تلاميذ البكالوريا يتنافسون على مشروبات الطاقة لتنشيط الذاكرة رغم التحذيرات
مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية، شهادات البكالوريا والتعليم المتوسط والابتدائي، تنتعش تجارة مستحضرات تقوي الذاكرة وتنشطها، أو هكذا يروج لها، فالمتجول داخل المحلات يرى واجهتها وقد زينتها مشروبات الطاقة، وعلب لمستحضرات ووصفات شعبية مخصصة لتقوية الذاكرة وتسريع الحفظ، والفهم، منتجة من خلاصة أعشاب وزيوت نباتية، بعضها محلي وأغلبها مستورد، وفي رحلة البحث عن وصفات النجاح في البكالوريا وشهادة التعليم الأساسي، لا يتوانى الممتحنون وذووهم في توفير أي مادة ودفع أي مبلغ مقابل النجاح، متجاهلين مخاطر إصابتهم بأعراض الحساسية ومضاعفات خطيرة على مختلف وظائف الجسم، وحتى ترك قناعة لدى الأبناء تتقبل مثل هذه الممارسات المنافية للجدية والاعتماد على النفس، بل وحتى تقبل الشعوذة.
تحولت وصفات النجاح ومقويات الذاكرة إلى هوس أصاب التلاميذ المقبلين على الامتحانات المصيرية وحتى الفصلية، فالكل يسعى لتحصيل أفضل الطرق وأنجعها بغية تحقيق النجاح، وهو ما دفع بالكثير منهم للتوجه الى محرك البحث الشهير "جوجل" لاستخراج أجود وأحسن الطرق، والتوجه بعدها إلى محلات العطارة لصرف الوصفة "الجوجلية" بعيدا عن رقابة المختصين، وحتى دون التأكد من صحة ما يتداول على الإنترنيت، فبمجرد كتابة "وصفات لتقوية الذاكرة وتسهيل الحفظ" يظهر لك على الشاشة المئات من الصفحات والروابط التي لها علاقة بالموضوع، فتدون الطلبات، ليهرع المستفسر سريعا نحو محل الأعشاب لاقتناء اللوازم وتناولها بحذافيرها.
وصفات "جوجلية" مجهولة المصدر في أيدي التلاميذ
ونحن بصدد الإعداد للموضوع، سمعنا الكثير من قصص التلاميذ والطلبة، لكننا ارتأينا النزول إلى محلات بيع الأعشاب والعطارة بديدوش مراد وحسين داي، فدهشنا للإقبال الكبير على وصفات الشيخ والحكيم "جوجل"، فقد كان جل المواطنين داخل المحل وفي يدهم ورقة صغيرة عليها لوازم تحضيرها، حيث تقول السيدة "س.ر"، ان ابنتها تدرس في ثانوية "الثعالبية" بحسين داي، مقبلة على امتحان البكالوريا، وقد استخرجت زميلتها وصفة من أحد مواقع الإنترنت تتكون من الزنجبيل المطحون، لبان الذكر والحبة السوداء بكميات متساوية تخلط مع عسل النحل وتؤكل على الريق، وتضيف السيدة أن هناك تلميذات تناولن هذه الوصفة، وتمكن من إحراز نتائج جيدة في الفصلين السابقين، وهو ما حفز ابنتها على تجريبها.
الحديث عن هذه الوصفة شد انتباه إحدى الفتيات، اتضح فيما بعد أنها مقبلة أيضا على اجتياز امتحان البكالوريا، لتشاركنا بالحديث عن أكثر الوصفات المستخرجة من الإنترنت والمتداولة بين تلاميذ الثانويات حاليا، وصرحت بأن الظاهرة أصبحت عادية جدا، فكل من يسمع بوصفة جيدة يمنحها لزملائه، وأن هناك وصفات خاصة بالأقسام الأدبية تساعدهم على الحفظ والفهم، وأخرى مخصصة للأقسام العلمية تزيل التبلد الذهني وتقوي الذاكرة.
