بسم الله الرحمن الرحيم
الدعاء المستجاب .. وأوقات الإجابة
أوقات الإجابة
وإذا إجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب
وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي
الثلث الأخير من الليل
وعند الأذان
وبين الأذان والإقامة
وإدبار الصلوات المكتوبات
وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة
وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم
وصادف خشوعا في القلب وإنكسارا بين يدي الرب وذلاً له وتضرعا ورقة
وإستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى
وبدأ بحمد الله والثناء عليه
ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والإستغفار
ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة
وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده
وقدم بين يدي دعائه صدقة
فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم
فمنها …..
–حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : ( اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد فقال : لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطي ، وإذا دعى به أجاب وفي لفظ لقد سألت الله باسمه الأعظم ) (1)
— حديث أنس بن مالك ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلى ، ثم دعا فقال : اللهم إني أسالك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حى يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم ، الذي إذا دعى به أجاب ، وإذا سئل به أعطى ) (2)
— وفى جامع الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) البقرة 163 وفاتحة آل عمران( آلم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) (3)
— وفى مسند الإمام أحمد وصحيح الحاكم من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام ) (4) يعنى تعلقوا وإلزموها وداوموا عليها ،
— وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه الى السماء وإذا اجتهد في الدعاء قال ( يا حى يا قيوم ) (5)
— وفيه أيضا من حديث أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال (يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث) (6)
— وفى صحيح الحاكم من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن البقرة وآل عمران وطه) قال القاسم فالتمستها فاذا هي آية ( الحي القيوم) (7)
— وفي جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إنه لم يدع بها مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له ) (8)
— وفى صحيح الحاكم أيضا من حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم فدعا به يفرج الله عنه دعاء ذي النون ) (9)
— وفي الصحيحين من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب ( لا إله الا الله العظيم الحليم لا إله الا الله رب العرش العظيم لا إله الا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم )
— وفى مسند الإمام أحمد من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه قال (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بى كرب أن أقول : لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين )
— وفي مسنده أيضا من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها قال بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ) (10)
وقال ابن مسعود ( ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح )
ظروف الدعاء
وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم
فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله ، أو حسنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فأجيبت دعوته
فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي استعماله على الوجه الذي ينبغي ، فانتفع به فظن غيره أن استعمال هذا الدواء مجردا كاف في حصول المطلوب كان غالطاً
وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس ومن هذا أنه قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله
فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله كان أفضل وأحب الى الله 0
شروط الدعاء المستجاب
والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه ، لا بحده فقط 0 فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به ، والساعد ساعد قوي ، والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح ، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثم مانع من الإجابة ، لم يحصل الأثر
أن هذا المقدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتي العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور
وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطيء وقدر حصول الزرع بالبذر وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال وهذا القسم هو الحق وهذا الذي حرمه السائل ولم يوفق له وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب
فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الآكل والشرب وجميع الحركات والأعمال
وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم
وكان عمر رضى الله عنه يستنصر به على عدوه وكان أعظم جنده وكان يقول للصحابة لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء وكان يقول : ( إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء فإذا ألهمتم الدعاء فان الإجابة معه )
وأخذ هذا الشاعر فنظمه فقال
لو لم ترد نيل ما أرجوه وأطلبه … من جود كفيك ما علمتنى الطلبا
فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة، فان الله سبحانه يقول : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ***1754; ) غافر 60 وقال وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ***1750; أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ( البقرة 186
وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان
وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا
وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها
كما في صحيح الحاكم من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة) (14)
واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه فهذا دواؤنا نافع مزيل للداء
ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته
وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال "" يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ***1750; إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ "" المؤمنون 51 وقال : "" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ "" البقرة 172 ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده الى السماء : يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك )
والدعاء من أنفع الأدوية
وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ، ويمنع نزوله ، ويرفعه أو يخففه إذا نزل ،
وهو سلاح المؤمن
وله مع البلاء ثلاث مقامات
أحدها أم يكون أقوي من البلاء فيدفعه
الثاني أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا
الثالث أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه
ومن أنفع الأدوية الإلحاح فى الدعاء وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يسأل الله يغضب عليه ) (11)
آفات الدعاء
ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة ، فيستحسر ويدع الدعاء 0
وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله
وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ) (12)
وفي صحيح مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لى فيستحسر عند ذاك ويدع الدعاء ) (13)
وفي مسند أحمد من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا يا رسول الله كيف يستعجل ؟ قال : يقول قد دعوت لربي فلم يستجب لي)
****************************
1- أخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة باب الدعاء ( 2/80) برقم ( 1493-1494 ) ، وأحمد (5/349-360) ، والترمذى فى كتاب الدعوات باب ما جاء فى جامع الدعوات من رسول الله صلى الله عليه وسلم (3486) ، وأخرجه ابن ماجه فى الأدب ( 3857) والحديث صحيح 0
2- أخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة باب الدعاء (2/1495) ، وأحمد (3/120-245) ، وابن ماجه (2382موارد) ، والنسائى (3/52) وابن ماجه(2/3858) والحديث صحيح 0
3- أخرجه أبو داود فى الصلاة (1496) باب الدعاء ، وابن ماجه فى الأدب (2855) باب اسم الله الأعظم ، والترمذى فى كتاب الدعوات (3489) وأحمد (6/461) والحديث صحيح وراجع صحيح الجامع الصغير(980) والسلسلة الصحيحة (746) 0
4- أخرجه الترمذى كتاب الدعوات باب(91) ح(3535) ، وأخرجه الترمذى كتاب الدعوات باب الإستغفار عند اللقاء (617) ، وأحمد(4/177) والحديث صحيح
5- أخرجه الترمذى كتاب الدعوات باب ما يقول عند الكرب (3447) وقال هذا حديث حسن غريب 0
6- أخرجه الترمذى كتاب الدعوات (3535)وقال هذا حديث غريب ، والنسائى فى عمل اليوم والليلة باب الإستغفار عند اللقاء (617) ، والحديث حسن 0
7- أخرجه ابن ماجه(2/3859) وحسنه الألبانى فى الجزء الثانى من السلسلة الصحيحة(746)
8- أخرجه الترمذى كتاب الدعوات (3516) ، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (661) ، وأحمد (1/1462) والحديث صحيح ، صححه الألبانى فى صحيح الجامع الصغير (3383)
9- عند أحمد (1/170) والحديث صحيح ، وراجع الصحيحة للألبانى (1744)
10- أخرجه أحمد فى مسنده (1/391) ، وصححه الألبانى راجع السلسلة الصحيحة ح(199)
11- أخرجه الترمذى فى كتاب الدعوات (3384) وأحمد(2/242-243) وابن ماجه فى الدعاء(3827) والحديث حسن 0
12- متفق عليه أخرجه البخارى كتاب الدعوات(6340) ومسلم فى الذكر والدعاء (6869)
13- أخرجه مسلم فى صحيحه (6871) وتفرد به 0
14-رواه الترمذى كتاب الدعوات (3490) والحديث حسن 0 حسنه الألبانى الصحيحة( 2/564)
الداء والدواء
الجواب الكافى لمن سأل عن الدواء الشافى
ابن قيم الجوزية