التصنيفات
فقه العبادات

فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]

فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]


الونشريس

الونشريس

خرج الإمام أحمد [ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الشتاء ربيع المؤمن ]
و خرجه البيهقي و غيره و زاد فيه : [ طال ليله فقامه و قصر نهاره فصامه ]

الونشريس

إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات و يسرح في ميادين العبادات و ينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن و تصلح أجسادها فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة و لا كلفة تحصل له من جوع و لا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام ،
و في المسند و الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة ] و كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : أدلكم على الغنيمة الباردة ؟ قالوا : بلى فيقول : الصيام في الشتاء

و معنى كونها غنيمة باردة أنها غنيمة حصلت بغير قتال و لا تعب و لا مشقة فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة و أما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن و قد أخذت نفسه حظها من النوم فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن فيكمل له مصلحة دينه و راحة بدنه و من كلام يحيى بن معاذ الليل طويل فلا تقصره بمنامك و الإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك بخلاف ليل الصيف فإنه لقصره و حره يغلب النوم فيه فلا تكاد تأخذ النفس حظها بدون نومه كله فيحتاج القيام فيه إلى مجاهدة و قد لا يتمكن فيه لقصره من الفراغ من ورده من القرآن

و يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة و يطول فيه الليل للقيام و يقصر فيه النهار للصيام و روي عنه مرفوعا و لا يصح رفعه و عن الحسن قال : نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه و نهاره قصير يصومه ،
و عن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال : يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرأوا و قصر النهار لصيامكم فصوموا قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف

و لهذا بكى معاذ عند موته و قال : إنما أبكي على ظمأ الهواجر و قيام ليل الشتاء و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر

و قال معضد : لولا ثلاث ظمأ الهواجر و قيام ليل الشتاء و لذاذة التهجد بكتاب الله ما بليت أن أكون يعسوبا

.الونشريس

القيام في ليل الشتاء يشق على النفوس من وجهين : أحدهما من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد قال داود بن رشيد : قام بعض إخواني إلى ورده بالليل في ليلة شديدة البرد فكان عليه خلقان فضربه البرد فبكى فهتف به هاتف أقمناك و أنمناهم و تبكي علينا خرجه أبو نعيم و الثاني : بما يحصل بإسباغ الوضوء في شدة البرد من التألم .

و إسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال :

و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على الكاره و كثرة الخطا إلى المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط ] و في [ حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى ربه عز و جل يعني في المنام فقال له : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قال : في الدرجات و الكفارات ؟ قال : و الكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات و نقل الأقدام إلى الجمعات ]
و في رواية : [ الجماعات و انتظار الصلاة بعد الصلاة من فعل ذلك عاش بخير و مات بخير و كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ]
و الدرجات : [ إطعام الطعام و إفشاء السلام و الصلاة بالليل و الناس نيام ] و ذكر الحديث خرجه الإمام أحمد و الترمذي
و في بعض الروايات : [ إسباغ الوضوء في السبرات ] و السبرة : شدة البرد

الونشريس

إسباغ الوضوء في شدة البرد من أعلى خصال الإيمان :
روى ابن سعد بإسناده : أن عمر رضي الله عنه وصى ابنه عند موته فقال له : يا بني عليك بخصال الإيمان قال : و ما هي ؟ قال : الصوم في شدة الحر أيام الصيف و قتل الأعداء بالسيف و الصبر على المصيبة و إسباغ الوضوء في اليوم الشاتي و تعجيل الصلاة في يوم الغيم و ترك ردغة الخبال فقال : ما ردغة الخبال ؟ قال : شرب الخمر
و روى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال : ست من كن فيه فقد استكمل الإيمان : قتال أعداء الله بالسيف ، و الصيام في الصيف ، و إسباغ الوضوء في اليوم الشاتي ، و التبكير بالصلاة في يوم الغيم ، و ترك الجدال و المراء و أنت تعلم أنك صادق ، و الصبر على المصيبة ) و قد روي هذا مرفوعا خرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة له بإسناد فيه ضعف .[ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ست من كن فيه بلغ حقيقة الإيمان : ضرب أعداء الله بالسيف و ابتدار الصلاة في اليوم الدجن و إسباغ الوضوء عند المكاره و صيام الحر و صبر عند المصائب و ترك المراء و أنت صادق ]
و في كتاب الزهد للإمام أحمد عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : ( قال موسى عليه السلام : يا رب من هم أهلك الذين هم أهلك تظلهم في ظل عرشك ؟ قال : هم البرية أيديهم الطاهرة قلوبهم الذين يتحابون لجلالي الذين إذا ذكرت ذكروني و إذا ذكرت ذكرت بذكرهم الذين يسبغون الوضوء في المكاره و ينيبون إلى ذكرى كما تنيب النسور إلى أوكارها و يكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس و يغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب) و قد روي عن داود بن رشيد قال : قام رجل ليلة باردة ليتوضأ للصلاة فأصاب الماء باردا فبكى فنودي : أما ترضى أنا أنمناهم و أقمناك حتى تبكي علينا خرجه ابن السمعاني