وعن مصدر هذه الوصفات أكدت لنا أن "الإنترنت" هي المصدر الأول، يأتي بعدها محلات الأعشاب والعطارة، ثم كتب الطب النبوي، فكل حسب امكاناته، الا أن الجميع يفضل وصفة "الإنترنت" لأنها غير مكلفة. وبما أنها من شعبة الآداب والفلسفة، أشادت بوصفة اللبان الذكر، سكر نبات، زعفران الشعرة، تخلط جميعا ثم تطحن، ليتناول ملعقة منها على الريق بشربة ماء زمزم، وتقول إنها من أنجع الطرق، وقد جربتها شقيقتها قبل سنتين ونجحت في البكالوريا، كما تحرص خلال هذه الفترة على شرب كوب من النعناع المغلى، يضاف اليه ملعقة من زيت الحبة السوداء لتحسين المزاج وتفادي الخوف يوم الامتحان.
الباعة: وصفاتنا من الطب النبوي وما يباع في الأرصفة دجل
أجمع أصحاب المحلات وباعة الأعشاب الذين تحدثنا إليهم في بن عمار، ديدوش مراد وحسين داي، على أن العلاج بالأعشاب مذكور في الطب النبوي، وهو الذي حفظ البشرية خلال السنوات الفارطة، فقد ذكر محمد، صاحب محل لبيع الأعشاب بحسين داي، أن جل الوصفات التي يقدمها لزبائنه مستوحاة من أحاديث وكتب الطب النبوي، وهي ناجعة، ونجحت في علاج الكثير من الأمراض وتخفيف البعض منها كالسكري، ضغط الدم، وبعض الأمراض المعوية، مضيفا أن هناك وصفات متعارفا عليها تنشط الذاكرة كوصفة النعناع بالحبة السوداء، وزيت الذاكرة وسعره 300 دج، وعقدة بالعسل ممزوجة ببعض الأعشاب لتقوية الذاكرة وسرعة الحفظ ثمنها 500 دج، بالإضافة إلى بعض المشروبات الساخنة "تيزانة" ثمنها 120 دج. وأوضح أنه بإمكانه تحضير عقدة خاصة بسعر 4 آلاف دينار مكونة من العسل وبعض الأعشاب والمكسرات، تعمل على تقوية الذاكرة وتنشيطها، رفض الإفصاح عن اسمها، فالأمر يتعلق بسرية المهنة، وقال إنه يستحب تناولها شهرا قبل موعد الامتحان بمعدل ملعقة صباحا على الريق، وأخرى قبل النوم، والنجاح سيكون حليف المترشح بالتأكيد.
وأضاف أن هناك "كوكتيل" لتنمية الذكاء مستخلص من الفواكه يفضل تناوله أسبوعا قبل الامتحان لتعديل المزاج وإزالة الخوف والارتباك، محذرا من الوصفات العشوائية مجهولة المصدر المعروضة على الأرصفة، فكثير ممن استهلكها أصيب بالتسمم والحساسية.
اتحاد التجار: الأعشاب والزيوت المعروضة خطر على المستهلك
أكد الناطق باسم اتحاد التجار، الطاهر بولنوار، في اتصال مع "الشروق"، أن الأعشاب والزيوت العلاجية تعرف اقبالا واسعا من طرف مختلف فئات المواطنين، لأن بعض الدراسات خلصت الى أن قيمة وفوائد الأعشاب أكبر من الأدوية، فهي تجنب مستهلكها الأعراض الجانبية والمضاعفات الخطيرة، كما أن ارتفاع أسعار الأدوية وغياب ثقافة الاستهلاك وانتشار الأسواق الموازية والفوضوية، ساهم في مضاعفة الإقبال عليها، وأوضح أن الكثير من الأعشاب والزيوت المعروضة للبيع على الأرصفة وعند مداخل المساجد، وحتى داخل الحمامات غير الخاضعة للرقابة، حيث تباع بشكل عشوائي في ظروف مزرية، يجعلها أكثر قابلية لامتصاص الجراثيم والأمراض، وتشكل خطرا على صحة المستهلك، ووصف بولنوار ممارسي تجارة الأعشاب بقليلي وعديمي الخبرة في مجال الطب والمواد الصيدلانية، فهم دخلاء على المهنة، وغير ملمين بفوائدها وانعكاساتها على الصحة العمومية، مشيرا إلى أنه لا يوجد مانع من بيع الأعشاب الطبية، غير أن من الضروري تقنين هذه التجارة، وتشديد الرقابة على ممارسيها وتكوينهم، ثم توفير ظروف ملائمة لهم.
