التصنيفات
القرآن الكريم و السنّة النبويّة الشريفة

محاضرة: المساجد بيوت الرحمن وعمارتها من الإيمان

محاضرة: المساجد بيوت الرحمن وعمارتها من الإيمان


الونشريس

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المخلوقين سيِّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد r، وخير الأمور ما كان سُنّة، وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار.
أيُّها الإخوة الحضور : مرحبا بكم في بيت من بيوت الله الّتي خصّها الله بعبادته، وأضافها لنفسه، وجعل زُوَّارها في ضيافته، وشهد لهم بالإيمان، وأمرنا رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن نشهد لهم بالإيمان، والكلمة التي سألقيها على مسامعكم، عنوانها: (المساجد بيوت الرحمن، وعمارتها من الإيمان).
لقد أدرك الرسول الكريم، عليه أفضل الصّلوات، وأزكى التّسليم، أنّ أصحابه ومن دخل في دينه يحتاجون إلى تربية وتعليم، وتوجيه وإرشاد، وذلك يتطلب مكاناً يجتمعون فيه. فكان أولَ عمل بدأ به عليه الصّلاة والسّلام لمّا هاجر إلى المدينة المنوّرة أن شرع هو وصحابته الكرام في بناء المسجد.
ومنذ تلك اللحظة صار المسجد منارة تشعُّ في أرجاء دولة الإسلام، حيث أصبح مكان أداء العبادة من الصلوات والاعتكاف، كما أصبح ملتقىً للمسلمين ومُنْتَدىً لحواراتهم، وهو المكان الذي يبثّ من خلاله الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديثه النُّورانية فيصلح ويُوجِّه ويرشد، كما أنّه كان أيضاً بداية الانطلاقة لجيوش الإسلام التي فتحت مشارق الأرض ومغاربها، في عهده وعهد من جاء بعده من خلفاء المسلمين.
أيها المسلمون: إنّ المساجد هي بيوت الله، وهي خير بقاع الأرض وأحبُّها إلىالمولى جلّ وعلا. جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحبُّ البلاد إلى الله مساجدهاوأبغض البلاد إلى الله أسواقها،وقال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فلا تدعوا مع الله أحداّ}، والمعنى: وأُوحيّ إِلَيَّ أن المساجد وبيوت العبادة هي مختصّة بالله فلا تعبدوا فيها غيره، وأخلِصوا له العبادة فيها، قال قتادة: كان اليهود والنّصارى إذا دخلوا كنائسَهم وبِيَعَهُم أشركوا بالله فيها، فأمر الله عزّ وجلّ نبيَّهُ والمؤمنين أن يخلصوا الدّعوة لله إذا دخلوا المساجد كلّها.
ومن أجَلِّالأعمال وأعظمِها منزلة عند الله، عمارة المساجد، وعمارة المساجد علىنوعين:
الأوّل: عمارة معنوية: ويُعنى بها عمارتهابروّادها، بالمصلين أهلِ الإيمان، أهلِ الله، وهذه هي الأساس والهدف من وجودالمساجد، إذْ ما فائدة وجود مساجد بلا مُصلين؟فالعمارةالمعنويةهي الأصل، وتحصل بأداء الصلاة فيها والاعتكافُ وقراءة القرآن وذكر الله، وحلقات الذكر، واتّخاذها منطلقاً للعلم والتّوجيه والتّربية وما إلى ذلك من أعمال ترضيالله عزّ وجلّ، رغبةً منّا في أن يتحقّق فينا قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسيالجليل:[وعزّتيوجلالي إنّي لأهيم بأهل الأرض عذاباً، فإذا نظرتُ إلى عُمّارَ بيوتي، وإلى المتحابّينفيَّ، وإلى المستغفرين بالأسحار، صرفتُ ذلكعنهم]. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم.
الثّاني: العمارة الحسِّية:ويُعنى بها:بناء مكان يأويإليه الناس ليُصَلُّوا فيه ويعبدوا ربّهم تحت جدرانه،والعناية بشؤونه وحفظه من الأوساخ والأدران، قال صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى اللهله بيتاً في الجنة). مَفْحَصُ القطاة: حيث تُفَرِّخ فيه من الأَرض. وروى أحمد في مسنده: (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ). فقوله صلّى الله عليه وسلّم: (قدر مفحص قطاة) يدلّ على أنّ من ساعد في بنيان مسجد، ولو بشيء قليل، بحيثتكون حصّته من المسجد هذا المقدار وهو مفحص القطاة، استحقّ هذا الثّواب الجزيل.
وقد ربط الباري جلّ وعلا بين العمارة والإيمان، قال ابن كثير رحمه الله : فَشَهِدَ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ لِعُمَّار الْمَسَاجِد كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد …عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُل يَعْتَاد الْمَسْجِد فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ)، قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر}.
وعلينا الاهتمام ببنائها والمحافظة عليها، وتعليم أولادنا ذلك، وأن لا يكونوا ممن يُخَرِّبها، كذلك علينا الاهتمام بنظافتها والتجمُّل عند الذهاب إلى المسجد قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ)، قال ابن كثير رحمه الله : مِنْ السُّنَّة يُسْتَحَبّ التَّجَمُّل عِنْد الصَّلَاة وَلَا سِيَّمَا يَوْم الْجُمْعَة وَيَوْم الْعِيد وَالطِّيب لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَة وَالسِّوَاك لِأَنَّهُ مِنْ تَمَام ذَلِكَ وَمِنْ أَفْضَل اللِّبَاس الْبَيَاض.
يقول المولى تبارك وتعالى:{فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} أي: فعسى أن يكونوا في زمرة المهتدين يوم القيامة، قال ابن عبّاس: كلّ عسى في القرآن واجبة، قال الله لنَبِيِّه: {عسى أن يبعثك ربُّك مقاما محمودا} يقول: إنّ ربَّك سيبعثك مقاما محمودا وهي الشّفاعة، قال أبو حيان: وعسى من الله تعالى واجبة حيثما وقعت في القرآن، وفي التّعبير بعَسى قطع لأطماع المشركين أن يكونوا مهتدين، إذ مَنْ جَمَع هذه الخصال الأربعة جعل حاله حال من تُرجى له الهداية، فكيف بمَن هو عارٍ منها ؟ وفيه ترجيح الخشية على الرّجاء، ورفض الاغترار بالأعمال الصّالحة.
ويقول في سورة النور: {فيبيوتٍ أذِنَ الله أن تُرفعَ ويُذكرَ فيها اسمه، يُسبِّحُ لهُ فيها بالغدُّوِّوالآصال رجالٌ لا تُلهيهِم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاءالزكاة يخافون يوماً تتقلّبُ فيه القلوبُوالأبصار}.
فعمارةالمساجد كالمِرآة الصافية لعكس أحوال الناس، وبيان مدى رغبتهم في الخير، وبزيارةالمسلمين لها في اليوم والليلة خمس مرّات؛ يتَّضِح المؤمن من المنافق، يقول رسول الله: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان)، ويقول عبد الله بن مسعود:(ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض).
ومن المساجدتصعد الأعمال الصالحة، وفيها تنزل الرحمات، كيف لا ! والمساجد مدارسٌ لتعليمِالدّين، وتهذيبِ النّفوس، وتقويمِ الأخلاق، وصقلِ العقائد وإنارتِها، مدارسٌ لتلاوةِ كتابِالله، ومِصَحّاتٌ لأمراضِ القلوبِ التي هي أخطر من أمراض الأجسام.
وبناؤهامن أبرز أعمال البرّ، الذي يخلدبعد صاحبه، ويبقى له الذكر الحسن، والثناء الجميل،والأجر العظيم، وأحد السّبعة الذين يُظِلُّهم الله في ظِلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: رجلقلبه معلَّق بالمساجد.
والمؤمنون بالله واليوم الآخر أعطوا المساجد حقَّها من العنايةبها، وعمروها وتعلّقت بها قلوبهم، وذلك لفضلها، وعظيم شأنها عند الله، ثمّ عندالمسلمين الذين ما كانت لهم معاهد ولا مدارس ولا أندية إلاّ المساجد، وفيها يقومونواقفين بين يدي الله، مذعنين له بالعبودية كلّ يوم وليلة خمس مرات.
وقد كانللمساجد عند أهلها من التقدير ما نشاهد آثاره اليوم باقيةً فينا، فكم أكثروا منها،وزيّنوها، وحبسوا عليها من الأوقاف العظيمة، ما يقوم بشأن الأئمة والمؤذّنين فيها،وفرشها، ومطاهرها، وسرجها، ومجامرها، ومكاتبها المُعَدَّة للمعلمين والمتعلمين.
ولكنّبعض الناس اليوم وللأسف الشّديد، أهملوا المساجد وتركوها، وظنّوا أنها لا تبنىإلا للضّعفاء، والمرضى، والشيوخ، والعميان، ومن لا حاجة له بالدنيا، ناسين أنّ آباءهمالأولين، وسلفَهم الصّالحين، ما كانوا يبايعون الأئمة إلاّ فيها، ولا يخرجون الجيوشالفاتحين إلا منها، ولا يطلبون العلم إلا بين جدرانها، فكانوا إذا حزَبَهم الأمر،اجتمعوا له في المسجد، وتشاوروا فيه.
وللعلماء في المساجدِ المجالسُ العامرةبمختلف العلوم، وفي مُقدِّمَتِها القرآن وتفسيره والسُّنّة المطهّرة، وبسبب ذلك تنزلالسكينة، وتغشى الرّحمة، وتحفّ الملائكة، ويذكر اللهُ القارئين والذاكرين فيمن عنده.فلو رجع لبيوت الله ما كانت عليه من إقامة الشّعائر، واجتماع المسلمين فيها، لتعلّقتبها قلوب كثير من الذين أعرضوا عنها واستخفُّوا بشأنها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r (صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة لم يَخْطُ خُطوة إلا رفعت له بها درجة، وحُطّ بها عنه خطيئة، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تصلّي عليه ما دام في مُصَلاَّه، اللَّهُمَّ صلّ عليه، اللَّهُمَّ اغفر له، اللَّهُمَّ ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة). متفّق عليه وهذا لفظ البخاري.وفي حديث: (فإِذا دخل المسجد كان في صلاةٍ ما كانت الصّلاة هي تحبسه).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: الحاصلبالخطوة الواحدة ثلاثة أشياء كتب الله له بكلِّ خطوة حسنة ويرفعه بها درجة ويحطُّ بهاعنه سيئة.
وقال ابن رجَب: وإنّما كان ملازمة المسجد مُكَفِّراللذنوب لأنّ فيه مجاهدةَ النّفس، وكفًّا لها عن أهوائها فإنّها تميل إلى الانتشار فيالأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزُّه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطّاعة فهومرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصّبر والجهاد.
وجاء أيضا في فضل المشي إلى المسجد: ما روى البخاري عن أبي موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم).
وفي مسلم عن أبيِّ بن كعب قال: (كان رجل لا أعلم رجلاً أبعدَ إلى المسجد منه وكان لا تخطئه صلاةً، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرّمضاء. قال: ما يسرُّني أنّ منزلي إلى جنب المسجد، إنِّي أريد أن يكتب لي مَمْشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي). فأُخْبِر النّبيُّ عليه السلام بذلك فقال: (قد جمع الله لك ذلك كلَّه).
وقال صلّى الله عليه وسلّم لبني سلمه حين أرادوا القرب من المسجد لبعد بيوتهم: (يا بني سلمة: ديارَكم تكتب أثارُكم). وعن أنس: (يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم). قال مجاهد: آثارهم، أن يمشى في الأرض بأرجلهم.وقال مجاهد في قوله: {ونكتب ما قدّموا وآثارهم}. قال: خطاهم. وقال صلى الله عليه وسلم: (بشِّر المشَّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنُّور التّام يوم القيامة).
وتختصّ بعض المساجد والجماعات بخصائص ليست لغيرها ، كما يختص الحرم النّبوي بأنّ الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام.
وحديث أبي هريرة مرفوعاً: من توضّأ فأحسن الوضوء، ثم خرج عامداً إلى المسجد فوجد الناس قد صلَّوْا كتب الله له مثل أجر من حضرها، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. هذا في المعذور، لا في المتكاسل المتهاون.
ـ وفي عمارة المساجد بيان قوة المسلمين وضعفهم في إيمانهم، إذ لا يتردّد على المساجد إلاّ من رسخ في قلبه الإيمان. ـ وفيها: التعبُّد لله تعالى بهذا الاجتماع؛ طلباً للثّواب وخوفاً من عقاب الله ورغبة فيما عنده، ولأنّ ملاقاة الناس بعضهم لبعض توجب المحبّة، والألفة والتّعارف؛ لأجل معرفة أحوال بعضهم لبعض، فيقومون بتفقُّد أحوال الفقراء، والمرضى، والمتهاونين بالصلاة، وتشجيع المتخلِّف عن الجماعة وإرشاده وتوجيهه، فيحصل التّعاون على البرِّ والتّقوى، والتّواصي بالحقّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ـ وفيها يزيد نشاط المسلم فيزيد عمله عندما يشاهد أهل النشاط في العبادة، وهذا فيه فائدة عظيمة: الدّعوة إلى الله بالقول والعمل، ـ إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام؛ لأنّ الناس لو صلّوا كلُّهم في بيوتهم ما عُرف أن هنالك صلاة. ـ إظهار عزّة المسلمين، وهذا فيه إغاظة لأهل النفاق والكافرين، لأن المسلمين لا يزالون في قُوّة وفي منعة ماداموا محافظين على هذه الصّلاة في المساجد، ـ تعليم الجاهل؛ لأن كثيراً من الناس يستفيد ممّا شرع في الصّلاة بواسطة صلاة الجماعة، ويسمع القراءة في الجهرية فيستفيد ويتعلم، ويسمع أذكار الصلوات فيحفظها، ويقتدي بالإمام فيتعلّم أحكام صلاته، ـ تعويد الأمّة الإسلامية على الاجتماع وعدم التّفرق؛ استشعار المسلم وقوفه في صفّ الجهاد، فلا يتقدّمون ولا يتأخّرون عن أوامره، وبتسوية الصّفوف تحصل الألفة؛ ولهذا أمر النبي r بمساواتها حتّى قال: ”ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم“. ـ استشعار آخر هذه الأمّة بما كان عليه أوّلُها؛ وهذا يعطي الأمّة الحرص على الاقتداء بالنبي r وأصحابه. ـ اجتماع المسلمين في المسجد راغبين فيما عند الله من أسباب نزول البركات. ـ إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.
وحتّى النّساء جاز لهنّ حضور المسجد بشروط: ففي أبي دود: (لاتمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه، ولكن ليخرجن وهنَّ تَفِلاتٌ). وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه r: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ).
وعن عائشة رضي اللّه عنها زوج النبي r قالت: (لو أدرك رسول اللّه r ما أحدث النّساء لمنعهن المسجد كما مُنِعَهُ نساء بني إسرائيل).
ومعنى تفلات: أي غير متطيِّبات. (فأيّما امرأة خرجت وهي متعطِّرة فهي زانية). وأيضًا في حديث مسلم (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسّ طيبا) ويلحق بذلك الحلي والملابس التي فيها شهرة، فتمنع المرأة من أجل ذلك.
-بشارات لعُمّار المساجد:
– معلّق القلب في المسجد: فان الله تبارك وتعالى سَيُظلُّه في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي r أنه قال: (سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد،…الحديث). وفي لفظ لمسلم: (ورجل معلّق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه). قال الإمام النّووي رحمه الله: (ورجل قلبه معلّق في المساجد) ومعناه شديد الحبِّ لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وظاهره أنّه من التّعليق، كأنّه شبَّهَهُ بالشّيء المعلَّق في المسجد، كالقنديل مثلاً، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجاً عنه، ويدلُّ عليه رواية: (كأنّما قلبه معلّق في المسجد)، ويحتمل أن يكون من العلاقة: وهي شدّة الحبّ. ويدلّ عليه رواية أحمد: (معلّق بالمساجد).
وقال غيره: لمّا آثر طاعة اللهتعالى، وغلب عليه حبُّه، صار قلبه مُعَلّقا بالمساجد، ملتفتا إليها يحبُّها ويألفها، لأنّهيجد فيها حلاوة القربة، ولذّة العبادة، وأُنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه،وتقرّ عينه. فهو لا يحبّ الخروج منها، وإذا خرج تعلّق بها حتّى يعود إليها.وهذا إنّما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله جل وعلا فانقادت له.
