السيرة النبوية الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
السيرة النبوية الشريفة
منقول
لماذا ندرس السيرة النبوية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا ندرس السيرة النبوية ؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصورة العملية التطبيقية لهذا الدين،
ويمتنع أن تعرف دين الإسلام ويصح لك إسلامك بدون معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف كان هديه وعمله وأمره ونهيه.
لقد سالم وحارب، وأقام وسافر، وباع واشترى، وأخذ وأعطى،
وما عاش صلى الله عليه وسلم وحده، ولا غاب عن الناس يوماً واحداً، ولا سافر وحده.
وما أصيب المسلمون إلا بسبب الإخلال بجانب الاقتداء به صلى الله عليه وسلّم،
والأخذ بهديه، واتباع سنته، وقد قال الله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
حتى اكتفى بعض المسلمين من سيرته صلى الله عليه وسلّم بقراءتها في المنتديات والاحتفالات ،
ولا يتجاوز ذلك إلى موضع الاهتداء والتطبيق….
وبعضهم بقراءتها للبركة أو للاطلاع على أحداثها ووقائعها أو حفظ غزواته وأيامه وبعوثه وسراياه.
وهذا راجع إما لجهل بأصل مبدأ الاتباع والاهتداء والاقتداء ،
وعدم الإدراك بأن هذا من لوازم المحبة له صلى الله عليه وسلم،
وإما لعدم إدراك مواضع الاقتداء من سيرته صلى الله عليه وسلم نظراً لضعف الملكة في الاستنباط ،
أو لقلة العلم والاطلاع على كتب أهل العلم.
وهنا تأتي أهمية استخراج الدروس واستنباط الفوائد والعظات واستخلاص العبر من سيرته صلى الله عليه وسلم.
إن السيرة النبوية لا تدرس من أجل المتعة في التنقل بين أحداثها أو قصصها،
ولا من أجل المعرفة التاريخية لحقبة زمنية من التاريخ مضت،
ولا محبة وعشقاً في دراسة سير العظماء والأبطال،
ذلك النوع من الدراسة السطحية إن أصبح مقصداً لغير المسلم من دراسة السيرة،
فإن للمسلم مقاصد شتى من دراستها، ومنها:
أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو محل القدوة والأسوة،
وهو المشرع الواجب طاعته واتباعه قال تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجٌو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}
(الأحزاب: 21)،
وقال تعالى:
{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور: 54)،
وقال:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله} (النساء: 80)،
وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}
(آل عمران: 31).
فهو التجسيد العملي والصورة التطبيقية للإسلام،
وبدونها لا نعرف كيف نطيع الله تعالى ونعبده.
فسيرته صلى الله عليه وسلم يستقي منها الدعاة أساليب الدعوة ومراحلها،
ويتعرفون على ذلك الجهد الكبير الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل إعلاء كلمة الله،
وكيف التصرف أمام العقبات والصعوبات والموقف الصحيح أمام الشدائد والفتن.
ويستقي منها المربُّون طرق التربية ووسائلها.
ويستقي منها القادة نظام القيادة ومنهجها.
ويستقي منها الزهَّاد معنى الزهد ومقاصده.
ويستقي منها التجَّار مقاصد التجارة وأنظمتها وطرقها.
ويستقي منها المبتلون أسمى درجات الصبر والثبات وتقوى عزائمهم على السير على منهجه والثقة التامة بالله عز وجل بأن العاقبة للمتقين.
ويستقي منها العلماء ما يعينهم على فهم كتاب الله تعالى،
ويحصلون فيها على المعارف الصحيحة في علوم الإسلام المختلفة،
وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وأسباب النـزول وغيرها وغيرها من المعارف والعلوم.
وتستقي منها الأمة جميعاً الآداب والأخلاق والشمائل الحميدة.
ولهذا قال ابن كثير:
«وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به، والاعتبار بأمره، والتهيؤ له،
كما رواه محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي عن أبيه سمعت علي بن الحسين يقول:
كنا نعلم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن.
قال الواقدي: وسمعت محمد بن عبدالله يقول: سمعت عمي الزهري يقول:
في علم المغازي علم الآخرة والدنيا» .
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص:
«كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا،
ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها».
لقد خلف التاريخ عظماء وملوكاً وقُوَّاداً، وشعراء، وفلاسفة،
فمن منهم ترك سيرة وأسوة يؤتسى بها في العالمين؟
لقد طوى التاريخ ذكرهم فلم يبق منه شيء وإن بقيت بعض أسمائهم.
لقد أصبحت سير كثير من العظماء أضحوكة للبشر على مدار التاريخ كله ،
فأين نمرود الذي قال لإبراهيم:
{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}؟! (البقرة: 258)
وأين مقالة فرعون وشأنه الذي قال:
{أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات: 24)،
وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}؟! (القصص: 38).
إن هؤلاء العظماء في زمانهم يسخر منهم اليوم الصغير والكبير والعالم والجاهل،
فإن كانوا دلسوا على أقوامهم في زمنهم واستخفوا بهم فأطاعوهم؛
فقد افتضح أمرهم بعد هلاكهم، وأصبحوا محل السخرية على مدار الزمان.
إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بإخراج الناس من ظلمات الشرك والأخلاق وفساد العبادة والعمل
إلى نور التوحيد والإيمان والعمل الصالح:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}
(الأحزاب:45-46)
ثانياً:ندرس السيرة ليزداد إيماننا ويقيننا بصدقه،
فالوقوف على معجزاته ودلائل نبوته مما يزيد في الإيمان واليقين في صدقه صلى الله عليه وسلم،
فدراسة سيرته العطرة وما سطرته كتب السيرة من مواقف عظيمة،
وحياة كاملة كريمة، تدل على كماله ورفعته وصدقه.
ثالثاً: لينغرس في قلوبنا حبه،
فما حملته سيرته من أخلاق فاضلة، ومعاملة كريمة،
وحرصه العظيم على هداية الناس وصلاحهم وجلب الخير لهم،
وبذل نفسه وماله في سبيل إخراج الناس من الظلمات إلى النور،
ومن الشقاء إلى السعادة،
وما كان من حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته في إبعادها عما يشق عليها ويعنتها
وصلى اللهم على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ،،
السيرة النبوية الشريفة
1. إشتغل الرسول صلى الله عليه وسلم بمهنتين قبل البعثة، ما هما؟
2. في سنة للهجرة توفي الرسول صلى الله عليه وسلم؟
3. ماذا كان إسم ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
4. كم مرة حج الرسول صلى الله عليه وسلم؟
5. ما أسماء أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم؟
6. من هي آخر زوجة تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم؟
7. في أي معركة كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من رمى بالمنجنيق؟
8. ما هو عدد الذين بايعوا الرسول (ص) بيعة العقبة الثانية؟
9. من كان دليل الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الهجرة ؟
10. في دار من كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع سرا بأصحابه في مكة؟
السيرة النبوية الشريفة
1. إشتغل الرسول صلى الله عليه وسلم بمهنتين قبل البعثة، ما هما؟ اشتغل عليه الصلاة و السلام في رعي الغنم و التجارة 2. في سنة للهجرة توفي الرسول صلى الله عليه وسلم؟ توفي الرسول صلى الله عليه وعلى أله و صحبه وسلم في ضحى يوم الاثنين 12 ربيع الأول عام 11للهجرة الموافق 8 يونيو عام 632 وذلك في المدينة المنورة 3. ماذا كان إسم ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كان اسمها القصواء 4. كم مرة حج الرسول صلى الله عليه وسلم؟ حج عليه الصلاة و السلام حجة واحد و 4 عمرات 5. ما أسماء أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم؟ 6. من هي آخر زوجة تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هي ميمونة بنت الحارث 7. في أي معركة كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من رمى بالمنجنيق؟ في معركة الطائف على ما اظن 8. ما هو عدد الذين بايعوا الرسول (ص) بيعة العقبة الثانية؟ 9. من كان دليل الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الهجرة ؟ عبد الله بن أريقط. رضي الله عنه 10. في دار من كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع سرا بأصحابه في مكة؟ في دار الارقم بني ابي الارقم
|
مشكورة اختي الغالية على الاسئلة و اتمنى ان تكون الاجوبة صحيحة البعض عرفته و البعض الاخر بحثت عليه لانها كانت معلومات جديدة
مشكورة يا غالية هكدا سنتعلم و نستفيد
اريد ان اريكم هذا الموضوع وارجوا الترسلوه
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد :
فهذا منتقى من صحيح السيرة
باب ذكر نسبه الشريف وطيب أصله المنيف
قال الله تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] .
ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان تلك الأسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام قال : كيف نسبه فيكم ؟ قال : هو فينا ذو نسب . قال : كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها . يعني : في أكرمها أحسابا وأكثرها قبيلة صلوات الله عليهم أجمعين . فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة .
أسماؤه
أبو القاسم وأبو إبراهيم محمد وأحمد والماحي الذي يمحى به الكفر والعاقب الذي ما بعده نبي والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة وخاتم النبيين وعبد الله .
نسبه كاملا صحيحا
وهو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو من ولد إسماعيل لا محالة على اختلاف كم أب بينهما .
وهذا النسب بهذه الصفة لا خلاف فيه بين العلماء فجميع قبائل عرب الحجاز ينتمون إلى هذا النسب ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ الشورى : 23 ] : لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم .
اصطفاه الله من بني هاشم
وفي ( صحيح مسلم ) من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) .
باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين لما رواه مسلم في ( صحيحه ) عن أبي قتادة أن أعرابيا قال : يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ فقال :
( ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه ) .
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل .
فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام
وروى محمد بن إسحاق عن حسان بن ثابت قال :
والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة ب ( يثرب ) : يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به .
ذكر حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام
أخرج البخاري ومسلم عن أم حبيبة بنت أبي سفيان [ أنها ] قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان ( ولمسلم : عزة بنت أبي سفيان ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أو تحبين ذلك ؟ ) . قلت : نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن ذلك لا يحل لي ) . قالت : فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة ( وفي رواية : درة بنت أبي سلمة ) . قال : ( بنت أم سلمة ؟ ) . قلت : نعم . قال :
( إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ) .
زاد البخاري : قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
شق البطن
وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك . قال :
( نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام .
واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذ أتاني رجلان – عليهما ثياب بيض – بطست من ذهب مملوء ثلجا ثم أخذاني فشقا بطني واستخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال : زنه بمئة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال : زنه بألف من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم فقال : دعه عنك فوالله لو وزنته بأمته لوزنها ) .
وإسناده جيد قوي .
وثبت في ( صحيح مسلم ) عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج معه علقة سوداء فقال : هذا حظ الشيطان . ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني : ظئره – فقالوا : إن محمدا قد قتل . فاستقبلوه وهو منتقع اللون . قال أنس : وقد كنت أرى ذلك المخيط في صدره .
وفي ( الصحيحين ) عن أنس وعن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء – كما سيأتي – قصة شرح الصدر ليلتئذ وأنه غسل بماء زمزم .
ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين : مرة وهو صغير ومرة ليلة الإسراء ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى ولمناجاة الرب عز وجل والمثول بين يديه سبحانه وتعالى .
الرضاع في بني سعد
وقد روى أحمد وأبو نعيم في ( الدلائل ) عن عتبة بن عبد : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف كان أول شأنك يا رسول الله ؟ قال :
( كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت : يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا . فانطلق أخي ومكثت عند البهم فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ فقال : نعم . فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه : ائتني بماء وثلج فغسلا به جوفي ثم قال : ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال : ائتني بالسكينة . فذرها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه : خطه . فخاطه وختم على قلبي بخاتم النبوة فقال أحدهما لصاحبه : اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة . فإذا أنا أنظر إلى الألف فوق أشفق أن يخر علي بعضهم فقال : لو أن أمته وزنت به لمال بهم . ثم انطلقا فتركاني وفرقت فرقا شديدا ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد لبس بي فقالت : أعيذك بالله . فرحلت بعيرا لها وحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت : أديت أمانتي وذمتي . وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها وقالت : إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام ) .
موت أمه آمنة وهي وأباه في النار
فصل
روى الإمام أحمد عن بريدة قال :
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا ب ( ودان ) قال :
( مكانكم حتى آتيكم ) . فانطلق ثم جاءنا وهو ثقيل فقال :
( إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة – يعني : لها – فمنعنيها وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) .
وروى مسلم أيضا عن أنس :
أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : ( في النار ) . فلما قفى دعاه فقال :
( إن أبي وأباك في النار ) .
(وكذا جده عبد المطلب وعمه أبو طالب )
وقد قال البيهقي بعد روايته هذه الأحاديث في كتابه ( دلائل النبوة ) :
( وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ولم يدينوا بدين عيسى ابن مريم عليه السلام وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام لأن أنكحة الكفار صحيحة ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن إذ كان مثله يجوز في الإسلام . وبالله التوفيق ) .
خروجه عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلى الشام وقصته مع بحيرى الراهب
روى الحافظ أبو بكر الخرائطي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال :
خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب – يعني : بحيرى – هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم . قال :
فنزل وهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا سيد العالمين ( وفي رواية البيهقي زيادة : هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين ) .
فقال له أشياخ من قريش : وما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه .
ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به – وكان هو في رعية الإبل – فقال : أرسلوا إليه . فأقبل وغمامة تظله فلما دنا من القوم قال : انظروا إليه عليه غمامة فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه قال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه .
قال : فبينما هو قائم عليهم وهو ينشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر من الروم قد أقبلوا قال : فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا أخبرنا خبره إلى طريقك هذه . قال : فهل خلفكم أحد هو خير منكم ؟ قالوا : لا إنما أخبرنا خبره إلى طريقك هذه . قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ فقالوا : لا . قال : فبايعوه وأقاموا معه عنده قال :
فقال الراهب : أنشدكم الله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب .
فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت .
وهكذا رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن عساكر وغير واحد من الحفاظ وقال الترمذي :
( حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) .
فصل
في منشئه عليه الصلاة والسلام ومرباه وكفاية الله له وحياطته وكيف كان يتيما فآواه وعائلا فأغناه
قال جابر بن عبد الله :
لما بنيت الكعبة ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة . ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال : ( إزاري ) . فشد عليه إزاره . أخرجاه في ( الصحيحين )
شهوده عليه الصلاة والسلام حلف الفضول
روى الحافظ البيهقي بسنده عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( شهدت مع عمومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكثه – أو كلمة نحوها – وأن لي حمر النعم ) .
قال : و( المطيبون ) : هاشم وأمية وزهرة ومخزوم .
قال البيهقي : كذا روي هذا التفسير مدرجا في الحديث ولا أدري قائله . وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين .
قلت : هذا لا شك فيه وذلك أن قريشا تحالفوا بعد موت قصي وتنازعوا في الذي كان جعله قصي لابنه عبد الدار من السقاية والرفادة واللواء والندوة والحجابة ونازعهم فيه بنو عبد مناف وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش وتحالفوا على النصرة لحزبهم فأحضر أصحاب بني عبد مناف جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت فسموا المطيبين كما تقدم وكان هذا قديما .
ولكن المراد بهذا الحلف حلف الفضول وكان في دار عبد الله بن جدعان كما رواه الحميدي وابن إسحاق .
وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب .
فصل
في تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
قال البيهقي : ( باب ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة ) .
ثم روى بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم ) . فقال له أصحابه : وأنت يا رسول الله ؟ قال :
( وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط ) .
ورواه البخاري .
فصل
في تجديد قريش بناء الكعبة قبل المبعث بخمس سنين
وروى أبو داود الطيالسي عن علي رضي الله عنه قال :
لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه ؟ فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل فخذ أن
يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه .
وروى أحمد عن مجاهد عن مولاه – وهو السائب بن عبد الله – أنه حدثه :
أنه كان فيمن بنى الكعبة في الجاهلية قال : وكان لي حجر أنا نحته [ بيدي ] أعبده من دون الله قال : وكنت أجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه فيجيء الكلب فيلحسه ثم يشغر فيبول عليه قال :
فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر ولا يرى الحجر أحد فإذا هو وسط أحجارنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل . فقال بطن من قريش : نحن نضعه . وقال آخرون : نحن نضعه . فقالوا : اجعلوا بينكم حكما . فقالوا : أول رجل يطلع من الفج فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتاكم الأمين . فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فرفعوا نواحيه [ معه ] فوضعه هو صلى الله عليه وسلم .
قلت : وقد كانوا أخرجوا منها الحجر – وهو ستة أذرع أو سبعة أذرع من ناحية الشام – قصرت بهم النفقة – أي : لم يتمكنوا أن يبنوه على قواعد إبراهيم – وجعلوا للكعبة بابا واحدا من ناحية المشرق وجعلوه مرتفعا لئلا يدخل إليها كل أحد فيدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا .
وقد ثبت في ( الصحيحين ) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها :
( ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا وأدخلت فيها الحجر ) .
ولهذا لما تمكن ابن الزبير بناها على ما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت في غاية البهاء والحسن والسناء كاملة على قواعد الخليل لها بابان ملتصقان بالأرض شرقا وغربا يدخل الناس من هذا ويخرجون من الآخر .
فلما قتل الحجاج ابن الزبير كتب إلى عبد الملك بن مروان – وهو الخليفة يومئذ – فيما صنعه ابن الزبير – واعتقدوا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه – فأمر بإعادتها إلى ما كانت عليه . . . فهي إلى الآن كذلك .
ماكانوا عليه في الجاهلية وجاء الإسلام بإزالته
قال الألباني :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول : من يعيرني تطوافا ؟ تجعله على فرجها وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية : خذوا زينتكم عند كل مسجد [ الأعراف : 31 ] .
رواه مسلم ( 8/243 – 244 ) .
وقال عروة :
كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس – والحمس : قريش وما ولدت – وكانت الحمس يحتسبون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم تعطه الحمس طاف بالبيت عريانا .
وكان يفيض جماعة الناس من ( عرفات ) وتفيض الحمس من ( جمع ) .اهـ
فصل
في مبعثه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :
إن مما دعانا إلى الإسلام – مع رحمة الله تعالى وهداه لنا – لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم .
فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين [ البقرة : 89 ]
وروى ابن إسحاق عن سلمة بن سلامة بن وقش – وكان من أهل بدر – قال :
كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل – قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي فروة لي مضطجع فيها بفناء أهلي – فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار . قال : فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت . فقالوا له : ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم والذي يحلف به ويود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا .
قالوا له : ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟
قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد . وأشار بيده إلى نحو ( مكة ) واليمن .
قالوا : ومتى تراه ؟
قال : فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه .
قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله [ محمدا ] رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا .
قال : فقلنا له : ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ولكن ليس به
رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق .
ورواه البيهقي عن الحاكم بإسناده من طريق يونس بن بكير .
وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) عن محمد بن سلمة قال :
لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول – وإني لغلام في إزار – : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت – ثم أشار بيده إلى بيت الله – فمن أدركه فليصدقه .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا .
الرجاء نقل الموضوع الى جميع المنتديات لتعم الفائدة, ولا حاجة لذكر المصدر
والسلام على من اتبع الهدى
أوردت لكم رساله أو دراسه فى كيفية دراسة السيره النبويه …….ويظهر للجميع من عنوان الرساله أن الكاتب إنما أراد أن يعيد تصحيح مفهوم السيره النبويه لدينا
بمعنى أن يتم تحويل النظر من كون السيره النبويه مجرد قصص يقرأ وفقط إلى دراسة السيره بنظره واعيه .. نظرة التعلم ثم الفهم ثم التطبيق ..
بأن نأخذ السيره كمواقف تدرس لتطبق لا لتقص اى تحكى وتروى … كأن أنظر كيف تعامل مع النساء كزوج ..كيف تعامل مع الابناء كأب … كيف تعامل مع الجيش كقائد … كيف تعامل مع المسلمين كمعلم ومربى … كيف تعامل مع غير المسلمين … كيف تعامل مع ربه كعابد … كيف تعامل مع اصدقائه كصديق ………………….. الخ
كيف ……………
بصراحه الرساله جد مفيده وقيمه ومهمه لكل منا
أترككم مع الرساله
بارك الله بوقتكم
مفاهيم أساسية لدراسة السيرة النبوية
راجعه وصوَّبَه
الشيخ الدكتور / محمد صامل السلمي
أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى . مكة المكرمة
أهمية وضع ضوابط لقراءة السيرة النبوية :
** السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا وفعلًا، وتوجيها وسلوكًا، ( وعدّل بها الموازين المنحرفة في هذه الحياة )(1) ، فبدَّل مكان السيئة الحسنة، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله (2)
** واليوم يتنادى كثيرون للإصلاح الديني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي … الخ . وكثير من هؤلاء يدعي الانتساب للدين وأنه ينطلق من ثوابت الدين الكلية ويستوقد من سيرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ شعلة يستضيء بها في رحلة ( الإصلاح ) التي يقوم بها .
** والحقيقة أن الكل يذهب للسيرة بخلفية فكرية مسبقة فيَبتُر ويجتزئ وينقل ما يريد مما يحقق له أهدافه ، وقد رأينا أن العلمانيين ومن بذروا بذور العلمانية في عالمنا الإسلامي كـ ( طه حسين ) و ( ورفاعة الطهطاوي ) قد كتبوا في السيرة النبوية .
ولكنها طريقة أهل الأهواء والبدع الذين يعتقدون ثم يستدلون ، أو الذين يذهبون إلى النصوص ليأتوا بها على هواهم .
لذا كان لابد من وضع ضوابط لدراسة السيرة النبوية .
