يتجلى ذلك في معرفة وحدات الفكر المنطقي وقواعده، والحرص عمليا، على توافق النتائج مع المقدمات.
أولا: معرفة وحدات الفكر المنطقي وقواعده
وتتمثل هذه الوحدات في التصور وما يقتضيه من مفهوم وماصدق، والحد، والتعريف، والحكم والقضية، وبعض آليات الاستدلال.
1- التصور والحد
إن التصور فكرة مجردة كلية في مقابل الصور الحسية مثل "الإنسان" الذي ليس حكرا على زيد ولا على عمرو، وإنما هو مفهوم شامل يحتوي على جميع الناس. فهذا التصور لا تقابله صورة حسية بحيث يُختزل في هذا الشخص أو ذاك. فالتصور ذهني ليس له وجود في الخارج لأن العقل عندما يفكر يستغني عن المدركات الحسية وصورها الجزئية ليدرك رموزها التي هي معان كلية. فلا توجد صورة أو شيء بالذات يسمى إنسان، ولكن الموجود هو سقراط و واصل بن عطاء و أبو حنيفة وديكارت… فالتصور عام ويشمل سائر الأفراد من نوع واحد أو جنس واحد.
وينظر علماء المنطق إلى التصور من وجهتين: وجهة المفهوم (أي التضمن)، ووجهة الماصدق (أي الشمول). مفهوم "الإنسان" هو مجموع الصفات والخصائص التي تشترك فيها كائنات بشرية عديدة، من مثل كونه حيوانا عاقلا اجتماعيا فانيا الخ. وماصدقُه هو مجموع الأفراد الذين يؤلفون الجنس البشري والذين يصدق عليهم حد الإنسان. والملاحظ أن بين المفهوم والماصدق علاقةً عكسية. فكلما اتسع المفهوم ضاق الماصدق، وكلما ضاق المفهوم اتسع الماصدق.
والحقيقة أن مفهوم أي تصور هو تعريفه أي تحديد ماصدقه بتحليل مفهومه. ويكون هذا التعريف سليما إذا كان جامعا لأفراد النوع، مانعا لغيرهم من الدخول فيه. ولا يكون جامعا مانعا إلا عن طريق تحديده بالجنس القريب (أي الذي يأتي ماصدقه مباشرة فوق ماصدق الحد المعرَّف) وبالفصل النوعي (أي بالخاصية التي تميز النوع المعرَّف). فإذا عرفنا الإنسان بأنه حيوان مسؤول، كانت كلمة حيوان جنسا قريبا وكلمة مسؤولٌ فصلا نوعيا.
و"التصور ـ بهذا المعنى ـ هو إدراك الماهية من غير أن يُحكم عليها بنفي أو إثبات" مثل ماهية الإنسان والكتاب والخير. وهو يختلف عن الصورة الحسية التي تشير إلى هذا الإنسان (زيد) أو إلى هذا الكتاب (كتاب إشكاليات فلسفية) أو إلى هذا الفعل الخيِّر (صِدْقُ عمرو في معاملته للآخرين). وأما الحد فهو التصور عندما تخلع عليه اللغة كلمةً أو اسما أي الصيغة اللفظية التي تُعبِّر عن المعنى المتصوَّر. وهو يختلف عن الكلمة. فقد يكون الحد مؤلفا من أكثر من كلمة واحدة مثل الحيوان المسؤول ، وأهل السنة، والمصالحة الوطنية.
2- التعريف: مقولاته وقواعده
التعريف كما رأينا، هو القول الشارح لمفهوم الشيء؛ أو القول الدال على ماهية الشيء، وفيه تُستوفَى جميعُ ذاتياته؛ وهو لهذا، يتم بالجنس والفصل القريبين. والشرط الأساسي الذي يقوم عليه، هو أن يكون ماصدق القول المعرِّف والشيء المعرَّف واحدا، وأن يكون مميَّزا، بمعنى أنه يجب أن ينطبق على كل المعرَّف ولا شيء سوى المعرَّف. ولكي يؤدي التعريف وظيفته، حدَّد المناطقة مقولات وقواعد؛ أهم المقولات هي:
أ- الجنس: هو الجامع لحقائقَ مُشترَكةٍ لمختلفِين وهو نوعان: جنس قريب يُسحب على جميع الحقائق المشتركة فيه كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والحصان، وجنسٌ بعيد يُسحب على بعض الحقائق المشتركة فيه كالجسم بالنسبة إلى الإنسان والجبل.
ب- النوع: وهو الجامع لِمتَّفقِين في الحقيقة، ومختلفين في الأشخاص كالإنسان بالنسبة إلى هذا أو ذاك من الناس.
ج- الفصل النوعي: وهو ما يميز الشيء من بقية الأنواع الداخلة تحت جنسه؛ كالعاقل أو المسؤول بالنسبة إلى الإنسان. أما الحيوانية في الجنس القريب، فهي صفة مشتركة بين الإنسان وأيِّ حيوان.
د- الخاصة: وهي الدالة على ما يتميز به الشيء من خاصة عَرَضيةٍ كالابتسامة أو الطموح بالنسبة إلى الإنسان.
هـ العرض العام: وهو الدالُّ على ما يتميز به الشيء كخاصة عامة يشترك فيها مع شيء آخر خارج نوعه كالتناسل بالنسبة إلى الإنسان والحيوان.
وأهم قواعد التعريف قاعدتان:
أ- يجب أن يكون التعريف معبِّرا عن ماهية الشيء، وماهيةُ الشيء تتألف من الجنس القريب والفصل النوعي، بحيث يمكن استبدال التعريف بشرحه أو العكس.
ب- يجب أن يكون التعريف جامعا مانعا؛ نقول: جامعا، لأن كل صفة يتركب منها فيه، تنطبق على كل أفراد المعرف؛ ونقول: مانعا، لأن مجموع الصفات التي يتركب منها تمنع دخول سواها.
3- الحكم والقضية
إن العالِم المنطقي يُعنى بشروط الأحكام لتكون صحيحة، ويحاول أن تكون منطقية لا تناقض بين حدودها، فلا يبحث إلا عن الأحكام الكاملة المؤلفة من حدين ورابطة بينهما، والأحكام الظاهرة المعبَّر عنها بقضايا لفظية.
فالحكم هو التصديق العقلي بوجود نسبة ما بين المعاني، أو إيجاد علاقة بين شيئين والتصديقُ بها إثباتا كان أو نفيا؛ وإذا وقع التعبير عنه في اللغة، سمي قضية. وما خرج عن نطاق هذا الإقرار، لا يعتبر حكما مثل الأمر والنهي والاستفهام. والقضية تتألف من حدَّين: الموضوع والمحمول وبينهما رابطة تسمى الأداة وتتمثل في الضمير (هو أو هي…)؛ وسيان إن وُجدت أو حذفت كقولنا المعتزلة عقلانيون أو المعتزلة (هم) عقلانيون.
4- أنواع القضايا
والقضية نوعان: بسيطة، وتعرف بالقضية الحملية، لأن الموضوع فيها يُتبع بمحمول كما رأينا، وتفيد الاتحاد ومركبة من قضيتين، وتعرف بصفتها الشرطية، وهي على ضربين: شرطيةٌ متصلة، وتفيد الاستلزام كقولنا: إذا كانت المصالحة عروة المجتمع، فهي تسامح، وتسمى القضية الأولى في المركبة مقدما، والأخرى تاليا؛ وشرطيةٌ منفصلة وتفيد التنافر كقولنا: إما أن يكون القاضي عادلا أو ظالما. وتصنف القضايا الحملية عادة تبعا لمبدأي الكم والكيف، ولهذا فهناك أربعة أنواع من القضايا وهي:
الكليـة الموجبـة (ك): الإنسـان ذكي* الكليـة السالبة (ل) ليس الإنسان ذكـيا
الجزئية الموجبة (ب): بعض الناس أذكياء * الجزئية السالبة (س):ليس بعض الناس أذكياء
وتصنف القضايا الشرطية من حيث الكيف إلى:
الشرطية المتصلة الموجبة الشرطية المتصلة السالبة (وهي نفي للموجبة بليس)
الشرطية المنفصلة الموجبة الشرطية المنفصلة السالبة(وهي نفي للموجبة بليس).
5- آليات الاستدلال: المباشر والقياس
أ- الاستدلال المباشر:هو حركة الفكر من قضية إلى قضية أخرى لازمة عنها مباشرة ومن دون التوسط بقضية أخرى. و له صورتان: التقابل والعكس:
* التقابل هو ما ينتج عن القضية الواحدة بحكم تغير كيفها وكمها. فإذا وقع التغير في الكم والكيف ترتب عن ذلك، تناقض بين (ك) و(س) من جهة، وبين (ل) و(ب) من جهة أخرى؛ والمتناقضتان لا تصدقان معا، ولا تكذبان معا؛ وإذا صدقت الواحدة كانت الأخرى كاذبة بالضرورة. وإن هو مسَّ الكيف فقط، ترتب عنه أمران: الأول هو تضاد بين (ك) و(ل)، فلا تصدقان معا، وقد تكذبان معا؛ ولا يمكن تصديق الواحدة انطلاقا من كذب الأخرى؛ والثاني هو دخولٌ تحت التضاد بين (ب) و(س)، حيث تصدقان معا ولا تكذبان معا؛ ولا يمكن تكذيب الواحدة انطلاقا من صدق الأخرى. وإن مس التغير الكم ترتب عنه تداخل بين (ك) و(ب)، وكذا بين (ل) و(س)؛ حيث إذا صدقت الكلية صدقت الجزئية، وإذا كذبت الجزئية كذبت الكلية؛ ويتعذر استنتاج كذب الكلية من صدق الجزئية.
* والعكس هو استنتاج قضية من أخرى تخالفها في موقع كل من الموضوع والمحمول. فعكس قضية هو تحويلها إلى أخرى، موضوعُها محمول الأصل، ومحمولها موضوع الأصل مع الاحتفاظ بالصدق والكيف أي الإيجاب والسلب. مثلا: "لا إنسان خالد" (الأصل) معكوسته "لا خالد إنسان". وتُشترط في صحة عملية العكس، قاعدتان:
أن يتَّحدا في الكيف بأن يكون كيفُ المعكوسة هو كيف الأصل؛
وألا يُستغرق حد في المعكوسة لم يكن مستغرقا من قبلُ في الأصل.
وتطبيق هاتين القاعدتين تبيِّن إمكانية تحويل القضية الأصلية إلى معكوستها ما عدا الجزئية السالبة لاستغراق ما لم يكن مستغرقا في الأصل. وعلى هذا الأساس، تُعكس القضية من (ل) إلى (ل)، ومن (ب) إلى (ب)، ومن (ك) إلى (ب) فقط، مع تغيير الكم في موضوع المعكوسة.
ب- القياس (أو الاستدلال غير المباشر) وقواعده
* القياس هو على حد قول أرسطو "كلام متى وضعنا فيه شيئا لزم عنه شيء آخر بالضرورة". ويعني بالشيء الموضوع، المقدمتين (الكبرى والصغرى)، وبالشيء الآخر، النتيجة التي تلزم عنهما. فهو مؤلف من ثلاث قضايا. وهذه القضايا الثلاث يدعوها المناطقة على التوالي: المقدمة الكبرى، والمقدمة الصغرى، والنتيجة. ولو حللنا هذا القياس، لوجدنا أنه يحتوي على خصائص أساسية. إذا قلنا مثلا: (كل إنسان فان، أحمد إنسان، إذن، أحمد فان)، نكون قد استعملنا قياسا يتألف من مقدمتين ونتيجة. وكلٌّ من المقدمتين والنتيجة يتألف من حدين، أحدهما موضوع، والآخر محمول؛ وبين الحدين رباط مضمَر تقديره (هو). ثم لو نظرنا إلى القياس من زاوية أخرى، لوجدناه يتألف من ثلاثة حدود رئيسية: (إنسان) و(فان) و(أحمد)، وهي تختلف فيما بينها من حيث الشمولُ والتضمن، أي أن بعضها يشمل الآخر، والآخر متضمن فيه. فنحن ندعو (فان) حدا أكبر، لأنه يشمل كل إنسان، في حين ندعو (أحمد) حدا أصغر، لأنه متضمن في (إنسان) الذي ندعوه حدا أوسط. والمقدمة التي تحمل الحد الأكبر تُدعى كبرى؛ والمقدمة التي تحمل الحد الأصغر، تدعى صغرى. والحد الأوسط يختفي في النتيجة، لأن وظيفته تنحصر في الربط بين الحدين. ويُشترط فيه أن يكون مستغرَقا في إحدى المقدمتين. والقياس الذي نحمِّله أكثر من ثلاثة حدود، لا تترتب عنه نتيجة صحيحة، لأننا نقع فيما يدعوه المناطقة، بأغلوطة الحد الرابع. مثلا، إذا قلنا: (وردةُ ماءٌ مُنظِّفٌ، ووردةُ ابْنَتي)، فلا يجب أن نستنتج، ابنتي ماء منظِّف. فعلى الرغم من أن كلتا المقدمتين صحيحة، فإن النتيجة خاطئة، لأن الحدود الواردة فيهما، قد استُعملت لِمُغالطتنا: فكلمة (وردة) في الأول يختلف مدلولها عنه في الثانية. وشتان ما بين اسم السائل المنظف، واسم العَلَم الخاص بِالاِبنة. لدينا في هذا القياس أربعة حدود بدلا من ثلاثة، لأن الحد الأوسط يتضمن هويتين.[20] وينبه أرسطو إلى حقيقةٍ، وهي أن شكل القياس يتوقف على موقع الحد الأوسط من المقدمتين: فإذا كان الحد الأوسط موضوعا في الكبرى ومحمولا في الصغرى، كان الشكل الأول؛ وإذا كان محمولا في كلتا المقدمتين كان الشكل الثاني؛ وإذا كان موضوعا في كلتيهما، كان الشكل الثالث؛ ويذهب أرسطو إلى أن الأقيسة أنواع، وأنه ليس كل قياس برهانا. ولهذا اشترط في مقدمات القياس الصحيح: أن تكون حقيقيَّةً، وأن تكون أوليَّة وبديهيَّة، وإلا لاحْتاجت بدورها إلى برهان، وأخيرا، أن تكون أسبق من النتيجة وأبْيَنَ منها.
