طرح الاشكال: كل شخص يعبر عن نفسه بلفظ انا وهذا التعريف يحمل وعيا بعالمها الداخلي اي شعور هذه الذات بما تعمله من رغبات و ميول الى الظهور في شكل سلوك يسمى سلوك حر و ان الفرد يغيش داخل مجتكع منظم بالعرف و العادات و التقاليد بحيث يعتبر الفرد مسؤولا داخلجماعته.اذ تعرف الحرية بانها قضية ميتافيزيقية لانها مجرد شعور للفرد برغباة الذاتية و بقدرته على الاختيار في عدّة ممكنات و بقدرته على الاستقلالية في قراراته و سلوكاته في حين تعرف المسؤولية بانها الحاق الاقتضاء بصاحبه من حيث هو فاعله اي الحاق تبعية و ما ينتج عن السلوك الحر بصاحبه من حيث هو القائم بــه. اذ نلاحظ من خلال التعريفين انه هناك تعارض بينهما مما دفع بالمدارس الفلسفية وعلماء الاجرام و علماء النفس على اعتبار المسؤولية منافية للحرية الفردية بينما ترى المدرسة العقلية و الوجودية ان المسؤولية تشترط الحرية و الحرية تشترط المسؤولية فهما يتوحدان معا في سلوك الانسان. فاذاكانت المسؤولية تاخذ طابع الالزام و الالتزام و الحرية تتحرر من الالزام فهلا هذا يسمح لنا باعتبار المسؤولية تتنافى والحرية ؟ ام ان هذا التعارض بينهما غير حقيقي لايحدث تنافر بينهما و بالتالي لا يمنع توحدهما ؟
محاولة حل الأشكال:عرض الاطروحة (المسؤولية تتنافى والحرية و تتعارض معها)
يمثل الاطروحة المدرسة الاختماعية لدوركهايم و فيري و المدرسة النفسية لـ فرويده حيث ترى ان المسؤولية تتنافى و الحرية و تعيقها معتمدت على مسلماتها :
– الانسان ابن بيئته و هو خاضع لحتمية اجتماعية تفرض عليه تحمل المسؤولية
– يتعرض الطفل الى عملية كبت لرغباته الداخلية ويصéبح سلوكه نسخة عن المجنمع
ضبط الحجة: 1- يعتقد دوركهايم ان المجتمع هو الذي يحدد نمط سلوكاتنا لاننا نولد ضعفاء و نجد المجتمع منظم تنظبما صارما في قوانينه و نظمه واعرافه التي تنقل الينا عن طريق الاسرة بالتربية و التلقين و عندما نبلغ سن الرشد يكون سلوكنا مجلاد اجترار لما تلقيناه من قيم سابقا حيث نعتقد اننا ناتي سلوكاتنا بانفسنا لاكن الحقيقة تعبر ما يرغب فيه المجتمع اي الخروج عن القيم الاجتماعية يتحمل الفرد مسؤوليته عنها اذا يجب ان تكون القوانين صارمة بمعاقبة الفرد فالمسؤولية الاجتماعية تجعلنا جزء من المجتمع تعاقبنا معنويا بالعرف و ماديا بالقانون فالوسؤولية تتنافى و الحرية.
2- يقسم فرويده الجهاز النفسي الى :
1- الهو ID : اين توجد الرغبات الذاتية و الميول و كل لبدوافع النفسية التي معنا لهذا الهو مستودع الطاقة النفسية.
2- الانا Ego :هي الذات الواعية التي تشعر بعالمها الداخلي اذا كل شخص يشير الى نفسه بلفظ انا .و هي محكمــة داخلية.
3- الانا الاعلى souper ego : هي القيم الاخلاقية والمعاير الاجتماعية و المعتقدات و كل مايؤمن به المجتمع.
تسقط الرغبة الذاتية من اله والى الانا في نفس الوقت تتلقى الانا من الانا الاعى قيم اجتماعية . اذا حدث توافق بين ما يرغب فيه الفرد و مايرغب فيه المجتمع فام الانا تسمح للرغبة الذاتية بالتعبير عن نفسها بشكل سلوك اما اذا حدث تعارض بينهما يحدث الصراع داخل الانا ينتهي بحكم الانا الاعلى الاقوى( المجتع) فتعمل النا على الرغبة الذاتية الى اللاشعور حيث تكبت مما يعني ان المسؤولية الاجتماعية تتنافى و الحرية الفردية.
نقد الحجة : اعتبر دوركهايم ان خروج الفرد على قوانين الاجتماعية يعرضه للعقاب لانه يتحمل المسؤولية هذا الخروج و هذا يؤكد الحرية ولا ينفيها لانا الخروج عن القوانين هو الاختيار و لا يتم الاختيار الا بالحرية.
عرض نقيض الاطروحة المسؤولية تشترط الحرية و تتوحد معها )
يمثل الاطروحة المدرسة العقلية لـ افلاطون و المعتزلة والمدرسة الوجودية لسارتر وكانط ترى ان المسؤولية تشترط الحرية و تتوحد معها معتمدت على مسلماتها :
– لا يكون الانسنان مسؤولا الا اذا كان حرا و اذا سقطت الحرية سقطت عنه المسؤولية.
– اذا كانت الحرية حق طبيعي يولد مع الانسان فهو يولد ايضا مسؤولا.
ضبط الحجة : 1- يقول سارتر (ان الانسان لايوجد اولا ثم يكون حرّا بل هو الكائن الوحيد الذي يولد حرّاو ذلك يضطر الى الاختيار و اثناء عملية الاختبار يكون قد حدد مسؤوليته)
2- يقول المعتزلة ( الانسان يولد حرّ و يملك القدر على التميز بين الخير والشر و عليه فاذا اختار الشر فهو ممسؤول عن اختياره).
3- يقول كانط (اذا كان يجب عليك فانت تستطيع فالاستطاعة تعني القدرة على الاختيار بين القيام بالفع و التخلي عنه مما يعني ان الواجب الاخلاقي الذي مصدره الضمير يجعلنا مسؤولين عن اختيارتنا)
4-و يعتمد افلاطون في اسطورة الجندي (آر) الذي مات في ساحة الشرف اذ يعود الى الحياة من جديد و يروي الاشياء التي تمكن من رايتها في الجحيم حيث ان الاموات يطالبون بان يختاروا بمحض ارادتهم تقمصهم القادم وبعد ان يختارو يشربوا من نهر النسيان (ليثــه) ثم يعودون الى الارض حيث قد نسوا بانهم هم الذين اختاروا مصيرهم و ياخذون باتهام القضاء والقدر في حين ان الله بريئ .
نقد الحجة : تتكلم المدرس السابقة عن حرية انسانية مسبقة لكن في الواقع الانساني يواجه حتميات و عوائق مختلفة قد يتغلب عليها مما يعني ان المسؤولية ليست مرتبطة بالحرية .فاذا كان الانسانحرا فحريته محدودة مما يسقط عليه احبانا المسؤوليةرغم ممارسته لحريته.
التركيب: تغلــيب موقف على اخر.
اذا كان النسان بطبيعته حرّاو في المقابل كانت هناك حتميات نفسية فيزيولوجية فيزيائية و اجتماعية فان الحرية قائمة على الارادة اي ان الانسان يملك بالفطرة القدرة على مقاومة المختميات و مواجهة الصعاب فاذا استسلم و لم يقاوم قهذا خطأ ولا يلغي عليه المسؤولية بل تبقى قائمة فالطالب الذي يعلم انه متوجه الى الامتحان دون ان يسلح نفسه بالاجتهاد و يستسلم لحتمية حب الراحة فان ذلك لا يلغي عليه مسؤوليته في الفشل
حل الاشكال:يمر الفعل الارادي الحر بمراحل هي : شعور الفرد برغبته ..المداولة الذهنية..اتخاذ القرار ..و هذا مايسمى تثبية النية او القصد الى الفعل الذي يعتبر شرط من شروط المسؤولية.
اما شروط المسؤولية: الوعي (المعرفة) .. العقل (التميز).. الحرية ..مما يعني ان الفرد لا يكون مسؤولا الا اذا سلوكه حرا فنستنتج ان الحرية تشترط المسؤولية في القصد الى الفعل و المسؤولية تشترط الحرية فهما يتوحدان رغم ان الحرية تشير الى عدم التقيد م المسؤولية تشير الى التقيد
بوركت على الموضوع ………….شكرررررررراااا
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
اليكم في هذا الموضوع مقالة في الحرية و المسؤولية
التحميل من المرفقات
م ن ق و ل
بالتوفيق
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
مقالة في الحرية و المسؤولية.docx | 20.5 كيلوبايت | المشاهدات 71 |
خصائصها
عدد الشركاء أقصاه 20 شريك و أدناه 2
تتحدد مسؤولية شريك حسب حصة مقدم من المال
وفاة احد الشركاء لا يأثر على استمرارية الشركة
حصة كل شريك لا تكون اقل من مئة ألف دج
تنقل حصة الشركاء بموافقة 3/4 من الشركاء
ان كل هذه خصائص منصوصة عليها في المادة 590 من ق ت ج أما المادة 567 من ق ت ج تنص على الاكتتاب في جميع الحصص من طرف الشركاء و إن تدفع عينيا أو نقديا و لا يجوز إن تقدم عن طريق عمل
تاسيس شركة طبقا للمادة 565 و 568 من ق ت ج يتولى إبرام العقد تأسيس الشركة جميع الشركاء بأنفسهم أو بواسطة وكلاء ويجب إن يتضمن القانون الأساسي قيمة الحصص المقدمة بإضافة إلى هذا هناك شروط أخرى ‘تشكيلية’
ذكر اسم الشركة التجارية مسبوقا بالعبارة التالية " شركة ذات مسؤولية محدودة " بالحروف العربية ش.ذ.م.م
أو بالفرنسية s.a.r.l مع بيان رأس مال شركة ويجب إن يتضمن العقد غرض الشركة و مدة صلاحيتها كما يجب إشهار الشركة عن طريق التسجيل في السجل التجاري ومن أهم أركان الموضوعية
الغرض وعدد الشركاء وان لا يقل رأس مال شركة عند حد الأدنى المقرر قانونيا
ادارة الشركة تتم إدارة هذا النوع من الشركات عن طريق تعيين مدير ويتم هذا التعيين إما عن طريق عقد تأسيس في هذه الحالة لا يمكن عزل مدير أو عن طريق عقد أحق في هذه الحالة يمكن عزل المدير
اسباب انقضاء شركة S.A.R.L
تنقضي شركة عند انتهاء اجلها أو انتهاء الهدف الذي قامت من اجله و يمكن إن تنقضي لأسباب أخرى إذا زاد العد الشركاء أكثر من 20 شريك أو إذا قل رأس مالها عن مبلغ قدره 100 ألف دج ولم يرتفع هذا المبلغ خلال السنة
مشكورة اختي فانت حيزية عصرك الله يوفقك
شكراً جزيلاً
المسؤولية على إجراء الاعتقال الإداري
مراد بدران ***61482;
إذا كان خضوع الدولة لمبدأ المشروعية هو القاعدة الواجب احترامها في ظل الظروف العادية، فإن الدولة قد تمر بظروف استثنائية من شأنها أن تشكل خطرا على النظام العام أو استمرارية خدمات المرافق العامة. ولمواجهة هذا الخطر، فإنّ سلطات الإدارة قد تتسع. فالرغبة في حماية الدولة والحفاظ على النظام العام فيها ضد ما قد يهددها من أخطار جسيمة، أدت بالمؤسس الدستوري أو المشرع العادي بل وحتى القاضي، إلى الإعتراف للإدارة باتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة تلك الأخطار، حتى ولو كانت تلك الإجراءات مخالفة للقواعد القانونية القائمة.
ومن بين الإجراءات الإستثنائية التي يجوز للدولة أن تتخذها في ظل ظروف الأزمة، إجراء الإعتقال الإداري (المبحث الأول).
على أنّ هذه الإجراءات الإستثنائية المعترف بها للإدارة، تتضمن في الغالب الأعم مساسا بالحقوق والحريات العامة، وهنا يقع على الدولة بجميع أجهزتها واجب بذل مجهود للحد من هذا المساس. وفي هذا الصدد لابد من تقرير ضمانات للأشخاص الخاضعين لتلك الإجراءات الإستثنائية، والتي من أهمها تقرير حق الطعن في تلك الإجراءات (المبحث الثاني).
المبحث الأول : مفهوم الاعتقال الإداري
إنّ الاعتقال الإداري هو من الإجراءات التي تقوم بها الإدارة، وتقوم من خلاله بتقييد الحرية الشخصية للشخص المعتقل. ونظرا لأن هذا الإجراء فيه مساس خطير بحرية الشخص، فإن لجوء الإدارة إليه مقيد بتوفر مجموعة من الشروط (المطلب الأول).
وبما أن الاعتقال الإداري يتضمن حرمان الشخص من ممارسة بعض الحريات، فإنّه قد يقع خلط بينه وبين بعض الإجراءات الأخرى التي تتضمن هي الأخرى حرمان الشخص من ممارسة بعض الحريات. لذلك لا بد أن تحدد الطبيعة القانونية لهذا الإجراء (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مضمون الإعتقال الإداري و شروطه:
نظرا لخطورة موضوع الإعتقال الإداري، لا بد من تحديد المقصود به بدقة(أولا)، و بالتالي الوقوف على الشروط التي تجعله إجراء ممكنا(ثانيا).
أولا: تعريف الإعتقال الإداري:
طبقا للمادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91-196، يجوز للسلطة العسكرية أن تتخذ هذا الإجراء ضد أي شخص راشد يتبين أن نشاطه يشكل خطورة على النظام العام والأمن العمومي، أو السير الحسن للمرافق العامة. وحسب المرسوم التنفيذي رقم 91-201، المؤرخ في 25 جوان 1991، والذي يضبط حدود الإعتقال الإداري وشروطه -أي الوضع في مركز الأمن وشروطه- فإن إجراء الإعتقال الإداري هو ذلك الإجراء الذي يترتب عليه حرمان الشخص الراشد من حرية الذهاب والإياب، ووضعه بأحد المراكز التي تحدد بمقرر من القيادة العليا للسلطة العسكرية.
أما طبقا للمادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 92-75 المؤرخ في 20 فبراير 1992 فإن الإعتقال الإداري هو عبارة عن إجراء إداري ذو طابع وقائي، يتمثل في حرمان أي شخص راشد من حرية الذهاب والإياب، وذلك بوضعه في مركز أمن. على أن وزير الداخلية هو الذي له أن يأمر، بناء على اقتراح من مصالح الأمن بوضع أي شخص راشد يكون نشاطه خطيرا على النظام العام أو على السير الحسن للمرافق العامة، في مركز أمن أو في مكان محدد. ومع ذلك بإمكان وزير الداخلية أن يمنح تفويض إمضاء إلى الولاة فيما يخص الوضع في مراكز الأمن .
ومن خلال هذه النصوص يمكن القول بأن الإعتقال الإاري ، هو ذلك الإجراء الذي تتخذه السلطة الإدارية المختصة أوالسلطة المخولة قانونا بمقتضى أحكام القانون، و الذي تقوم من خلاله بتقييد الحرية الشخصية للشخص الخاضع له، عن طريق وضعه في مركز للأمن، و ذلك من أجل الحفاظ على النظام العام من الخطر الذي يتهدده.
إن الإعتقال الإداري بهذا الشكل يعد من أخطر الإجراءات المتعلقة بتقييد الحرية الشخصية. بل إنه الحرمان الكامل من الحرية، ما دام أن الشخص المعتقل سيوضع في إحدى مراكزالأمن، بحيث أنه سيحرم من حرية الذهاب و الإياب، و بالتالي سيحرم من ممارسة الحريات الأخرى، كالحق في التعبير عن رأيه مثلا.
هذا و تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن فصل الإعتقال عن جذوره الأصلية، المتمثلة في حالة الحصار و حالة الطوارئ ، و النصوص التطبيقية لهما . فالنصوص المنظمة لحالة الحصار و حالة الطوارئ هي الأصل بالنسبة للإجراءات الإستثنائية الصادرة في ظلها، و التي من بينها إجراء الإعتقال الإداري.
ثانيا: شروط الإعتقال الإداري:
نظرا لجسامة الآثار المترتبة على إجراء الإعتقال الإداري، فلا بد أن تتوفر الشروط التي تبرر اتخاذه من طرف الإدارة. إن هذه الشروط تتمثل فيما يلي:
1- أن يكون الشخص الخاضع له راشدا.
2- أن يكون نشاط هذا الشخص خطرا على النظام العام و الإمن العمومي أو السير الحسن للمرافق العامة.
3- أن يتخذ هذا الإجراء من السلطة المختصة. وهي القيادة العليا للسلطة العسكرية إذا كنا بصدد حالة الحصار، ووزير الداخلية إذا كنا بصدد حالة الطوارئ و إن كان بإمكان هذا الأخير أن يفوض لإمضاءه لإلى الولاة.ومع ذلك يجب استشارة الأركان المختلطة.
أما الأعمال التي تسمح بوضع مرتكبيها في مركز أمن، فإنها تتمثل فيما يلي :
– التحريض على الفوضى، وعلى ارتكاب جنايات أو جنح ضد أشخاص وأملاك.
– النداء بأية وسيلة للعصيان المدني، وإلى الإضراب.
– حمل أي سلاح من أجل ارتكاب المخالفات.
– التحريض على التجمعات لغرض واضح يثير الإضطراب في النظام العام وفي طمأنينة المواطنين.
– رفض الإمتثال للتسخير الكتابي الذي تصدره السلطة المخولة صلاحيات الشرطة وحفظ النظام العام، إذا كان الرفض يعرقل سير الإقتصاد الوطني عرقلة خطيرة.
– معارضة تنفيذ التسخير الذي أعد بسبب الإستعجال والضرورة بغية الحصول على خدمات يؤديها مرفق عام أو مؤسسة عامة أو خاصة .
كما يمكن أن يكون موضوع تدبير الوضع في مركز الأمن، الأشخاص الذين يخالفون التنظيم الإداري المتعلق بالمرور وتوزيع المواد الغذائية، وكذلك بقصد إثارة إضطرابات في النظام العام.
أما عن مدة الوضع في مركز الأمن فهي 45 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن إجراء الإعتقال الإداري لا يمكن اتخاذه إلا بعد استشارة الأركان المختلطة .
وعلى خلاف المرسوم التنفيذي رقم 91-201 الذي حدد مدة الإعتقال الإداري المتخذ في حالة الحصار، فإن المرسوم التنفيذي رقم 92-75 لم يحدد مدة الإعتقال الإداري، وهو ما ترتب عليه من الناحية العملية الإبقاء على الأشخاص معتقلين لسنوات عديدة.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإعتقال الإداري:
إن إجراء الإعتقال الإداري هو من بين الإجراءات التي تتخذ في إطار ممارسة صلاحيات البوليس الإداري المتعلقة بالمحافظة على النظام العام. لذلك فإن هذا الإجراء يجب أن يتخذ قبل أن ترتكب الجرائم(أولا). و لكن على الرغم من ذلك، فقد يثور خلط بين إجراء الإعتقال الإداري وبين بعض الإجراءات الأخرى المشابهة له(ثانيا).
أولا: الطبيعة الوقائية لإجراء الإعتقال الإداري:
إن الإعتقال الإداري هو من الإجراءات الوقائية التي يكون الغرض منها الحفاظ على النظام العام و وقايته مما يتهدده. و لقد اعترف القاضي الإداري الفرنسي بهذه الطبيعة الوقائية في عدة مناسبات . فالمفروض أن الشخص المعتقل لم يرتكب أية مخالفة. لذلك فإن الهدف الأساسي من هذا الإجراء هو وقاية النظام العام مما يتهدده من أخطار، و هذا على خلاف العقوبة الجنائية التي يكون الغرض منها هو ردع المجرم. كما أن سبب الإعتقال الإداري هو مجرد أوصاف لا ترقى إلى وصف التجريم. أما سبب توقيع العقوبة هو ارتكاب جريمة معاقب عليها .
و من هنا، فإن الشخص الذي يخضع لإجراء الإعتقال الإداري هو من المفروض الشخص الذي تثور بصدده شكوك حول تصرفاته المستقبلة أو المحتملة، و التي قد تشكل خطورة على النظام العام. لذلك فإن المسألة تعتمد على الظاهر دون حاجة إلى البحث فيما إذا كان هذا الظاهر يتطابق مع الواقع أم لا . و لكن على الرغم من ذلك، بإمكان الجهة المختصة باتخاذ إجراء الإعتقال الإداري أن تعتمد على بعض القرائن التي تفيد خطورة الشخص على النظام العام، من ذلك مثلا، صدور حكم نهائي أو أكثر ضد الشخص الذي تريد الإدارة اعتقاله، و الذي يؤكد على ارتكابه لجريمة تمس النظام العام، أو اعتياده على ارتكاب مثل تلك الجرائم .
هذا و تجدر الإشارة إلى أن القرائن التي تفيد بأن الشخص يعد خطرا على النظام العام، تتطلب أن تكون تلك الوقائع دالة على خطورته . و لكي يتحقق هذا الشرط لا بد من نسبة وقائع محددة للشخص المعني، فالأقوال المرسلة و الشائعات لا يعتد بها في هذا المجال. و بالإضافة إلى ذلك يجب أن تصدر تلك الوقائع من الشخص المعني خلال ظروف الأزمة التي تمر بها الدولة، و ألا تشكل تلك الوقائع جريمة معاقب عليها . لذلك لا يجوز من المفروض اعتقال الشخص إداريا إذا ما كان قد ارتكب جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات.
و يترتب على ذلك أن الإعتقال الإداري باعتباره من التدابير الوقائية، لا يشترط تسبيبه، و هذا على خلاف العقوبة أو الجزاء. و بالإضافة إلى ذلك، فإن إجراء الإعتقال الإداري لا يخضع لمبدأ المواجهة و احترام حقوق الدفاع، و هذا على خلاف العقوبة أو الجزاء. وانطلاقا من هذه الطبيعة الوقائية للإعتقال الإداري، يتجه الرأي الراجح في فرنسا إلى أن عدم إتاحة الفرصة للمعتقل لإبداء دفاعه، لا يبطل القرار الصادر ضده، ما دام أن الغاية من ذلك القرار هي وقائية وليست عقابية، وذلك عكس الإجراءات الإدارية ذات الطابع العقابي، كالعقوبات التأديبية التي يشترط فيها احترام حقوق الدفاع . وتماشيا مع هذا الإتجه يرى Drago أن إجراءات الضبط الفردية لها غاية وقائية، وهي عبارة عن أوامر لا تصدر من أجل العقاب على مخالفة وقعت، وإنما الحفاظ على النظام العام .
وإذا كانت المادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91-196، المتضمن تقرير حالة الحصار، و المادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 92-44، المتضمن إعلان حالة الطوارئ، و المادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 92-75 المحدد لشروط تطبيق بعض أحكام المرسوم الرئاسي رقم 92-44 قد اعترفت بالصفة الوقائية لإجراء الإعتقال الإداري، فإن المادة 4 من المرسوم التنفيذي رقم 91-201 المؤرخ في 25 جوان 1991 الذي يضبط حدود الوضع في مركز الأمن و شروطه، تطبيقا للمادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91-196 المتضمن تقرير حالة الحصار، لم تعتبر بأن الإعتقال الإداري هو بمثابة إجراء وقائي، بل اعتبرته بمثابة إجراء ردعي، ما دام أن الأشخاص الذين خضعوا له، متهمين بارتكاب أفعال معاقب عليها في قانون العقوبات .
و هذا الموقف اتخذه كذلك القاضي الإداري الجزائري، إذ لم يميز في العديد من القضايا بين الإعتقال الإاري و بين العقوبة الجزائية. من ذلك قضية والي ولاية تلمسان ضد رئيس بلدية منصورة (ولاية تلمسان) السيد الأفندي سيدي محمد. فبعد أن تعرض السيد الأفندي رئيس المجلس الشعبي لبلدية منصورة إلى الإعتقال الإداري في 1 جويلية 1991، قام والي تلمسان في 7 جويلية 1991، بإصدار القرار رقم 2830 والذي يقضي بتوقيف السيد الأفندي عن مهامه كرئيس للمجلس الشعبي البلدي. ولقد برر الوالي قراره هذا من جهة، بالظروف الإستثنائية التي كانت سائد آنذاك، ومن جهة أخرى، بما تمنحه النصوص المتعلقة بحالة الحصار من اختصاصات في مجال النظام العام خاصة وأن السيد الأفندي قد شارك في الإضراب السياسي الذي قامت به الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فقام السيد الأفندي بالطعن بدعوى تجاوز السلطة ضد قرار الوالي أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء وهران بتاريخ 9 سبتمبر 1991، على أساس مخالفة المادة 32 من قانون البلدية. فقامت الغرفة الإدارية، في28 مارس 1992 بإلغاء قرار الوالي، وذلك على أساس مخالفة أحكام المادة 32 من قانون البلدية التي تتطلب ضرورة أخذ الرأي المسبق من المجلس الشعبي البلدي قبل اتخاذ قرار التوقيف. وبعد تبليغ الوالي بهذا القرار، قام في 2 أوت 1992 بالطعن فيه بالإستئناف أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا. فقامت هذه الأخيرة في 31 مارس 1996 بإلغاء قرار المجلس القضائي على أساس "أن قرار الوالي جاء لوضع حد للفوضى حيث شارك المدعي في الإضراب السياسي، وغلق أبواب البلدية" الشيء الذي ترتب عليه توقف نشاطها. وأن عدم احترام المادة 32 من قانون البلدية سببه "استحالة اجتماع أعضاء المجلس الشعبي البلدي الذين رفضوا الإجتماع" ما دام أن كلهم شاركوا في الإضراب وأن القرار جاء "من أجل الحفاظ على النظام العام واستمرارية خدمات المرافق العامة" واتخذ في "ظروف إستثنائية بعد إعلان حالة الحصار" وأن قرار مجلس قضاء وهران "أخطأ في تقدير الوقائع" .
إن ما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن القاضي استند على المادة 32 من قانون البلدية وأسس حكمه عليها، على الرغم من أن هذه المادة لا تنطبق على هذا النزاع، لأنها تتكلم عن حق الوالي في إيقاف المنتخب البلدي في حالة تعرضه إلى متابعة جزائية تحول دون مواصلة عمله، وذلك بعد أخذ رأي المجلس الشعبي البلدي. في حين أن السيد الأفندي لم يتعرض إلى متابعة جزائية، بل تعرض إلى اعتقال إداري، وشتان ما بين المتابعة القضائية والإعتقال الإداري. فهذا الأخير لم يوجد ليحل محل الأنظمة القائمة لمواجهة السلوك المؤثم جزائيا، وعليه فإن اعتقال شخص إداريا، بسبب أفعال تشكل جريمة بمفهوم قانون العقوبات، معناه أن الشخص مهدد بالعقوبة الجزائية، وبالإعتقال الإداري في نفس الوقت. وخطورة هذا الوضع تتمثل في إمكانية استخدام الإعتقال الإداري للضغط عليه، وبالتالي إساءة موقفه في الدعوى الجنائية، ذلك أنه إذا كان المشرع قد جرم أفعالا في قانون العقوبات، فإنه لا يصح قيام السلطة الإدارية بالإعتقال الإداري عن تلك الأفعال، لأن وجود إجراءات لمتابعة الشخص جزائيا عن تلك الأفعال، معناه أن المشرع قدر كفاية تلك الإجراءات، وأن نيته لم تتجه إلى الإعتقال في هذا الفرض .
وبالإضافة إلى ذلك فإن العقوبة الجنائية هي إجراء ردعي تتطلب لإمكانية اتخاذها، بالإضافة إلى النية، سلوك إجابي أو سلبي. أما الإعتقال، فإنه يتعلق بأوصاف تقوم في حق صاحب الشأن –كخطورته على النظام العام- وهذا الوصف معناه أن المسألة إحتمالية، تسمح باتخاذ هذا الإجراء الوقائي، وهذا تماشيا مع طبيعة هذا الإجراء الذي تقوم به هيئات البوليس الإداري، وليس هيئات البوليس القضائي . فالعقوبة تقوم على أساس ارتكاب الشخص لمخالفة معينة. أما الشخص المعتقل فإنه لم يتركب أية مخالفة، ومن هنا فإنه لا يستقيم تشبيه الإعتقال بالعقوبات، سواء الجزائية أو الإدارية.
ثانيا:تمييز الإعتقال الإداري عن الحبس المؤقت:
بترتب على الحبس المؤقت سلب حرية المتهم لمدة زمنية محددة، تقتضيها مصلحة التحقيق، وفق ضوابط يحددها قانون الإجراءات الجزائية، تتمثل أساسا في اشتباهه بارتكاب جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات . و الحبس المؤقت بهذا المعنى لا يعد عقوبة، رغم أن طبيعته مشابهة للعقوبات السالبة للحرية، ما دام أنه لم يصدر بعد حكم بإدانة الشخص الخاضع له. و لكن على الرغم من ذلك، فإن للحبس المؤقت طبيعة مزدوجة، فهو ذو طبيعة وقائية، و أخرى عقابية، ما دام أنه يهدف إلى تهيئة الرأي العام للعقوبة .
و الإعتقال يشبه الحبس المؤقت من حيث الآثار المقيدة للحرية الشخصية، و الإتصال بالعالم الخارجي، بالإضافة إلى عدم صدور أية عقوبة جزائية. إلا أن أهم الفروق بينهما تكمن في أن المعتقل إداريا هو شخص يخشى من ارتكابه لأفعال تمس النظام العام، فالإعتقال الإداري يقوم على أسباب ليست واقعية مادية ملموسة، بل إنه يعتمد على الأوصاف.أما المحبوس مؤقتا، فإنه متهم بارتكاب جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات. و إذا كان المتهم هنا لم يصدر أي حكم بإدانته، إلا أن هناك دلائل قوية تثير نسبة الجريمة المرتكبة إليه.كما أن قرار الإعتقال الإداري يصدر من السلطة الإدارية، دون وجود تحقيق سابق، ما دام أن الشخص الخاضع له ليس متهما بارتكاب جريمة، في حين أن الحبس المؤقت تباشره السلطة القضائية تجاه المتهم بارتكاب جريمة جنائية، مع مراعاة الضوابط التي حددها قانون الإجراءات الجزائية و التي من أهمها ضرورة استجوابه، أو أن الفرصة أتيحت له لإبداء دفاعه، إلا إذا استحال ذلك. على أن الإستجواب يعد هنا إجراء خوهريا.
المبحث الثاني: الرقابة على إجراء الإعتقال الإداري:
إن الرقابة القضائية على أعمال الإدارة العامة تعتبر أفضل ضمانة لحماية الحقوق و الحريات العامة ضد تعسف الإدارة. فالإعتراف للإدارة بممارسة إجراءات استثنائية، كالإعتقال الإداري، يجب ألا يؤدي إلى إهدار كل الحقوق و الحريات العامة. و معنى ذلك أن الإدارة بإمكانها المساس بالحقوق و الحريات العامة في ظل ظروف الأزمة. إلا أن الإشكال المطروح هنا يتمثل في معرفة إلى أي مدى يمكن للإدارة أن تمس بالحقوق و الحريات العامة؟ إن هذه الإشكالية تبرز بوضوح أهمية موضوع الرقابة القضائية على الإجراءات الإستثنائية.
فمن الواجب أن يحاط الإنسان المعتقل بالضمانات الكفيلة للدفاع عن نفسه، و بالتالي إنهاء الإعتقال الإداري، خاصة في حالة ما إذا لم يكن هذا الإجراء مبررا. و في هذا الصدد من الواجب السماح له بالطعن في قرار الإعتقال الإداري بدعوى تجاوز السلطة (المطلب الأول). على أن قرار الإعتقال سواء كان مبررا أو ام يكن مبررا، إذا ما ألحق بالشخص الخاضع له أضرارا جسيمة، من العدل أن يسمح له بالمطالبة بالتعويض(المطلب الثاني).
المطلب الأول: دعوى تجاوز السلطة الموجهة ضد قرار الإعتقال الإداري:
إن إجراء الإعتقال الإداري هو من بين الإجراءات التي تتخذها السلطة الإدارية في ظل الظروف الإستثنائية للحفاظ على النظام العام، و ذلك بما لها من امتيازات السلطة العامة. و في هذا الصدد تثور مسألة مدى إمكانية الطعن بدعوى تجاوز السلطة في هذا الإجراء(أولا)، و ما هي الأسباب التي تبرر إلغاء هذا الإجراء(ثانيا).
أولا: مدى إمكانية الطعن بإلغاء قرار الإعتقال الإداري:
لقد اختلف الفقه في مسألة مدى إمكانية الطعن القضائي في قرار الإعتقال الإداري. فقد ذهب البعض إلى القول بأن هذا القرار يعد من أعمال الحكومة المحصنة . في حين ذهب الرأي الراجح في الفقه- وهو الإتجاه الذي يعبر عليه الفقه في الجزائر – إلى القول بأن قرار الإعتقال الإداري هو من القرارات الإدارية التي يجوز الطعن فيها قضائيا .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الأشخاص الذين كانوا موضوع إجراء الإعتقال الإداري في الجزائر، لم يبلغوا بقرارات اعتقالهم ، و هذا ما يبرر عدم تمكننا من الحصول على قرارات قضائية تتعلق بموقف القاضي الإداري الجزائري من الإعتقال الإداري.