** ولما كانت الخلفية الفكرية للكاتب أو المتحدث تنعكس على أفكاره المكتوبة أو المقروءة ولا بد ، رأينا ـ ممن يتكلمون في السيرة من دعاة الصحوة الإسلامية المباركة ـ مَنْ لا يرى في السيرة النبوية إلا السيف والجهاد ، ومنهم مَنْ لا يرى إلا الأشخاص ، ويحاول أن يُصوِّر الأمر على أنه بطولات شخصية ، وتنحصر رؤيته في عبقرية الشخص ، وتوصيف الحدث دون ربطه بغيره أو النظر إلى فقه الحدث وما فيه من التشريعات .
** فغالب الطرح الموجود للسيرة النبوية يغلب عليه إثبات الوقائع ووصف تطور الأحداث وذكر النتائج .وهو أمر جيد إن كان الخطاب موجه فقط للعوام من الناس .
** وقد حاولت في هذه الرسالة أن أوضح بعض الأصول لدارسي السيرة النبوية . ولم تقع عيني على دراسة مشابه لشيوخنا الكرام ، لذا بذلت ما استطعت من الجهد وأعترف بأن الأمر مازال يحتاج إلى مزيد من الدراسة ،وفي النية أن أتبع هذا البحث بأبحاث أخرى تربوية تتعلق بالخطاب الدعوي ، وقد بدأت بـ ( الخطاب الدعوي في العهد المكي ) وهي دراسة تربوية عقدية
والله أسأل أن يبارك لي في كلماتي وأن ينفع بها .
1/ في الرحيق المختوم بين القوسين(وقَلَبَ بها موازين الحياة ) ، وقد اعترض على هذه الجملة الدكتور / محمد صامل السلمي في تصويبه للرسالة قائلا : الدين لا يقلب موازين الحياة لأنه دين الفطرة لكنه يقلب الموازين المنحرفة . لذا قمت باستبدالها بـ ( وعدّل بها الموازين المنحرفة في هذه الحياة ) .
2/ مقدمة الرحيق المختوم للمباركفوري .
** يعاني النصارى واليهود من الشَّك الكبير في تراثهم الديني . . . كل تراثهم الديني ؛ بل في أقدس ما لديهم وهو ما يسمونه ( الكتاب المقدس ) (1) ، فهم مختلفون أو قل يجهلون الكثير عن الشخصيات التي كتبت ( العهد القديم ) , وكذا من كتبوا الأناجيل , ( القانونية منها وغير القانونية ) ، والكلام في التشكيك فيمن كتبوا الأناجيل مشهور ومعلوم ، والمعلومات عن الأصول التي تمت الترجمة منها تكاد تكون معدومة (2) .
** والحديث عن ما يسمونهم بــ ( الآباء الأولون ) حديث مُحتكر بين طائفة معينة ، ومن يدخل منهم الإسلام يتكلم بأنه كله كذب ولولا ذلك لخرج للعوام ، فهم إذا في شك كبير من كتابهم وتراثهم الفكري والتاريخي ، وهو مصداق قول الله تعالى ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) الشورى : من الآية 14.
** ويسترُ عيبهم أن الدين حكر على الأحبار والرهبان ، وأن العوام ليس لهم من الدين سوى بعض القضايا الذهنية التي يعتقدونها كقضية الفداء والصلب مثلا عند النصارى ، وبعض الشعائر التعبدية التي يلتزم بها القليل . ولا يلام عليها الباقون .
هذا حال أقرب الديانات لنا ــ النصرانية ــ والأمر أسوء في اليهودية والبوذية وغيرهما من الديانات الأخرى .
** أما نحن المسلمون فنعرف عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ــ وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم – كل شيء . . .نعرف عنه ـ صلى الله عليه وسلم- مأكله ومشربه وملبسه ومشيته وجلسته ، وكيف كان ينام ،وكيف كان يضحك ، وما كان يحب مِن الأشياء ، ومَن كان يحب ويكره من الأشخاص ، ونعرف صلاته وغزواته ، وحاله في بيته مع نسائه وأطفاله وأحفاده ، ونعرف عن نبينا ما لا يعرفه أحدنا عن أبيه.
** وهذه مِنَّة من الله عظيمة يجب التنبيه عليها لمن يعرض السيرة النبوية على الناس ، فنحن حين نعرض السيرة النبوية نتكلم عن عِلْم مدون ،وليس عن قصص مفترى . ونتكلم عن حقائق وأشخاص معروفة ومعلومة وليس عن أشخاص وهمية .
ويعرف أهمية هذا من يناظر النصارى ويختلط بهم .
** وأمرا آخر يجب التنبيه عليه وهو أن الكتب التي تُؤخذ منها السيرة النبوية ـ ومنها كتب التفسير ـ تثبت الروايات الضعيفة والمكذوبة للرد عليها وتضعيفها .
فلا يعني أبدا وجود هذه الروايات في كتب السير أنها صحيحة فلا بد من الالتفات إلى التعليق الذي يذكره المؤلف على القصة أو الرواية .
مثل قصة الغرانيق العلا
التي أوردها المفسرون في سورة النجم ولم يقل أحد منهم أن القصة صحيحة (3) ، بمعنى أنه نزل في القرآن آيات تقول عن ( اللات ) و( العزى ) " أنهم هم الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى !!! " فلم تكن هذه أبدا يوما من الأيام آيات من كتاب الله وتم نسخها أو حذفها . ولم يذكرها المفسرون من باب التأيد ، وإنما من باب التكذيب والرد على من يقول بها .
ومثال ذلك أيضا ما يقال عن الحمار ( يعفور )
الذي كلَّم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم خيبر بزعمهم ، وما يقال من أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى زينب في ثياب شفافة فأعجبته وسعى في طلاقها من زيد ليتزوجها هو صلى الله عليه وسلم .
## هذه الرويات ومثلها تَرِدُ في كتب السير وكتب التفسير أيضا لتكذبيها والرد عليها .
وليس مجرد وجودها هو إثبات لها كما يَفتري أهل الكتاب .
فالواجب على من يعرض السيرة أن ينبه على هذا الأمر .
** وقد يبدوا للقارئ أن هذا الأمر بسيطٌ لا يستحق الوقوف عنده والتنبيه عليه ، إلا أنك حين تعلم أن دعاة الكفر ينقلون هذه الأشياء لمن يسمعونهم من المسلمين والنصارى ويقولون لهم ها نحن ننقل لكم من كتب أئمتهم الكبار ( ابن كثير ) و ( القرطبي ) و ( الجلالين ) … الخ يتبن لك مدى أهمية التنبيه على هذا الأمر ، وعلى هذا المسلك الفاسد الذي هو في حقيقة أمره كذب ليس إلا .
1 / الكتاب المقدس عبارة عن قسمين ( العهد القديم ) و( العهد الجديد ) ،
– ( العهد القديم ) يتكون من عدة أجزاء : ( الأسفار الخمسة ) المنسوبة لموسى عليه السلام ، وهي ما يقال لها عند المسلمين التوراة مجازا ، و ( الأسفار التاريخية ) منسوبة لعدد من الأنبياء الذين عاصروا هذه المرحلة . ، و ( أسفار الشعر والحكمة ) ، و( الأسفار النبوية ) ، و ( أسفار الأبوكريفا ) ـ وهي محل خلاف عندهم ـ ويطلق النصارى لا اليهود على هذه الأجزاء الأربعة اسم ( العهد القديم ) ، وتسمى أيضا الكتب والناموس ، ويطلق اسم التوراة على الأجزاء الثلاثة الأخيرة تجوزا .
– و(العهد الجديد ) هو مجموعة الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، وينسب إلى ثمانية من المحررين ينتمون إلى الجيل الأول والثاني من النصرانية، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا أصحاب الأناجيل، ثم بولس صاحب الأربع عشرة رسالة ، ثم بطرس ويعقوب ويهوذا، وتنسب إليهم القليل من الرسائل.