ولقد استبدل المدرسيون الحدود برموز تسهِّل عملية إدراك موقع الحد الأوسط. وتوضيحا لذلك، نرمز بـ(س) إلى الحد الأوسط، وبـ(م) إلى الحد الأكبر، وبـ(ض) إلى الحد الأصغر.
(س) هو (م ) (م ) هو (س) (س) هو (م ) هذا ما أشار إليه أرسطو، كما
(ض) هو (س) (ض) هو (س) (س) هو (ض) أسلفنا.
ولهم في ذلك شكل رابع، وإن اختلف فيه مناطقة القرون الوسطى، وهذا الشكل هو عكس الأول: (م ) هو (س)
(س) هو (ض)
* قواعد الأشكال الأربعة: للأول قاعدتان، الأولى أن تكون الصغرى موجبة، والثانية أن تكون الكبرى كلية؛ وللشكل الثاني، قاعدتان، الأولى أن تكون إحدى المقدمتين سالبة، والثانية أن تكون الكبرى كلية؛ وللشكل الثالث قاعدتان، الأولى أن تكون الصغرى موجبة، والثانية أن تكون النتيجة جزئية؛ وللشكل الرابع ثلاث قواعد، الأولى إذا كانت الكبرى موجبة، وجب أن تكون الصغرى كلية، والثانية إذا كانت الصغرى موجبة، وجب أن تكون النتيجة جزئية، والثالثة إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة، وجب أن تكون الكبرى كلية.
ثانيا: توافق النتائج مع المقدمات
1- مبادئ العقل
إن الربط بين حدود الحكم والانتقال من قضية إلى أخرى، وحتى في فهم الموضوعات الخارجية وعلائقها، كل ذلك لا يكوناعتباطيا، وإنما يعتمد على مبادئ أولية تدعى بالمبادئ المديرة للمعرفة. ويسمى مجموعها "بالعقل". فإذا قلتَ "إن المعتزلة ليسوا بمفكرين" من قياس تتألف مقدمتاه من (كلُّ أهل العلم مفكرون)، و(المعتزلةُ من أهل العلم)، كان قولي هذا مخالفا للعقل ومبادئه أيضا. وإذا قلت "المثلث مربع" لم يَصِحَّ قولي هذا، لأن في ذلك تنافرا؛ وهذه المبادئ هي مبدأ الهوية (وما يتضمنه من مبدأي عدم التناقض والثالث المرفوع) ومبدأ السبب الكافي، التي تؤلف البنية المنطقية للعقل.[21] وهي مبادئ أولية لا تُستخلص من التجربة ولا من الاستنتاج انطلاقا من مبادئ أخرى، لأن كل تجربة تخضع لها؛ وهي مبادئ تشكل أساس كل المبادئ. إنها بديهية في حد ذاتها، ولا يمكن البرهنة عليها. وهي عالمية ومشتركة لكل العقول، وكل العقول محكومة بها. وهي أيضا، شرط للحوار، والضامن للتوافق الممكن بين كل العقول باختلاف أعمار أصحابها وأجناسهم وسلالاتهم وثقافاتهم. وإنها أخيرا، تحدد الممكن والمستحيل.
أ- مبدأ الهوية هو الشرط الجوهري للخطاب العقلي، لأنه إذا نحن لم نقبله، فإن مدلول المفاهيم يمكن أن يتغير في كل لحظة، وهذا معناه أنه لا يمكننا أن نقول كلاما متماسكا. وهو الأساس الذي يقوم عليه الاستنتاج الصوري والرياضي. فإذا قبلنا بصحة قانون كلي أو مبدأ عام، فلا بد لنا من أن نقبل بصحة الجزئيات المتضمَّنة في هذا القانون الكلي. ومفاده أن ما (هو) (هو) أو أن (أ) هو (أ) أو أن الشيء لا يمكن أن يكون هو وليس هو في آن واحد. ويحتوي ضمنيا، على مبدأين معروفين هما:
ب- مبدأ عدم التناقض: وبمقتضاه، لا يمكن أن يكون الشيء (هو) و (لاهو) في نفس الوقت أو أن يكون (أ) هو (لا أ). فمن قبيل المستحيل مثلا، القول بأن الأرض كروية ولاكروية.
ج- مبدأ الثالث المرفوع: وهو يقتضي الأخذ بأحد طرفي القضية: إما أن يكون الشيء (أ) أو (لا أ)، لأن المبدأ العقلي يفرض بالضرورة أن تكون الأرض مثلا، إما كروية أو لاكروية، ولا وسط بينهما.
د- مبدأ السبب الكافي يجسد اعتقاد أن لكل حادثة سببا يفسر حدوثها؛ وأن نفس الأسباب تُعطينا دائما نفس النتائج. إلا أن هذه العلاقة السببية لا تكفي لفهم الحادثة في المجال العلمي لأنه يتعين فيه، البحث عن العلاقات الثابتة بين الظواهر. وهو الأمر الذي يوضح إيمان العالم بمبدأين: الحتمية والاطراد.
2- انتقاء المقدمات واحترام الضرورة الملزمة
ويبدو أنه بقدر ما يأخذ الفكر بهذه المبادئ وقواعد الاستدلال مع الالتزام بها ميدانيا، وانتقاءِ أسلمِ المقدمات، يجد إمكانيات انطباقه مع نفسه. ولعل السبيل الذي يصل المقدمات بالنتائج المترتبة عنها بالضرورة، هو أكثر السبل استقامةً المؤدي إلى تمتين تماسك الفكر وتحصينه من التنازع مع نفسه. وبتعبير معكوس، فإن عدم وضوح المفاهيم والحدود وعدم ضبط العلاقات فيما بينها وبين القضايا، وعدم الاكتراث بدور مبدأ الهوية في تماسك الاستدلال، كل ذلك من شأنه أن يشوش العقل وبالتالي يترك خطابه فريسة للسفسطة والسذاجة. إلا أنه لا معنى لانطباق الفكر مع نفسه من الناحية الصورية، إذا لم تكن المقدمات سليمة وبديهية يأخذ بها كل واحد ولم يُحافظ على مبدأ الهوية ولم تضبط المفاهيم بدقة. فإذا لم نحدد مضمون الحدود وطبيعة علاقاتها فيما بينها، نقع في انزلاقات، وقد نُتَّهم بالسفسطة. فانطباق الفكر مع نفسه يتطلب حسن انتقاء المنطلقات، واحترام الضرورة المنطقية التي تستوجبها.
III- وهل حصول هذا الانطباق كاف لضمان وفاق جميع العقول
أولا: قد يحصل الانطباق ولا تتفق العقول
1- إن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة، ولكن دون أن يقتنع غيرُه بالمضمون الذي يحمله؛ فقد يعبر عن قضية دينية أو سياسية، وله كاملُ التصرف في إضفاء ما يريده من معنى على الحدود التي يستخدمها. إن استخدام اللغة الشائعة في المنطق الصوري أو التحليلي يؤدي إلى مغالطات والتباسات. يقول "بول فاليري": "ليس للمنطق إلا مزايا جدُّ متواضعة حينما يستخدم اللغة العادية، أي دون تعريفات مطلقة".[22] ويقول مويي: "إن اللغة غير دقيقة. فالكثير من أهم ألفاظها مبهم […] و العلم يتكلم لغة في غاية الدقة، لغة الرياضيات التي تمكَّن بناؤها منذ ألفيتين من التخلص من المبهمات".[23] ويقول ثابت الفندي: ما دام المنطق يتعامل بالألفاظ لا بالرموز، فإنه يبقى مثار جدالٍ حول معاني المفاهيم والتصورات المستعملة، فضلا عن عُقمه إذا تعلق الأمر بالقياس الأرسطي.
2- إن المنطق الصوري يصلح للمناقشة والجدل أكثر مما يصلح للبحث عن الحقيقة واكتشافها.[25] ولما كان الغرض منه هو إفحام الخصم لا اكتشاف الحقيقة الموضوعية، فإن المنطق يتحول إلى فلسفة للنحو من حيث إنه يُعنى بلغة البرهنة والمحاجة والتفنيد لكسب قضية.
3- هذا فضلا عن أنه ضيّق لا يعبّر عن كل العلاقات المنطقية، وأنه يكتفي فقط، بالتحليلات الفكرية. إن نتائج القياس لا تأتي بشيء جديد زائد على المقدمات، حتى مع افتراض مطابقة مقدماته للواقع. واستنتاجُ غير ما تتضمنه المقدمتان، يُفضي إلى الأخطاء؛ لأن القياس يكون صحيحا عندما يكون تحصيل حاصل (Tautologie)؛ فهو يبرز ما نعلمه ولا يكشف عما نجهله. و شرط الاستنتاج الصحيح أن ينتهي بنا إلى علم جديد، لا إلى إعادة ما تتضمنه المقدمتان. و لهذا يبدو المنطق الأرسطي "مغلقا ومُنقضيا".
ثانيا: من إمكان الإفحام إلى ضرورة الإقناع أو من الألفاظ إلى الإشارات ومن السكون إلى الحركة
وسدًّا للنقص الذي عرفه المنطق الصوري، وتماشيا مع البحث عن الجديد، وتكيُّفا مع متطلبات الواقع المتغير، اتجهت اهْتمامات المناطقة والرياضيين والعلماء إلى أساليب جديدة تسمح للفكر بالانتقال من اللفظ (أو التصور) إلى الرمز، ومن عالم المجردات إلى عالم المحسوسات، أي من المنطق الصوري إلى المنطق الرمزي، وكذا الموازاة إلى المنطق المادي.
1- المنطق الرمزي أو اللوجستيك
لم يعرف المنطق الصوري اتجاها مخالفا لاتجاه المنطق الأرسطي إلا في منتصف القرن التاسع عشر. والصفة المميِّزة لهذا الاتجاه هي التركيب أو الإنشاء، أي الاستدلال على قضايا جزئية بالاستناد إلى مبادئ أولية عامة كالبديهيات (مثل الكل أكبر من أحد أجزائه) والمصادرات (مثل أن المتساويين لثالث متساويان) والتعريفات. ونتائج هذا الاستدلال ليست متضمَّنة في المبادئ المسلم بصحتها سابقا. إنها "تـُبْنَى مع قضاياها". فلو كان علينا الرد على السؤال التالي: كم يساوي مجموع زوايا المثلث، لقلنا بأنه يساوي قائمتين لأننا نعتمد على مبدأ معلوم لدينا مسبقا، وهو أن زاوية الخط المستقيم لجهة واحدة تساوي قائمتين؛ ويبقى علينا انطلاقا من المعلوم، أن نبني استدلالنا غزوًا للمجهول، وذلك بأن نمدد أحد أضلاع المثلث. ومن المميزات الأساسية لهذا الاستنتاج، استعمال نظام ثابت من الرموز. وهنا وقع الانصراف من اللغة الشائعة إلى لغة الرموز الجبرية. وما أن أطل القرن العشرون حتى ازدهر المنطق. وهو لا يستخدم الرموز فقط، ولكنه يريد لنفسه أي يشير إشارة دقيقة إلى قواعد استعمال الرموز. وهذا ما يسمى باللوجستيك.
فلقد تواضع المناطقة المحدثون على بعض الرموز، ولم يتفقوا عليها اتفاقا كليا. وعندها، أصبح من الممكن مثلا، أن نشير إلى العطف أو الجمع بالرمز ( ) وإلى الأداة (أو) بالرمز ( ) وإلى التضمن بالرمز ( ). وعلى هذا الأساس يمكن أن نتصور العطف أو الجمع بين قضيتين بـ (أ ب). ولو تأملنا حالات صدق القضيتين، للاحظنا أن (أ ب) تكون صادقة عندما تكون (أ) صادقة و(ب) صادقة. أما إذا كانت (أ) صادقة و(ب) كاذبة أو كانت (أ) كاذبة و(ب) صادقة أو كاذبتين معا، فإن النتيجة تكون كاذبة. أما قضية (أ ب)، فهما يصدقان عندما تكون إحداهما على الأقل صادقة. أما إذا كانت (أ) كاذبة و(ب) كاذبة، فلا يمكن أن تكون (أ ب) صادقة.
هكذا إذن، لم تعد اللغة هنا، اللغة العادية كما في القياس أو الاستنتاج التحليلي. إنها مجموعة من الإشارات المؤلّفة على صورة الرياضيات (Algorithme). وعممها أصحابها على جميع أصحاب المقال من مادة و صورة أي على الحدود المفردة أو التصورية وعلى القضايا من حيث هي قضايا، وعلى العلاقات المنطقية ذاتها. وهذا ما يتلاءم مع روح العصر. ثم إن الارتباط بين المبادئ والنتائج ليس تحليليا كما في القياس، بل هو إنشائي أي يكسبنا معرفة جديدة زائدة على المقدمات، وينقل الفكر من المعلوم إلى المجهول.
ومن الخطأ أن يَظُنَّ ظان أن هذه المبادئ العقلية لا تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال، فإن استقراء تاريخ العلم عامة يشهد بأن هذه المبادئ قد نشأت على صورة أخذت في التطور حتى بلغت صورتُها الراهنة في أذهاننا، وفي مختلف الدراسات، ما يؤيد هذه الحقائق.
2- المنطق الثابت والمنطق المتغير:
أ- يقسم المناطقة المنطق إلى صوري ومادي، الأول يهتم بالتصورات والمفاهيم والرموز أي بالفكر من حيث صورته، والثاني يتجه إلى الأشياء ويهتم بالفكر من حيث مادتُه. وعلى هذا الأساس، يذهب لالاند[27] إلى التمييز بين ما يسميه العقل المكوَّن والعقل المكوِّن؛ الأول عقل داخلي يفرض نفسه (وهو ساكن يمثل مجموعة المبادئ الثابتة المديرة للمعرفة)؛ والثاني عقل ديناميٌّ يتكوَّن في أثناء نشاطِه ليصبح قادرا على تشكيل أدواته (المبادئ) بنفسه أو تغييرها وتكييفها حسب ما يواجهه من معطيات حسية جديدة. فهو في نظر التجريبيين، دائما في تكوُّن مستمر، لأنه اللوحة التي تنطبع فيها معطيات التجربة. وما دامت المعرفة تأتي كلُّها من التجربة، فليس هناك إلا المبادئ البَعدية أي التي تأتي عن طريق الإحساس والعادة والاعتقاد وتداعي الأفكار.