عمادة الأطباء: أعشاب الذاكرة "شعوذة" تضر بصحة التلاميذ
أوضح الدكتور محمد بقاط بركاني، رئيس عمادة الأطباء، في تصريح لـ"الشروق"، أن هناك أدوية متكونة من جملة من الفيتامينات والأملاح معروضة في الصيدليات مخصصة لتنمية القدرات العقلية ومنشطة للذهن، غير أن تأثيراتها تدوم لفترة زمنية قصيرة جدا، مثل السجائر، ولكن انعكاساتها السلبية على الصحة تكون أشد خطورة، فهي تجعل متناولها مثل المدمن، كما تصيبه بالأرق والقلق، وقلة الشهية، وبالتالي حرمان الجسم من الفيتامينات الضرورية في فترة الامتحانات.
ويضيف رئيس عمادة الأطباء أن مخاطر عرض الأعشاب والوصفات في الطرقات لتنمية ذكاء التلاميذ أكبر بكثير من الأدوية، كما أن معظم الخلطات مجهولة المصدر، ما يرجح الإصابة بأمراض مختلفة كالحساسية والتسمم، الأمراض العصبية كالقلق، فالمقويات النباتية قد تسبب تبلدا ذهنيا، ليوجه الدكتور بركاني نصيحة للتلاميذ المقبلين على الامتحانات بتقسيم وقتهم بين الرياضة والدراسة، والابتعاد عن الوصفات العشبية، فما يباع دجل وشعوذة للترويج وتحقيق الأرباح فقط.
فيدرالية المستهلكين وأطباء يحذرون: مشروبات الطاقة خطر
دعت الفدرالية الجزائرية للمستهلكين إلى منع تسويق مشروبات الطاقة في المساحات العمومية، لما تسببه من أخطار صحية على الأطفال مادون الثامنة عشرة وحتى الكبار، حسب العديد من الدراسات والأبحاث، التي منعت بيع هذه المشروبات في أوروبا، كما حذر أطباء مختصون في التغذية من مضاعفات هذه المشروبات لما تحتوي عليه من نسب عالية من الكافيين والجلوغوز وبعض المنبهات والمقويات الكيميائية التي تسوق على أساس فيتامينات تساعد على الطاقة والنشاط البدني والذهني، ما جعل الإقبال عليها يكثر من طرف التلاميذ المقبلين على امتحانات شهادتي البكلوريا والتعليم المتوسط، لمنحهم طاقة ونشاطا إضافيا في مراجعة الدروس، خاصة في الفترة الليلية.
"مشروب منشط لحالات الإجهاد البدني والذهني المتزايد، يعزز القدرة على التحمل والتركيز…" هي عبارة براقة مكتوبة على مشروبات الطاقة ما جعل الإقبال عليها يكثر هذه الأيام، ورغم أسعار هذه المشروبات التي تصل إلى 200 دج للعلبة الصغيرة، فإن الإشهار التلفزيوني البراق للتأثير السحري لمشروبات الطاقة في تقوية النشاط البدني والذهني جعل الإقبال عليها يبلغ مستويات قياسية، حسب العديد من أصحاب المحالات التجارية.
وأكد التجار أن أولياء التلاميذ المقبلين على امتحانات مصيرية هم أكثر زبائن هذه المشروبات، بهدف تحفيز أبنائهم على التركيز والتحمل في مراجعة الدروس، ولكنهم يجهلون تركيبة هذه المشروبات التي تحمل عبارة "غير مناسب للأطفال الذين يعانون من حساسية تجاه الكافيين"، وهذا ما قد يتسبب في مضاعفات صحية تبدأ أعراضها بصورة تدريجية بعد الإكثار منها، حيث منعت من البيع بعدة دول أوروبية وعربية، على غرار فرنسا وكندا وبلجيكا وألمانيا والسعودية، بسبب احتوائها على نسب عالية من مادة "التورين" المستخلصة من خصية الثور، وهو حمض أميني يدخل في مكونات "مني الثور"، غير أن هذه المادة المستعملة في مشروبات الطاقة ليست طبيعية، بل هي كيميائية ومسببة للعديد من الأمراض، ومضاعفات على سلامة القلب والكليتين وحتى المخ.
