيرهم من الناس لهم ملامح امتازوا بها عن غيرهم، وعقلية خاصة بهم. ولهم شمائل عرفوا واشتهروا بها بين أمم العالم، ونحن هنا نحاول التعرف علي عقلية العربي وعلي ملامحه قبل الإسلام، أي قبل اندماجه واختلاطه اختلاطاً شديداً بالأمم الأخري، وهو ما وقع وحدث في الإسلام.
وقد بحث بعض العلماء والكتاب المحدثين في العقلية العربية، فتكلموا عليها بصورة عامة، بدوية وحضرية، جاهلية وإسلامية. فجاء تعميمهم هذا مغلوطاً وجاءت أحكامهم في الغالب خاطئة. وقد كان عليهم التمييز بين العرب الجاهلين والعرب الاسلاميين، وبين الأعراب والعرب، والتفريق بين سكان البواطن أي بواطن البوادي وسكان الأرياف وسكان أسياف بلاد الحضارة. ثم كان عليهم البحث عن العوامل والأسباب التي جبلت العرب من النوعين: أهل الوبر وأهل الحضر، تلك الجبلة، من عوامل اقليمية وعوامل طبيعية أثرت فيهم، فطبعتهم بطابع خاص، ميزهم عن غيرهم من الناس.

العرب بعيون اليونان و الرومان والكتاب المقدس

بل ان الحديث عن العقلية العربية، حديث قديم، ففي التوارة شيء عن صفاتهم وأوصافهم، كوّن من علاقات الاسرائيليين بهم، ومن تعاملهم واختلاطهم بالعرب النازلين في فلسطين وطور سيناء أو في البوادي المتصلة بفلسطين. ومن أوصافهم فيها: أنهم متنابذون يغزون بعضهم بعضاً، مقاتلون يقاتلون غيرهم كما يقاتلون بعضهم بعضاً (يده علي الكل، ويد الكل عليه) (2). يغيرون علي القوافل فيسلبونها ويأخذون أصحابها أسري، يبيعونهم في أسواق النخاسة، أو يسترقونهم فيتخذونهم خدماً ورقيقاً يقومون بما يؤمرون به من أعمال، الي غير ذلك من نعوت وصفات.
والعرب في التوارة، هم الأعراب، أي سكان البوادي، لذلك فإن النعوت الواردة فيها عنهم، هي نعوت لعرب البادية، أي للأعراب، ولم تكن صلاتهم حسنة بالعبرانيين.
وفي كتب اليونان والرومان والأناجيل، نعوت أيضاً نعت بها العرب وأوصاف وصفوا بها، ولكننا اذا درسناها وقرأنا المواضع التي وردت فيها، نري أنها مثل التوراة، قصدت بها الأعراب، وقد كانوا يغيرون علي حدود امبراطوريتي الرومان واليونان، ويسلبون القوافل، ويأخذون الإتاوات من التجار والمسافرين وأصحاب القوافل للسماح لهم بالمرور.
وقد وصف (ديودورس الصقلي) العرب بأنهم يعشقون الحرية، فيلتحفون السماء. وقد اختاروا الإقامة في أرضين لا أنهار فيها ولا عيون ماء، فلا يستطيع العدو المغامر الذي يريد الايقاع بهم أن يجد له فيها مأوي. انهم لا يزرعون حباً، ولا يغرسون شجراً، ولا يشربون خمراً، ولا يبنون بيوتاً. ومن يخالف العرف يقتل. وهم يعتقدون بالارادة الحرة، وبالحرية (3). وهو يشارك في ذلك رأي (هيرودوتس) الذي أشاد بحب العرب للحرية، وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم واستذلالهم.(4) فالحرية عند العرب هي من أهم الصفات التي يتصف بها العرب في نظر الكتبة اليونان واللاتين.

مآخذ كسري

وفي كتب الأدب وصف مناظرة، قيل انها وقعت بين (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة وبين (كسري) ملك الفرس في شأن العرب: صفاتهم وأخلاقهم وعقولهم، ثم وصف مناظرة أخري جرت بين (كسري) هذا وبين وفد أرسله (النعمان) لمناظرته ومحاجته فيما الحديث عليه سابقاً بين الملكين (5). وفي هذه الكتب أيضاً رأي (الشعوبيين) في العرب، وحججهم في تصغير شأن العرب وازدرائهم لهم، ورد الكتاب عليهم (6). وهي حجج لا تزال تقرن بالعرب في بعض الكتب.
ومجمل ما نسب الي (كسري) من مآخذ زُعم انه أخذها علي العرب، هو أنه نظر فوجد أن لكل أمة من الأمم ميزة وصفة، فوجد للروم حظاً في اجتماع الألفة وعظم السلطان وكثرة المدائن ووثيق البنيان، وأن لهم ديناً يبين حلالهم وحرامهم ويرد سفيههم ويقيم جاهلهم، ورأي للهند، نحواً من ذلك في حكمتها وطبّها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها، وعجيب صناعاتها ودقيق حسابها وكثرة عددها. ووجد للصين كثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد، وأن لها ملكاً يجمعها، وأن للترك والخزر، علي ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون ملوكاً تضم قواصيهم وتدبر أمرهم. ولم يرَ للعرب ديناً ولا حزماً ولا قوة. همتهم ضعيفة بدليل سكنهم في بوادي قفراء، ورضائهم بالعيش البسيط، والقوت الشحيح، يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة. أفضل طعامهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها. وإن قرَي أحدهم ضيفاً عدّها مكرمة. وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم، وتفتخر بذلك رجالهم . (7) ثم إنهم مع قلتهم وفاقتهم وبؤس حالهم، يفتخرون بأنفسهم، ويتطاولون علي غيرهم وينزلون أنفسهم فوق مراتب الناس. (8) حتي لقد حاولوا أن يكونوا ملوكاً أجمعين ، وأبوا الانقياد لرجل واحد منهم يسوسهم ويجمعهم.
اذا عاهدوا فغير وافين (9). سلاحهم كلامهم، به يتفننون، وبكلامهم يتلاعبون. ليس لهم ميل الي صنعة أو عمل ولا فن، لا صبر لهم، اذا حاربوا ووجدوا قوة أمامهم، حاولوا جهدهم التغلب عليها، أما اذا وجدوها قوة منظمة هربوا مشتتين متبعثرين شراذم، يخضعون لحكم الغريب ويهابونه ويأخذون برأيه فيهم، ما دام قوياً، ويقبلون بمن ينصبه عليهم، ولا يقبلون بحكم واحد منهم، اذا أراد أن يفرض سلطانه عليهم. (10)
وقد ذُكر أن أحد ملوك الهند كتب كتاباً الي عمر بن عبد العزيز ، جاء فيه لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كلّ شق من الارض لها ملوك تجمعها ومدائن تضمّها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة، ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة، ورمّانة القبّان التي يوزن بها رطل واحد ومئة رطل، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والاصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف وغير ذلك من الآثار المتقنة، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها، ويقمع ظلمها وينهي سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة ولا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر. وقد شاركتها فيه العجم، وذلك أن للروم أشعاراً عجيبة قائمة الوزن والعروض فما الذي تفتخر به العرب علي العجم فإنما هي كالذئاب العادية، والوحوش النافرة، يأكل بعضها بعضاً ويغير بعضها علي بعض. فرجالها موثقون في حلق الأسر، ونساؤها سبايا مردفات علي حقائب الإبل، فإذا أدركهن الصريخ استنقذن بالعشي، وقد وطئن كما توطأ الطريق المهيع . (11) الي آخر ذلك من كلام.
وقد تعرض السيد محمود شكري الألوسي في كتابه بلوغ الأرب ، لهذا الموضوع، فجاء بما اقتبسته منه، ثم جاء برأي ابن قتيبة علي الشعوبية، في كتابه: كتاب تفضيل العرب ، ثم أنهاه ببيان رأيه في هذه الآراء وفي رد ابن قتيبة عليها. (12)
ولابن خلدون رأي معروف في العرب، خلاصته أن العربي متوحش نهّاب سلاّب اذا أخضع مملكة أسرع اليها الخراب، يصعب انقياده لرئيس، لا يجيد صناعة ولا يحسن علماً ولا عنده استعداد للاجادة فيهما، سليم الطباع، مستعد للخير شجاع . (13) وتجد آراءه هذه مدوّنة في مقدمته الشهيرة لكتابه العام في التاريخ.

المستشرقون

وقد رمي بعض المستشرقين العرب بالمادية وبصفات أخري، فقال أوليري : إن العربي الذي يعد مثلاً أو نموذجاً، ماديّ ينظر الي الأشياء نظرة مادية وضيعة، ولا يقوّمها الا بحسب ما تنتج من نفع، يتملك الطمع مشاعره، وليس لديه مجال للخيال ولا للعواطف، لا يميل كثيراً الي دين، ولا يكترث بشيء الا بقدر ما ينتجه من فائدة عملية، يملؤه الشعور بكرامته الشخصية حتي ليثور علي كل شكل من أشكال السلطة، وحتي ليتوقع منه سيد قبيلته وقائده في الحروب الحسد والبغض والخيانة من أول يوم اختير للسيادة عليه ولو كان صديقاً حميماً له من قبل، من أحسن اليه كان موضع نقمته، لأن الاحسان يثير فيه شعوراً بالخضوع وضعف المنزلة وأن عليه واجباً لمن أحسن. يقول لامانس إن العربي نموذج الديمقراطية ، ولكنها ديمقراطية مبالغ فيها الي حد بعيد، وان ثورته علي كل سلطة تحاول أن تحدد من حريته ولو كانت في مصلحته هي السر الذي يفسر لنا سلسلة الجرائم والخيانات التي شغلت أكبر جزء في تاريخ العرب، وجهل هذا السر هو الذي قاد الأوروبيين في أيامنا هذه الي كثير من الأخطاء، وحملهم كثيراً من الضحايا كان يمكنهم الاستغناء عنها، وصعوبة قيادة العرب وعدم خضوعهم للسلطة هي التي تحول بينهم وبين سيرهم في سبيل الحضارة الغربية، ويبلغ حب العربي لحريته مبلغاً كبيراً، حتي إذا حاولت أن تحدها أو تنقص من أطرافها هاج كأنه وحش في قفص، وثار ثورة جنونية لتحطيم أغلاله والعودة الي حريته. ولكن العربي من ناحية أخري مخلص، مطيع لتقاليد قبيلته، كريم يؤدي واجبات الضيافة والمحالفة في الحروب كما يؤدي واجبات الصداقة مخلصاً في أدائها بحسب ما رسمه العرف… وعلي العموم، فالذي يظهر لي أن هذه الصفات والخصائص أقرب أن تعد صفات وخصائص الطور من النشوء الاجتماعي عامة من أن تعد صفات خاصة لشعب معين، حتي اذا قر العرب وعاشوا عيشة زراعية مثلاً، تعدلت هذه العقلية (14). ويوافق المستشرق (براون أوليري) في رمي العرب بالمادية المفرطة (15). ورماهم (أوليري) أيضاً بضعف الخيال وجمود العواطف (16).
أما (دوزي) فقد رأي أن بين العرب اختلافاً في العقلية وفي النفسية، وأن القحطانيين يختلفون في النفسية عن نفسية العدنانيين (17).
وقد تعرض (أحمد أمين) في الجزء الأول من (فجر الاسلام) للعقلية العربية، وأورد رأي الشعوبيين في العرب، ثم رأي (ابن خلدون) فيهم، وتكلم علي وصف المستشرق (أوليري) لتلك العقلية، ثم ناقش تلك الآراء، وأبان رأيه فيها وذلك في الفصل الثالث من هذا الجزء، وتحدث في الفصل الرابع عن (الحياة العقلية للعرب في الجاهلية). وخصص الفصل الخامس بـ (مظاهر الحياة العقلية)، وتتجلي عنده في: اللغة والشعر والمثل والقصص. أوجز (أحمد أمين) في بداية الفصل الثالث آراء المذكورين في العرب، وبعد أن انتهي من عرضها وتلخيصها ناقشها بقوله: لسنا نعتقد تقديس العرب، ولا نعبأ بمثل هذا النوع من القول الذي يمجدهم ويصفهم بكل كمال، وينزههم عن كل نقص، لأن هذا النمط من القوط ليس نمط البحث العلمي، انما نعتقد ان العرب شعب ككل الشعوب، له ميزاته وفيه عيوبه، وهو خاضع لكل نقد علمي في عقليته ونفسيته وآدابه وتاريخه ككل أمة أخري، فالقول الذي يمثله الرأي الخاص لا يستحق مناقشة ولا جدلاً، كذلك يخطيء الشعوبية أصحاب القول الأول الذين كانوا يتطلبون من العرب فلسفة كفلسفة اليونان، وقانوناً كقانون الرومان، أو ان يمهروا في الصناعات كصناعة الديباج، أو في المخترعات كالاصطرلاب، فإنه ان كان يقارن هذه الأمم بالعرب في جاهليتها كانت مقارنة خطأ، لأن المقارنة انما تصح بين أمم في طور واحد من الحضارة، لا بين أمة متبدية وأخري متحضرة، ومثل هذه المقارنة كمقارنة بين عقل في طفولته وعقل في كهولته، وكل أمة من هذه الأمم كالفرس والروم مرت بدور بداوة لم يكن لها فيه فلسفة ولا مخترعات. أما إن كان يقارن العرب بعد حضارتها، فقد كان لها قانون وكان لها علم وان كان قليلاً.. (18) ثم استمر يناقش تلك الآراء الي أن قال: فلنقتصر الآن علي وصف العربي الجاهلي (19)، فوصفه بهذا الوصف:

العربي الجاهلي

العربي عصبي المزاج، سريع الغضب، يهيج للشيء التافه، ثم لا يقف في هياجه عند حد، وهو أشد هياجاً اذا جرحت كرامته، أو انتهكت حرمة قبيلته. واذا اهتاج، أسرع الي السيف، واحتكم اليه، حتي أفنتهم الحروب، وحتي صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة.
والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيراً ما يعتمد علي اللمحة الدالة والاشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو الا أن يُفجأ بالأمر فيفجؤك بحسن الجواب، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعني الواحد علي أشكال متعددة، فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعني، وان شئت فقل ان لسانه أمهر من عقله.
خياله محدود وغير متنوع، فقلما يرسم له خياله عيشة خيراً من عيشته، وحياة خيراً من حياته يسعي وراءها، لذلك لم يعرف (المثل الأعلي)، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر اليه فيما نعرف من قوله، وقلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معني جديداً، ولكنه في دائرته الضيقة استطاع أن يذهب كل مذهب.
أما ناحيتهم الخلقية، فميل الي حرية قلّ أن يحدّها حدّ، ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الاجتماعية، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تاريخهم في الجاهلية ـ حتي وفي الإسلام ـ سلسلة حروب داخلية، وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه، رضي الله عنه، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب.
والعربي يحب المساواة، ولكنها مساواة في حدود القبيلة، وهو مع حبه للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم ممتاز، لم يؤمن بعظمة الفرس والروم مع ما له ولهم من جدب وخصب وفقر وغني وبداوة وحضارة، حتي اذا فتح بلادهم نظر اليهم نظرة السيد الي المسود (20).
ثم خلص الي أن العرب في جاهليتهم كان أكثرهم بدواً، وان طور البداوة طور اجتماعي طبيعي تمر به الامم في اثناء سيرها الي الحضارة، وان لهذا الطور مظاهر عقلية طبيعية، تتجلي في ضعف التعليل، وعني بذلك عدم القدرة علي فهم الارتباط بين العلة والمعلول والسبب والمسبب فهماً تاماً، يمرض أحدهم ويتألم من مرضه، فيصفون له علاجاً، فيفهم نوعاً ما من الارتباط بين الدواء والداء، ولكن لا يفهمه فهم العقل الدقيق الذي يتفلسف، يفهم ان عادة القبيلة أن تتناول هذا الدواء عند هذا الداء، وهذا كل شيء في نظره، لهذا لا يري عقله بأساً في أن يعتقد ان دم الرئيس يشفي من الكَلَب، أو ان سبب المرض روح شرير حل فيه فيداويه بما يطرد هذه الأرواح، أو انه اذا خيف علي الرجل الجنون نجسوه بتعليق الأقذار وعظام الموتي الي كثير من أمثال ذلك، ولا يستنكر شيئاً من ذلك ما دامت القبيلة تفعله، لأن منشأ الاستنكار دقة النظر والقدرة علي بحث المرض وأسبابه وعوارضه، وما يزيل هذه العوارض، وهذه درجة لا يصل اليها العقل في طوره الأول (21).
ثم أورد أمثلة للاستدلال بها علي ضعف التعليل، مثل قولهم بخراب سدّ مأرب بسبب جرذان حُمر، ومثل قصة قتل النعمان لسنمار بسبب آجرة وضعها سنمار في أساس قصر الخورنق، لو زالت سقط القصر. ثم تحدث عن مظهر آخر من مظاهر العقلية العربية، لاحظه بعض المستشرقين ووافقهم هو عليه، هو: ان طبيعة العقل العربي لا تنظر الي الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر الي العالم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، بل كان يطوف فيما حوله، فإذا رأي منظراً خاصاً أعجبه تحرك له، وجاس صدره بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. فأما نظرة شاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي. وفوق هذا هو اذا نظر الي الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه علي مواطن خاصة تستثير عجبه، فهو اذا وقف أمام شجرة، لا ينظر اليها ككل، انما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها، واذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه (الفوتوغرافيا)، انما يكون كالنحلة، يطير من زهرة الي زهرة، فيرتشف من كل رشفة . الي ان قال: هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ما نري في أدب العرب ـ حتي في العصور الإسلامية ـ من نقص وما تري فيه من جمال .
وقد خلص من بحثه، الي ان هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر به الأمم جميعاً في أثناء سيرها الي الكمال، نشأ من البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها العرب، وهو ليس الا وراثة لنتائج هذه البيئات، ولو كانت هنالك أية أمة أخري في مثل بياتهم، لكان لها مثل عقليتهم، وأكبر دليل علي ذلك ما يقرره الباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئات متشابهة أو متقاربة، واذا كان العرب سكان صحاري، كان لهم شبه كبير بسكان الصحاري في البقاع الأخري من حيث العقل والخلق (22).

الطبيعة

أما العوامل التي عملت في تكوين العقلية العربية وفي تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان هما: البيئة الطبيعية، وعني بها ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء وغير ذلك، والبيئة الاجتماعية، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية.
وحصر أحمد أمين مظاهر الحياة العقلية في الجاهلية في الأمور التالية: اللغة والشعر والأمثال والقصص. وتكلم علي كل مظهر من هذه المظاهر وجاء بأمثلة استدل بها ما ذهب اليه.
والحدود التي وضعها أحمد أمين للعقلية العربية الجاهلية، هي حدود عامة، جعلها تنطبق علي عقلية أهل الوبر وعقلية أهل المدر، لم يفرق فيها بين عقلية من عقلية الجماعتين. وقد كونها ورسمها من دراساته لما ورد في المؤلفات الإسلامية من أمور لها صلة بالحياة العقلية ومن مطالعاته لما أورده (أوليري) (وبراون) وأمثالهما عن العقلية العربية، ومن آرائه وملاحظاته لمشكلات العالم العربي ولوضع العرب في الزمن الحاضر. والحدود المذكورة هي صورة متقاربة مع الصورة التي يرسمها العلماء المشتغلون بالسامية عادة عن العقلية السامية، وهي مثلها أيضاً مستمدة من آراء وملاحظات وأوصاف عامة شاملة، ولم تستند الي بحوث علمية ودراسات مختبرية، لذا فانني لا أستطيع أن أقول أكثر مما قلته بالنسبة الي تحديد العقلية السامية، من وجوب التريث والاستمرار في البحث ومن ضرورة تجنب التعميم والاستعجال في اعطاء الأحكام.
وتقوم نظرية أحمد أمين في العقلية العربية علي أساس أنها حاصل شيئين وخلاصة عاملين، أثرا مجتمعين في العرب وكوّنا فيهما هذه العقلية التي حددها ورسم معالمها في النعوت المذكورة. والعاملان في رأيه هما: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. وعني بالبيئة الطبيعية ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك، وبالبيئة الاجتماعية ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وهما معاً مجتمعين غير منفصلين، أثّرا في تلك العقلية. ولهذا رفض أن تكون تلك العقلية حاصل البيئة الطبيعية وحدها، أو حاصل البيئة الاجتماعية وحدها. وأخطأ من أنكر أثر البيئة الطبيعية في تكوين العقلية ومن هنا انتقد (هيغل) (Hegel)، لأنه أنكر ما للبيئة الطبيعية من أثر في تكوين العقلي اليوناني، وحجة (هيغل) انه لو كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين العقليات، لبان ذلك في عقلية الأتراك الذين احتلوا أرض اليونان وعاشوا في بلادهم، ولكنهم لم يكتسبوا مع ذلك عقلهم ولم تكن لهم قابلياتهم ولا ثقافتهم. ورد (أحمد أمين) عليه هو أن ذلك يكون صحيحاً لو كانت البيئة الطبيعية هي المؤثر الوحيد، اذن لكان مثل العقل اليوناني يوجد حيث يوجد اقليمه، وينعدم حيث ينعدم، أما والعقل اليوناني نتيجة عاملين، فوجود جزء العلة لا يستلزم وجود المعلول (23).
وأثر البيئة الطبيعية في العرب، أنها جعلت بلادهم بقعة صحراوية تصهرها الشمس، ويقل فيها الماء، ويجف الهواء، وهي أمور لم تسمح للنبات أن يكثر، ولا للمزروعات أن تنمو، الا كلأ مبعثرا هنا وهناك، وأنواعاً من الأشجار والنبات مفرقة استطاعت أن تتحمل الصيف القائظ، والجو الجاف، فهزلت حيواناتهم، ونحلت أجسامهم، وهي كذلك أضعفت فيها حركة المرور، فلم يستطع السير فيها الا الجمل، فصعب علي المدنيات المجاورة من فرس وروم أن تستعمر الجزيرة، وتفيض عليها من ثقافتها، اللهم الا ما تسرب منها في مجار ضيقة معوجة عن طرق مختلفة .
وأثر آخر كان لهذه البيئة الطبيعية في العرب، هو انها أثرت في النفوس فجعلتها تشعر انها وحدها تجاه طبيعة قاسية، تقابلها وجهاً لوجه، لا حول لها ولا قوة، لا مزروعات واسعة، ولا أشجار باسقة، تطلع الشمس فلا ظل، ويطلع القمر والنجوم فلا حائل، تبعث الشمس أشعتها المحرقة القاسية فتصيب أعماق نخاعه، ويسطع القمر فيرسل أشعته الفضية الوادعة فتبهر لبّه، وتتألق النجوم في السماء فتملك عليه نفسه، وتعصف الرياح العاتية فتدمر كل ما أتت عليه. أمام هذه الطبيعة القوية، والطبيعة الجميلة، والطبيعة القاسية، تهرع النفوس الحساسة الي رحمن رحيم، والي بارئ مصور والي حفيظ مغيث ـ الي الله ـ. ولعل هذا هو السر في أن الديانات الثلاث التي يدين بها أكثر العالم، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام نبعت من صحراء سيناء وفلسطين وصحراء العرب (24). والبيئة الطبيعية أيضاً، هي التي أثرت ـ علي رأيه ـ في طبع العربي، فجعلته كئيباً صارماً يغلب عليه الوجد، موسيقاه ذات نغمة واحدة متكررة عابسة حزينة، ولغته غنية بالالفاظ، اذ كانت تلك الألفاظ من ضروريات الحياة في المعيشة البدوية، وشعره ذا حدود معينة مرسومة، وقوانينه تقاليد القبيلة وعرف الناس، وهي التي جعلته كريماً علي فقره، يبذل نفسه في سبيل الدفاع عن حمي قبيلته. كل هذه وأمثالها من صفات ذكرها وشرحها هي في رأيه من خلق هذه البيئة الطبيعية التي جعلت لجزيرة العرب وضعاً خاصاً ومن أهلها جماعة امتازت عن بقية الناس بالمميزات المذكورة.
وقد استمر (أحمد أمين)، في شرح أثر البيئة الطبيعية في عقلية العرب وفي مظاهر تلك العقلية التي حصرها كما ذكرت في اللغة والشعر والأمثال والقصص، حتي انتهي من الفصول التي خصصها في تلك العقلية، أما أثر البيئة الاجتماعية التي هي في نظره شريكة للبيئة الطبيعية في عملها وفعلها في العقلية الجاهلية وفي كل عقلية من العقليات، فلم يتحدث عنه ولم يشر الي فعله، ولم يتكلم علي أنواع تلك البيئة ومقوماتها التي ذكرها في أثناء تعريفه لها، وهي: ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك ، ثم خلص من بحثه عن العقلية العربية وعن مظاهرها وكأنه نسي ما نسبه الي العامل الثاني من فعل، بل الذي رأيته وفهمته من خلال ما كتبه انه أرجع ما يجب ارجاعه الي عامل البيئة الاجتماعية ـ علي حد قوله ـ الي فعل عامل البيئة الطبيعية وأثرها في عقلية العرب الجاهليين. وهكذا صارت البيئة الطبيعية هي العامل الأول الفعال في تكوين تلك العقلية، وحرمنا بذلك من الوقوف علي أمثلته لتأثير عامل البيئة الاجتماعية في تكوين عقلية الجاهليين.
وأعتقد ان (أحمد أمين) لو كان قد وقف علي ما كتب في الألمانية أو الفرنسية أو الانكليزية عن تاريخ اليمن القديم المستمد من المسند، ولو كان قد وقف علي ترجمات كتابات المسند او الكتابات الثمودية، والصفوية، واللحيانية، لما كان قد أهمل الإشارة الي أصحاب تلك الكتابات، ولعدّل حتماً في حدود تعريفه للعقلية العربية، ولأفرز صفحة أو أكثر الي أثر طبيعة أرض اليمن وحضرموت في عقلية أهل اليمن وفي تكوين حضارتهم وثقافتهم، فإن فيما ذكره في فصوله عن العقلية العربية الجاهلية ما يجب رفعه وحذفه بالنسبة الي أهل اليمن وأعالي الحجاز.