– راجع إن شئت ـ هل العهد الجديد كلمة الله ؟! ، وهل العهد القديم كلمة الله ؟! للشيخ الدكتور منقذ محمود السقار .
2 / عندما تسأل عن أصول الترجمات لا تجد من يجيبك ، وإنما يقال لك هذه ترجمة عربية للترجمة الإنجليزية مثلا . والأصل مفقود .
3 / الراجح أن القصة لم تثبت ، ومن قال بثبوتها عملا بتعضيد الرويات المرفوعة بعضها لبعض ، نفى أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكلم بهذا الكلام ( وإنهن الغرانيق العلا . وإن شفاعتهم لترتجى ) ، فمن أثبت القصة نفي أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام ، وإنما ألقاه الشيطان في أذن المشركين ـ وقد ذهب بعض المحققين ـ عماد الشربيني في رسالته رد الشبهات عن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ص 325ـ 257 ــ إلى رد القصة وإثبات بطلانها من عدة طرق ، ورد على بن حجر ما قاله في هذا الموضع ، فليرجع إليه من أراد أن يستزيد
— في الجاهلية الأولى كان المال دولة بين الأغنياء … قِلَّة غنية وكَثرة بالكاد تجد قوت يومها .
— وفي الجاهلية الأولى كانت الحروب تأكل الرجال على ناقة أو لأن فرسا سبقت أختها .!
— وفي الجاهلية الأولى كان الزنا وكانت الخمر وكان وأد البنات وبيع الأحرار .
— وفي الجاهلية الأولى كان الشرك الأكبر ( شرك النسك وشرك الطاعة ) … تُدعى الأصنام من دون الله ويُنذر لها ويُذبح عندها ، وكان شرك الطاعة … يُشَرِّع الملأ(1)ويتَّبِع العوام .
** ولم تخل الجاهلية من المصلحين ، الذين يسعون في إصلاح ذات البين وحقن الدماء ورفع الظلم عن الضعفاء .
** وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضع يده في يد أحد من هؤلاء ألبته .
بكلمات أُخَر :
** رُغم أن الدعوة الإسلامية كانت تدعوا لمثل ما كان يدعو إليه كثير من المصلحين من مكارم الأخلاق إلا أنها لم تضع يدها في يد أحد من هؤلاء .
** ذلك لأنه وإن اتحدت الأهداف فإن المنطلقات متغايرة . فهؤلاء دوافعهم شتى .. تدفعهم المروءة ويدفعهم الثناء الحسن ويدفعهم عرف الآباء ، أما المسلمون فيدفعهم طاعة الله ورسوله ـ ولا ينبغي أن يكون لهم دافع غير ذلك ـ .
** وهؤلاء تقف أهدافهم عند إصلاح الدنيا ؛ والمسلمون يصلحون الدنيا للآخرة . وشتان .
** ومن يتدبر أحداث السيرة النبوية وما كان يَتَنَزَلُ في بداية البعثة يجد أن الدعوة الإسلامية بدأت بتعريف الناس بربهم .. بأسمائه وصفاته وآثار ذلك في مخلوقاته ..
** كيف أنه الحي القيوم الرحيم الرحمن ذي الجلال والإكرام مالك الملك القريب المجيب .. الخ ، ثم بترسيخ نظرية الثواب والعقاب وذلك بتعريفهم بالجنة ( دار الثواب ) وبالنار ( دار العقاب ) ، وقُصَّ عليهم خبر من سبقوا ، مَن أطاعوا منهم كيف كانت عاقبتهم ومن عصوا منهم ماذا فعل الله بهم . واقرءوا ما نزل من القرآن في مكة ، وكذا الخطاب الدعوي في مكة المكرمة (2) .
** ثم جاءت التشريعات باسم الله الذي عرفوه بأسمائه وصفاته وبَيْنَ يدي الثواب والعقاب .
فمثلا قيل لهم : الله ـ الذي عرفوه ـ يأمركم بالصلاة ، ومن فعل فله الجنة ـ التي عرفوها ـ ومن عصى فله النار ـ التي عرفوها ـ .والله الذي عرفتموه يأمركم بالزكاة ومن أطاع فثوابه الجنة التي عرفتموها ، ومن عصى فله النار التي عرفتموها .
لذا استقامت النفوس محبه ورهبة لله وخوفا من النار وطمعا في الجنة .
** وبهذا يتضح منطلق الدعوة الإسلامية وهدفها ، وهو تعبيد الناس لله … تعريفهم بربهم ليعظموه ويوقروه ويسبحوه ، وإصلاح الدنيا يجيء تبعا وليس أصلا ، ثم الفوز بالجنة .
ولهذا لم يرتدَّ من أسلم ، ولم يتلكأ في سَيْرِهِ إلى الله . وعلى من يعرض السيرة النبوية على الناس ــ أو يقرؤها ـ عليه أن يلتفت لهذا . وأن يتنبه إلى أن الخطاب الدعوي كان في الأساس أخروي تنطلق منه باقي شؤون الحياة . وفي بيعة العقبة الثانية وغيرها من أحداث العهد المكي دليل على ذلك(3) .
وأزيد الأمر بيانا فأقول :
** نعم . في العهد المكي كانت الدعوة الإسلامية في خطابها الموجه للجاهلية يومها ، كانت مصرة على أن تبدأ من اليوم الآخر ترغيبا وترهيبا .
** تحاول أن تجعل القلوب معلقة بما عند ربها ترجوا رحمته وتخشى عقابه. ويكون كل سعيها دفعا للعقاب وطلبا للثواب فتكون الدنيا بجملتها مطية للآخرة .
** على هذا تربى الصحابة رضوان الله عليهم .بل ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أيضا تربى على هذا المعنى , فقد كان يتنزل عليه ـ بأبي هو وأمي وأهلي صلى الله عليه وسلم ـ " وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ " (4)" وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ " [يونس : 40]
** ولهذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند الله فكان حالهم كما وصف ربهم" تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ " (5)
** وهذا وصف للظاهر ( ركعا سجدا) ووصف للباطن ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) ، والسياق يوحي بأن هذه هي هيئتهم الملازمة لهم التي يراهم الرائي عليها حيثما يراهم . كما يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ــ .
** واقرأ آيات الأحكام في كتاب الله لتطالع هذا الإصرار من النص القرآني على وضع صورة الآخرة عند كل أمر ونهي ضمن السياق بواحدة من دلالات اللفظ ، المباشرة منها أو غير المباشر ( دلالة الإشارة أو التضمن أو الاقتضاء أو مفهوم المخالفة .. الخ ) .
** فمثلا يقول الله تعالى : " ويْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "(6)
فتدبر كيف يأتي الأمر بعدم تطفيف الكيل حين الشراء وبخسه حين البيع ؟
** ومثله قول الله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(7) فهنا أمر بالسعي إلى الرزق , وتذكير بأن هناك نشور ووقوف بين يدي الله عز وجل ، فيسأل المرء عن كسبه من أين أتى وإلى أين ذهب ؟
** بل واقرأ عن الآيات التي تتحدث عن الطلاق في سورة البقرة تجد أنها تختم باسم أو اسمين من أسماء الله عز وجل " … فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " " … وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " " … وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " " … وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " " …. إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
وهذا بلا شك استحضار للثواب والعقاب .