على أن عدم تبليغ الشخص ببقرار الإعتقال الإداري، لا يحول دون إمكانية الطعن فيه بدعوى تجاوز السلطة ما دام أن قرار الإعتقال هو من القرارات المستمرة، التي تحدث آثارها بصفة متجددة و دائمة، و لا تنتهي بمجرد صدور القرار. و لذا يجوز الطعن في قرار الإعتقال بدعوى تجاوز السلطة، ما دام باقيا و لم يتم إلغاءه إداريا، و دون التقيد بمواعيد الطعن المقررة لدعوى تجاوز السلطة ، و هذا على خلاف القرارات الوقتية التي تبدأ آثارها بمجرد تبليغها، بحيث يتحدد ميعاد الطعن فيها من هذا التاريخ.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الشخص الذي كان محل إجراء الإعتقال الإداري تطبيقا لأحكام المرسوم الرئاسي المتعلق بحالة الطوارئ، فإنه بإمكانه أن يطعن في ذلك أمام والي الولاية التي يقيم فيها. على أن الوالي يقوم بإحالة هذا الطعن إلى المجلس الجهوي ، ويرفقه بكل الملاحظات التي تكون ضرورية. على أن المدة التي يجب تقديم الطعن فيها لم تحددها النصوص القانونية.
أما المجلس الجهوي للطعن، فإنه يتكون من رئيس، يعينه وزير الداخلية، وممثل لوزير الداخلية، وممثل لوزير الدفاع الوطني، وثلاث شخصيات مستقلة يعينها وزير حقوق الإنسان بسبب تعلقها بالمصلحة العامة. على أن يبت هذا المجلس في الطعن الذي يرفع إليه خلال 15 يوما الموالية لإخطاره.
وإذا كان المرسوم التنفيذي لم يتكلم عن مسألة الطعن في قرار المجلس الجهوي بدعوى تجاوز السلطة، فإن هذه الدعوى لا تحتاج في الحقيقة إلى نص لتقريرها، وذلك لاتصالها بالشريعة العامة.
ثانيا: أسباب إلغاء قرار الإعتقال الإداري:
إذا كان إجراء الإعتقال الإداري يتخذ بموجب قرار إداري، فإن ذلك يفترض صدوره من الجهة الإدارية المختصة، محترمة من المفروض كل عناصر القرار الإداري. و لكن نظرا لأن قرار الإعتقال الإداري، لا يمكن فصله عن جذوره الأصلية، المتمثلة في حالة الحصار أو حالة الطوارئ، و هي الحالات التي تدخل في ظل نظرية الظروف الإستثنائية، فإن القضاء الإداري- الفرنسي على وجه الخصوص- قد تساهل في رقابة عناصر القرار الإداري الصادر في ظل الظروف الإستثنائية. و على هذا الأساس، إذا كانت الظروف الإستثنائية مبررة، فإن ذلك يترتب عليه محو العيوب التي تصيب القرار الإداري في الشكل أو الإجراءات أو في الموضوع .
و لكن على الرغم من ذلك، فإن الإدارة عليها أن تتقيد بالمشروعية الإستثنائية، بحيث أن الهدف من الإجراءات التي تتخذها في ظل الظروف الإستثنائية، يجب أن يكون هو مواجهة الأزمة. و في هذا الصدد، يجب أن يكون الهدف من إجراء الإعتقال الإداري، هو حماية النظام العام من الأخطار التي قد يتعرض لها. أما إذا قصدت الإدارة هدفا آخر، فإن قرارها المتضمن الإعتقال الإداري سيعتبر مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة .
و من جهة أخرى، فإن الظروف الإستثنائية لا يترتب عليها إعفاء الإدارة من مراعاة عنصر السبب في القرار الإداري. فإذا كانت الظروف الإستثنائية هي التي تبرر قيام الإدارة باتخاذ إجراء الإعتقال الإداري، فإن سبب هذا الإجراء يجب أن يتمثل في خطورة هذا الشخص على النظام العام. أما إذا انعدم هذا السبب فإن ذلك يؤدي إلى إصابة القرار المتضمن الإعتقال الإداري بعدم المشروعية. على أن رقابة القاضي الإداري هنا لا تقتصر على التأكد من الصحة المادية للوقائع ، بل تشمل كذلك الرقابة على التكييف القانوني للوقائع، كما أنها قد تصل في بعض الأحيان إلى رقابة الملاءمة .
المطلب الثاني: دعوى التعويض عن آثار الإعتقال الإداري:
لقد اتضح لنا من خلال ما سبق، بأن الإعتقال الإداري يعد من أخطر الإجراءات التي تمس الشخص في حريته. فأثر هذا الإجراء لا يقتصر على مجرد حرمان الشخص من حريته الشخصية، بل إنه يمتد ليمس حريات أخرى، حتى تلك التي يصعب تصور المساس بها. و إذا كان إجراء الإعتقال الإداري تبرره في العديد من الحالات فكرة المصلحة العامة، فإن الشخص الذي يخضع له سيتعرض لا محالة إلى أضرار جسيمة. بل إن الإدارة قد تتعسف في اتخاذ هذا الإجراء، و هذا ما يبرر أحقية الشخص الذي تعرض له في المطالبة بالتعويض. و هنا تثور مشكلة ما هو أساس التعويض، هل هو الخطأ(أولا)،أم أن المسؤولية تثور حتى بدون خطإ (ثانيا).
أولا: المسؤولية القائمة على أساس الخطأ:
لقد استقر القضاء الإداري-الفرنسي على وجه الخصوص- على قاعدة مفادها أن الإجراءات الإستثنائية لا تثور بصددها مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ، إلا إذا كان الخطأ جسيما .و معنى ذلك أن الخطأ البسيط الذي يثير مسؤولية الإدارة في الظروف العادية، لا يؤدي إلى إثارة مسؤولية الإدارة في ظل الظروف الإستثنائية. و على هذا الأساس، فإن الإجراء الذي تقوم به الإدارة خارج الحدود التي وضعها القضاء لنظرية الظروف الإستثنائية يعتبر غير مشروع يثير مسؤوليتها على أساس الخطأ الجسيم ّ. فمجرد وجود الظروف الإستثنائية لا يعتبر مبررا لإعفاء الإدارة من تحمل عبء التعويض. و عليه إذا لم تحترم الإدارة عناصر المشروعية الإستثنائية حين إصدارها لقرار الإعتقال الإداري، فإن قرارها يعد غير مشروع يجوز المطالبة بإلغائه. و في حالة ما إذا رتب هذا القرار ضررا جسيما، يجوز للمتضرر منه أن يطالب بالتعويض على أساس ارتكاب الإدارة لخطإ جسيم.
و يتحقق الخطأ الجسيم مثلا، في حالة عدم احترام الإدارة للضمانات المنصوص عليها في القانون و الممنوحة للأشخاص المعتقلين ، أو عدم سلامة الوقائع من الناحية المادية ، أو عدم اتخاذ قرار الإعتقال بهدف المصلحة العامة و الحفاظ على النظام العام . كما أن أعمال العنف و التعذيب المتخذة تجاه المعتقل تثير مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الجسيم .
و لكي يتمكن الشخص المعتقل من الحصول على التعويض، يجب بالإضافة إلى ما سبق، أن يكون قد مسه ضرر جسيم من جراء ذلك الخطأ، و هذا ما يعبر عنه بعلاقة السببية بينهما.
ثانيا: المسؤولية بدون خطإ:
إذا كانت المسؤولية بدون خطإ تقوم على فكرتين أساسيتين، هما المسؤولية على أساس المخاطر، و المسؤولية على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ، فإن أساس مسؤولية الإدارة على إجراء الإعتقال الإداري، هو الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. فقرار الإعتقال الإداري الذي اتخذ من أجل المصلحة العامة-الحفاظ على النظام العام- رتب ضررا للشخص المعتقل فقط. و لكي تتحقق المساواة بين من انتفع من قرار الإعتقال-المجتمع- و بين الشخص الذي تضرر منه-المعتقل- لا بد أن يمنح التعويض لهذا الأخير. على أنه لكي يستحق المضرور التعويض، لا بد أن يكون الضرر جسيما.
و في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما جاء في المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 92-75، التي وضعت حكما في منتهى الخطورة، بحيث نصت على أن الأشخاص المعتقلين إذا كانوا مرتبطين بعلاقات عمل مع الإدارات، أو مع مؤسسات أو مرافق عامة، فإن الهيئة المستخدمة تعلق دفع مرتباتهم. و هذا ما قامت به فعلا الهيئات المستخدمة، بل إن السلطات المركزية قد أصدرت تعليمات إلى الهيئات المستخدمة تمنعهم من خلالها بإعادة إدماج الموظفين في مناصب عملهم و الذين تم الإفراج عنهم من مراكز الإعتقال الإداري، إلا بعد الموافقة الصريحة من السلطة المركزية . بل إن الأشخاص المعتقلين إداريا تم فصلهم عن وظائفهم بإجراء تأديبي(التسريح أو العزل) بسبب خضوعهم لإجراء الإعتقال الإداري.
و إذا كنا لم نتمكن من الحصول على قرارت قضائية تتعلق مباشرة بالطعن بالتعويض في قرار الإعتقال الإداري، فإننا تمكنا من الحصول على قرارات قضائية تتعلق بالآثار التي خلفها إجراء الإعتقال الإداري على العون العمومي. فالإدارات المستخدمة قامت بتسريح الموظفين الذين تعرضوا للإعتقال الإداري ، و لما قام هؤلاء بتقديم طلب إعادة الإدماج، و منحهم المرتبات و التعويضات، حكم القاضي فقط بإعادة إدماجهم و رفض الحكم لهم بالتعويض أو بالمرتب على أساس أن المرتب يقابله خدمة، و ما دام أن الموظف لم يعمل في فترة الإعتقال فإنه لا يستحق المرتب. و بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة المستخدمة ليست مسؤولة عن قرار اعتقاله حتى تتحمل هي التعويض. بل أكثر من ذلك فإن القاضي الجزائري أسس حكمه في بعض الحالات على المنشؤر الوزاري رقم 1 المؤرخ في 5 أفريل 1993 الصادر عن رئيس الحكومة، و الذي اعتبر فيه فترة الإعتقال الإداري بمثابة عطلة غير مدفوعة الأجر.
ولنا أن نتساءل هنا عن الدافع الذي أدى بالقاضي الجزائري إلى تبني هذه الحلول، وبالتالي رفض الحكم بالتعويض. إن موقف القاضي هذا يستدعي إثارة الملاحظات التالية :
إن الملاحظة الأولى تتمثل في معرفة هل أن القاضي الجزائري يعد ملزما باتباع ما جاء في المنشور رقم 1 المؤرخ في 5 أبريل 1993، والذي اعتبر فيه رئيس الحكومة أن فترة الإعتقال تعد بمثابة عطلة غير مدفوعة الأجر، على الرغم من أن المنشور لم يوجه إليه؟ فأين هو هنا الدور الإنشائي للقاضي الإداري؟
أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في أن القاضي الجزائري تعسف في حقوق المتضررين، بحيث أنه حرمهم من الحصول على الأجر، كما حرمهم من الحصول على التعويض، على الرغم من أنه قد اعتبر أن قرارات التسريح الصادرة ضدهم كانت تعسفية. فأين هو هنا دور القاضي الإداري في خلق التوازن بين السلطة و الحرية؟
أما الملاحظة الثالثة، فتتمثل في أن القاضي الإداري الجزائري قد تناقض مع نفسه في بعض القضايا، عندما اعتبر أن الإدارة تعسفت عندما قامت بتسريح الموظف المعتقل، ومع ذلك –أي على الرغم من قبوله فكرة تعسف الإدارة- فإنه لم يقم بمنح التعويض للمضرور من قرار التسريح التعسفي ، وعلى الرغم من أن شروط التعويض قد توفرت كلها. فالضرر كان جسيما لأن المدة الفاصلة بين صدور قرار التسريح، وقرار القاضي الذي ألزم الإدارة بإدماج الموظف طويلة جدا. كما أن هذا الضرر كان خاصا، لم يصب جميع المواطنين، بل أصاب فئة معينة فقط. فأين هنا منطق القاضي الإداري؟
إن هذه الملاحظات تؤدي بنا إلى القول بأن هذا القضاء كان لصالح النظام، وليس لصالح الأفراد المتضررين، ما دام أن القاضي حرم المتضررين من الحصول على مرتباتهم بسبب تغيبهم عن العمل لأسبـاب لم يكن لهم أي دخل فيهـا. كما حرمهم من الحصـول على التعويـض ، لذلك فإننا لا نؤيد هذا القضاء، لأنه حتى ولو سلمنا بأن الأجر يكون مقابل العمل، كما ذهب إلى ذلك القاضي الجزائري، فإنه من حق الشخص الذي صدر ضده قرار الإعتقال، أو الشخص الذي صدر لصالحه حكم بالبراءة أن يتحصل على التعويض، وذلك على أساس قاعدة الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. وإذا كان المشرع الجزائري قد تدخل ونص على حق المضرور فـي الحصـول على التعويض في حالة ما إذا تعرض لأضرار من جراء الحبس المؤقت، أو في حالة صدور حكم لصالحه بالبراءة، بعد استعماله لالتماس إعادة النظر ضد حكم جنائي صـادر بالإدانة ، فإن الشـخص المعتقل إداريا من حقـه هو الآخـر الحصـول على التعويض. فهذا الشخص قد اعتقل من أجل المصلحة العامة، ولكي تتحقق المساواة بين الأشخاص الذين استفادوا من قرار الإعتقال -المجتمع- والشخص الذي تضرر من قرار الإعتقال، فإنه يجب منح التعويض لهذا الأخير. وإذا كانت الإدارة المستخدمة التي رفضت منح التعويض للموظف المعتقل – والتي أيدها القاضي في ذلك – ليست مسؤولة عن قرار الإعتقال، فإن الموظف المعتقل هو الآخر غير مسؤول عن صدور قرار الإعتقال، وعليه كنا نتمنى أن يحكم القاضي الجزائري للمضرور بالتعويض الذي تدفعه الإدارة المستخدمة مع احتفاظها بحق الرجوع على الجهة التي أصدرت قرار الإعتقال ، لأن هذا الإعتقال لا دخل لإرادة المعتقل فيه، وعليه يمكن تشبيهه بالقوة القاهرة . ولكن هل كان بإمكان القاضي الجزائري الوصول إلى مثل هذه النتيجة؟ إننا لا نعتقد ذلك، ما دام أن مسألة عدم استقلالية القضاء كانت –خلال فصله في تلك المنازعات- من أهم العوائق التي تحول دون الوصول إلى ذلك.
هذا و تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية أصدر مرسوما ، سمح من خلاله للأشخاص الذين تم تسريحهم بسبب تعرضهم لإجراء الإعتقال الإداري، أن يطالبوا إما بإعادة إدماجهم في وظائفهم، أو أن يطالبوا بالتعويض عما أصابهم من أضرار نتيجة تعرضهم للتسريح أو العزل، و ذلك من خلال تقديمهم لطلب إلى اللجنة المنشأة خصيصا لهذا الغرض. و معنى ذلك أنه لا يجوز لهؤلاء الأشخاص الجمع بين طلب إعادة الإدماج و طلب التعويض.
إلا أن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن هذا المرسوم الرئاسي لم يميز بين من ارتكب أفعالا كانت سببا في المأساة الوطنية، و تعرض لأحكام بالإدانة من طرف الجهات القضائية، و قامت الجهات المستخدمة بتسريحه على أساس ارتكابه لتلك الأفعال، و بين الذي لم يرتكب أي فعل يتعلق بالمأساة الوطنية، و كان ضحية لتلك المأساة كالمعتقل إداريا. فهل يعقل أن تتم معاملتهم بنفس الطريقة التي يعامل بها من تسبب في تلك المأساة ؟ إن الملاحظات التي أبديناها سابقا تتأكد هنا و المتمثلة في أن السلطات العامة اعتبرت الإعتقال الإداري بمثابة عقوبة.
إن هذا المرسوم ألحق في الحقيقة أضرارا بالأشخاص الذين تم تسريحهم نظرا لتعرضهم لإجراء الإعتقال الإداري، ما دام أن المادة 12 منه نصت على أنه لا يترتب على إعادة الإدماج أثر مالي بالنسبة للفترة التي لم يعمل فيها المعني. وعلى هذا الأساس، فإن الأشخاص المعتقلين ليس لهم الحق في المطالبة بالمرتب و الأقدمية و العلاوات… عن الفترة التي كانوا فيها رهن الإعتقال الإداري. إن هؤلاء الأشخاص كانت لهم أسر يعولونها. فإذا كان القاضي الإداري الجزائري قد رفض الحكم لهم بالمرتب، عن المدة التي قضوها في مراكز الأمن، نظرا لتعرضهم لإجراء لم يكن لهم أي دخل فيه . و إذا كان رئيس الحكومة قد اعتبر أن فترة الإعتقال الإداري هي بمثابة عطلة غير مدفوعة الأجر،فمن الذي يعوضهم عن الأضرار المادية و المعنوية المترتبة على قيام الإدارة بتسريحهم عن وظائفهم، ما دام أن المرسوم الرئاسي رقم 06-124 قد حرمهم من الآثار المالية المترتبة على إعادة الإدماج .
الخاتمة:
لقد نص المؤسس الدستوري في المادة 86 من دستور 1989 الذي طبقت فيه إجراءات الإعتقال الإداري-وتقابلها المادة 91 من دستور 1996- على أنه "يقرر رئيس الجمهورية، إذا دعت الضرورة الملحة، حالة الطوارئ أو حالة الحصار لمدة معينة…و يتخذ رئيس الجمهورية التدابير اللازمة لاستتباب الوضع…" و معنى ذلك أن المؤسس الدستوري هو الذي تدخل وحدد الآثار المترتبة على إعلان حالتي الطوارئ و الحصار. أو بالأحرى هو الذي حدد الإختصاصات التي يمكن اتخاذها في تلك الحالتين، أي تنظيم الحالتين، و السلطة المختصة بذلك التنظيم. إن هذه السلطة تتمثل في رئيس الجمهورية. على أن المادة 83 من دستور 1989-و تقابلها المادة 87 من دستور 1996- منعت أي تفويض في هذا الصدد.
و لكن إذا رجعنا إلى ما وقع من الناحية العملية، لوجدنا بأن إجراء الإعتقال الإداري باعتباره من التدابير اللازمة لاستتباب الوضع في ظل حالتي الطوارئ و الحصار، قام رئيس الحكومة بتنظيمها بمرسوم تنفيذي، على الرغم من أنه من الإجراءات التي لا يجوز لرئيس الخمهورية أن يفوض سلطته فيها. و هنا تثور مسألة مدى دستورية الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة في ظل حالتي الطوارئ و الحصار؟
و إذا كانت المادة 91 من دستور 1996، قد أخذت بنفس الحكم، أي حددت السلطة المختصة بتنظيم حالتي الحصار و الطوارئ، و السلطة المختصة بتقرير الحالتين. إلا أن المادة 92 من نفس الدستور، نصت على أن تنظيم حالة الطوارئ و حالة الحصار هي من المسائل المحجوزة للمشرع. و هنا تكمن المشكلة، إذ لا يمكن إعمال المادتين معا. فهل أن المؤسس الدستوري فكر جيدا في تلك المادتين، أم أن الأمر يتعلق بمجرد تقليد لغيره من المؤسسين أو المشرعين؟
merciiiiiiiiiii
من البحوث المدرسية إلى المواقع الإباحية وألعاب العنف ……………..
غالبا ما يقصد أبناؤنا مقاهي الأنترنت من أجل إنجاز البحوث المدرسية، أو قصد الاستماع وتحميل الموسيقى والألعاب على أجهزة ”أم بي ”4 وأم بي .”3 بل وهناك من أطفالنا من يدخل ”السيبر كافي” أو تصله إلى بيته تقنية ”لا دي أس أل” لمشاهدة الأفلام وتصفح عدة مواقع إلكترونية. وفي خضم هذه الرحلة الاستكشافية لعالم أقل ما يقال عنه إنه دون ضوابط وحدود، يبقى الطفل يغوص في عالم غريب وخطير في أهم مرحلة يمر بها في حياة المراهقة.
هل الأولياء على علم بمخاطر الإدمان على ”النت ” في هذا الوقت بالذات؟ أم أن أبناءهم دون رقيب ولا حسيب؟ وهل هم على علم بالمواقع التي يتصفحها أبناؤهم والتي من شأنها أن تخدش براءة الطفل وطفولته في وقت مبكر؟
الأولياء يستحسنونها ولكن…!
تقول السيدة نادية ”إن بحر التكنولوجيا واسع فليس علينا إعاقة أبنائنا عن أن ينهلوا منه ما استطاعوا”. مضيفة ”إن الطفل من 06 سنوات إلى 15 سنة لا يذهب تفكيره إلى أكثر من مواقع الألعاب والترفيه. لكن إدمان اللعب على الكمبيوتر مشكل حقيقي”. واستدلت بابنها الذي يقع في مناوشات مع والده احتجاجا على زحزحته من أمام الكومبيتر.
أما السيد عبد الله فقال ”إن الكومبيوتر ليس جهاز تلفزيون يتم فيه اختيار القنوات والبرامج بزر ”الرومت كونترول، وإنما الصور الممنوعة تظهر وتختفي عبر شاشة الكومبيوتر لوحدها وهي كافية لمفاجأة الطفل، لذلك وجب علينا حماية أبنائنا من خلال إنشاء ضوابط تكنولوجية تقوم بحجب المواقع غير اللائقة أو وضع كلمات المرور قبل الدخول إلى الجهاز منذ البداية”.
في حين يقول السيد مداني ”إن إدمان ”النت” في حد ذاته خطر على الصحة الاجتماعية”، معتبرا أن إدمان الطفل على جهاز الكومبيوتر يجعله يتفادى اللعب والخروج مع أقرانه ”مثل ما حدث مع ابني، يقول محدثنا، الذي أصبح يتحاشى الخروج من المنزل ألا ما تعلق بأوقات الدراسة”، مضيفا أن ”التحصيل العلمي لطفل الكومبيوتر من شأنه أن يتراجع في حال الإدمان”.
أما السيدة صفية فتقول ”إن الدراسات العلمية الحديثة أكدت تأثير الكومبيوتر والأنترنت على الصحة العامة للطفل كإصابة طفل الانترنت بالسمنة المبكرة لقلة النشاط البدني المبذول لديه وبقائه ساعات طويلة أمام الكومبيوتر، فضلا عن تأثر الطفل نفسيا، تضيف محدثتنا، بما يشاهد من ألعاب العنف التي تغير من سلوكاته”.
أصحاب مقاهي الأنترنت يتهمون الأولياء
لم ينف أصحاب مقاهي الأنترنت، الذين التقينا بعضهم، إقدام بعض الفئات العمرية الصغيرة على البحث في مواقع كثيرة تتجاوز سنهم بغية إشباع الفضول وحب المعرفة لديهم.
يقول مسير مقهى الكتروني بباش جراح ”غالبا ما أستقبل أطفالا بين 08 و12 سنة بغرض إنجاز البحوث أو مشاهدة أفلام الكرتون وهم فئة تتحدد أغراضهم من الشبكة المعلوماتية منذ الوهلة الأولى. لكن من يتعدى هذا السن من الأطفال فإنهم يقصدون المقهى للعب أو الاستماع وتحميل الأغاني، وهو الأمر الذي يمكنهم من الاصطدام ببعض الألعاب العنيفة أو بالأغاني الهابطة المصاحبة لصور ومناظر غير لائقة!؟”.
ويرى آخر أن أجهزة الكومبيوتر وحقوق الانضمام إلى الشبكة المعلوماتية ليست في متناول الكثيرين، إلا من ذوي المستوى التعليمي والاقتصادي المتوسط فما فوق، ولذلك فإن الكارثة تكمن في الحرية المطلقة للأطفال الذين يقصدون مقاهي الأنترنت. ”أنا شخصيا أرى أن مسؤولية استعمال الأنترنت تعود إلى الأولياء الذين وجب عليهم إرشاد أبنائهم إلى مخاطر وسلبيات هذه الشبكة مقارنة بفوائدها وتوجيههم نحو الاستخدام الأمثل والمحدد لها”. مضيفا ”إن التربية الصحيحة المبنية على الأسس الدينية كفيلة بإبعاد أطفالنا عن مخاطر ومحتويات شبكة المعلومات العالمية”.
ولكن تبقى مسؤولية صاحب مقهى الأنترنت كبيرة لأنه معنويا ومدنيا مسؤول على كل ما يحدث في متجره، لذا فهو مطالب بالعمل على ردع هذه التعاملات ومنع الأطفال من دخول المواقع الإباحية ومشاهدة الصور الخليعة، وحتى المواقع العنيفة التي يمكنها أن تؤثر على الطفل في حياته المستقبلية
هل تبحثين عن طريقة لتعليم أطفالك المسؤولية ؟ أفضل الدروس يمكن أن تُعلم في البيت. سواء كنت أما عصرية أو تقليدية نقدم لك هذه النصائح لتعليم أطفالك المسؤولية:
خصصي بعض المسؤولية
يجب أن يتعلم الطفل القيام بالمهام المنزلية اليومية. علمي الاولاد والبنات على حد سواء مساعدتك في ترتيب الغرف، الالعاب، تنظيف المائدة، غسيل الاطباق وطي الثياب. يمكنك تخصيص مكافآت مالية لمن يقوم بعمله بشكل كامل وبانتظام.
امنحيهم بعض القرارات
اتركي طفلك يقوم ببعض القرارات والإختيارات الخاصة لتعلم حس المسؤولية والإستقلالية. يجب تقديم خيارات محددة للأطفال الأصغر سنا، لكن امنحيهم الفرصة للإختيار.
تبنِ حس الإستقلالية
الطريقة الوحيدة لإتقان أي مهارة تكون عبر التطبيق أو الممارسة. حسب عمر الطفل قومي بتوفير الفرص لبناء حس الاستقلالية، مثل: اختيار الثياب، اختيار حضور حفل أو مناسبة وهكذا.
كوني قدوة جيدة
تحملي مسؤولياتك الخاصة بجدية وكوني مثالا جيدا أمام عيون أطفالك اليقظة. يقول توماس إس.غرينسبون، (دكتور في علم النفس) “يتعلم الاطفال السلوكيات البسيطة وحس المسؤولية من آبائهم، الأطفال مراقبون جيدون وغالبا ما ينسخون تصرفات آبائهم وحتى حركاتهم”. حافظي على وعودك ولا تكذبي على الأطفال وإلا فقدت ثقتهم بك.
استعيني بكتاب
تحمل القصص الكثير من القوة والمعاني والدروس، لذا عندما يتعلق الأمر بتعليم الاطفال درسا جديدا ابحثي عن كتاب يؤكد ما تريدين تعليمه للاطفال. مثلا عدم مرافقة الغرباء، المشاركة مع الأصدقاء، احترام كبار السن والاصدقاء!
ناقشي معهم الحالات الصعبة
بالرغم من أن غريزتك الأولى تتجه الى حماية أطفالك إلا أنك يجب أن تتحلي بالشجاعة وتتحدثي معهم عن مخاوفك ومشاكلك الصحية والمالية والعائلية، إخبار الاطفال بما يجري حولهم يساعدهم على التأقلم مع الظروف القادمة بشجاعة وثبات.
في بعض الاحيان ممكن و بعض الحالات استعمال الوسائل الردعية للتحكم في الاوضاع شكرا على اية حال عللى الموضوع
مذكرة تخرج : مفهوم المسؤولية الإدارية
التحميل من الرابط التالي :
http://www.ouarsenis.com/up//uploads/files/ouarsenis-d098ffc246.rar
التحميل
المسؤولية الإدارية و دعوى التعويض
الفصل الأول : الأساس القانوني للمسؤولية الإدارية .
إن المسؤولية في معناها الواسع والذي حاول الكثير من الفقهاء إعطاءها تفسيرات وتعريفات كثيرة ورغم الاختلاف البسيط فيها فإن القانون استطاع أن يضع لها نطاقا قانونيا إداريا والذي يتعلق أساسا بمسؤولية الدولة بشكل عام والإدارة بشكل خاص وهذا عن أعمالها الضارة والتي تستوجب التعويض لا محالة .
ورغم تمتع الدولة والإدارة بامتيازات منحها إياها المشرع وهذا محاولة منه لحماية المصلحة العامة فهذا لا يعني أن لا سلبيات لها وهذا محاولة منها في التعسف في استعمال سلطاتها المخولة لها باسم القانون .
لذلك وفي محاولة شجاعة من المشرع الجزائري فقد عبر مراحل متتالية على إيجاد حلول حقيقية قانونية خاصة بالمسؤولية (الدولة ، الإدارة ) فوضع نظاما قضائيا قائما بذاته ونصوصا خاصة تحمي المتضررين من هذين الجهازين المهمين ( الدولة ، الإدارة ) .
لذلك ومن خلال فصلنا الأول سنتطرق لدراسة ماهية المسؤولية وكذا نشأتها والأسس القانونية التي تبنى عليها وفقا لأربع مباحث على الترتيب :
* المبحث الأول : ماهية المسؤولية الإدارية .
* المبحث الثاني : نشأة فكرة المسؤولية .
* المبحث الثالث : المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ .
* المبحث الرابع : المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر .
المبحث الأول : ماهية المسؤولية الإدارية .
من خلال مبحثنا هذا سنحاول تحديد مفهوم للمسؤولية (المفهوم العام والخاص لها ) ونخص بالحديث المسؤولية الإدارية أي مسؤولية الإدارة عن أعمالها وكذا أعمال موظفيها باعتبارهم جزء منها ذلك أن نشاط الإدارة كأي نشاط آخر قد يكون سببا في إحداث أضرار وذلك باعتبار الإدارة سلطة تنفيذية تستعمل وسائل ضخمة وأحيانا خطيرة في أداء مهمتها ، وسنتطرق أيضا لمختلف الفروق بين نظام المسؤولية في القانون الإداري وما هو متداول عليه في القانون المدني باعتباره القاعدة العامة وهذا ما سنوضحه في ما يأتي من مطالب :
·المطلب الأول : التعريف بالمسؤولية الإدارية .
·المطلب الثاني : خصائص المسؤولية الإدارية .
·المطلب الثالث : العلاقة بين المسؤولية الإدارية والمسؤولية المدنية .
المطلب الأول : التعريف بالمسؤولية الإدارية .
المسؤولية لغة : تعني تحمل التبعة أي أنها الحالة القانونية أو الأخلاقية التي يكون فيها الإنسان مسؤولا عن أقوال وأفعال أتاها إخلالا بقواعد وأحكام أخلاقية وقانونية [1].
المسؤولية الإدارية باعتبارها مسؤولية قانونية ونوع من أنواع المسؤولية القانونية تنعقد وتقوم في نطاق النظام القانوني الإداري ، وتتعلق بمسؤولية الدولة والإدارة العامة عن أعمالها الضارة ، لكن تحديد معناها بالمعنى الضيق وجزئيا ، بأنها " الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة أو المؤسسات والمرافق والهيئات العامة الإدارية نهائيا بدفع التعويض عن الضرر أو الأضرار التي سببت للغير بفعل الأعمال الإدارية الضارة سواء كانت هذه الأعمال الإدارية الضارة مشروعة أو غير مشروعة وذلك على أساس الخطأ المرفقي أو الخطأ الإداري أساسا وعلى أساس نظرية المخاطر وفي نطاق النظام القانوني للمسؤولية الإدارية ومسؤولية الدولة [2].
الأصل أن مسؤولية السلطة الإدارية قائمة على الخطأ ، لأنه لا يمكن إجبار الإدارة على تعويض الضرر أو جبره إلا بناءا على خطئها ، غير أنه في بعض الحالات تكون بصدد مسؤولية بدون خطأ إما لكون الضرر صادر عن فعل الإدارة بالرغم من كونها لم ترتكب خطأ وتكون آنذاك بصدد وجود إخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة أو لكون نشاط الإدارة ذو مخاطر خصوصية والذي تنتج عنه أضرار لا يمكن أن تبقى دون تعويض ، فبما أن الإدارة تستفيد من ذلك النشاط فإنها في مقابل ذلك تتحمل التعويض عن الأضرار الناشئة عنه [3].
من الطبيعي أن تكون مسؤولية السلطة العامة مبدئيا مسؤولية خطيئة بمعنى لا تقوم إلا إذا كان الفعل الضار مخطئا فإذا كانت هذه المسؤولية (على أساس الخطأ) هي المسيطرة في القانون الإداري إلا أنه منذ سنة 1895 وجد نوع آخر من المسؤولية وهذه الأخيرة إنها تقوم من ولو غاب الخطأ ، وهي مسؤولية بقوة القانون بسبب الضرر الحاصل وهذا ما سنوضحه فيما يأتي من مباحث .