رد: طبيعة العقلية العربية

الونشريس




التصنيفات
الأدب واللغة العربية

تحميل رواية "ألف وعام من الحنين" لرشيد بوجدرة

تحميل رواية "ألف وعام من الحنين" لرشيد بوجدرة


الونشريس

السلام عليكم ورحمة الله وبكراته

إليكم في هذا الموضوع تحميل وراية:

ألف وعام من الحنين


الونشريس

لـ: رشيد بوجدرة

ترجمة مرزاق بقطاش

التحميل من الملفات المرفقة

منقول للفائدة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
%85_من_الحنين_رواية_رشيد_بوجدرة.pdf‏  9.72 ميجابايت المشاهدات 1009


التصنيفات
الأدب واللغة العربية

سيميائية الشخصية النسوية في روايـة "راس المحنـة"

سيميائية الشخصية النسوية في روايـة "راس المحنـة"


الونشريس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إليكم في هذا الموضوع

سيميائية الشخصية النسوية في رواية "راس المحنة"

التحميل من الملفات المرفقة

منقول للفائدة


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
سيميائية الشخصية النسوية.doc‏  71.5 كيلوبايت المشاهدات 54


رد: سيميائية الشخصية النسوية في روايـة "راس المحنـة"

مشكوووووووووووووور


الملفات المرفقة
اسم الملف نوع الملف حجم الملف التحميل مرات التحميل
سيميائية الشخصية النسوية.doc‏  71.5 كيلوبايت المشاهدات 54


التصنيفات
الأدب واللغة العربية

()

((كل ما يخص علم الدلالة هنا))


الونشريس

الفصل الأول:
علم الدلالة: النشأة والماهية

تمهيد:

يرى فريق من الدارسين أن البحث عن المصطلح العلمي في التراث المعرفي العربي القديم، قد لا يقدم للدرس اللغوي الحديث شيئاً ذا أهمية عدا أنه يضع يد الباحث، على التاريخ الأول لميلاد المصطلح ويطلعه على الإطار العام الذي دارت حوله موضوعات "الدراسة" في طورها البدائي، وقد يحصل تطور جذري في مفهوم المصطلح، فينتقل مفهومه من حقل دلالي معين، إلى حقل دلالي آخر خاضعاً لسنن التطور الدلالي الذي يمس بنية اللغة وعناصرها عبر مسارها التاريخي المتجدد، ويخشى على الباحث أن يضيع جهده سدى في خضم البحث عن الولادة الأولية لصيغة المصطلح ودلالته.
لكن الموضوعية العلمية في الدرس اللغوي الحديث، تملي بل تفرض على الباحثين ضرورة تأطير بحثهم تأطيراً علمياً دقيقاً، خاصة إذا كان البحث يتوخى تأصيل الدراسة، والتنقيب عن جذورها في التراث المعرفي المتنوع، سعياً منه إلى ربط الحقائق العلمية الحديثة بأصولها الأولى، وإذا كان دور التأريخ للمصطلح العلمي ينحصر في تحديد نشأة هذا المصطلح، وماهيته الأولى تحديداً دقيقاً أو يحيل على الظاهرة اللغوية التي يمكن أن يشرف عليها المصطلح العلمي الحديث، فإن ذلك يعد فضلاً علمياً في غاية الأهمية خاصة إذا صحب ذلك وعي الباحث وتمكنه من أدوات بحثه بكيفية تعينه على الغوص في التراث المعرفي بمنهجية دقيقة ووسائل ملائمة، مما يتيح فرصة التوصل إلى نتائج علمية مؤكدة قد تلقي أضواء على جوانب هامة من التراث العلمي الزاخر وبالتالي تفتح مجالات واسعة لإعادة اكتشاف هذا التراث اكتشافاً علمياً واعياً، بإدراجه ضمن حركية العلوم الحديثة، وسعياً منا إلى تأطير هذه الدراسة وضعنا منهجية واضحة تمثل قاعدة هذا البحث وهي تشمل فصلاً أولاً بعنصريه: نشأة علم الدلالة، والذي عرضنا فيه للمسار التطوري الذي تبلور من خلاله علم الدلالة الذي انفصل من جملة علوم لغوية مختلفة ليختص بجانب المعنى والدلالة، وآخر علم كان لعلم الدلالة معه وشائج متصلة وهو علم الألسنية بمختلف مباحثه. أما العنصر الثاني من هذا الفصل فقد بسطنا فيه ماهية علم الدلالة، ومختلف المفاهيم التي وردت بها كلمة "دلالة" وما يراد فيها بدءاً من نصوص القرآن الكريم باعتباره كتاب ضبط اللغة العربية وأول أسلوب بياني عجز من مجاراته فصحاء العرب وبلغائهم، وإليه انتهى الإنتاج الأدبي واللغوي الذي يمثل قمة ما أبدعته القريحة العربية الجاهلية، ثم نقلنا الشروحات التي وردت في معاجم اللغة المشهورة وتتبعنا مادة "دلّ" وما اشتق منها. وأنهينا هذا العنصر من الفصل الأول بتقديم تعاريف ومفاهيم كل من اللغويين والعلماء العرب الأقدمين، وعلماء الغرب المحدثين حول الدلالة ومتعلقاتها وحقول مباحثها.
أولاً- نشأة علم الدلالة

1-نشأة علم الدلالة: المسار التطوري التاريخي:

لقد استقطبت اللغة اهتمام المفكرين منذ أمد بعيد، لأن عليها مدار حياة مجتمعاتهم الفكرية والاجتماعية، وبها قوام فهم كتبهم المقدسة، كما كان شأن الهنود قديماً حيث كان كتابهم الديني (الفيدا) منبع الدراسات اللغوية والألسنية على الخصوص التي قامت حوله، ومن ثمة غدت اللسانيات الإطار العام الذي اتخذت فيه اللغة مادة للدراسة والبحث. وكان الجدل الطويل الذي دار حول نشأة اللغة قد أثار عدة قضايا تعد المحاور الرئيسية لعلم الألسنية الحديث فمن جملة الآراء التي أوردها العلماء حول نشأة اللغة قولهم: "بوجود علاقة ضرورية بين اللفظ والمعنى شبيهة بالعلاقة اللزومية بين النار والدخان."

إن المباحث الدلالية قد أولت اهتماماً كبيراً علاقة اللفظ بالمعنى، وارتبط هذا بفهم طبيعة المفردات والجمل من جهة وفهم طبيعة المعنى من جهة أخرى، فلقد درس الهنود مختلف الأصناف التي تشكل عالم الموجودات، وقسموا دلالات الكلمات بناء على ذلك إلى أربعة أقسام:
1-قسم يدل على مدلول عام أو شامل (مثل لفظ: رجل)
2-قسم يدل على كيفية (مثل كلمة: طويل)
3-قسم يدل على حدث (مثل الفعل: جاء)
4-قسم يدل على ذات (مثل الاسم: محمد)

إن دراسة المعنى في اللغة بدأ منذ أن حصل للإنسان وعي لغوي، فلقد كان هذا مع علماء اللغة الهنود، كما كان لليونان أثرهم البين في بلورة مفاهيم لها صلة وثيقة بعلم الدلالة، فلقد حاور أفلاطون أستاذه سقراط حول موضوع العلاقة بين اللفظ ومعناه، وكان أفلاطون يميل إلى القول بالعلاقة الطبيعية بين الدال ومدلوله، أما أرسطو فكان يقول باصطلاحية العلاقة، وذهب إلى أن قسم الكلام إلى كلام خارجي وكلام داخلي في النفس، فضلاً على تمييزه بين الصوت والمعنى معتبراً المعنى متطابقاً مع التصور الذي يحمله العقل عنه. وقد تبلورت هذه المباحث اللغوية عند اليونان حتى غدا لكل رأي أنصاره من المفكرين فتأسست بناء على ذلك مدارس أرست قواعد هامة في مجال دراسة اللغة كمدرسة الرواقيين.