أمّا من غلبته نفسه الأمَّارة بالسُّوء فقلبه مُعَلَّق بالجلوس في الطُّرقات،والمشي في الأسواق، مُحِبّ لمواضع اللّهو واللّعب، وأماكن التّجارة واكتساب الأموال.
ـعُمَّار المساجد هم أهل الهدى: قال تعالى: فعسى {أولئك أن يكونوا من المهتدين}،والهدى من أعظم مفاتيح العمل الصالح.
– محبّة الله.السّكينة وطمأنينةالنّفس، وانشراحالصدر وهدوء البال.
– كثرة الخُطا سبباً لمحو الخطايا ورفع الدرجات.
إكرام الله تعالى لزائر المسجد؛ لحديث سلمان عن النبي r قال: (من توضّأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر لله، وحقٌ على المزُور أن يكرم الزائر).
_ فرح الله تعالى بقدوم العبد إلى المسجد لأداء الصّلاة فيه.
– الجلوس في المسجد سبب لصلاة الملائكة على العبد.
_ الصّلاة في الجماعة تَعْصِم العبد من الشّيطان. روى الإمام أحمد أن النبي r قال: (إنّ الشّيطان ذئب للإنسان كذئب الغنم يأخذ الشّاة القاصية والنّاحية وإياكم والشِّعاب وعليكم بالجماعة والعامّة).
-ما رواه البزّار عن أنس مرفوعًا: " إنما عُمّار المساجد هم أهل الله.
ـ إعداد النُّزل في الجنّة: عن أبي هريرة عنه صلّى الله عليه وسلّم: (من غدا إلى المسجد وراح، أعدّ الله له نزلاً من الجنة كُلَّما غدا أو راح). رواه الشّيخان وأحمد.
ـ حفظ الله عزّ وجلّ.
ـ البشارة بالنُّور التَّامّ يوم القيامة.
ـالبشارة بالجواز علي الصّراط إلى الجنّة.
ـوروى الطّبراني: (المسجد بيتكلّ تَقِيّ، وتكفّل الله لمن كان المسجد بيتَه بالرّوح والرّحمة والجواز علي الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة).
بعض آداب المسجد:
-المحافظة على دعاء الذهاب إلى المسجد (اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورا..)، ودعاء الدّخول والخروج.
– البعد عن اللّغو في الكلام.
– أداء التّحية عند الدخول وهي سنة مؤكّدة.
– الحرص على نظافة المسجد والبعد عن كل ما يجلب له الأوساخ والنّجاسات، وتجنُّب البصاق فيه. قال عليه الصّلاة والسّلام: (البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)، وقال: (عُرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيِّئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريقووجدت في مساوي أعمالها النّخامة تكون في المسجد لا تدفن).
-الحرص على الصّلاة إلى السّترة، والحذر من المرور أمام المصلّي، ومنع من مرّ بين يديه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم : (فإن أراد أحد أن يمرَّ بين يديه فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان).
– الإقبال بتؤدة وهدوء وسكينة ووقار، لحديث: (إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوا إلى الصّلاة وأنتم تسعون، وامشوا وعليكم السّكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتِمّوا).
– عدم أكل أو شرب ما له رائحة كريهة ومنها الثّوم والبصل والدّخان وكلّ ما كان مؤذيا للمصلِّين.
وأن لا يشتري فيه ولايبيع، ولا يسلّ فيه سيفًا ولا سهمًا، ولا يطلب فيه ضالّة، ولا يرفع فيه صوتًا بغيرذكر الله، ولا يتكلّم فيه بأحاديث الدنيا، ولا يتخطّى رقاب الناس، ولا ينازع فيالمكان ولا يضيّق على أحد في الصّفّ، ولا يبصق ولا يتنخم ولايمتخط فيه، وأن ينزّه من النّجاسات والصّبيانوالمجانين وإقامة الحدود، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه.
-التوقف عن أداء صلاة السنة متى أقيمت الصلاة المكتوبة.
تسوية الصّفوف: عن جابر بن سَمُرة قال: خرج علينا رسول الله فقال: (ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربِّها)؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفّ الملائكة عند ربّها؟ قال: (يتمّون الصّفّ الأوّل، ويتراصّون في الصّفّ) رواه مسلم.
– ينبغي عدم التَّأَخُّر عن أوّل الصّلاة وتكبيرة الإحرام، وتجنب الاستعجال في الخروج من المسجد بعد انقضاء الجماعة، لئلاّ يؤدي إلى مزاحمة المصلّين ومدافعتهم.
فإذا فعل هذهالخصال فقد أدّى حقّ المسجد وكان المسجد حرزًا له من الشيطان الرجيم.
ومن عمارة المساجد:صَوْنُها عمّا لا يليق بها من الأقوال، والأفعال، والنّجاسات، والرّوائح الكريهة،والأوساخ المؤذية، وذلك من تعظيمها، وقال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}. وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبيقال: (منأكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدنا فإن الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنوآدم).
وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: (لقد رأيت رسول اللهإذا وجد ريحهما من رجل في المسجد أمر به فأُخْرِج إلى البقيع فمن أكلهما فَلْيُمِتْهُمَاطبخًا).
وقال صلّى الله عليه وسلّم للذي بال في المسجد: (إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هيلذكر الله والصلاة وقراءة القرآن) متّفق عليه.
وقال لمعاوية بن الحكم السّلمي: (إنّهذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءةالقرآن).
وقد ثبت جملة من النّصوص الشرعية تحثّ على بناء المساجد والعناية بشؤونها وحفظها، ومنع السّفهاء والغوغاء من الإضرار بها والتّحذير من إفسادها. فمن ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَنيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىَ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْأَن يَدْخُلُوهَآ إِلاّ خَآئِفِينَ لّهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِيالاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وهو وعيد شديد لمن يسعى في خراب المساجد من المصلّين الذّاكرين لله. والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله منع من يأتي إليها للصّلاةوالتّلاوة والذكر وتعليمه. والمراد بالسّعي في خرابها: هو السّعي في هدمها، ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطّاعات التي وُضعت لها فيكون أعمَّ منقوله: (أن يذكر فيها اسمه) فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجدكتعلُّم العلم وتعليمه، والقعود للاعتكاف، وانتظار الصلاة.
أمّا مُجرّد عمارة المسجد وزخرفتِه والتّباهي بحسن بنائه وتصميمه مع خُلُوِّه من العُبَّاد والمصلين فليس مراداً في الشرع كما قيل:
منائركم علت في كل حيٍّ *** ومسجدكم من العبّاد خالي
وجلجلة الأذان بكل فجٍّ *** ولكن أين صوتٌ من بلالِ ؟!
قال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل. وأمر عمر ببناء المسجد، وقال: أكِنَّ النّاس من المطر، وإيّاك أن تحمِّر أو تصفِّر، فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلاّ قليلا. وقال ابن عباس: لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى.
إنّ العمارة الحقيقية للمسجد هي إحياء ذكر الله فيه وإقام الصّلاة، لحديث مسلم: (ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات ؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط)، فالمحافظة على الصّلوات في الجماعات هي العنوان على صِحّة الإيمان.
المساجد هي المدارس الحقيقية التي تتربّى فيها الأجيال ولن يكون للمسلمين عزّة ولا قوّة ولا هيبة إلاّ حين يعودون إلى المساجد فينطلقون منها كما انطلق منها أسلافنا الأوّلون، لينشروا الهدى والحقّ والنّور في كلّ مكان. ولن يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح به أوّلها.
ورُوَّاد المساجد في مجموعهم هم بقية أهل الخير، وهم الرّصيد لأصحاب الدعوات، وهم أقرب إلى الاستجابة من غيرهم. والصّلاة هي آخر العُرَى الباقية لهذا الدّين كما جاء في الحديث: ( لتنقضنّ عُرى الإسلام عُرْوَة عُرْوَة، فأولها نقضًا: الحكم وآخرها الصّلاة).
-التّحذير من التّخلف عن عمارة المساجد وهجرانها:
ـ قال تعالى: (يوم يُكشف عن ساق ويدعون إلى السّجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذِلّة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون).
قال كعب الأحبار: ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلّفون عن الجماعات.
وقال سعيد بن المسيّبِ رحمه اللهكانوا يسمعون (حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح) فلا يجيبون وهم سالمون أصِحَّاء).
-وروى الحاكم في مستدركه عن النبي r أنه قال: (لعن اللهُ ثلاثةً: من تقدّم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عنها ساخط، ورجل سمع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ثم لم يجب).
– وقال أبو هريرة لَأَن تمتلئ أُذن ابن آدم رصاصا مُذابا خير من أن يسمع حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح ثم لا يجيب.
– وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد قيل: من جار المسجد ؟ قال: من يسمع الأذان.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (من سمع النّداء بالصّلاة فلم يجب، ولم يأت المسجد ويصلّي فيه فلا صلاة له، وقد عصى الله ورسوله).
وما أخرجه أبو داود عن ابن عباس: قال رسول اللّهr: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذرٌ، قالوا: وما العذر؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ، لم تقبل منه الصَّلاة الَّتي صلّى).
وفي الصحيحين: ((ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنّار).
وعن أبي هريرة: (أتى النّبيَ r رجلٌ أعمى، فقال يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسولَ الله rأن يرخّص له فيصلّي في بيته فرخّص له فلمّا ولَّى دعاه فقال له: هل تسمع النّداء بالصلاة ؟ قال نعم فال فأجب) رواه مسلم.
أيُّها المسلمون: إنّ التَّخَلُّفَ عنها وهجرانَها دليل على ضعف الإيمان وفراغ القلب من تعظيم الله وتوقيره، وإلاّ فكيف يليق بمسلم صحيح آمِن يسمع منادي الله كلّ يوم خمس مرّات وهو يناديه: (حيّ على الصّلاة) ثم لا يجيبه، ويسمعه يقول: (الله أكبر)، ثمّ يكون اللّعب عنده أكبر، ومشاهدة الأفلام والمباريات أكبر، والبيع والشِّراء أكبر، ومشاغل الدّنيا الفانية أكبر، ويسمعه يقول: (الصّلاة خير من النّوم) ثم يكون النّوم عنده خيرا من الصّلاة.
إنّ اعتزال المساجد والصلاة في البيوت تضييع لفرائض كثيرة، وتفويت لِخير كبير.
وكان الصّحابة رضوان الله عليهم يرون التّارك للصّلاة في الجماعة منافقاً، كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: (من سرّه أن يلقى الله عزّ وجلّ غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات الخمس حيث ينادى بِهِنّ، فإنّهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، فلو صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنّةَ نَبِيِّكُم، ولو تركتم سنّةَ نَبِيِّكُم ضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النّفاق ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يدخل في الصّفّ).
لأنّ من صفة المنافقين ما أخبر الله عنهم بقوله: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتّخذوها هزؤاً ولعباً ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون}، فنفى الله عنهم العقل الصّحيح من أجل عدم إجابتهم لنداء الصّلاة الذي هو نداء بالفلاح والفوز والنّجاح. لأنّه إنّما سُمِّي العقل عقلا من أجل أنّه يعقل عن الله أمره ونهيه، أو من أجل أنّه يعقل صاحبه على المحافظة على والفضائل ويردعه عن منكرات الأخلاق والرذائل. فإنه لو كان عند هؤلاء التّاركين للصّلاة في الجماعة عقل صحيح لما أهملوا حظّهم من هذا الفلاح.
سيَّما إذا كان هذا التّارك للصّلاة في المسجد من المنتسبين للعلم أو من الأساتذة المعلّمين فيسمع النداء ثمّ لا يجيب، فإنه يكون فتنة للعامّة لأن تخلُّفَه بمثابة الدّعاية والتّعليم منه بهجران المساجد، لأنّ النّاس يُقلِّد بعضهم بعضاً في الخير والشرّ ..
كما أنّ عمارة المساجد بالصّلاة وذكر الله من أعظم الأسباب الجالبة للرِّزق قال تعالى عن عُمّارها: {…. ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب}، وإنّ العبد ليحرم الرِّزقَ بالذّنب يصيبه، وأيُّ ذنب أعظم من الاستهانة بأوامر الله وحقوقه وتقديم أوامر غيره على أوامره وحقوق غيره على حقوقه؟
إنّ أعظمَ النّاس بركة وأشرفَهم مَزِيّةً ومنزلةً الرّجلُ يكون في المجلس وعنده جلساؤُه وأصحابُه وأولادُه، فيسمع النداء بالصّلاة فيقوم إليها، ويأمر من عنده بالقيام إلى الصّلاة معه، فيقصدون مسجداً من مساجد الله لأداء فريضة من فرائض الله .. يعلوهم النور والوقار على وجوههم، كلُّ من رآهم ذكر الله عند رؤيتهم .. أولئك الميامين على أنفسهم وعلى جلسائهم وأولادهم " أولئك الذين هداهم الله.
وبضدّ هؤلاء قوم يجلسون في المجالس وفي المقاهي وفي النوادي وفي ملاعب الكرة، فيسمعون النّداء بالصلاة ثم لا يجيبون، ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية، قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، فهؤلاء هم المشائيم على أنفسهم وعلى جلسائهم وأولادهم.
كذلك لابدّ أن نتنبّه أيها المسلمون إلى عدم رفع الأصوات في المسجد لأنّ هناك من النّاس من يدخل المسجد وكأنّه في سوق فيرفع صوته، ويطلق رنين هاتفه، فيشوّش على المصلِّي والقارئ والذّاكر، أخرج الإمام مالك في موطّئه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: (إِنَّ الْمُصَلِّىَ يُنَاجِى رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ وَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ).
فإذا كان صلّى الله عليه وسلّم قد نهانا أن نرفع أصواتنا على بعضنا ونحن نقرأ القرآن فكيف بغيره ؟.
وفي الختام: نسأل الله تعالى ونتضرّع إليه أن يرحم مؤسّسَ ومنشئ هذه الحلقات شيخَنا وأستاذَنا الشيخ محمد باي بلعالم، وأن يسكنه الدّرجات العُلى من الجنّة رفقة النبيئين والصدّيقين والشهداء والصّالحين، وأن يتم له إجابة دعائه الذي لم يتركه في أيّ مجلس من مجالسه: ( اللَّهُمَّ إنّا نسألك السّتر والسّعادة، والموت على الشّهادة، وفي الآخرة الحسنى وزيادة)، فاللَّهُمَّ يا ربّنا يا مولانا كما رزقته السّتر والسّعادة في الدّنيا، والموتَ على الشّهادة عند الخروج من الدّنيا، فاللَّهُمَّ ارزقه في الآخرة الحسنى وزيادة، اللَّهُمَّ إنّك تقول وقولك الحقّ ووعدُك الصِّدق: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة}، اللَّهُمَّ جازه عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم اجعل ثواب هذه الحلقات في ميزان حسناته، وبارك في ذُرِّيَتِه وطلبته ومُحبِّيه، وفي من حضر مجلسنا هذا، آمين، آمين، آمين. سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.