المطلب الثاني : خصائص المسؤولية الإدارية .
من أهم خصائص المسؤولية الإدارية أنها مسؤولية قانونية وكذا مسؤولية غير مباشرة ومسؤولية عن الغير ، وأنها مسؤولية ذات نظام قانوني مستقل ، كما أنها مسؤولية جدا ، ومسؤولية حديثة وسريعة التطور .
أولا :المسؤولية الإدارية مسؤولية قانونية .
-إن المسؤولية الإدارية وباعتبارها مسؤولية قانونية يتطلب لوجودها وتحققها اختلاف السلطات الإدارية والمنظمات والمرافق والمؤسسات العامة الإدارية صاحبة الأعمال الإدارية الضارة عن أشخاص المضرورين .
-كما يتطلب فيها أن تتحمل الدولة والإدارة العامة صاحبة الأعمال الإدارية الضارة عبء التعويض من الخزينة العامة بصفة نهائية للمضرور ويشترط في المسؤولية الإدارية توفر علاقة أو رابطة السببية القانونية – وفقا لنظرية السبب الملائم والمنتج – وحريات الأفراد العاديين[4].
-كما يتطلب في المسؤولية الإدارية – باعتبارها مسؤولية قانونية – عدم دخول مال في ذمة الأشخاص المضرورين من قبل الدولة والإدارة العامة بصورة مسبقة على النحو السابق بيانه في مجال تحديد مقومات وعناصر المسؤولية القانونية .
ثانيا :المسؤولية القانونية مسؤولية غير مباشرة .
المسؤولية القانونية المباشرة هي مسؤولية الشخص مباشرة عن أفعاله الشخصية الضارة في مواجهة الشخص المضرور ، مثل المسؤولية القانونية المنعقدة والقائمة على أساس خطأ شخص واجب الإثبات .
أما المسؤولية القانونية غير المباشرة فهي المسؤولية القانونية عن فعل الغير ، كما هو الحال في مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة ، ومسؤولية الدولة والإدارة العامة لأعمال موظفيها وأعمالها الضارة ، فالمسؤولية غير المباشرة أو المسؤولية عن فعل الغير تتحقق وتكون عندما يختلف شخص المسؤول المتبوع طبيعيا وفيزيولوجيا عن شخص التابع مع وجود رابطة أو علاقة التبعية بين التابع والمتبوع والدولة والإدارة العامة باعتبارها أشخاص معنوية عامة تفكر وتعمل وتتصرف دائما بواسطة أشخاص طبيعيين هم عمال وموظفو الدولة والإدارة العامة .
فالمسؤولية الإدارية هي دائما مسؤولية غير مباشرة ومسؤولية عن فعل الغير ، عكس المسؤولية المدنية التي قد تكون مسؤولية شخصية مباشرة وقد تكون مسؤولية غير مباشرة عن فعل الغير .
ثالثا :المسؤولية الإدارية ذات نظام قانوني مستقل .
-باعتبار أن المسؤولية الإدارية مسؤولية الدولة عن أعمالها التنفيذية الإدارية ، أي نظرا لكونها مسؤولية سلطة عامة ومسؤولية منظمات وهيئات ومؤسسات ومرافق عامة إدارية تعمل بهدف تحقيق المصلحة العامة للدولة والمجتمع في نطاق الوظيفة التنفيذية الإدارية للدولة ، فإن المسؤولية الإدارية باعتبارها حالة قانونية ونظام قانوني لابد أن تطبع وتسمع بهذه المعطيات والعوامل وتصبح لها طبيعة خاصة وخصائص ذاتية تستقل بها وتميزها عن غيرها من أنواع المسؤولية القانونية .
-باعتبار أن المسؤولية الإدارية مسؤولية قانونية عن إدارة عامة تتميز بعدة خصائص ذاتية أهمها أنها إدارة بيئوية تتأثر وتؤثر وتتفاعل مع المعطيات والعوامل والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والعلمية والحضارية والثقافية التي تشكل في مجموعها بيئة ومحيط النظام الإداري للدولة والإدارة العامة ، الأمر الذي يجعل حتما المسؤولية الإدارية تتميز بالواقعية والمرونة وشدة الحساسية للبيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والحضارية والعلمية والفنية المحيطة والمتفاعلة بالإدارة العامة في الدولة [5].
رابعا : المسؤولية الإدارية مسؤولية حديثة وسريعة التطور .
تمتاز المسؤولية الإدارية بأنها مسؤولية حديثة جدا ومتطورة بالقياس إلى أنواع المسؤولية القانونية الأخرى ، فالمسؤولية الإدارية أو مسؤولية الدولة عن أعمالها التنفيذية – الإدارية – .
باعتبارها مظهر وتطبيق من مظاهر وتطبيقات فكرة الدولة القانونية – لم تنشأ وتظهر إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كما سيتبين من خلال دراسة موضوع نشأة وتطور مسؤولية الدولة والغدارة العامة – ومازال النظام القانوني للمسؤولية في حالة حركة وتطور وبناء لحد الآن في بعض تفاصيله [6].
المطلب الثالث : علاقة المسؤولية الإدارية بالمسؤولية المدنية .
إن النظام القانوني للمسؤولية الإدارية صلة وعلاقة وثيقة بالنظام القانوني للمسؤولية المدنية إذ إن لهذه العلاقة طبيعة خاصة تبعا لاختلاف النظام القضائي لكل منهما عن الآخر .
وعلى ذلك فإن النظام القانوني للمسؤولية الإدارية وعلاقته بالنظام القانوني للمسؤولية المدنية تبدو جلية خاصة في النظام القانوني المبني على وحدة القضاء والقانون ، وكذا العلاقة بين النظامين في النظام المزدوج القائم على ازدواجية القضاء والقانون ، الأمر الذي يتطلب منا التعرض أولا إلى تأكيد مبدأ استقلالية النظام القانوني للمسؤولية الإدارية ومدى أفضليته عن النظام القانوني للمسؤولية القانونية المدنية لتطبيق ذلك على مسؤولية الدولة والإدارة العامة عن أعمالها من واجب دعوى التعويض ثم التطرق إلى تكييف طبيعة هذه العلاقة وبيان مظاهرها .
أولا : استقلالية النظام القانوني للمسؤولية الإدارية وأصالته عن النظام القانوني للمسؤولية المدنية
لما كان القانون الإداري في مجمله مجموعة قواعد استثنائية غير مألوفة منظمة لعلاقة الأفراد مع الإدارة ، فإن النظام القانوني للمسؤولية الإدارية لا يعدوا أن يكون وليد هذه الفكرة كونه يتضمن على مجموعة من أحكام وقواعد قضائية خاصة واستثنائية غير مألوفة في صعيد قواعد النظام القانوني للمسؤولية المدنية .
ذلك أن فكرة التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ الإداري المرفقي وكذا تفاصيل نظرية المخاطر كأساس قانوني للمسؤولية الإدارية وهو الأساس الحديث بعد نظرية الخطأ الذي تولدت بموجبه بدايات تبلور فكرة المسؤولية الإدارية بمعنى المسؤولية الموجبة للتعويض العادل والمنصف في حق المضرور كما سنرى في المبحثين الثالث والرابع من هذا الفصل .
فإذا كان الخطأ الشخصي الموجب للمسؤولية المدمية العادية يتميز بالثبات فإن الخطأ المرفقي أو الإداري هو خطأ متميز في ذاته متطور ومرن ، وتجدر الإشارة إلى أن تطوره ومرونته هي من الخواص المنبثقة عن القانون الخاضع له وهو القانون الإداري بالإضافة إلى أن تطور مقتضيات وظروف المؤسسات الإدارية تعني بلا شك تطور مبدأ المسؤولية الإدارية ونظامها القانوني الذي تخضع له .
أما بالنسبة لعنصر الضرر فإنه فيما يخص المسؤولية المدنية هو ضرر مادي مباشر من شخص (فرد) إلى آخر في شخصه أو ماله أو تبعته (من كان تحت رعايته) ، فإنه يبدو ضيق النطاق ، محدود المعالم مقارنة مع الضرر الذي تلحقه الإدارة بالأفراد سواء كانوا تابعين لها (خطأ وظيفي موجب للمسؤولية التأديبية) ، أو الخارجين عنها (منتفعين بنشاطها)، فإن هذا الأخير يعتبر واسعا سعة النشاط الإداري خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المسؤولية وفق الأساس القانوني الحديث ، (نظرية المخاطر) ، تجعل الإدارة مسؤولة عن الأضرار التي تلحق الأفراد سواء أخطأت أم لم تخطئ .
ورغم جملة هذه الاختلافات بين المسؤوليتين إلا أن نطاق التداخل بينهما واضح وجلي من حيث أن لكليهما (نظرية المسؤولية الإدارية والمسؤولية المدنية) يشكل أنواع المسؤولية القانونية بوجه عام .
كما أن كلا من النظامين القانونيين يترابطان ويتصلان ببعضهما في علاقة تكامل وتعاون حيث أن النظام القانوني للمسؤولية الإدارية باعتباره حديثا غير مكتمل المعالم فإنه يستعير من النظام القانوني للمسؤولية المدنية باعتباره نظاما راسخا بأحكامه وقواعده وتقنياته بعضا منها ، بل ويمكن القول كلها من أجل إقرار التعويض وأسسه التي تبنى عليه (خطأ ، ضرر ، علاقة سببية ) .
وخير دليل على ذلك هو أن البلاد التي تطبق نظام ازدواجية القضاء والقانون تخضع المسؤولية الإدارية إلى قواعد المسؤولية المدنية في بعض الحالات على سبيل الحصر استثناءا من الأصل وتختلف هذه الحالات من دولة إلى أخرى (الدول التي تطبق نظام الازدواجية) .
فحالات مسؤولية الدولة والإدارة العامة عن الحوادث والأفعال الضارة الناجمة عن المرافق والمؤسسات العامة الاقتصادية والاجتماعية وحوادث السيارات تخضع لأحكام وقواعد النظام القانوني للمسؤولية المدنية في أغلب دول الازدواجية القضائية ومنها الجزائر.
فعلاقة النظام القانوني للمسؤولية الإدارية والنظام القانوني للمسؤولية المدنية قائمة وموجودة باستمرار وهي علاقة تعاون وتكامل بصور مختلفة ومتطورة .
·وجهة نظر : وعلى ذلك يمكننا القول بأن الفرق الوحيد الذي أبرز اختلافا واضحا بين المسؤولية الإدارية والمدنية هو من وجهة نظرنا طبيعة الخطأ الموجب للضرر الذي على أساسه تعقد المسؤولية بعد ثبوت العلاقة السببية بينهما وهو الخطأ المرفق .
ثانيا : مدى صلاحية أحكام النظام القانوني للمسؤولية الإدارية .
ونقصد بذلك مدى صلاحية أحكام النظام القانوني للمسؤولية الإدارية وأسسه في رسم الطريق نحو تحقيق التكامل بين إشباع الحاجات العامة من جهة والمحافظة على سلامة الأفراد وكذا تعويضهم في حالة حدوث الضرر الموجب للمسؤولية خاصة إذا كان أخذنا بعين الاعتبار أن أحكام هذا النظام (المسؤولية الإدارية) حديث في نشأته حداثة القانون الإداري .
فهناك جانب من الفقه يرى بضرورة الجمع بين نظامي المسؤوليتين وتوحيد أحكامها عن طريق تطبيق نظام المسؤولية القانونية غير المباشرة في القانون المدني والمؤسسة على أساس نظرية الخطأ المفترض في المسؤولية الإدارية ، ذلك أنه وفق هذا الاتجاه إن أحكام المسؤولية على أساس الخطأ المفترض في النظام القانوني لها (المسؤولية) كفيل باستغراق وتنظيم حالات المسؤولية الإدارية .
وعلى ذلك فإن منظور هذا الاتجاه يرى بتطبيق معالم المسؤولية المدنية وأسسها على المسؤولية الإدارية لاسيما تلك المتعلقة بالمسؤولية الإدارية على أساس الخطأ فيطبق في هذا المجال أحكام مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة ، ومسؤولية متولي الرقابة عن أفعال من هم تحت رقابته ، ومسؤولية الحارس بكل ما فيها (حارس حيوان ، حارس عن البناء … ) فكلها تطبق على حالات المسؤولية الإدارية وتقبل التطبيق عليها استغراقا لها .
·الرأي الراجح : (الاتجاه الثاني) .
إن الرأي أو الاتجاه القوي بخصوص هذه المسألة هو رأي أغلبية الفقهاء الفرنسيين في القانون العام وخاصة الإداري وذلك باعتبارها المصدر التاريخي لفكرة القانون والقضاء الإداري بصفة عامة والنظام القانوني الأصيل والمستقل والخاص للمسؤولية الإدارية الذي ذهب إلى ضرورة وضع نظرية متكاملة البناء ذات كيان مستقل اسمها نظرية المسؤولية الإدارية والتي تختلف في معالمها عن المسؤولية المدنية نظرا للطبيعة الخاصة والاستثنائية لها ، بحيث أنه وصلت نظرية المسؤولية غير التعاقدية للسلطة العامة إلى درجة كبيرة من التكامل .
لقد رفض القضاء الإداري الفرنسي من أول وهلة تطبيق القواعد الموضوعية للمسؤولية المدنية على النظام الذي يحكم المسؤولية الإدارية بحيث لا يمكن تطبيق المبادئ القائمة في التقنين المدني بخصوص المسؤولية عليها ذلك أن هذه الأخيرة (المسؤولية الإدارية) متميزة بذاتها وأحكامها ذلك أن هذه المسؤولية ليست عامة ولا مطلقة ولها قواعدها الخاصة التي تختلف وتتنوع باختلاف وتنوع حاجات المرفق العام ، وكذا ضرورة التوفيق بين حقوق الدولة وحقوق الأفراد في إطار تجانس المصلحتين العامة والخاصة .
·الرأي المأخوذ به :
رغم أن الكثير من الفقهاء ذهبوا إلى ضرورة اعتبار النظام القانوني للمسؤولية الإدارية مستقل من النظام القانوني للمسؤولية المدنية مقدمين في ذلك جملة من الحجج التي من بينها :
-أن القواعد والنصوص المدنية التي ستقاس عليها مسؤولية الإدارة عن أعمالها وموظفيها تنظم وفق علاقة تبعية بين المتبوع الذي هو الإدارة والتابع الذي هو الموظف ، رغم أن العلاقة بين الطرفين (الموظف والإدارة) ليست تعاقدية بتلك القائمة بين المتبوع والتابع ، وعلى ذلك فلا يمكن تطبيق قواعد القانون المدني على القواعد الإدارية .
-إن قواعد المسؤولية المدنية عاجزة عن مواجهة جميع مسؤوليات السلطة الإدارية وذلك في الحالات التي لا يمكن فيها إسناد الفعل الضار إلى الموظف أو إلى موظفين معينين حتى يمكن إعمال فكرة مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع ، وكل ذلك يؤدي إلى أفضلية القواعد الإدارية في موضوع المسؤولية خاصة أنها تأخذ وتوازن بين جميع الاعتبارات ، فإن الرأي الذي نأخذ به كوجهة نظر متواضعة هي الاتجاه الذي يرى بضرورة توحيد النظامين القانونيين للمسؤولية في قالب واحد يجسد التزاوج بينهما خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الناحية العمالية على الصعيد القضائي الإداري في كون القاضي وهو يفصل في النزاع يستقي حكمه من القانون المدني في ظل عدم وجود تقنين إداري مستقل ثابت ، بداية من أحكام المادة 124 من القانون المدني .
المبحث الثاني : نشأة المسؤولية الإدارية
ظلت الدولة بصفة عامة و الإدارة بصفة خاصة و لحقبة طويلة من الزمن غير مسؤولة عن أعمالها المختلفة، و كذا عن أخطاء موظفيها، و يعود ذلك إلى الفكرة التي كانت سائدة آنذاك و هي أن الدولة شخص معنوي مجسدة في شخص الملك الذي لا يخطئ أبدا، و كذا إلى فكرة السيادة باعتبار أن المسؤولية التزام و هو ما يتناقض مع السيادة في شكلها التقليدي بما تنطوي عليه من سمو و إطلاق، إلا انه في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 بدأ المفهوم المطلق لعدم مسؤولية الدولة يندثر خاصة مع اتساع مجال تدخل الدولة في جميع المجالات مما ينتج عنه تعدد الأضرار على الأشخاص و الأموال، وبدأت فكرة المسؤولية تشق طريقها نحو التطبيق، وسنتطرق خلال هذا المبحث إلى المسار التاريخي الذي مرت به فكرة المسؤولية الإدارية في الأنظمة القانونية الكبرى في العالم بداية بالنظام الأنجلو***وني الذي تمثله إنجلترا ’ ثم النظام اللاتيني الذي تمثله فرنسا ، لنصل في الأخير إلى فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر ، وذلك وفق ثلاثة مطالب على الترتيب .
·المطلب الأول : نشأة فكرة المسؤولية الإدارية في النظام لأنجلو ***وني .
·المطلب الثاني :نشأة فكرة المسؤولية الإدارية في النظام القانوني اللاتيني .
·المطلب الثالث: نشأة فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر .
المطلب الأول : نشأة فكرة المسؤولية الإدارية في النظام لأنجلو ***وني .
كانت بريطانيا في موضوع المسؤولية الإدارية تعتنق مبدأ أساسي هو عدم مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها بصورة مطلقة ثم حاول الفقه و القضاء ثم المشرع تطليق هذا المبدأ عن طريق اتخاذ جملة من الاستثناءات الواردة عليه (عدم مسؤولية الإدارة) أين تقرر مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها في بعض المرافق العامة دون غيرها، ثم وسعوا نطاقها,ذلك أن عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها و كذا أعمال موظفيها قد بينت على عدة مبررات منها القاعدة الدستورية القائلة بأن "الملك لا يخطئ"أين اعتبر الملك و بالتالي تسأل عن أعمالها الغير مشروعة الصادرة في حق الغير و تمتد هذه الحماية إلى موظفيها فلا يسألون حتى في ذمتهم الخاصة لأنهم في خدمة جناح الملك الذي لا يخطئ و بالتالي فهم جزء منه و أداته في أعماله حتى و إن كانت غير مشروعة، فالمفهوم الذي كان سائدا آنذاك هو امتزاج و اتحاد الدولة في شخص الملك إذ لم يكن ينظر إليها كوحدة قانونية قائمة بذاتها و مجردة,لها الشخصية المعنوية بل هي في نظر القانون ليست إلا الملك و تابعيه , فالقول بمساءلة الدولة و موظفيها عن الأضرار الناجمة عن أعمالهم أثناء أدائهم لخدماته الوظيفية ما هو إلا مساءلة للتاج(الملك) عن أخطائه الشخصية وهو مالا يسمح به و لا تقرره القاعدة المذكورة و الراسخة في القانون الانجليزي[7] ، بل إن الأمر أكثر من ذلك حيث كان لا يسمح بالرجوع على الموظف الذي سبب خطأه الشخصي ضررا حتى و إن كانت هذه المسالة مسألة شخصية في ذمته المالية الخاصة وعلى ذلك يمكن اعتبار الموظف وفق هذه النظرة الإله صغير،الأمر الذي يعقد الأمور و يشل حركة الإدارة بصفة خاصة و الدولة بصفة عامة في غياب الرعاية الإلهية، ثم من أجل تفادي هذا نظرا للقضاء الانجليزي و معه الفقه إلى مبدأ عدم مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها نظرة الرفض لقسوة هذا المبدأ فأخذ يحقق منه محاولا التلطيف من حدة هذه القسوة ، وعلى ذلك قرر في بداية الأمر مسؤولية الموظف الشخصية استنادا إلى السند و المبرر الفقهي الانجليزي في تكييفه لطبيعة العلاقة القانونية التي تربط الموظف لأنها خارجة عن حدود عقد الوكالة[8] كما حمل القضاء الانجليزي الإدارة التدخل في تحمل التعويض نيابة عن الموظف في بعض الأحيان رغم أن هذا التدخل لا يعتبر و لا يشكل مسؤولية الإدارة بالمعنى القانوني للمسؤولية لأنها في هذه الحالة تتحمل عبء التعويض المحكوم به على الموظف رحمة و شفقة عليه وليس التزام عليها. وعلى ذلك يمكننا القول:" بأن الأساس التاريخي للمسؤولية الإدارية في انجلترا خاصة بني على الفكرة التيوقراطية القائم على أساس تأليه الملك و بالتالي عصمته من الخطأ و في الوقت الذي أحس الأفراد بخطورة الموقف من خلال هذا المبدأ حتى مع جملة التغييرات الشكلية الطفيفة عليه ة بقي الأمر خطيرا بحيث أصبح الأفراد متخوفين عن ضياع مصالحهم في إطار استمرار الشعور بعدم الاطمئنان.مما أدى إلى تطور فكرة الفقه و القضاء إلى الضرورة تكوين لجنة قانونية عام 1921 لبحث مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيهاو قد رفعت هذه اللجنة مذكرة بمشروع قانون 1927 يقيم هذه المسؤولية لكن البرلمان الانجليزي رفض إقراره مستندا في ذلك إلى أن إقرار هذا المبدأ يعرض الثروة العامة للضياع نظرا لما يحكم به للأفراد من تعويضات مما يؤثر على مكانة الدولة و مقدرتها المالية،إلا أن المشروع ما لبث أن أحس بخطورة الموقف و عدم عدالة الوضع فوضح قانون 1947 قانون الإجراءات الملكية الذي قرر نهائيا مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها صراحة و أصبح ساري المفعول في مطلع 1948[9].
المطلب الثاني:نشأة فكرة المسؤولية الإدارية في من النظام القانوني اللاتيني .
لقد أجمعت مختلف الدراسات في القانون الإداري أن فكرة المسؤولية الإدارية ارتبطت في نشأنها بنشوء القانون الإداري الذي ظهر في فرنسا ، وهي مرتبطة بتاريخها و نظام الحكم فيها[10].
وكغيرها من الدول القديمة خضعت فرنسا لمقولة " الملك لا يسيء صنعا " و أنه امتداد لإرادة و ظل الله في أرضه، و هو ما جعله يتمتع بسلطة مطلقة في تسيير شؤون الدولة و عدم خضوعه للرقابة بما فيها الرقابة القضائية، و اعتباره مصدرا للعدالة، و التكفل شخصيا بالفصل في أي منازعة، و كذا وقف تنفيذ الأحكام أو إصدار حق العفو فيها[11]، و بانتقال فرنسا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 من النظام الملكي إلى الجمهوري، و ظهور نظرية مونتسكيو المتعلقة بالفصل بين السلطات، ظهر جدل فقهي كبير حول عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية .إذ أن مناقشة تصرفات الإدارة أمام القضاء، و إعلان مسؤوليتها و إلزامها بالتعويض عن الأخطاء التي يرتكبها موظفوها، يؤدي إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التنفيذية على خلاف ما يقضي به مبدأ الفصل بين السلطات، و لم يكن الاختلاف قائما حول المبدأ و إنما حول تفسيره، إذ يأخذ البعض بالفصل المطلق بين سلطات الدولة، و هو ما كان يميل إليه رجال الثورة الفرنسية متأثرين في ذلك باعتبارات تاريخية تتمثل في تعسف محاكم النظام القديم.
في حين كان الاتجاه الغالــب و الواقع العملي يرجح فكرة الفصل النسبي لما يسمح به من وجود نوع من الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة للحيلولة دون استبداد كل سلطة باختصاصاتها[12] إلا أن النظام القانوني الفرنسي كان مبنيا في بداياته على فكرة أساسية مناطها عدم تدخل السلطة القضائية في نشاط الإدارة ’ حيث رأت السلطة الفرنسية أن المحاكم العادية قد تعرقل الإصلاحات التي تعزم الإدارة القيام بها لذلك عملت على إبعاد منازعات الإدارة عن ولاية المحاكم العادية ’ و تجسيدا لهذه الأفكار صدر قانون16 -24 سنة 1790 الذي نص في المادة 13 منه " إن الوظائف القانونية تبقى دائما مستقلة عن الوظائف الإدارية و أن القضاة لا يمكنهم تعطيل أعمال الإدارة بأي طريقة كانت أو مقاضاة أعوانها من اجل أعمال تتصل بوظائفهم و أن كل خرق لهذا المنع يعتبر خرقا فادحا للقانون"
وتأكد هذا المبدأ مرة أخرى بالقول : " أن القضاة لا يمكنهم التعدي على الوظائف الإدارية أو محاكمة رجال الإدارة عن أعمال تتصل بوظائفهم ’ ويحضر على المحاكم حضرا مطلقا النظر في أعمال الإدارة أيما كانت هذه الأعمال"[13]
و قد اعتبر المدافعون عن قانون 1790 أن مقاضاة الإدارة أو أعوانها أمام القضاء يؤدي إلى عرقلة أعمالها التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام، فمثلا إذا تمت مقاضاة الإدارة حول نزع الملكية من أجل المصلحة العامة فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تعطيل المشاريع التي تم من أجلها نزع العقار من مالكه .[14]
وتطبيقا لهذا القانون فإن المنازعات التي تكون الإدارة المركزية طرفا فيها فإنها تحال مباشرة على الملك ’ أما المنازعات التي تكون الإدارة المحلية طرفا فيها فقد اختص بها حكام الأقاليم.
ومن هنا اجتمع في الإدارة صفة الخصم و الحكم لذلك سميت هذه المرحلة بمرحلة الإدارة القاضية[15] .
و هو ما أعاق تحقيق و تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، إذ أنه منع على السلطة القضائية البث في القضايا الإدارية في حين منح للسلطة الإدارية سلطة الفصل في منازعاتها و أمام رفض الفقهاء و القضاء لتمتع الإدارة بهذا الاختصاص الممتاز، تم فصل الإدارة العاملة عن الإدارة القاضية، عرفت فرنسا تحولا جذريا في مجال منازعات الإدارة إذ بصدور دستور السنة الثامنة من عهد نابليون بونابرت نصت المادة 52 منه على إحداث مجلس الدولة كما تم إنشاء مجالس المحافظات في باقي الأقاليم , و أرجع الكثير من الكتاب سبب إنشاء هذه الأخيرة إلى سيل الطلبات المرفوعة ضد الإدارة آن ذاك [16].
إلا أن قرارات المجلس لم تكن سوى آراء و مشاريع قرارات معلقة على مصادقة رئيس الدولة، إذ أنها لم تكتسي الطابع القضائي، و لم تكن شاملة و لا نهائية، كما أنه لم يعتمد حال فصله في المنازعات على قواعد خاصة تطبق فقط على المنازعات الإدارية، و إنما طبق قواعد القانون الخاص[17].
بل أن جملة القرارات الصادرة عن المجلس في هذه المرحلة لم تخرج عن كونها مشاريع قرارات بخصوص منازعات معينة وجب أن ترفع أمام القنصل العام باعتباره رئيس الدولة الذي كان له وحده حق المصادقة عليها أو رفضها.
فولاية المجالس لم تكن كاملة و شاملة و أحكامه لم تكن نهائية ’ أما مجالس الأقاليم فقد كانت قراراتها قابلة للطعن أمام مجلس الدولة الذي يبدي بشأنها أيضا الرأي ليرفع فيما بعد أمام القنصل العام الذي إن شاء أضفى عليها الصبغة التنفيذية لها و إن شاء رفضها [18].
و على ذلك سميت هذه المرحلة بمرحلة القضاء المحجوز وذلك لأن الفصل في أي منازعة إدارية كان موقوفا على مصادقة و موافقة الرئيس ، و موافقته بالضرورة ستكون وفق ما يخدم مصالحه الشخصية .
كما نصت المادة 75 من دستور السنة الثامنة من الثورة الفرنسية لسنة 1800 على ضرورة استئذان مجلس الدولة قبل رفع قضايا التعويض على موظفي الحكومة بسبب أعمالهم ووظائفهم[19].
إلا أن هذه المرحلة لم تدم طويلا إذ صدر بتاريخ 24/05/1872 قانونا اعترف لمجلس للدولة بصلاحية الفصل في المنازعات الإدارية دون الحاجة لمصادقة السلطة الإدارية على قراراته ’ ولم تعد الأحكام تصدر باسم رئيس الدولة بل باسم الشعب الفرنسي ’ و منذ دلك التاريخ أصبح لمجلس الدولة صفته كجهة قضائية عليا بأتم معنى الكلمة ’ حيث تم الفصل بين القضاء الإداري و القضاء العادي [20].
وعلى ذلك فإن الوظيفة القضائية لمجلس الدولة تتمثل في صلا حيته كمحكمة أول درجة للنظر في المنازعات الواردة على سبيل الحصر ومنها :
*الطعون الخاصة بتجاوز السلطة ، أو دعاوى الإلغاء الموجهة ضد المراسيم اللائحية أو الفردية .
*المنازعات المتعلقة بالمراكز الفردية للموظفين المعينين بمرسوم .
*الطعون الموجهة ضد أعمال إدارية بتجاوز نطاق تطبيقها دائرة اختصاص محكمة إدارية واحدة .
*كما ينظر المجلس في المنازعة الإدارية باعتباره جهة إستئنافية بخصوص الطعون المرفوعة ضد أ حكام المحاكم الإدارية الإقليمية .
*إلا أن الصعوبة تكمن خاصة في كيفية تعليل عدم صلاحية قواعد القانون الخاص لأن تحكم منازعات النشاط الإداري[21].
وبصدور قرار بلانكو الشهير الذي يعتبر نواة القانون الإداري تجسدت فكرة مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها
والذي تتمثل وقائعه فيما يلي :" تعرضت بنت صغيرة تدعى إيجيتر بلانكو لحادث تسببت فيه عربة لوكالة التبغ ، و التي كانت تنقل إنتاج هذه الوكالة من المصنع إلى المستودع .
قام ولي البنت برفع دعوى تعويض عن الضرر المادي الذي حصل لابنته أمام المحكمة العدلية أو محكمة القضاء العادي على أساس أحكام القانون المدني الفرنسي .
قامت وكالة التبغ اعتبرت أن النزاع يهم الإدارة و أن مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص بالنظر في الدعوى [22].
أحيل الأمر على محكمة التنازع بتاريخ 08 /02/1873 ’ أجابت كما يلي:
" حيث أن المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة بسبب الأضرار التي يمكن أن يلحقها أعوان المرفق العام بالأفراد لا يمكن أن تخضع لأحكام القانون المدني الذي يضبط علاقة الأفراد فيما بينهم .
-حيث أن هذه المسؤولية ليست عامة أو مطلقة بل لها قواعدها التي تتغير حسب مقتضيات المرفق العام و ضرورة التوفيق بين مصلحة الدولة و حقوق الأفراد ….و بالتالي السلطة الإدارية وحدها المختصة بنظر النزاع[23].
-ومنذ تلك اللحظة أسس مجلس الدولة قراراته على روح القانون العام أحيانا و علي حسن سير العدالة وكذا
-المرافق العامة من جهة أخرى .
وعلى ذلك نستنتج : أ ن المسؤولية الإدارية كانت فكرة نظرية تجسدت على الصعيد العملي بفضل قرار بلانكو الشهير" .
المطلب الثالث:نشأة فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر
لدراسة فكرة مسؤولية الإدارة عن أعمالها و موظفيها ونشأتها في الجزائر يجدر بنا التطرق إلى ثلاثة مراحل أساسية بداية من مرحلة ما قبل الاحتلال ’ أثناء الاحتلال ’ لنصل في الأخير لدراسة مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها بعد الاستقلال نظرا لما مرت به الجزائر تاريخيا ، وذلك وفق ثلاثة فروع على الترتيب .
·الفرع الأول : فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر قبل الاحتلال
·الفرع الثاني : فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر أثناء الاحتلال
·الفرع الثالث : فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر بعد الاستقلال .
الفرع الأول : فكرة المسؤولية الإدارية في الجزائر قبل الاحتلال
لإبراز فكرة المسؤولية في هذه المرحلة ينبغي أن نتطرق لتاريخ الجزائر القانوني و بمعنى أدق التاريخ القانوني الإسلامي الذي كان مطبقا في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي لها إلى جانب العادات الوطنية التي أثرت فيها أحكام الشريعة الإسلامية حتى أصبحت تشكل عنصرا من عناصرها الجلية [24]" .
وحيث أنه توجد في الشريعة الإسلامية قواعد قانونية عامة تقرر رفع الأضرار عن الرعية مهما كانت الجهة التي تسببت في إحداثها ، ومن هذه القواعد قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ."
وهذه القاعدة الشرعية العامة التي تفيد أن الضرر يزال و أن الظلم يرفع ولو كان من الوالي بل ولو كان من الخليفة الأعظم الذي اختير اختيارا شرعيا .
و يعد المذهب الإسلامي أول مذهب أقر المسؤولية بصفة عامة و الإدارية بصفة خاصة عن الأضرار الناتجة عن السلطة التنفيذية الممثلة في الخلفاء و أعوانهم أو السلطة القضائية الممثلة في القضاة و معاوينهم ، و ذلك تطبيقا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على رفع الأضرار عن الرعية و مساءلة مسببيها مهما كانت الجهة التي صدر عنها الضرر .