ومدرسة الاسكندرية ثم كان لعلماء الرومان جهد معتبر في الدراسات اللغوية خاصة ما تعلق منها بالنحو، وإليهم يرجع الفضل في وضع الكتب المدرسية التي بقيت صالحة إلى حدود القرن السابع عشر بما حوته من النحو اللاتيني، وبلغت العلوم اللغوية من النضج والثراء مبلغاً كبيراً في العصر الوسيط مع المدرسة السكولائية (Scolastique) والتي احتدم فيها الصراع حول طبيعة العلاقة بين الكلمات ومدلولاتها، وانقسم المفكرون في هذه المدرسة إلى قائل بعرفية العلاقة بين الألفاظ ودلالاتها وقائل بذاتية العلاقة.
[FONT=&quot]وبقي الاهتمام بالمباحث الدلالية يزداد عبر مراحل التاريخ، ولم يدخر المفكرون أي جهد من أجل تقديم التفسيرات الكافية لمجمل القضايا اللغوية التي فرضت نفسها على ساحة الفكر، ففي عصر النهضة، أين سادت "الكلاسيكية" بأنماطها في التفكير والتأليف امتازت الدراسات اللغوية في هذه المرحلة بالمنحى المنطقي العقلي، وأحسن من يمثل هذه الفترة رواد مدرسة (بوررويال) الذين رفعوا مقولة: أن اللغة ما هي إلا صورة للعقل، وأن النظام الذي يسود لغات البشر جميعاً قوامه العقل والمنطق.

وفي حدود القرن التاسع عشر الميلادي، تشعبت الدراسات اللغوية، فلزم ذلك تخصص البحث في جانب معين من اللغة، فظهرت النظريات اللسانية وتعددت المناهج، فبرزت الفونولوجيا التي اهتمت بدراسة وظائف الأصوات إلى جانب علم الفونتيك الذي يهتم بدراسة الأصوات المجردة، كما برزت الأتيمولوجيا التي اعتنت بدراسة الاشتقاقات في اللغة، ثم علم الأبنية والتراكيب الذي يختص بدراسة الجانب النحوي وربطه بالجانب الدلالي في بناء الجملة.

وفي الجانب الآخر من العالم، كان المفكرون العرب قد خصصوا للبحوث اللغوية حيزاً واسعاً في إنتاجهم الموسوعي الذي يضم إلى جانب العلوم النظرية كالمنطق والفلسفة علوماً لغوية قد مست كل جوانب الفكر عندهم، سواء تعلق الأمر بالعلوم الشرعية كالفقه والحديث، أو علوم العربية، كالنحو والصرف والبلاغة، بل إنهم كانوا يعدون علوم العربية نفسها وتعلمها من المفاتيح الضرورية للتبحر في فهم العلوم الشرعية، ولذلك "تأثرت [العلوم اللغوية] بعلوم الدين وخضعت لتوجيهاتها. وقد تفاعلت الدراسات اللغوية مع الدراسات الفقهية، وبنى اللغويون أحكامهم على أصول دراسة القرآن والحديث والقراءات، وقالوا في أمور اللغة بالسماع والقياس والإجماع والاستصلاح تماماً كما فعل الفقهاء في معالجة أمور علوم الدين".

ولما كانت علوم الدين تهدف إلى استنباط الأحكام الفقهية ووضع القواعد الأصولية للفقه، اهتم العلماء بدلالة الألفاظ والتراكيب وتوسعوا في فهم معاني نصوص القرآن والحديث. واحتاج ذلك منهم إلى وضع أسس نظرية، فيها من مبادئ الفلسفة والمنطق ما يدل على تأثر العرب بالمفاهيم اليونانية ولذلك يؤكد عادل الفاخوري أنه "ليس من مبالغة في القول إن الفكر العربي استطاع أن يتوصل في مرحلته المتأخرة إلى وضع نظرية مستقلة وشاملة يمكن اعتبارها أكمل النظريات التي سبقت الأبحاث المعاصرة."

فالأبحاث الدلالية في الفكر العربي التراثي، لا يمكن حصرها في حقل معين من الإنتاج الفكري بل هي تتوزع لتشمل مساحة شاسعة من العلوم لأنها مدينة "للتحاور بين المنطق وعلوم المناظرة وأصول الفقه والتفسير

والنقد الأدبي والبيان.

هذا التلاقح بين هذه العلوم النظرية واللغوية هو الذي أنتج ذلك الفكر الدلالي العربي، الذي أرسى قواعد تعد الآن المنطلقات الأساسية لعلم الدلالة وعلم السيمياء على السواء، بل إنك لا تجد كبير فرق بين علماء الدلالة في العصر الحديث وبين علماء العرب القدامى الذين ساهموا في تأسيس وعي دلالي هام، يمكن رصده في نتاج الفلاسفة واللغويين وعلماء الأصول والفقهاء والأدباء، "فالبحوث الدلالية العربية تمتد من القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية إلى سائر القرون التالية لها، وهذا التأريخ المبكر إنما يعني نضجاً أحرزته العربية وأصّله الدارسون في جوانبها.

إن هذه الجهود اللغوية في التراث العربي لأسلافنا الباحثين، وتلك الأبحاث التي اضطلع بها اللغويون القدامى من الهنود واليونان واللاتين وعلماء العصر الوسيط وعصر النهضة الأوروبية، فتحت كلها منافذ كبيرة للدرس اللغوي الحديث وأرست قواعد هامة في البحث الألسني والدلالي، استفاد منها علماء اللغة المحدثون بحيث سعوا إلى تشكيل هذا التراكم اللغوي المعرفي في نمط علمي يستند إلى مناهج وأصول ومعايير، وهو ما تجسم في تقدم العالم الفرنسي (ميشال بريال M.Breal[FONT=&quot]) في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى وضع مصطلح يشرف من خلاله على البحث في الدلالة، واقترح دخوله اللغة العلمية، هذا المصطلح هو "السيمانتيك" يقول بريال: "إن الدراسة التي ندعو إليها القارئ هي نوع حديث للغاية بحيث لم تسم بعد، نعم، لقد اهتم معظم اللسانيين بجسم وشكل الكلمات، وما انتبهوا قط إلى القوانين التي تنتظم تغير المعاني، وانتقاء العبارات الجديدة والوقوف على تاريخ ميلادها ووفاتها، وبما أن هذه الدراسة تستحق اسماً خاصاً بها، فإننا نطلق عليها اسم "سيمانتيك" للدلالة على علم المعاني.

إن العالم اللغوي (بريال) انطلق- دون ريب- في تحديد موضوع علم الدلالة ومصطلحه من جهود من سبقه من علماء اللغة الذين وفروا مفاهيم مختلفة تخص المنظومة اللغوية من جميع جوانبها يقول الدكتور كمال محمد بشر: "إن دراسة المعنى بوصفه فرعاً مستقلاً عن علم اللغة، قد ظهرت أول ما ظهرت سنة 1839، لكن هذه الدراسة لم تعرف بهذا الاسم (السيمانتيك) إلا بعد فترة طويلة أي سنة 1883 عندما ابتكر العالم الفرنسي (م.بريال) المصطلح الحديث."

إلا أن المؤرخين اللغويين لظهور علم الدلالة يجمعون على أن فضل (بريال) يكمن في تخصيصه كتاباً استقل بدراسة المعنى هو كتاب (محاولة في علم المعاني) بسط فيه القول عن ماهية علم الدلالة، وأبدع منهجاً جديداً في دراسة المعنى هو المنهج الذي ينطلق من الكلمات نفسها لمعاينة الدلالات دون ربط ذلك بالظواهر اللغوية الأخرى. ويمكن أن نرسم معالم هذا المنهج اللغوي الجديد انطلاقاً من النص الذي أورده (بريال) في سياق تعريفه بعلم الدلالة:
أولاً: إذا كانت اللسانيات تهتم بشكل الكلمات، فإن علم الدلالة (السيمانتيك) يهتم بجوهر هذه الكلمات ومضامينها.
ثانياً:

الهدف الذي ينشده علم الدلالة هو الوقوف على القوانين التي تنتظم تغيّر المعاني وتطورها، والقواعد التي تسير وفقها اللغة، وذلك بالاطلاع على النصوص اللغوية بقصد ضبط المعاني المختلفة بأدوات محددة وفي هذا سعي حثيث إلى التنويع في التراكيب اللغوية لأداء وظائف دلالية معينة، وهذا التنويع هو الذي يثري اللغة إثراء يحفظ أصول هذه اللغة، ولا يكون حاجزاً أمام تطورها وتجددها ويمكن في خضم البحث عن هذه النواميس "خلق" نواميس لغوية جديدة لكي تشرف على النظام الكلامي بين أهل اللغة لأن "عالم اللسان يكون همه الوعي باللغة عبر إدراك نواميس
السلوك الكلامي"!!

ثالثاً: اتباع المنهج التطوري التأصيلي الذي يقف على ميلاد الكلمات ويتتبعها في مسارها التاريخي، وقد يردها إلى أصولها الأولى "لأن اللغة مؤسسة اجتماعية تحكمها نواميس مفروضة على الأفراد، تتناقلها الأجيال بضرب من الحتمية التاريخية، إذ كل ما في اللغة- راهناً- إنما هو منقول عن أشكال سابقة هي الأخرى منحدرة من أنماط أكثر بدائية، وهكذا إلى الأصل الأوحد أو الأصول الأولية المتعددة"

فالنظام اللغوي، نظام متجدد ما دامت الكلمات لا تخضع لقانون ثابت يلزمها بمدلولاتها، فاللغة تنتظمها نواميس خفية تعود إلى اقتضاءات تعبيرية هي جزء من النظام الكلي الذي تسير وفقه اللغة، وتصرف دلالات تراكيبها.
هذه النقاط الثلاث هي الأطر الكبرى التي يندرج ضمنها منهج (ميشال بريال) في علم الدلالة ومعه تحديد لمجمل فروع البحث في هذا المجال.
2-بين علم الدلالة وعلم اللسانيات:

إن نشأة علم الدلالة، لم تكن نشأة مستقلة عن علوم اللغة الأخرى. إنما كان يعد هذا العلم جزءاً لصيقاً بعلم اللسانيات الذي كان يهتم بدراسة اللسان البشري، إلا أن عدم اهتمام علماء اللسانيات بدلالة الكلمات- كما أشار إلى ذلك (بريال)- هو الذي كان دافعاً لبعض العلماء اللغويين إلى البحث عن مجال علمي يضم بحثاً في جوهر الكلمات ودلالاتها، لكي يحددوا ضمنه موضوعاته ومعاييره وقواعده ومناهجه وأدواته وما كان ذلك يسيراً خاصة إذا علمنا ذلك التداخل المتشابك الذي كان يجمع بين علوم اللغة مجتمعة وعلم الألسنية الذي ذهب علماؤه إلى تفريعه إلى مباحث جمعت بين حقول مختلفة من العلوم كما هو شأن اللسانيات النفسية (psycolinguistique)، ومبحث اللسانيات العصبية neuro-linguistique وما إلى ذلك. إن العلم اللساني كان يهتم بوصف الجوانب الصورية للغة ويتجنب الخوض في استبطان جوهر الكلمات ومعانيها الذي أصبح من اهتمامات علم الدلالة (الحديث)، ثم إن ضرورة الإحاطة ببعد اللغة الاجتماعي والثقافي والنفسي وتتبع سيرورة المعنى الديناميكي كل هذه حواجز وقفت أمام علماء اللسانيات، فاستبعدوا بذلك الخوض في دراسة المعنى وركزوا بحوثهم على شكل الكلمات، إلى أن برز علم الدلالة ليسد هذا الفراغ في الدراسات اللغوية من جهة ويعمق البحث في الجانب الدلالي للغة من جهة أخرى، ويجتاز تلك الحواجز التي حالت دون أن يخوض اللسانيون في دراسة المعنى، "لأن علم الدلالة هو ميدان يتجاوز حدود اللسانيات التي يتعين عليها وصف الجوانب الصورية للغة قبل كل شيء، فالدلالة ليست ظاهرة لغوية صرفاً وإذا كان بالإمكان بناء الحقول الدلالية فإنه ينبغي آنذاك الاعتماد على المعطيات الخارجية فقط.. (…)
إن بعد اللغة الاجتماعي والثقافي من العوائق التي تقف أمام الدراسات الدلالية الحديثة ويمكن تحديد ذلك فيما يلي:
أ-تعدد القيم الحافة بدلالة الألفاظ المركزية.
ب- إن دلالة اللفظ ليست ظاهرة قارة ذلك أنه يمكنها أن تعتني دوماً بحسب التجارب الجديدة (اللغوية وغيرها التي يخبرها المتكلم)"
إن هذه المباحث المتشعبة التي هي من صميم اهتمامات علم الدلالة، هي التي دفعت علماء الألسنية ومنهم التوزيعيين(

) إلى إبعاد دراسة الدلالة من اللسانيات. والحقيقة التي لا مراء فيها أن دراسة المعنى لم تخل منه أي مباحث لغوية سواء أكانت قديمة أم حديثة، ذلك أنه لا يمكن تصور دراسة الكلمات وهي جوفاء خالية من الدلالات. وهذا ما عبر عنه سوسير في سياق حديثه عن الدال والمدلول وشبه اتحاد الكلمات ودلالتها بوجهي الورقة الواحدة.

إن علم الدلالة كمبحث من المباحث اللغوية حسب ماهية اللسانيات، يهتم بحلقة من حلقات علم اللسان البشري، هذه الحلقة تكمن في المظهر الإبلاغي وما يتعلق به، فالرسالة الإبلاغية هي التي تضطلع بنقل دلالة الخطاب إلى المتلقي بحيث يتم- في الحالات العادية- استيعابها استيعاباً كافياً، "فالدراسة اللسانية لا تقف عند تشخيص الحدث اللغوي في مستواه الأدائي، ولكن في سلكه الدائري إذ تهتم اللسانيات بتولد الحدث وبلوغه وظيفته ثم بتحقيقه مردوده عندما يولد رد الفعل المنشود، وهكذا يكون موضوع علم اللسان اللغة في مظهرها الأدائي ومظهرها الإبلاغي وأخيراً في مظهرها التواصلي.

لقد ولجت اللسانيات كل مجالات الاتصالات الإنسانية حتى غدت ملتقى لكل العلوم الإنسانية واعتمدت في الخطاب بأنواعه، ولا يمكن أن نقيم هذا الدور الرائد في مجالات الحياة للألسنية دون أن نقر بحضور الدلالة في ذلك، كفرع أساسي ومهم في فعالية الخطاب "فاللسانيات تستلهم الظاهرة اللغوية ونواميسها من مصادر لسانية وغير لسانية فتعمد إلى إجراء مقطع عمودي على كل منتجات الفكر، بمنظور مخصوص فبعد البحث عن خصائص الخطاب الإخباري والخطاب الشعري الأدبي، تعمد اللسانيات إلى دراسة نواميس الخطاب العلمي والقضائي والإشهاري والديني والمذهبي.
ولم يكن للألسنية هذا الاهتمام الواسع باللغة الإنسانية، إلا بعد أن ظهرت في أوربا مدارس بنيوية عاينت الظاهرة اللغوية من كل جوانبها: الجانب الصوتي، والجانب المعجمي، والجانب التركيبي والجانب الدلالي، واستقر لديها أن "الألسنية هي دراسة اللغة بحد ذاتها دراسة علمية، وتحليل خصائصها النوعية، بغية الوصول إلى نواميس عملها"(

. وأن "اللغة تنظيم، وهذا التنظيم وظيفي، يتوسله الإنسان للتعبير عن أغراضه ولعملية التواصل" فلم تعد الألسنية تهتم بشكل الكلمات فحسب، بل أعطت لجوهر هذه الكلمات أهمية كبيرة، وذلك بعد ما تأكد لدى علماء الألسنية، أن البحث الألسني يبقى ناقصاً ما لم يهتم بجوانب اللغة جميعها، ويظل حكمه على الظواهر اللغوية يفتقد إلى طابع المعيارية التي تسم ديناميكية اللغة وفعاليتها بسمة التقعيد. ولم يحصل هذا الوعي اللغوي في البحث الألسني إلا مع العلماء اللغويين المتأخرين كالعالم الأمريكي "بلومفيلد" الذي كان يرى أن الدراسة الألسنية، لا تنحصر بدراسة الأصوات والدلالات اللغوية بذاتها، بل تشمل دراسة الارتباط القائم بين أصوات معينة ودلالات معينة (…

وجدير بالذكر أن مفهوم ارتباط الصوت اللغوي
بالدلالة، قد تبنته الألسنية بصورة عامة.

وبعد هذا التزاوج الذي لزم علم الألسنية الأخذ به، تبين لعلماء اللغة المحدثين أن الجانب الدلالي في اللغة لا يزال البحث فيه هزيلاً كما كان في القديم، وأنه محتاج إلى نظرة أخرى على مستوى البحث وعلى مستوى المنهج، رغم ما قدمته العلوم المستحدثة من نظريات أنارت جوانب مهمة من علم الدلالة كنظريات الإعلام والتواصل والمعلوماتية. يقول في ذلك الكاتبان: ريمون طحان ودينر بيطار طحان: "يقترن الكلام أو الأصوات، بنظريات الدلالة العامة، وكان علم الدلالة الجزء الهزيل من النظريات الألسنية، وقد أصبح يفضل نظريات الإعلام والتواصل والمعلوماتية، مزوداً بمؤشرات سليمة منها أن المتكلمين بلغة واحدة يتبنون المعنى الواحد في الكلام الواحد أو الجملة الواحدة"
وبعد ذلك توفر لعلم الدلالة وجود مستقل، وإن بقيت تربطه بعلوم اللغة الأخرى- وخاصة الألسنية- وشائج تتجلى بصورة واضحة في مجالات البحث. حيث يبرز التقاطع بين هذه العلوم مجتمعة. ولكن ما يميز البحث الدلالي، هو عمق الدراسة في معنى الكلمات والتراكيب متخذاً في ذلك منهجاً خاصاً يتوخى المعيارية في اللغة والكلام، "والعلوم إذا اختلفت في المنهج تباينت في الهوية وقوام العلوم ليست فحسب مواضيع بحثها وإنما يستقيم العلم بموضوع ومنهج".

وتبعاً لذلك اتسع نطاق البحث الدلالي، وأحرز علماء العرب سبقاً في هذا المجال حيث برز لغويون كثيرون وضعوا نظريات مختلفة وأرسوا بذلك قواعد أضحت مدارس دلالية، تنظر إلى قضية "المعنى" بنظريات مختلفة، وداخل المنهج الأوحد للبحث الدلالي ظهرت مناهج فرعية رأى أصحابها نجاعتها في تقديم الأجوبة الكافية لمختلف المسائل التي طرحت في الدراسات الدلالية، والتي عجز عنها البحث اللغوي قبلها، ولكن ما هي القضايا الأساسية التي طرحها الدرس الدلالي الحديث؟ وما هي المباحث اللغوية التي اختص بها علم الدلالة حتى غدت مجالاً خاصة به، تعبر عن خصوصية هذا العلم واستقلاله عن بقية العلوم اللغوية الأخرى؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المباحث التالية.
ثانياً- ماهية الدلالة بين القديم والحديث

I-مصطلح "الدلالة" في القرآن الكريم ومعجمات اللغة:

تمهيد: الحديث عن المصطلح الدلالي- كيف نشأ وكيف تطور- يدعو إلى تحديد المفهوم اللغوي الأول لهذا المصطلح، لأن الوضع اللغوي الذي تصالح عليه أهل اللغة قديماً، يلقي بظلاله الدلالية على المعنى العلمي المجرد في الدرس اللساني الحديث "فالمصطلح يتشكل مع نمو الاهتمام في أبواب العلم وبالاحتكاك الثقافي
وقد وقع اختلاف بين علماء اللغة المحدثين في تعيين المصطلح العربي الذي يقابل مصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية الذي أطلقه العالم اللغوي "بريل" سنة 1883 على تلك الدراسة الحديثة، التي تهتم بجوهر الكلمات في حالاتها الإفرادية المعجمية وفي حالاتها التركيبية السياقية وآلياتها الداخلية التي هي أساس عملية التواصل والإبلاغ، فاهتدى بعض علماء اللغة العرب إلى مصطلح "المعنى" باعتباره ورد في متون الكتب القديمة لعلماء أشاروا إلى الدراسة اللغوية التي تهتم بالجانب المفهومي للفظ كالجرجاني الذي يعرف الدلالة الوضعية، بأنها كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه معناه للعلم بوضعه.

ومن علماء العرب المحدثين الذي استعمل مصطلح "المعنى" الدكتور تمام حسان إذ يقول، في سياق حديثه عن العلاقة بين الرمز والدلالة: "ولبيان ذلك نشير إلى تقسيم السيميائيين للعلاقة بين الرمز والمعنى إلى علاقة طبيعية وعلاقة عرفية وعلاقة ذهنية."

وفي مقام آخر يستعمل الكاتب نفسه مصطلحي الدال والمدلول في حديثه عن العلاقة الطبيعية بين الرمز الأدبي ومعناه إذ يقول: "وهناك طريقة أخرى للكشف عن هذه الرموز الطبيعية في الأدب الطريقة هي عزل الدال عن المدلول أو الشكل عن المضمون، ثم النظر إلى تأثير الدال في النفس بعد ذلك".