الونشريس

معالجة الوضوء في جوف الليل للتهجد موجب لرضا الرب و مباهات الملائكة ففي شدة البرد يتأكد ذلك :
ففي المسند و صحيح ابن حبان [ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل فيعالج نفسه إلى الطهور و عليه عقد فيتوضأ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة و إذا وضأ وجهه انحلت عقدة و إذا مسح رأسه انحلت عقدة و إذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب عز و جل للذين وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي هذا فهو له ] و في حديث عطية [ عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله يضحك إلى ثلاثة نفر : رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهور ثم صلى ، و رجل نام و هو ساجد، و رجل في كتيبة منهزمة على فرس جواد لو شاء أن يذهب لذهب ] قال أبو سليمان الداراني : كنت ليلة باردة في المحراب فأقلتني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد و بقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني فهتف بي هاتف : يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها و لو كانت الأخرى لوضعنا فيها قال : فآليت أن لا أعود إلا و يداي خارجتان حرا كان أو بردا
قال مالك رحمه الله : كان صفوان بن سليم يصلي يعني بالليل في الشتاء في السطح و في الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر و البرد حتى يصبح ثم يقول : هذا الجهد من صفوان و أنت أعلم و إنه لترم رجلاه حتى يعود مثل السقط من قيام الليل ثم يظهر فيها عروق خضر و كان صفوان و غيره من العباد يصلون في الشتاء بالليل في ثوب واحد ليمنعهم البرد من النوم ، و منهم من كان إذا نعس ألقى نفسه في الماء و يقول : هذا أهون من صديد جهنم
كان عطاء الخرساني ينادي أصحابه بالليل يا فلان و يا فلان و يا فلان قوموا فتوضئوا و صلوا فقيام هذا الليل و صيام هذا النهار أهون من شرب الصديد و مقطعات الحديد غدا في النار الوحا الوحا النجا النجا ، كان قوم من العباد يبيتون في مسجد و كانوا يتهجدون في الليل فاستيقظ واحد منهم ليلة فوجد إخوانه نياما فسمع هاتفا يهتف من جانب المسجد :

( أيا عجبا للناس من قرت عيونهم … مطاعم غمض بعدها الموت منتصب )
( و طول قيام الليل أيسر مؤنة … و أهون من نار تفور و تلتهب )

وفي الحديث الصحيح [ أن ابن عمر رأى في منامه كأن آتيا فانطلق به إلى النار حتى رآها و رأى فيها رجالا يعرفهم معلقين بالسلاسل فأتاه ملك فقال له : لن تراع لست من أهلها فقص ذلك على أخته حفصة فقصته حفصة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ] فكان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلا ، قال الحسن : أفضل العبادة الصلاة في جوف الليل و قال : هو أقرب ما يتقرب به إلى الله عز و جل و قال : ما وجدت في العبادة أشد منها ، و رؤي سلمة بن كهيل في المنام فقال : وجدت أفضل الأعمال قيام الليل ما عندهم أشرف منه و رأى بعض السلف خياما ضربت فسأل لمن هي فقيل للمتهجدين بالقرآن فكان بعد ذلك لا ينام

( فما لي بعيد الدار لم أقرب الحمى … و قد نصبت مسافرين خيام )
( علامة طردي طول ليلي نائم … و غيري يرى أن المنام حرام )

الونشريس

و من الصالحين من كان يلطف به في الحر و البرد كما دعا النبي صلى الله عليه و سلم لعلي :
[ أن يذهب الله عنه الحر و البرد ] فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف و في الصيف ثياب الشتاء و لا يجد حرا و لا بردا كان بعض التابعين يشتد عليه الطهور في الشتاء فدعا الله عز و جل فكان يؤتى بالماء في الشتاء و له بخار من حره رأى أبو سليمان في طريق الحج في شدة البرد شيخا عليه خلقان و هو يرشح عرقا فعجب منه و سأله عن حاله فقال : إنما الحر و البرد خلقان لله عز و جل فإن أمرهما أن يغشياني أصاباني و إن أمرهما أن يتركاني تركاني و قال : أنا في هذه البرية من ثلاثين سنة يلبسني في البرد فيحا من محبته و يلبسني في الصيف بردا من محبته
و قيل لآخر و عليه خرقتان في يوم برد شديد : لو استترت في موضع يكنك من البرد فأنشد :