بقلم: عمر بن مَحمد بن باب الزين بن مالك
كتب يوم الجمعة:‏‏04‏/09‏/2009‏ م، الموافق لـ:‏14‏/09‏/1430‏ هـ.




رد: محاضرة: المساجد بيوت الرحمن وعمارتها من الإيمان

الونشريس




التصنيفات
العقيدة الإسلامية و الإيمان

المساجد المقدسة في الاسلام

المساجد المقدسة في الاسلام


الونشريس

بيوت الله تعالى كلها عند الله سواء والذاهب اليها هو في زيارة الرحمان وينال الأجر الكبير قال الرسول صلى الله عليه وسلم( من تطهر في بيته ثم مشى الى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه احداهما تحط خطيئة والاخرى ترفع درجة) رواه مسلم
غير أن هناك مساجد أكثر قداسة وأعظم فضلا ، وأكثرأجرا لمن يزورها فاذا كانت مساجد توحد بين سكان الحي فان هذه المساجد توحد المسلمين رغم اختلاف لغاتهم وبلدانهم وجنسياتهم ويبارك لهم في زيارتها وقد ورد تعظيمها في القران الكريم كقوله تعالى:<< سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله >> سورة الاسراء
والمساجد المقدسة في الاسلام هي:
ـ المسجد الحرام بمكة المكرمة، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في ما سواه
ـ المسجد النبوي الشريف ، بالمدينة المنورة ، والصلاة فيه تعدل ألف صلاة.
ـ المسجد الأقصى بفلسطين والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة ……………………. منقول




