التصنيفات
العقيدة الإسلامية و الإيمان

الكعبة والمنجنيق

الكعبة والمنجنيق


الونشريس

عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين صدَّه الله عن البيت مع كثرة عدد جنده فما كان منه إلا أن نطق بالإسلام وطاف بالبيت وكساه الديباج والحرير فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت حتى أن الحجاج عندما حاصر ابن الزبير وأمر جنوده أن يقفوا على جبل أبي قبيس في مواجهة الكعبة ويضربوه بالمنجنيق [وهي آلة كالمدفع إلا إنها تقذف قذائف مصنوعة من القماش وفي وسطها البارود وإذا نزلت تعمل حرائق كبيرة] فأطلق المنجنيق على البيت واشتعلت النيران وإذا بسحابة تأتي من جهة جدة على قدر البيت فتقف قبالة البيت وتنزل الماء فتطفئ النار التي اشتعلت في كسوة البيت ثم تأتي صاعقة فتخطف الثلاثين رجلاً الذين قذفوا هذا البيت وتنهي حياتهم في لمحة

ولكنه من شدة جبروته جاء بآخرين وقال لهم: لا يهولنكم الأمر أي لا تخافون فإنها أرض صواعق فجاءت سحابة أخرى فاختطفتهم أجمعين فرجع عن كيده للبيت بعد أن يئس منه لأنه علم أن الله يحفظه بحفظه ويكلؤه بكلاءته{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله والصالحين الذين كانوا حوله ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت قال {مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} هو في ذاته مبارك وهو في ذاته هدى للعالمين لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان فلو ذهب إليه تائب يتوب الله عليه ولو أتاه سائل يجيب الله له كل المسائل ولو ذهب إليه راج يحقق الله له كل رجاءه ولو ذهب إليه عابد يرجع بعبادة لا عد لها ولا حصر لها

يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحه فيما سواه والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه حتى قال العلماء: لو صلى رجل صلاة واحدة جماعة في بيت الله الحرام كانت أفضل في الأجر والثواب له من أنه لو عاش عمر نوح في بلده يعبد الله قيل له: وكيف ذلك؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وصلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة فحاصل ضرب المائة ألف في سبعة وعشرين يكون رقم كبير وعمل كثير لا يستطيع الإنسان أن يقضيه هنا ولو أعطاه الله عمر نوح هذا البيت يقول فيه النبي{يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ}[1]قال النبي{مَنْ أَتَى***1648; هَـ***1648;ذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[2]

علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين من أول آدم إلى يوم الدين ويشهد لهم عند رب العالمين يعرفهم بأسمائهم ويصورهم ويردد الكلمات التي قالوها في مواجهته شهادة لهم عند ربهم وهو حجر لكنه مملوء بنور النور الأكبر هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم عن أَبي سعيدٍ الْخدري قَالَ: {حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ عَليُّ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: وَأَيْنَ ذ***1648;لِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذ***1648;لِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذ***1648;لِكَ الرَّقَّ فَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ}[3] فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين ودهر الداهرين فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربه من حر مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة. فما بالكم بالميزاب؟وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين كل من يدعو يؤمنون عليه ومن وافق دعائه دعاء الملائكة استجاب الله له فما بالكم بمقام إبراهيم؟ وما بالكم بزمزم؟ وما بالكم بكذا وكذا آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور حتى نعرف منها بعض الحكم التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت
[1] رواه الحاكم في الكنز وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس.
[2] رواه الدار قطني في سننه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحة عن أبي هريرة.
[3] الهندي فِي فَضَائلِ مَكَّةَ، أَبُو الْحسن الْقَطَّان فِي المطوالاتِ، والحاكم في مستدركه، جامع المسانيد والمراسيل

منقول من كتاب [الخطب الإلهامية فى الحج وعيد الأضحى]

الونشريس