و من هذه المبادئ و القواعد " قوله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "
وفي الدولة الجزائرية فقد حذا حكامها حذو حكام الدولة الإسلامية في عهدها الأول فكان يطبقه على إطلاقه وهذا أمر منطقي كون الدولة الجزائرية دولة مسلمة [25].
إلا أنه و مع التطور التاريخ الذي عرفته الأمة الإسلامية و غلبة الطابع الدنيوي أصبح من الضروري إيجاد نظام قانوني و قضائي يتولى تطبيق مبدأ المسؤولية و تعويض المتضررين عن الأضرار الناجمة عن أعمال الدولة أو موظفيها، فظهر ديوان المظالم كجهة قضائية إدارية بالمفهوم الحديث تتولى مقاضاة الولاة رجال الدولة الذين لا يمكن للقضاء العادي مقاضاتهم ، و قد باشر الخلفاء الراشدون النظر في المظالم بعد الرسول صلى الله عليه و سلم بأنفسهم كما فعل عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز و أو بواسطة معاونيهم.
و قد كرسوا هذا المبدأ بإعمال قاعدة مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه في نطاق المسؤولية المدنية و التي يتطلب قيامها ثلاثة شروط، علاقة التبعية بين التابع و المتبوع، خطأ التابع و العلاقة السببية بين خطأ المتبوع و ما استخدم التابع من أجله.
و إذا ما بحثنا عن تطبيق مبدأ المسؤولية في الدولة الجزائرية فإننا نجد أن أمراء بني الأغلب و الفاطميين و سلاطين الموحدين و المرابطين و بني مرين و بني زيان يجلسون لنظرا لمظالم و يعتبرونها من صلب وظيفة الإمارة.
و قد أبقي على ولاية المظالم في عهد الأتراك مع بعض الاختلاف ، و في عهد الأمير عبد القادر طبق مبدأ مسؤولية الدولة بصفة واسعة و موضوعية ، إذ حذا حذو الخلفاء الراشدين و تولى النظر بنفسه في ولاية المظالم و حرص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، إذ كان يفصل في التظلمات المرفوعة إليه ضد موظفي الدولة و يتولى معاقبتهم مهما سمت درجة وظائفهم و مراكزهم، و يصدر في ذلك أحكام نهائية غير قابلة للطعن فيها [26].
الفرع الثاني: المسؤولية الإدارية في عهد الاحتلال
لما كان الاحتلال الفرنسي للدولة الجزائرية غير مشروع بكافة المقاييس، ذلك أنه كان يهدف لتحقيق مصالحه اللامشروعة على حساب سيادة الدولة الجزائرية من جهة وحقوق وحريات الشعب ولاسيما مقدساته من جهة أخرى .
كان حتميا عليه أن تضع مبدءا أساسيا هو عدم مسؤوليتها عن الأعمال الضارة التي تمس بالجزائريين فقط .
وهو ما يتعرض مع مبدأ المسؤولية الإدارية وفق النظرية الغربية للمسؤولية الإدارية القائمة على تطبيقها بصورة متكاملة شاملة و ليست جزئية نسبية
حيث أمتد تطبيق مبدأ المسؤولية الإدارية إلى الجزائر وفق نفس القواعد و الأسس المقرة لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها و مرت بذات التطورات التي مر بها القضاء الإداري الفرنسي ، حيث أقام النظام القضائي الفرنسي في الجزائر جهات قضائية خاصة للفصل في المنازعات الخاصة بمسؤولية الإدارة عن أعمالها و موظفيها ، إذ أنشأت بمقتضى المرسوم المؤرخ في 30/09/1953 محاكم القضاء الإداري الثلاث في الجزائر وهي : محكمة الجزائر ، قسنطينة ووهران التي كانت تفصل في المنازعات الإدارية و التي من جملتها المنازعات الخاصة بالتعويض الإداري تحت إشراف مجلس الدولة الفرنسي بباريس كجهة قضائية للاستئناف و النقض [27].
وعليه يمكننا أن نستنتج بأن تطبيق مبدأ المسؤولية الإدارية في الجزائر مقصورا على الفرنسيين والأجانب المستوطنين في الجزائر، الأمر الذي من شأنه أن يجعل هذا المبدأ نسبي طالما أن تطبيقه لم يشمل الجزائريين مما يفتح باب التعسف تجاههم ، وكل ذلك بهدف إرغامهم على الاعتراف بفرنسية الجزائر"
الفرع الثالث : المسؤولية الإدارية بعد الاستقلال
اختارت الدولة الجزائرية بعد الاستقلال الاستمرار في تطبيق التشريع الفرنسي خوفا من الوقوع في فراغ قانوني و طبقت ذلك وفقا للقانون 62-153 المؤرخ في 31/12/62، الذي قضى باستمرارية تطبيق التشريع الفرنسي إلا ما يتنافى مع السيادة الوطنية كأن يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية و الخارجية للدولة الجزائرية أو التفرقة العنصرية، و قد ورد في ديباجة هذا القانون تبرير حول إختيار المشرع لهذا التمديد بقوله: " إذا كانت الظروف لا تسمح بإعطاء البلاد تشريع يتماشى مع احتياجاتها و طموحاتها فإنه من غير المعقول تركها تسير بدون قانون ’ و لذلك كان من الضروري تمديد مفعول القانون القديم و إستبعاد الأحكام التي تتنافي و السيادة الوطنية إلى أن يتم التمكن من وضع تشريع جديد "[28].
و بموجب الأمر رقم 63-218 المؤرخ في 18/06/1963 تم إنشاء المجلس الأعلى كجهة نقض بالنسبة للقضاء العادي و الإداري.و لم تدم المرحلة الإنتقالية التي شهدها النظام القضائي طويلا، إذ صدر الأمر رقم 65-278 المؤرخ في 16/11/1965 و تضمن عدة إصلاحات و تنظيم قضائي جديد، إذ وضع حدا للازدواجية في مجال المنازعات بإلغاء المحاكم الإدارية الثلاثة (الجزائر، وهران، قسنطينة) و نقل اختصاصاتها للغرف الإدارية بالمجالس القضائية التي أنشأت بموجب المادة الأولى منه 15 خمس عشرة مجلسا، و أسند للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مهمة النظر ابتدائيا و نهائيا في الطعون بالبطلان في القرارات الإدارية و تفسيرها و فحص مدى مشروعيتها ’ كما تولى مجلس الثورة مهمة التشريع خلفا للمجلس الوطني، و قد جعلت هاته الإصلاحات و غيرها من النظام القضائي الجزائري نظاما متميزا عن النظام الفرنسي، و أثبتت الدولة الجزائرية من خلالها أنها حققت نجاحا على مستوى المنظمة القانونية و القضائية بالقضاء على نظام الازدواجية باعتبار أحد مخلفات الاستعمار.
و في المقابل كان تطبيق مبدأ مسؤولية الدولة بعد الاستقلال أمر حتمي و ضروري بعد المعاناة الطويلة التي عانى منها الجزائريين من استبداد و تعسف الإدارة الاستعمارية التي طبقت مبدأ عدم المسؤولية بكل أبعاده و آثاره رغم تقدم النظرية الفرنسية و تكريس مبدأ المسؤولية في فرنسا و حتى في الجزائر لكن بالنسبة للفرنسيين و الأجانب فقط[29].
و قد سار القضاء الجزائري و حتى المشرع على نفس درب التشريع و القضاء الفرنسي، إذ طبق النظرية الفرنسية المتكاملة قضائيا و تشريعا و فقهيا المتعلقة بمبدأ المسؤولية الإدارية، و كرسها في العديد من القرارات القضائية الصادرة عن المجلس الأعلى أو مجلس الدولة بعد إنشائه بموجب القانون العضوى98-01 المؤرخ في 30/05/98 ، و كذا من خلال العديد من النصوص التشريعية و التي نذكر البعض منها فقط على سبيل المثال 2:
صدرت عدة نصوص تشريعية هامة تم بموجبها التوسع في أسس المسؤولية القانونية من الخطأ الشخصي للموظف إلى الخطأ المرفقي ثم ظهرت نظرية المخاطر الإدارية، و من بين هذه النصوص المادة 17/2 من القانون الأساسي للوظيفة العامة.
و المادة 139-145 من قانون 90-08 المتعلق بالبلدية التي كرست مسؤولية البلدية عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس المجلس الشعبيالبلدى و المنتخبون البلديون و موظفي البلدية و كذا مسؤولية البلدية عن الخسائر و الأضرار الناجمة عن الجنايات و الجنح المرتكبة بالقوة العلنية أو بالعنف أو خلال التجمهر والتجمعاتو هو ما تقره أيضا المادة 118 من قانون 90-09 المتعلق بقانون الولاية التي تكرس مسؤولية الولاية.
و تجدر الإشارة إلى انه قد تقررت أيضا مسؤولية الإدارة بموجب نص دستوري المادة 145 من دستور 1996 .
و بتفحصنا لقرارات الغرفة الإدارية لمجلس قضاء بجاية وجدنا أن هناك تكريس واضح و كبير لمبدأ مسؤولية الإدارة، و مثال ذلك القرار الصادر بتاريخ17/02/98 بين ع. ل القطاع الصحي لخراطة ، و القرار الصادر بتاريخ 10/06/2003.
بين ورثة (ب.ع) ورئيس بلدية أوزلاقن ، وكذا القرار الصادر بتاريخ 24/02/2004 بين خ. س و إدارة الجمارك.
و يمكن تلخيص العوامل التي أدت إلى انهيار مبدأ عدم مسؤولية الإدارة ليقوم مقامه مبدأ مسؤوليتها، إذ أضحى هو الأصل بعد أن كان الاستثناء و لتتحقق المساواة بين الإدارة و الأفراد في نقاط هي التالية :
1- الفهم الصحيح لمبدأ سيادة الدولة، إذ بعد أن كانت تفهم على أنها سلطة مطلقة لا تقيد بالقانون و بالتالي لا يمكن مقاضاتها أو إلزامها بدفع تعويض، فلم تعد حاليا تتنافي مع الخضوع للقانون و لا مطلقة، إذ تقيد بأحكام القانون الدولي العام على مستوى العلاقات الدولية، و تقيد بالقانون الداخلي على مستوى علاقاتها مع الأفراد، و بالتالي يمكن مساءلتها و تتحمل دفع تعويضات إذا ما ألحقت ضررا بأحد المواطنين.
و إن كان الفقيهان دوجي وجيز يريان أن فكرة السيادة خاطئة و تتنافي مع المنطق و المبادئ القانونية الحديثة، لأن الحكام و ممثليهم على مستوى الإدارات يتولون اختصاصاتهم في حدود القانون، و يسألون في حالة خروجهم عنهم.
2- انتشار الديمقراطية في معظم دول العالم، و هي النظام الأكثر تقبلا لفكرة المسؤولية و رقابة القضاء، و احتراما للقانون، إذ تقوم أساسا على مبدأ المشروعية و خضوع الجميع حكاما و محكومين للقانون.
3-انتقال الدول من المذهب الفردي الحر إلى مذهب التدخل و تبلور دورها من مجرد حارسة تنحصر مهمتها في حماية الأفراد و السهر على أمنهم و سلامتهم داخليا و خارجيا إلى تدخلها في مختلف الأنشطة و اتساع دورها، و هو ما جعلها تقوم بأنشطة مشابهة لأنشطة الأفراد.مما نجم عند ازدياد الأضرار التي تسببها الأفراد كما و نوعا، و زادت معه الحاجة الملحة لمساءلتها و تعويض الأفراد.
المبحث الثالث : المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ
تقوم المسؤولية بصفة عامة على ثلاثة أركان أساسية هي ركن الخطأ ، ركن الضرر و ركن العلاقة السببية بينهما
ولما تقرر مبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمالها فإن أول أساس اعتمد عليه لتقريرها هو الخطأ .
و على هذا الأساس سنتطرق في هذا المبحث إلى بيان طبيعة الخطأ الموجب للمسؤولية الإدارية و صوره وكذا معايير التفرقة بينه وبين الخطأ الشخصي وفق ثلاثة مطالب على الترتيب .
المطلب الأول : طبيعة الخطأ الموجب للمسؤولية الإدارية .
المطلب الثاني: صور الخطأ الموجب للمسؤولية الإدارية .
المطلب الثالث : معايير التفرقة بين الخطأ المرفقي و الخطأ الشخصي
المطلب الأول : طبيعة الخطأ الموجب للمسؤولية الإدارية .
اتفق الفقه على أن الخطأ الذي يعقد المسؤولية الإدارية و يقرها ليس أي خطأ بل إنه خطأ من نوع خاص يختلف عن الخطأ المعهود الذي بموجبه تتقرر المسؤولية المدنية يعبر عنه بالخطأ المرفقي ، ونظرا لخصوصيته فإنه من الصعوبة بما كان إيجاد تعريف شامل له على الصعيدين الفقهي و القضائي، و لعل سبب ذلك كونه قضائي النشأة شأنه شأن القانون الإداري .
ويرى الدكتور سليمان محمد الطماوي أن هذا المصطلح ( الخطأ المرفقي ) يرجع للفقه الإداري الفرنسي 1
وقد عرف الخطأ المرفقي بأنه : " الخطأ الذي يشكل إخلالا بالتزامات وواجبات قانونية سابقة عن طريق التقصير و الإهمال الذي ينسب إلى المرفق
العام ذاته ويعقد المسؤولية الإدارية2."
فالخطأ في طبيعته خطأ شخصي من موظف عام ولكن نظرا لاتصاله بالوظيفة العامة صبغ بصبغتها فتحول إلى خطأ وظيفي .
كما يعرفه الدكتور عمار عوابدي بأنه : " الخطأ الذي يشكل إخلالا بالتزامات وواجبات قانونية سابقة عن طريق التقصير و الإهمال الذي ينسب ويسند إلى المرفق العام ذاته ويقيم ويعقد المسؤولية الإدارية ويكون الاختصاص بالفصل و النظر فيه لجهة القضاء الإداري في النظم القانونية ذات النظام القضائي الإداري1 ."
المطلب الثاني :صور الخطأ الموجب للمسؤولية الإدارية :
إن التطرق لصور الخطأ الموجب للمسؤولية الإدارية يعني التطرق لصور الخطأ المرفقي ، فإذا كان هذا الأخير يتجسد في إخلال الإدارة بالتزاماتها ، فإن أمثلة هذا الإخلال تتعدد و تتنوع بتنوع الأنشطة الإدارية خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الهدف الذي تسعى له و المتمثل دائما في تحقيق المصلحة العامة .
ولذلك فإن صور إخلال الإدارة بالتزاماتها يتجلى لنا في ثلاثة صور أساسية نبرزها في ثلاثة فروع على الترتيب .
الفرع الأول : التنظيم السيئ للمرفق العام .
الفرع الثاني : سوء سير المرفق العام .
الفرع الثالث : عدم سير المرفق العام .
الفرع الأول :التنظيم السيئ للمرفق العام : وتتحقق هذه الصورة في الحالة التي تكون فيها الأضرار اللاحقة بالضحية ناتجة عن التنظيم السيئ للمرفق العام ، فعندما تتوفر له كل الإمكانات المادية و البشرية لكنه لا بحسن استغلال هذه الوسائل ليضمن السير الحسن للمرفق العام ينسب الخطأ للمرفق ويتحمل عبء التعويض
وكذلك الأمر إذا ما تباطأت الإدارة في تنفيذ أمر كان يتحتم عليها تنفيذه تباطأ أكثر من اللازم والمعقول في أداء تلك الخدمات وترتب عنه ضرر للأشخاص فتقوم بذلك مسؤوليتها (الإدارة ) وتتحمل عبء التعويض .
وقد طبق القضاء الجزائري هذه الحالة عندما قضت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا بموجب قرارها المؤرخ في 08/04/1966 ، وتتلخص وقائع القضية في إن الإدارة وظفت السيد حميطوش وفق شروط غير قانونية و لم تنتبه إلى هذه الوضعية إلا بعد مرور ثمانية سنوات عن توظيفه
– فأرادت الإدارة تصحيح هذه الغلطة ، فلجأت إلى إلغاء قرار توظيفه .
-رفع النزاع إلى الغرفة الإدارية التي قررت بأن هذا التأخير يشكل خطأ مرفقيا موجبا لمسؤولية الإدارة . 1
الفرع الثاني : سوء سير المرفق العام : و تتمثل الخطأ هنا في الأعمال الإيجابية التي تؤدي بها الإدارة خدماتها ، ولكن على وجه سيء مما يسبب الإضرار بالغير سواء تجسد الخطأ هنا في صورة عمل مادي أو في صورة قرار إداري مخالف للقانون 2.
ويمكننا ذكر قضية فصلت فيها الغرفة الإدارية للمحكمة العليا قرار رقم 52862 بتاريخ 16/05/1988
وتتمثل في أن أحد المجانين (مريض عقلي ) أدخل المستشفى ووضع في نفس الغرفة التي يتواجد بها المطعون ضده (ب)
-حيث قام المطعون ضده بأعمال عنف أدت إلى وفاة ابن المطعون ضده ، رفضت الغرفة الإدارية جميع دفوع المستشفى الرامية إلى تقرير عدم مسؤوليته.
– حيث أن الغرفة الإدارية عرضت حيثياتها كما يلي :
– حيث أن إدارة المستشفى تقر بعلم عمال المستشفى وكذا المرضى بأن المدعو (م) مصاب بمرض عقلي، و أنه كان يتعين بالتالي حراسة خاصة عليه باعتباره يشكل خطرا محققا بالنسبة لنزلاء المستشفى ، و أن الأعوان الذين قرروا وضع المريض في نفس غرفة الضحية (ب ، م) خلقوا خطأ تتحمل الإدارة تبعته ، وأنه يوجد بالفعل في هذه القضية خطأ مرفقي "
ففي هذه القضية نلاحظ إهمال رقابة مريض عقلي تمثل سوء سير المرفق العام ( المستشفى) كصورة من صور الخطأ المرفقى .
ثالثا : عدم سير المرفق العام : هذه الصورة من صور الخطأ المرفقي أحدث نسبيا من الصور السابقة ، و ترجع إلى تبلور الأفكار الخاصة بسير المرافق العامة كون أن المبدأ الحديث المتجسد هو أن " سلطات الإدارة لم تعد امتيازا لها تباشره كيفما شاءت ومتى أرادت ، ولكنها واجب على الموظف يؤديه بكل أمانة و مع حرصه التام على المصلحة العامة1 .
ويتمثل الخطأ هنا في ذلك الموقف السلبي الذي يتخذه المرفق بامتناع أحد أدواته ( الموظف ) عن أداء خدماته أو الأعمال التي يكون ملزما بها قانونا .
وعليه يمكننا القول أن كل امتناع من شأنه أن يعطل السير المطرد للمرفق العام ويؤدي بذلك إلى تعطيل المصلحة العامة للأفراد يعني بالضرورة عدم سير للمرفق العام و هو ما يقر المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ المرفقي
وقد بدأ مجلس الدولة الفرنسي أولى تطبيقاته في هذه الحالة بمناسبة الأضرار الناجمة عن الأشغال العامة ، لكن يجب عدم الخلط بين الأضرار الناجمة عن قيام المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر و المسؤولية الإدارية عن الخطأ .
فإذا ترتب الخطأ نتيجة إهمال الإدارة في رقابة الأشخاص التي يجب عليها رقابتهم , ومثاله أن يكون تلميذ في مدرسة ويلحقه ضرر نتيجة الإهمال في الرقابة ’ وكما لو أهملت إدارة المستشفى الأمراض العقلية رقابة المجانين فتمكن أحدهم من الهرب أو أشعل حريقا .
وقد أخذ القضاء الإداري الجزائري بهذا الاتجاه ودليل ذلك أن الغرفة الإدارية فصلت في قضية عرفت باسم صاحبها وهو السيد ( بلقاسي ) ضد وزير العدل
الذي صدر فيها قرار في 19/04/1972 1.
وتتلخص وقائع هذه القضية في تلقي أحد كتاب الضبط المحكمة في شكل أوراق تمت مصادرتها من طرف الضبطية القضائية بمناسبة توقيف السيد (بن قاسي ) غير أن كاتب الضبط سهى عن تقديمها لوكيل الجمهورية .
وفي هذه الأثناء قررت الإدارة تبديل الأوراق المالية المتداولة بأوراق جديدة ’ و هكذا بقي المبلغ المحجوز في خزينة المحكمة دون تبديل .
وبعد الإفراج عن صاحبه (السيد بن قاسي ) ، قام هذا الأخير برفع دعوى ضد وزير العدل مطالبا بتعويضه عن الأضرار اللاحقة به جراء عدم قيام كاتب الضبط بواجباته ( عدم تبديل الأوراق المالية ) باعتباره موظف في مرفق القضاء .
ومن أشكال عدم سير المرفق العام التي ترتب المسؤولية الإدارية ، انعدام الصيانة العادية وهي صورة من صور المسؤولية عن الأشغال العمومية و التي قد تؤدي في بعض الحالات لحوادث المرور2 .
المطلب الثالث : معايير التفرقة بين الخطأ المرفقي و الخطأ الشخصي
إن اقتران الخطأ المرفقي بالخطأ الشخصي أمر لا مناص منه خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المرفق العام لا يمكن أن يسير باطراد ويحقق الغاية المرجوة منه إلا إذا توفر على مجموعة من الإمكانات أهمها البشرية ، هذه الأخيرة التي تتجسد في شخص الموظف،هذا الأخير الذي لا يمكن عصمته من الخطأ .
ولذلك فمن الأهمية بما كان التفرقة بين الخطأين لما في ذلك من أثار، خاصة من حيث تحديد الطبيعة القانونية للمسؤولية إن كانت مدنية أو إدارية ، وكذا تحديد الجهة القضائية المختصة بالفصل في منازعات التعويض التي يرفعها صاحب الشأن المضرور .
عرفه العميد هوريو بأنه : " الخطأ الذي يمكن فصله عن أعمال الوظيفة وواجباتها انفصالا ماديا و معنويا"1 . يمكن تعريف الخطأ الشخصي على أنه : " ذلك الخطأ الذي يرتكبه الموظف العام إخلالا بواجبات قانونية و التزامات يقرها القانون المدني ، فيكون بذلك الخطأ الشخصي للموظف العام خطأ مدني يرتب ويقيم المسؤولية الشخصية وقد يكون الإخلال بالواجبات القانونية و التزامات المقررة و المنظمة بواسطة قواعد القانون الإداري ، فيكون الخطأ المرتكب في هذه الحالة خطأ تأديبيا مقيما للمسؤولية التأديبية للموظف2 .
أما الفقيه لافيير فقد عرفه بأنه : " إن الخطأ يكون شخصيا عندما يصدر فعل ضار من الموظف في تأديته لوظيفته وكان هذا الفعل مطبوعا بطابع شخصي يتميز بعدم الحرص و التبصر ويكشف عن وهن الإنسان و أهوائه عد هذا الخطأ شخصيا ، وبذلك وجب البحث عن نية الموظف أثناء تأدية وظيفته .
ونستطيع أن نستخلص من هذه التعاريف أن الخطأ الشخصي هو ذلك الخطأ الذي يرتكبه الموظف العام تحقيقا لمصلحة شخصية من شأنها أن تحدث ضررا للغير .
وقد تعددت معايير التفرقة بين نوعي الخطأ لان القضاء لا يلتزم بقواعد ثابتة و معايير محددة وإنما يهتم بوضع الحل الملائم لكل حالة على حدى حسب الظروف المحيطة بها ’ وهو ما سنسلط عليه الضوء وفق ثلاثة فروع على الترتيب .
الفرع الأول : الخطأ الخارج عن نطاق الوظيفة .
الفرع الثاني : الخطأ العمدي .
الفرع الثالث : الخطأ الجسيم .
الفرع الأول : الخطأ الخارج عن نطاق الوظيفة .
يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان الموظف أثناء ارتكابه له يقوم بعمل خارج عن نطاق الأعمال الوظيفية , وعلى ذلك فمتى كان الخطأ أثناء ارتكابه غريبا عن مجال العمل الإداري عد خطأ شخصيا .
أما إذا كان الموظف يقوم بأعمال تدخل في نطاق مهامه الوظيفية بشكل سيء عد مرتكبا لخطأ مرفقي موجب للمسؤولية الإدارية ، وهو ما سبق بيانه في المطلب الثاني .
وعلى هذا الأساس يعتبر خطأ شخصي الأفعال التي تتصل بالحياة الشخصية للموظف العام كلية و الأعمال التي لا تدخل في نطاق مباشرة الوظيفة ، ففي مثل هذه الحالات يسأل الموظف شخصيا عن الفعل الضار بصرف النظر عن نيته أو مدى جسامة الخطأ وينفصل هذا النوع من الخطأ عن الوظيفة ماديا وبالمقابل تنعقد المسؤولية الشخصية للموظف وفقا لقواعد القانون المدني و أمام المحاكم العادية ( المدنية ) وذلك لان الوظيفة العامة لا تستغرق الحياة الخاصة للموظف .
وقد ظهر هذا المعيار في قضية السيدة "ميمور " ، وتتلخص وقائع هذه لقضية التي فصل فيها مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18/ 07 1947 في أن شاحنة عسكرية حطمت حائطا للسيدة ميمور وثبت من وقائع الحادث ان السائق خرج عن مسلك المرور المحدد له بالمهمة وارتكب هذا الضرر .
وذكر مجلس الدولة الفرنسي في هذا الحكم رغم أن الموظف أخطأ شخصيا عندما لم يحترم المسلك المحدد له وحمل المسؤولية للدولة كون الخطأ المرتكب له علاقة بالمرفق العام وصرح بموجب هذا الحكم بأن الدولة لها حق الرجوع غلى الموظف كون الخطأ المرتكب في الأصل هو خطأ شخصي .
الفرع الثاني : الخطأ العمدي
هذا النوع من الخطأ يبحث فيه القاضي على سوء نية صاحب الخطأ ، فيكون الخطأ شخصيا حتى ولو ارتكبه الموظف بحيث تحركه في هذه الحالة أغراض شخصية كالرغبة في الانتقام و الكيد تحقيقا لمنفعة ذاتية .
الفرع الثالث :الخطأ الجسيم .
وفقا لهذا المعيار يعد الخطأ شخصيا حتى ولو استهدف تحقيق المصلحة العامة إذا كان جسيما وتظهر جسامة الخطأ في ثلاثة صور :
1- أن يخطيء الموظف خطا جسيما كما لو قام أحد الأطباء بتطعيم عدد من الأطفال ضد الدفتيريا بدون اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة مما أدى إلى تسمم الأطفال .
2- أن يخطيء الموظف خطأ قانونيا جسيما كما في حالة تجاوز اختصاصه بصورة بشعة كما لو أمر أحد الموظفين بهدم حائط يملكه أحد الأفراد .
3- أن يكون الفعل الصادر من أحد الموظفين مشكلا لجريمة جنائية تخضع لقانون العقوبات.
وقد أيد القضاء الجزائري هذه الفكرة ، حيث أصدرت الغرفة الجزائية حكما بالمجلس القضائي لتيزي وزو بتاريخ 04/03/ 1969 في قضية (د-أ ) ضد ضابط الشرطة القضائية السابق (ب- م ) الذي كان ضابطا أثناء حدوث وقائع القضية ، وكان قد استولى على مفاتيح الدكان الذي يملكه (د – أ ) ، و الذي كان محبوسا في مركز الشرطة .
وحكم عليه بالمسؤولية الجنائية و المدنية الشخصية عن الضرر المادي و المعنوي المتولد عن خطئه الجنائي .
وقد لوحظ في هذا النطاق أن مجلس الدولة الفرنسي كان يميل لحماية الموظف العام وهو بصدد تقدير جسامة الخطأ ، فهو لا يعتبر الخطأ شخصيا إلا إذا كان في درجة خاصة استثنائية من الجسامة .
وللتفرقة بين الخطأين نتائجها و المتمثلة في نقاط هي التالية :
1)- تحديد الجهة القضائية المختصة بالفصل في النظم القانونية التي تطبق نظام الازدواجية في القضاء و القانون .
حيث تختص جهات القضاء الإداري بالفصل في دعاوى التعويض في المسؤولية الإدارية المنعقدة على أساس الخطأ المرفقي ، و بالمقابل تختص جهات القضاء العادي بالفصل في دعاوى المسؤولية المدنية و التعويض عندما يكون أساس المسؤولية هو الخطأ الشخصي للموظف العام .
2)- كما أن لهذه التفرقة أهميتها البالغة بالنسبة لحسن سير الوظيفة العامة وانتظامها و تقدمها ، حيث أنها تهيئ الجو اللائق و المناسب للوظيفة العامة ، إذ أن إدراك الموظف العام وهو يباشر مهامه في الوظيفة العامة بعدم مسؤوليته عن الأخطاء المرفقية الوظيفية ، من شأنه أن يخلق له الاطمئنان و الاستقرار النفسي ، مما يدفعه للخلق و الإبداع ، بينما عدم إعمال فكرة هذه التفرقة و مساءلته مدنيا يجعله يلقي بنفسه في أحضان الروتين .
3)- كما ترمي التفرقة إلى تحقيق فكرة العدالة في تحميل المسؤولية و عبء التعويض ، إلا أنه وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى أن فكرة العدالة هي فكرة نسبية في الواقع مطلقة في عالم المثل .
و رغم الفروق الجوهرية بين كل من الخطأين فإن العلاقة بينهما تبقى قائمة ، خاصة بعد ظهور فكرة الجمع بين مسؤولية الموظف و الإدارة تحت ظروف معينة .
فبعد أن كان القضاء الإداري ولمدة طويلة إن المسؤولية الإدارية مانعة للمسؤولية الشخصية بحيث لا تقوم مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ المرفقي مما وسع دائرة ضحايا الأخطاء المرتكبة من الموظف العام وفي ظل هذه الوضعية العملية المحرجة بدأت بوادر ظهور نظرية الجمع بين المسؤوليتين في إطار الجمع بين الخطأين .
وتطورت نظرية الجمع بين المسؤولية المرفقة و الشخصية إلى التفريق بين الجمع بين المسؤوليتين في حالة تعدد الأخطاء و الجمع بين المسؤوليتين في حالة الخطأ الواحد وهو الخطأ الشخصي
ويتحقق جمع الاخطاء عندما يكون الضرر اللاحق بالضحية كان نتيجة تزاوج خطا شخصي و اخر مرفقي ارتكبهما موظف ما . حيث تشترك كل من الوقائع المشكلة للخطا الشخصي وتلك المكونة للخطأ المرفقي وينتج الضرر عن كليهما معا .(1)
وقد سلم مجلس الدولة الفرنسي بهذه القاعدة لأول مرة في حكم له في قضية "انجي " الصادر بتاريخ 03/02/1911 .
حيث دخل المدعي للبريد لقبض حوالة ،وعند خروجه لاحظ أن الباب المخصص لذلك مغلق ، فلجا للباب المخصص للموظفين .
فأمسك به من طرف المستخدمين و القوه خارجا مسببين له كسرا ، وبناءا على دعوى المضرور ارتأى القاضي بان الحادث نتج عن خطأين متميزين هما :
1) – خطا مرفقي أو مصلحي ناتج عن غلق مكتب البريد قبل الوقت المحدد ، وعلى ذلك فالمرفق يسير بشكل سيء ( صورة من صور الخطأ المرفقي ) وهذا مصدر الضرر .
2) – خطأ شخصي لأعوان البريد الذين عاملوا المضرور (المدعي ) بقسوة عوض دعوته للخروج من المكتب بهدوء
و قد أخذت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بهذه النظرية ( نظرية الجمع بين الأخطاء في قضية " بلقاسي " ضد وزير العدل .
ونكون أمام جمع بين المسؤوليتين عند حدوث ضرر عن خطا شخصي ويقرر القاضي الفاصل في المنازعات الإدارية بمسؤولية الإدارة التي ينسب لها الفعل الضار .
وقد ظهرت نظرية الجمع بين المسؤوليتين على مرحلتين :
1/ جمع بين المسؤوليتين عند حدوث خطا شخصي يرتكب داخل المرفق العام
وقد قرر القضاء الفرنسي هذه النظرية لأول مرة في قضية " لومونتي " في قرار مجلس الدولة الصادر بتاريخ 26/07/1918
حيث قرر ان البلدية مسؤولة عن الخطأ الشخصي الذي ارتكبه رئيس البلدية و الذي كان منفصلا عن المرفق العام ، مبررا قراره قائلا : " يمكن للخطأ الشخصي المرتكب أثناء سير المرفق أن ينفصل عنه ، لكن لا ينفصل المرفق عن هذا الخطأ ." وقد تأثر القضاء الجزائري بهذه القاعدة .
2/ جمع بين المسؤوليتين بسبب حدوث خطأ شخصي خارج الخدمة .