التصنيفات
القضايا الإسلامية

الصغار في المساجد

الصغار في المساجد


الونشريس

1 ) س : كثير من الناس حينما يحضر إلى الصلاة في المسجد وهي مقامة يجدون أطفالًا يصلون ، بعضهم أقل من السابعة ، وبعضهم أكثر من السابعة ، فيقومون بإزاحتهم إلى طرف الصف ، ويصفون في مكانهم ، وإذا كانوا في طرف الصف يؤخرونهم إلى الصف الذي يليه ؛ مما يؤدي إلى قطع صلاتهم ، فهل في عملهم هذا شيء ؟ وماذا يجب علينا حين نشاهد مثل ذلك ؟ وهل يجوز تأخير الذين أعمارهم أقل من السابعة من صفهم إلى الصف الذي يليه ؟ وجهونا جزاكم اللَّه خيرا
ج : أما من كان بلغ السابعة فالمشروع تركه ، ولا يجوز تأخيره ؛ لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أولى بمكانه ، وفيه تشجيع له على المحافظة والمسارعة إلى الخير ، فلا يؤخر ، أما من كان دون السبع فهذا محل نظر ، إن يترك فلا بأس ؛ لئلا يحصل عليه مضرة إذا أُخر ، ولئلا يعبث أو يذهب إلى محل آخر يضره ، فتركه في مكانه أولى وأحوط ؛ حتى لا يحصل عليه ضرر ، أو يحصل منه عبث يضر أحدًا من الناس بتأخيره بالتشويش عليه ، والصغار لهم مراعاة ؛ لئلا يقع شر عليهم إذا أُخروا في الصلاة ، فقد يذهبون إلى جهات تضرهم ، وقد يعبثون عبثًا يضرهم ويضر غيرهم ، ثم أيضًا في تركهم في الصف تمرين لهم على المجيء والحرص على الصلاة ؛ حتى إذا كملوا السابعة إذا هم قد تمرنوا
2 ) س : لو التفت الطفل وهو في الصف ، أو تحرك حركة ربما تكون زائدة ، ما هو توجيه سماحتكم ؟
ج : يشيرون له بالهدوء ؛ حتى يهدأ بالإشارة ما دام في الصلاة بالإشارة ، والصغار يوجهون حتى يعتادوا الخير .
3 ) س : ما رأيكم في صلاة الصبي المميز في الصف الأول ؛ لأن الكثير من الناس ـ هداهم اللَّه ـ يطردونهم إلى الصف الأخير ، مما يسبب اجتماعهم وعبثهم في المسجد ؟
ج : ينبغي أن يشجع الصبي على الصلاة ، وألا ينفر منها ، فإن تقدم للصف الأول يبقَ في الصف الأول ، وهكذا إذا تقدم في الصف الثاني ، ولا ينبغي تجميعهم في محل واحد ؛ لأن هذا أولًا ينفرهم من التقدم للصلاة ، وثانيًا : يسبب لعبهم وإشغالهم المصلين ، فلا ينبغي لأهل المسجد أن يفعلوا ذلك ، بل ينبغي لأهل المسجد أن يلاحظوا تفريقهم ، وأن يكونوا في المواضع ؛ يبعد بعضهم عن بعض حتى لا يعبثوا وحتى لا يؤذوا المصلين ، ومن سبق منهم للصف الأول فإنه يُقر ؛ لأنه سبق إلى شيء ما سبق إليه أحد فهو أحق .
4 ) س : ما حكم صلاة الأطفال دون السابعة في الصفوف الأمامية ويزاحمون المصلين ؟ وهذا مما يجعل دائمًا فرجة في الصفوف ، وأن يحدثوا بعض الحركات في الصلاة .
ج : الأطفال الذين هم دون السبع ليس لهم صلاة ، ولا يؤمرون بالصلاة ، والمشروع لآبائِهم إبقاؤُهم في البيوت ؛ حتى لا يشوشوا على المصلين ، هذا هو المشروع ، لكن لو وجد أحدهم بين الصفوف لم يضر الصف ، وعلى من حوله أن يرشده للهدوء ؛ حتى لا يؤذي أحدًا ، أما آباؤُهم فالمشروع لهم أن يحفظوهم في البيوت ، وألا يحضروهم إلى المساجد ؛ حتى لا يشوشوا على الناس ، ولا يقطعوا الصفوف ، ومتى وجد أحد منهم في الصف الأول ودعت الحاجة إلى إبقائِه فإنه لا يضر الصف ، ويكون بمثابة الكرسي أو العمود أو ما أشبه ذلك ، إذا دعت الحاجة إلى وجوده في الصف .




رد: الصغار في المساجد

شكرا على ما قدمت ………لكن من أجاب بهذه الاجوبة




رد: الصغار في المساجد

شكرا يا أختي موضوع ممتاز




التصنيفات
النقاش الجاد و الحوار الهادف

نقل هذ الحوار من أحد الخطباء فى المساجد

نقل هذ الحوار من أحد الخطباء فى المساجد


الونشريس


نقل هذ الحوار من أحد الخطباء فى المساجد

الونشريس

من حين لآخر أحب أن أترك منبري، متجولا بين المساجد والزوايا، ومستمعًا إلى مختلف المنابر، محاولا الاطلاع على الواقع الدعوي المنطلق عبر خطب الجمعة.

وقد لاحظت خلال هذه الجولات أمورًا تستحق -في نظري- الانتباه إليها ودراستها، حيث إنها تتعلق بوسيلة أصيلة من أبرز وأهم الوسائل الدعوية، ألا وهي الخطبة.

الجمعة ليست طابورًا مدرسيًّا

لقد شعرت من هذه الجولات ومن الحوارات مع بعض مرتادي المساجد أن كثيرًا من المسلمين يعتبر صلاة الجمعة مجرد واجب إلزامي، يقبل عليه متثاقلاً، ويقوم به على مضض، كتلميذ مجبر على الذهاب لمدرسته التي يسوقه أبواه إليها سوقًا! وعادة ما نجد الناس توجه اللوم لهذا التلميذ، وتتهمه بالكسل وبرغبته في اللهو وكراهيته للعلم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر إلى حال هذه المدرسة التي يساق إليها هذا التلميذ، وحال معلميها، وحال مناهجها، وحال مرافقها.

وهكذا يوجه الدعاة اللوم للناس على هجرهم للمساجد وتأخرهم في الحضور للجمعة، ونومهم أثناء الخطبة أو الشرود أثناءها، وانصرافهم السريع بمجرد التسليم وكأنهم حُرِّروا من عقال أو أُخرِجوا من سجن! ونادرًا ما يتساءل الدعاة عن الأسباب التي تدفع الناس لهذا، ولو تساءلوا فإنهم غالبًا ما يرجعون الأسباب إلى تراجع إيمانيات الناس وركونهم إلى الدنيا، دون توجيه النظر إلى المسجد ذاته وما يحدث فيه.

حضور الجمعة موروث ثقافي يجب استثماره

إن من المستقر في الموروث الثقافي والشعبي عند كثير من عوام المسلمين أن صلاة الجمعة لها مكانة خاصة حتى عند من لا يصلُّون غيرها من الفرائض، حيث يحرص هؤلاء على حضورها، ويتمسكون بالقيام ببعض الطقوس الخاصة التي ارتبطت عندهم بهذا اليوم. وفي الحقيقة -على قصور هذا الاعتقاد وهذا العمل- فإنه يمكن النظر إليه من وجهة إيجابية، بالاستفادة منه في إسماع هؤلاء الناس في هذه الدقائق التي تستغرقها الخطبة ما لا يسمعونه، وتعريفهم ما لا يعرفونه، واضعين في الاعتبار التوجه إليهم بالخطاب الذي يناسبهم، مستثمرين قدومهم الأسبوعي للمسجد في توطيد صلتهم به وتوسيع هامش الرغبة في نفوسهم لزيارته والأنس برحابه في كل الأوقات.

أسباب متعددة لنفور الناس

وإذا أردنا أن نقف على الأسباب التي تجعل الناس ينفرون من المساجد، نجدها تنحصر في:

– أسباب متعلقة بالخطيب.

– أسباب متعلقة بالمسجد.

– أسباب متعلقة بالأفراد.

– أسباب متعلقة بالظروف المجتمعية.

وسنقتصر في هذا المقام على الحديث عما يتعلق بالخطيب وبالمسجد، حيث إن الحديث عن الأسباب المتعلقة بالأفراد وبالظروف المجتمعية -وهي كثيرة ومعتبرة- لها مقام آخر.

الاسباب المتعلقة بالخطيب

لا ننكر أن بعض الخطباء قد وهبهم الله الشخصية الكاريزمية والملَكة التي تستطيع أن تجذب الناس إليهم، وتأسرهم بحديثهم، ومع هذا فإن الأمر ليس فقط فطرة يعجِز الفرد عن اكتسابها إن حُرِم منها، فمن لم يكن يملك هذه الشخصية وهذه الموهبة يسهل عليه أن يتمثل ويتشبه بمن يملكونها، ويتبع سنتهم وطريقتهم، بشرط أن يعزم على أن يكوِّن لنفسه شخصية مستقلة بالتدريج، وإلا عاش في جلباب من يقلده أبد الدهر، وصار نسخة مشوهة منه، لا يعرفه الناس باسمه ولا بطريقته، ولكن يعرفونه دائمًا منسوبًا لمن يقلده.

كما أن هناك أمورًا ومهارات أخرى مكتسبة لو اتصف بها الخطيب فإنها تعوض -نسبيًّا- النقص عنده في الموهبة، كالثقافة الدينية والحياتية، وسعة الاطلاع، وسلامة اللغة، وحسن الأداء.

إن مما ينفر الناس من الخطيب أمورًا شكلية تتعلق بمظهره وطريقة أدائه، وهي هامة ولا شك، إلا أن ما أريد التركيز عليه هنا هو ما يتعلق بمحتوى الخطبة.

ومن أهم عوامل التنفير المتعلقة بالمحتوى

عدم التوفيق في اختيار الموضوع

يخطئ بعض الخطباء حين يختار الموضوعات التي تهمه هو دون النظر إلى واقع الناس وما يهتمون به ويشغلهم، وهذا لا يعني إهمال ما يراه الداعية واجبًا في الحديث عنه لحساب ما يريده الناس، ولكن يجب أن يحقق الداعية التوازن بين ما يريد أن يربي عليه مستمعيه، وبين احتياجاتهم ورغباتهم، وهذا لن يحدث إلا إذا درس الخطيب جمهوره وتعرف على احتياجاته، وحاول الدخول بذكاء لما يريده عن طريق تلك الاحتياجات والاهتمامات.

تجاهل الواقع:

في وقت كانت الأمة تمر فيه بحدث جلل -وما أكثر الأحداث الجليلة والخطوب التي تمر بأمتنا حتى إن المرء يلهث من ملاحقتها- ساقني القدر إلى أحد المساجد، فوجدت الخطيب يتحدث عن مسألة من فقه العبادات، وانتظرت حتى نهاية الخطبة أن يشير -ولو مجرد إشارة- إلى الحدث الذي تمر به الأمة، لاعتقادي أنه من المستحيل تجاهل مثل هذا الحدث، إلا أن أملي قد خاب، ولم يتفوه الخطيب بكلمة في هذا الشأن!!.

ومع احترامي لكل مسائل العلم، فإن لكل مقام مقالاً، فيجب ألا يطغى الحديث عن مسألة فقهية يمكن أن يتحدث عنها الخطيب في أي وقت، على الحديث عن حادث جلل وقع، ويهم الأمة كلها، مما يجعل التعرض له ودراسته وبيان أبعاده وأدوار الناس تجاهه يندرج تحت واجبات الوقت التي إن فات وقتها وقعت.

وإن كان الموضوع الذي يريد الخطيب التحدث فيه وقام بتحضيره بالفعل هامًّا من وجهة نظره، فيمكنه أن يجعل له الخطبة الأولى، على أن يجعل الخطبة الثانية لاستعراض واقع المسلمين وما استجد على الأمة من أحداث ليوقف الناس على ما يحدث ويرشدهم إلى أدوارهم تجاه تلك الأحداث.

وليس معنى هذا قَصْر الاهتمام على الأحداث الكبرى، بل إن من مراعاة الواقع أيضًا أن يتطرق الخطيب إلى المشكلات الحياتية للناس ومعاناتهم اليومية، مستعرضًا ما يقدمه الإسلام من حلول لهذه المشكلات وتخفيف لهذه المعاناة. فإن أكثر ما يجذب السامع إليك ويثير اهتمامه هو أن تحدثه عن مشكلات يعايشها ويشعر بها، وهو متعطش لإيجاد حلول لها.

الصراخ السلبي:

لا شك أن نقد الأوضاع الخاطئة على المستوى الأخلاقي أو الاجتماعي أو السياسي، هو من مهام الخطيب الرئيسة، على أن يكون هذا النقد موضوعيًّا متضمنًا حلولاً واقعية ممكنة، وواجبات عملية يستطيع الناس الخروج بها من المسجد والقيام بها في حياتهم.