وقد آثر لغويون آخرون استعمال مصطلح "الدلالة" مقابلاً للمصطلح الأجنبي: "لأنه يعين على اشتقاقات فرعية مرنة نجدها في مادة (الدلالة: – الدال- المدلول- المدلولات- الدلالات- الدلالي)"
ولأنه لفظ عام يرتبط بالرموز اللغوية وغير اللغوية، أما مصطلح "المعنى" فلا يعني إلا اللفظ اللغوي بحيث لا يمكن إطلاقه على الرمز غير اللغوي، فضلاً على ذلك أنه يعد أحد فروع الدرس البلاغي وهو علم المعاني.
فدرءاً للبس وتحديداً لإطار الدراسة العلمية، استقر رأي علماء اللغة المحدثين على استعمال مصطلح "علم الدلالة"، مرادفاً لمصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية وأبعدوا مصطلح "المعنى" وحصروه في الدراسة الجمالية للألفاظ والتراكيب اللغوية وهو ما يخص "علم المعاني" في البلاغة العربية.
1-لفظ "الدلالة" في القرآن الكريم:

لقد أورد القرآن الكريم صيغة "دلّ" بمختلف مشتقاتها في مواضع سبعة تشترك في إبراز الإطار اللغوي المفهومي لهذه الصيغة، وهي تعني الإشارة إلى الشيء أو الذات سواء أكان ذلك تجريداً أم حساً ويترتب على ذلك وجود طرفين: طرف دال وطرف مدلول يقول تعالى في سورة "الأعراف" حكاية عن غواية الشيطان لآدم وزوجه: "فدلاّهما بغرور"
أي أرشدهما إلى الأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها. فإشارة الشيطان دال والمفهوم الذي استقر في ذهن آدم وزوجه وسلكا وفقه هو المدلول أو محتوى الإشارة، فبالرمز ومدلوله تمت العملية الإبلاغية بين الشيطان من جهة، وآدم وزوجه من جهة ثانية، وإلى المعنى ذاته، يشير قوله تعالى حكاية عن قصة موسى عليه السلام: "وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون"
كما ورد قوله تعالى في سورة "طه" حكاية عن إبليس: "قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"

فهاتان الآيتان تشيران بشكل بارز إلى الفعل الدلالي المرتكز على وجود باث يحمل رسالة ذات دلالة. ومتقبل يتلقى الرسالة ويستوعبها وهذا هو جوهر العملية الإبلاغية التي تنشدها اللسانيات الحديثة، فإذا تم الاتصال الإبلاغي فواضح أن القناة التواصلية سليمة بين الباث والمتقبل. وتبرز العلاقة الرمزية بين الدال والمدلول- قطبي الفعل الدلالي- في قوله تعالى من سورة الفرقان: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً".
فلولا الشمس ما عرف الظل، فالشمس تدل على وجود الظل فهي شبيهة بعلاقة النار بالدخان الذي يورده علماء الدلالة مثالاً للعلاقة الطبيعية التي تربط الدال بمدلوله، ويمكن تمثل هذه العلاقة في أي صيغة أخرى، ولقد دلت الأرضة، التي أكلت عصا سليمان عليه السلام حتى خرّ، أنه ميت في قوله تعالى من سورة سبأ: "فلما قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين"

فتعيين طرفي الفعل الدلالي كما تحدده الآية، ضروري لإيضاح المعنى؛ فالدابة وأكلُها العصا دال، وهيئة سليمان وهو ميت مدلول، فلولا وجود "الأرضة" (الدال) لما كان هناك معرفة موت سليمان- عليه السلام- (دال عليه)، ومن السورة السابقة ورد قوله تعالى: "وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد.

فهذه الآية تؤكد على ضرورة وجود إطار للفعل الدلالي، عناصره الدال والمدلول والرسالة الدلالية التي تخضع لقواعد معينة، تشرف على حفظ خط التواصل الدلالي بين المتخاطبين، وإلى المفهوم اللغوي ذاته يشير قوله تعالى على لسان أخت موسى عليه السلام: "إذ تمشي أختك فتقول هل أدلّكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقرّ عينها ولا تحزن."
هذه الآيات التي ورد ذكر لفظ "دلّ" بصيغه المختلفة، تشترك في تعيين الأصل اللغوي لهذا اللفظ، وهو لا يختلف كثيراً عن المصطلح العلمي الحديث ودلالته، فإذا كان معنى اللفظ "دلّ" وما صيغ منه في القرآن الكريم يعني الإعلام والإرشاد والإشارة والرمز، فإن المصطلح العلمي للدلالة الحديثة لا يخرج عن هذه المعاني إلا بقدر ما يضيف من تحليل عميق للفعل الدلالي، كالبحث عن البنية العميقة للتركيب اللغوي بملاحظة بنيته السطحية، أو افتراض وجود قواعد دلالية على مستوى الذهن تكفل التواصل بين أهل اللغة الواحدة، وهو يفسر توليد المتكلم لجمل جديدة لم يكن قد تعلمها من قبل. كما تنص على ذلك القواعد التوليدية التي أشار إليها (تشومسكي) ضمن نظريته التوليدية، فما يمتاز به متكلم اللغة قدرته على إنتاج وفهم جمل لم يسبق له أن أنتجها أو سمعها من قبل".


2-لفظ "دل" في معاجم اللغة:

الصورة المعجمية لأي لفظ في اللغة العربية تمثل المرجعية الأولى لهذا اللفظ في القاموس الخطابي، باعتبار دلالته الأولى "فالحالة المعجمية للألفاظ تمثل الصورة الأساسية لمحيطها

. وكتاب القرآن الكريم، يمثل ذروة ما وصل إليه الخطاب اللغوي القديم من فصاحة اللغة وجودة التعبير والدلالة، فلو تتبعنا لفظ "دل"، وما صيغ منه، في معاجم اللغة المعروفة، لألفينا دلالته لا تبتعد عن ذلك المجال الذي رسمه القرآن الكريم، فيورد ابن منظور قوله حول معاني لفظ دل: "الدليل ما يستدل به، والدليل الدال. وقد دله على الطريق يدله دلالة (بفتح الدال أو كسرها أو ضمها) والفتح أعلى، وأنشد أبو عبيد: إني امرؤ بالطرق ذو دلالات. والدليل والدليلي الذي يدلك". ويسوق ابن منظور قول سيبويه وعلي- كرم الله وجهه- وقد تضمن قولهما لفظ "دل" يقول سيبويه: "والدليلي علمه بالدلالة ورسوخه فيها". وفي حديث علي- رضي الله عنه- في صفة الصحابة: "ويخرجون من عنده أدلة" وهو جمع دليل أي بما قد علموا فيدلون عليه الناس يعني: يخرجون من عنده فقهاء، فجعلهم أنفسهم أدلة، مبالغة."

إن ابن منظور- بما جمع من أمثلة- يرسم الإطار المعجمي للفظ "دل" محدداً المعنى الحقيقي الذي ينحصر في دلالة الإرشاد أو العلم بالطريق الذي يدل الناس ويهديهم. وهذا التصور للدلالة، لا يختلف عن التصور الحديث مما يعني أن المصطلح العلمي (الدلالة) يستوحي معناه من تلك الصورة المعجمية التي نجدها في أساليب الخطاب اللغوي القديم.
وإلى المعنى ذاته يشير الفيروز أبادي محدداً الوضع اللغوي للفظ "دل" فيقول: "… والدالة ما تدل به على حميمك، ودله عليه دلالة (ويثلثه) ودلولة فاندل: سدده إليه (..) وقد دلت تدل والدال كالهدي

وبهذا الشرح يؤكد الفيروز أبادي ما نص عليه ابن منظور من أن الأصل اللغوي للفظ "دل" يعني هدى وسدد وأرشد.
ويترتب على هذا التصور المعجمي توفر عناصر الهدي والإرشاد والتسديد أي توفر: مرشِد ومرشَد ووسيلة إرشاد وأمر مرشَد إليه. وحين يتحقق الإرشاد تحصل الدلالة، وتقابل اللسانيات الحديثة هذا التصور، بتعيين الباث والمتقبل ووسيلة الإبلاغ والتواصل وشروطها، ثم المرجع المفهومي الذي تحيل عليه الرسالة الإبلاغية، وبناء على ذلك فالعمل المعجمي هو عمل دلالي وإن كان (جورج مونان) كما نقل د.فايز الداية ينبه إلى أنه من الضروري عدم الخلط بين علم الدلالة (semantique) والدراسة المعجمية (lexicographie)، هذه التي لا تهتم إلا بوصف فحوى الكلمات كما نراها- في الحالة التقليدية- حين تسجيلها في المعجم

ولكن إذا كان المعجم لا يفي بالغرض في نقل دلالة اللفظ التي تشعب بها الخطاب اللغوي الحديث، فإن إيراد المعنى المركزي هو الذي يعين على مجموعة الحالات الجزئية التي تتباين وتتغاير بعدد السياقات التي تحل فيها

، وعلى ذلك فإن الدراسات المعجمية- كما قام بها علماء المعجم- لا يمكن إغفالها أو إسقاطها من الجهود الدلالية العربية- ويبقى السياق المحدد الرئيسي لدلالة اللفظ المتجددة، إذ ذهب بعض العلماء إلى التأكيد أن معنى الكلمة هو مجموع استعمالاتها المختلفة في السياقات المتعددة، "وعلى العموم فإن معاني (دلالات) الكلمات هي نتائج لا يتوصل إليها إلا من خلال تفاعل الإمكانيات التفسيرية لكامل الكلام كما يرى إمبسون."

هذا التحديد اللغوي للفظ "دل" كما جاء به الفيروز آبادي ينطوي على جملة من المعطيات اللغوية، يفسرها الدرس اللساني والدلالي الحديث ويحدد أبعادها المعرفية.
أما الزبيدي في معجمه فيشرح لفظ "دل" لغوياً فيقول: "… وامرأة ذات دل أي شكل تدل به" وينقل عن الأزهري في كتابه "التهذيب" قوله: دللت بهذا الطريق دلالة عرفته ودللت به أدل دلالة، ثم إن المراد بالتسديد إراءة الطريق، دل عليه يدله دلالة ودلولة فاندل على الطريق (سدده إليه). وأنشد ابن الأعرابي:

ما لك يا أعور لا تندل

وكيف يندل امرؤ وعثول

ومما يستدرك عليه الدليل ما يستدل به، وأيضاً الدال وقيل هو المرشد وما به الإرشاد، الجمع أدلة وأدلاء، قول الشاعر:

شدوا المطي على دليل دائب

من أهل كاظمة بسيف البحر

أي على دلالة دليل كأنه قال معتمدين على دليل… قال ابن الأعرابي: دل فلان إذا هدى

وتجمع قواميس اللغة على أن الدلالة، تعني الهدي والإرشاد، فدله على الشيء وعليه أرشده وهداه.
3-ماهية الدلالة بين القديم والحديث:

أولاً: الدلالة في تعريفات علماء العرب القدامى
(الأسس والمبادئ النظرية):

إن الأسس النظرية التي انبنى عليها المصطلح العلمي القديم نشأت في رحاب الدرس الفقهي، الذي يتوخى فهم كتاب الله واستنباط الأحكام منه، ولذلك نجد مختلف علوم التراث المعرفي العربي تشترك- إلى حد بعيد- في أدوات البحث ومصطلحاته العلمية، ولا أدل على ذلك أن ظهر فرع من علوم العربية أطلق عليه مصطلح "فقه اللغة"

على غرار فقه الشرع، كما استخدم اللغويون القدامى مصطلحات هي من لوازم الفقه الشرعي نذكر منها: مصطلح القياس والسماع والإجماع واستصحاب الحال والاستحسان