وتتحقق هذه الحالة عند ارتكاب الموظف لخطأ خارج الخدمة و له صلة بالمرفق العام ’ كما في حالة استخدام الموظفين للسيارات الحكومية التي في عهدتهم لأغراض خاصة فإذا تسببوا في إحداث ضرر للغير بهذه السيارات
فقد استوجب القضاء الإداري قيام المسؤولية الإدارية على أساس أن السيارة المتسببة في الضرر تابعة للمرفق العام
وكذا المسؤولية الشخصية للموظف على أساس أنه استخدم السيارة في منفعة خاصة له خارجة عن نطاق مهامه الوظيفية .
وقد طبق القضاء الإداري الجزائري هذه الفكرة ، في قرار لمجلس الدولة صادر بتاريخ 01/02/1999 .
تتلخص وقائع القضية في أن : شرطي (ع .ر ) مهامه الحراسة بلباس مدني بمستودع ميترو الجزائر و كان حائزا لسلاحه الناري الخاص بعمله غير انه أهمل منصب عمله و ذهب إلى ساحة الشهداء ليشتري ( محارق ) واستخدم سلاحه ضد المدعو ( بشاني نور الدين ) و أصابه بجروح خطيرة أدت إلى وفاته .
رفعت أرملته دعوى قضائية أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر مطالبة بالتعويض فحكم لها بالتعويض و أولادها .
و عند استئناف القرار الأخير تمام مجلس الدولة من طرف مديرية الأمن طالبة إخراجها من الخصام لان الخطأ كان شخصيا ، و الشرطي لم يكن في خدمته لكونه أهمل منصب عمله .
إلا أن طلبها قوبل بالرفض ، وتم تأييد الحكم المستأنف على أساس أن الحادث وقع بسبب وظيفته، و إن مديرية الأمن مسؤولة عن عمل تابعيها .
أما إذا ارتكب الخطأ خارج الخدمة ولم تستخدم فيه وسائل المرفق العام ، فان الخطأ يعد شخصيا محضا لانفصاله التام عن المرفق العام ماديا ومعنويا لتعقد بذلك المسؤولية الشخصية للموظف وحدها ، وعلى ذلك فان القضاء المختص بالنظر و الفصل في الدعوى في هذه الحالة هو مطلقا القضاء المدني ( العادي) وحده على أساس أن المسؤولية المعقودة في هذه الحالة هي مسؤولية مدنية
وعلى ذلك نستنتج أن نظرية الجمع بين المسؤوليتين هي وليدة نظرية الجمع بين الخطأين المرفقي و الشخصي ، وهو ما سيسمح للمضرور بالمطالبة بحقه وضمانه من الإدارة هذه الأخيرة التي تملك حق الرجوع على الموظف ومعنى ذلك أن الإدارة لا تتحمل المسؤولية الكاملة إلا في الخط المصلحي فقط ، في حين أن مسؤوليتها في حالة اقتران الخطأين الشخصي و المرفقي هي مسؤولية نسبية .
المبحث الرابع : المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر .
ستتم معالجة أحاكم النظام القانوني للمسؤولية الإداري على أساس نظرية المخاطر وذلك بواسطة دراسة مدلول المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر وكذا دراسة شروط ومجالات تطبيق نظرية المخاطر كأساس قانوني للمسؤولية الإدارية ، وهذا ما سيأتي بيانه في الآتي وفقا لثلاث مطالب على التوالي :
مطلب الأول : مدلول المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر
مطلب الثاني : شروط المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر.
مطلب الثالث : مجالات تطبيق نظرية المخاطر .
·المطلب الأول : مدلول المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر.
إن موضوع نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها تعد في الوقت الحالي من أدق الموضوعات في المسؤولية الإدارية ، حيث لا زالت غير واضحة المعالم فهي تدور في حدود السلطة التقديرية للقاضي وبعض التشريعات الجزئية والضئيلة في نطاق التوفيق بين تحقيق فكرة الصالح العام من جهة وبين مقتضيات حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من جهة أخرى ، وغموض هذه النظرية يعود إلى حداثتها وجدتها خاصة وأن القضاء الفرنسي والذي أسهم بدور كبير في إنشاء وخلق هذه النظرية لم يكن في بداية الأمر يعلن بشكل صريح وهو بصدد الحكم والقضاء في قضية المسؤولية الإدارية على أساس هذه النظرية ولم يكن يعلن صراحة تبنيه لها واعتناقها كأساس لما يقضي به .
الفرع 01 : ماهية نظرية المخاطر كأساس قانوني للمسؤولية الإدارية .
لمعالجة وتحديد مفهوم نظرية المخاطر كأساس قانوني للمسؤولية الإدارة ، يتم التطرق أولا لمعرفة كيفية نشأة وتطور نظرية المخاطر ثم محاولة تحديد أسسها فبيان خصائصها الذاتية .
أولا : نشأة وتطور نظرية المخاطر كأساس قانوني للمسؤولية الإدارية .
بعد أن أخذت فكرة الخطأ تضعف شيئا فشيئا حتى كادت تختفي في بعض الحالات فقد تطورت فكرة الخطأ الشخصي المستوجب للمسؤولية والعقاب إلى فكرة الخطأ المفترض فرضا قابلا لإثبات العكس إلى الخطأ المفترض فرضا لا يقبل إثبات العكس ثم الخطأ المجهول في بعض الأحوال ثم نشأت وظهرت عند هذه النقطة نظرية المخاطر أو تحمل التعبئة ، سار القضاء العادي مع الفقه في مجال تطور الخطأ وقد وقف هذا القضاء عند الخطأ المفترض ولم يساير الفقه في تطور أساس المسؤولية التقصيرية ورفض تطبيق نظرية المخاطر1.
·أما فقه القانون الخاص فقد أنشأ وخلق هذه النظرية استجابة للتطور الذي يحصل في هذا الموضوع مستندا في ذلك إلى سببين سبب علمي نظري وهو ما قالت به المدرسة الوضعية الإيطالية بزعامة العلامة فيري من وجوب الاعتماد والتعديل والتركيز على الناحية والجانب الموضوعي في المسؤولية بوجه عام لا على الجانب والناحية الذاتية فيها حتى في شخص الجاني نفسه فإن ميدان تطبيقها الخصب هو القانون المدني .
أما السبب العملي الواقعي فهو ازدياد مخاطر العمل زيادة كبيرة تجعل من العسير على المضرور في أغلب الأحيان أن يثبت الخطأ في جانب من تسبب في إحداث الضرر الذي لحق به حتى يستطيع الرجوع عليه قضائيا بالتعويض فقد كان لتطور الحياة الحديثة بصفة عامة والتطور الذي أصاب جانب الحياة الاقتصادية بصفة خاصة منذ القرن التاسع عشر أثر كبير في تطور المسؤولية التقصيرية بوجه عام من المسؤولية شخصية على مسؤولية موضوعية ، وأساسها القانوني بوجه أخص .
·إذا كان القضاء العادي وخاصة في فرنسا قد رفض التسليم منذ البداية بهذه النظرية التي قال بها فقه القانون الخاص فإن هذا الفقه نفسه قد ارتد وتحول عن تشبثه بنظرية تحمل التبعية أو المخاطر بعد أن أعيته الحيل القانونية والمساعي الفقهية المختلفة التي حاول بها استدراج كل من المشرع و القضاء و إقناعهم بتبني هذه النظرية إلا أن هناك أقلية فقهية ظلت ثابتة في اعتقادها و إيمانها بسلامة هذه النظرية و جدواها . ومنطقيتها …… بها و في مقدمة هذه الأقلية كل من «جوسران أومديمونج سافاتيه.»
·أما نظرية المخاطرة في القانون العام و خاصة في القانون الإداري فإن القضاء الإداري قد بعث فيها الروح و الحياة القوية من جديد فيعود إليه الفضل في إرساء قواعدها و تثبيت مبادئها في المسؤولية الإدارية التقصيرية . خاصة القضاء الإداري الفرنسي صانع و مطور هذه النظرية . الأمر الذي أدى بالمشرع إلى إصدار مجموعة من التشريعات تنص على قيام المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر مثل المشرع الفرنسي قوانين أسست الإدارة على المخاطر في بعض الحالات مثال ذلك التشريع الفرنسي . الصادر عام 1898 الذي يقضي و يقيم مسؤولية على أساس مخاطر أو تبعات المعرفة . و قانون 1919 و تشريع عام 1921 اللذان يقضيان و يوحيان مسؤولية الدولة إزاء ضحايا الحرب و المصانع الحربية (مصانع الذخيرة الحية) مخاطر الدفاع الوطني ….غير أن النصوص التشريعية التي تدل على اعتناق المشرع الفرنسي و تبنيه لنظرية المخاطر كأساس قانوني لمسؤولية الإدارة العامة دون خطأ تعتبر محدودة النطاق و قصيرة المدى بالنسبة إلى ما ذهب إلى تقرير القضاء الإداري في توسع هائل في تطبيق هذه النظرية الأمر الذي أدى ببعض الفقهاء إلى بيان و إبداء تخوفهم من طغيان هذه النظرية كأساس للمسؤولية على حساب ركن الخطأ الأمر الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى تبديد أموال الخزينة العامة فمجلس الدولة الفرنسي لم يتقيد بتلك الحالات التي أشارت إليها القوانين المذكورة بل قرر المسؤولية و منح التعويض على أساس المخاطر كما اتضح له أن القواعد العامة في المسؤولية على أساس الخطأ تتفانى بشكل ظاهر مع قواعد العدالة .
·أما عن نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة في القانون الإداري الجزائري فهي مقررة جزئيا في التشريع و مطبقة قضاء كما هو الحال في فرنسا .
إذا أن الجزائر كانت إلى وقت قريب جدا أو مازالت نسبيا أو جزئيا تطبق الأحكام و النصوص والقواعد الموضوعية الفرنسية الخاصة بهذه النظرية . بالإضافة إلى أن المشرع الجزائري قد سن أو أصدر مجموعة من التشريعات التي تقرر و تعقد المسؤولية الإدارية عن أعمالها على أساس نظرية المخاطر زيادة إلى مجموعة التطبيقات الفرنسية القضائية .
ثانيا : أسس المخاطر كأساس قانوني للمسؤولية الإدارية .
سوف نقتصر في بحث أسس نظرية المخاطر القانونية على التعرض للأسس القانونية التقليدية لها و هي :
مبدأ الغنم بالغرم . و مبدأ التضامن الاجتماعي . و مبدأ المساواة أمام التكاليف و الأعباء العامة و أخيرا مبدأ العدالة المجردة .
أ- مبدأ الغنم بالغرم :
إن قاعدة الغنم بالغرم إي مبدأ الارتباط بين المنافع و الأعباء تقوم أساسا قانونيا لنظرية المخاطر أو تحمل التبعة ، ذلك أن منطق هذه القاعدة تحتم على الجماعة التي تعود عليها المنافع و الفوائد و الغنم ، من الأعمال و النشاطات الإدارية التي تقوم بها السلطة الإدارية العامة تحقيقا و إنجازا لصالح الجماعة و التي سببت أضرار الغير من الأشخاص من الأشخاص و الأفراد تجعل من المحتم تحمل الجماعة العامة في مقابل الغنم و الثمار و الفوائد التي جنتها و عادت عليها من الأعمال و الإدارية الضارة ، يجب عليها في مقابل ذلك أن تتحمل في النهاية عبء دفع التعويض للمضرور و ذلك عن طريق التعويض الذي يجب أن تدفعه الدولة باسم الجماعة من الخزينة التي تتكون من مجموع الضرائب و الرسوم التي يدفعها و يقدمها أفراد هذه الجماعة أي أن الخزينة العامة هي ذمة الجماعة أن تتحمل فيها مسؤولية نتائج مفاتمها .
ب- مبدأ التضامن الاجتماعي :
كما أن التضامن الاجتماعي في المجتمع الذي يحركه ويقوده الضمير الجماعي يستوجب ويحتم على هذه الجماعة أن ترفع وتدفع الضرر الاستثنائي الذي يتسبب لأحد أعضائها بتسديده بالتعويض الذي يجب أن تدفعه الدولة من الخزينة العامة المضرور من أعضاء الجماعة العامة على اعتبار أن هذه الدولة ممثلة وأداة لهذه الجماعة وتجسيد لها .
كما أن الصالح العام للجماعة يقضي ويستوجب عقلا أن يرفع الضرر الاستثنائي الذي يلحق بأحد أفراد وأشخاص هذه الجماع لأن فكرة الصالح العام في مفهومها الديناميكي تعني تحقيق العدالة والتقدم فمن مصلحة الجماعة بكل تأكيد أن تعويض الأضرار التي تصيب أفرادها من جراء العمل أو النشاط الإداري تحقيقا للصالح العام بهذه الجماعة حتى يسود الاطمئنان والنظام والعدالة والاستقرار النفسي ليتفرغ أفراد وأعضاء هذه الجماعة كلية وبفاعلية لنشاطاتهم وأعمالهم المثمرة لفائدة الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية للجماعة .
ككل في النهاية ، وإن هذا الالتزام من قبل الدولة أو الجماعة العامة بالتعويض عن الأضرار التي تسببها مخاطر العمل والنشاط الإداري هو التزام قانوني وليس التزاما أدبيا أخلاقيا مبعثه الشفقة والرحمة كما يدعي بعض الفقهاء ذلك أن هذه الجماعة عندما تسأل عن مخاطر ونشاط السلطة الإدارية لأنها أولا قد غنمت واستفادت وكسبت وأثرت من جراء هذه الأضرار وثانيا أن مصلحة هذه الجماعة العام قد طغت في ظل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة الحديثة على حساب حقوق ومصالح الأفراد الخاصة لدرجة أنها حولتها مع التطور إلى مجرد مراكز قانونية ذاتية كما أن أصبح من المسلم به في الدولة الحديثة أنها مسؤولية عن اتخاذ كافة الاحتياطات الوقائية والكافية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وأرواحهم .
الأمر الذي يجعل مسؤولية الجماعة ممثلة في السلطة الإدارية العامة التي تعمل لصالحها مسؤولية قانونية بالمعنى الفني الدقيق للمسؤولية وليس التزاما أخلاقيا وأدبيا (مساعدة) فلو كان الذي يتحمل عبء المسؤولية هنا هو شخص عادي لأمكن مشاركة ومشاطرة الفقيه الفرنسي هوريو الرأي والقول بأن المسؤولية هنا هي مسؤولية أخلاقية وليست قانونية ، أما وإن الدولة هي التي تسأل وتتحمل عبء دفع التعويض من الخزينة العامة فيها فمن المغالطة والمصادر للحقيقة القول والتقرير بأن مسؤوليتها في هذه الحالة هي مسؤولية أخلاقية أدبية أساسها الشفقة والرحمة ومضمونها المساعدة ، وأننا نعتقد بأن الذي أغرى الفقيه هوريو فيما ذهب إليه هنا هو فكرة الدولة الحارسة أما وإن الدولة قد أصبحت دولة متدخلة على اختلاف درجات التدخل وصوره فإن رأيه هذا قد أصبح في حاجة إلى إعادة نظر وتصحيح …هكذا تبرر النظرية التضامنية ضرورة ما يسمى في الوقت الحاضر بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأفراد باعتبار أن روابط التضامن الاجتماعي بين الأفراد توجب هذه الحقوق وتسمح بقيامها جنبا إلى جنب مع الحريات الفردية ، ومن ثم توسع النظرية التضامنية من دائرة حقوق الأفراد قبل الدولة .
ومن هذه الحقوق رفع الأضرار التي يسببها عمل ونشاط السلطة الإدارية العامة حتى ولو انعدم خطؤها أو انتفى .
* هذا وقد اعتنق المشرع الفرنسي هذا المبدأ كأساس للمسؤولية على أساس نظرية المخاطر وذلك ديباجة دستور فرنسا لعام 1946 وكذا المشرع الجزائري والذي اعتنق هذه القاعدة أيضا : «تسهم الدولة بموجب الخطر الاجتماعي في رفع النصيب من الإتلاف والأضرار المسببة»
جـ- مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة :
إذا كان مبدأ المساواة القانونية يعني المساواة في المعاملة بين جميع أفراد الدولة طبقا للقاعدة القانونية العامة دون تمييز أو استثناء ، وتحويل جميع الأفراد قدرا متساويا من الحريات العامة ، معنوية كانت أو مادية وتقرير وفرض في حقهم قدرا متساويا من الأعباء والتكاليف والواجبات العامة وبذلك يكون لمبدأ المساواة وجهان :
·الوجه الأول : يتمثل في المساواة في الحقوق والمنافع التي تتمثل وتتجسد في المساواة أمام القانون والمساواة أمام الوظائف العامة والمساواة أمام خدمات المرافق العامة….
·أما الوجه الثاني : لمبدأ المساواة أي المساواة في الأعباء والتكاليف العامة (المساواة في التصفية) بالمفهوم الإداري الخاص (المساواة أمام الضرائب) هو الذي يقوم أساسا لنظرية المخاطر أو تحمل التعبئة كأساس قانوني لمسؤولية السلطة الإدارية دون خطأ من موظفيها فاحترام قدسية هذا المبدأ الهام والأساسي في القانون العام ، مبدأ مساواة الجميع أمام الأعباء والتضحيات العامة ، يحتم قيام وانعقاد مسؤولية الإدارة على أساس المخاطر في حالة حدوث ضرر أو أضرار خاصة واستثنائية لبعض الأفراد ، ذلك أن كل ضرر يصيب فردا أو شخصا ما في الدولة وتجاوز من حيث طبيعته أو أهميته أو مدته ما توجب الحياة العامة والمصلحة العامة تحمله ومن شأنه أن يخل ويهدم مبدأ المساواة أمام التكاليف والأعباء العامة بين المواطنين في الدولة حيث يفرض على البعض من المواطنين (المضرورين) في سبيل المصلحة العامة تكاليف وأعباء وتضحيات تزيد عن تلك التي يتحملها باقي أفراد وأعضاء الجماعة في الدولة فيختل بذلك التوازن في بناء مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ولاسيما أن المساواة الحقيقية والفعلية عدت في الوقت الحاضر هي المساواة في التضحية والتكاليف والواجبات مما يتوجب ويتحتم عدلا وقانونا وتطبيقا ومع مبادئ وقواعد المواثيق الدستورية والقانونية في الدولة ، إعادة وإصلاح هذا التوازن المختل والمفقود بتشتت خسارة الضرر الناجم بتوزيع عبء التعويض المستحق للمضرور أو المضرورين على أفراد الجماعة العامة الذي تدفعه الدولة من الخزينة العامة التي تتكون من مجموع الضرائب والإيرادات العامة التي يدفعها ويتحمل أعباءها الممولون المواطنون في هذه الدولة ، وهذه الخزينة العامة التي كانت أيضا السبب المباشر الذي حرك النشاط الإداري الضار ، وبذلك توزع قيمة التعويض على جميع أفراد الجماعة الممولين لخزانة الدولة وشتيت الخسارة وتفتيت التضحية ، الأمر الذي يؤدي إلى إعادة بناء مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ، وبذلك يؤدي هذا المبدأ إلى ضرورة وحتمية قيام نظرية المخاطر أو تحمل التبعة كأساس لمسؤولية الإدارة العامة غير الخطيئة «هذه النظرية تقرر أهمية بلا خطأ عندما تزول المساواة بين المواطنين بسبب قرار من السلطة السياسية (مسؤولية بسبب قانون أو لائحة أو سبب تصرفات من الإدارة بما لها من امتيازات ، ووسائل استثنائية في مجال الأشغال العمومية) وهي تقرر أيضا امتداد هذه المسؤولية إلى جميع الحالات التي تخلق فيها الإدارة ، بنشاطها كسلطة عامة أو مرفق عام ، خطر خاصا يؤدي إلى زوال المساواة المشار إليها. . . »
ولقد أشار المشرع الجزائري إلى مبدأ المساواة أمام الأعباء والتكاليف العامة هذا كأساس لنظرية المخاطر التي توجب وتحتم قيام مسؤولية الإدارة الجزائرية عن الأعمال والنشاطات الضارة ، وقرر ذلك في المادة : 172 من القانون البلدي الجزائري ، إذ نص على أن التعويضات المستحقة والمحكوم بها على البلديات في نطاق مسؤوليتها أما الأفراد عن الأضرار الناجمة عن أعمالها و أعمال موظفيها المشروعة أن هذه التعويضات تدفع من ميزانية البلدية المسؤولة و بالذات من ضرائبها المباشرة للبلدية الواقع على إقليمها الضرر و توزع قيمة التعويض بنسب متساوية على جميع الأشخاص و الأفراد المسجلين و المقيدين في جدول الضرائب المباشرة ما عدا الأشخاص و الأفراد الواقع عليهم الضرر و الذين تمنح لهم التعويضات مع إسهام الدولة عن طريق الميزانية العامة في دفع التعويضات حتى يتحقق مبدأ المساواة في التضحية و التكاليف العامة في الدولة الجزائرية :«إن التعويضات عن الأضرار و النفقات التي تكون البلديات مسئولة عنها من جراء هذه الأضرار توزع بالاستناد إلى جدول خاص بين جميع الأشخاص المقيدين في جدول الضرائب المباشرة باستثناء ضحايا الحوادث الذين قد تمنح تعويضات لهم ، وذلك بنسبة مئوية للمبلغ الأصلي المتعلق بجميع الضرائب المباشرة . »
·فهكذا ترى أن المشرع الجزائري ، قد جسد قانونا و عملا مبدأ المساواة أمام الأعباء و التكاليف العامة في الدولة الجزائرية كأساس لمسؤوليتها عن أعمالها الضارة قبل الأفراد و الأشخاص .
د – مبدأ العدالة :
كما أن مبدأ العدالة المجردة يقضي و تحتم رفع عن صاحبه المسؤولية مهما كان مصدره مشروعا حتى يستطيع الشخص المضرور استئناف حياته و مبدأ العدالة يقضي بذلك منطقا، لأن الأخلاق الإنسانية ترفض أن يلحق بالغير من الأفراد أضرار دون تعويض و لاسيما إذا كانت هذه الأضرار صادرة من أعمال و نشاطات المسئول على تحقيق وظيفة العدالة في المجتمع .و قانونا إن الفعل الضار هو مصدر من مصادر الالتزام سيما الالتزام بالمسؤولية و التعويض عن الضرر إذا ما تسبب لأحد الأشخاص . و منطقا أن مبدأ العدالة هو الغاية المترجمة و المجسدة في فكرة الصالح العام المشترك الذي يمرر وجود السلطة العامة و يحرك أعمالها و إجراءاتها و أساليبها التي قد تكون مصدر أضرار و أخطار خاصة و استثنائية لبعض الأفراد في المجتمع الأمر الذي يحم عدالة على الدولة أن تتحمل المسؤولية عن نتائج أعمالها الضارة و التي قد تكون مشروعة استثنائية (غير طبيعية) و التي سبب للأفراد و الأشخاص أضرار خاصة و استثنائية لهم ذلك على أساس نظرية المخاطر التي تحقق في هذا المجال ذلك التوفيق و التوازن الضروري و الحقيقي و الحتمي بين اعتباري مبدأ العدالة المتمثل في رفع الأضرار عن الأفراد و حماية حقوقهم و أرواحهم من جهة و اعتبار فكرة الصالح المشترك للجماعة المتمثل هنا في ضرورة سير المرافق العامة بانتظام و اطراد ، و ما يقتضيه في الحفاظ على أموال الخزينة العامة للدولة عن الإسراف و التبذير في نواحي شتى منها التعويضات التي قد يكون مبالغا و تقديرها للمضرورين من أعمال السلطة الإدارية .
فرع 2 : خصائص نظرية المخاطر القانوني الإداري
تتميز نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها بمجموعة من خصائص تحدد ماهيتها و مكانتها من أساس المسؤولية الإدارية ، و تحدد و تبين مداها و نطاقها و حدودها من هذه الخصائص : إنها في نطاق القانون الإداري نظرية قضائية ، كما أنه لا يشترط في شأنها ضرورة صدور قرار إداري وأنها ذات صفة و مكانة تكميلية ثانوية بالنسبة إلى أساس القانوني الأصيل للمسؤولية الإدارية و هو الخطأ المرفقي أو الوظيفي ، كما تتصف بأنها ليست مطلقة فهي تتحرك و تقوم في نطاق محدود في محيط دائرة الاعتبارات ة الظروف المختلفة اقتصاديا (ماليا) و دستوريا و سياسيا و التي تحيط بها زمانا و مكانا و أخيرا تتصف و تتميز بأنه يترتب عليها دائما الحكم بالتعويض و أننا نحاول بإيجاز إبراز جوانب و حقيقة هذه الخصائص تباعا فيما يلي :
أ – أولا : نظرية المخاطر نظرية قضائية في عمومها :
لقد سبق القول و التقرير أن لنظرية المخاطر في القانون الإداري يعود الفضل في وجودها وإبرازها وتطبيقها إلى القضاء الإداري وخاصة القضاء الإداري الفرنسي الذي توسع فيها كثيرا قواعدها وأسسها وحدد شروطها ومجالات تطبيقاتها ، أما دور المشرع فيها فهو دور ضعيف حيث أن المشرع قد قرر هذه النظرية في نطاق محدود جدا بغير تحديد شامل لجوانبها وطبيعتها .
فنظرية المخاطر في القانون الإداري هي نظرية قضائية في جملتها وسنوضح ذلك بالتأكيد في موضوع تطبيقات هذه النظرية .
ب – ثانيا : لا يشترط فيها صدور قرار إداري :
إذا كان نشاط السلطة الإدارية وأعمالها تتكون وتشمل الأعمال والتصرفات القانونية التي تجربها وتقوم بها ومنها القرارات الإدارية والأعمال المادية التي تأتيها ، فإنه لا يشترط في تطبيق هذه النظرية بصدور قرار إداري حتى يحكم بالمسؤولية الإدارية على أساسها ، وهي بذلك تختلف وتتميز عن كل من نظريتي الانحراف بالسلطة الإدارية والتعسف في استعمال الحقوق الإدارية ، اللتان يشترطا فيها صدور قرار إداري فنظرية المخاطر تقوم أساسا لمسؤولية السلطة الإدارية عن أعمال موظفيها في حالة الضرر الناشئ عن القرارات السليمة من العيوب المعروفة التي قد تشوب أركانها بحيث لا تصبح تشكل خطأ مرفقيها أو وظيفيا على النحو السابق بيانه ، كما أنها تقوم أساسا للمسؤولية الناجمة عن الأعمال والأفعال الإدارية المادية التي يصبح الخطأ المرفقي أو المصلحي فيها معدوما أو مجهولا على الوجه السابق توضيحه ، وبحيث يصبح تطلب قيامه وإثباته للحكم بالتعويض متعارضا ومتناقضا مع أبسط قواعد العدالة وروحها .
جـ- نظرية المخاطر نظرية تكميلية استثنائية :
أن الأساس القانوني الأصيل والطبيعي للمسؤولية بصفة عامة ومسؤولية الإدارة بصفة خاصة وهو الخطأ ، ولكن قد تبين لنا فيما سبق أن العمل أو النشاط الإداري الضار قد لابسه ملابسات وتحيط به ظروف تجعل الخطأ معدوما أو مجهولا لا يتطلب القضاء إثباته للحكم بالتعويض للمضرور قبل الإدارة العامة ويحكم بذلك على أساس المخاطر فكانت بذلك هذه النظري أساسا قانونيا ذي صفة ومكانة ثانوية تكميلية استثنائية ، بالنسبة إلى الأساس الطبيعي والأصيل في المسؤولية لأي الخطأ (الخطأ الوظيفي) … فهي أساس قانوني استثنائي قرره القضاء الإداري كصمام أمان وصيغة قانونية تحقق التوازن بين الحقوق والامتيازات المقررة للإدارة من حيث إعفائها في بعض الحالات من الخطأ وإصباغ أعمالها وأفعالها الضار بصفة المشروعية .
د- نظرية المخاطر ليست مطلقة في مداها :
سبق القول بأن نظرية المخاطر ليست الأساس العام والأصيل للمسؤولية الإدارة بل هي أساس قانوني استثنائي لهذه المسؤولية كوسيلة للإسعاف والتلطيف كلما تعارضت القواعد العامة للمسؤولية مع قواعد العدالة تعارضا صارخا ، فهي أيضا لقيت مطلقة في مداها وأبعادها أي القضاء لا يلجأ إليها دائما ، كلما انتقى الخطأ أو استحال إثباته لأن القضاء محكوم ومقيد في إطار النظر والفصل في مسؤولية السلطة الإدارية دون خطأ بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة والاعتبارات المالية لخزينتها العامة ، فإذا كان القضاء الإداري قد أسى ووطد قواعد هذه النظرية حماية وتأمينا لحقوق الأفراد ومصالحهم في مواجهة أعمال ونشاطات السلطة الإدارية المستمرة و المطردة في التزايد و التوسع مع مرور الوقت لمخاطرها الكثيرة من جهة و تأمينا لحرية الحركة للسلطة الإدارية ، و العمل على تحقيق الصالح العام المشترك من جهة أخرى ، فإن على هذا القضاء دائما أن يراعي مقدرة الدولة المالية و إمكانياتها المادية ، فلا يجب أن يثقل كاهلها بالإسراف في مكمة بمسؤولية الإدارة على أساس المخاطر أو تحمل التبعة ، و من ثم فإن نظرية المخاطر هذه غير مطلقة بل مقيدة و محكومة بأوضاع الدولة و ظروفها الاقتصادية و قدرتها المالية ، وهذه الخاصية أو الميزة جعلت عملية تدخل المشرع لتحديد نطاق و حدود نظرية كأساس للمسؤولية الإدارية أمرا حتى لا يتوسع كثيرا لدرجة أن تصح عامل إرهاق و إثقال الدولة ماليا و اقتصاديا فتعقدها عن الحركة و التقدم في سبيل التنمية الوطنية أو الإنعاش الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي في المجتمع .
هذا و لقد حاول المشرع في كثير من الدول أن يجعل من هذه النظرية عملية تشريعية بحتة لا يجب الحكم بالمسؤولية على أساسها ، إلا إذا نص القانون على ذلك كما هو الحال في جمهورية مصر العربية ، بينما اكتفى المشرع الفرنسي بتتبع خطوات مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد بإصدار تشريعات لاحقة غالبا ما تأتي جزئية و متأخرة بالنسبة لما كان يقضي به مجلس الدولة على أساس هذه النظرية من مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها ، أما محاولات القضاء الإداري في نطاق تحديد مجال حالات المسؤولية على أساس المخاطر تتجلى في الشروط الخاصة التي وضعها و تطلبها في الضرر الناجم عن العمل أو النشاط الإداري حتى بالمسؤولية و ذلك لدرء إطلاقيتها و عموميتها فقد اشترط القضاء الإداري في الضرر و الناشئ بالإضافة إلى الشروط العامة شروطا خاصة حتى يحكم بالتعويض على أساسها .
هـ – الجزاء على أساسها يكون دائما التعويض : إن تطبيق نظرية المخاطر يؤدي إلى حكم بالتعويض حيث أن هذه النظرية لا علاقة لها إطلاقا بقضاء الإلغاء ، فهي بذلك تختلف عن نظرية الانحراف بالسلطة و تلتقي مع نظرية و التعسف في استعمال الحقوق الإدارية إذ يحكم فيها دائما هي أيضا بالتعويض بالإلغاء لأن القرار الإداري فيها سلمت جميع أركانها من عيوب المشروعية المعروفة ، و بالتالي لم يعد معه التصرف القانوني منطويا على خطأ مرفقي «مصلحي» أو شخصي فلا يجوز الطعن بإلغاء في القرار الإداري السليم و إنما يمكن أن يحكم بالتعويض لأمل على أساس نظرية المخاطر أو على أساس نظرية التعسف في استعمال الحقوق الإدارية ، فنظرية المخاطر على أساسها دائما التعويض لا الإلغاء .
المطلب الثاني : شروط المسؤولية الإدارية على أساس نظرية المخاطر .
يشترط في تطبيق نظرية المخاطر كأساس قانوني لمسؤولية السلطة الإدارية دون خطأ مجموعة من الشروط الخاصة الاستثنائية بالإضافة إلى الشروط العامة المطلوب توفرها في المسؤولية بصفة عامة ، إذ يجب أن تتوفر أركان المسؤولية المدنية المعهودة من ضرر و خطأ و علاقة سببية بينهما .
أي بين نشاط الإدارة و الضرر الذي لحق بالمضرور أو بالأفراد المضرورين و يشترط في الضرر أن يكون محققا (*) بالإضافة إلى جملة شروط استثنائية تتطلبها القضاء الإداري لجبر الضرر الناجم عن النشاط السلطوي ، حيث يحكم بالتعويض على أساس المخاطر بأن تتحمل الإدارة تبعة الضرر الذي ألحقته بالفرد فكان تابعا لها أو مستقلا عنها ، إلا أننا و في دراستنا هذه سنركز أساسا على جملة من الشروط الاستثنائية المتطلبة قضاءا إذ هي التي تهمنا في دراستنا .
1 – إذ يجب أن يكون الضرر خاصا :
أي أن يتغيب الإصابة بالضرر على فرد بذاته أو على إفراد معينين بذواتهم بحيث يكون لهم مركزا خاصا أو ذاتيا قبل الضرر الناجم من أعمال الإدارة العامة لا يشاركه في هذا المركز سائر الموظفين .[30]
2 – أن يكون الضرر غير عادي : إن اشتراط غير العادية في الضرر يعني أ، يتجاوز في جسامته و تقديره الضرر الذي يجعله من المخاطر العادية في المجتمع التي تنجم عن الأفراد بحيث يمكنه تحملها نتيجة وجودهم في هذه الجماعة [31] .