أما أن يصعد الخطيب المنبر فيظل من أول الخطبة إلى آخرها يصرخ في الناس ناقدًا ومعيبًا ومجرِّحًا وشاكيًا، دون أن يفتح أمامهم بصيصًا من الأمل أو بابًا من العمل لإصلاح ما ينقده، فهذا مما يكرِّس اليأس في القلوب، ويزرع الضيق في الصدور، ويزيد الناس آلامًا فوق آلامهم.

نعم يجب أن نقوم بدورنا في توعية الناس بما يحيط بهم من فساد، ولكن بشكل يساعدهم على أن يقوموا بأدوار إيجابية في طريق إصلاح هذا الفساد.

ولكي يقوم الخطيب بهذا الدور بشكل صحيح يجب أن يكون لديه اطلاع واعٍ على الواقع، ورؤية استشرافية للمستقبل، وتصور واضح ومنهجي للإصلاح، يستطيع من خلاله إرشاد الناس وتوجيههم، على أن يراعي قدرات المخاطَبين وإمكاناتهم، فلا يكلفهم بما لا يطيقون ولا يطلب منهم ما لا يستطيعون.

وإن من الوسائل التي تحمِّس الناس للقيام بالأدوار المطلوبة منهم قيام الخطيب بعقد مقارنات بين الواقع الذي ينقده وبين الحال التي يأمل في الوصول إليها، مما يشجع الناس ويدفعهم للعمل للوصول لتلك الحال التي فيها صلاحهم وسعادتهم.

ويمكن للخطيب أيضًا أن يعقد مقارنات موضوعية بين الواقع المنقود وبين الماضي المفقود، من خلال عرض أمثلة واقعية ثابتة من أحوال الصحابة رضي الله عنهم، والسلف الكرام رحمهم الله، فيحرص مستمعوه على التأسي بهذه النماذج الفاضلة.

تفكك الخطبة:

وهذا ينتج غالبًا عن التحضير القاصر للموضوع، أو عدم التحضير مطلقًا، فتجد الخطيب يصعد إلى المنبر معتمدًا على ذاكرته، فيتحدث في موضوع ثم يعرج على آخر لا صلة له بالأول، يصعد جبالاً ويهبط أودية، يروي الأحاديث بالمعاني، ويذهب بالناس يمينًا ويسارًا، كسفينة فقدت مسارها وتتقاذفها الأمواج، فتتشتت عقول الناس، وتلهث أفهامهم، ويضيع تركيزهم بين المنثورات، ويخرجون من المسجد كما دخلوا!!.

إن من واجب الداعية أن يقدِّر الرسالة التي يقوم بها، ويحترم المكان الذي يتصدَّره، وعليه أيضًا أن يحترم مستمعيه بالتحضير الجيد للخطبة من حيث موضوعها ومبناها وأدلتها وشواهدها؛ لتخرج الخطبة كثوب قشيب، متسقة ألوانه، متكاملة أجزاؤه.

– الإطالة المملة:

أحد الخطباء الأفاضل من الذين ساقني القدر للصلاة في مسجده، مكث يخطب -دون مبالغة- ساعة ونصف الساعة، ولم يفارق المنبر إلا بعد أن صفَّق له الناس اعتراضًا وتنبيهًا، وبعضهم احتج عليه رافعًا صوته مطالبًا إياه بإنهاء الخطبة!!. فأيهما نلوم: الخطيب أم من احتج عليه؟؟.

إن مثل هذا الخطيب إذا حاولتَ توجيهه ولفت نظره إلى عدم الإطالة رفقًا بالناس، يرد عليك بأن الناس يمكثون الساعات أمام التلفاز وفي الملاعب الرياضية، فلا حرج أن يقضوا هذا الوقت مع الله في مسجده! وفات هذا الأخ الفاضل أن الناس إنما تجلس إلى التلفاز أو في مدرجات الملاعب الساعات الطوال؛ لأن التلفاز والملعب يقدم لهم ما يجذب انتباههم ويوافق أهواءهم ويمتعهم، فماذا قدم لهم هو؟! وأنا هنا أفكر بعقول هؤلاء للوصول إلى ما يفتح قلوبهم ويجذبهم لبيوت الله.

الاسباب المتعلقة بالمسجد

إن الأمر يشبه التنافس الحادث بين التجار، كل منهم يحاول أن يغري الناس ببضاعته، فأحسنهم عرضًا لها وأبرعهم في إقناع الناس بها وجذبهم لها هو الذي يفوز ويحقق الأرباح.

إن بعض الخطباء يعتقد أن الناس عندما يأتون إلى الجمعة يصبحون كالأسرى في يد الخطيب، يطعمهم ما يشاء، ويطلقهم وقتما يشاء، ولا يملك أحد من هؤلاء حق الاعتراض، والخطيب يفعل هذا محتميًا وراء قداسة المنبر التي قد تفقد احترامها مع الوقت بتكرار تلك الممارسات واجتراء الناس عليها، كما فعل جمهور المسجد الذي أشرت إليه.

إننا عندما ننظر إلى سُنة خير الدعاة وإمام المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نجد الأمر على خلاف هذا من ثلاث نواحٍ:

أولاً – فعله الشخصي صلى الله عليه وسلم:

حيث كان من هديه صلى الله عليه وسلم تقصير الخطبة وعدم الإطالة إلا في النادر ولأسباب تستدعي ذلك. وقد روى أبو داود بسند حسن أن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات".

وروى الشيخان أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يُذَكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكَّرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكُم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بها مخافة السآمة علينا.

وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عنه صلى الله عليه وسلم: "وكان يقصر في خطبته أحيانًا، ويطيلها أحيانًا بحسب حاجة الناس، وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة".

ثانيًا- أمره صلى الله عليه وسلم بتقصير الخطبة:

فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة"، وفي صحيح مسلم أيضًا مدَح الخطيب الذي يقصر خطبته، فقال: "من مئنة -أي علامة- فقه الرجل قصر خطبته وطول صلاته". وعند أبي داود بسند حسن أن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب".

ثالثًا- إنكاره صلى الله عليه وسلم على المطيلين:

فقد روى الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوِّل بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا من يومئذ، فقال: "أيها الناس، إنكم مُنفِّرون، فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة".

ولاحظ معي أخي الداعية قول الراوي واصفًا حال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سمع شكوى الرجل: "فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا من يومئذ".. لماذا كل هذا الغضب؟ لأنه صلى الله عليه وسلم -وهو الحريص على المؤمنين الرءوف الرحيم بهم والذي يتفطر قلبه إن تفلَّت أحد من أمته إلى النار- يعلم أن هذا باب فتنة وباب تنفير يجب أن يغلق.

ونلاحظ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهر الرجل الشاكي، ولم يتهمه بتفضيل اللهو على الصلاة كما يفعل بعض الدعاة الآن، ولكنه نهر الإمام الذي كان يطيل في صلاته بالناس متغاضيًا عن ظروفهم وأحوالهم.

وفي حادثة أخرى يرويها البخاري أيضًا، جاءه صلى الله عليه وسلم من يشكو إليه تطويل معاذ رضي الله عنه في صلاته بالناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "يا معاذ أفتان أنت؟! يا معاذ أفتان أنت؟! يا معاذ أفتان أنت؟! فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة". لاحظ تكرار الإنكار ثلاثًا مما يدل على شدة غضب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل، والتماسه الأعذار للناس ومراعاته لأحوالهم.

الاسباب المتعلقه بالمسجد

أما عن أهم الأسباب المتعلقة بالمسجد نفسه كمبنى وكمؤسسة والتي تنفِّر الناس منه، وتجعله كالأرض الموات، فتتلخص في:

1 – عدم النظافة وسوء التهوية:

فليس هناك إنسان ذو فطرة سليمة يحب زيارة الأماكن غير النظيفة، فضلا عن أن يمكث فيها ويتعبد فيها لربه. وبيوت الله عز وجل هي أولى الأماكن بالاعتناء بها والحرص على نظافتها.

وقد دخلت بعض المساجد فصُدمْت لحالها، من تغطية الغبار لجدرانها، وانتشار الحشرات في أرجائها، وتقرُّح البُسُط وتمزقها.

وبعض الزوايا لا تكاد تدخلها حتى تزكم أنفك الرائحة المنبعثة من المراحيض الملحقة بها، وتزعجك أصوات مستخدميها أثناء قضاء حاجتهم أو وضوئهم، فيذهب هذا بخشوعك، ويجعلك حريصًا على إنهاء صلاتك سريعًا لتفارق هذا المكان الذي وُجِد بالأصل ليحقق لمرتاديه السكن والطمأنينة وراحة البال؛ إذ تعقد فيه أشرف الصلات وأغلاها، ألا وهي الصلة برب السماوات والأرض جلا وعلا.

إن صاحب الذوق السليم لا بد أن تعاف نفسه ارتياد مكان هذا حاله، حتى ولو أطلق عليه الناس اسم "مسجد".

لذا فإن من واجب الدعاة والخطباء أن يلتفتوا لهذا، ويوجهوا عنايتهم وعناية الناس للاهتمام بنظافة المساجد بشكل دوري ودائم وبمشاركة الجميع، فما أخجلنا أمام الله إذ نعتني بنظافة بيوتنا ونجملها، ونفرط في نظافة بيته سبحانه.

2 – فساد مرافقه:

فبعض المساجد يهمل القائمون عليها في صيانة مرافقها، أو يؤخرون إصلاحها إذا فسدت، فتتعطل -على سبيل المثال- مكبرات الصوت أو لا تؤدي عملها بشكل مرضٍ ومريح، فيصل صوت الخطيب أو المؤذن فاسدًا لا يدركه الناس، أو مزعجًا لهم ومنفرًا. أو تتعطل المراوح، فيئن الناس من الحر، وتكاد تزهق أنفسهم ويختنقون.

أسأل نفسي كثيرًا: لماذا لا تكون مساجدنا مكيفة الهواء؟! لماذا لا يكون فيها سخانات للمياه؟! لماذا توفر هذه الأشياء بعض المتاجر وبعض أماكن اللهو، وتُحرَم منها مساجدنا؟؟ ثم نتحسر بعد ذلك على هجر الناس للمساجد وانصرافهم لأماكن اللهو.

إن المشكلة ليست مشكلة تكاليف مادية بقدر ما هي أزمة في التفكير والوعي عند بعض القائمين على هذه المساجد الذين إن حاولت إقناعهم بهذه الأفكار يتعجبون ويعتبرون أن المسجد لو صار بهذه الهيئة المريحة الجاذبة يكون قد حاد عن رسالته!.

أعلم أن بعض المساجد نفذت هذا بالفعل، ولكننا نريد انتشار هذه الفكرة لتكون عاملا مساعدًا يساعد على أن تهفو قلوب الناس إلى المساجد؛ حيث ينعمون في رحابها بالراحة، ويؤدون عبادتهم بطمأنينة نفس وسكينة قلب.

3 – انعدام الأنشطة المصاحبة:

حيث نجد بعض المساجد تفتقد إلى أنشطة يتفاعل معها الناس وتربطهم بالمسجد وتجذبهم إليه؛ كمقارئ القرآن، وحلقات الذكر، ودروس العلم، كما تخلو من اللوحات التعليمية والإرشادية، والمكتبة الصوتية والمرئية… إلى آخر ما يمكن عمله من أنشطة داخل المسجد، أو منطلقة من خلاله كالرحلات والقوافل الطبية والدعوية، وفصول التقوية… إلخ.