( و محسن ظني أنني في فنائه … و هل أحد في كنه يجد البردا )

و أما من يجد البرد و هم عامة الخلق فإنه يشرع لهم دفع أذاه بما يدفعه لباس و غيره
و قد امتن الله على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام و أوبارها و أشعارها ما فيه دفء لهم
قال الله تعالى : { و الأنعام خلقها لكم فيها دفء و منافع و منها تأكلون } و قال الله تعالى : { و من أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثا و متاعا إلى حين }
و روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم و كتب لهم بالوصية إن الشتاء قد حضر و هو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف و الخفاف و الجوارب و اتخذوا الصوف شعارا و دثارا فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه ، و إنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه فكان يخشى على من بها من الصحابة و غيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام و ذلك من تمام نصيحته و حسن نظره و شفقته و حياطته لرعيته رضي الله عنه
و روي عن كعب قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن تأهب لعدو قد أظلك قال : يا رب من عدوي و ليس بحضرتي عدو ؟ قال : بلى الشتاء
و ليس المأمور به أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية فإن ذلك يضر أيضا و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد بالكلية حتى لا يحس بهما بدنه فتلف باطنه و تعجل موته فإن الله بحكمته جعل الحر و البرد في الدنيا لمصالح عباده فالحر لتحلل الأخلاط و البرد لجمودها فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر و البرد تعجل فسادها و لكن المأمور به اتقاء ما يؤذي البدن من الحر المؤذي و البرد المؤذي المعدودان من جملة أعداء ابن آدم .

قيل لأبي حازم الزاهد : إنك لتشدد يعني في العبادة ؟ فقال : و كيف لا أشدد و قد ترصد لي أربعة عشر عدوا قيل له : لك خاصة ؟ قال بل لجميع من يعقل قيل له : و ما هذه الأعداء قال : أما أربعة : فمؤمن يحسدني و منافق يبغضني و كافر يقاتلني و شيطان يغويني و يضلني و أما العشرة : فالجوع و العطش و الحر والبرد و العري و المرض و الفاقة و الهرم و الموت و النار و لا أطيقهن إلا بسلاح تام و لا أجد لهن سلاحا أفضل من التقوى فعد الحر و لبرد من جملة أعدائه ، و قال الأصمعي : كانت العرب تسمي الشتاء : الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم القيظ أم القر ؟ قالت : سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا و القيظ أذى قال بعض السلف : إن الله وصف الجنة بصفة الصيف لا بصفة الشتاء فقال : { في سدر مخضود * و طلح منضود * و ظل ممدود * و ماء مسكوب * و فاكهة كثيرة } و قد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة : { متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا } فنفى عنهم شدة الحر و البرد قال قتادة : علم الله أن شدة الحر تؤذي و شدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا قال أبو عمرو بن العلاء : إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض و ذهاب الحقوق و زيادة الكلفة على الفقراء و قد روي في حديث مرفوع : [ إن الملائكة تفرح بذهاب الشتاء ] لما يدخل فيه على فقراء المؤمنين من الشدة و لكن لا يصح إسناده و روي أيضا مرفوعا : [ خير صيفكم أشده حرا و خير شتائكم أشده بردا و إن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم ] و إسناده أيضا باطل و قال بعض السلف : البرد عدو الدين يشير إلى أنه يفتر عن كثير من الأعمال و يثبط عنها فتكسل النفوس بذلك .
و قال بعضهم : خلقت القلوب من طين فهي تلين في الشتاء كما يلين الطين فيه
قال الحسن : الشتاء ذكر فيه اللقاح و الصيف انثى فيه النتاج ، يشير إلى أن الصيف تنتج فيه المواشي و الشجر و الصيف عند العرب هو الربيع و أما الذي تسميه الناس : الصيف فالعرب يسمونه القيظ ففي الشتاء تفور الحرارة إلى باطن الشجر فتنعقد مواد الثمر فتظهر في الربيع مباديها فتزهر الشجر ثم تورق ثم إذا ظهرت الثمار قوي حر الشمس لإنضاجها الإيثار في الشتاء للفقراء بما يدفع عنهم البرد له فضل عظيم .

خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد فرأى رجلا عاريا فنزع ثوبه و كساه إياه فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان بن سليم دخل الجنة بقميص كساه فقدم المدينة فقال : دلوني على صفوان فأتاه فقص عليه ما رأى رأى مسعر أعرابيا يتشرق في الشمس و هو يقول :

( جاء الشتاء و ليس عندي درهم … و لقد يخص بمثل ذاك المسلم )
( قد قطع الناس الجباب و غيرها … و كأنني بفناء مكة محرم )

فنزع مسعر جبته فألبسه إياها رفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام و هم عراة جياع فأمر رجلا أن يمضي إليهم و حمل معه ما يصلحهم من كسوة و طعام ثم نزع ثيابه و حلف : لا لبستها و لا دفئت حتى تعود و تخبرني أنك كسوتهم و أشبعتهم فمضى و عاد فأخبره : أنهم اكتسوا و شبعوا و هو يرعد من البرد فلبس حينئذ ثيابه خرج الترمذي [ من حديث أبي سعيد مرفوعا : من أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة و من سقاه على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم و من كساه على عري كساه الله من خضر الجنة ] و روى ابن أبي الدنيا بإسناده [ عن ابن مسعود قال : يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط و أجوع ما كانوا قط و أظمأ ما كانوا قط فمن كسا لله عز و جل كساه الله و من أطعم لله أطعمه الله و من سقا لله سقاه الله و من عفا لله أعفاه الله ]
الونشريس

و من فضائل الشتاء : أنه يذكر بزمهرير جهنم و يوجب الإستعاذةمنها :
و في [ حديث أبي هريرة و أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد : لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم : اللهم أجرني من زمهرير جهنم قال الله تعالى لجهنم : إن عبدا من عبادي استجار بي من زمهريرك و إني أشهدك أني قد أجرته ، قالوا ما زمهرير جهنم ، قال : بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة البرد ] قام زبيد اليامي ذات ليلة للتهجد فعمد إلى مطهرة له كان يتوضأ منها فغمس يده في المطهرة فوجد الماء باردا شديدا كاد أن يجمد من شدة برده ، فذكر الزمهرير و يده في المطهرة فلم يخرجها حتى أصبح فجاءته جاريته و هو على تلك الحال فقالت : ما شأنك يا سيدي لم لا تصلي الليلة كما كنت تصلي و أنت قاعد هنا على هذه الحالة ؟ فقال : ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء فذكرت به الزمهرير فوالله ما شعرت بشدة برده حتى وقفت علي فانطوي لا تحدثي بهذا أحدا ما دمت حيا فما علم بذلك أحد حتى مات رحمه الله ، في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن لجهنم نفسين في الشتاء و نفسا في الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها و أشد ما تجدون من الحر من سمومها ] و روي عن ابن عباس قال : يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر
و عن مجاهد قال : يهربون إلى الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض
و عن كعب قال : إن في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم . و عن عبد الملك بن عمير قال بلغني : أن أهل النار سألوا خازنها أن يخرجهم إلى جانبها فأخرجوا فقتلهم البرد و الزمهرير حتى رجعوا إليها فدخلوها مما وجدوه من البرد و قد قال الله عز و جل : { لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا * إلا حميما و غساقا * جزاء وفاقا }
و قال الله تعالى : { هذا فليذوقوه حميم و غساق } قال ابن عباس : الغساق : الزمهرير البارد الذي يحرق من برده و قال مجاهد : هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده و قيل : إن الغساق : البارد المنتن أجارنا الله تعالى من جهنم بفضله و كرمه

فيا من تتلى عليه أوصاف جهنم و يشاهد تنفسها كل عام حتى يحس به و يتألم و هو مصر على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم ستعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم ألك صبر على سعيرها و زمهريرها ؟

قل و تكلم ما كان صلاحك يرجى و الله أعلم.

( كم يكون الشتاء ثم المصيف … و ربيع يمضي و يأتي الخريف )
( و ارتحال من الحرور إلى البرد … و سيف الردى عليك منيف )
( يا قليل المقام في هذه الدنيا … إلى كم يغرك التسويف )
( يا طالب الزائل حتى متى … قلبك بالزائل مشغوف )
( عجبا لامرىء يذل لذي الدنـ … يا و يكفيه كل يوم رغيف )

الونشريس

نقلا من كتاب ( لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف)
لابن رجب الحنبلي رحمه الله ورضي عنه .

قال عنه مؤلفه : – رحمه الله -: «وقد استخرت الله تعالى في أن أجمع في هذا الكتاب وظائف شهور العام وما يختص بالشهور ومواسمها من الطاعات؛ كالصلاة والصيام والذكر والشكر وبذل الطعام وإفشاء السلام، وغير ذلك من خصال البررة الكرام؛ ليكون ذلك عونًا لنفسي ولإخواني على التزود للمعاد، والتأهب للموت قبل قدومه والاستعداد».