خياطي: مشروبات الطاقة تسبب أمراض المخ والقلب
دعا طبيب الأطفال ورئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام"، البروفسور مصطفى خياطي، الأولياء إلى وقف شراء مشروبات الطاقة لأبنائهم، لأنها تضر بوظيفة القلب والمخ، لاحتوائها كميات غير مراقبة من مادة الكافيين المنبهة، إضافة إلى مادة "التورين" التي تؤثر على وظيفة القلب، وأكد أن الكثير من الدول الإسكندنافية منعت هذه المشروبات بشكل رسمي، بعد إثبات مخاطرها على الكبار، ويكون تأثيرها مضاعفا على الأطفال ما دون الثامنة عشرة، ونصح خياطي بالتوجه نحو العصائر الطبيعية، كمشروب البرتقال والليمون، والأغذية المنزلية الطازجة والحليب ومشتقاته.
من جهته، أكد الدكتور كريم سحواد، مختص في التغذية، أنه استقبل أطفالا بدأت تظهر عليهم مضاعفات الإكثار من مشروبات الطاقة، ثبت لديهم نقص حاد في مادة الكافيين في أجسادهم، ما تسبب لديهم في إجهاد شديد، لأن الإكثار من تناول مشروبات الطلقة يمنح الجسم كميات عالية من الكافيين، وعند التوقف عن تناولها يشعر الجسم بحاجته لهذه المادة، ويبدأ في استهلاك الكافيين الموجود في الجسم، ما يتسبب في نقص مستمر في هذه المادة.
وأضاف الدكتور أن هذه المشروبات تحتوي أيضا على نسب غير مراقبة من "الجلوكوز"، ما قد يسبب الاستعداد للإصابة بداء السكري، خاصة وأنها تحتوي على سكريات سريعة الامتصاص، ما يعطي للجسم طاقة عالية محدودة التأثير، وبعد انتهاء مفعولها يشعر الجسم بالتعب، مما يؤدي الى إدمان غير مباشر على هذه المشروبات، وهذا ما يجعل تأثيرها قريبا من تأثير المخدرات.
وحذر المتحدث من التأثير السلبي لمادة "التورين" التي منعت في أوروبا، لتأثيرها السلبي على وظائف جسم الأطفال والشباب، وأضاف أن الكثير من الدراسات أثبتت أن مشروبات الطاقة في غالبها مركبات كيميائية ليست ذات فائدة غذائية أو صحية، لأنها خالية من المغذيات، إلا من بعض السعرات الحرارية، ونادرا ما يضاف لها فيتامينات.
المشروبات المسوقة غير مراقبة ومجهولة التركيب
أكد رئيس فدرالية حماية المستهلك لولايات الوسط، مصطفى زبدي، في تصريح لـ"الشروق" أن مشروبات الطاقة المسوقة عندنا غير مراقبة ومجهولة التركيب، وما تتضمنه من تركيبة يعتبر ضارا لاحتوائها على نسب عالية من مادة الكافيين المضرة للجسم، والغريب في الأمر أن هذه المشروبات مكتوب عليها عبارة تحذيرية بالنسبة للأطفال الذين يعانون حساسية تجاه الكافيين، وأضاف أن هذه المشروبات التي تحتوي على نسب عالية من الجلوكوز "سكاروز" و"الكافيين" و"التورين" إضافة إلى فيتامينات كيميائية، يجب أن توجه فقط للرياضيين البالغين وبكميات محدودة، فتأثيرها خطير جدا وعلى الأطفال، ما يستلزم السحب الفوري لهذه المشروبات من السوق.
وكشف المتحدث أن مشروبات الطاقة تسوق في أوروبا دون احتوائها على مادة "التورين"، وبكتابة عبارة "غير مناسبة للأشخاص أقل من 18 سنة"، وهذا غير معمول به في الجزائر، والقليل منها تحتوي عبارة "غير مناسبة للأطفال الذين يعانون من حساسية تجاه الكافيين".
كما دعا الى منع الإشهار المروج لهذه المشروبات، لأنها مخادعة وكاذبة، وأكد أن دولا أوروبية منعت بيعها في المحلات العامة، وحصرته في الصيدليات، مثل فرنسا وكندا، مع تحذير من شرب ما يزيد على علبة في اليوم، ومنها من منعها تماماً، مثل أستراليا، وكندا، النرويج، ماليزيا، تايلاند.
المصدر الشروق أون لاين.