المطلب الثالث :حالات تطبيق نظرية المخاطر في نطاق علاقة الإدارة بالأفراد.
إن حالات و تطبيقات نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية السلطة الإدارية غير الخطيئة في مواجهة الأفراد كثيرة و متنوعة تنوع الأعمال و النشاطات الإدارية التي تكون مصدر الأضرار تصيب الأفراد في حقوقهم و أنفسهم و أموالهم و أننا سنعالجها على النحو التالي [32] .
01/ الأضرار الدائمة التي تصيب الأفراد نتيجة الأشغال و المنشآت العامة .
02/ الأضرار الناجمة عن نشاط الإدارة الخطر .
I – الأضرار الدائمة الناتجة عن الأشغال و المنشآت العامة :
و هذه الصورة هي أقدم الصور التي طبق فيها القضاء الإداري الفرنسي المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر .و دراستنا لهذه الصورة يقتضيان أن نتعرض بانجاز لمفهوم الأشغال العامة في القانون الإداري ، ثم الشروط التي يتطلبها القضاء في الضرر الناجم عن هذا النوع من أنشطة و أعمال الإدارة حتى يحكم بمسؤوليتها على أساس نظرية المخاطر .
مفهوم الأشغال العامة في القانون الإداري :
الأشغال العمة في القانون الإداري هي كل إعداد
مادي لعقار سواء كان هذا الإعداد المادي بناءا أو صيانة أو ترميما ، إذا كان يستهدف تحقيق منفعة عامة ، ويتم حساب شخص من أشخاص القانون العام أو لتسيير مرفق عام ، فتقوم بذلك الأشغال العامة على العناصر الثلاثة الآتية :
1- يجب أن ينصب الإعداد المادي على عقار مملوك للإدارة العامة أو مخصص لمرفق عام ، لهذا لا تنصب الأشغال على منقول مهما كانت أهميته ، ومهما كان داخلا ضمن الأموال العامة ، ولا يشترط في العقار أن يكون عقار بالطبيعة . بل بالتخصيص كإقامة سخان في إحدى المباني أو يكون عقارا بالالتصاق كمد خطوط الهاتف على الأعمدة المعدة.1
02 – الأشغال العامة لا يقصد بها عملية البناء فقط بل تعني و تشمل كل إعداد مادي يقع على عقار كالصيانة و التعديل و الترميم ، بل إن القضاء الإداري أدخل أعمال الكش و النظافة كما أن الأشغال العامة لا تعني بل ……..بل قد تكون عبارة عن شق الــ وإنشاء المجاري ، كما اعتبر القضاء إعمالا لا تعد بطبيعتها أشغالا عامة وإنما تعد مكلفة بأشغال عام لعمليات كنقل المعدات اللازمة للأشغال العام والمسبقات والصفقات والمزايدات التي تقام من أجل تنفيذ الأشغال العامة .
3/ يجب أن يكون الهدف من الإعداد المادي للعقار تحقيق مصلحة عامة ، وقد وسع القضاء الإداري من نطاق فكرة الأشغال العامة بعد أن كانت مقصورة أول الأمر على العقارات المحسوبة في الدومين العام فقط فحسبها على العقارات الداخلي في الدومين الخاص .
4/ والأشغال لكي تعتبر عامة لابد أن تتم وتنجز لحساب أحد الأشخاص القانون العام الدولة والولايات أو البلديات أو المؤسسات العامة ، الهيئات العامة وتتم الأشغال لحساب الشخص القانوني العام إذا كان هذا الشخص هو الذي يقف على عمليات الإعداد المادي على العقارات ويتم هذا الإعداد وإشرافه ورقابته ، أو أنه سيؤول إليه في المستقبل أما المنشآت العامة فهي تعني الإنشاءات التي ينجم وتنتج عن عملية الأشغال العامة كبناء أقيم أو سكة حديدية مدت ، والأضرار الناشئة عن الأشغال العامة أو المنشآت العامة بالإضافة إلى شروط السابقة أن يكون الضرر دائما ، وأن يكون ضررا ماديا لا معنويا 2.
II- الأضرار الناجمة عن نشاط الإدارة :
أي الأضرار الناجمة من جراء أعمال ونشاطات إدارية تكون في حد ذاتها خطرا يعرض الأفراد لمخاطر غير عادي ، وتتجلى صور نشاط الإدارة الخطر في الصورة التالية:
1-مخاطر الجوار غير العادية : قد تزاول وتمارس الإدارة العامة نشاطا وأعمالا خطر في حد ذاتها على بقعة معينة من الأرض تخلق لجيرانها من الأفراد العاديين مخاطر غير عادية دون أن تكون هذه المخاطر غير العادية ناجمة عن أي خطأ سواء كان مرفقيا – مصلحيا أو خطأ شخصيا ، ومع ذلك قضى القضاء الإداري بالتعويض للمتضررين من جراء ذلك ضررا خاصة وغير عادي ، فقد عد مجلس الدولة الفرنسي في 28-3-1919 في قضية "ريجونولت ديسو وزيه" التي تنحصر وقائعها في أن الغدارة وضعت خلال الحرب العالمي الأولى في قلعة التاج المزدوج " بالقرب من باريس مقادير ضخمة من المتفجرات والقنابل ، وقد تم ذلك بطريقة بدائية لم تراع فيها الإدارة الاحتياطات اللازمة ، فحدث أن انفجرت هذه الكميات الكبيرة من المفرقعات محدثة ومخلفة أضرار بالغة للمنازل المجاورة للقلعة فرفع ملاكها دعاوي ضد الإدارة مطالبين بالتعويض العادل مما لحقهم من أضرار ، فلما بدأ مجلس الدولة النظر في هذه الدعوي حاول مفوض الدولة أن يرتب مسؤولية الإدارة على أساس المخاطر المرفقي أو المصلحية ، إلا أن مجلس الدولة حكم بمسؤولية الدولة على أساس المخاطر مقررا :«أن السلطات العسكرية قد قامت تحت ضغط الضرورة بعمليات تنطوي على مخاطر تجاوزت تلك التي تنتج عادة من الجوار» 1وأن هذه المخاطر من طبيعتها أن تؤدي إلى مسؤولية الدولة بصرف النظر عن أعمال خطأ ارتكبته لأن الظروف الاستثنائية التي حدث فيها الحادث من شأنها أن تخفف الخطأ أو تغطية نهائيا ، ونحن نرى في هذه القضية رأي مفوض الدولة وهو أن أساس المسؤولية الإدارية في هذه القضية بالذات هو خطأ مرفقي مصلحي حيث أن الإدارة أدت نشاطها وعملها المذكور على وجه سيء حيث لم تراع الشروط والاحتياطات الفنية الوقائية المنطلقة في مثل هذه الحالة ويبدو أن مجلس الدولة الفرنسي عندما قرر مسؤولية السلطة الإدارية في هذه القضية على أساس المخاطر أراد أن يتجنب الدخول في شؤون السلطات العسكرية في مثل هذه الظروف بحثا عن الخطأ المصلحي المستوجب لمسؤولية السلطة الإدارية ، وكذا تبدو فائدة نظرية المخاطر للسلطة الإدارية حيث يحكم على أساسها بمسؤولياتها دون التدخل في شؤونها والإطلاع على أسرارها التي قد تأتي المصلحة العامة في بعض الحالات والظروف لأن يطلع عليها من طرف الغير ولو كان هذا الغير جهة القضاء 2 .
من الأحكام الحديثة للقضاء الإداري في هذه حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 3/2/1956 في قضية توزليسيه التي تتلخص وقائعها في أن المشرع الفرنسي قد أصدر في 24/5/1951 قانونا اعتمد فيه طريقة ومنهاجا تربويا وعقابيا في تقويم الأحداث مفاده ومؤداه إتباع نظام حر للإشراف بدلا من نظام الحبس ، فخلق هذا المنهج الجديد مخاطر استثنائية وغير عادية للسكان المجاورين لهذه الإصلاحية حيث تمكن ذات ليلة اثنان من نزلاء هذه المؤسسة (إصلاحية Aniané ) من السطو على أحد المنازل المجاورة ، ولم يستطع القاضي الإداري بعد أن وصل إليه أن يكشف ويستثني خطأ من جانب المشرفين على هذه الإصلاحية حيث أبلغ هؤلاء المشرفين السلطات المختصة بعملية الهروب تلك ، ورغم وجود المرفقي في هذه القضية حكم مجلس الدولة بمسؤولية السلطة الإدارية على أساس المخاطر1
وكذا حكمه الصادر بتاريخ : 23/12/1927 في قضية دلتر التي تنحصر وقائع قضيتها في أن بلدية مرسيليا أصدرت أمرا بحرق منزل موبوء لمنع انتشار جراثيم ذلك الوباء المخيف ، وقد نفذ رجال المطافئ الأمر بغير أن يرتكبوا أي نوع من الأخطاء ولكن حدث أن امتدت النيران إلى منزل مجاور وانزلقت به أضرارا ، فلما تقدم صاحبه مطالبا بتعويضه رفضت بلدية مرسيليا طلبه ذلك ، فوصل الأمر إلى مجلس الدولة الفرنسي الذي حكم بمسؤولية البلدية .
2-استعمال رجال البوليس لبعض الأسلحة الخطيرة : كذلك أن أعمال الإدارة ونشاطاتها الخطيرة قد تنجلي وتبدو في بعض الأحيان في استعمالها لبعض الأسلحة الخطيرة كما لو حدث عملية تفتيش معينة للسيارات فأمرت قوة الشرطة إحدى السيارات بالوقوف ولكنها لم تنفذ الأمر بسرعة كافية فأطلقت اتجاه عجلاتها النيران من أجل إيقافها عنوة وإكراها ولكن رصاصة طائشة أصابت أحد المارة إصابة خطيرة ، فأقام القضاء الإداري على أساس نظرية المخاطر مسؤولية الإدارة عن ذلك ومن أحكام مجلس الدولة في هذه الحالة حكمه الصادر في : 24/02/1942 في قضية "لوكونت" و"دارمي" التي تتلخص وقائعها أن أحد رجال البوليس استخدم مدفعة الرشاش أثناء أداة لخدمات ………… ، مما أدى إلى إصابة السيد لوكونت ودارمي بطلقات نارية أدت إلى مقتل السيد درامي فقرر مجلس الدولة أثناء على رأي مفوض الدولة السيد باوتي الذي قرر : «…و لكن مسؤولية الإدارة في هذا الصدد يجب التسليم بها حتى ولو لم يجد خطأ إطلاقا . في حالة استعمال رجال البوليس لأسلحة أو أدوات خطيرة تتضمن بذاتها مخاطر استثنائية بالنسبة للأشخاص أو للأموال» فقرر مجلس الدولة و حكم بمسؤولية الإدارة
3-فكرة الأشياء الخطرة : وهي فكرة من خلق القضاء الإداري الفرنسي و تشمل هذه الفكرة صورة استخدام الأسلحة و الأشياء الخطرة كحالات المنشآت العامة التي ترتب بمجرد وجودها بعض المخاطر مثل المنشآت الكهربائية و مئات غاز المدن أن ما ترتب عليها أضرار للأشخاص نسأل الإدارة عن ذلك دون أن تطلب إثبات خطأ من جانب الإدارة
III -امتناع الإدارة العامة عن تنفيذ الأحكام لقضائية النهائية الصادرة لصالح الأشخاص العادية و الأحكام القضائية الصادر ضد الأفراد و لصالح الأفراد و الحكم دائما يكون ممهورا بصيغة الرسمية التنفيذية ، حيث يطالب فيه من أجهزة و السلطات الإدارية المختصة المساعد و العمل على تنفيذه .
و النوع الأول من الأحكام القضائية الذي يشمل الأحكام النهائية الصادرة لصالح الأفراد ضد السلطات الإدارية العامة ، يجب على هذه الأخيرة أن تنفيذا كاملا و إذا امتنعت كان هذا انتهاكا واضحا و خطيرة لقوة الشيء المقتضى به الأمر الذي يكون حتما جسينا يرتب و يعق مسؤوليتها القانونية ، وفي هذا النطاق قام التساؤل حول كيفية العمل إذا ما امتنعت الجهة الإدارية المحكوم عليها بدفع مبلغ معين من المال كتعويض لصالح الشخص المتضرر من عملها ، فكيف يستطيع الشخص الذي صدر لصالحه حكم قضائي نهائي يلزم الإدارة العامة بدفع مبلغ من المال و رفض الوزير المختص تنفيذ هذا الحكم ؟ لذلك أنه إذا كانت الدولة الحديثة دولة قانونية فإنها رغم ذلك هي التي تنفذ لأحكام القضائية النهائية منها الأحكام الصادر ضدها لفائدة و مصلحة الأفراد العاديين باعتبارها فإذا امتنعت عن تنفيذ هذه الأحكام النهائية ماذا يستطيع الفرد المضرور أن يعمل و الحالة هذه خصوصيات و أن أموال الدولة غير قابلة للحجز عليها .
المبحث الثاني : شروط قبول دعوى التعويض :
من البديهي أن لكل دعوى إدارية أو غير إدارية شروط يجب على رافعها و حديثنا يخص بالتحديد دعوى التعويض إذ يتحتم علينا تبيان قبول هذه الدعوى .
فهناك شروط خاصة برافع الدعوى إذ لابد و حتى تقبل دعوى أن يكون رافعها في وضعية ملائمة كمبادرة هذه الدعوى (شرط الصفة في التقاضي) و أيضا لابد من أن تكون لديه مصلحة في إثارة النزاع (شرط المصلحة) و شروط الأهلية.
و هناك شروط شكلية مقررة لقبول دعوى التعويض منها شرط الميعاد (المدة) و شرط القرار السابق .
و سنوضح كل هذه الشروط فيما يأتي في 3 مطالب على التوالي :
مطلب 1 : شروط خاصة برافع الدعوى
مطلب 2 : شروط خاصة بالميعاد(المدة)
مطلب 3 : شروط متعلقة بالقرار السابق .
·المبحث الثاني شروط قبول دعوى التعويض
·المطلب الأول : الشروط الخاصة بدافع الدعوى
– نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه "لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة وله مصلحة قائم أو محتملة يقرها القانون " . كما أن القاضي يثير تلقائيا انعدام الصفة في المدعى أو في المدعى عليه ، كما يثير تلقائيا انعدام الإذن إذا ما أقره القانون .
ومن خلال الربط بين مضمون المادة 13 والمادة 459 من قانون الإجراءات القديم نرى أن المشرع استبعد في صياغة المادة 13الجديدةشرط الأهلية .
غير أنه بالرجوع للمادة 64 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أبرز حالات بطلان إجراءات التي أشير فيها بوضوح إلى حالة عدم الأهلية الخصوم و انعدام التفويض بالنسبة لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي "[33]
شرط الصفة في التقاضي : "يقصد بالصفة في التقاضي أن يكون للمدعي وضعية ملائمة تسمح له بمبادرة الدعوى بحيث يكون في المركز القانوني السليم الذي يخول له التوجه للقضاء"[34]
و من المفيد الإشارة إلى أن هناك اتجاه من الفقه يدمج شرط الصفة لشرط المصلحة على اعتبار أن كل من له صفة في التقاضي تحصيل حاصل أن تكون له مصلحة فيه والتي تتمثل بالحصول على حقه من القضاء وفق ما يقرره القانون .
كما يعرفها البعض بأنها " الوضعية التي يحتج بها المدعي للقيام بدعواه "[35]
ثانيا : شرط المصلحة في رفع الدعوى :
من المسائل البديهية أن كل رافع دعوى إدارية أو غير إدارية ينبغي أن تكون له مصلحة في إشارة النزاع و عدم وجود مصلحة كفيل بعدم قبول الدعوى ويمكن تعريف المصلحة بأنها " الخاصة إلى عدم القانون وهي الفائدة والمغنم الذي يعود إلى رافع الدعوى "وقد اعتبر بعض الفقهاء أن اشتراط المصلحة ينطوي على وجهين أحدهما سلبي يتمثل في منع من ليس في حاجة للقانون من الالتجاء للقضاء والثاني إيجابي هو اعتباره شرط لقبول دعوى كل من له فائدة من الحكم فيها "[36].
– وتتميز المصلحة بصفة عامة بجملة من المميزات التي يجب أن تتوفر فيها من أجل أن يتحقق معناها الحقيقي خاصة على مستوى التعويض أو بالأحرى دعوى التعويض الإدارية بحيث يجب أن تكون هذه المصلحة محققة بعد ثبوت الضرر على صاحبه بما يستوجب جبره رفع أن المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية جاءت واسعة لتشمل المصلحتين المحققة (الفعلية) وكذا المحتملة(المستقبلية) إلا أنه وعلى مستوى دعوى التعويض وجب الأخذ فقط بالمصلحة المحققة "ابتدءا من تاريخ اكتشاف الضرر وتحققه"
كما ينبغي الإشارة إلى أنه إذا كان عنصر المصلحة يتغير بل ويغيب في باقي الدعاوى الإدارية الأخرى والتي منها دعوى الإلغاء بحيث لا يكون هناك جدوى من إلغاء قرار إداري مثلا فللقاضي بعد إثارة الدفع إلى أن يقضي بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة ، فإنه ثابت مطلق لا يتغير في دعوى التعويض لأن الضرر فيها أول ما يكون هو ضرر مادي محض لا يجبره إلا تعويض عادل، منصف يقرره القضاء والقانون .
-وإن نطاق المصلحة يتسع ليشمل المصلحة المادية المعهودة والتقليدية فكذا المصلحة المعنوية رغم أن ما يغلب على المصلحة في دعوى التعويض هو العنصر المادي ، إلا أنه يمكن للعنصر المعنوي (الضرر المعنوي) سبب في الحصول على المصلحتين المادية والمعنوية ، هذه الأخيرة تدخل تحت طائلة ما يسمى : رد الاعتبار.
ولقد أثار عنصر المصلحة كعنصر أساسي في أي دعوى خلافا كثيرا من الفقهاء من أراد خصومته تمييزا له عن المصلحة في الخصومة المدنية والتجارية ، فمعنى المصلحة على الصعيد الإداري في منازعاته تختلف باختلاف موضوع النزاع ذاته ، فإذا كان موضوع النزاع إلغاء لقرار إداري فإن المصلحة تكمن في إلغائه نظرا لاعتدائه (القرار المطعون فيه) على حق مشروع إلا أن ما يهمنا في موضوعنا المتعلق بالمسؤولية الإدارية هو طبيعة خاصة للمصلحة تختلف عن تلك التي تتضمنها الدعوى العينية في القرار ذلك أنها مصلحة مادية محضة تتجسد في جبر الضرر الذي أصاب المدعي في مواجهة الإدارة نتيجة نشاطها.
إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن هناك نقطة اشتراك جديرة بالذكر بين دعوى التعويض المنشأة لمسؤولية الإدارة عن أعمالها وموظفيها ، وكذا دعوى الإلغاء من حيث أن في كليهما مصلحة مشروعة معتدى عليها بما يستوجب التعويض العادل والمنصف وخير دليل على ذلك أن قاضي الإلغاء رغم أنه يفصل في دعوى موضوعها قرار إداري يتفحصه ويقدر مدي مشروعيته إلا أنه يستطيع أن يتعداه ليقر التعويض المادي في حالة حصول ضرر من الطرف الإداري الذي ألغى القرار ماسا بحق من حقوق المعني (الفرد) وكذا شخصه أو ماله من خلال تبعات سلبيات نتائج القرار المطعون فيه خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ السريان الفوري للقرارات الإدارية مشروعة كانت أو غير مشروعة (قابلة للإلغاء) .
إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن هناك تمازج كبير وكبير جدا بين المسؤولية المدنية الموجبة للتعويض وكذا المسؤولية الإدارية من حيث أن كلاهما مبني على خطأ ، ضرر وعلاقة سببية بينهما (بين الخطأ والضرر) وهو ما نؤكد عليه .
ثالثا : شرط الأهلية .
إن الحديث عن الأهلية كشرط من شروط رفع الدعوى بفرض التمييز بين أهلية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي ، ولما كانت المنازعة الإدارية في جميع من الحالات تربط بين أطراف أحدهما شخص طبيعي وآخر معنوي ، اقتضى الأمر التطرق لأهلية كليهما :
أولا : أهلية الشخص الطبيعي .
يشترط قانونا لممارسة حق التقاضي في الجزائر بالنسبة للشخص الطبيعي التمتع بسن الرشد المدني أي بلوغه 19 سنة كاملة طبقا للمادة 40 من القانون المدني ، وكذا التمتع بكامل قواه العقلية الكفيلة بممارسة حقوقه ، على ذلك يستبعد أن يكون طرفا في الدعوى كل من المجنون والمعتوه والمحجور عليه1 .
ثانيا : أهلية الشخص المعنوي .
إن الأشخاص الاعتبارية كثيرة ومتنوعة وعلى كثرتها نضطر أن نقسمها إلى صنفين أساسيين هما : الأشخاص الاعتبارية العامة والأشخاص الاعتبارية الخاصة .
·بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وهي الدولة والولاية والبلدية والمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية ، وبالرجوع إلى المادة 828 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية نجده قد حدد الأشخاص المؤهلين قانونا لتمثيل الهيئات العمومية تباعا بحيث أن الوزير هو الممثل لمنازعات الدولة (الوزير المعني حسب القطاع) والوالي في منازعات الولاية ورئيس المجلس الشعبي البلدي في منازعات البلدية والممثل القانوني للمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية وبالربط بين المادة 801 والتي تتحدث عن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية وكذا المادة 828 ، نجد بأن المادة الأولى التي تتضمن اختصاص المحاكم الإدارية بالنظر في دعاوى الإلغاء والتفسير وفحص المشروعية للقرارات الصادرة عن الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية إلا أنه لم يتم ذكر من مؤهل لتمثيل المصالح غير الممركزة لنص المادة الثانية (828) بما يعني أنها غير مؤهلة لتمثيل نفسها أمام المحكمة الإدارية ، لكن الأرجح هو أن ممثلها لتجسد في شخص الوالي .
·أما بالنسبة لموقف القضاء الجزائري فقد ذهب إلى قبول دعاوى رفعت أمام عدد من الغرف الإداري ضم مديريات تنفيذية كمديرية الشؤون الدينية ، والصحة وغيرها [37] ، غير أن مجلس الدولة فموقفه يكاد يكون ثابتا تجاه هذه المديريات من حيث كونها ليست إلا امتدادا لتنظيم كبير هو الولاية .
وعليه وجب رفع الدعوى ضد الولاية ممثلة في واليها[38] : وهناك جملة من القرارات التي تجسد الاجتهاد القضائي بهذا الشأن من بينها :
·القرار الصادر عن الغرفة الثانية رقم 182149 المؤرخ في 14 – 02 – 2000 منشور في مجلة مجلس الدولة العدد الأول (ص 107) ويتعلق بمديرية الأشغال العمومية حيث أقر مجلس الدولة أن المديرية تقسم إداري متخصص داخل الولاية .
·القرار الصادر عن مجلس الدول بتاريخ 21-03-2003 والمتعلق بمديرية الفلاحة حيث صح المجلس أن المديرية المذكورة تابعة لسلطة الوالي وبالتالي فهي تفتقر إلى أهلية التقاضي طبقا للمادة 459 من قانون الإجراءات المدنية ورفض الدعوى لسوء التوجيه .
·القرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 20-01-2004 والمتعلق بمديرية السكن : حيث أقر المجلس بأن هذه المديرية لا تتمتع بالشخصي القانونية المستقلة وأن إدخال الوالي في النزاع بصفته ممثلا للدولة وإجراء صائب[39].
وينبغي الإشارة : إلى أنه إذا كان هناك نص خاص يخول المدير التنفيذي صلاحيته تمثيل القطاع أمام القضاء فينبغي قبول الدعوى الموجهة ضد المدير دون النظر إلى الوالي المختص إقليميا[40]
وهناك بعض النصوص التنظيمي التي نجدها قد خولت جهات تنفيذية معينة ومحدودة بموجب النص تمثيل الإدارة أمام القضاء منها قرار وزير التربية الوطنية المؤرخ في 3-8-1999 والذي خول مديرية التربية في الولايات تمثيله في الدعاوى المرفوعة أمام القضاء .
·القرار الصادر عن وزير المالية المؤرخ في 20-02-1999 الذي قوض بموجبه مدراء أملاك الدولة ومدراء الحفظ العقاري على مستوى الولايات لتمثيله أمام القضاء العادي والإداري .
·قرار وزير المالية المؤرخ في 31-12-2003 الذي خول المدير للأمن الوطني تمثيل وزير الداخلية والجماعات المحلية في الدعاوى المرفوعة أمام القضاء .
-أما بالنسبة للدائرة فقد حسم الأمر بشأنها باعتبارها تنظيم إداري تابع للولاية لا تملك أهلية التقاضي وبالتالي لا يجوز مقاضاتها بضفة أصلية منفصلة عن الوالي المختص إقليميا.
·المطلب الثاني : الشروط الخاصة بالمدة .
من بين الشروط الشكلية المقررة لقبول دعاوى التعويض شرط الميعاد أو المدة ويعتبر ميعاد رفع وقبول دعوى التعويض من النظام العام ولا يجوز الاتفاق بين الأطراف على عدم استعماله ويجب على القاضي المختص أن يثيره من تلقاء نفسه إذا لم يثيره الأطراف الخصوم .
ومن رفع دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي المختص محليا هو مدة أربع أشهر من تاريخ التبليغ الشخصي بالقرار أو من تاريخ نشره تطبيقا لمضمون الفقرة الأخيرة من المادة 169 مكرر المعدلة ، أما المدة المقررة لقبول دعاوى القضاء الكامل بصفة خاصة أمام المحاكم الإدارية في النظام القضائي الفرنسي فهي مدة شهرين تبدأ من تاريخ العلم الشخصي للشخص صاحب الصفة والمصلحة بالقرار السابق الذي يتضمن رد السلطات الإدارية على طلبه صراحة أو ضمنيا .
ولدراسة شرط الميعاد أو المدة هذا لابد من التطرق إلى الحقائق والعناصر التالية :
أولا : طبيعة شرط المدة في دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية .
ثانيا : مدة الميعاد المقرر لرفع دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية .
ثالثا : إطالة امتداد المدة المقررة لرفع و قبول دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية .
رابعا : آثار انقضاء المدة المقررة لرفع و قبول دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية .
أولا * الطبيعة القانونية لشرط المدة في دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية :
يعتبر شرط المدة في دعوى التعويض شرط إلزامي و هو من النظام العام و يجب على القاضي المختص أن يثيره من تلقاء نفسه إذا لم يثره أحد الخصوم .
و يتدشن من استعمال شرط المدة لرفع و قبول دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية في بعض النظم القضائية في العلم مثل النظام القضائي الفرنسي في منازعات بعض الأنشطة و الأعمال الإدارية مثل دعوى التعويض عن المسؤولية الناجمة عن الأشغال العامة .
ثانيا * مدة رفع و قبول دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية :
إن مدة الميعاد لرفع و قبول دعوى التعويض الإدارية أمام الجهات القضائية المختصة بها هي مدة 4 أشهر (أربعة) في النظام القضائي الجزائري . تبدأ من تاريخ علم الشخص صاحب الصفة و المصلحة بالقرار الإداري الفردي ، أو من تاريخ نشر القرار الإداري العام التنظيمي ، هذا ما تقرره المادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .
أما بالنسبة لمدة ميعاد رفع دعوى التعويض و المسؤولية الإدارية أمام المحاكم الإدارية في النظام القضائي الفرنسي ، فهي شهران ابتدءا من تاريخ التبليغ الشخصي للقار السابق لرد السلطات الإدارية المختصة الصريح أو الضمني . على طلب الشخص المضرور . و هذا بتطبيق القانون الصادر في 7جوان1956 و المتعلق بمدد رفع قبول دعاوى المنازعات الإدارية أمام جهات القضاء الإداري .
هذا و تحسب مدة ميعاد رفع وقبول دعوى التعويض كاملة بالساعات بحيث يبدأ هذا الميعاد من الساعة المصفر لليوم و لا تحسب اليوم الأخير من الميعاد إذا ما صادف يوم عطلة إذ يمتد الميعاد إلى اليوم الموالي ليوم العطلة الذي صادف نهاية الميعاد كأصل عام فهذه هي مدة ميعاد رفع و قبول دعوى التعويض الإدارية لكن قد توجد نصوص خاصة تقرر مواعيد استثنائية تطبيقا لقاعدة أن النص الخاص يغير النص العام بشرط أن يكون النص الخاص هذا من نفس الجنس و الدرجة و القيمة القانونية التي يتمتع بها النص القانوني العام .
ثالثا *امتداد المدة المقررة لقبول دعوى التعويض :
قد تمتد المدة المقررة لقبول دعوى التعويض ، قد يكون هذا الامتداد لعدة أسباب منها : بسبب بعد المسافات المكانية يعني عامل البعد المكاني عن مكان التقاضيكأن يكون المتقاضون مقيمين خارج إقليم الدولة ، قد تضاف إلى المدة الأصلية المقررة و هي مدة (أربعة أشهر) . في النظام القضائي الجزائري ، ومدة الشهرين في النظام القضائي الفرنسي مدة إضافية للمتقاضي بالخارج ، هذا كما فعل المشرع الجزائري في المادة 236 ت. ج . م«إذا كان أحد الخصوم يقيم خارج البلاد فإنه يزاد إلى ميعاد الطعن شهر واحد بالنسبة له مهما كانت طبيعة الدعوى»
*كما أن الميعاد المقرر لرفع و قبول دعوى التعويض و المسؤولية الإدارية قد يمتد بسبب تدخل المشرع و تقرير مواعيد جديدة إضافية للميعاد الأصلي المقرر لرفع و قبول دعوى التعويض الإدارية و كثيرا ما يحدث ذلك في أعقاب حدوث و زوال حالات الظروف الاستثنائية و أحوال القوة القاهرة و من أمثلة ذلك : تدخل المشرع الفرنسي بموجب قانون 05-08-1914 و قانون 13-07-1968 في أعقاب الحوادث و الاضطرابات الطلابية الشهيرة التي حدثت في فرنسا و يشترط أن تكون هذه النصوص التي تتدخل لمد و إضافة مواعيد جديدة إضافة لميعاد رفع وقبول دعوى التعويض أن تكون من درجة التشريع لأن المواعيد المقررة لرفع وقبول دعوى بصفة عامة و دعوى التعويض بصفة خاصة تقرر و تنظم بموجب نصوص قانونية من درجة التشريع .
*و قد يقطع الميعاد المقرر لرفع و قبول دعوى التعويض ، و يمتد بسبب تدخل الشخص المضرور و تقديم طلب المساعدة القضائية أمام السلطات المختصة في الدولة حيث تؤدي عملية طلب المساعدة القضائية إلى قطع الميعاد و تجميده و جعله لا يبدأ في السريان إلا من تاريخ علم الشخص المعني ، فهذا السبب يعد من أسباب وقف الميعاد و ليس بسبب من أسباب قطع الميعاد .
*كما يعتبر الخطأ في تحديد الجهة القضائية المختصة بدعوى التعويض الإدارية من طرف صاحب المصلحة و الصفة سببا من أسباب قطع ميعاد رفع و قبول دعوى التعويض هذه .
بحيث يبدأ الميعاد المقرر من جديد و كاملا من تاريخ التبليغ الشخصي للحكم الصادر بعدم الاختصاص من الجهة القضائية غير المختصة بدعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية .
-و يشترط لاعتبار الخطأ في تحديد الجهة القضائية المختصة بدعوى التعويض الإدارية سببا من أسباب امتداد الميعاد المقرر لقبول دعوى التعويض الإدارية الشروط التالية:
1-يجب أن ترفع دعوى التعويض أمام الجهة القضائية غير المختصة في حدود الشكليات و الإجراءات و المواعيد المقررة لرفع و قبول هذه الدعوى أمام جهة الاختصاص القضائي المختصة بدعوى التعويض الإدارية .
2-يجب أن تحكم و تصرح الجهة القضائية غير المختصة بعدم اختصاصها بالدعوى .
3-يجب أن ترفع دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية أمام جهة الاختصاص القضائي المختصة بها خلال الميعاد المقرر و هو ميعاد الأربعة أشهر في النظام القضائي الجزائري و ميعاد الشهرين في النظام القضائي الفرنسي .
رابعا * آثار انقضاء المدة المقررة لقبول دعوى التعويض :
إن فوات و انقضاء الميعاد المقرر لرفع و قبول دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية هو ميعاد الأربعة أشهر في النظام القضائي الجزائري ، و الشهرين في النظام القضائي الفرنسي لا يؤدي إلى سقوط و تقادم دعوى التعويض و المسؤولية الإدارية ، و إنما يؤدي فقط إلى سقوط إجراءات و شكليات الدعوى بسبب فوات و انقضاء الميعاد المقرر و ذلك لأن دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية لا تسقط ولا تتقادم إلا بمدد سقوط و تقادم الحقوق التي تتعلق بها ، و تستهدف حمايتها .