رد: فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]

بارك الله فيك وكثر من امثالك وجازاك الجنة شكرا علي التدكير فدكر فان الدكر تنفع المؤمنين نريد امزيد من هده المواضيع النيرة وفقك الله وسدد خطاك




رد: فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]

قرات جزء منه و حقا انه موضوع رائع شكرا اخي على التذكير
لي عودة للمتابعة
جزاك الله الجنة اخي الفاضل




التصنيفات
معلومات و فوائد

فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]

فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]


الونشريس

خرج الإمام أحمد [ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الشتاء ربيع المؤمن ]
و خرجه البيهقي و غيره و زاد فيه : [ طال ليله فقامه و قصر نهاره فصامه ]

إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات و يسرح في ميادين العبادات و ينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن و تصلح أجسادها فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة و لا كلفة تحصل له من جوع و لا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام ،
و في المسند و الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة ] و كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : أدلكم على الغنيمة الباردة ؟ قالوا : بلى فيقول : الصيام في الشتاء

و معنى كونها غنيمة باردة أنها غنيمة حصلت بغير قتال و لا تعب و لا مشقة فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة و أما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن و قد أخذت نفسه حظها من النوم فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن فيكمل له مصلحة دينه و راحة بدنه و من كلام يحيى بن معاذ الليل طويل فلا تقصره بمنامك و الإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك بخلاف ليل الصيف فإنه لقصره و حره يغلب النوم فيه فلا تكاد تأخذ النفس حظها بدون نومه كله فيحتاج القيام فيه إلى مجاهدة و قد لا يتمكن فيه لقصره من الفراغ من ورده من القرآن

و يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة و يطول فيه الليل للقيام و يقصر فيه النهار للصيام و روي عنه مرفوعا و لا يصح رفعه و عن الحسن قال : نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه و نهاره قصير يصومه ،
و عن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال : يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرأوا و قصر النهار لصيامكم فصوموا قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف

و لهذا بكى معاذ عند موته و قال : إنما أبكي على ظمأ الهواجر و قيام ليل الشتاء و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر

و قال معضد : لولا ثلاث ظمأ الهواجر و قيام ليل الشتاء و لذاذة التهجد بكتاب الله ما بليت أن أكون يعسوبا

القيام في ليل الشتاء يشق على النفوس من وجهين : أحدهما من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد قال داود بن رشيد : قام بعض إخواني إلى ورده بالليل في ليلة شديدة البرد فكان عليه خلقان فضربه البرد فبكى فهتف به هاتف أقمناك و أنمناهم و تبكي علينا خرجه أبو نعيم و الثاني : بما يحصل بإسباغ الوضوء في شدة البرد من التألم .

و إسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال :

و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على الكاره و كثرة الخطا إلى المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط ] و في [ حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى ربه عز و جل يعني في المنام فقال له : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قال : في الدرجات و الكفارات ؟ قال : و الكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات و نقل الأقدام إلى الجمعات ]
و في رواية : [ الجماعات و انتظار الصلاة بعد الصلاة من فعل ذلك عاش بخير و مات بخير و كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ]
و الدرجات : [ إطعام الطعام و إفشاء السلام و الصلاة بالليل و الناس نيام ] و ذكر الحديث خرجه الإمام أحمد و الترمذي
و في بعض الروايات : [ إسباغ الوضوء في السبرات ] و السبرة : شدة البرد

إسباغ الوضوء في شدة البرد من أعلى خصال الإيمان :
روى ابن سعد بإسناده : أن عمر رضي الله عنه وصى ابنه عند موته فقال له : يا بني عليك بخصال الإيمان قال : و ما هي ؟ قال : الصوم في شدة الحر أيام الصيف و قتل الأعداء بالسيف و الصبر على المصيبة و إسباغ الوضوء في اليوم الشاتي و تعجيل الصلاة في يوم الغيم و ترك ردغة الخبال فقال : ما ردغة الخبال ؟ قال : شرب الخمر
و روى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال : ست من كن فيه فقد استكمل الإيمان : قتال أعداء الله بالسيف ، و الصيام في الصيف ، و إسباغ الوضوء في اليوم الشاتي ، و التبكير بالصلاة في يوم الغيم ، و ترك الجدال و المراء و أنت تعلم أنك صادق ، و الصبر على المصيبة ) و قد روي هذا مرفوعا خرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة له بإسناد فيه ضعف .[ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ست من كن فيه بلغ حقيقة الإيمان : ضرب أعداء الله بالسيف و ابتدار الصلاة في اليوم الدجن و إسباغ الوضوء عند المكاره و صيام الحر و صبر عند المصائب و ترك المراء و أنت صادق ]
و في كتاب الزهد للإمام أحمد عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : ( قال موسى عليه السلام : يا رب من هم أهلك الذين هم أهلك تظلهم في ظل عرشك ؟ قال : هم البرية أيديهم الطاهرة قلوبهم الذين يتحابون لجلالي الذين إذا ذكرت ذكروني و إذا ذكرت ذكرت بذكرهم الذين يسبغون الوضوء في المكاره و ينيبون إلى ذكرى كما تنيب النسور إلى أوكارها و يكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس و يغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب) و قد روي عن داود بن رشيد قال : قام رجل ليلة باردة ليتوضأ للصلاة فأصاب الماء باردا فبكى فنودي : أما ترضى أنا أنمناهم و أقمناك حتى تبكي علينا خرجه ابن السمعاني