لقد بين ليفي برول في عدد من كتبه، أن الذهنية البدائية تختلف عن الذهنية المتحضرة اختلافا جذريا. فهي متمردة عن مبدأ الهوية وعدم التناقض إذ أن الأشياء يمكن أن تكون نفسها وشيئا آخر غيرَها؛ فهي ذهنية لا تدرك الأشياء كما ندركها نحن.[29] كما أن بعض الأنثروبولوجيين وفلاسفة العلوم بينوا أن مبدأ السببية ـ باعتباره مبدأ عالميا للعقل ـ أخذ يطرح تساؤلات أمام قضايا التفكير السحري واكتشافات تثير الشك في مبدأ الحتمية. إن الإيمان بالقوى المفارقة، لا يؤخذ في الذهنيات السحرية بمثابة الإيمان العلمي بالسبب في مفهومه المادي. كما أن مبدأ اللاحتمية القائل بأن هناك ظواهر تنفلت من نظام الكون وخاصة في الفيزياء الكوانتية الاحتمالية مع هيزنبرغ أخذ يجدد النظر في قواعد العلم وأسسه.
ب- المنطق المتعدد القيم
إن تطور الرياضيات والفيزياء (التي تمثل حاليا العلوم التي يسعى المناطقة على أساسها إلى استنباط الأدوات الواقعية للفكر الموضوعي) بيَّن أن هناك حالات لا يكفي فيها المنطق الثنائي القيمة. لنأخذ مثالين: هناك نظرية في الرياضيات تتعلق بخصوصية الأعداد الأولى (نظرية فيرما) التي ما تزال إلى اليوم، مثبَتة ولكننا لم نستطع البرهنةَ عليها. فهي ليست مسلَّمة من حيث إننا لسنا أحرارا في قبولها أو رفضها؛ إنها قانون حسابي غير كاذب (لأنه مثبت)، ولكنه ليس صادقا (لأننا لا نستطيع البرهنة عليه). ومن جهة أخرى وفي الفيزياء، فإن النظريتين حول الإشعاع الجُسَيْمي أو التموُّجي اللتين كانتا سابقا متناقضتين، تظهران اليوم، لامتناقضتين. فكل واحدة منهما لا هي صادقة ولا هي كاذبة، ولكنها تُعتبر صادقة أو كاذبة حسب المجموعة التجريبية التي نعمل فيها.
وفيما يتعلق بتجديد الفكر المنطقي، يمكن القول بأن تطور المنطق التركيبي من هيجل إلى هاملين، يكفي لتوعيتنا بوجود مبدأ ثالث للعقل، وهو المبدأ الجدلي للوحدة والتركيب. إنه ـ بفعل ممارسته في عملية الفهم العقلية (حيث يبحث العقل فكرة الجمع في صيغة واحدة، وقانون واحد أو في بنية واحدة، المعطياتِ المتنوعة والمتناثرة للتجربة). إن هذا المبدأ فاعل في الجهد الاندماجي للمتنافرات في صعيد منطقي سام حيث تلتقي دون أن تمتزج. إنه هو نفسه مبدأ التقدم الجدلي الذي هو جهد لتجاوز (تذليل) التناقض. إن الرضا الذي يشعر به العقل في تخطي تعارض الأطروحة ونقيضها داخل وحدة ثرية وعالية للتركيب، يبرهن على أننا هنا، في أحد المحاور الأساسية للعقل الدينامي.
إذا كان المنطق القديم يعتمد كليا على مبدأ الهوية الثابت الذي لا يتغير والذي يقضي برفض التناقض، فإن المنطق الجدلي يرفض التعامل مع هذا المبدأ من حيث إنه يعكس فكرا ساكنا لا يصلح للعالم الطبيعي والواقعي الذي لا يتوقف عن الحركة والسير. إن الحركية التي تتسم بها الحياة الخارجية تقوم على مبدأ التناقض أو التغاير، يعني أن (أ) لا يبقى (أ) لأنه حتما ينتقل إلى (س) أو (لاأ) الذي بدوره يتحول إلى كائن مغاير له، وهكذا. فالانتقال من (أ) إلى (أ) هو الحلقة المفرغة التي يدور فيها الفكر القديم الذي يرى نفسه دون غيره؛ وهذا لا يُرتجى منه جديدٌ ولا تقدم. ولهذا، فإن التغاير أو التناقض في هذا النوع من المنطق (إلى جانب مبدأ الهوية في هذا السياق) ضروري لفهم سيرورة الأشياء والحياة البشرية. و"هذا التناقض في الفكر وفي الأشياء، إنما يزول بما يسميه (هيجل) بالجدل الذي يتألف من ثلاث مراحل هي الموضوع ونقيضه والمركب منهما وهذا المركب كمرحلة جديدة، يشكل بدوره وضعا (الأطروحة) يستوجب ظهور نقيضه (نقيض الأطروحة)، وهكذا دواليك.[31]
وإلى جانب المنطق الجدلي، يتحدث بعض المؤلفين اليوم، عن منطق الوحدة الذي هو الآخر يتصف بالحركية والتعامل مع المتغاير والمتناقض، ولكنه في المجال الفكري يستوعب كل المحاولات والتصورات الفلسفية مهما كانت متنافرة ومتباينة، ليصنع منها مبدأ واحدا يجد كل مذهب موقعه كنسق متميز داخل الوحدة.[32] ولعل العولمة في مفهومها التعايشي المعاصر، تشكل ـ أمام تشتيت المعارف وترامي أطرافها، وتفتيت التخصصات العلمية والفنية ـ فرصة سانحة لتوسيع الروح الفلسفية الشمولية ومنطقها السمح.
IV- وهل يكفي أن نعرف قواعد الفكر المنطقي حتى نكون في مأمن من الأخطاء؟
صحيح إننا نعرف هذه القواعد، ولكننا قد نخطئ. وفي هذا السياق، نتناول نقطتين: تأثُّر الحكم المنطقي بالحتمية النفسية والاجتماعية، وتأثره بحتمية الفكر الفلسفي.
أولا: تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية على الحكم المنطقي
لا أحد يشك في أن الحكم، وهو الوحدة الأساسية في المنطق، وظيفتُه عقلية تخص الذات المفكرة. فهو عمل من أعمال الإنسان الإرادية وأثر من آثاره الذهنية. ولكن لما كان الإنسان عاجزا عن العيش لنفسه، فهو لا يستطيع أن يفكر حسب ميوله وأهوائه. إنه كائن يعيش في المجتمع. والتصرفات الصادرة منه، في جميع مظاهرها، تكون بموجب ذلك، جماعية.
1- فهو يخص الذات المفكرة، لأنه مصدرُه أو كما قال بروتاغوراس: "الإنسان مقياس كل شيء". فما يراه الشخص أنه الحقيقة، يكون هو الحقيقة، وليس في ذلك خطأ، ولا شيء في ذاته حقيقة، وإنما هو حقيقة في رأيي أو في رأي هذا أو ذاك.
وليس من المستبعد أن تكون القوانين المنطقية الأساسية التي تنظم أحكامنا، تجريداتٍ وتعميمات لتجارب ذاتية. فقانون عدم التناقض ناشئ من التجربة التي نشعر فيها، بأن "الحركة والسكون لا يجتمعان وأن أحدهما يرفع الآخر". وفي هذا السياق، يقول كوندياك "الحكم جمْعٌ بين إحساسين في الذهن". والمرء عند جيمس، لا يعتقد بصحة شيء إلا إذا رأى نفعه ونجاحه. ولذا، فإن الأفكار التي نصدقها هي الأفكار الناجحة، والأفكار التي نكذبها هي الأفكار الخاطئة التي لا نجني منها أي عمل نافع. وهنا، ينزل الحكم إلى الواقع المحسوس الذي لا ينفصل عن الزمن ولا عن الوقائع التي تخضع لقانون العلية أي تَتْبع ما قبلها وتؤثر فيما يلحقها.
هذا فضلا عن أن الإنسان أحيانا، يستعمل الاستدلال العاطفي حيث تسبق النتائج مقدماتها والاستدلال بالمماثلة حيث يقيس الغائب على الشاهد؛ فكم هي النظريات الفلسفية التي تفسر الوجود، وكم هي متضاربة فيما بينها. وفي مجال العلم، ألم يسبق غاليلي أن فسر سرعة سقوط الأجسام عن طريق إقامة علاقة تناسب طردي بينها وبين المسافة التي تقطعها؟ ثم ألم يكتشف هو ذاتُه، أن هذه الفرضية متناقضة، لا بد من الإعراض عنها؟
2- الحكم عملية يكتسبها الفرد داخل الوسط الاجتماعي وليس في جوهره مسألة فردية ولا نفسية. وتفكيره هو تفكير الحياة الاجتماعية، وضميره ضميرها واعتقاده اعتقادها حتى إذا خالفها الفرد لقي مقاومة يتحدد نوعُها وقوتها بمبلغ المخالفة وشدة ضررها.
والناس لكي يتناقشوا فيما بينهم ويحكموا على الصواب والخطأ، لا بد من أن يتفقوا على أوضاع خاصة ومبادئ معينة يأخذون بها وينظمون سلوكهم على أساسها كالإجماع عند المسلمين. يقول غوبلو: "إن فكرة الحقيقة لا يمكن أن تُفهَم ولا أن تفسر إلا بالحياة الاجتماعية، ومن دونها لا يتعدى الفكر حدود الفرد، وحينئذ تكون طيبة أو رديئة، ولكنها لن تكون صائبة أو خاطئة".[33] فمبادئ العقل يفرضها المجتمع من الخارج على الإنسان. ونظرا إلى أن المجتمع يتطور، فإن العقل لا يمكنه ألا يسايره. ولهذا، فقد تُجمِع الجماعات أحيانا، على المغالط والأوهام، وهي حقائق مشتركة يصعب الإعراض عنها.
ثانيا: تأثير حتمية الفكر الفلسفي على الحكم المنطقي
إن كانت الرياضيات بأساليبها الرمزية قد تخلصت من كل تفكير فلسفي، فإن للمنطق علاقة بالفلسفة، يؤثر الواحد في الآخر، وتختلف وظيفته باختلاف تصوراته الفلسفية، الإيديولوجية أو العقدية. لقد ظل المنطقُ التَّقليدِيُّ بحثا فلسفيا بالدرجة الأولى، يُثيرُ مسائلَه في ضَوْءِ التَّفكير الفَلْسفيِّ، كما تَتراءَى لكلِّ فيلسوفٍ ناظرٍ في المنطقِ"؛[34] ظل مرتبطا بآراء ميتافيزيقية، ولم يتميز إلا قليلا عن الأنطولوجيا.[35] أما المنطق الحديث فإنه وضعي يساير الروح العلمية. فلما كان أساس العلم في العصر الحديث مختلفا عنه في عصر اليونان، وجب أن يختلف منطق العلم اليوم، عن المنطق الأرسطي الذي كان انعكاسا لمعارف عصره التي كانت تهتم بالأشياء الأنطولوجية الفلسفية والكيفية. ولكن على الرغم من ذلك، فإن الموضوع الذي يدرسه المنطقان واحد، هو شروط صحة الاستدلالات. ولكنهما يريدان ـ حول هذه الشروط ـ إعطاء معرفة يحكمها نظامٌ تبعا لتصورين مختلفين: تصور ميتافيزيقي، وتصور وضعي.[36] هذا، وتجدر الإشارة إلى أن النظرية المنطقية تختلف باختلاف الأساس الذي ينبني عليه التفكير العلمي أو الفلسفي لعصر ما.
»لا شَكَّ في أنَّ مَوْقِفَ الإنسانِ مِن فِكرةِ الحَقيقةِ، و مَدَى اليَقِينِ فيها، إنمَّا يَتأثَّرُ تمامًا بِاعْتِناقِه مَنطِقاً دَون آخَرَ مِن أنْواعِ المَنْطِقِ العَديدةِ المُمكِنةِ للإنسانِ.«[37] وهذا التأثير في صورته الجدلية، لا يوجه أحكامنا المنطقية فحسب، بل يجعلنا نفكر ضمنيا وبالضرورة، في إطار فلسفة ترتبط بالمنطق الذي يناسبها.
وأكثر من هذا، وفي نطاق انطباق الفكر مع نفسه وانطباقه مع الواقع، يجب التأكيد على أن ما يحمله الذهن من تصورات له علاقات ضمنية بظواهر العالم الخارجي. ولما كانت هذه الظواهر في تغير مستمر، فإنه ما كان لهذه التصورات أن تبقى متصلبة وأن تحجم عن التكيف. ومن هنا، يقرّب الفكر المنطقي مبادئه من الواقع والعكس بالعكس؛ وهذا أمر لا تخفى فائدته. يقول الفندي: "وهذه المسألةُ الجديدةُ هي مسألةُ التَّحقُّقِ و التأكُّد من أنَّ الاتِّفاقَ الذي حَصَل عليه الفِكرُ مع ذاته عند تألِيفِ التصوُّرات في قضايا واسْتِنباطاتٍ، هو في الوقْت عينِه، اتفاقٌ له مع الواقِعِ، ومطابَقةٌ له مع العالمَِ ِالخارِجِيِّ
خاتمة: حل المشكلة
إن معرفة النظام الذي يحكم الفكر المنطقي، تؤثر في توجيه العقل في اختيار آلياته الفكرية وفي تحديد الغاية التي ينشدها ويسعى إلى تحقيقها. والخطر الذي يحدق بتحقيق هذه الغاية، لا يجيء من آليات المنطق بقدر ما يجيء من طريقة توظيف هذه الآليات نصرةً لمذهب ضد مذهب. وفي هذه الحالة، يصبح المنطق عبدا مسخرا لخوض قضايا فكرية بحثا عن كسبها ودفاعا عن انشغالاتها. ومع ذلك، فإن المنطق الصوري ـ الممثَّل في القياس ـ ومهما كانت فلسفته، وعلى الرغم من كثرة المؤاخذات الموجهة إليه، فإنه على جانب كبير من الفائدة العملية، وأننا نستخدمه غالبا وبدون شعور، في تفكيرنا العلمي والعامي والعاطفي. وبدونه يفقد الخطاب الحقيقي تماسكه ويؤول إلى سفسطة.