وما إلى ذلك، ولم يشذ الدرس الدلالي في التراث العربي عن هذه الأسس النظرية باعتباره كان يدور في فلك العلوم التي كانت تهدف إلى فهم كتاب القرآن، بتذليل معانيه واستنباط دلالاته، واقتباس سننه في الإنشاء والتعبير. ويمكن أن نلمس هذا الاهتمام بالدلالة- لدى المتقدمين من العلماء العرب- في ميادين مختلفة من المعارف والعلوم كالمنطق والفلسفة، وأصول الفقه، والتاريخ، والنقد، وبناء على هذه العلوم سنبين تعريفات للدلالة عند كل من: أبي نصر الفرابي (ت 339هـ)، والإمام أبي حامد الغزالي (ت 505هـ)، وعبد الرحمن بن خلدون (ت 808هـ)، والشريف الجرجاني (ت816هـ)، واختيارنا لهؤلاء الأعلام ارتكز أساساً على عدة اعتبارات كان أهمها وضوح الاهتمام بالتنظير الدلالي الذي يبدو بارزاً في مؤلفات هؤلاء العلماء، وسنقتصر على تقديم ماهية الدلالة عند علماء العرب القدامى تقديماً موجزاً بالقدر الذي يبرز مفاهيمها وتعريفاتها، ذلك أن دراسة الدلالة في التراث العربي القديم بكيفية مفصلة سيشتمل عليه الفصل الأول من المدخل التطبيقي الذي يحمل عنوان: جهود العرب القدامى في الدراسة الدلالية..
I-مفاهيم الدلالة عند الفرابي (ت 339هـ):

لقد اقترن اسم الفرابي في التراث العربي بميدانين من ميادين الثقافة الإسلامية وهما: ميدان علم المنطق وميدان علم الفلسفة، وصلة هذين الميدانين بعلوم اللغة لا تخفى على أي مطلع ودارس للتراث المعرفي العربي، فالفرابي كان يرى ضرورة الأخذ بعلوم العربية وقوانينها وسننها في التعبير والخطاب، لأنها أدوات أساسية في البحث المنطقي والفلسفي، واهتمام الفرابي بعلوم العربية يستشف من خلال مؤلفاته في المنطق والفلسفة، ولا نكاد نعثر عنده على تنظير للدلالة ومتعلقاتها، إلا بقدر ما له ارتباط بهذين العلمين، ومن جملة المسائل الدلالية التي بحثها الفرابي ما يلي:
أ-أقسام الألفاظ باعتبار دلالتها:

اهتم الفرابي اهتماماً بالغاً بالألفاظ، فصنفها إلى تصنيفات عدة، بل إنه وضع لها علماً خاصاً سماه "علم الألفاظ" الذي عده من فروع علوم اللسان التي قسمها إلى سبعة أقسام وهي: "علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة، وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركب وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة، وقوانين الشعر."

ودراسة الفرابي للألفاظ لا يمكن تصورها بمعزل عن الدلالة، فلا وجود لألفاظ فارغة الدلالة في علمي المنطق والفلسفة، إنما الألفاظ ودلالاتها وجهان لعملة واحدة، مما سيسمح ذلك في القرون المتأخرة إلى إبراز جملة من العلاقات الدلالية الناتجة عن اتحاد الدال بمدلوله، وهو ما ظهر جلياً في العصر الحديث في مباحث دسوسير الذي وضع مصطلح الدليل اللساني (le signe linguistique) على اتحاد اللفظ بالمعنى، قطبي الفعل الدلالي.
إن المستوى الذي تتم فيه الدراسة الدلالية عند الفرابي هو مستوى الصيغة الإفرادية وهو يطلق عليه في الدرس الألسني الحديث بالدراسة المعجمية، التي تتناول الألفاظ بمعزل عن سياقها اللغوي، فتدرس دلالاتها وأقسامها ضمن حقول دلالية تنتظم فيها وفق قوانين حددها علماء الدلالة وذلك لإدماجها في استعمال لغوي أمثل. يقول الفرابي مشيراً إلى هذه الدراسة: "الألفاظ الدالة منها مفردة تدل على معان مفردة ومنها مركبة تدل على معان مفردة… والألفاظ الدالة على المعاني المفردة ثلاثة أجناس: اسم وكلمة [فعل] وأداة [حرف] وهذه الأجناس الثلاثة تشترك في أن كل واحد منها دال على معنى مفرد"

فأقسام الألفاظ باعتبار دلالتها تنتظم في قسمين، ألفاظ مفردة ذات دلالة مفردة، ومعيار اللفظ المفرد هو ما يدل جزؤه على جزء معناه، فدلالته قابلة للتجزئة، أما قسم الألفاظ المركبة ذات الدلالة المفردة فهي على نقيض الألفاظ المفردة، إذ هي غير قابلة لأن تتجزأ دلالتها، وتعرف بأنها ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، يقدم ابن سينا تمثيلاً لذلك بقوله: "اللفظ المفرد: هو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة أصلاً حين هو جزؤه مثل تسميتك إنساناً بعبد الله فإنك حين تدل بهذا على ذاته، لا على صفته من كونه "عبد الله" فلست تريد بقولك "عبد" شيئاً أصلاً. فكيف إذا سميته بـ"عيسى"؟ بلى، في موضع آخر تقول "عبد الله" وتعني بـ"عبد" شيئاً، وحينئذ يكون "عبد الله" نعتاً له، لا اسماً وهو مركب لا مفرد".

ولم يخرج تقسيم ابن سينا للألفاظ عما وضعه الفرابي قبله في كتابه "في المنطق".
ب-ما يقوم به مقام اللفظ المفرد من الأدوات الدالة:

لقد قسم الفرابي الألفاظ الدالة إلى ثلاثة أقسام: الاسم والفعل والأداة. وإذا كانت دلالة الاسم والفعل واضحة، فإن دلالة الأداة قد يكتنفها غموض، يشرح الفرابي في كتابه "الحروف" هذه المسألة ويفيض البحث فيها، ففي مقام حصره لاستخدامات الحرف "ما" يقول: "يستعمل [ما] في السؤال عن شيء ما مفرد، وقد يقرن باللفظ المفرد والذي للدلالة عليه أولاً وهو الشيء الذي جعل ذلك اللفظ دالاً عليه".

فالحروف ليست لها دلالة في ذاتها إنما قيمتها الدلالية فيما تشير إليه، واللفظ لا يدل على ذاته إنما يدل على المحتوى الفكري الذي في الذهن، وفي هذا الإطار يشرح الفرابي استعمالات لفظ "موجود" فيقول: "الموجود لفظ مشترك يقال على جميع المقولات والأفضل أن يقال إنه اسم لجنس من الأجناس العالية على أنه ليست له دلالة في ذاته."

ج-الدلالة محتواه في النفس:

إن العلاقة التي تربط الدال بمدلوله في علم المنطق، لا يمكن أن تترك دون قواعد أو قوانين، لأن علم المنطق يهدف إلى عقلنة الأفكار بإخضاعها إلى قوانين تنتظم في إطارها، ولهذا يطلق الفرابي على المعاني أو الدلالات مصطلح منطقي هو "المعقولات" التي يكون محلها النفس التي يتم فيها تصحيح المفاهيم برؤية منطقية، يقول الفرابي في ذلك: "وأما موضوعات المنطق وهي التي تعطي القوانين فهي المعقولات، من حيث تدل عليها الألفاظ، والألفاظ من حيث هي دالة على المعقولات وذلك أن الرأي إنما نصححه عند أنفسنا بأن نفكر ونروّي ونقيم في أنفسنا أموراً ومعقولات شأنها أن تصحح ذلك الرأي."

فالنظرية الدلالية عند الفرابي، لا تخرج عن إطار علاقة الألفاظ بالمعاني ضمن القوانين المنطقية، ويمكن أن نجمل تعريف الفرابي لعلم الدلالة بأنه الدراسة التي تنتظم وتتناول الألفاظ ومدلولاتها، وتتبع سنن الخطاب والتعبير لتقنينه وتقعيده.
II-مفاهيم الدلالة عند الغزالي (ت: 505):

إن مفهوم الدلالة عند الغزالي ينبغي أن ينظر إليه من زاوية الثقافة الأصولية، ذلك أن الأحكام التي استنبطها من القرآن الكريم- خاصة- استند فيها على أسس نظرية نجدها بشكل واضح في كتابه "المستصفى من علم الأصول". وتعود هذه الأسس أصلاً إلى فهم عميق للدلالة، "وإن كانت وضعت لتطبق في فهم النصوص الشرعية، ولكنها تطبق أيضاً في معاني أي نص غير شرعي ما دام مصوغاً في لغة عربية"

والتفسير الدلالي الذي توصل إليه الغزالي، يدل على أن هذا العالم الفيلسوف قد تجاوز البحث عن ماهية الدلالة إلى البحث عن جوهر الدلالة وفروعها، فبنظرة مقتضبة إلى بعض نصوصه في كتابه المشار إليه آنفاً، تجده يذكر أصنافاً لمعان قد حددها علماء الدلالة المحدثون كالمعنى الإرشادي أو الإيمائي، والمعنى الاتساعي، والمعنى السياقي، وإن كان الغزالي يسميها بمصطلحات أصولية وهي على الترتيب دلالة الإشارة ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب، وكل دلالة عند الغزالي قد تنقسم إلى دلالات فرعية يقول معرفاً دلالة الاقتضاء، بأنها هي التي لا يدل عليها اللفظ ولا يكون منطوقاً بها ولكن تكون من ضرورة اللفظ.

وكيف تكون دلالة الاقتضاء من ضرورة اللفظ يا ترى؟ يوضح ذلك الغزالي بقوله: "أما من حيث لا يمكن كون المتكلم صادقاً إلا به، أو من حيث يمتنع وجود الملفوظ شرعاً إلا به أو من حيث يمتنع ثبوته عقلاً إلا به".

إن إدراك دلالة الاقتضاء تتم إما باعتبار طبيعة حال المتكلم فهي بناء على ذلك طبيعية لا يكون المتكلم عندها إلا صادقاً وإما باعتبار طريق العقل فالدلالة إذن عقلية منطقية.
وسيشير الغزالي إلى ما يمكن أن يصحب العملية التواصلية من حركة وإيماء وإشارة من قبل المتكلم فتنصرف الدلالة من المعنى الرئيسي، إلى المعنى الإيمائي أو ما يسمى في علم الدلالة الحديث "بالقيم الحافة"، وهي تعني جملة القيم الثقافية والاجتماعية وغيرها التي تصحب عملية التواصل أو الإبلاغ فلكي نؤدي دلالة معينة لا نعتمد فحسب على الألفاظ أو الرموز، إنما يقتضي ذلك تضافر عدة أنظمة إبلاغية "إذا كان النظام الكلامي أهمها فإن سائرها يواكبه مكملاً إياه"

من ذلك النظام الإشاري، والنظام النبري "فوق المقطعي"، والنظام الإيحائي، والنظام السياقي، ونظام المقام أو الحال، يقول الغزالي محدداً بعض هذه الأنظمة الدلالية في سياق تعريفه لدلالة الإشارة: "وهي [أي دلالة الإشارة] ما يؤخذ من إشارة اللفظ لا من اللفظ ونعني به ما يتبع اللفظ من غير تجريد قصد إليه، فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إشارة فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به …وهذا ما قد يسمى إيماء وإشارة."

أما النظام السياقي الذي يشرف على تحميل الصيغة دلالات إضافية، عدها الدرس الدلالي الحديث دلالات أساسية، يقدمه الغزالي بقوله أنه فهم غير المنطوق به من المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده."