فمن واجب الخطيب أو القائمين على المسجد أن ينشئوا هذه الأنشطة ويفعّلوها ليصبح المسجد منارة للناس، يهتدون به ويلجئون إليه.

4 – سوء خُلق القائمين عليه:

فبعض من يقومون ببناء المساجد والزوايا يظنون أنهم يحق لهم فرض سيطرتهم وآرائهم عليها ما داموا هم من قاموا ببنائها، خاصة لو كانت كل مؤهلاتهم أنهم من أصحاب الأموال أو الكبراء، وليس لهم أدنى نصيب من العلم الشرعي؛ فتنشأ بسبب ذلك مشكلات كثيرة، ونزاعات لا تتوقف بينهم وبين مرتادي المسجد.

وقد يحدث أيضًا أن يتنازع السيطرة على المسجد وأنشطته تيارات مختلفة فكريًّا، فيحاول كل منهم الاستئثار بالأنشطة واستمالة الناس إليه، وتجريح التيار الآخر لينفض الناس عنه، وتنتج عن هذا شحناء وخصومات بين أنصار كل تيار.

ولا شك أن شيوع هذه الروح داخل المسجد تسبب نفور الكثير من الناس الذي لا يحبون الدخول كأطراف في هذه الصراعات.

ولو أن الجميع فقه قوله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} [الجن: 18] لعلموا أن المساجد ليس لأحد عليها حُكم أو سلطان سوى الله عز وجل، من خلال تشريعه سبحانه، واقتداء بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

كانت هذه إخوتي الدعاة بعض الأسباب التي تنفِّر الناس من المساجد وتصدهم عنها، وكما ذكرت في البداية فإننا اخترنا الأسباب المتعلقة بالخطيب وبالمسجد للحديث عنها في هذا المقام، ونسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا مقامًا آخر نتعرض فيه للأسباب المتعلقة بالأفراد وبالظروف المجتمعية؛ في محاولة منا لتعبيد الطريق أمام المسلمين لعبادة ربهم وعمارة مساجده

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}

[التوبة: 18].

الونشريس




التصنيفات
السياحة العربية

أهم المساجد بمدينة دمشق

أهم المساجد بمدينة دمشق


الونشريس

الجامع الأموي
يقع الجامع الأموي في قلب مدينة دمشق القديمة. ويعد من أهم المنشآت المعمارية الهامة فيها ومن المؤكد أن أرض الجامع كانت مخصصة للعبادة منذ زمن طويل، فكان يقوم في المكان نفسه معبد «للإله حدد الآرامي» وذلك في مطلع الألف الأول قبل الميلاد. وفي العصر الروماني بُني «معبد للإله جوبيتر» على أنقاض معبد حدد الآرامي. وبعد انتصار المسيحية على الوثنية أنشأ الامبراطور تيودوسيوس كنيسة داخل المعبد على اسم القديس يوحنّا المعمدان. وبعد فتح دمشق عام 14 هـ / 635م، اقتسم المسلمون هذا المعبد الكبير مع المسحيين ليقيموا الصلوات فيه، وأقام المسلمون مسجدهم مستقلاً عن بناء الكنيسة يجمعهما سور المعبد. واستمرّ ذلك حوالي سبعين عاماً حتّى 86 هـ / 705 م، حيث جرت المفاوضات مع الرعايا المسيحيين لكي يتنازلوا عن نصف المعبد الذي أقاموا عليه كنيستهم، وتم ذلك مقابل بناء كنائس جديدة في أماكن مختلفة من مدينة دمشق. وقد هُدم بناء الكنيسة وكل ما كان داخل جدران المعبد من منشأت رومانية وبيزنطية، وشُيّد الجامع وفق مخطط مبتكر.
استغرق بناء الجامع الأموي قرابة عشر سنين، بدءاً من ذي الحجة عام 86 هـ / 705م، وقد جُند خلالها عدد ضخم من البنائين والمهندسين حتّى كان فتنة للناظرين، ووضعت على نسقه هندسة الجوامع الكبرى في العالم. وقد حافظ على عظمة بنائه وروعة زخارفه قرابة ثلاثة قرون ونصف، ثم تعرض بعد ذلك للحرائق والزلازل، وكان في كل مرة يصاب فيها بجهة من جهاته يفقد شيئاً من بهائه ورونقه، حتّى صار إلى ما هو عليه الآن.
احترق الجامع أول مرة عام 461 هـ / 1068م، وفي عام 562هـ / 1016م احترق الباب الشرقي، ثم أصابه حريق عام 570 هـ/ 1174م امتد إليه من الكلاسة، فأصاب مئذنته الشمالية. وفي عام 645هـ / 1247م أتى الحريق على القسم الشرقي من الحرم والمئذنة الشرقية.
وعندما هاجم تيمورلنك دمشق عام 804هـ / 1401م نصبت الآلات الحربية في صحن الجامع لمهاجمة القلعة، فلحق به حريق وتخريب. وفي عام 884هـ / 1479م شب حريق في الجامع، أتى على المئذنة الغربية وباب الزيادة والباب الغربي والرواق الشمالي حتّى الكلاسة. وكان آخر حريق له عام 1311هـ / 1893م في أواخر الحكم العثماني، تهدم فيه حرم الجامع الداخلي.
أمَّا الزلازل فكانت كثيرة، أشدّها حدث في أعوام: 552هـ / 1157م، 597هـ / 1200م، 1173هـ / 1759م. وكان يتلو هذه الحرائق والزلازل دوماً إعادة تشييد وبناء، ومحاولة إعادة الزخارف إلى ما كانت عليه.
يشكل الجامع مستطيلاً بطول 156م وعرض 97م. له صحن واسع. وتقوم من حول جهاته الثلاث أروقة محمولة على أقواس مستديرة. أما طرفه الرابع فمشيد عليه جدار الحرم الذي يبلغ طوله 139م وعرضه 37م وللجامع أربعة أبواب:
الباب الغربي: يسمى باب البريد، ويتألف من ثلاثة مداخل، صُفحت درفاته بالنحاس في العهد المملوكي بالقرن الخامس عشر.
الباب الشمالي: ويسمى باب الفراديس، ويطلق عليه اليوم باب العمارة تعلوه كتابة كوفية مزهّرة من العهد السلجوقي.
الباب الشرقي: يعرف بباب جيرون ويسمى باب النوفرة أيضاً، وهو محافظ على وضعه الأول.
باب الزيادة: وهو الباب المفتوح من الجهة الجنوبية من الحرم.
وأهم ما يلفت النظر في صحن الجامع قبة الخزنة، التي بنيت لوضع الأموال فيها، شكلها مثمن قائمة على ثمانية أعمدة كورنثية الطراز، جميلة التيجان، زُينّت بالفسيفساء، وما زال بعض أجزاء منها ماثلاً حتى اليوم، وصفها ابن جبير فقال: فسيفساء قبة الخزنة المتعددة الألوان أجمل من حديقة غناء.
أما الحرم فيبلغ طوله 139م وعرضه 37م، ويقسمه إلى قسمين متساويين، رواق قاطع ممتد من الشمال إلى الجنوب، وتقوم في وسط الحرم قبة كبيرة اسمها قبة النسر، ترتفع قرابة 36م، محمولة على أربعة عضائد كبيرة فوقها رقبة مثمنة مزودة بالنوافذ، وتغطي الحرم ثلاثة سقوف سنامية الشكل (جَمَلُونات) من الخشب، تمتد من الشرق إلى الغرب يقطعها في وسطها سقف الرواق القاطع الذي يعترضها. وأهم ما يلفت النظر داخل الحرم المحاريب الأربعة، ثلاثة منها قديمة وواحد حديث. ففي الطرف الشرقي المحراب المالكي، ثم يليه المحراب الحنفي وهو المحراب الحديث، وفي أقصى الطرف الغربي المحراب الحنبليّ، ويليه المحراب الشافعي. ويقوم ضريح مهيب من الرخام في الطرف الشرقي من الحرم للنبي يحيى عليه السّلام.
أما عن مآذن المسجد فهي ثلاث: مئذنة العروس، وتقوم في وسط الرواق الشمالي، وقد أُنشئت في عصر مليك شاه بين سنتي 570 ـ 580 هـ / 1074 ـ 1094م، ويعود قسمها السفلي إلى عهد الوليد بن عبد الملك. ثم مئذنة عيسى، وتقوم في الزاوية الجنوبية الشرقية، وقد شُيّدت فوق برج المعبد القديم، واحترقت وتهدمت مرات عديدة، ويرجع بناء قسمها السفلي للعهد المملوكي، وقسمها العلوي إلى العهد العثماني. والمئذنة الغربية وهي تقع في الزاوية الجنوبية الغربية، وأقيمت أيضاً فوق برج قديم وجدّدت في السنوات 580 هـ / 1184م، 803هـ / 1400م، 893 هـ / 1488م. وتشير الكتابة المنقوش عليها إلى أنها قد تجددت بعد الحريق الذي أصابها عام 884هـ / 1479م، وتم ذلك في عهد السلطان قايتباي عام 893هـ / 1488م. وتعد المئذنة الغربية أجمل المآذن الثلاث.

*******
جامع الحنابلة
يقع في حيّ الصالحية بدمشق ويُعدّ من أهم المساجد الأيوبية، وقد دعا لبناء هذا المسجد الشيخ أبو عمر بن قدامة المقدسي أحد أئمّة المقادسة في القرن السادس الهجري، وتولى الإنفاق عليه أبو داود محاسن الفامي عام 598 هـ / 1201م، لكن أمواله لم تعد كافية فأخبر الأمير مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب أربل بوضع الجامع، فأرسل ثلاثة آلاف دينار أتابكية لإتمام العمارة، وما تبقّى تُشترى به الأوقاف وتوقف عليه.
وعُرف الجامع بعدة أسماء أهمها: الجامع المظفري: نسبة إلى مظفر الدين كوكبوري. وجامع الجبل: سمي بهذا الاسم لأنه في مصاعد جبل قاسيون. وجامع الحنابلة: لأنه مختص بالحنابلة في ذلك الوقت لأن المقادسة الذين أسسوا بناءه كانوا على هذا المذهب.
ثم جامع الصالحين: نسبة لصلاح المقادسة مؤسّسيه الذين سميت بهم أيضاً الصالحية.

*******
جامع التوريزي (التيروزي)
يقع في محلة رأس الشويكة شمالي قبر عاتكة بدمشق، شرع بإنشائه الأمير غرس الدين خليل التوريزي حاجب الحجّاب بدمشق وذلك في سنة 823 هـ/ 1420م، حسب اللوحة التاريخية الموجودة فوق الباب.
وقد فرغ من بنائه عام 825 هـ / 1443م، وأضيف إليه مئذنته بعد تسع سنوات. ويلاحظ أنّ بُناته تحرروا من قواعد الفن الأيوبي التي سادت العمارات الدمشقية أكثر من نصف قرن، واتّبعوا أصول فن المماليك الذي ازدهر في القاهرة، واتخذوا في ذلك عناصر جديدة في التخطيط والبناء والزخرفة.
وتخطيط الجامع يختلف عن تخطيطات الجوامع الدمشقية، إذ ليس له صحن واسع، وواجهته مبنية بأحجار ذات لونين مختلفين. وللمسجد حرم جميل، حافظ على بنائه الأول وجماله، والمنبر تزيّنه حشوات صغيرة حُفرت بخط نسخي مملوكي جميل. المحراب يعلوه شريط عريض حُفر عليه بالخط النسخي المملوكي الآية الكريمة: في بيوتٍ أذِنَ الله أن تُرفَع ويُذكَر فيها اسمُه. كما يوجد في صدر المحراب شريط حُفر عليه بالخطّ النسخي المملوكي أيضاً قوله سبحانه: ربَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أو أخطأنا الآية. تعدّ مئذنة الجامع من أجمل مآذن دمشق، شكلها مربع، على حين أن مآذن المماليك مضلَّعة. تزيّن المئذنة زخارف كثيرة وعليها كتابة تاريخية.