***
وكمخرج من الإشكالية الثانية، يمكننا القول، إن المشكلة الفلسفية التي يعرفها منطق انطباق الفكر مع نفسه ليست في الحدة التي يطرحها منطق انطباق الفكر مع الواقع من حيث إن الأول يتعامل مع مفاهيم وتصورات وافتراضات كمنطلقات مسلم بها، تَلزم عنها بالضرورة نتائجُ صحيحة، وأنه في شكله القياسي مرتبط بفلسفة أنطولوجية تحدد مصير الفكر واتجاهه الفلسفي ؛ وأن الثاني، لا يعتمد مباشرة على الملاحظة كخطوة أولى كما يقتضيها مبدئيا المنهج العلمي التجريبي، وإنما يدخل في حسابه قبل الانطلاق، افتراضين عقليين وغير تجريبيين هما "مبدأ الحتمية، و"مبدأ الاطراد"، وهذا مخالف للقاعدة. وأغرب ما في أمر هذا المنطق الثاني، أن المنطلقات على الرغم من أنها من قبيل الافتراضات الميتافيزيقية، إلا أنها تعطي نتائج يؤكدها ازدهار العلم يوما بعد يوم. وكأن القضية ليست فقط، انطباق الفكر مع الواقع، بل هي أيضا، وفي نفس المجال انطباق الواقع مع الفكر. وفي سياق هذا الوجه الأخير من منطق الواقع، فإن المشكلة تكمن في صعوبة التساوق بين الوقائع المتغيرة والمبادئ العقلية الثابتة عكسا وطردا. وما ظهور مبدأ الوحدة والتركيب إلا دليل على حاجة العقل إلى التكيف مع المتغير الجديد وحاجة المتغير إلى السير في نظام العقل في علاقة جدلية.
لقد حاول أهل الاستقراء تجاوز المنطق الأرسطي لكونه لا يصلح للعلم ولكونه أيضا، مرتبط بالفلسفة. ولكنهم وقعوا هم أنفسهم، تحت رحمة الفلسفة والتناقض من حيث إنهم خاطروا بفروض غير مؤكدة علميا وخالفوا من ثمة، تعاليم المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة لا على الافتراض والخيال. ولهذا، فإن الجدال بين العقلانيين والتجريبيين في هذا النطاق، يبقى عقيما طالما استمر الإصرار الدغماتي على تعزيز أطروحة على حساب أخرى.
طرح المشكلة : إن المنطق هو علم القواعد التي تجنب الإنسان الخطأ في التفكير وترشده إلى الصواب والمنطق معروف قبل اليونان، ولكن قاده الواضع الأول أرسطو الذي بقواعده الممنهجة والمنظمة تنظيما محكما.ولكن هناك انتقادات واعتراضات من قبل فلاسفة غربيين وفلاسفة إسلاميين وجهت للمنطق الأرسطي إلى درجة الهدم والتقويض فكيف يمكن إثبات أن معرفة قواعد المنطق تقوم العقل البشري؟ أو:إلى أي مدى يمكن للمنطق الصوري أن يصحح الفكر ويصوبه؟
محاولة حل المشكلة : 1/ عرض منطق الأطروحة : إن هناك فلاسفة ومفكرين وعلماء أفذاذ حاولوا إعطاء نظرة حول مشروعية ونوعية المنطق الصوري أمثال واضع المنطق أرسطو الذي يعرفه "بأنه آلة العلم وصورته"أو هي" الآلة التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ"،وأيضا نجد في الإسلام أبو حامد الغزالي الذي يقول"إن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا". وهناك أيضا الفارابي" الذي أقر بضرورة المنطق وأهميته في إبعاد الإنسان من الغلط والزلل شريطة التقيد بقواعده ولقد سماه الفارابي"علم الميزان".
1/ نقد منطق الخصوم : لكن برغم ما قدمه الفلاسفة تجاه المنطق إلا أن هناك من عارضه بشدة سواء من قبل فلاسفة غربيين أو إسلاميين.فهناك ديكارت و كانط و غوبلو وابن تيمية الذين أكدوا على أن المنطق الأرسطي فارغ من محتواه،أي تحصيل حاصل جديد لا يعطي الجديد.
لكن هؤلاء لم يسلموا من الانتقادات منها : اهتمامهم يمتلكه تطابق الفكر مع الواقع كما أن هجوم ابن تيمية على المنطق الأرسطي ليس له ما يبرره سوى انه منطق دخيل على الثقافة الإسلامية و مؤسسه ليس مسلما.كما أن المنطق الأرسطي و إن كان يهتم بتطابق الفكر مع نفسه فقد مكن الإنسان من التفكير الصحيح و معرفة صحيح الفكر من باطله و على إثره تقدم الفكر البشري.
3/ الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا و مضمونا : لقد اعتمد أرسطوعلى المسلمة القائلة بأنه ما دام التفكير الإنساني معرّض بطبيعته للخطأ و الصواب، ولأجل أن يكون التفكير سليماً و تكون نتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيئ له مجال التفكير الصحيح وهذا سبب رئيس أن تكتشف كل تلك القواعد من قبل أرسطو أو غيره .
إثباتها بحجج شخصية: وهذه المصادرة تأخذنا للبحث عن مجمل الحجج التي أسست هاته الأطروحة
أ/ نبدأها بالحجة القائلة بأن المنطق الصوري يمتلك تلك الوظيفة لأن الإنسان كان في حاجة أن يلتفت للذاته العارفة ويتعرف عليها جيدا لاسيما أن يمحص النظر في بنية تفكيره ذاتها.
كتصورات ومفاهيم وأساليب ومناهج حيث كان الإنسان – قبل أرسطو وغيره – يعيش بها في حياته لا يعرف مسمياتها ولا يحسن استخدامها فهاهي مبادئ العقل( مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض ، مبدأ الثالث المرفوع ، مبدأ السبب الكافي ، مبدأ الحتمية ، مبدأ الغائية) مثلا قد ساهم كشفها إلى تعزيز دورها التأليفي للبنية المنطقية للعقل ناهيك على أنها شرط للحوار والضامن للتوافق الممكن بين كل العقول باختلاف أعمار أصحابها وأجناسهم وسلالاتهم وثقافاتهم وهي تحدد الممكن والمستحيل في حياة الإنسان السبب الذي جعل ليبنتز يتمسك بهاته الأهمية حين يقول: «إن مبادئ العقل هي روح الاستدلال وعصبه وأساس روابطه وهي ضرورية له كضرورة العضلات والأوتار العصبية للمشي».
ب/ أما الحجة الثانية فتكمن في دور تلك القواعد على إدارة المعرفة الإنسانية التي ينتجها الفكر الإنساني وإقامة العلوم ( الحسية ، والعقلية )عليها . فهاهي مثلا قواعد التعريف التي تنتمي إلى مبحث التصورات والحدود ساعدت كثيرا الباحثين على ضبط مصطلحات ومفاهيم علمهم بفاعلية ووضوح وموضوعية أكبر وتزداد هذه العملية ضبطا وأهمية خاصة إذا تعلق الأمر بالتصورات الخاصة بمجال الأخلاق والسياسة و الحقوق والواجبات… كذلك أن استخدام مبحث الاستدلالات : الاستدلال المباشر(بالتقابل وبالعكس) و الاستدلال الغير مباشر خاصة إذا تعلق الأمر بالقياس الحملي و القياس الشرطي لديه فائدة كبيرة في تحقيق الإنتاج السليم للعقل من خلال تحديد الضروب المنتجة من الضروب الغير منتجة وهذا يؤدي بنا إلى الكشف السريع عن الأغاليط في شتى المعارف باختلاف مشاربها .
ج/ كما أن قواعد المنطق اعتبرت من طرف العلماء الأصوليين كفرض كفاية على المسلمين للثمار العظيمة المقتطفة من روحها لأنها تسببت في نجاحات على مستوى الاجتهادات الفقهية والاجتهادات اللغوية. ومن نتائج تطبيق المنطق الصوري: تصدي اليونانيين للمغلطات التي أفرزها الفكر السفسطائي بانتشار التفكير الصحيح الدقيق في أرجاء المجتمع الثقافي اليوناني طيلة العصر القديم بعد أرسطو وهذا ما أدى أيضا إلى تربعه على عرش المعارف خاصة في العصور الوسطى ، بل تم تدريسه إجباريا من طرف المدارس المسيحية في هذه الفترة .
حل المشكلة : حقيقة إن المنطق الصوري الأرسطي لم يعط الجديد وحتى وإن جعل الفكر صائبا دوما إلا أن هناك بدائل أخرى للمنطق تتجلى في المنطق الرمزي والمنطق الجدلي..الخ
شكرا شكرا شكرا وجزاك الله كل خيررررررررررررر
مشكور جزيل الشكر على المجهود … وفقك الله ان شاء الله
شكرا جزيلا لك أخي أمير
بارك الله فيك و جزاك عنا كل خير
تحياتي و احترامي
السلام عليكم اذا ممكن توضيح نظريات الفكر الاقتصادي
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
m5zn.com-1x6e78n69.zip | 32.6 كيلوبايت | المشاهدات 61 |
شكراااااااااااا
لكن لم استطع التحميل
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
m5zn.com-1x6e78n69.zip | 32.6 كيلوبايت | المشاهدات 61 |
أسماء التحميل إمّا من الرابط أو من الملفات المرفقة
أنا شخصياً قمت الآن بالتحميل و كان سهلاً بسيطاً و سريعاً
بالتوفيق
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
m5zn.com-1x6e78n69.zip | 32.6 كيلوبايت | المشاهدات 61 |
منطق البطلان في الفكر القانوني المعاصر
مقدمة: في الأساس التاريخي واللغوي
ما بُني على باطل فهو باطل، مَقولة تبنتها الشرائع القديمة التي تَضمنت مباديء عامة ، ولَطفت من آثارها الشرائع الحديثة الحَية مراعيَةً في ذلك روح العَصر والأفكار الإجتماعية النـَيرة الحديثة ، وكان للشريعة الاسلامية الغـَراء السَبق التاريخي في تعديل مضمون هذه القاعدة الحَدية بحسب الاصل وتلطيف مفعول اثارها، ومع ذلك فانها ما برحت متداولة في الوسط القانوني والقضائي والعام ،على صورتها القديمة .
تـَرجع الجذور الفكرية لهذه المَقولة ، من الناحية التاريخية ، الى علم المَنطق ، وهي نتيجة من نتائجه ِ، إذ يقتضي التفكير المنطقي السليم المُجرد ، ان يكون أساس التصرفات الفعلية والقوْلية صحيحا حتى تُنتج آثارها الشرعية او القانونية ، والاساس هو القاعدة التي تُبنى عليها الاشياء المادية والمعنوية ، فان شاب ذلك الاساس عَيب او عدم مشروعية، كان باطلا ، ومُنعدِم شرعا وقانونا ، ولا أثر له ولا يـُفيد حُكماً ، ويَقتضي منطق البطلان إعادة الحال الى ماكانت عليه اصلا وإزالة كل ما بني على ذلك من تصرفات ومحو أثارها إن كان ذلك ممكناً .
الا ان منطق البُطلان اليوم يختلف عن امْسهِ البعيد بعد ان لَحِقه تحوير فـُرضته قـيَم العدالة وطبيعة الحياة المعاصرة التي لا تقبل القعود على حال واحد متكرر، ولإيضاح هذه الفكرة لابد من الاشارة الى تطور منطق البُطلان ومصدره .
البطـلان لغَة ً ، فساد الشىء وسقوط حُكمه . واصطلاحاً ،هو، حَسب المُشرع العراقي،ما لايصُح اصلاً بإعتبار ذاته او وصفاً باعتبار بعض اوصافه الخارجية .
اما بعد فان الباطل نقيضُ الحق ، قال تعالى ( وَلاَ تَلبِسُواْ الحَقَّ بِالبَاطِل ) وقال تعالى (لِيُحِقَّ الْحَقَّ ويُبطِلَ اَلْباطِل ولَو كَرِه اَلُْمجْرِمُون ).(1)
ومدى البُطلان واسع وكلما وُجِد حقٌ فمن الممكن ان يقابله باطل ، وعلى هذا الحال فقد يرد البطلان على التصرفات القانونية القولية كالعقد والارادة المنفردة والقرار الاداري والعقد الاداري ، وقد يَرد على تصرفات او اعمال المكلفين شرعاً كبطلان الزواج او الصلاة او الوضوء ، ومن الناحية الاخلاقية فان خيانة الامانة في العمل والرأي والمشورة أو الكذب اوالغش اوالنفاق … باطل. (2)
الفرع الاول
البُطلان في الشرائع الوضعية
البطلان حسب الشرائع الوضعية الحديثة اما مرتبة واحدة كما هو عند غالبية الفقه الاسلامي والمشرع المدني العراقي ، او مرتبتان ، هما البطلان المُطلق والبطلان النسبي كما هو حال المشرع الفرنسي والمصري والانكليزي.
ومن الناحية التاريخية ،لم يضع الرومان نظرية عامة في البطلان ، ولم يميزوا بين البطلان المطلق والبطلان النسبي فلم يَعرف القانون الروماني الا مرتبة واحدة من البطلان ، فالعقد في نظرهم اما عقد صحيح يُرتب آثاره كاملة، وإما عقد باطل لا تترتب عليه أية آثار، الا ان أسباب البطلان متعددة فيه، وهي اما ترجع الى تَخلف الشكلية المطلوبة قانوناً او عرفاً ، او انها تـَرجع الى تَخلف رُكن من اركان العقد او تحقق عيب من عيوب الارادة، وقد شاع هذا النوع من البطلان في العقود الرضائية في العصر العلمي للقانون الروماني بعد أن تحرر هذا القانون من معظم شكلياته .
واركان العقد عند الرومان، التي يؤدي تخلفها الى بطلان العقد ،هي الرضا ومنه الاهلية والمَحل والشكلية ، اما السبب بمختلف معانيه فلم يَشترط الرومان وجوده في العقد، و جاء في مدونة (جستنيان) اشارة الى السبب تمثلت بمقولة ( الباعث الكاذب لا اثر له في قيام العقد ) .
الا ان القانون الروماني لم يُساير منطق البطلان الى نهايته ، الذي يقضي بإعادة الحال الى ماكانت عليه قبل ابْرام التصرف ، فالقاعدة في القانون الروماني هي انه اذا سَلمَ احد العاقدين للآخر شيئاً تنفيذاً للعقد غير المشروع ، ليس له ان يسترده، الا اذا كان عدم المشروعية غير آت من جهته، اما اذا كان شريكاً في عدم المشروعية، اي كانت يده مُلوثة بالعمل غير المشروع ، فليس له ان يسترد ما سلمه .