فيمكن للمضرور و صاحب المصلحة و الصفة التي يرفع عليها دعوى التعويض من جديد في نطاق شكليات و إجراءات جديدة و في ميعاد جديد . مادام الحق لازال موجود لم يسقط ولم يتقادم بأي سبب من أسباب السقوط أو التقادم ، المقرر قانونا .
* المطلب الثالث : * الشروط المتعلقة بالقرار السابق *
يتعلق مفهوم القرار السابق في منازعات القضاء الكامل بما في ذلك منازعات التعويض المتعلقة بمسؤولية الإدارة عند أعمالها المرفوعة أمام المحكمة الإدارية ، بكونه لا يجوز للمتعدي أن يخاصم الإدارة أمام القضاء إلا بعد أن يطلب منها التصريح عن نيتها في الدخول معه في نزاع أمام القضاء ، بعبارة أخرى تبدي موقفها ضد نزاع مستقبلي مع المدعي .[41]
-و معنى ذلك أنه على المدعي أن يطلب تعويضا من الإدارة بصفة مباشرة بهدف جبر الضرر الذي أصابه و بعد ذلك يرفع دعوى قضائية في شكل احتجاج ضد القرار السابق الرافض لذلك التعويض
-و على ذلك نستطيع أن نستنتج بأن القرار السابق هو :-
«القرار الذي يجسد موقف الإدارة السلبي تجاه مطالبة صاحب الشأن (المضرور) بجبر الضرر الذي أصابه من نشاط إداري معين [42]، مع الإشارة إلا أنه في هذه الحالة على الأغلب أن يكون قرار إداري بحيث تكون هناك رابطة بين الإدارة و الفرد المضرور» «ومعنى ذلك أن القرار السابق هو تعبير الإدارة عن رفضها التعويض المضرور بعد مطالبته به (بالتعويض) »
*موقف الفقه و القضاء من فكرة القرار السابق :-
أولا -المواقف الفقهية من فكرة القرار السابق :
أثارت فكرة القرار السابق و مدى اشتراكها في دعوى التعويض جدلا فقهيا كبيرا بين الفقهاء حيث برزت بشأنها آراء متناقضة فيما بينها نبرزها فيما يلي :
1- رأي الأستاذ عمار عوابدي :- يرى الأستاذ أن فكرة القرار السابق شرط جوهري لقبول الدعاوى الإدارية عموما و دعوى التعويض خصوصا بحيث يقول بخصوص هذا الشأن : «وكل ما أنجزه و فعله المشرع الجزائري بهدف إلغاء القرار السابق كفكرة هو الإبقاء على مبدأ تطبيقها كشرط إلزامي ووجوب لقبول الدعوى الإدارية أمام الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية المختصة محليا بما فيها دعوى التعويض و المسؤولية الإدارية ، و إغفال و إلغاء الإجراءات و الشكليات اللازمة لبيان كيفية تطبيق هذه الفكرة مما يجعلها غامضة و غير قابلة للتطبيق قانونا»
«- غير أن تطبيق الفقرة الأولى من المادة 169 مكرر بموجب القانون 90/23 المؤرخ في :18/08/1990 ، تتطلب تطبيق فكرة القرار السابق إذا كانت أسباب قيام دعوى التعويض والمسؤولية الإدارية ، وقائع وأعمال إدارية مادية وفنية ضارة …..،….،….»
– وعلى ذلك نجد بأن الأستاذ عمار عوابدي في بداية الأمر أقر بعدم قابلية القرار السابق للتطبيق ، ليتراجع في آخر المطاف عن موقفه مصرحا بأن استصدار القرار السابق في دعوى التعويض واجب (دعوى التعويض المرفوعة ضد الإدارة) .
*/رأي : – وهو ما لا نؤيده فيه لأن تطبيق فكرة القرار السابق على دعوى التعويض مع عدم قابلية للتطبيق قانونا يعد خروجا عن القانون .
2* رأي الأستاذ خلوفي : يرى الأستاذ رشيد خلوفي بشأن القرار السابق كحل افتراضي في غياب اجتهاد المحكمة العليا أنه : «رفع شكوى أو طلب قصد استصدار قرار إداري صريح أو ضمني[43] » . وبعدها تطبق أحكام المادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية فيما يخص الدعاوى المرفوعة ضد القرارات الإدارية فإنها تخضع إلى نفس القواعد المتعلقة بالدعاوى التي ترفع ضد الأعمال المادية للإدارة اللامركزية .
إذن : ما هو الحل في حالة النزاع المتعلق لعمل مادي قامت به الإدارة المحلية أو مؤسسة عمومية ذات طابع إداري .
– إن الإجابة عن هذا السؤال الأخير تدعو منا الرجوع إلى 169 مكرر بحيث لا يجوز رفع دعوى المجلس القضائي إلا ضد قرار إداري ، وبالتالي لا يمكن للمدعي في نزاع قام عن عمل مادي أن يلجأ مباشرة إلى القضاء [44].
وعلى ذلك فإنه بالنسبة للعمل المادي الذي أنتج ضررا نتيجة عمل إداري في الإدارة المحلية أو المؤسسة العمومية ذات الصيغة الإدارية أن يقوم برفع شكوى أو طلب أو تقديم رسالة إلى الإدارة المعنية يطرح فيها بوضوح مطالبه ويحدد طلباته حتى يتحصل عليها أو يستصدر قرارا إداري (قرار سابق) .
دون شرط أو شكل يذكر (بمعنى لا يتعدى شكل القرار) «وعلى ذلك فإن شرط القرار السابق هو شرط نسبي لا يتعدى العمل القانوني الإداري الذي يمس الفرد كأداة للإدارة دون العمل المادي الذي بسبب ضرر له فإنه ليس شرطا لقبول دعوى التعويض ضد الإدارة»
-وعلى ذلك يتضح لنا جليا بأن رأي رشيد خلوفي لا يختلف كثيرا عن رأي الأستاذ عمار عوابدي ، إذ جعل الأول رأيه حلا افتراضيا مبنيا على طبيعة قانونية تجسد شكوى في حين أن الثاني جعل من القرار السابق شرطا من النظام العام .
3 – رأي الأستاذ مسعود شيهوب :-
إذا كان الأستاذ عمار عوابدي و كذا الأستاذ رشيد خلوفي يستلزمان القرار السابق لقبول دعوى التعويض فإن مسعود شيهوب يرى بأن القرار السابق غير لازم في المنازعات الإدارية بما في ذلك منازعات التعويض و ذلك من باب تخفيف العبء على المدعي خاصة و أنه الطرف الضعيف في العلاقة الذي يواجه السلطة العامة كطرف قوي ، وكذا تبسيط الإجراءات [45]
بدليل لأنه قد أحسمن المشرع فعلا عندما ألغى التظلم كشرط جوهري جاعلا منه شرط جوازي و أحل محله نظام الصلح [46]
– و على ذلك نرى بأن الأستاذ مسعود شيهوب اعتمد في رأيه على إصلاحات المشرع في استحداثه نظام الصلح محل التظلم .
-و تجدر الإشارة إلى أنه وفق هذه النظرة نستنتج بأن الأستاذ مسعود شيهوب ذهب إلى أنه القرار السابق هو النظام في حد ذاته وهو ما يتضح من فحوى النصوص التشريعية الخاصة به(829 قانون الإجراءات المدنية والإدارية )- من حيث فائدة التظلم رغم أن الإدارة في كثير من الأحيان مالا ترد إيجابا على المدعى .(الفرد قبل رفع الدعوى أي مدعى على الإدارة فيها قبل دخول إلى محرمك القضاء ، إلا أننا نرى بأن القرار السابق يختلف عن التظلم من حيث فائدته ، ذلك أنه يجسد (« إثبات حالة ») موجهة للقضاء بحيث يثبت فيها المدعى مدى الضرر الذي أصابه من الإدارة و نشاطها الذي مس بحقوقه ، ذا كان بالنسبة لكثير من الفقهاء و منهم ما أبرزناه أعلاه . نتيجة فائدته العملية على مستوى ضمان حق المدعي أمام القضاء في مواجهة الإدارة .
و على ذلك فهو بمثابة الخبرة (إن صح التعبير) أو الدليل المسبق لفائدة المدعى «معنى ذلك أنه الطبيعة القانونية(القرار السابق) تختلف عن الطبيعة القانونية للتظلم رغم أنهما مشتركان من كونهما إجراء جوازي للمدعي : إلا أن الفائدة العملية للتظلم قد تكون سلبية أمام امتناع الإدارة في حين أن القرار السابق هو ذا فائدة عملية بارزة على مستوى الظاهر لأنها تثبت أمرا ماديا على المضرور نتيجة عمل مادي أو قانوني للإدارة ضد المعني »
* ثانيا : موقف القضاء من شرط القرار السابق :-
– بالرغم من جملة الاختلافات الفقهية المتعددة و المتناقضة فيما بينها بين مؤيد و رافض لفكرة القرار السابق كشرط من الشروط الواجبة لقبول الدعاوى الإدارية فيما بينها دعوى التعويض فإن القضاء حسم الأمر هذه المسألة .
– حيث أن المجالس القضائية لا تأخذ بفكرة القضاء السابق كشرط لرفع الدعوى التعويض و ذلك بموجب القرار الصادر عن الغرفة الثانية (الإدارية ) لمجلس قضاء الجزائر بتاريخ 20-04-2005 [47] الذي يتمثل فحواه فيما يلي : «- حيث أن الدفع المتمثل في كون المدعية لم تقم بالطعن السابق فإنه ليس في محله لأن الدعوى الحالية ترمي إلى إبطال قرارين إداريين و إن التظلم لم يعد واجبا و حل محله إجراء محاولة الصلح بالنسبة للقرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المحلية حيث أنه و الحالة تلك يتعين قبول الدعوى شكلا…»
-و بدوره قضى مجلس الدولة في قرار له بتاريخ 10 فيفري 2022 ، قضية رئيس المجلس الشعبي البلدي لسعيدة ضد أعضاء المستثمرة الفلاحية هشماوي [48] بأن المادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية المشترطة للقرار السابق لا ينطبق على دعاوى القضاء الكامل و جاءت أسبابه كما يلي حيث أن المستأنف يتمسك بأن الطلب الأصلي الذي قدمه أعضاء المستثمرة الفلاحية هشماوي غير مقبول بناءا على المادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية من حيث أن العريضة لم تكن مصحوبة بالقرار محل الطعن-
– «حيث أن طلب أعضاء المستثمرة الفلاحية هي دعوى تعويض مدني أي دعوى من القضاء الكامل و منه فإن المادة (169 مكرر) من قانون الإجراءات المدنية لا يمكن تطبيقه على قضية الحال … » .
-«و أكد المجلس الدولة هذا الاجتهاد بقرار لاحق (11 ماي 2022 ) قضية والي ولاية وهران ضد م ح و رئيس بلدية وهران [49] بأن قرر صراحة عدم لزوم استصدار القرار السابق قبل رفع دعوى التعويض و بالتالي عدم لزوم التظلم الإداري . »
المبحث الثالث : الجهة المختصة بالفصل في دعوى التعويض الإدارية
لتطرق إلى الجهة المختصة بالفصل في دعوى التعويض الإدارية ينبغي علينا أن نتطرق تباعا إلى الأصل العام ثم إلى الاستثناء الوارد عن القاعدة العامة بخصوص الاختصاص النوعي للفصل في الدعوى عموما ثم الدعوى الإدارية خصوصا خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجزائر بشكل خاص تأخذ أو تتجه اتجاها لازدواجية القضائية بحيث تختص في المحاكم العادية بالفصل في قضايا القانون الخاص عموما تحت ما يسمى بالقضاء العادي في حين تختص المحاكم الإدارية (الغرف الإدارية على مستوى المجالس القضائية ) بالفصل في الدعاوى الإدارية .
حيث أنه ووفق الأصل العام وعلى اعتبار أن الاختصاص النوعي من النظام العام فإن كل من الجهتين يختص نوعيا بما هو مناط به ،إلا أنه و استثناءا قد تختص جهات القضاء العادي بالفصل في دعاوى إدارية أو « بالأحرى دعاوى أحد أطرافها الدولة أو أحد هيئاتها » أين يثار نزاع المطالبة فيه من المضرور تتمحور حول التعويض على الأضرار الناجمة عن الحوادث المرتكبة من الإدارة بمركباتها و كذا تلك المنازعات التي تثور بشأن مخالفات الطرق .
وهو ما سيتم مناقشته وفق دراسة تحليلية لفحوى كل من المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية و المادة 800 و 801 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أين نتطرق للأصل العام أي اختصاص جهات الجهاز الإداري بالفصل في المنازعات الإدارية و كذا المادة 7 مكرر من قانون الإجراءات المدنية و المادة 802 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لنتطرق للاستثناء أي اختصاص جهات القضاء العادي بالفصل في منازعات و دعاوى إدارية خاصة .
و ذلك وفق مطلبين على الترتيب لتصل في المطلب الأخير لإجراءات الفصل في دعوى التعويض الإدارية .
المطلب الأول: الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية
الاختصاص النوعي بصفة عامة هو دلالة جهة قضائية مختصة بالنظر في المنازعات التي تتواجد على مستوى اختصاصها الإقليمي سواء كانت المحاكم أو المجالس القضائية (هذه المنازعات ذات طبيعة نوعية) كأن تكون منازعات تجارية ، مدنية ، أحوال شخصية…. هذا إذا أردنا الحديث عن اختصاص القضاء العادي إلا أن ما نتطرق إليه في هذا المطلب هو الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية وعلى ذلك المنازعات التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية طرفا فيها إذ نجد أن النص المادة 7 من ق. إ. م القديم تنص على أنه تختص المجالس القضائية بالفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية طرفا فيها .
وذلك حسب قواعد الاختصاص التالي :
1-الطعون بالبطلان في القرارات الصادرة عند الولايات والطعون الخاصة بتفسيرها وتلك الخاصة بمدى مشروعيتها التي يختص بها مجلس قضاء كل من الجزائر ، وهران ، قسنطينة ، بشار ، ورقلة ، التي يحدد اختصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم .
2-يكون من اختصاص المجالس القضائية التي تحدد قائمتها وكذا اختصاصاتها عن طريق التنظيم .
الطعون بالبطلان في القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية وعن المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ن الطعون الخاصة بتغيير هذه القرارات وكذا فحص مدى مشروعيتها .
3- المسؤولية المدنية للدولة والولاية والبلدية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية الرامية تطلب تعويض « إشارة المادة 07 إجراءات مدنية بتصرف » .
من خلال المادة السابقة يتضح لنا أنه فضلا عن الاختصاص النوعي للمجالس القضائية باعتبارها جهة استئنافية للأحكام الصادرة عن المحاكم كاختصاص أصيل ، فإن لها اختصاص ابتدائي بالنظر في جميع القضايا التي تكون الدولة أو أحد هيئاتها طرفا فيها التي وردت بصفة عامة واسعة (…. في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها )
و على ذلك يمكننا وفق هذه الصياغة أن ندخل حتى دعاوى التعويض و ما أكد هذا (…. المنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة ، الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية الرامية لطلب التعويض ) و حتى لا يذهب الذهن بعيدا فإن اختصاص المجالس القضائية هو اختصاص الغرفة الإدارية على مستواها (مستوى المجالس القضائية ) مما يعني أننا لازلنا في الاختصاص القضائي الإداري و ينبغي الإشارة إلى أن المادة في أولها جاءت عامة لتفصل فيها بعد جملة من الاختصاصات و هي تلذ المتعلقة بالطعون في قرارات الولاية ، البلدية ، وكذا قرارات رؤساء المجالس الشعبية البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية و كذا فحصها و مدى مشروعيتها ثم المنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة و هيئاتها و على ذلك فإنه و حسب وجهة نظرنا فإن، الاختصاص النوعي للغرفة الإدارية على مستوى المجالس الإداري وارد على سبيل المثال و التفصيل بدليل انتقال المشرع من العام إلى التمثيل (وجهة نظر) .
-هذا بالنسبة للمادة 07 مع المادة من القانون القديم للإجراءات المدنية و لمطابقتها مع المادة 800 فإننا نجد أننا هذه الأخيرة تنص على أنه تختص المادة 800 « المحاكم الإدارية في جهات الولاية في المنازعات الإدارية ،
-يختص بالفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها» .
وعليه فبمطابقتها مع المادة السابقة نجد بأنهما لا يختلفان مطلقا من حيث صياغتها فيما يخص الاختصاص النوعي للجهات القضائية الإدارية ، إلا أن المادة المحتواة في القانون القديم والمادة (المادة07) كانت مطولتا بحيث تطرقت إلى الاختصاص النوعي عموما لتتطرق فيما بعد إلى جملة من المنازعات التي تختص الجهات القضائية الإدارية مجسدتا في الغرف الإدارية على مستوى المجالس القضائية مقسما إياها إلى مجالس قضائية مختصة بالنظر في الطعون الخاصة بالقرارات الدولة أو إحدى هيئاتها (الولايات) طرفا فيها وكذا تفسيرها ومدى مشروعيتها أين يختص بها المجالس القضائية على مستوى الجزائر – وهران – قسنطينة – بشار – ورقلة أما الطعون ضد القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس الشعبية البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية وكذا فحصها ومدى مشروعيتها بالإضافة المنازعات المدنية المتعلقة بمسؤولية الدولة أو أحد هيئاتها الرامية لطلب التعويض فيختص بنظرها المجالس القضائية التي يحدد قائمتها التنظيم وعلى ذلك فإن هناك اختصاص مزدوج للمجالس القضائية ولعل تبرير ذلك يعود إلى أن القرارات الصادرة عن الدولة أو الولايات هي قرارات مركزية بالنسبة للدولة وأقرب إلى المركزية فيما يخص قرارات الولاية رغم أن هذه الأخيرة هو صورة من الصور المجسدة للامركزية الإدارية ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كون الوالي له صفتين بكونه ممثلا للدولة من جهة وكذا ممثلا للولاية من جهة أخرى ، أما فيما يخص اختصاص المجالس القضائية بالطعون ضد القرارات الصادرة عن رؤساء المجالس لشعبية البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية وهو اختصاص يخضع للتنظيم وفقا للاختصاص الإقليمي كما (المجالس القضائية) ونفس الفكرة بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة – الولاية – البلدية والمؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية ، على أن تقبل كل هذه المنازعات الاستئناف أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في حين أن المادة الجديدة المتضمنة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية جاءت سهلة بسيطة بحيث لم تتجاوز ذكر الأصل العام دون تفصيل بحيث أن كل نزاع كان أحد أطراف الدولة … الولاية … البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية فيؤول الاختصاص بالنظر فيها إلى المحكمة الإدارية .
وعليه نستنتج أن المطالبة الواردة في المادة القديمة أي السابقة من الإجراءات المدنية ما هي إلا تفصيل ممل لاختصاص المجالس القضائية ولذلك فإنه حسب وجهة نظرنا فإن الصياغة الجديدة ورغم أنها جاءت من بالأصل العام إلا أن الاختصاص فيها واضح (الاختصاص النوعي) بحيث تؤول المنازعات الإدارية إلى الغرف الإدارية على مستوى المجالس القضائية إلى حين إنشاء المحاكم الإدارية على المستوى العملي .
المطلب الثاني : اختصاص جهات القضاء العادي بالفصل في المنازعات الإدارية .
قد تختص جهات القضاء العادي بالفصل نوعيا واستثنائيا في قضايا ومنازعات إدارية وهو ما أورده المشرع في المادة 07 مكرر من القانون القديم (ق .إ.ج.م) ، والتي يقابلها المادة802 إ.ج.م.إ الجديد بحيث تنص المادة القديمة أنه وخلافا لأحكام المادة 07 يكون من اختصاص (المحاكم العادية) .
-مخالفات الطرق – المنازعات المتعلقة بالإنجازات الفلاحية والأماكن المعدة للسكن أو المزاولة مهنة أو الإنجازات الإدارية .
-وكذا في المواد التجارية والاجتماعية .
-المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة للمسؤولية الرامية لطلب التعويض عن الأضرار الناجمة عن سيارات تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية .
2- تكون من اختصاص المحاكم التي تعقد جلساتها في مقر المجالس القضائية .
– الحجز العقاري .
– تسوية قوائم التوزيع .
– بيع المشاع .
– حجز السفن والطائرات وبيعها قضائيا .
– تنفيذ الحكم الأجنبي.
– معاشات التقاعد الخاصة بالعجز .
– المنازعات المتعلقة بحوادث العمل .
– دعاوى الإفلاس والتسوية القضائية .
– طلبات بيع المحلات التجارية المثقلة بالرهن الحيازي .
في حين تنص المادة الجديدة 802 على أنه خلفا لأحكام المادتين 800 و 801 يكون اختصاص المحاكم العادية المنازعات الآتية :
-مخالفات الطرق .
-المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية الرامية إلى طلب تعويض عن الأضرار الناجمة عن مركبة تابعة للدولة ولأحد الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية .
* إذا أردنا التعليق عن المادتين في القانون القديم وكذا الجديد على السواء فيتضح لنا بأن المادة القديمة جاءت موسعة مبررة اختصاص نوعيا مفصلا لجهات القضاء العادي في منازعات مخالفات الطرق وكذا مختلف المنازعات الواردة في المادة أعلاه (07 مكرر إ.ج.م) مبرزة إياها على سبيل الحصر إلا أنه وفيما يخص المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية الرامية إلى طلب تعويض عن الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى هيئاتها أو لمؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية فالمقصود بها حوادث المرور التي يرتكبها الموظفون ضد الغير وقد أحسن المشرع إقصاء هذه المنازعات من اختصاص القضاء الإداري وذلك لطابعها المدني المطلق وذلك تحقيقا على القاضي الإداري من جهة وطبيعتها المدنية التي لا تتجاوز خطر تعرض له الغير من موظف تابع للدولة (الإدارة) بأحد أدواتها (مركبة) وعلى ذلك فإنه من المنطقي إخضاعها للقانون الخاص بما يبرز لها فعالية أكثر على مستواه إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن قدر التعويض الذي قد يحصل عليه المضرور جراء هذا الحادث هو أكبر من التعويض الذي قد ينتج عن حادث مرور بين خواص أي أن المتسبب في الحادث ليس موظف .
في حين المنازعات الواردة في الجزء الثاني من المادة و التي آل فيها الاختصاص إلى المحاكم المنعقدة في مقر المجالس القضائية هي التي كانت مضافة ولا ندري أسبابها الحقيقية إلا أنه يمكن أن يكون السبب الواضح والجلي هو طبيعتها الخاصة بذاتها لارتباطها من جهة بالقانون الخاص ومن جهة أخرى طبيعتها الماسة بالنظام لعام الذي على أساسه انعقدت في محاكم مقر المجلس ومثاله المنازعات المتعلقة بالحجز العقاري وتنفيذ الحكم الأجنبي الإفلاس والتسوية القضائية …
في حين أن المادة الجديدة قد اقتصرت على مجالس اثنين وهما مخالفات الطرق والمنازعات المتعلقة …….جديدة .
أين آل الاختصاص إلى جهات القضاء العادي مباشرة دون حاجة لإضافة ما أضافته المادة السابقة ويرجع ذلك إلى أن المنازعات التي أوردتها الماد القديمة قد يؤول الاختصاص فيها وفق القانون الجديد إلى الأقطاب المتخصصة المستحدثة في القانون الجديد وفقا للمادة 32 ومثاله أن يؤول الاختصاص لها في الإفلاس والتسوية القضائية .
مما يجعلنا نقول بأن الإطالة التي وردت في المادة 07 مكرر كانت إطالة مبررة بحيث تلعب المحاكم المنعقدة بمقر المجالس القضائية في القانون القديم دور الأقطاب المتخصصة في القانون الجديد وهو ما يبرر اقتصار المادة 802 على متضمناتها (مخالفات الطرق ، منازعات الناجمة عن حوادث مركب تابعة للدولة ) .
المطلب الثالث : إجراءات الفصل في دعوى التعويض .
بما أن عريضة دعوى التعويض هي الوسيلة الشكلية والإجرائية والقانونية والقضائية التي يرفع ويقدم بواسطتها الشخص المضرور طلبا إلى الجهة القضائية المختصة – فلابد من خضوع هذه العريضة (عريضة دعوى التعويض) لمجموعة من الشكليات والإجراءات والمراحل القانونية الإلزامية . ويتضح ذلك فيما يأتي من إجراءات قانونية (مراحل) :
I-المرحلة الأولى : مرحلة إعداد وتكوين عريضة التعويض الإدارية .
II-المرحلة الثانية : مرحلة تقديم عريضة دعوى التعويض الإدارية .
III-المرحلة الثالثة : مرحلة تحضير ملف دعوى التعويض الإدارية .
IV-لمرحلة الرابعة : مرحل المرافعة والمحاكمة في دعوى التعويض الإدارية .
أولا : مرحلة إعداد وتكوين عريضة التعويض الإدارية .
لكي تقدم عريضة دعوى التعويض في الميعاد المقرر لها أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي بمجلس القضائي المختص في النظام القضائي الجزائري تطبيقا لأحكام المواد : " 37 – 38 – 14 و 15 ف.إ.ج.م[50]"
لابد من أن تقدم هذه الدعوى بموجب أحكام عريضة الدعوى المقررة في هذا القانون بحيث يجبر أن تعد وتحضر هذه العريضة طبقا للمواصفات والمكونات والمضمون الذي تقرره قواعد النظام القانوني لعريضة الدعوى الإدارية أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي المختص إقليميا بصفة خاصة والأحكام المشتركة لعريضة الدعوى أمام المجالس القضائية بصفة عامة .
وبالرجوع لهذه الأحكام والخاصة والعامة، يبين أن عريضة دعوى التعويض أو المسؤولية الإدارية المقدمة أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي المختص يجب أ ن تتضمن على مجموعة من البيانات والمكونات التالية
1-أن تكون عريضة الدعوى مكتوبة وموقع عليها من المدعي الخصم أو من طرف مقيد في نقابة المحامين .
2-أن تتضمن الدعوى الإشارة إلى إسم ولقب وعنوان كل من المدع والمدعى عليه أو المدعى عليهم .
3-ذكر الجهة القضائية المختصة التي ترفع امامها الدعوى .
4-الإشارة إلى تسمية وطبيعة الشخص المعنوي ، ومقره الاجتماعي وصفه ممثله القانوني أو القضائي .
5-عرض موجز للوقائع والطلبات والوسائل التي تؤسس عليها الدعوى .
6-الإشارة عند الاقتضاء إلى المستندات والوثائق المؤيدة للدعوى .
هذه أهم البيانات والمكونات التي تتكون منها عريضة دعوى التعويض .
ثانيا : مرحلة تقديم عريضة الدعوى.
تقدم وتودع عريضة دعوى التعويض الإدارية في كتابة الضبط للمجلس القضائي المختص محليا ويسلم كاتب الضبط المدعي إيصالا كما يجب عليه أن يبلغ المدعى عليه أو المدعي عليهم فورا بعريضة الدعوى .
-تقيد العريضة حالا في سجل خاص تبعا لترتيب ورودها ، مع بيان أسماء وألقاب الخصوم ورقم القضية وتاريخ أول جلسة .
-ثم يقوم كاتب الضبط بإرسال عريضة الدعوى بعد عملية تنجليها إلى رئيس المجلس القضائي المختص محليا الذي يقوم بدوره بإحالة عريضة دعوى التعويض الإدارية إلى رئيس الغرفة الإدارية بنفس المجلس ليقوم هو بدوره باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للشرع في تحضير وإعداد ملف قضية دعوى التعويض للمحكمة (مواد 16-17 ق. ج. إ.م) .
ثالثا : مرحلة تحضير ملف قضية دعوى التعويض الإدارية .
يقوم رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي المختص ، وبعد تسلم عريضة الدعوى من رئيس المجلس القضائي ، يقوم بتعيين القاضي المقرر الذي يحدد بناءا على ظروف القضية الآجال الممنوحة للخصوم وأهم الملاحظات إذا فمهمته تخص إعداد وتحضير ملف القضية للمداولة والمحاكمة .
وتمر عملية إعداد وتحضير ملف قضية دعوى التعويض الإدارية .
1-القيام بمحاولة صلح بين المدعي والسلطات الإدارية المدعي عليها خلال مدة ما أمام قاضي مختص .
-إذا حصل صلح يحرر رئيس تشكيلة الحكم محضرا يبين فيه ما تم الاتفاق عليه ويأمر بتسوية النزاع وغلق الملف – ويكون هذا الأمر غير قابل لأي طعن .
-وفي حالة عدم الاتفاق على الصلح بين المدعي والسلطات الإدارية (المدعى عليها) يحرر محضر حول عدم الاتفاق استنادا بوثائق القضية ، ثم تنطلق بقية إجراءات عملية إعداد وتحضير ملف قضية دعوى التعويض وهي إجراءات التحقيق …
2-يتم التبليغ الرسمي لعريضة افتتاح الدعوى عن طريق محضر قضائي ، ويتم تبليغ المذكرات ومذكرات الرد مع الوثائق المرفقة بها إلى الخصوم عن طريق أمانة الضبط تحت إشراف القاضي المقرر .
-وتبلغ كل الإجراءات المتخذة وتدابير التحقيق إلى الخصوم برسالة مضمنة مع الإشعار بالاستلام أو عن طريق محضر قضائي ، عند الاقتضاء .
-لابد من مراعاة الأجل المحدد من طرف القاضي لتقديم مذكرات الرد فعدم مراعاة الأجل في تبليغ العرائض والمذكرات يمكن اختتام التحقيق دون إشعار مسبق .
-بالنسبة للنسخ الوثائق تبلغ بنفس الأشكال المقررة لتبليغ المذكرات – يتم تبليغ الطلبات والأعمال الإجرائية أثناء التحقيق إلى الأطراف أو ممثليهم .
* وعندما تكون القضية مهيأة للجلسة أو عندما تقتضي القيام بالتحقيق عن طريق خبرة وسماع شهود أو غيرها من الإجراءات ، يرسل الملف إلى محافظ الدولة لتقديم التماساته بعد دراسة من قبل القاضي المقرر .
– فهذه أهم ملامح المراحل والإجراءات تكون في مجموع تفاصيلها مرحلة تحضير ملف قضية الدعوى الإدارية بصفة عامة ودعوى التعويض الإدارية والمسؤولية الإدارية بصفة خاصة 1
رابعا : مرحلة المرافعة والمحاكمة .
بعد عملية تنظيم وضبط جلسة النظر والفصل في الدعوى الإدارية ، دعوى التعويض والمسؤولية الإدارية على مستوى الغرفة الإدارية بالمجالس المختصة محليا وطبقا للإجراءات القانونية المقررة ، هذه الجلسة التي تكون بحضور رئيس الجلسة والقاضي المقرر ومستشارين أعضاء ومحام وممثلين عن النيابة وكاتب الضبط .
وبعد ضبط ملف قضية الدعوى من طرف رئيس الجلسة وإطلاع النيابة العامة على ذلك وتشكيل هيئة المرافعة والمحاكمة ، تبدأ جلسات المرافعة والمحاكمة العلنية أصلا ، بحضور الخصوم وأطراف الدعوى أو ممثليهم القانونيين وذلك في نطاق مقتضيات النظام والانضباط والاحترام واللياقة المطلوبة وجودها من طرف كافة الأطراف والحاضرين في الجلسة أو الجلسات القضائية .
-تبدأ المرافعة والمحاكمة بتلاوة المقرر لتقريره ، هذا التقرير الذي يجب أن يتضمن على الوقائع ومضمون دفاع الأطراف وطلباتهم وكذا يجب أن يتضمن تقرير المقرر لكافة الإشكالات الإجرائية المثارة ، وكذا مضمون موضوع النزاع القائم بين الأطراف الخصوم في الدعوى .
-وبعد تلاوة القاضي المقرر للتقرير المعد حول القضية .
-يجوز للخصوم تقديم ملاحظاتهم الشفوية تدعيما لطلباتهم الكتابية .
كما يمكن أيضا لرئيس تشكيلة الحكم الاستماع إلى أعوان الإدارة المعنية أو دعواتهم لتقديم توضيحات .
ويمكن أيضا خلال الجلسة وبصفة استثنائية أن يطلب توضيحات من كل شخص حاضر يرغب أحد الخصوم في سماعه .
وبمجرد الانتهاء من عملية المرافعات والمحاكمات وإقفال باب المناقشة تحال القضية للمداولة مع احترام المبدأ القضائي القائل بعلانية وشفافية المرافعات والمحاكمات وسرية المداولات1.
ويصدر الحكم في الدعوى الإدارية بصفة عامة ودعوى التعويض والمسؤولية الإدارية بصفة خاصة مشتملا على البيانات التالية :
1-أسماء وألقاب الأطراف وصفاتهم ومهمتهم وموطنهم أو محل إقامتهم والمحامين عنهم .