معالجة الوضوء في جوف الليل للتهجد موجب لرضا الرب و مباهات الملائكة ففي شدة البرد يتأكد ذلك :
ففي المسند و صحيح ابن حبان [ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل فيعالج نفسه إلى الطهور و عليه عقد فيتوضأ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة و إذا وضأ وجهه انحلت عقدة و إذا مسح رأسه انحلت عقدة و إذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب عز و جل للذين وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي هذا فهو له ] و في حديث عطية [ عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله يضحك إلى ثلاثة نفر : رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهور ثم صلى ، و رجل نام و هو ساجد، و رجل في كتيبة منهزمة على فرس جواد لو شاء أن يذهب لذهب ] قال أبو سليمان الداراني : كنت ليلة باردة في المحراب فأقلتني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد و بقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني فهتف بي هاتف : يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها و لو كانت الأخرى لوضعنا فيها قال : فآليت أن لا أعود إلا و يداي خارجتان حرا كان أو بردا
قال مالك رحمه الله : كان صفوان بن سليم يصلي يعني بالليل في الشتاء في السطح و في الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر و البرد حتى يصبح ثم يقول : هذا الجهد من صفوان و أنت أعلم و إنه لترم رجلاه حتى يعود مثل السقط من قيام الليل ثم يظهر فيها عروق خضر و كان صفوان و غيره من العباد يصلون في الشتاء بالليل في ثوب واحد ليمنعهم البرد من النوم ، و منهم من كان إذا نعس ألقى نفسه في الماء و يقول : هذا أهون من صديد جهنم
كان عطاء الخرساني ينادي أصحابه بالليل يا فلان و يا فلان و يا فلان قوموا فتوضئوا و صلوا فقيام هذا الليل و صيام هذا النهار أهون من شرب الصديد و مقطعات الحديد غدا في النار الوحا الوحا النجا النجا ، كان قوم من العباد يبيتون في مسجد و كانوا يتهجدون في الليل فاستيقظ واحد منهم ليلة فوجد إخوانه نياما فسمع هاتفا يهتف من جانب المسجد :

( أيا عجبا للناس من قرت عيونهم … مطاعم غمض بعدها الموت منتصب )
( و طول قيام الليل أيسر مؤنة … و أهون من نار تفور و تلتهب )

وفي الحديث الصحيح [ أن ابن عمر رأى في منامه كأن آتيا فانطلق به إلى النار حتى رآها و رأى فيها رجالا يعرفهم معلقين بالسلاسل فأتاه ملك فقال له : لن تراع لست من أهلها فقص ذلك على أخته حفصة فقصته حفصة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ] فكان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلا ، قال الحسن : أفضل العبادة الصلاة في جوف الليل و قال : هو أقرب ما يتقرب به إلى الله عز و جل و قال : ما وجدت في العبادة أشد منها ، و رؤي سلمة بن كهيل في المنام فقال : وجدت أفضل الأعمال قيام الليل ما عندهم أشرف منه و رأى بعض السلف خياما ضربت فسأل لمن هي فقيل للمتهجدين بالقرآن فكان بعد ذلك لا ينام

( فما لي بعيد الدار لم أقرب الحمى … و قد نصبت مسافرين خيام )
( علامة طردي طول ليلي نائم … و غيري يرى أن المنام حرام )

و من الصالحين من كان يلطف به في الحر و البرد كما دعا النبي صلى الله عليه و سلم لعلي :
[ أن يذهب الله عنه الحر و البرد ] فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف و في الصيف ثياب الشتاء و لا يجد حرا و لا بردا كان بعض التابعين يشتد عليه الطهور في الشتاء فدعا الله عز و جل فكان يؤتى بالماء في الشتاء و له بخار من حره رأى أبو سليمان في طريق الحج في شدة البرد شيخا عليه خلقان و هو يرشح عرقا فعجب منه و سأله عن حاله فقال : إنما الحر و البرد خلقان لله عز و جل فإن أمرهما أن يغشياني أصاباني و إن أمرهما أن يتركاني تركاني و قال : أنا في هذه البرية من ثلاثين سنة يلبسني في البرد فيحا من محبته و يلبسني في الصيف بردا من محبته
و قيل لآخر و عليه خرقتان في يوم برد شديد : لو استترت في موضع يكنك من البرد فأنشد :