فاذا اتفقَ شخص مع آخر ان يَدفع له مبلغاً من المال مقابل ان يكُف عن ايذائه ، كان الاتفاق باطلاً وله ان يسترد ما دفعه من مال لانه لم يفعل ما يؤاخذ عليه فقد كان بصدد تجنـُب الاذى، اما اذا دفع شخص رشوة لموظف نظير قيام الاخير بعمل او امتناع عن عمل ، كان التصرف باطلاً ، لكن ليس له ان يسترد ما دفعه لان عدم المشروعية آت من الطرفين . وكذلك الحكم في الامور المُشينة اخلاقياً كما لو اتفق احدهم مع امرأة بأن يدفع لها مبلغاً من المال مقابل أن يتصل بها اتصالاً غير مشروع .
ويُستثنى من ذلك حالة وقوع ضَرر أحْدثه طالب الاسترداد بالطرف الاخر، ويعد هذا تعويضا عن الضرر يقدر بقدره .
والحال ان الحُكم المتقدم لاينسجم مع اثر البطلان ومَنطقه، لان التصرف الباطل هو والعَدم سَواء، ويعتبر كإن لم يكن، مما يقتضي اعادة الحال الى ماكانت عليه قبل التعاقد، اما التعويض عن الضرر، ان كان هناك مقتضى، فيتم وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، لان العقد الباطل يعتبر واقعة مادية لا تَصَرُف قانوني، وقد سُمي عقداً من باب المَجاز لا من باب الحقيقة.
وقد التزم القضاء الفرنسي والمصري بالقاعدة الرومانية القديمة رَدحاً من الزمن وأخذ بالتفرقة التي قالت بها في احوال الضرر .
وفي العصور الحديثة مَيزَت النظرية التقليدية بين ثلاث مراتب من البطلان ، هي حالة انعدام التصرف كما لو تخلف ركن من اركان العقد او انه لم يستوف ِالشكلية الواجبة المقررة قانونا . وحالة البطلان المطلق كما لو وجدت جميع اركان العقد ولكن تخلف شرط من شروط احد الاركان ، كإن يكون سبب العقد مخالفاً للنظام العام اوالاداب .
واخيراً حالة البطلان النسبي، ويتحقق في حالة ان استوفى العقد أركانه وكان رضا المتعاقدين موجودا الا انه لم يستوف شروط صحته ، كإن شابَ الارداة عيب كالغلط او التدليس او ان العقد صَدر من صبي مميز، ويتحقق البطلان النسبي بنـَص القانون ايضا بالنسبة لبعض التصرفات.
اما النظرية الحديثة في البطلان فتجعل من الانعدام والبطلان المطلق في مرتبة واحدة ، تسميها البطلان المطلق، اما البطلان النسبي فقد ابْقتهُ في مرتبته التي كان عليها ، وقد تَبنى المُشرِع المصري هذه النظرية، فالبطلان عنده مرتبتين، البطلان المطلق ، والبطلان النسبي، وعَبر عنه بما أسماه ( قابلية العقد للإبطال)
ويتحقق البطلان المطلق بالنسبة لكل اتفاق او تصرف يتعارض مع الدستور أو القانون أو النظام العام والاداب العامة.
كما لو اتفق مهرب مع آخر على أن يكون شريكه في عملية التهريب على ان يحصل على نصف الارباح مقابل اخفائه للبضائع المهربة لحين تصريفها ، فان أ َخـَل المُهرب بوعده بعد ذلك فلا يحِق للشريك مقاضاته لتنفيذ هذا الاتفاق لأن مثل هذا الاتفاق يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام .
وقد يبدو غريباً ان يُطالب شخص من آخر امام القضاء بحقه الناشيء عن سبب غير مشروع، الا ان ذلك كثير الوقوع في الحياة العملية وخاصة في نطاق الاوراق التجارية ، كالصك ، حيث تصرف الاموال الملوثة عن طريقها عادة حيث لا يُلزم قانوناً ان يذكر فيها سبب الالتزام، فان تبَين للقاضي ان سبب الصك غير مشروع يَحكم ببطلان الالتزام الصرفي الناشيء عنه، ويُحيل الدعوى الى محكمة التحقيق .
كذلك الحال اذا اتفق شخص مع إمرأه بان يباشرها دون زواج مقابل مبلغ محدد من المال فان أخل بتعهده فليس لها مقاضاته لأن العقد باطل بطلاناً مطلقاً ذلك ان سببه غير مشروع كونه يتنافى مع الآداب العامة والنظام العام.
والبطلان المطلق لا يمكن تصحيحه بأي شكل من الأشكال.
أما البطلان النسبي فهو ذلك البطلان الذي يُمكن تصحيحه بأجازةِ مَن لهُ حق اجازتهِ ، وهو يتحقق إذا كان الرضا موجودا فعلا لكنه مُعيب، كالعقد الذي يعقده الصبي المميز، وكما في حالات الغلط والتدليس والاكراه والاستغلال .
وللطرف الذي تَعيَبت ارادته ان يُجيزه خلال مدة مُعينة صراحة او ضمناً. ويتم صراحة بالتنازل عن البطلان، وضمناً بتنفيذ العقد أو فوات المدة التي تجيز له إقامة دعوى بطلان ، فان لم يجزه خلال تلك المدة انقلب باطلاً .
وقد أخذ القانون الانجليزي بمثل ذلك ، حيث صنف البطلان إلى نوعين، الأول هو البطلان المطلق، ويدخل فيه العقد المنعدم ، والثاني هو البطلان النسبي.
الا انه تبنى حكم نوع اخر من العقود المعيبة هي العقود الموقوفة، وهي تلك العقود التي لا تَحميها دعوى قضائية لعدم إمكان إثباتها كتابة ً وهي لازمة لمثل هذه العقود، الا انه اذا قام المدين بتنفيذ التزامه بارادته كان تنفيذه صحيحاً ، وليسَ له ان يطالب باسترداد ما دفعه تنفيذاً للعقد المُعيب ، الا ان الدائن لايستطيع إجبار مَدينَه على التنفيذ ، وهذه صور من صور الالتزام الطبيعي في حقيقته ومعناه المعروف في القوانين اللاتينية .(3)
الفرع الثاني
موقف المشرع العراقي من البطلان واثاره
نَصت المادة (33) من القانون المدني العراقي على انه ( 1ـ العقد الصحيح هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً بأن يكون صادراً من أهله مُضافاً الى محل قابل لحُكمه ، وله سبب مشروع ، وأوصافه سالمة من الخلل . 2 ـ واذا لم يكن العقد موقوفاً افادَ الحُكم في الحال .)
ونصت المادة (138) منه على انه ( 1ـ العقد الباطل لا ينعقد ولايفيد الحكم اصلاً. 2ـ فإذا بَطـُل العقد يُعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.فإذا كان هذا مستحيلاَ جاز الحكم بتعويض معادل.3ـ ومع ذلك لايلزم ناقص الاهلية إذا أبطل العقد لنقص اهليته أن يَرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد )
يتضح من النصوص المتقدمة، ان العقد في القانون العراقي ،وكذلك عند جمهور فقهاء الشريعة ، قسمان، صحيح وباطل ، وينقسم العقد الصحيح الى موقوف ونافذ. وان المُشرِع العراقي لم يأخذ بفكرة العقد الفاسد الذي كان مقرراً في مجلة الاحكام العَدلية ، فألْحقَ بعض صور العقد الفاسد بالعقد الصحيح الموقوف بينما الحقَ الصور المتبقية بالعقد الباطل .
والعقد الباطل من وجهة نظر المشرع العراقي هو الذي لايصُح اصلاً، اي بالنظر الى ذاته ، او لايصح وصفاً، اي بالنظر الى اوصافه الخارجية، فأسباب البطلان شيئان، اما خلل في ذات العقد ومُقوماته اي في رُكنه ، مثل ان يصدر الايجاب او القبول مِمن ليس اهلاً للتعاقد ، او ان يكون محل العقد او سببه غير موجود او غير مشروع ، وإما خلل في اوصافه الخارجة عن ذاته ومقوماته ، كأن يكون المعْقود عليه مجهولاً جَهالة فاحشة ، او الا يستوفي الشكل الذي فرضه القانون .
والعقد الباطل منعدم قانوناً فلا يَنتج اثراً وليس من اللازم صدور حُكم لتقرير هذا البطلان ولمن كان طرفاً فيه ان يُرتب اموره على اساس ان العقد غير موجود ، اما اذا كان قد تم تسليم المعقود عليه وامتنع المشتري عن رده رضاءاً فلا مَندوحة عندئذ من اقامة دعوى البطلان لإسترداد ما تَم تسليمهُ بمقتضى العقد الباطل .
ويمكن ان يتمسك بالبطلان كل من كسب حقاً في محل العقد يؤثر فيه صحة العقد او بطلانه ، سواء قد كسب الحق قبل صدور العقد او بعده ، فيتمسك به كل من الطرفين وخلفها العام والخاص(4) . فيتمسك به المتعاقدان ودائِنوهُما وورثتهما ، وكل من كسب حقاً عينياً على العين المبيعة كمشترٍ ثان او صاحب حق انتفاع او ارتفاق او دائن مُرتهن .
وعلى المحكمة ان تحكم ببُطلان العقد من تلقاء نفسها ولو رُفِعت الدعوى من وجه آخر غير البطلان ، ولو لم يطلب المدعي الحكم بالبطلان ، اذ ليس للمحكمة ان تعتبر ما هو معدوم قانوناً ذا وجود . والعقود الباطلة لا تلحقها الاجازة لأن المعدوم لا ينقلب موجوداً بالاجازة ، والبطلان لايزول بالتقادم ، وكذلك بالنسبة للدفع بالبطلان فهو لا يسقط اصلاً بالتقادم لأن الدفوع لا تتقادم .
والقول بإبطال العقد الباطل هو من باب المجَاز، لاننا لو اخذنا القول من باب الحقيقة فان ذلك يعني جعل التصرف باطلا بعد أن بدأ صحيحا، والحال انه اذا بدأ باطلا لا يَقبل إبطالا، لأن الباطل لا يُبطل فهو منعدم اصلاً .
واثر الحكم بالبطلان ،انه اذا بطل العقد وجب اعادة كل شيء الى اصله ، فيعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا كان احد المتعاقدين قد سلم شيئاً للآخر تنفيذاً للعقد ، جاز له استرداده كاملاً . وإذا استحال ذلك بسبب الهلاك مثلاً ، جاز الحكم بتعويض معادل .
يتضح مما تقدم ان البطلان في القانون المدني العراقي ليس مراتب متدرجة ، بل هو بطلان واحد ، يناظر ماتسميه بعض التشريعات بالبطلان المطلق ، اما البطلان النسبي ، كما يقول الاستاذ (عبد المجيد الحكيم )، فيطرحه المشرع العراقي ، لان مَنطقهُ لا ينسجم مع صَنعة الفقه الاسلامي مصدرُ إلهام مشرعنا في هذا المجال ، لان العقد الباطل بطلاناً نسبياً ، هو عقد صحيح نافذ الاثر، وإذا كان كذلك فلا يصح وَصفه بالبطلان ولو كان نسبياً لكونه قائماً ومنتجاً لآثاره ، ومثله لا يتصور كيف يحتاج الى الإجازة وهو نافذ لا يَعتريه عيب تُصَحِحه هذه الاجازة .
الفرع الثالث
تلطيف مفعول البطلان
أخذت التشريعات الحديثة ، وخاصة بعد أفول نجم مدرسة الشرح على المتون، بتلطيف مفعول قاعدة ما بني على باطل فهو باطل ، بالنظر للآثار الاجتماعية السيئة التي خلفها منطق هذه القاعدة، فهي وان كانت تساير حكم العقل ومقتضيات المنطق ، الا انها لا تساير منطق الرحمة والانصاف في الحالات التي تقتضي العدالة الحقة العناية بها بشكل خاص ، كما ان تطبيقها الثابت منقطع النظير قد يتعارض مع مبدأ استقرار المعاملات ، وهكذا بدأ الفقه والقضاء بالبحث عن حلول منصفة تُلطف من مفعول هذه القاعدة ، فظهرت في علم القانون نظريات جديدة في البطلان سرعان ما وجدت طريقها الى التشريعات الحديثة ، المدنية والادارية وقواعد القانون الدولي العام والخاص .
في اطار القانون المدني والتجاري تبنت التشريعات الحديثة نظرية انتقاص العقد ونظرية تحول العقد ، وبموجبهما تترتب بعض الاثار العرضية على العقد الباطل .
اولاً: نظرية انتقاص العقد
مفاد هذه النظرية ، ان التصرف او العقد اذا تضمن عدة امور وكان صحيحاً بالنظر الى بعضها وباطلاً بالنظرالى البعض الاخر فإن العقد لا يبطل في الجميع ، بل يبطل منه ما لايكون صحيحاً ، ويبقى عقداً صحيحاً مستقلاً بالنظر الى ما كان صحيحاً فيه ، فكأنه جاء من الابتداء عقداً مستقلاً به .
فالعقد إذاً لا يبطل كلية ً بل ينتقص ، الا انه إذا تبين ان الشِق الباطل الذي طرح منه هو عنصر منظور اليه لم يكن ليتم العقد بدونه وقع العقد باطلاً في الجميع لعدم إمكان الفصل بينهما .
ومن ذلك ان المحاكم كانت تقضي ببطلان العقد الذي يتضمن اتفاقاً على سعر فائدة اكثر مما هو مقرر قانوناً ، ولكن حينما بدأت بتطبيق نظرية انتقاص العقد فان العقد لايبطل كلية وانما يُخفض سعر الفائدة الى الحد الذي يجيزه القانون .
وكذلك الحال بالنسبة الى الهبة المقترِِنة بشرط مخالف للنظام العام او الاداب، كأن يَهب احدهم لأخر عقاراً او منقولا ويشترط عليه ان لا يتصرف فيه بالبيع ومثل هذا الشرط باطل لانه يتعارض مع طبيعة وخصائص حق الملكية الذي يتيح للمالك التصرف بملكه بكافة انواع التصرفات الجائزة ، او ان بيعاً ورد على مال مملوك ومال لايجوز بيعه كاموال الوقف او الاموال العامة ، او ان البيع ورد على عدة منقولات وقع العاقد في غلط جوهري بشأن شيء منها . فإنه لا يصيب البطلان إلا الشق الذي قام فيه سبب البطلان ، ويبقى العقد صحيحاً في الباقي ، الا إذا تبين ان هذا الشق عنصر جوهري في العقد فيقع البطلان في الجميع .