2-عنوان الشركة ونوعها ومقررها إذا ما تعلقت الدعوى بشركة .
3-مضمون التقرير المقدم في ملف قضية الدعوى .
4-التأثير على جميع الوثائق المقدمة وكذا الأمر بالنسبة لمحاضر إجراءات التحقيق .
5-النصوص القانونية التي تحكم النزاع والتي طبقت في الدعوى .
6-أسماء الأشخاص الذين اشتركوا في الحكم .
7-اسم ممثل النيابة .
8-ذكر أسماء وأقوال الأطراف أو محاميهم .
9-يجب أن تكون الأحكام مسببة ومحتوية على الدفوع المثارة والمقدمة .
10-بيان حالة ما إذا صدرت الأحكام كل من الرئيس والمقرر وكاتب الضبط ويجب أن يحفظ أصل الحكم والوثائق والمراسلات المتعلقة بالتحقيق لدى الضبط بالمجس القضائي المختص .
هذه هي أهم المراحل والإجراءات القانونية التي تمر بها عريضة الدعوى الإدارية بصفة عامة وعريضة دعوى التعويض والمسؤولية الإدارية بصفة خاصة أمام الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية المختصة محليا1 .
الفصل الثاني :______________________________________________
إن تقرير مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها نظريا لن تكون له أية قيمة ما لم يتوج على الصعيد العملي القضائي بتعويض مادي عادل يستفيد منه المضرور بعد رفعه لدعوى تعويض إدارية .
وعلى هذا الأساس سنتطرق خلال المحور الثاني إلى أحكام التعويض عن المسؤولية الإدارية وفق ثلاثة مباحث على الترتيب .
المبحث الأول : ماهية دعوى التعويض الإدارية ’ خصائصها و تمييزها عن الدعاوى الإدارية الأخرى .
المبحث الثاني : شروط رفع دعوى التعويض الإدارية .
المبحث الثالث : الفصل في دعوى التعويض .
المبحث الأول :ماهية دعوى التعويض الإدارية .
لقد ضمن القانون للأفراد المتضررين من نشاط الإدارة أو أحد أدواتها
( الموظف ) الحق في رفع دعوى قضائية هي دعوى التعويض الإدارية ، هذه الأخيرة التي سنتطرق إلى بيان مفهومها ، خصائصها و مكانتها بين باقي الدعاوى الإدارية الأخرى ’ وذلك في ثلاثة مطالب على الترتيب .
المطلب الأول : التعريف يدعوى التعويض الادارية
المطلب الثاني : خصائص دعوى التعويض الادارية
المطلب الثالث : التمييز بين دعوى التعويض وباقي الدعاوى الإدارية
المطلب الأول : التعريف يدعوى التعويض الادارية.
بادءا ببدء ينبغي الإشارة إلى أن المشرع الجزائري لم يورد تعريفا خاصا لدعوى التعويض سواءا منها المدنية أو الإدارية ’ بل إنه ومن منطلق المادة 124 من القانون المدني الجزائري تتضح لنا بأنه اعتمد فقط على جملة الشروط العامة الواجب توافرها لإقرار المسؤولية .
إلا أنه يمكن تعريف دعوى التعويض بأنها " الدعوى القضائية الذاتية التي يرفعها و يحركها أصاحب الصفة و المصلحة أمام الجهات القضائية المختصة ’ و طبقا للشكليات و الإجراءات المقررة قانونا للمطالبة بالتعويض الكامل و العادل اللازم لجبر الأضرار التي أصابت حقوقهم بفعل النشاط الإداري الضار [51]."
و يمكن تعريفها أيضا بأنها : " دعوى يطلب من خلالها صاحب الشأن من الجهة القضائية المختصة للقضاء له بمبلغ من المال تلزم إدارة ما بدفعه نتيجة ضرر أصابه2 ."
المطلب الثاني : خصائص دعوى التعويض الإدارية
انطلاقا من التعريف بدعوى التعويض يتضح لنا جليا أنها تتميز بخصائص نبرزها تباعا في أربعة فروع على الترتيب .
الفرع الأول : دعوى التعويض الإدارية دعوى قضائية
الفرع الثاني : دعوى التعويض الإدارية دعوى شخصية
الفرع الثالث : دعوى التعويض الإدارية من دعاوى القضاء الكامل
القرع الرابع : دعوى التعويض الإدارية من دعاوى قضاء الحقوق
الفرع الأول :دعوى التعويض الإدارية دعوى قضائية
تعتبر دعوى التعويض الإدارية بأنها دعوى قضائية من نوع خاص ، فهي تختلف عن التظلم الإداري و كذا القرار السابق باعتبار هذه الأخيرة شكليات و إجراءات إدارية بعيدة عن القضاء 1.
ويترتب عن الطبيعة القضائية لدعوى التعويض الإدارية أن تتحرك وترفع وتقبل و يفصل فيها في نطاق الشكليات و الإجراءات القضائية المقررة قانونا ، أمام الجهات القضائية المختصة 2.
الفرع الثاني : دعوى التعويض الإدارية دعوى شخصية : تعتبر دعوى التعويض الإدارية دعوى شخصية ذاتية لأن أساسها الذي ترفع وتنعقد عليه هو مركز قانوني شخصي وذاتي لرافعها ’ وتستهدف تحقيق مصلحة شخصية تتمثل في مزايا و مكاسب مادية و معنوية عن الأضرار المادية أو المعنوية التي أصابت الحقوق و المراكز القانونية و الشخصية لرافعها 3.
وتعتبر دعوى التعويض كذلك لأنها تهاجم السلطات أو بالأحرى الجهات الإدارية صاحبة النشاط الإداري غير المشروع و الضار ولا تنصب كلية على النشاط الإداري الضار عكس دعوى الإلغاء .
وتجدر الإشارة إلى أن هده الخاصية لدعوى التعويض تنتج عنه مجموعة من الأثار القانونية ومن أهمها التشدد و التضييق في مفهوم شرط الصفة و المصلحة لرفع و قبول دعوى التعويض ، بحيث يشترط لتحقق شرط الصفة و المصلحة لقبول دعوى التعويض أن يكون الشخص صاحب حق شخصي مكتسب و معلوم و مقرر له الحماية القانونية و القضائية بشكل مسبق في النظام القانوني للدولة1.
كما يترتب على هذه الخاصية لدعوى التعويض إعطاء سلطات واسعة للقاضي المختص بالنظر و الفصل في دعوى التعويض للكشف عن مدى وجود الحقوق الشخصية المكتسبة و تأكيدها و العمل على إصلاح الأضرار التي تصيبها 2.
الفرع الثالث :دعوى التعويض الإدارية من دعاوى القضاء الكامل : تعتبر دعوى التعويض الإدارية من دعاوى القضاء الكامل ، لأن سلطات القاضي فيها واسعة و كاملة بالقياس مع سلطات القاضي في دعاوى قضاء الشرعية ، حيث تتعدد سلطات القاضي في دعوى التعويض من سلطة البحث عما إذا كان قد أصيب الحق بفعل النشاط الإداري بضرر ، وسلطة القاضي في تقدير نسبة الضرر وكذا تقدير مقدار التعويض العادل اللازم لجبر الضرر3.
القرع الرابع : دعوى التعويض الإدارية من دعاوى قضاء الحقوق
تعتبر دعوى التعويض من دعاوى قضاء الحقوق لأنها تنعقد و تقبل على أساس الحقوق الشخصية المكتسبة ، كما أنها تستهدف دائما و بصورة مباشرة حماية هذه الحقوق و الدفاع عنها قضائيا عكس دعاوى قضاء الشرعية .
ويترتب عن هذه الخاصية جملة من النتائج وجب أخذها بعين الاعتبار وهي حتمية التشدد و الدقة في وضع و تطبيق الشكليات و الإجراءات القضائية المتعلقة بدعوى التعويض ’ وذلك لتوفير الضمانات اللازمة لفعالية و جدية دعوى التعويض في حماية الحقوق الشخصية المكتسبة من اعتداءات الأعمال الإدارية غير المشروعة و الضارة 4.
كما ينجم عن هذه الخاصية لدعوى التعويض الإدارية من حيث كونها دعوى قضاء للحقوق أن مدد تقادم دعوى التعويض تساوي و تتطابق مع مدد تقادم الحقوق التى ترتبط وتتصل بدعوى التعويض ، بمعنى أن دعوى التعويض الإدارية تتقادم بتقادم الحق الذي تحميه1 .
المطلب الثالث : التمييز بين دعوى التعويض وغيرها من الدعاوى الإدارية الأخرى .
تعد دعوى التعويض من أهم الدعاوى الإدارية و أكثرها انتشارا بينها على الصعيد العملي للقضاء الإداري نظرا لهدفها المادي بالنسبة لرافع الدعوى ، وتزداد أهمية هذه الدعوى من حيث ارتباطها بباقي الدعاوى الأخرى ، وفيما يأتي إبراز لمكانتها بين الدعاوى الإدارية وذلك من خلال مقارنة بسيطة فيما بينها وفق ثلاثة فروع على الترتيب .
الفرع الأول : التمييز بين دعوى التعويض و دعوى الإلغاء
الفرع الثاني : التمييز بين دعوى التعويض و دعوى فحص المشروعية
الفرع الثالث : التمييز بين دعوى التعويض و دعوى الوقف
الفرع الأول :التمييز بين دعوى التعويض و دعوى الإلغاء
تلتقي دعوى التعويض بدعوى الإلغاء في جوانب كثيرة و عناصر متعددة ، حيث أن كلاهما يرفع أمام نفس الجهة القضائية ، ذلك أن الجهة المختصة بالفصل في دعوى الإلغاء هي المحكمة الإدارية من إدارة محلية أو مرفقية و كذلك الأمر بالنسبة لدعوى التعويض .
كما كل من دعوى التعويض و دعوى الإلغاء عن طريق محام تحت طائلة عدم قبول الدعوى ،ومنطقي أن ينتج عن رفع كل دعوى رسوم قضائية .
أما فيما يخص أوجه الاختلاف بين الدعويين فتبرز في نقاط أساسية نبرزها في النقاط التالية :
أولا:من حيث الجهة القضائية المختصة: ترفع دعوى الإلغاء الموجهة ضد قرار مركزي طبقا للمادة 901 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أمام مجلس الدولة بصفته الجهة القضائية المختصة ابتدائيا ونهائيا .
بينما ترفع دعوى التعويض ولو تعلقت بجهة مركزية أمام جهة القضاء الإداري الابتدائي أي المحكمة الإدارية وغالبا ما يستدل القاضي الإداري إلى عناصر المسؤولية المدنية ليفصل في دعوى التعويض الإدارية1 .
ثانيا : من حيث سلطة القاضي في الدعوى
إن سلطة القاضي في دعوى التعويض أوسع من سلطته في دعوى الإلغاء ،ذلك أن القاضي في مجال الإلغاء مقيد بضوابط لا مشروعية القرار الإداري محل الدعوى ، فلا يمكن إلغاء القرار إلا إذا أثبت عدم مشروعيته إن في جانب الاختصاص أو الإجراءات أو الأشكال أو السبب أو الغاية2 .
بينما في دعوى التعويض يستطيع القاضي أن يلزم الإدارة بدفع التعويض رغم اقتناعه بعدم ارتكابها لخطأ ، و هذا ما يعرف بالمسؤولية الإدارية على أساس المخاطر التي تأثر بها القضاء الجزائري وهو ما سبق بيانه في الفصل الأول في مبحثه الرابع .
ثالثا : من حيث موضوع الدعوى : إن غرض رافع دعوى الإلغاء يكمن في مهاجمة قرار إداري بالطعن في مشروعيته وذلك بالكشف على مختلف العيوب التي مسته ليحقق غرضه من إقامة الدعوى بإلغائه .
بينما يسعى رافع دعوى التعويض إلى المطالبة بمبلغ مالي يحدده في عريضته الافتتاحية لجبر ضرر أصابه نتيجة النشاط الإداري .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التباعد بين دعوى التعويض و دعوى الإلغاء من الزاوية الموضوعية لا يمنع من وجود تداخل بينهما ، ذلك أنه يمكن أن ترفع دعوى الإلغاء من المدعي يطالب فيها من جهة بإعدام القرار الإداري من جهة وبتعويض يدفع له على سبيل جبر ضرر أصابه نتيجة تنفيذ القرار المطعون فيه كما أن القاضي في دعوى الإلغاء يمكنه أن يلغي القرار المطعون فيه لعيب في مشروعيته من جهة ويقضي بالتعويض متى توفرت شروطه من جهة أخرى , مما يجعله قاضي إلغاء وقاضي تعويض في أن واحد .
الفرع الثاني : التمييز بين دعوى التعويض و دعوى فحص المشروعية.
في بداية الأمر ينبغي الإشارة إلى أنه إذا كانت هناك نقاط تلاق عديدة بين دعوى التعويض و دعوي الإلغاء كما رأينا سابقا ’ فليس الأمر كذلك بالنسبة لدعوى التعويض و دعوى فحص المشروعية .
حيث أنهما لا يتشابهان إلا من حيث الطبيعة القانونية على اعتبار أن كلا منهما تدخل ضمن الدعاوى الإدارية .
في حين أن نقاط الاختلاف بينهما تبدو جلية واضحة نبرزها في النقاط التالية:
أولا : من حيث المفهوم.
دعوى فحص المشروعية هي دعوى قضائية إدارية تهدف إلى التأكد من موقف القضاء المختص من مشروعية قرار معين من عدمها1.
في حين أن دعوى التعويض هي دعوى قضائية إدارية يهدف رافعها للمطالبة بمقابل مادي من شأنه جبر الضرر المادي أو المعنوي الذي أصابه جراء النشاط الإداري .
ثانيا : من حيث سلطة القاضي في الدعوى
إن سلطة القاضي في دعوى فحص المشروعية محدودة جدا بحيث لا تتعد تأكده من مدى توفر أركان القرار الإداري السليم من غيابها ’ فمتى توفرت الأركان كاملة و ليست معيبة كان القرار مشروعا ، أما إذا غاب ركن أو توفرت كل الأركان مع عيب في أحدها قضى القاضي بعدم مشروعيته فقط دون أن يملك سلطة إلغائه .
في حين أن سلطة القاضي في دعوى التعويض واسعة جدا وذلك لأنه يملك السلطة التقديرية الكاملة حيث أنه يقوم بتحديد أسس المسؤولية الإدارية إن كانت على أساس الخطأ فيحدد الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بينهما
(الخطأ و الضرر) أو على أساس المخاطر ، ثم يقوم بتحديد قيمة التعويض المادي الذي يجب على الإدارة أن تدفعه للمضرور ( رافع دعوى التعويض ) والذي من شأنه جبر الضرر الذي سببه نشاطها
ثالثا :من حيث الفائدة العملية لرافع الدعوى
مما لا شك فيه أن لرافع دعوى التعويض فائدة عملية تتمثل في حصوله على المقابل المادي الذي أقره القضاء له على سبيل التعويض
ودليلنا على ذلك أن الفائدة المادية المرجوة هي سبب رفع الدعوى من صاحب الشأن .
أما بالنسبة لدعوى فحص المشروعية فالغرض منها لا يتعد التأكد من استيفاء القرار الإداري لشروطه القانونية من عدمه .
لذلك فإننا نرى بأن دعوى فحص المشروعية هي دعوى من غير فائدة عملية لرافعها مؤيدين في ذلك جمهور الفقهاء الذين عملوا على زرع هذه الفكرة
الفرع الرابع : التمييز بين دعوى التعويض و دعوى الوقف.
في البداية ينبغي أن نشير إلى أنه إذا كانت العلاقة بين كل من دعوى الإلغاء و دعوى الوقف قائمة بدرجة كبيرة من حيث كون كلاهما دعوى إدارية تهدف إلى وقف سريان القرار الإداري بإعدامه بالنسبة لدعوى الإلغاء ، أو وقف سريان الأثار المادية له بالنسبة لدعوى الوقف بل إن فصلهما عن بعضهما أمر مستحيل خاصة من الناحية الإجرائية ، ذلك أنه ورغم أن كل من الدعويين مستقلة عن الأخرى فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول دعوى الوقف
دون أن ترفع دعوى في الموضوع ( دعوى إلغاء ) ، وذلك بمقتضى نص المادة 834 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في فقرتها الثانية بحيث تنص على أنه : " …لا يقبل طلب إيقاف تنفيذ القرار الإداري ’ ما لم يكن متزامنا مع دعوى مرفوعة في الموضوع …" 1
فإن العلاقة بين دعوى التعويض و دعوى الوقف قائمة كذلك ولكن بدرجة أقل حيث أنه و بالنسبة لنقاط التشابه بينهما تكمن في أن كلاهما دعوى إدارية ، إضافة إلى أن كل منهما ذو صبغة مادية من حيث آثاره ، ذلك أن الأساس الذي رفعت من أجله دعوى التعويض هو الضرر الذي تعرض له صاحب الشأن جراء النشاط الإداري ، وكذلك الأمر بالنسبة لدعوى الوقف هذه الأخيرة التي يرفعها المعني بهدف وقف تنفيذ قرار إداري ضار من حيث أثار سريانه ، وجدير بنا الإشارة إلى أن هذه النقطة بالذات تحمل وجه اختلاف نبرزه في حينه هذا بالنسبة لنقاط التشابه ، أما أوجه الاختلاف بين الدعويين فتكمن في نقاط نبرزها تباعا فيما يأتي :
أولا : من حيث الهدف
تختلف دعوى التعويض عن دعوى الوقف من حيث الغرض الذي رفعت من أجله ، ذلك أنه إذا كانت دعوى التعويض تهدف إلى جبر الضرر الذي تعرض له الفرد عن طريق الحصول على مقابل مادي ، فإن الغرض من رفع دعوى الوقف هو وقف سريان القرار الإداري خوفا من أثاره المادية السلبية المحتملة على صاحب الشأن ، وعلى ذلك فإنه إذا كان الضرر في دعوى التعويض واقع ، فإن الضرر في دعوى الوقف يغلب عليه الطابع الاحتمالي .
ثانيا : من حيث الطبيعة القانونية : إن دعوى التعويض هي دعوى قضائية مستقلة بذاتها موضوعها التعويض العادل لصاحب الشأن بما يجبر ضرره الذي تسببت فيه الإدارة .
في حين أن دعوى الوقف هي دعوى قضائية مرتبطة بدعوى موضوعية أخرى هي دعوى الإلغاء بحيث أنه وكما أشرنا انفا أنه لا يمكن قبولها (دعوى الوقف ) دون أن تتزامن مع رفع دعوى في الموضوع (دعوى إلغاء) .
ثالثا: من حيث سلطة القاضي
سبق أن أشرنا بأن سلطة القاضي في دعوى التعويض واسعة جدا بحيث يملك السلطة التقديرية الكاملة حيث أنه يقوم بتحديد أسس المسؤولية الإدارية إن كانت على أساس الخطأ فيحدد الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بينهما
(الخطأ و الضرر) أو على أساس المخاطر ، ثم يقوم بتحديد قيمة التعويض المادي الذي يجب على الإدارة أن تدفعه للمضرور ( رافع دعوى التعويض ) والذي من شأنه جبر الضرر الذي سببه نشاطها
فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لدعوى الوقف ، ذلك أن فصل القاضي فيها متوقف على فصله في دعوى الموضوع ( دعوى الإلغاء ) هذه الأخيرة التي لا تتعد سلطة القاضي فيها التأكد من مدى توافر أركان القرار الإداري المشروع المعهودة .
بعد انتهائنا من معالجة موضوع المسؤولية الإدارية ومحاولة الإلمام بأهم جوانبه تتضح لنا جملة من الاستنتاجات من الناحيتين النظرية و العملية نبرزها تباعا فيما يلي :
أولا : من الناحية النظرية .
1- إن القضاء الإداري في الجزائر – كما نعلمه – شديد التأثر بالإجتهاد القضائي الفرنسي في هذا المجال ’ ولعل سبب ذلك هو أن القضاء الإداري الجزائري لا يزال فتيا ’ وعلى ذلك فإنه لم يصل إلى درجة التطور التي وصل إليها نظيره في فرنسا.
2- كما اتضح لنا بأن المسؤولية الإدارية ارتبطت في نشأتها بنشأة القانون الإداري في المدرسة الفرنسية .
3- إنه ورغم التشابه الكبير بين العناصر المكونة للمسؤولية المدنية ونظيرتها الادارية ’ إلا أنه لا يمكننا نفي تميز هذه الأخيرة ’ ذلك أنه إذا كانت خطئية فإن الخطأ المنشئ لها هو خطأ مرفقي متميز .
كما أن المسؤولية الإدارية أوسع نطاقا من المسؤولية المدنية خاصة إذا كان الأساس الذي تبنى عليه هو المخاطر .
وعليه فإن القول بعدم وجود المسؤولية الادارية يعني بالضرورة نفي وجود القانون الاداري ’ ذلك أن إلغاء فكرة المسؤولية الإدارية يعني فتح الباب أمام فكرة أخرى تتنافى في حقيقتها مع روح القانون وهي فكرة التعسف في استعمال السلطة .
ثانيا : من الناحية العملية .
1- لقد ضمن القانون للمضرور حق اللجوء للفضاء للمطالبة بتعويض عن ضرر أصابه نتيجة النشاط الاداري ’ وذلك عن طريق رفع دعوى تعويض إدارية .
2- إن الجهة المختصة بالفصل في دعوى التعويض تختلف باختلاف النظام القضائي الدي تتبناه كل دولة ’ ذلك أنه وبالنسبة للدول الأخذة بنظام الوحدة القضائية تعقد الفصل في الدعوى للمحاكم العادية ( المدنية ) ’ في حين أن الدول التي تتبنى نظام الازدواجية القضائية و التي منها الجزائر تعطي اختصاص الفصل فيها للمحاكم الادارية .
إلا أنه وفي هذه النقطة بالذات ينبغي الإشارة إلى أنه وسواء ال اختصاص الفصل في الدعوى لجهات القضاء العادي أو الإداري ’ فإن ذلك لن يؤثر في الطبيعة المتميزة لدعوى التعويض الادارية .
3- إن القاضي لن يجد أية صعوبة أثناء الفصل في الدعوى ’ ذلك أنه يستند لأركان المسؤولية المدنية ويقوم بإسقاطها على النزاع العروض عليه ’ بحيث إذا كانت المسؤولية خطئية فيكفيه فقط أن يستنتج الطابع المتميز للخطأ الذي بنيت عليه مسؤولية الادارة وذلك من خلال ربطه بالمرفق العام ’ أما إذا عقدت المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر فما عليه إلا أن ير بط بين الضرر الذي لحق بالفرد و النشاط الخطير الذي قامت به الادارة .
[1]– أ/د عاطف النقيب ن النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي ، بيروت ، باريس ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية (ط3) 1984 ص 15-20 .
[2]– د . عمار عوابدي ، المرجع السابق ، ص 24 .
[3]– أ / د الحسين بن شيخ آث ملويا ، دروس في المسؤولية الإدارية ، (كتاب أول) ، دار الخلدونية (ط1) ، 2022 ، الجزائر ، ص 21 .
[4]– دكتور محمد فؤاد مهنا ، المرجع السابق ، ص 191-197 .
د / سعاد الشرقاوي – المسؤولية الإدارية – المرجع السابق ص 117-118 .
[5]– د – عمار عوابدي ، المرجع السابق ، ص 28 .
[6]– د- رشيد خلوفي ، قانون المسؤولية الإدارية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1994 ، ص 07 .
[7]– 1 د/ عمار عوابدي: المرجع السابق ، ص75 .
[8]– الدكتور عمار عوابدي: المرجع نفسه ، ص75.
[9]– الدكتور عمار عوابدي: المرجع السابق ، ص 75 .
[10]– الدكتور عوابدي عمار:نظرية المسؤولية الإدارية، دراسة تأصيلية، تحليلية و مقارنة طبعة 1998، ديوان المطبوعات الجامعية ص 35.
[11]– الأستاذ الدكتور عمار بوضياف :الوجيز في القانون الإداري الطبعة 2022، جسور للنشر و التوزيع، الجزائر ،ص 75.
[12]– د/ عوابدي عمار، نظرية المسؤولية الإدارية، المرجع السابق ، ص 35.
[13]– أد/ عمار بوضياف، القضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدة و الازدواجية 1962، 2000، الطبعة الأولى، دار الريحانة، 2000، ص 10.
[14]– أد /عمار بوضياف ، الوجيز في القانون الإداري، المرجع السابق ،ص 77.
[15]– لعشب محفوظ المسؤولية في القانون الإداري، ديوان المطبوعات الجامعية 1994 ، ص 13 ، 14.
[16]– الأستاذ الدكتور عمار بوضياف : الوجيز في القانون الإداري ، المرجع السابق، ص79
[17]– أد/عمار بوضيافالقضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدةو الازدواجية)، المرجع السابق ، ص 12 .
[18]– أد/عمار بوضياف الوجيز في القانون الإداري) ، مرجع سابق، ص 80 .
[19]– د/فتحي الفكري : مسؤولية الإدارة عن أعمالها غير التعاقدية ، دار الكتاب الحديث ،1995 ، ص 16 .
[20]– أد/عمار بوضياف : (الوجيز في القانون الإداري) ، المرجع السابق، ص 80 .
[21]– د/لشعب محفوظ المسؤولية في القانون الإداري ) ، المرجع السابق ، ص 27 .
[22]– أد/عمار بوضياف الوجيز في القانون الإداري) ، المرجع السابق ، ص 80 .
[23]– أد / عمار بوضياف الوجيز في القانون الإداري)، المرجع السابق ، ص 80 .
[24]– الدكتور عمار عوابدي نظرية المسؤولية الإدارية)، المرجع سابق، ص 49 .
[25]– د/ أحمد أنور رسرون : مسؤولية الدولة غير التعاقدية ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، 1982 ، ص155 .
[26]– د/ عمار عوابدي نظرية المسؤولية الإدارية)،المرجع السابق ، ص52 .
[27]-د/ عمار عوابدي: ( نظرية المسؤولية الإدارية)، المرجع السابق، ص53 .
[28]-أد/ عمار بوضياف: (القضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدةو الازدواجية) ، المرجع السابق، ص25 .
[29]-د/عمار عوابدي : المرجع السابق، ص 52 .
2-أ / عمور سلامي: دروس في المنازعات الإدارية، جامعة الجزائر، كلية الحقوق بن عكنون، السنة الدراسية 2001/2002 ، ص35 .
1– أنظر الدكتور سليمان محمد الطماوي ’ القضاء الإداري ’ الكتاب الثاني ’ قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام ’ دار الفكر العربي الطبعة ( د –ط ) ’ 1968 ’ ص 133
2-عمار عميروش: مذكرة تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة ، الخطأ الشخصي و المرفقي في المسؤولية الإدارية ،2001 ، ص20 .
1– أنظر الدكتور عمار عوابدي : المرجع السابق ، ص 120 .
1– عمار عميروش ، مذكرة تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة ، الخطأ الشخصي و المرفقي في المسؤولية الإدارية ،2001 ص 35.
2-محمد عاطف البنا : الوسيط في القضاء الإداري ، دار الفكر العربي ، ص 398 .
1– محمد عاطف البنا :المرجع السابق ، ص 398 .
1– أنظر قرار الغرفة الإدارية ( المجلس الأعلى سابقا ) ، المجلة الجزائرية 1973 ، ص 541 .
2-أنظر :مقال الدكتور مسعود شيهوب ، المسؤولية الإدارية عن انعدام الصيانة العادية وتطبيقاتها في مجال المرور، ألقه في الملتقى الوطني حول حوادث المرور في نوفمبر 1998 .
1– الدكتور محمد عاطف البنا ، المرجع السابق ، ص 376 .
2-الدكتور عمار عوابدي ’ (المسؤولية الإدارية ) ’المرجع السابق ’ ص 119 .
1– عبد الرزاق أحمد الشهوري : الوسيط في شرح القانون المدني المجلد الأول ، ص 969 وما بعدها .
[30] -عمار عوابدي .ط 2022 صفحة 220 .
[31]– سعاد الشرقاوي ، ص 164 .
[32]– د.كامل ليلة ، الرقابة عن أعمال الإدارة ، دار النهضة العربية ، 1970 ، بيروت ، ص 1505 .
1– د.مصطفى أبو زيد فهمي .
2– عمار عوابدي ، المرجع السابق ، ص 234 – 235 .
1– فرج أبي راشد ، المسؤولية ، بيروت ، ص 337.
2– د.سليمان الطحاوي ن المرجع السابق ، ص 231 .
1– د.سعاد الشرقاوي ، المرجع السابق ، ص 132 .
[33]– القانون رقم 08 – 09 المؤرخ في 25 فبراير 2022 ، المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
[34]– الأستاذ الدكتور عمار بوضياف ، دعوى الإلغاء في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، الطبعة الأولى ، (دار هومة للنشر والتوزيع، المحمدية ، الجزائر) ، سنة 2022 ، ص 85 .
[35]– الدكتور عياض بن عاشور ، القضاء الإداري وفقه المرافعات الإدارية ، مركز النشر الجامعي ، سنة (2006 ص 198) .
[36]– الدكتور محمد حلمي ، القضاء الإداري ، دار الفكر العربي ، 1977 ، ص 409 .
1– الأستاذ الدكتور عمار بوضياف ، المرجع السابق ، ص 89 .
[37]– الأستاذ الدكتور عمار بوضياف ، المرجع نفسه ، ص 90 .
[38]–
[39]–
[40]–
[41]– الأستاذ لحسن بن شيخ .آيت ملويا ، دروس في المسؤولية الإدارية الكتاب الثالث : نظام التعويض في المسؤولية الإدارية ، الدار الخلدونية ، النشر و التوزيع الطبعة الأولى 2022 ص 30.
[42]– الدكتور عمار عوابدي ، المسؤولية الإدارية (نظرية) ، مرجع سابق ، ص 204 .
[43]– الأستاذ رشيد خلوفي ، قانون المنازعات الإدارية ، شروط قبول دعوى تجاوز السلطة ، ودعوى القضاء الكامل ، ديوان المطبوعات الجامعية ، طبعة 1998 ، الجزائر ، ص 83 .
[44]– رشيد خلوفي ، مرجع سابق ، ص 84 .
[45]– مسعود شيهوب (المبادئ العامة للمنازعات الإدارية الهيئات و الإجراءات أمامها الجزء الثاني ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، طبعة 1993 ص 295 و ما بعدها .
[46]– أنظر المادة 829 من القانون رقم 08/09. المؤرخ في 25 فيفري 2088 المتضمن لقانون الإجراءات المدنية و الإدارية .
[47]– قرار غير منشور : قضية جمعية الرشاد بلدية بئر خادم ملف رقم 2343/04 .
[48]– قرار غير منشور :الغرفة الثانية ملف رقم 012018/04 .
[49]– قرار غير منشور : الغرفة الثالثة ملف رقم 012454/04 .
[50]– أنظر في تفاصيل عريضة دعوى التعويض والمسؤولية الإدارية أمام القضية الإدارية بالمجالس القضائية المختصة ، أحكام المواد : 37 ، 38 ، 14 ، 15 قانون إجراءات مدنية وإدارية مؤرخ في 25/02/2008 (08-09) .
1– أنظر المواد، 973 الخاصة بالصلح ، والمواد المتمثلة في أحكام عامة خاصة بالتحقيق في المادة الإدارية من 838- 846 ، ق .إ.ج.م، إدارية الجديد.
1– المواد 884 – 889 ق.إ.ج.م.إ .
1– المواد 888 – 889 – 276 ق.إ.ج.م.إ .
[51]– الدكتور عمار عوابدي :المرجع السابق ، ص 255 .
2– الدكتور عمار عوابدي :المرجع السابق ، ص ……
1– د/ عمار عوابدي : المرجع السابق ، ص 567 .
2– الدكتور عمار عوابدي:النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2022، ص567 .
3– د/عمار عوابدي : المرجع السابق ، ص 567 .
1– أد/عمار بوضياف :دعوى الإلغاء، دراسة تشريعية ، قضائية، فقهية، الطبعة الأولى دار جسور للنشر و التوزيع، الجزائر،2009 ، ص 62.
2– الدكتور عمار عوابدي : المرجع السابق ، ص 568 .
3– الدكتور عمار عوابدي : المرجع نفسه ، ص 569 .
4– الدكتور عمار عوابدي : المرجع نفسه ، ص 569 .
1– د/ عمار عوابدي : المرجع السابق ، ص570 .
1– أد /عمار بوضياف : المرجع السابق ، ص 62 .
2– أد /عمار بوضياف : المرجع السابق ، ص 63 .
1– أد /عمار بوضياف : المرجع السابق ، ص 61 .
1– القانون رقم 08-09 ، المؤرخ في: 25/02/2008 ، المتضمن لقانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، الجريدة الرسمية رقم ، ص
إذا تكرمت علينا يا أخي أن تجيبنا على هذا السؤال و بارك الله فيك
ماهي مجالات تطيق المسؤولية الإدارية بدون خطاء
بحث رائع بارك الله فيك