** ومثله الآيات التي تأمر بالحجاب تُختم بـ ( إن ذلكم كان عند الله عظيما )(8)و ( .. وكان الله غفورا رحيما )(9) .
** نعم كان هذا أسلوب القرآن العظيم في عرض قضايا الشريعة كلها وهذه بعض الآيات والأحاديث في هذا الشأن تزيد الأمر وضوحا :
** في الظِّهار انظر كيف يربط الله تعالى أداء الكفارة بالإيمان به وبرسوله : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(10)
** وانظر كيف جعل الله تعالى تحكيم شرعه شرط للإيمان به(11) : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً )(12)
** وفي الحديث : "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ "(13)
** وفي الحديث " فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ "(14)
** وفي الحديث " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ … الحديث "(15) ومثل هذا كثير في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
** هذا ما تربى عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، وإنا نجد في كتاب ربنا أننا ملزمون بالسير على دربهم واقتفاء آثارهم قال الله تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً )(16)
** وقال الله تعالى : ( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العليم ) (17)
أقول : ملزمون إذا بالتعريج على التوحيد وتصحيح المفاهيم فيه لإخواننا وأخواتنا ،وبناتنا ونسائنا وكل عزيز علينا ، ليكون حالهم مع الأمر والنهي . . . كل الأمر والنهي كحال من سبقوا ؟! وحينها . . . حين يتعرفون على ربهم جيدا ، حين يعرفون مصيرهم بعد الموت ، لن تجد كثير مشاغبة في الامتثال للأمر .
ودعني أوسع الأمر أكثر من هذا وأقول :
** لم لا نبدأ مخاطبة ( الآخر )(18) بـالتوحيد نقول لهم : آمنوا بربكم الذي خلقكم ورزقكم وأحياكم ويميتكم ثم يحاسبكم ؟
لم لا ننادي فيهم : أسلموا قبل أن تكونوا من جثي جهنم التي وصْفُها كذا وكذا ؟ أسلموا كي لا تحرموا جنة فيها وفيها …؟
** ويدور الحوار حول دلائل صدق الخبر ومَطْلَبْ المخبر صلى الله عليه وسلم . أسذاجة ؟ لا وربي .فهكذا نشأت خير أمّة أخرجت للناس ، واقرءوا السيرة .
** وعلى من يشرح السيرة النبوية للناس عليه أن يوضح ذلك لهم ، من خلال مواقف الدعوة في العهد المكي والعهد المدني ، ومنهج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدعوة ، وبما كان يخاطب الناس ، وكيف كان يعلمهم التوحيد ويربيهم عليه .
** نعم . نحن بحاجة إلى قراءة جديدة للسيرة النبوية نبين فيها للناس أهداف الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها … نحتاج هذا الطرح الفكري اليوم أكثر من أي يوم مضى .
** فقد قامت اليوم بعض الفصائل الإسلامية بالتحالف مع الأحزاب ذات التوجهات اليسارية ،و توجهت إلى الجماهير بخطاب دنيوي بحت ونادت بشرع الله من باب الأفضلية … لأنه خير من غيره ، أو لأنه هو الأنسب لإصلاح الدنيا ، فيُقْبِل من يُقبل وليس عنده هدف سوى ما فهمه من هذا الخطاب الدعوي المنقوص .
** واليوم رفعت بعض الفصائل المجاهدة الشعارات الوطنية وراحت تثني على الزعامات العلمانية بدعوى لمِّ شمل أبناء الوطن الواحد ، وهؤلاء وأولئك نحسن الظن بهم ولكن خطاب كهذا تضيع به الأهداف الحقيقية للدعوة الإسلامية أو تتميع في أحسن الأحوال ، ولست اغمز أحدا ـ معاذ الله ـ وإنما أنصح بما أراه صحيحا .
أقول :
** لا بد من المفاصلة الفكرية(19) التي يتميز بها سبيل المؤمنين من سبيل الكافرين والمنافقين . وتعرف العامة أين هي؟ وتمضي بوضوح في طريق الله المستقيم .
** تماما كما بدأت الدعوة في مكة بين ظهراني قريش على يد الحبيب صلى الله عليه وسلم , كانت بينة المعالم ، صريحة جدا في معاني الشرك والكفر ، ومآل الكافرين والمشركين ، وإن كانت في النواحي الحركية تتخذ مراحل عدة ، فتهادن قوما وتحارب آخرين ، وتسكت عن أشياء اتباعا لسنة التدرج في التغيير .
——————
1/ الملأ هم أشراف القوم وسادتهم ، والمطاعون فيهم .
2/ يوجد بحث للكاتب ـ تحت الإعداد ـ بعنوان ( قراءة في الخطاب الدعوي للعهد المكي ) يتناول هذه النقطة بالتفصيل .والله أسأل العون والسداد والقبول.
3/ هذه النقطة وحدها وهي أن الخطاب الدعوي كان أخروي ، وصلاح الدنيا جاء تبعا لصلاح الآخرة ، تصلح لأن تكون موضوع بحث مستقل ، يستقرأ ذلك في خطاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه ، وللكفار ، وكيف كانت كل التشريعات الإسلامية فيما بعد مرتبطة بالإيمان ، فكان الإيمان كالآخية التي يشدُّ إليها كل أمور الحياة ، ويناقش في ضوء ذلك الدعوات الإسلامية التي تأخذ طابع السياسية ، وتجعل غايتها ـ فيما يبدوا لمن تدعوه من عامة الناس ـ إصلاح الدنيا ، ولذا تتنازل بسهوله ، وتتخبط في كثير من أهدافها . ولولا أني ألزمت نفسي بالاختصار لشرحت هنا وفصَّلت ، ولكن حسبي أن كتبتُ هذا البحث لطلبة العلم وليس لعامة القراء ، ولعلَّ في الأسطر القادمة مزيد بيان ، والله أسأل ان يبارك في هذه الكلمات القلائل .
4/ [ يونس : 46]
5/ الفتح : 29
6/ سورة المطففين : الآيات من 1ـ 6
7/ الملك : 15
8/ الأحزاب :53
9/ الأحزاب : 59
10/ المجادلة : 4
11/ هناك مناطات غائية ومناطات دون ذلك . فليس كل من لم يُحكم شرع الله كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة . المسألة فيها تفصيل .
12/ النساء : 65
13/ [ البخاري كتاب الإيمان الحديث رقم 13 ترقيم العالمية ]
14/ البخاري 14 كتاب الإيمان
15/ البخاري 6135 كتاب الأدب
16/ النساء : 115
17/ البقرة : 137
18/ أعني الكافر الذي من أهل الكتاب أو غيرهم ، وكذا من جنح إليهم ووقف في صفهم من غلاة العلمانيين .
19/ لا أقول بعدم الاستفادة من الغير فقد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار عمه أبي طالب ، وأبو طالب على الكفر . وهاجر أصحابه إلى الحبشة واستفاد من عدل النجاشي وهو كافر ، واستأجر دليلا مشركا يوم الهجرة . وإنما المفاصلة الفكرية التي تبين الحق من الباطل في ذهن عوام الناس .
ارجو ان اكون قد افدتم……و لا تبخلوا علي بروردكم الغالية…
شكرا جزيلا لك
العفو لك اخي………..و شكرا لمرورك…………….
هلا …….
مشكورييييييييييييييييييين على المواضيع
العفو لك اخي و مشكور على الرد المميز
بارك الله فيك ساندي على المعلومات الثمينة الموضوع فعلا قيم جزاك الله خير
شكرا على الرد الذي زاد صفحتي نورا و اشراقة.