وقد اخذ المشرع العراقي بالحكم الذي اسسته نظرية انتقاص العقود ، حيث نصت المادة (139) من القانون المدني العراقي على انه ( اذا كان العقد في شق منه باطلاً فهذا الشق وحده هو الذي يبطل . اما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً إلا اذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً ) .
اما بعد ، فان انتقاص العقد ما هو الا تفسير لارادة المتعاقدين ، حيث يفترض حسب مبدأ حسن النية في العقود ان يكون قصد المتعاقدين قد اتجه الى انشاء محل مشروع للالتزام يتمثل في الشق الصحيح من العقد .
ثانياً: نظرية تحول العقد
نظرية تحول العقد نظرية المانية المنشأ وضعها فقهاء القانون الالمان في القرن التاسع عشر وتبناها المشرع الالماني في تقنينه المدني في المادة (140) منه . ويأخذ بها القضاء الفرنسي دونما نص خاص يقررها تطبيقاً لنظرية التكييف .
مفاد هذه النظرية ان العقد اذا كان باطلاً ، الا انه توافرت فيه اركان عقد اخر ، فإنه يتحول الى ذلك العقد الاخر إذا تبين من ظروف التعاقد ان نية المتعاقدين ستنصرف الى هذا العقد لو كانا يعلمان ببطلان العقد الذي ابرماه ابتداءاً .
وهذا يعني ان العقد الباطل قد انقلب صحيحاً ولكنه ليس العقد الذي قصده المتعاقدان ابتداءاً ، لكن من النوع الذي توافرت فيه اركانه .
ولكي يتحول العقد الباطل الى صحيح ، يجب ان يكون العقد باطلاً فإذا كان صحيحاً ثبت غير متحول . وان تتوافر فيه عناصر العقد الجديد الذي يقم مقام الأصل . واخيراً ان يقوم الدليل على ان نية المتعاقدين كانت ستنصرف الى الارتباط بالعقد الجديد لو انهما تبينا ما بالعقد الاصلي من اسباب البطلان .
ومن ذلك ان المحاكم كانت تقضي ببطلان السند الرسمي الذي يفقد صفة الرسمية لتوثيقه من موظف غير مختص بتوثيق مثل هذا السند ، او ان الموظف مختص من الناحية النوعية بتوثيق مثل هذا السند الا انه غير مختص مكانياً بتوثيقه ، وهكذا يفقد الدائن وصاحب الحق اهم دليل اثبات في الدعوى ومن ثم يخسر دعواه اذا انكر المدين الدين ، رغم انه قد احتاط مسبقاً ، الا انه بتطبيق نظرية تحول العقد فان السند لا يبطل كلية بل يتحول الى سند عادي ما دام موقعاً من الطرفين .
وقد اخذ المشرع العراقي بالحكم الذي اسسته نظرية تحول العقود ، حيث نصت المادة (140) من القانون المدني العراقي على انه ( إذا كان العقد باطلاً وتوافرت فيه أركان عقد آخر فإن العقد يكون صحيحاً باعتباره العقد الذي توافرت اركانه إذا تبين ان المتعاقدين كانت نيتهما تنصرف الى ابرام هذا العقد ).
ويرى بعض الفقهاء ان نظرية تحول العقد لا تعدو عن كونها تطبيقاً لنظرية التكييف في مجال العقد ، ذلك ان تكييف العقد واعطاءه الاسم الصحيح هو من عمل قاضي العقد ، وبما ان التكييف مسألة قانونية وعلمية فان القاضي لا يعتد بالتكييف او الاسم الذي يختاره المتعاقدان للعقد الذي يبرمانه ، فإذا نقل شخص ملكية شيء الى شخص اخر دون مقابل فإن هذا العقد يعتبر هبة ولو سماه المتعاقدان بيعاً ، ويطبق القاضي عليه احكام الهبة لا احكام البيع .
الفرع الثالث
صلة البطلان بالنظام العام والاداب العامة
تتبنى جميع التشريعات مبدءاً عاماً يشمل بحكمه كل فروع القانون ، مفاده ان كل ما يخالف النظام العام والاداب العامة يعتبر باطل . فما هو المقصود بالنظام العام والاداب العامة ؟
النظام العام معيار كلي مرن ونسبي ، قوامه حماية المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية العليا السائدة في المجتمع، ولذلك هو فكرة سياسية في الاصل لانه يُعين على تحقيق الهدف الذي يبتغيه كل نظام قانوني ، لا الوسائل الفنية كالجزاءات التي اعدها القانون للوصول الى ذلك الهدف ، وهو معيار نسبي لأن مضمونه يتغير بتغير الزمان والمكان ، ثم انه معيار مرن يدرجه المشرع في التشريعات المختلفة ولايتناوله بالضبط والتحديد ولهذا اعتبر فكرة على بياض يتولى القاضي ملء مضمونها وفقاً للأفكار السياسية والاجتماعية السائدة وقت نظر النزاع ووفقاً لما يقتضيه حسن سير الحياة الاجتماعية .
أما الاداب العامة ،فهي مجموعة القيم والقواعد والمعايير الخلقية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي في زمان ومكان معينين .
وهي الاخرى معيار كلي مرن ونسبي، قوامه الاخلاق العامة التي تُمثل الضمير العام للجماعة ، فهي اذن فكرة اخلاقية نفذت الى الفكر القانوني فأكتسبت طابعاً عملياً ومن ثم ليست هي الاخلاق المثالية التي ينادي بها الفلاسفة ورجال الدين ، بل هي الاخلاق العملية المتوسطة التي تشمل ما يتصل بالناموس الادبي والمعيار الاخلاقي الذي تحرص الجماعة عليه في العلاقات بين الافراد فقط . وكلما اقترب المجتمع من التحضر اكثر ارتفع المعيار الخلقي وزاد التشدد فيه .
وبما ان نطاق القانون يختلف عن نطاق الاخلاق ، فأن الغرض الذي يستهدفه المشرع من تبنيه لفكرة الاداب العامة ليس الرغبة في الارتفاع بالجماعة الى مستوى الكمال الخلقي ، وانما يقصد بذلك الا يمنح حمايته للتصرفات التي تكون مخالفة للأداب .
وتعد فكرة النظام العام والاداب العامة المنفذ الذي تنفذ منه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية الى النظام القانوني لتلائم بينه وبين التطور الذي يمر به المجتمع في وقت معين .
واذا كانت فكرة النظام العام والاداب العامة فكرة مرنة معيارية تعطي القاضي سلطة واسعة في تحديد مضمونها نظراً لعدم ثبات هذا المضمون وتغيره في الزمان والمكان ، الا ان القاضي لا يملك ان يحل اراءه او معتقداته الشخصية محل معتقدات وقيم الجماعة نفسها ، ويعتبر تحديد مضمون النظام العام والاداب العامة مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة التمييز ، وفي ذلك ضمانة مهمة تَضمُن إقامة هذا التحديد على اسس موضوعية لا ذاتية .
ويَرد معيارا النظام العام والاداب العامة من حيث الصياغة في التشريع دون ضَبط وقد قصد بهما ان يكونا على هذا النحو من الغموض حتى يكملا ما فات القانون من نقص وقصور ، ويعطيا معايير واسعة لكل ما يجب اعتباره غير مشروع وباطل ولو لم يرد نص بتحريمه .
الفرع الرابع
تطبيقات حديثة لاثار البطلان
اولاً:البطلان ونظرية الموظف الفعلي
في نطاق القانون الاداري ، يُعد القرار الاداري المَعيب بِعَيب جسيم باطلاً بطلاناً مطلقاً ومنعدم ، لا اثر له قانوناً ويمكن لصاحب العلاقة بل عليه عدم طاعته او الالتزام به بل له ان يقاوم تنفيذه، والادارة من جانبها وهي تحاول تنفيذه تنفيذا مباشرا انما ترتكب بذلك اعتداءاً مادياً ،ومن ذلك صدور القرار من فرد عادي او بعبارة اخرى من مغتصب ومن ثم تكون قراراته منعدمة ولا اثر لها .
اما اذا كان مغتصب الوظيفة مما يصدق عليه وصف الموظف الفعلي فانه بالامكان تصحيح تلك النتائج لتجنب الاثار الجانبية التي تمس حقوق الغير حسني النية عند اقرار بطلان تصرفات مغتصب الوظيفة، ذلك ان تطبيق قاعدة ما بني على باطل فهو باطل في مثل هذه الاحوال قد يؤدي الى سقوط عدد لا يحصى من المراكز القانونية بما يتعارض مع مبدأ امن واستقرار المعاملات .
ومن ذلك، لو ان قاضياً وثق عقود الالاف من المتزوجين والدائنين او ان عميد كلية وقع الالاف من شهادات تخرج الطلبة وتبين بعد ردح من الزمن يطول او يقصر ان قرار تعيين كل منهم كان باطلاً او ان شهادتهم العلمية كانت مزورة وانهم كانوا مغتصبين للوظيفة ، فان تطبيق منطق قاعدة البطلان محل بحثنا حرفياً يؤدي الى سقوط جميع ما صدر منهم من تصرفات ومنها ما تم توثيقه على ايديهم من سندات ، وهكذا تجد الزوجات والدائنين والخريجين بين ايديهم فجأة سنداً لا قيمة له من الناحية القانونية ، لان ما بُني على باطل فهو باطل . ( 5)
ولتجاوز الاثارالجانبية الضارة التي تترتب على منطق البطلان ، فقد اوجد الفقه والقضاء نظرية الموظف الفعلي . فالموظف الفعلي او الواقعي في الظروف العادية هو ذلك الشخص غير المختص الذي لم يُقـَلد الوظيفة العامة اصلا اوكان قرار تقليده للوظيفة العامة معيباً من الناحية القانونية او كان موظفا وزالت عنه صفته الوظيفية لاي سبب كان ، والموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية هو من يباشر الوظيفة العامة تحت ضغط ظروف استثنائية او دوافع سياسية او اجتماعية او بدافع المصلحة الوطنية وبهدف عدم توقف المرافق العامة الحيوية وخاصة في اوقات الحروب وغياب السلطات العامة او انحسارها ، والاصل اعتبار قراراته التي يتخذها منعدمة وباطلة قانونا لانها صادرة من غير مُختص الا ان الفقه والقضاء ولإعتبارات تتعلق باستقرار المراكز القانونية وضرورة سير المرافق العامة بصفة منتظمة اعترف بصحة هذه القرارات ضمن شروط معينة وتتخلص هذه الشروط في قيام فكرة الظاهر بأن تكون عملية تَقلد هذا الشخص للوظيفة مُتسِمة بمَظهر المعقولية وهذا يعنى ان من يتولى وظيفة معينة على اساس من عمل منعدم وهو القرار المتسم بالمخالفة الجسيمة والواضحة كل الوضوح لا يمكن ان يكون موظفاً فعلياً ومن ثم تكون قراراته منعدمة .
ثانياً: البطلان في القانون الدولي الخاص
في اطار تنازع القوانين ، يُطبق القاضي الوطني قانوناً اجنبياً على العلاقات القانونية المَشوبة بعنصر اجنبي التي ينظمها القانون الخاص كالقانون المدني والقانون التجاري و قانون الاحوال الشخصية .
فلو تنازع زوجان ايطاليان بشأن عقد زواجهما وكانا يقيمان في العراق واقام احدهما الدعوى امام محكمة عراقية ، فإن القاضي يطبق بشأن ذلك النزاع قانونهما الشخصي اي قانون الاحوال الشخصية الايطالي (6) ، ولكن قد يحصل ان التصرف القانوني الذي يقره القانون الاجنبي يعتبر باطلاً في قوانين دولة القاضي الوطني الذي ينظر في النزاع لمخالفته للنظام العام ، وعلى هذا الحال كانت المحاكم الوطنية تقضي ببطلان مثل هذه التصرفات ولا تُرتب عليها اية حقوق للاجنبي .
وعلى سبيل المثال ، فقد استقرت احكام القضاء الانجليزي سابقاً على عدم الاعتراف بنظام تعدد الزوجات وكان يصفه بانه زواج مُزيف غير شرعي من ثم لا يُعترف بأية حقوق للزوجة الثانية وابنائها كالبنوة للأب والميراث .
الا ان هذا الوضع ، وخاصة بعد ازدياد عدد الاجانب ومنهم المسلمين في انكلترا وفي غيرها من الدول الغربية ، فقد اخذ الفقه والقضاء بالبحث عن حلول تنسجم مع روح العدالة ولو تعارضت نسبياً مع منطق البطلان ، وهكذا ظهرت عدة نظريات فقهية تبنت حلولا مختلفة ، والاتجاه السائد حالياً يذهب الى احلال الاحكام الموضوعية لقانون القاضي محل الاحكام الموضوعية للقانون الاجنبي الذي تعتبر باطلة في نظر قانون القاضي الذي ينظر في النزاع ويقتصر عدم تطبيق القانون الاجنبي على تلك الاحكام التي تتعارض مع النظام العام لدولة القاضي .
وهكذا بدأ القضاء الانجليزي يميز بين دور النظام العام ومايرتبه من بطلان عند انشاء الحق في بلد خارج انكلترا ودور النظام العام عند التمسك بآثار ذلك الحق في انكلترا ، فقرر احترام اثار الحق المكتسب في الخارج االناشيء بمقتضى القانون الاجنبي المختص حتى لو كان القانون الانكليزي لا يسمح بإنشاء مثل هذا الحق ، وتطبيقاً لذلك اخذ القضاء الانكليزي بالتمييز بين الحق في الزواج بأكثر من واحدة وهذا غير جائز في انكلترا ،وبين إثار ذلك الزواج فاعترفوا بآثاره كلما نشأ خارج انكلترا وبمقتضى نظام يجيز تعدد الزوجات ، وهكذا اعترف بحقوق الزوجة الثانية وحق ابنائها في ارث والدهم .
الا ان الاعتراف بالحقوق المكتسبة ماهو الا تلطيف لمفعول النظام العام ، ولا يعني بأية حال من الاحوال استبعاداً كلياً لفكرة الدفع بالبطلان في جميع الاحوال بالنسبة لاية حقوق مكتسبة في الخارج ، فاذا كان التعارض مع النظام العام مفرطاً بحيث يظهر بحد ذاته متضمناً اعتداءاً على النظام العام في دولة القاضي فلا يمكن والحالة هذه احترام الحق المكتسب في الخارج .