جامع سنان باشا
منطقة «باب الجابية» أي الطريق الموصل بين قلعة دمشق ومقبرة «الباب الصغير»، كانت معبراً إلى دمشق القديمة وصارت أثناء الحكم المملوكي نقطة اتصال مع الأحياء الجديدة، وفي العهد العثماني شكلت شريان المدينة التجاري. وعلى طول 500 متر تقريباً تنزرع المدارس والمساجد التي تحمل أسماء الولاة بدءاً من جامع أرغون فالدرويشية والسيبائية والسنانية وغيرها من الأسماء.
وتظهر الطريق تنافساً بين الولاة على تشييد مناطق عمرانية تساعدهم على استقطاب الناس، فالمسجد كان مدرسة أيضاً تستقطب العلماء والطلاب. وباستثناء سوق مدحت باشا، فإننا لا نصادف سوى مآذن وقباب مختلفة الأشكال، ويخيل للزائر أنه يتنقل في أحياء استانبول القديمة حيث تكتظ المساجد الكبيرة لتصبح في منطقة «بيازيت» أكثر من المنازل.
والأمر مشابه في دمشق، إذ أن جامع السنانية يعتبر نسخة مصغرة عن مسجد أيا صوفيا. فكما كان السلاطين يتنافسون في تشييد المساجد في استنبول كي تحمل أسماءهم عبر الزمن، كان ولاة دمشق يقلدونهم محلياً. أي أن العمران كان يحمل صفة دعائية (بتعبير العصر) أكثر من كونه شأناً عمرانياً منتظماً، بدليل وجود هذه الكمية من المساجد في منطقة واحدة بينما تفتقر أماكن عدة من دمشق في تلك الفترة إلى مساجد جامعة.
وبالعودة إلى تفاصيل تلك الفترة، نقف عند جامع سنان باشا المشهور بمئذنته الخضراء المبنية على الطريقة العثمانية. لكن التاريخ أضاع حقيقة الشخص الذي بنى هذا المسجد.
والجامع لم يكن وحيداً، فقد كانت معه مجموعة عمرانية تشمل حمّاماً وسوقاً وقهوة ومكتباً. وبالطبع لم يكن موقع الجامع خالياً، بل كان فيه مسجد يقال له «مسجد البصل». وإذا حاولنا تتبّع بعض التفاصيل نجد أن الأمير محمد بن منجم هو الذي باشر العمران فيه، وتكامل في آخر سنة من القرن العاشر الهجري، وخطب فيه الشيخ فخر الدين السيوفي هي تلك الفترة، ثم تعاقبت عليه العصور فأصبح اليوم مسجداً متميزاً لقربه من مقبرة «الباب الصغير» حيث يتم في الغالب الصلاة على الأموات فيه.
من الناحية المعمارية، يجاور الجامع سوق دمشق التاريخية مما أجبر بانيه على حرف صحنه كي لا يصطدم بالسور، وتعلوه قبة كبيرة تغطي قسماً كبيراً من مساحته. وتتميز بوابته بالعلو على الطراز المملوكي. ولا نجد شأناً متميزاً في الزخرفة فيه لكنه بالشكل العام يتقارب مع جامع أيا صوفيا. والجامع أنموذج لمعظم المساجد العثمانية، يتألف من مئذنة وحرم وصحن وأروقة.

جامع درويش باشا
المعروف بجامع الدرويشية
يقع في محلة الدرويشية بدمشق، وهو نموذج لفن العمارة العثمانية من حيث التخطيط والقواعد المعمارية والفنية. أنشأه درويش باشا بن رستم باشا أحد ولاة دمشق في العهد العثماني، الذي تصدّر ولاية دمشق في سنتي 979 ـ 983 هـ/ 1571 ـ 1574م، ثم نُقل إلى استنبول وتُوفّي بها عام 987 هـ / 1579م ونقلت رفاته إلى دمشق ودفنت في تربته التي أنشأها بجانب هذا الجامع.
شُيّد المسجد عام 982 هـ / 1574 م كما هو مثبت في الكتابة التاريخية المنقوشة فوق الباب، وهي عبارة عن أبيات شعر، وقد ورد التاريخ في البيت الأخير مرتّبا على الأحرف الأبجدية.
ورُوعي في بناء الجامع أسلوب العمارة الرسمية للدولة العثمانية، وكان من أهم خصائصها الاعتناء بالمظهر الخارجي، والشكل العام للبناء، فكان هذا الجامع مستوفياً لتلك الشروط والقواعد والأسس، وغدا نموذجاً لهذا الأسلوب في دمشق. وعلى الرغم من تصميمه العثماني، فإنّه لا يخلو من التأثيرات المحلية التي تجعل له صبغة سورية. صحن الجامع مستطيل الشكل، تتوسطه بركة حجرية مضلعة، والرواق يقع في جنوب الصحن تتقدمه خمسة عقود محمولة على أعمدة مستديرة ذات تيجان وقواعد مختلفة. ويعلو الرواق خمس قباب صغيرة. وفي الجدار الجنوبي من الرواق محراب مزين بألواح القاشاني. أما الحرم فهو عبارة عن قاعة كبيرة مستطيلة الشكل، تغطيها سبع قباب. مستديرة تقوم القبة الكبرى في الوسط ويتوسط المحراب الجدار الجنوبي من الحرم، ويعد آية في الإبداع والفن، وعلى جانبي المحراب إطارات هندسية عريضة من الرخام الأبيض والأسود.
المنبر من المرمر، وأهم ما فيه قبة الخطيب المبنية على أربع دعائم رشيقة يعلو كلاً منها قوس مدبب تكتنفه زوايا مزخرفة. ويلاحظ أن الزخارف الرائعة تزين الجامع من بابه إلى محرابه.
وصف آخر لجامع الدرويشية: لم يكن العهد العثماني ليحمل الكثير إلى أهل دمشق، فعلى الرغم من اتخاذه طابعاً إسلامياً كغيره من العصور المتقدمة، إلا أنّه لم يستطع الولوج إلى حقيقة بناء الحضارات، بل ظل يجسد حالات معمارية استثنائية برزت في استانبول من خلال المساجد الضخمة. أما باقي المدن فكانت تتصدع عمرانياً بشكل متسارع.
كان السلاطين والولاة العثمانيون يسعون إلى استرضاء فئات معينة فيبنون لها تكية أو مسجداً، وفي أحيان كثيرة يتعمدون بناء المسجد ليلحقوا به مقبرة تكون مدفناً لهم. ولكن معظم مساجدهم في دمشق كان على أنقاض مبان أُخرى، فهم لم يضيفوا سوى القليل. والتكية السليمانية المشهورة كطراز عثماني بُنيت عوضاً عن القصر الأبلق المشهور بجماله وقِدمه، فقد دمره العثمانيون بعد موقعة مرج دابق وسقوط السلطان المملوكي قانْصُوه الغُوري، لأن القصر في الأساس يرمز إلى موقع السلطة المملوكية في دمشق.
جامع الدرويشية واحد من المباني العثمانية الموجودة في قلب دمشق، قرب منطقة باب الجابية حيث يقع أكبر تجمع للمساجد والمباني العثمانية. وهو يقع شمالي المدرسة السيبائية، ويكاد يجاورها اليوم بعد أن طغى العمران الحديث على المنطقة. وينسب إلى والي دمشق درويش باشا الذي جاء سنة 979 للهجرة، ويقول بعض المرويات أنه سار بأهالي دمشق سيرة حسنة؛ وتعقب المجرمين ونشر الأمن في ربوع البلاد التي عرفت آنذاك أعداداً كبيراً من «العواينية» (أصحاب الشرور باللهجة الدمشقية حتّى اليوم) والجيوش المحلية مثل الانكشارية.
بُني الجامع سنة 982 هجرية، أي في العام الذي نُقل درويش باشا من دمشق. ولم يتبع مهندس المسجد الطابع العثماني فيه، ربما لقربه من المدرسة السيبائية الضخمة المبنية على الطراز المملوكي. لكن المنارة الخاصة بالمسجد جاءت عثمانية، فالمهندس جعل محيطها من الحَجَر الأسود والأبيض المتناوب بشكل جميل، وجعل بوابتها كبيرة نوعاً ما.
والإضافات على المسجد تبدو كأنها منفصلة عنه، فالمسجد يضم من الناحية القبلية التربة الدرويشية التي دفن بها الوالي درويش باشا العام 987 للهجرة، كما يحتوي من الناحية نفسها غرفاً للتدريس تعلوها قبة. ويستطيع الإنسان المرور عبر قنطرة تحتوي في أعلاها غرف التدريس إلى الأزقة الخلفية المجاورة للمسجد والمؤدية إلى منطقة القنوات.
والطراز المملوكي المسيطر على الشكل العام للمسجد يجعله مع جامع السيبائية نسيجاً متكاملاً، وفي داخله ألواح جميلة من القيشاني نسخها أسعد باشا العظم ليصنع مثلها في قصره. وأول من درّس في هذا الجامع الشيخ إسماعيل النابلسي ثم خلفه الحسن البوريني. وهذا الأخير لم يذكر درويش باشا أو يضع له ترجمة في مؤلفاته العديدة.
عندما جدد المسجد في العام 1945م جدد السبيل الموجود إلى جانبه. والمعروف أيضاً أن الوالي درويش باشا بنى حمام القيشاني وخان الحرمين. علماً بأن البناءين يعودان إلى عهد السلاجقة، وكان الخان معروفاً باسم خان القوسين

*******

جامع الشيخ عبد الغني النابلسي
يقع في منطقة الصالحية (الشيخ محيي الدين)، وينسب إلى العالم المحدث عبد الغني النابلسي المولود في دمشق 1050 هـ / 1640م، حينما توفي ترك هذا المكان داراً للسكن ولم يكن فيه مسجد، بل أُحدث بعد وفاته أنشأه حفيده الشيخ مصطفى النابلسي المتوفى عام 1191هـ / 1777م، وغلب على هذا المسجد اسم جامع الشيخ عبد الغني النابلسي واشتهر بذلك. وكانت شهرة الشيخ عبد الغني قد حفّزت كثيراً من الولاة والسلاطين على العناية بتخليد ذكراه بتجديد المكان في أدوار مختلفة.
أما طراز البناء فهو من العصر العثماني، والطراز الغالب على البناء والزخرفة الطراز الدمشقي. يضم البناء مسجداً وتربة وداراً للسكن، أما مئذنة الجامع فتقع في أقصى الجناح الشرقي للبناء مبنية بالحجارة المنحوتة. أما القاعة الكبرى فيعلو بابَها لوح من القاشاني فيه كتابة وتاريخ تجديد القاعة سنة 1178 هـ / 1764م، ومدفن الشيخ عبد الغني يقع في شرقي الصحن، وبجانبه مدفن الشيخ مصطفى المتوفى عام 1191هـ / 1777م، وهو باني المسجد. أما المصلَّى فهو عبارة عن قاعتين يفصل بينهما قوس، وفيه المحراب والمنبر.