إن هذه التصنيفات للدلالة التي حددها الغزالي، تمثل وعياً عميقاً صحب فكر هذا العالم، ومكنه من أن يسهم في تأسيس الفكر النظري في مجال الدلالة. وهذه الإسهامات العلمية، لن تقدر حق قدرها ما لم ينظر إليها بمنظار "المعرفة" التي تأسس وفقها تراث القرن الخامس والسادس الهجريين، وقد أبان الغزالي على نحو علمي راق علاقات الألفاظ بالمعاني، ولم يخرج عن تلك المحددة قبلاً عند العلماء، وهي علاقة المطابقة وعلاقة التضامن وعلاقة الالتزام أو الاستتباع.

كما بحث الغزالي قسم الألفاظ من حيث إفرادها وتركيبها وأحصى في ذلك ثلاثة أقسام: ألفاظ مفردة وألفاظ مركبة ناقصة، وألفاظ مركبة تامة، فاللفظ المفرد عند الغزالي، لا يخرج عن تصور من سبقه من العلماء خاصة الفرابي وابن سينا يقول الغزالي: "المفرد وهو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة على شيء أصلاً حين هو جزؤه كقولك عيسى وإنسان، فإن جزئي عيسى وهما "عي وسا" وجزئي إنسان وهما "إن وسان" ما يراد بشيء منهما الدلالة على شيء أصلاً

أما المركب فهو الذي يدل كل جزء فيه على معنى، والمجموع يدل دلالة تامة بحيث يصح السكوت عليه من ذلك قولهم: زيد يمشي والناطق حيوان أما قولهم: في الدار أو الإنسان في، مركب ناقص لأنه مركب من اسم وأداة

وما يلاحظ في تقسيمات الفرابي وابن سينا والغزالي للألفاظ باعتبار الإفراد والتركيب، هو إسنادهم في ذلك كله على القصد والإرادة، فإن أريد بمركب اسمي أو فعلي دلالة مفردة، كانت تلك الدلالة، وإن أريد بهما غير تلك الدلالة لم تكن.

وإن تتبعنا تقسيمات الغزالي للألفاظ، لألفيناها تتعدد لتعطي ذلك المفهوم العام الذي استقر لدى هذا العالم حول الدلالة وفروعها ومتعلقاتها، ويمكن أن يشير في هذا المجال إلى تقسيمه للألفاظ باعتبار الكلي والجزئي، وعموم المعنى وخصوصه، كما أقام تقسيمات للألفاظ باعتبار نسبتها إلى المعاني وحدد أربعة أصناف يقول: "اعلم أن الألفاظ من المعاني على أربعة منازل: المشتركة والمتواطئة والمترادفة والمتزايلة."

ويشرح الغزالي على نحو تفصيلي مرتب، العلاقة بين الصور المحفوظة في الذاكرة للمدلولات المادية والمجردة، والألفاظ والكتابة التي هي أدوات دالة فيقول: "اعلم أن المراتب فيما نقصده أربع واللفظ في الرتبة الثالثة، فإن للشيء وجوداً في الأعيان ثم في الأذهان ثم في الألفاظ ثم في الكتابة، فالكتابة دالة على اللفظ، واللفظ دال على المعنى الذي في النفس، والذي في النفس هو مثال الموجود في الأعيان."

وعلى هذا الأساس وبحسب تقسيمات الغزالي

-فالكتابة دال فقط باعتبارها واسطة تمثيل للملفوظ فهي إشارة لإشارة كما يقول (جاك دريدا

-اللفظ دال باعتبار ومدلول باعتبار آخر.
-المعنى الذي في النفس (الصور الذهنية) مدلول فقط وليست بدال.
-الموجود في الأعيان (الأمور الخارجية) مدلول فقط وليست بدال.
وعلى هذا الاعتبار وبحسب ركني العملية الدلالية (الدال- المدلول).
-الكتابة، الألفاظ: دال.
-الصور الذهنية- الأمور الخارجية: مدلول.
إن تلك الإشارات العابرة، إلى ما قدمه الإمام الغزالي في مجال التأسيس النظري للدلالة، يبرز ما مدى ثراء تراثنا المعرفي الذي اتخذ من النص القرآني كمعطى مثالي من أجل وضع أسس لنظرية معرفية شاملة خاصة إذا علمنا أن العلماء القدامى، قد امتلكوا الأدوات المختلفة اللغوية والمنطقية والفلسفية من أجل إبراز كل الجوانب الهامة في النص المقدس، وإن الحيطة التي أخذوها في التعامل مع أحكام القرآن زادت من منطقية معارفهم وصدق مفاهيمهم، والغزالي يعد المازج الحقيقي للمنطق الأرسططاليسي

بعلوم المسلمين، وظاهر ذلك من المقدمة المنطقية التي صدّر بها كتابه "المستصفى" وذكر فيها أن من لا يحيط بالمنطق ومعاني اللغة وأسرارها لاثقة بعلومه قطعاً.
ومنذ عهد الغزالي دأب الأصوليون المتكلمون يستهلون كتبهم بمقدمات كلامية ومنهم صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" سيف الدين الآمدي، موضوع هذا البحث، وقد أظهر الغزالي قدرة عميقة في فهم تلك السنن التي ينطوي عليها نظام اللغة، وذلك استجابة للمبحث الأصولي الذي يتجاوز الفهم السطحي "النحوي" للغة، إلى استقراء دقيق لمعانيها، لا يتعرض لها اللغوي المشتغل بصناعة النحو.
III-مفاهيم الدلالة عند ابن خلدون (ت:808هـ):

لا نكاد نعثر لابن خلدون عن تعريف بيّن للدلالة، وإنما باستقراء نصوص "مقدمته" نجد دراسات في الدلالة قد تجاوزت- بلا شك- الماهية إلى البحث العميق عن جوهر الدلالة وطرق تأديتها، واضحة من غير لبس يقول موضحاً ذلك وشارحاً: "واعلم بأن الخط بيان عن القول والكلام، كما أن القول والكلام بيان عما في النفس والضمير من المعاني، فلا بد لكل منهما أن يكون واضح الدلالة."
فابن خلدون- على نهج الغزالي- يوضح العلاقة القائمة بين المعاني المحفوظة في النفس، والكتابة والألفاظ ويحصرها في ثلاثة أصناف:
أ-الكتابة الدالة على اللفظ.
ب-اللفظ الدال على المعاني التي في النفس والضمير. (الصورة الذهنية): وهذه المعاني إن لم تكن مجردة فإنها تدل على موجود في الأعيان وعلى هذا الأساس فالصنف الثالث للدلالة:
ج-المعاني الدالة على الأمور الخارجية.
ويعطي ابن خلدون للخط والكتابة أبعاداً مهمة في العملية الت
([1]) د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة- ص19.

([2]) المرجع السابق، ص19.

([3]) الرواقيون (stoiciens) ينتسبون إلى ريتون القيسيوني (ت244ق.م) ربطوا المسائل اللغوية بالفلسفة.

([4]) زبير دراقي محاضرات في اللسانيات العامة والتاريخية، ص25.

([5]) فنون التعقيد وعلوم الألسنية: ص26.

([6]) علم الدلالة عند العرب، ص5.

([7]) المرجع السابق، ص5.

([8]) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص6.

([9])Les grands courrants de la linguistique moderne. Le roy Maurice- p.46.

([10]) تأليف ستيفن أولمن، دور الكلمة في اللغة، مقدمة، ص6.

([11]) د. عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية. ص 104

([12]) المرجع السابق، ص161.

([13]) سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، ترجمة محمد يحباتين، ص28.

([14]) التوزيعية: نظرية تزعمها العالم اللغوي الأمريكي بلومفيلد وهي نظرية عامة للألسنية ترى أن اللغة تتألف من إشارات معبرة تتدرج جميعاً ضمن نظام اللغة لمنطق يكون التعبير على مستويات مختلفة والجملة تحمل إلى مؤلفاتها المباشرة بواسطة قواعد التوزيع والتعويض والاستبدال.

([15]) د.عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص81.

([16]) المرجع السابق، ص168.

([17]) ريمون طحان، دينر بيطار، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص92.

([18]) د.ميشال زكريا، انظر الألسنية (علم اللغة الحديث): ص232-233.

([19]) فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص105.

([20]) عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص41.

([21]) فايز الداية، علم الدلالة العربي: ص77.

([22]) السيد شريف الجرجاني، التعريفات، ص215.

([23]) تمام حسان، الأصول، ص318.

([24]) المرجع السابق، ص321.

([25]) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص9.

([26]) الآية رقم 22، انظر تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج13، ص37.

([27]) سورة القصص: الآية 12، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج4، ص217.

([28]) الآية: 120، انظر تفسير ابن كثير، ج4، ص542.

([29]) الآية: 45، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج4، ص120.

([30]) الآية: 14، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج5، ص62.

([31]) الآية: 7، انظر تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن.

([32]) سورة طه: الآية 40، انظر تفسير ابن كثير، ج4، ص506.

([33]) عبد القاهر غذامي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص370.

([34]) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص41.

([35]) ابن منظور، انظر لسان العرب، ص394-395.

([36]) القاموس المحيط، ج3، ص377.

([37]) فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص204-205.

([38]) المرجع السابق، ص217.

([39]) المرجع نفسه، ص223.

([40]) الزبيدي، تاج العروس، ج7، ص324-325.

([41]) أول مؤلف حمل عنوان فقه اللغة هو كتاب الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها لابن فارس.

([42]) ريمون طحان، دينر بيطار ضحاك، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص26.

([43]) الفرابي، إحصاء العلوم، ص159.

([44]) الفرابي، العبارة، كتاب في المنطق، ص74.

([45]) الإشارات والتنبيهات، ج1، ص191.

([46]) الحروف، ص166.

([47]) المصدر السابق، ص115.

([48]) إحصاء العلوم، ص167.

([49]) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، ج1، ص156.

([50]) المستصفى من علم الأصول، ص187.

([51]) المصدر السابق، نفس الصفحة.

([52]) عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية.

([53]) المستصفى من علم الأصول، ج2، ص188.

([54]) المصدر السابق، ج2، ص190.

([55]) معيار العلم في المنطق، ص42-43.

([56]) المصدر السابق: ص49.

([57]) المصدر نفسه، ص49-50.

([58]) المصدر نفسه، ص52. المشتركة: (المشترك اللفظي)، المتواطئة: أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها كدلالة اسم الحيوان على الفرس والطير والأسد، والمترادفة: (المترادف)، المتزايلة: هي الأسماء المتباينة التي ليست بينها شيء من هذه النسب.

([59]) المصدر نفسه، ص46-47.

([60]) الكتابة جاءت لتملأ فراغاً لتكون امتداداً للملفوظ خاصة إذا وجدت لغات لا يمكن إلا أن تكون مكتوبة ولا نستطيع تجريدها بالمنطق كما هو شأن لغة الجبر في الرياضيات، انظر ذلك في كتاب: De La Grammatologie jaque derrida (p 429)

([61]) محمود سامي النشار، منهج البحث عند مفكري الإسلام، ص90.

([62]) المقدمة، ج2، ص509.




رد: ((كل ما يخص علم الدلالة هنا))

على الاقل كلمة شكر




رد: ((كل ما يخص علم الدلالة هنا))

شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااا




رد: ((كل ما يخص علم الدلالة هنا))

سلمت يداك و جزاك الله كل خير




رد: ((كل ما يخص علم الدلالة هنا))

بارك الله فيك و جزاك الجنان




رد: ((كل ما يخص علم الدلالة هنا))

شكرا على المجهود لكن اريد انواع الاشتقاق فيعلم الدلالىة لو سمحت الرد