فلو نشأ نزاع عن زواج شاذ بين مثلييَن ، الذي تعترف به بعض القوانين ، وعرض النزاع امام محكمة عراقية ، فإن القاضي العراقي يرد الدعوى، حيث لا يمكن له ان يعترف بمثل هذا الزواج ويعتبره باطلاُ ولا يلطف مفعول بطلانه بأية صورة من الصور لتعارضه مع احكام الشريعة الاسلامية والنظام العام والاداب العامة في العراق بشكل مفرط .
الفرع الرابع
الشريعة الإسلامية والبطلان
تنظم الشريعة الإسلامية أحكام العقيدة والعبادات والمعاملات، وفي اطار العقيدة والعبادات ، فان الباطل من الناحية الشرعية ، هو الضلال الذي يقابل الحق والهدى، ويترتب على ذلك ان كل ما عدا الحق والهدى فهو باطل وضلال، كما قال تعالى (فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون..) .(7)
وكذلك قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق…. ) .(8)
الا ان الشريعة الاسلامية الغـَراء تميزت بين جميع الشرائع ، بقصب السبق، في انها رفعت البطلان وحكمه الشرعي عند توفر اسباب معينة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وضع عن هذه الامة ستة : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا عليه . )
وعن ابن ظبيان قال، أتي عمر رضي الله عنه بامرأة مجنونة قد فـَجرت، فأمر برجمها، فمروا بها على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: ما هذه ؟ قالوا: مجنونة فجرت فأمر بها عمر أن ترجم ; قال: لا تعجلوا، فأتى عمر فقال له: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ؟ . فوافقه عمر رضي الله عنه على ذلك.
في نطاق المعاملات:
يعتبر فقهاء الشريعة الاسلامة عامة من الرواد الذين تبنوا ، تلطيف مفعول اثر البطلان ،وهو العدم ، استنباطا ًمن الآيات الكريمة واقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، لاسباب شرعية تتعلق بمراعاة الظروف الانسانية المقهورة والأخذ باسباب الرحمة والظروف القاهرة التي احاطت باطراف البطلان او ماخلفته هذه الظروف من وقائع تتطلب حلولا خاصة ، وفي ضوء ذلك رتبوا اثارا عرضية على بعض التصرفات الباطلة .
فقد تبنى فقهاء الشريعة مايعرف في الفقه القانوني المعاصر بنظرية انتقاص العقد
من ذلك ان عقد الزواج غير الصحيح في الشريعة الاسلامية لاينتج اثار الزواج الصحيح ، كوجوب النفقة وحق التمتع والتوارث ، ولكن فقهاء الشريعة الغراء رتبوا عليه اثارا عرضية، خلافا لمنطق البطلان الجامد، كوجوب العِدة نتيجة الدخول ووجوب المهر كتعويض عن الدخول وسقوط الحد (العقوبة) للشُبهة ، والبنوة رعاية للولد . واذا سمي للمهر مايحل وما يحرم ، فلا يبطل كله ، وانما الجزء الذي وقع فيه البطلان ، كأن تزوجها على عشرة دراهم ودِن من الخمر ، فلها العشرة وبَطـُل الخمر ، ولو اوصى لأجنبي ووارثهِ فللأجنبي نصفها وبطلت بالنسبة للوارث . وإذا جمع في البيع وقف وملك لا يسري الفساد الى الملك ، وإذا شرط الخيار في البيع اكثر من ثلاثة ايام فإنه يصح في الثلاثة ويبطل فيما زاد .
ومن جانب اخر تبنى فقهاء الشريعة الاسلامية مايعرف في الفقه القانوني المعاصر بنظرية تحول العقد ، ومن امثلة ما قرره فقهاء الشريعة انه اذا اعاره شيئاً واشترط عليه العوض صح وانقلب العقد الى قرض فيملكه بالقبض، وإذا قال خذ هذا المال مضاربة والربح لك كان قرضاً وإذا اجره الأرض بثلث ما يخرج منها كان اجارة باطلة وتحول العقد الى مزارعة .
وعلى هذا الحال فان نظريتا انتقاص العقد و تحول العقد اللتان تبناهما الفقه الغربي في العصور الحديثة تعودان بأصلهما الى فقه الشريعة الاسلامية الغراء .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ
(1) البقرة ـ الاية 42 ، الانفال ـ الاية 8.
(2) ـ يعتبر تقديم المشورة القانونية او العلمية لمن يطلبها امانة ثقيلة ، والكذب والتزوير فيها خيانة للأمانة ، لما يترتب على هذه الخيانة من سقوط لضحايا ولحقوق للناس، فكانت عقوبتها الاخروية شديدة واشارت اليها النصوص القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة . قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:27-28)…. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المستشار مؤتمن، فإن شاء أشار، وإن شاء سكت، فإن شاء فليشر بما لو نزل به فعله( وقال (من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ).
(3) ـ الالتزام الطبيعي : الاصل ان يجتمع عنصرا المديونية والمسؤلية في كل التزام . ويسمى الالتزام عندئذ بالالتزام المدني . ويبدو عنصر المديونية في صورة قيام المدين بتنفيذ التزامه . فإذا قام المدين بالوفاء انقضى التزامه . اما اذا لم يقم بالوفاء ، فإن عنصر المسؤولية ينهض عندئذ وتجبره السلطة العامة على الوفاء بما التزم . اما اذا تخلف عنصر المسؤلية ، اعتبر الالتزام ناقصا وسمي بالالتزام الطبيعي وفيه يبرز عنصر المديونية الذي يقتضي من المدين الوفاء بأرادته ، اما اذا امتنع عن الوفاء فلا يمكن اجباره على الوفاء لتخلف عنصر المسؤلية في هذا النوع من الالتزام ، ويتحول الالتزام المدني الى التزام طبيعي لاسباب قانونية متنوعة منها الالتزامات الطبيعية الناشئة عن دفع المدين بانقضاء الالتزام بالتقادم او بقوة اليمين الحاسمةً او بحجية الشيء المقضي فيه .
(4) ـ الخلف العام والخلف الخاص : الخلف العام هو من يخلف غيره في ذمته المالية كلها او في جزء شائع منها ، كالثلث والربع والنصف . فيشمل ذلك الوارث والموصى له بجزء شائع من التركة كالثلث . والخلف العام يخلف سلفه بمقتضى أحكام الميراث والوصية ، فمن الطبيعي أن يتأثر بالعقود التي ابرمها سلفه .
أما الخلف الخاص فهو من يتلقى من غيره ملكية شيء معين بالذات او حقاً عينياً على هذا الشيء . فالمشتري يعتبر خلفاً خاصاً للبائع والموهوب له يعتبر خلفاً خاصاً للواهب والمرتهن يعتبر خلفاً خاصاً للراهن . ومن الطبيعي ان لايتأثر الخلف الخاص بكل تصرفات سلفه ، بل يتأثر بالتصرفات الصادرة من سلفه والتي تتعلق بالشيء الذي انتقل اليه منه ، كما يجب ان يكون التصرف صادراً من سلفه قبل انتقال الشيء اليه . مثال ذلك ما اذا رهن شخص داره عند المصرف العقاري ثم باعها ، فالدار تنتقل الى المشتري وهي مرهونة .
(5) ـ ومن الوقائع التي مرت بنا ،ان ادارة كلية القانون اكتشفت اثناء ادخال المعلومات في الحاسوب ان طالباً في مرحلة الماجستير كان مكملاً في احد الدروس في المرحلة الثالثة وبسبب خطأ في نقل الدرجات في حينها ابلغ انه من الناجحين وهكذا انتقل للمرحلة الرابعة وتخرج بتفوق ومن ثم قـُبلَ في الدراسات العليا . وثار جدل عميق بين اساتذة الكلية حول الاجراء الذي ينبغي اتخاذه ، وتبنى البعض مقولة ما بني على باطل فهو باطل ومن ثم ينبغي ان يلغى امر تخرجه ويعاد للمرحلة للثالثة ليكمل دراسته من جديد ، الا ان استاذنا الفاضل الدكتور (عصام البرزنجي) تصدى لهذا الرأي بحزم وسأل اصحاب الرأي المتزمت ابتداءاً سؤالا احرجهم قائلاً ، ماذا لو كان هذا الطالب ابن احدكم ؟ هل كنتم تعاملتم معه بهذه القسوة ؟ وهنا لم ينتظر استاذنا اجابة من احد واستدرك قائلاً انا اقترح ان نطبق ما ندرسه لطلبتنا وهو موضوع تلطيف مفعول البطلان بأن يكلف الطالب المقصود باداء امتحان الدرس الذي اكمل فيه في المرحلة الثالثة فان نجح فيه يستمر في دراسته العليا . وقد أيد هذا الرأي اغلب الاساتذة وفعلا ادى الطالب الامتحان ونجح فيه ومن ثم تابع مشوراه العلمي في الدراسات العليا حتى تخرجه .
(6) ـ نصت المادة (19) مدني عراقي على انه ( 1ـ يرجع في الشروط الموضوعية لصحة الزواج الى قانون كل من الزوجين ،اما من حيث الشكل فيعتبر صحيحاً الزواج ما بين اجنبيين او ما بين اجنبي وعراقي اذا عقد وفقاً للشكل المقرر في قانون البلد الذي تم فيه ، او اذا روعيت فيه الاشكال التي قررها قانون كل من الزوجين ) .
(7) ـ يونس ـ الاية 32.
(8) ـ الأنبياء ـ الاية 18. وقال البيضاوي في قوله : ( فيدمغه ) أي فيمحقه وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمي ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لابطاله ، ومبالغة فيه ( فإذا هو زاهق ) هالك ، والزهوق : ذهاب الروح ، وذكره لترشيح المجاز .
منقول للامانة العلمية
ارفع الصور من مركز تحميل البوابة
– الأسباب التي أهلتها هي: تنوع مادتها و رخص أسعارها
– أقبل القراء على الصحافة لرخص أسعارها و بعرضها كل مادتها الغنية بطرق فنية مختلفة
– المراحل التي مرت بها الصحافة: مرحلة تهتم فيها بالمقالة أكثر من الخبر – مرحلة التكافؤ – مرحلة الاهتمام بالخبر على حساب المقالة
مناقشة معطيات النص:
– رغم بروز وسائل إعلام جديدة حلت مكان الصحافة كالتلفزة و الانترنت إلا أن دور الصحافة لا يزال كبيرا لأنها في متناول الجميع
الاستخلاص و التسجيل:
إن الصحافة الجيدة هي التي ترفع الجمهور و لا تنزل إليه ….. إنها أداة إرشاد و تثقيف و تعليم …. و لن يتم لها ذلك إلا إذا عنيت بالقيم الحقيقية و باللباب دون القشور و قد لعبت الصحافة دورا رئيسيا في الارتقاء بفن المقالة و نشرها منذ فجر النهضة إلى يومنا هذا متخذة في ذلك مسارات متعددة و مارة بأطوار مختلفة
اللغة والفكر
مقالة جدلية حول العلاقة بين الإنسان على التفكير وقدرته على التعبير
المقدمة :
طرح الإشكالية
يعتبر التفكير ميزة أساسية ينفرد بها الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى ومن
منطلق أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فإنه يحتاج ولا شك إلى وسيلة إلى
الاتصال والتواصل مع غيرك من الناس وللتعبير عن أفكاره وهذا ما يعرف في
الفلسفة بالغة فإذا كنا أمام موقفين متعارضين أحد هما يرى أن العلاقة اللغة
بالفكر انفصال والأخر يرى أنها علاقة اتصال فالمشكلة المطروحة هل العلاقة
بين اللغة والفكر علاقة اتصال أم انفصال ؟
التحليل:
عرض الأطروحة الأولى
ترى هذه الأطروحة(الاتجاه الثنائي) أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة
انفصال أي أنه لايوجد توازن بين لا يملكه الإنسان من أفكار وتصورات وما
يملكه من ألفاظ وكلمات فالفكر أوسع من اللغة أنصار هذه الأطروحة أبو حيان
التوحيدي الذي قال << ليس في قوة اللغة أن تملك المعاني >>
ويبررون موقفهم بحجة واقعية إن الإنسان في الكثير من المرات تجول بخاطره
أفكار لاكته يعجز عن التعبير عنها ومن الأمثلة التوضيحية أن الأم عندما
تسمع بخبر نجاح ابنها تلجأ إلى الدموع للتعبير عن حالتها الفكرية والشعورية
وهذا يدل على اللغة وعدم مواكبتها للفكر ومن أنصار هذه الأطروحة الفرنسي
بركسون الذي قال << الفكر ذاتي وفردي واللغة موضوعية واجتماعية
>>وبهذه المقارنة أن اللغة لايستطيع التعبير عن الفكر وهذا يثبت
الانفصال بينهما . النقد
هذه الأطروحة تصف اللغة بالعجز وبأنها تعرقل الفكر لكن اللغة ساهمت على
العصور في الحفاظ على الإبداع الإنساني ونقله إلى الأجيال المختلفة .
عرض الأطروحة الثانية
ترى هذه الأطروحة (الاتجاه الو احدي ) إن هناك علاقة اتصال بين اللغة
والفكر مما يثبت وجود تناسب وتلازم بين ماتملكه من أفكار وما تملكه من
ألفاظ وعبارات في عصرنا هذا حيث أثبتت التجارب التي قام بها هؤلاء أن هناك
علاقة قوية بين النمو الفكري والنمو اللغوي وكل خلل يصيب أحداهما ينعكس
سلبا على الأخر ومن أنصار هذه الأطروحة هاملتون الذي قال << الألفاظ
حصون المعاني وقصد بذلك إن المعاني سريعة الظهور وسريعة الزوال وهي تشبه في
ذلك شرارات النار ولايمكن الإمساك بالمعاني إلا بواسطة اللغة>>
النقد
هذه الأطروحة ربطت بين اللغة والفكر لاكن من الناحية الواقعية يشعر أكثر
الناس بعدم المساواة بين قدرتهم على التفكير وقدرتهم على التعبير .