*******
جامع السنجقدار
يقع في محلة السنجقدار بدمشق، وكان يسمى جامع الحشر، أنشأه أرغون شاه نائب السلطنة المملوكية في دمشق الذي قتل عام 750هـ / 1349م، ودفن في تربته التي أنشأها مع الجامع. تم تجديد حرم المسجد في العهد العثماني عام 1008 هـ / 1599م من قبل سنان آغا الينكنجرية.
أهم آثار المسجد المملوكية واجهته الحجرية الجميلة، ومقرنصات بوابته، والتربة المسقوفة بقبة إلى يمين المسجد، ومئذنة رشيقة.

*******
جامع التوبة
يقع في حي العقيبة في نهاية سوق ساروجة بدمشق، وقد بُني على نسق الجامع الأموي بدمشق، ويعد من روائع فن العمارة الأيوبية. كانت أرض الجامع قديماً تعرف بخان الزنجاري، ترتكب فيه المحرمات وتشرب فيه الخمور، فأمر الملك موسى العادل أبو بكر بهدمه وبناء الجامع الذي سمّاه جامع التوبة، وتم بناؤه عام 632هـ / م. صحن الجامع مستطيل الشكل تحيط به ثلاثة أروقة شرقي وغربي وشمالي، تتوسطه بركة مربعة الشكل. الحرم مستطيل، وأجمل ما فيه المحراب الغنيّ الزخارف، المكسوّ بالرخام في أسفله، ثم تعلو ذلك طبقة جصية عليها رسوم نباتية جميلة تتخلّلها كتابات وزخارف، يعلوها رسم هندسي ونباتي، وعلى جانبي المحراب عمودان من الرخام بشكل لولبي، وهو يعد من أجمل المحاريب التي وصلت إلينا من العهد الأيوبي.

*******
مسجد فلوس
مسجد قديم يقع في حي الميدان بدمشق، ويعرف حالياً بزاوية الرفاعي. وأهم ما يميز هذا المسجد هو النتاج الفني الذي بقي من العصر الفاطمي في دمشق المتمثل في زخرفة محرابه، حيث تعلو المحراب طاقية أثرية نادرة، تقوم على شريط عريض به سطر من الكتابة الكوفية المزهّرة. ويعلو هذا الشريط طاقية من زخارف جصّية عناصرها أوراق نباتية بينها فروع دقيقة متشابكة، وقد ملئ فراغ سطوح الأوراق النباتية بزخارف هندسية.

الجامع المعلّق
الجامع المعلّق نموذج من الأوابد المملوكية، وهو معبّر أيضاً عن الطريقة التي كان المماليك يفكرون بها. يقع الجامع بين باب الفرج والفراديس في منطقة العمارة البرانية خارج سور دمشق. وسمي بالمعلّق لأنه مرتفع عن الأرض قليلاً، ولأنه معلق بشكل أو بآخر إذ يقع على نهر بردى.
والناس يسمونه بالجامع الجديد أو جامع بردبك أو جامع بين الحواصل، فالتسمية الأولى نابعة من تكرار ترميمه إذ جدد العام 1058 للهجرة بعد أن ضربته صاعقة وألحقت أضراراً به وهوى رأس مئذنته، فأعيد بناؤها على الطريقة المملوكية لمساجد القاهرة، ثم جدد مرة أخرى العام 1328 هجرية.
أما التسمية الثانية فتعود لبانيه بردبك الأشرفي إينال، الذي بني في قناطر السباع في مصر جامعاً هائلاً، وبنى مثله في غزة ودمشق العام 826 للهجرة. والمعروف عن هذا الأمير أنه كان مقرباً من الأشرف إينال ونفي إلى مكة حيث قتل في طريق العودة العام 868 هجرية ودفن في مكة المكرمة.
وتعود التسمية الحالية إلى الواقع المحيط بالمسجد، المعروف عن منطقته أنها ساحة للأسواق يتم استعمالها.
المسجد واسع جداً ومبني على الطريقة المملوكية باستعمال الحجر الأبيض والأسود بالتناوب، إضافة لنوافذه التي سُوّرت بالحديد على شكل شبك. وبوابة المسجد لا تتبع الطراز المملوكي إذ أنها ليست مرتفعة، وتوحي زخارف الباب بأنه جدد عندما تم تجديد المسجد أخيراً، فتم الاحتفاظ بالشكل الأساسي مع تبديل ما تلف من أثاثه.
وفي الجامع – كغيره من المساجد المملوكية – ثماني غرف للطلاب في الطابق العلوي، لكنها اليوم جزء من المسجد، ورواد الجامع قليلون نسبياً لأنه يقع في منطقة الأسواق. وما يتميز به هذا المسجد عن باقي المساجد المملوكية أنه:
أولاً: يعتبر مسجداً مملوكياً أصيلاً لم يُبنَ على أنقاض مسجد أقدم منه، فالمساجد والمدارس المملوكية كانت تقام عادة على أنقاض مساجد قديمة، فهي عملياً تمثل حالة ترميم وتعبر عن توسع عمراني، بينما المسجد المعلّق بني بشكل مستقل.
ثانياً: يتفرد بموقعه البعيد نسبياً عن الفعاليات العلمية والدينية، فالمماليك غالباً ما كانوا يبنون مدارسهم في محيط دمشق القديمة، أو في منطقة الصالحية، وذلك للبقاء قريباً من رجال الدين والعلماء، أما الجامع المعلق فبعيد عن هذه المناطق بل يكاد يكون معزولاً عن التيارات التي سادت في تلك الفترة وكان المماليك يخطبون ودها.

*******
جامع الورد
في مطلع القرن الحالي كانت منطقة سوق صاروجا من أكثر مناطق دمشق ازدهاراً، حتّى إنها سميت باستانبول الصغيرة لكثرة الضباط والموظفين الأتراك الذي سكنوا فيها. ونجد أن معظم من يتكنى بكنية تركية هو في الأصل من هذه المنطقة.
لكنها في الواقع أقدم من العهد العثماني، فهي ازدهرت في العصر الأيوبي وكانت تسمى العوينة وبدأت المدارس بالظهور فيها أولاً فبنت الخاتون ست الشام ابنة نجم الدين أيوب المدرسة الشامية البرانية في سنة 582 للهجرة.
وإذا كنا اليوم لا نشاهد إلاّ أطلال سوق صاروجا، فإن جامع الورد يبرز من بين البقايا بمئذنته الغربية وتموضعه بين زقاقين صغيرين. وهو يعود للفترة المملوكية، وانتهى بناؤه في الرابع عشر من رمضان سنة 830 هـ.
يعرف الجامع تاريخياً بجامع «برسباي» أو الحاجب، وذلك نسبة لبانيه الأمير برسباي الذي تولى نيابة طرابلس وحلب، ثم استقال من وظائفه ومارس الأعمال الحرة، وتوفي سنة 851 للهجرة في مدينة سراقب، وحُمل جثمانه إلى دمشق ودفن في الجامع الذي بناه. وكان المسجد يعرف بالورد نسبة إلى حمّام يقع إلى الشمال منه، وما زال مشهوراً بهذا الاسم حتّى إن الزقاق الموجود فيه يطلق عليه اسم الورد.
وكما كافة المساجد المملوكية، فإن مكان الجامع الحالي كان مسجداً صغيراً يعود تاريخه إلى سنة 784 هـ، فقام برسباي بتوسيعه ورفع منارة وقبة له، وتم إنجاز بنائه في يوم الجمعة الرابع عشر من رمضان سنة 830هـ، وصُلّيت فيه الجمعة في ذلك اليوم.
ومن المعروف أن بناء المسجد جاء بعد اجتياح تيمورلنك لدمشق، أي أنه نوع من إعادة الإعمار التي بدأت منذ سنة 811 هـ (بعد سبع سنوات على رحيل تيمورلنك).

*******
جامع يلبغا
هل يحق لنا تذكر جامع يلبغا مع أنه اختفى من دمشق سنة 1960م بعد أن كان من أعظم المساجد في دمشق بعد الجامع الأموي؟
ما زال القادمون إلى المدينة يشاهدون مشروع إعادة إعماره في ساحة المرجة، فالجامع كان مملوكي الطابع، عمَدَ الأمير يلبغا في عمارته إلى منافسة جامع تنكز الذي لم ينجُ من الهدم سوى مئذنته.
قصة الجامع تبدأ مع الأمير يلبغا الذي دخل دمشق أميراً في عام 756 للهجرة وخلّف فيها مسجداً وقبة مشهورة في منطقة القدم. ولا تختلف سيرة الأمير عن سِيَر بقية المماليك، فما كاد يتسلم إمارة دمشق حتّى بدأ بتقليب الأمراء على السلطان. لكن المفارقة معه تتعلق بتصرفاته عند دخول دمشق؛ ففي 14 جمادى الأولى من عام 746هـ، أي بعد يومين من دخوله دمشق، أمر بقطع أيدي وأرجل ثلاثة عشر رجلاً بلغه تكرار وقوع الجنايات منهم.
وبغضّ النظر عن تفاصيل معارك الأمير يلبغا، إلاّ أن فترة ولايته كانت شبه مستقلة عن القاهرة، لذلك فإن مسجده كان ضخماً جداً ليعبّر عن الطريقة التي يفكر بها في منافسة حكم الملك في القاهرة، وقد تعطل العمل في بناء الجامع بعد مقتله، ثم سار الأمر ببطءٍ شديد وظهر أخيراً كمسجد جامع، وحضر افتتاحه عدد كبير من الأمراء الذين شاركوا أساساً في قتل الأمير يلبغا اليحاوي.
ومن أهم ذكريات هذا المسجد ما قام به إبراهيم باشا المصري أثناء حملته على سورية إذ حوله إلى مصنع للبسكويت. ويبدو الأمر اليوم مضحكاً لكن عصرنة الدولة كما فهمها إبراهيم باشا اقتضت منه تحويل هذا المبنى الأثري المهم إلى مصنع، وكان لذلك أثره في الفن المعماري الموجود في المسجد. لكن خروج إبراهيم باشا أدى إلى إعادة تجديده، وهو جدد بالفعل أربع مرات كانت الأخيرة عام 1173 للهجرة على أثر الزلزال الذي ضرب دمشق.




رد: أهم المساجد بمدينة دمشق

هاي اشهر الجوامع
ان شاءالله برجع ضيف كمان معلومات عن كم مسجد غيرهدول
بتمنى تزورون بس تشرفونا على سوريا
بتمنى بكون وفقت بنقلي لهلموضوع لتتعرفو على بلدي




رد: أهم المساجد بمدينة دمشق

شرف لي ان ازور سوريا الشقيقة فلا تعلمين كم اعشق سوريا
شكرا على الموضوع




رد: أهم المساجد بمدينة دمشق

شكرا لك نرمين على الجولة الراااائعة
نتمنى من قلوبنا مشاهدتها في الواقع إن شاء الله

و ه>ه بعض الصور لبعض الجوامع المذكورة
جامع سنان باشا

الونشريس

الونشريس

الونشريس

الونشريس




رد: أهم المساجد بمدينة دمشق

الجامع الأموي

الونشريس

الونشريس

الونشريس

الونشريس

الونشريس

الونشريس

نرميــــــــــــــــــــــــــــــن أتمنى أنني وفقت بهذه المشاركة البسيـــــــــــطة




رد: أهم المساجد بمدينة دمشق

بارك الله بك الياس على الإضافات الرائعة والصور الجميلة

لك مني كل الود والاحترام
تحياتي