( و محسن ظني أنني في فنائه … و هل أحد في كنه يجد البردا )

و أما من يجد البرد و هم عامة الخلق فإنه يشرع لهم دفع أذاه بما يدفعه لباس و غيره
و قد امتن الله على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام و أوبارها و أشعارها ما فيه دفء لهم
قال الله تعالى : { و الأنعام خلقها لكم فيها دفء و منافع و منها تأكلون } و قال الله تعالى : { و من أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثا و متاعا إلى حين }
و روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم و كتب لهم بالوصية إن الشتاء قد حضر و هو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف و الخفاف و الجوارب و اتخذوا الصوف شعارا و دثارا فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه ، و إنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه فكان يخشى على من بها من الصحابة و غيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام و ذلك من تمام نصيحته و حسن نظره و شفقته و حياطته لرعيته رضي الله عنه
و روي عن كعب قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن تأهب لعدو قد أظلك قال : يا رب من عدوي و ليس بحضرتي عدو ؟ قال : بلى الشتاء
و ليس المأمور به أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية فإن ذلك يضر أيضا و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد بالكلية حتى لا يحس بهما بدنه فتلف باطنه و تعجل موته فإن الله بحكمته جعل الحر و البرد في الدنيا لمصالح عباده فالحر لتحلل الأخلاط و البرد لجمودها فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر و البرد تعجل فسادها و لكن المأمور به اتقاء ما يؤذي البدن من الحر المؤذي و البرد المؤذي المعدودان من جملة أعداء ابن آدم .

قيل لأبي حازم الزاهد : إنك لتشدد يعني في العبادة ؟ فقال : و كيف لا أشدد و قد ترصد لي أربعة عشر عدوا قيل له : لك خاصة ؟ قال بل لجميع من يعقل قيل له : و ما هذه الأعداء قال : أما أربعة : فمؤمن يحسدني و منافق يبغضني و كافر يقاتلني و شيطان يغويني و يضلني و أما العشرة : فالجوع و العطش و الحر والبرد و العري و المرض و الفاقة و الهرم و الموت و النار و لا أطيقهن إلا بسلاح تام و لا أجد لهن سلاحا أفضل من التقوى فعد الحر و لبرد من جملة أعدائه ، و قال الأصمعي : كانت العرب تسمي الشتاء : الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم القيظ أم القر ؟ قالت : سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا و القيظ أذى قال بعض السلف : إن الله وصف الجنة بصفة الصيف لا بصفة الشتاء فقال : { في سدر مخضود * و طلح منضود * و ظل ممدود * و ماء مسكوب * و فاكهة كثيرة } و قد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة : { متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا } فنفى عنهم شدة الحر و البرد قال قتادة : علم الله أن شدة الحر تؤذي و شدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا قال أبو عمرو بن العلاء : إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض و ذهاب الحقوق و زيادة الكلفة على الفقراء و قد روي في حديث مرفوع : [ إن الملائكة تفرح بذهاب الشتاء ] لما يدخل فيه على فقراء المؤمنين من الشدة و لكن لا يصح إسناده و روي أيضا مرفوعا : [ خير صيفكم أشده حرا و خير شتائكم أشده بردا و إن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم ] و إسناده أيضا باطل و قال بعض السلف : البرد عدو الدين يشير إلى أنه يفتر عن كثير من الأعمال و يثبط عنها فتكسل النفوس بذلك .
و قال بعضهم : خلقت القلوب من طين فهي تلين في الشتاء كما يلين الطين فيه
قال الحسن : الشتاء ذكر فيه اللقاح و الصيف انثى فيه النتاج ، يشير إلى أن الصيف تنتج فيه المواشي و الشجر و الصيف عند العرب هو الربيع و أما الذي تسميه الناس : الصيف فالعرب يسمونه القيظ ففي الشتاء تفور الحرارة إلى باطن الشجر فتنعقد مواد الثمر فتظهر في الربيع مباديها فتزهر الشجر ثم تورق ثم إذا ظهرت الثمار قوي حر الشمس لإنضاجها الإيثار في الشتاء للفقراء بما يدفع عنهم البرد له فضل عظيم .

خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد فرأى رجلا عاريا فنزع ثوبه و كساه إياه فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان بن سليم دخل الجنة بقميص كساه فقدم المدينة فقال : دلوني على صفوان فأتاه فقص عليه ما رأى رأى مسعر أعرابيا يتشرق في الشمس و هو يقول :

( جاء الشتاء و ليس عندي درهم … و لقد يخص بمثل ذاك المسلم )
( قد قطع الناس الجباب و غيرها … و كأنني بفناء مكة محرم )

فنزع مسعر جبته فألبسه إياها رفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام و هم عراة جياع فأمر رجلا أن يمضي إليهم و حمل معه ما يصلحهم من كسوة و طعام ثم نزع ثيابه و حلف : لا لبستها و لا دفئت حتى تعود و تخبرني أنك كسوتهم و أشبعتهم فمضى و عاد فأخبره : أنهم اكتسوا و شبعوا و هو يرعد من البرد فلبس حينئذ ثيابه خرج الترمذي [ من حديث أبي سعيد مرفوعا : من أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة و من سقاه على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم و من كساه على عري كساه الله من خضر الجنة ] و روى ابن أبي الدنيا بإسناده [ عن ابن مسعود قال : يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط و أجوع ما كانوا قط و أظمأ ما كانوا قط فمن كسا لله عز و جل كساه الله و من أطعم لله أطعمه الله و من سقا لله سقاه الله و من عفا لله أعفاه الله ]

و من فضائل الشتاء : أنه يذكر بزمهرير جهنم و يوجب الإستعاذةمنها :
و في [ حديث أبي هريرة و أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد : لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم : اللهم أجرني من زمهرير جهنم قال الله تعالى لجهنم : إن عبدا من عبادي استجار بي من زمهريرك و إني أشهدك أني قد أجرته ، قالوا ما زمهرير جهنم ، قال : بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة البرد ] قام زبيد اليامي ذات ليلة للتهجد فعمد إلى مطهرة له كان يتوضأ منها فغمس يده في المطهرة فوجد الماء باردا شديدا كاد أن يجمد من شدة برده ، فذكر الزمهرير و يده في المطهرة فلم يخرجها حتى أصبح فجاءته جاريته و هو على تلك الحال فقالت : ما شأنك يا سيدي لم لا تصلي الليلة كما كنت تصلي و أنت قاعد هنا على هذه الحالة ؟ فقال : ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء فذكرت به الزمهرير فوالله ما شعرت بشدة برده حتى وقفت علي فانطوي لا تحدثي بهذا أحدا ما دمت حيا فما علم بذلك أحد حتى مات رحمه الله ، في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن لجهنم نفسين في الشتاء و نفسا في الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها و أشد ما تجدون من الحر من سمومها ] و روي عن ابن عباس قال : يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر
و عن مجاهد قال : يهربون إلى الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض
و عن كعب قال : إن في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم . و عن عبد الملك بن عمير قال بلغني : أن أهل النار سألوا خازنها أن يخرجهم إلى جانبها فأخرجوا فقتلهم البرد و الزمهرير حتى رجعوا إليها فدخلوها مما وجدوه من البرد و قد قال الله عز و جل : { لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا * إلا حميما و غساقا * جزاء وفاقا }
و قال الله تعالى : { هذا فليذوقوه حميم و غساق } قال ابن عباس : الغساق : الزمهرير البارد الذي يحرق من برده و قال مجاهد : هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده و قيل : إن الغساق : البارد المنتن أجارنا الله تعالى من جهنم بفضله و كرمه

فيا من تتلى عليه أوصاف جهنم و يشاهد تنفسها كل عام حتى يحس به و يتألم و هو مصر على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم ستعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم ألك صبر على سعيرها و زمهريرها ؟

قل و تكلم ما كان صلاحك يرجى و الله أعلم.

( كم يكون الشتاء ثم المصيف … و ربيع يمضي و يأتي الخريف )
( و ارتحال من الحرور إلى البرد … و سيف الردى عليك منيف )
( يا قليل المقام في هذه الدنيا … إلى كم يغرك التسويف )
( يا طالب الزائل حتى متى … قلبك بالزائل مشغوف )
( عجبا لامرىء يذل لذي الدنـ … يا و يكفيه كل يوم رغيف )

نقلا من كتاب ( لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف)
لابن رجب الحنبلي رحمه الله ورضي عنه .

قال عنه مؤلفه : – رحمه الله -: «وقد استخرت الله تعالى في أن أجمع في هذا الكتاب وظائف شهور العام وما يختص بالشهور ومواسمها من الطاعات؛ كالصلاة والصيام والذكر والشكر وبذل الطعام وإفشاء السلام، وغير ذلك من خصال البررة الكرام؛ ليكون ذلك عونًا لنفسي ولإخواني على التزود للمعاد، والتأهب للموت قبل قدومه والاستعداد».




رد: فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]

معلومات في القمة افدتنا افادك الله بما تحب كثر الله من امثالك




رد: فضائل فصل الشتاء [ ربيع المُؤمِن ]

شكرا جزيلا لك العفو جزاك الله خيرا