التركيب : الفصل في المشكلة
تعتبر مشكلة اللغة والفكر أحد المشكلات الفلسفية الكلاسيكية واليوم يحاول
علماء اللسانيات الفصل في هذه المشكلة بحيث أكدت هذه الدراسات أن هناك
ارتباط وثيق بين اللغة والفكر والدليل عصر الانحطاط في الأدب العربي مثلا
شهد تخلفا في الفكر واللغة عكس عصر النهضة والإبداع ومن المقولات الفلسفية
التي تترجم وتخلص هذه العلاقة قول دولا كروا << نحن لانفكر بصورة
حسنة أو سيئة إلا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة >>
الخاتمة: حل الإشكالية
وخلاصة القول أن اللغة ظاهرة إنسانية إنها الحل الذي يفصل بين الإنسان
والحيوان ولا يمكن أن نتحدث عن اللغة إلا إذا تحدثنا عن الفكر وكمحاولة
للخروج من الإشكالية إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر نقول أن الحجج
والبراهين الاتجاه الو احدي كانت قوية ومقنعة ومنه نستنتج العلاقة بين
العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تفاعل وتكامل
السؤال / فند الرأي القائل أن ( اللغة تعيق التفكير)
استقصاء بالرفع
المقدمة/ أبطال رأي يبدو سليما /يعتبر الإنسان كائن اجتماعي بالطبيعة ، يعيش وسط جماعة من الناس يتواصل معهم بواسطة أداة اكتسبها من المجتمع تسمى اللغة ،غير أن البعض يشكك في أهمية اللغة ويعتبرها عائق يعرقل حركة التفكير ، فكيف نبطل هذا الرأي ونزيل ذلك الشك ؟
عرض منطق الأطروحة/ ترى الأطروحة إن اللغة تعيق التفكير ، بمعنى إن الألفاظ التي نستعملها أثناء الكلام لا تعبر عن حقيقة ما لدينا من مشاعر ومعاني وخواطر ورغبات ، فاللغة حسب الأطروحة ليست في مستوى الفكر ،و لا تناسب بين قدرة الإنسان على الفهم وقدرته على التعبير ،لكن أرى أن منطق هذه الأطروحة غير سليم
إبطال الأطروحة / إن اللغة ليست عائق بل أداة تفكير ،والمحرك لعمليات الاستدلال ، ولا معنى للفكرة بدون الكلمة التي تعبر عنها
– لا يمكن أن نتصور شيئ ليس له اسم ، أو نفكر بلغة نجهلها
– إننا نحكم على سلامة الأفكار من خلال سلامة اللغة يقول زكي نجيب محمود" إن العبارة المستقيمة المؤسسة فكرة واضحة ذات معنى ، أما العبارة الملتوية فكرة غامضة لا معنى لها"
– دلت الأبحاث في علم النفس أن اكتساب اللغة في سن مبكرة يطور الوظائف العقلية
– الطفل يتعلم التفكير عندما يبدأ الكلام
– دلت الأبحاث العلمية التي أجريت عل ظاهرة الأفازيا Aphasie أن المرض اللغوي هو في الحقيقة مرض عقلي
الاتجاه الواحدي يعتبر اللغة و الفكر مظهرين لعملية نفسية واحدة ، فهما متصلان كاتصال وجهي القطعة النقدية و من أنصار هذا الموقف لافيل Lavelleالذي يقول" ليست اللغة ثوب الفكر بل جسده" )
ويقول ميرلوبونتي( الفكر لا يوجد خارج العالم وبمعزل عن الكلمات)
–
نقد أنصار الأطروحة/
أنصار الأطروحة هم الحيويون أو أصحاب الاتجاه الثنائي مثل هنري برغسون الذين فصلوا الفكر عن اللغة ، واعتبروا اللغة عائق كما يتضح في قول برغسون (ان اللغة عاجزة عن وصف المعطيات المباشرة للحدس وصفا حيا ) بحجة أن القول مهما بدى جميلا لا يرقى الى مستوى الشعور لذلك يلجأ البعض إلى استعمال وسائل بديلة كالرسم و الموسيقى. و الكلمات تأتي غير متوافقة ومتأخرة ففي ذروة الألم كما يقولون لا نملكغير الصياح فقط، ولا نتكلم عن الألم لنصفه،. وهذا يعني أن الأحاسيس المرهفة والمشاعر الجياشة تتجاوز حدود اللغة لكن هذا الموقف غير سليم ولا يعكس الحقيقة
النقد/ فإذا كان التفكير ذاته هو حوار يجريه الإنسان مع نفسه ، فهذا دليل على أن حركته مرهونة بوجود اللغة ، و أن لا أسبقية بينهما ، ثم أن مشكلة العجز عن التعبير ليست مطروحة عند جميع الناس. فالبعض يحسن التعبير ، والبعض الآخر يعجز لافتقاره الرصيد اللغوي .فالمشكلة اذن لا تتعلق بطبيعة اللغة ، وإنما بطبيعة المتحدث.
الخاتمة/ التأكيد على مشروعية الإبطال /
يتضح مما سبق أن الإنسان لا يستطيع أن يفكر بدون لغة ، والكلمة هي التي تعطي للفكر وجوده الأسمى والأصح وصدق من قال ( الألفاظ حصون المعاني ) ومنه نحكم على الأطروحة القائلة ( اللغة تعيق التفكير ) بأنها باطلة و لا يمكن تبنيهـــــــا
ج-ف
مشكور على المقال وننتظر المزيد كشرا مرة اخرى
أستاذ فيصل رغم أني لم أرى الكثير من مقلاتك إلا أني إستفدت مما قرأت وأنا أشكرك كثيييييييييييييييييرا وأحب أن
أقول لك أن أسلوبك في كتابة المقالة رائع أنت حقا تستحق الثناء وسأكون من أكثر المتبعين لمقلاتك شكرا.
**ا- الاتجاه الثنائي/ يفصل بين الفكر و اللغة ، و من أنصاره الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون H.Bergson . من الأدلة المدعمة لهذا الموقف مايلي : 1/ أن نشاط الفكر متقدم عن اللغة ، فنحن نفكر ثم نتكلم و لا يمكن أن نفكر و نتكلم في نفس الوقت ، و أحيانا نتوقف عن الكلام بحثا عن الألفاظ المناسبة ، فالتفكير دائما أسبق. 2/ إن عالم الأفكار أوسع من عالم الألفاظ و أكثر تطورا ، الكثير من الأفكار و المعاني تخطر ببالنا و لا نجد الكلمات المناسبة للتعبير عنها ، ، كالمشاعر الجياشة و معاني الحب و الإيمان و الألم إن الكلمات لاتأتي فقط غير متوافقة بل ومتأخرة أيضا : ففي ذروة الألم لانملك غير الصياح فقط، ولا نتكلم عن الألم لنصفه، أو بالأحرى لنصف ذكرياته ومخلفاته إلا بعد هدوئه أو زواله . لذلك يلجأ البعض إلى استعمال وسائل بديلة كالرسم و الموسيقى للتعبير عن مشاعرهم و معاناتهم الداخلية لذلك قيل " ان أجمل الأشعار هي التي لا يمكن التعبير عنها" هذا ما جعل برغسون يعتبر اللغة عائق يعرقل حركة الفكر يقول " إن اللغة عاجزة عن وصف المعطيات المباشرة للحدس وصفا حيا " 3/ الفكر أعمق لأنه يتسع باتساع الحياة الشعورية و اللاشعورية ، يمتد الى الميول و الرغبات و النزوات الداخلية و الأسرار الذاتية ، بينما اللغة شيء سطحي يتعلق بالعالم الخارجي .4/ إن الفكر بنية موحدة ، و تصوراتنا عن الأشياء متماثلة ، بينما اللغة ليست واحدة ، فالناس يعبرون عن الأشياء بلغات مختلفة .
النقد/ إذا كان التفكير ذاته هو حوار يجريه الإنسان مع نفسه ، فهذا دليل على أن حركته مرهونة بوجود اللغة ، و أن لا أسبقية بينهما ، ثم أن مشكلة العجز عن التعبير ليست مطروحة عند جميع الناس.
**ب- الاتجاه الواحدي / يوحد بين الفكر و اللغة ، و يعتبرهما مظهرين لعملية نفسية واحدة ، فهما متصلان كاتصال وجهي القطعة النقدية و من أنصار هذا الموقف لافيل Lavelle الذي يقول" ليست اللغة ثوب الفكر بل جسده" و من أدلتهم 1/ أن أداة التفكير هي اللغة فلا يمكن أن نتصور شيئ ليس له إسم ، أو نفكر بلغة نجهلها ، ، كذلك عندما نسمع كلمة مجهولة لا تتكون في أذهاننا أية فكرة .و كل تغيير في حركة التفكير يستدعي تغيير الألفاظ المستعملة 2/ إننا نحكم على سلامة الأفكار من خلال سلامة اللغة ، فالشخص الذي لا يتقن قواعد اللغة ، و الفقير من حيث الرصيد اللغوي ، تكون افكاره متذبذبة و فقيرة ايضا . يقول زكي نجيب محمود" إن العبارة المستقيمة المؤسسة فكرة واضحة ذات معنى ، أما العبارة الملتوية فكرة غامضة لا معنى لها" 3/ لقد دلت الأبحاث في علم النفس أن اكتساب اللغة في سن مبكرة يطور الوظائف العقلية كالذكاء و الذاكرة و الخيال ،و تضعف هذه الوظائف اذا تأخر الطفل في اكتساب اللغة . كما دلت الابحاث العلمية التي أجريت عل ظاهرة الأفازيا Aphasie أن المرض اللغوي هو في الحقيقة مرض عقلي .هذا ما جعل وليام هميلتونW.Hamilton يشبه تلك العلاقة العضوية بين الفكر و اللغة بورقة يكون الكلام وجهها و التفكير ظهرها ، بحيث يستحيل قطع وجه الورقة من دون أم نقطع ظهرها . و يتضح ذلك في قول الفيلسوف الألماني هيجل Hegell " إن الرغبة في التفكير دون كلمات لمحاولة عديمة المعنى ، فالكلمة هي التي تعطي للفكر وجوده الأسمى و الأصح"
النقد / إن الذي لا يتكلم لا يعني أبدا أنه لا يفكر ، و نحن بالرغم من أننا نتكلم لغة واحدة نختلف كثيرا في أفكارنا مما يدل أن للتفكير منطق خاص يختلف عن منطق اللغة
اللغة و إن كانت لا تترجم أحيانا حقيقة المعاني التي تدور في النفس و إن كانت أيضا لا تدرك الجوانب الخفية من الفكر إلا أنها تجرده من الطابع الذاتي والانفعالي و تكسيه حلة اجتماعية و طابعا موضوعيا يقبل الوصف و التحليل ،فهي قبل كل شيء وسيلة التفاهم التخاطب بين الناس و أداة للتعبير عن الأفكار و المشاعر وهي تسعى دائما إلى التطور مع ظهور كلمات و مصطلحات جديدة حتى ترقى إلى مستوى الفكــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
الاستاذ ج- فيصل يتمنى لكم كل النجاح و التوفيق ان شاء الله
شكرا جزيلا هذا ماكنت ابحث عنه
بارك الله فيك
merci ………………..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من فضلك يا أستاذ أريد درس اللغة و الفكر كاملا و بطريقة يسيرة سهلة الفهم،أرجوك يا أستاذ.
باركـ الله فيك أستاذنا الفاضل.
بارك الله فيك
من المواقف الفلسفية التي تعرضت لمشكلة تبادلية اللغة والفكر الاتجاه الثنائي. اذ يعتقد بعض المفكرين الثنائي وعلى راسهم برغسون .ان هناك عدم تناسب بين اللغة والفكر فالانسان يمتلك من الافكار والمعاني والدلالات . ما لا تستطيع الفاظ اللغة استيعابها التعبير عنها . فيبقى الكثير منها مستعصيا عن التعبير لذى قيل اللغة تعرقل الفكر وتجمد حيويته
انطلق اصحاب هذه النزعة من المسلمة القائلة :< ان اللغة طابعها مادي منفصل . والفكر طابعه روحي منفصل>
مايبرر وجهة نظر هذه النظرية والتي تفصل بين اللغة والفكر ان اللغة مجرد اداة في يد الفكر بدلالة اننا نجد في انفسنا كثير من المعاني العاطفية والجمالية التي تكون مستعصية على التفكير بالاضافة الى ذلك ان كلمات اللغة محدودة بينما المعاني والافكار ممتدة وغير نهائية لذا قيل : الالفاظ قبور المعاني.
وتعزيزا للبرهنة السابقة نلاحظ عدم تناسب اللغة مع الفكر تبرره الكثير من الادلة من بينها ان الفكر متقدم عن اللغة اي انه سابق في وجودها عنها ان يعتبر شرطا اساسيا لوجودها . وعليه نلاحظ على مستوى الواقع وجود تفاوت بين قدراتنا على الفهم وقدراتنا على التبليغ فالمرئ يملك الكثير من المعاني والتصورات مالايستطسع التعبير عنه والمثال التالي يوضح ذلك:
-فبعض الادباء لديهم ثروة لغوية هائلة لكنهم يجدون صعوبة في التعبير عن افكارهم. يقول برغسون : <اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر>
غير ان وجهة النظر هذه رفضها انصار الاتجاه الاحادي حيث نادى هؤلاء بوجود تناسب بين اللغة والفكر فهما شيئ واحد ولا يمكن ان نفصل بينهما .فهما متداخلان ومتلاحمان .
وعلى الرغم من ان اللغة تؤثر في الفكر وتتاثر به والا ان هذا لا يمنع من وجود تمايز بينهما يجعل كثير من الاحيان عاجزة عن استيعابه وهذا مايلاحظ عندما يتردد الكاتب او المتكلم .فيتوقف ليبحث عن الكلمات المناسبة لاداء المعنى المقصود كما ان الكثير من الناس قدرتهم على الفهم لاتتناسب مع قدرتهم على التبليغ حيث نفهم الكثير من المعاني ولكننا لانستطيع التعبير عنها لهذا قيل :<اجمل الاشعار تلك التي لا نكتبها>
وعليه نستنتج من خلال تحليلنا السابق ان الاطروحة القائلة:<اللغة عاجزة عن استيعاب افكارنا> صحيحة ومشروعة ويحق لنا الدفاع عنها وتبنيها
شكرا وجزاكي الله ألف خير أتمني منك المزيد من المقالات
السلام عليكم
بارك الله فيك و جعلها في ميزان حسناتك
انا اعتدر ان لم اوفيكم بباقي المقلات ولكن انا الان منشغلة بالتحضير للبكالوريا