بارك الله فيك اختي
العفو اخي…و شكرا على الرد الذي اضاء صفحتي.
قال الله تعالى: يَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} سورة النور الآية 27.
وقال تعالى: { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} سورة النور الآية 61.
وقال تعالى: { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} سورة النساء الآية 86.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متفق عليه.
(أي الإسلام) أي خصاله.
(خير؟) أي أكثر ثوابًا عند الله تعالى.
(تطعم الطعام) وذلك لما فيه من تحمل كلفة الفقر ودفع الحاجة عنه، ودخل فيه جليل الطعام وحقيرة وقليله وكثيرة.
(وتقرأ السلام) أي تسلم.
(على من) أي الذين.
(عرفت ومن لم تعرف) الغرض من هذا إشاعة السلام ونشره بين الناس لأنه سبب من أسباب المودة بينهم.
عن أبي عبادة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، وإتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار القسم متفق عليه.
(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع) المراد منه هنا ما يشمل أمر الوجوب والاستحباب.
(بعيادة المريض) أي زيارته فيسن زيارة كل مريض من المسلمين بأي مرض كان، وهي سنة وقيل فرض كفاية.
(وإتباع الجنائز) أي تشييعها.
(وتشميت العاطس) إذا حمد الله تعالى بأن تقول: يرحمكم الله.
(ونصر الضعيف) أي إعانته على من ظلمه بالحيلولة بينهما وإعلاء حجته.
(وعون المظلوم) بالقول والفعل حتى يندفع عنه أذى الظالم.
(وإفشاء السلام) أي إشاعته ونشره.
(وإبرار القسم) أي إمرار الحلف، أي إذا حلف إنسان على عمل شيء كأن يقول والله ليصلين مثلاً فيطلب منك إعانته على إبرار قسمه بفعلك الصلاة لينجو من الحنث.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم رواه مسلم.
(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) فالجنة محرمة على الكافر كما قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} سورة الأعراف الآية 50.
(ولا تؤمنوا) أي إيمانًا كاملاً.
(حتى تحابوا) أي يحب بعضكم بعضًا، وبالرغم من أن المحبة أمرًا قهريًا لا اختيار فيه على الأصح في ذلك، فإن الأسباب المؤدية إليها أرشد إليها بقوله.
(أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) أي أظهروه بينكم؛ وذلك أن الله تعالى جعل إشاعة السلام وإذاعته سببًا للتوادد.
عن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
(أفشوا) أي أشيعوا وانشروا.
(السلام) بينكم، والابتداء به سنة والرد واجب كفاية على الأصح.
(وأطعموا الطعام) ندبًا في نحو الضيافة، وفرض كفاية لسد حاجة المحتاج.
(وصلوا الأرحام) فصلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، وإن كانت الصلة درجات وبعضها أرفع من بعض.
(وصلّوا بالليل والناس نيام) أي تهجدوا.
(نيام تدخلوا الجنة بسلام) جواب لمقدر: أي إن فعلتم ما ذكر تدخلوها متلبسين بالسلام من الآفات التي تكون في غيرها، وبه سميت دار السلام على أحد الأقوال، والمراد دخولها مع الناجين، وإلا فدخولها لأهل الإيمان واجب بالوعد الذي لا يخلف. ويحتمل أن المراد مطلق دخولها مع الناجين فيكون فيه تبشير فاعل هذه الأمور بالموت على الإسلام ليكون من أهلها
السيرة النبوية سؤال وجواب
مولده و طفولته صلى الله عليه وسلم
من ولادته صلى الله عليه وسلم وحتى الهجرة
1 ـ متى ولـد النبي صلى الله عليه وسلم وأيـن؟
ولد يوم الاثنين، من ربيع الأول في مكة.
عن أبي قتادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: ذاك يوم ولدت فيه) رواه مسلم.
قال ابن القيم: (لا خلاف أنه ولد صلى الله عليه وسلم بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل).
2 ـ ما هو نسب النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال ابن القيم: (هو خير أهل الأرض نسبًا على الإطلاق، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ….).
ولذلك لم يستطع أبو سفيان أن ينكر علو نسب الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم مما كان عليه من عداء للرسول قبل إسلامه فقال (هو فينا ذو نسب) متفق عليه.
3 ـ ما الحكمة من علو نسبه صلى الله عليه وسلم؟
حتى لا يكون لأعداء الإسلام سلاح في أيديهم للصد عن سبيل الله.
وحتى لا يتوهم متوهم أن رسالته ما هي إلا وسيلة لغاية وهي تغيير وضعه الاجتماعي.
وقال النووي (قيل أنه أبعد من انتحاله الباطل، وأقرب إلى انقياد الناس له).
4 ـ ما اسم والد النبي صلى الله عليه وسلم ومتى مات؟
اسمه عبد الله بن عبد المطلب.
قال ابن القيم: (توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل)، ورجحه ابن حجر في فتح الباري.
قال ابن كثير: (وهـذا أبلغ اليتم وأعلى مراتبه).
وقد ذكر الله يتمه في القرآن فقال سبحانه: {ألم يجدك يتيمًا فآوى}.
مات في المدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، وكان في مهمة تجارية فمرض عند العودة ومات فدفن هناك.
5 ـ اذكر بعض أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو أشهرها؟
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب) متفق عليه.
زاد ابن سعد (.. والخاتم).
وأشهرها ( أحمد، ومحمد). قال ابن حجر: (وأشهرهما محمد، وقد تكرر في القرآن).
6 ـ كم مرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم باسمه محمد؟
ذكر في القرآن (4) مرات.
قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144].
وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} [محمد: 2].
وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29].
وأما أحمد فورد مرة واحدة حكاية عن عيسى قال: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
7 ـ ما أول أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟
عن أبي أمامة قال: قلت: يا نبي الله، ما كان أول بدء أمرك؟ قال: (دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ورأت أمي نورًا أضاءت منه قصور الشام) رواه أحمد.
(دعوة أبي إبراهيم):
أي قوله {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:129].
(بشرى عيسى):
أشار إليه قوله تعالى حاكيًا عن المسيح: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
(ورأت أمي نورًا أضاءت منه قصور الشام):
قال ابن رجب: (وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجىء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك منه كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16]).
8 ـ مَنْ مِن أعمام النبي صلى الله عليه وسلم الذين أدركوا الإسلام ومن أسلم منهم؟
قال ابن حجر: (من عجائب الاتفاق أن الذين أدركهم الإسلام من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة: لم يسلم منهم اثنان وأسلم اثنان، وكان اسم من لم يسلم ينافي اسم أسامي المسلمين، وهما أبو طالب واسمه عبد مناف، وأبو لهب واسمه عبد العزى، بخلاف من أسلم وهما حمزة والعباس).
فائدة:
قال ابن حجر في أبي لهب: (وكني أبا لهب إما بابنه لهب، وإما بشدة حمرة وجنته).
9 ـ من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم؟
ثويْبة مولاة أبي لهب.
حليمة السعدية: حين أخذته معها إلى بادية قومها، فأقام معها أربع سنين ثم ردته إلى أمه.
10 ـ أين استرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
استرضع في بادية بني سعد أرضعته حليمة السعدية.
11 ـ ما الحكمة في أن العرب تسترضع الأطفال في البادية؟
رغبة في تقوية أجسادهم، وتعويدًا وتربية لهم على الاعتماد على النفس منذ الصغر، وتقويمًا لألسنتهم.
12 ـ ماذا حدث له وهو في بادية بني سعد؟
وقعت له حادثة شق الصدر.
عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلماء يسـعون إلى أمه يعني ظئره ـ مرضعته ـ فقالوا: إن محمدًا قد قتل..) رواه مسلم.
وفي رواية لأبي نعيم (.. كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زاد…).
13 ـ ما فعلت حليمة السعدية بعد هذه الحادثة؟
خشيت عليه حتى ردته إلى أمه، إلى أن بلغ ست سنين.
14 ـ ما الحكمة من حادثة شق الصدر؟
ـ فيها بيان إعداد الله تعالى عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي عنه.
ـ تعهد الله عز وجل نبيه عن مزالق الطبع الإنساني ووساوس الشيطان.
15 ـ ما اسم أم النبي صلى الله عليه وسلم ومتى ماتت؟
اسمها آمنة بنت وهب.
قال ابن القيم: (لا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة ـ بالأبواء ـ منصرفها من المدينة من زيارة أخواله).
كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة أمه ( 6 ) سنوات.
16 ـ ما الحكمة من يتم الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لقد شاء الله أن ينشأ الرسول صلى الله عليه وسلم يتيمًا ولذلك لحكم، لعل من أبرزها:
ـ أن لا يكون للمبطلين سبيل إلى إدخال الريبة في القلوب أو إيهام الناس بأن محمدًا إنما رضع لبان دعوته منذ صباه بإرشاد وتوجيه من أبيه وجده ليصل إلى جاه الدنيا باصطناع النبوة.
ـ ولعل في يتمه أسوة للأيتام في كل زمان ومكان، ليعرفوا أن اليتم ليس نقمة، وأنه لا يجب أن يقعد بصاحبه عن بلوغ أسمى المراتب.
17 ـ من كفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه؟
كفله جده عبد المطلب .
18 ـ كم كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة جده عبد المطلب؟
قال ابن القيم: (وكفله جده عبد المطلب، وتوفي ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمان سنين، ثم كفله عمه أبو طالب).
19 ـ ماذا حدث لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم من العمر: 12 سنة؟
خرج به عمه أبو طالب إلى الشام وفي هذه الخرجة رآه بحيرى الراهب.
عن أبي موسى الأشعري. قال: (خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب ـ يعني بحيْرا ـ هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم … حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، بعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: وما علمك؟ فقال: إنكــم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدًا ولا يسجدون إلا لنبي،.. فقال الراهب: أنشدكم الله ! أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده) رواه الترمذي.
20 ـ بماذا اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نبوته؟
عمل برعي الغنم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم) قالوا: وأنت يا رسـول الله؟ قال: (وأنا، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) رواه البخاري.
من زواج النبي الى أول السابقون الى الاسلام
21 ـ ما الحكمة من عمل الأنبياء برعي الغنم؟
قال ابن حجر: (قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبـوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم؛ ولأن مخالطتها ما يحصل لهم من الحلم والشفقة).
ـ أن الله عز وجل لا يعجزه أن يهيئ لنبيه صلى الله عليه وسلم كل وسائل الرفاهية ويغنيه عن الكدح سعيًا وراء القوت، ولكن اقتضت حكمة الله أن تعلمنا أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بجهده .
22 ـ ما هي أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم؟
خديجة بنت خويلد.
قال ابن القيم: (وهي أول امرأة تزوجها).
23 ـ كم كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تزوجها؟
كان عمره صلى الله عليه وسلم (25) سنة، وهذا قول الجمهور.
24 ـ كم كان عمرها حين تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم؟
كان عمرها (40) سنة.
25 ـ اذكر بعض فضائل خديجة؟
عرفت عند قومها (بالطاهرة العفيفة).
لم ينكح عليها غيرها حتى ماتت.
وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليها السلام من ربها.
أول امرأة آمنت به.
جميع أولاده منها ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية.
26 ـ اذكر ما تعرفه عن أولاد النبي صلى الله عليه وسلم؟
الذكور: القاسم، وعبد الله، وإبراهيم.
الإناث: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
مات الأبناء الذكور صغارًا بالاتفاق.
وأما البنات فأدركن البعثة ودخلن الإسلام وهاجرن معه.
27 ـ بما شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا؟
شاركهم في بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود.
روى الإمام أحمد وأهل السير (أن قريشًا عندما اختلفت في وضع الحجر الأسود في مكانه، قالوا: اجعلوا بينكم حكمًا، فقالوا: أول رجل يطلع من الفج، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتاكم الأمين، فقالوا: فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فرفعوا نواحيه فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه المطلوب).
(كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك (35) سنة).
(لولا حكمة الله وهداية رسوله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحل لسفكت الدماء).
28 ـ اذكر بعض الفوائد والحكم من هذا الأمر؟
ـ إن قبول قريش تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر وضع الحجر الأسود في مكانه من البيت الحرام ووصفهم له بالأمين، دليل على تربيته سبحانه لنبيه على مكارم الأخلاق التي كان من بينها الصدق والأمانـــة.
ـ إن الاقتراح الذي توصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم لحل هذه الأزمة كان بتوفيق من الله ليلفت أنظار الناس إلى ما سيختاره له الله من القيام بأمر أكبر من هذا لتوحيد الناس.. وهو الإسلام.
29 ـ اذكر بعض الإرهاصات التي كانت قبل النبوة؟
أولاً: تسليم الحجر عليه:
عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن) متفق عليه.
ثانيًا: الرؤيا الصالحة:
عن عائشة قالت: (إن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) متفق عليه.
ثالثًا: حبب إليه العزلة والتحنث:
لقول عائشة في الحديث السابق: (ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث ـ يتعبد ـ فيه الليالي ذوات العدد).
(الخلاء) الخلوة، قال النووي: وهو شأن الصالحين وعباد الله العارفين.
(حراء) جبل معروف بمكة. (والغار) نقب في الجبل.
فائدة:
ـ في هذا استحباب العزلة لفترات تعين المسلم على التفكير في أحوال المجتمع إذا سادت فيه الجاهلية والفساد.
أما الاعتزال الدائم للمجتمع فهو مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية والقولية، فلم يعرف عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اعتزل المجتمع، وقال في نبذ هذه الاتجاهات: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) رواه ابن ماجه.
30 ـ متى نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
يوم الاثنين؛ لحديث أبي قتادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الاثنين؟ فقال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه) رواه مسلم
قال ابن القيم: (ولا خلاف أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين).
31 ـ كيف كانت بداية الوحي؟
عن عائشة قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء.. فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ. ثلاث مرات.. إلى أن قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم..) متفق عليه.
قوله: (ما أنا بقارئ) أي لا أحسن القراءة.
ـ اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أميًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وفي ذلك إبعاد لشبهة الشك في مصدر القرآن، وفي ذلك يقول المولى عز وجل: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48].
32 ـ ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك؟
ذهب إلى زوجته خديجة وأخبرها الخبر.
33 ـ ماذا قالت له خديجة، وعلى ماذا يدل كلامها؟
قالت له: (كلا، فوالله لا يخزيك الله؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر).
وكلامها هذا يدل على رجحان عقلها وحسن تصرفها وفضلها وسلامة فطرتها.
33 } ماذا نستفيد من كلام خديجة للرسول صلى الله عليه وسلم؟
ـ استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لدينه.
ـ أن من نزل به أمر استحب له أن يطلع على من يثق بنصحه وصحة رأيه.
34 ـ ماذا فعلت خديجة بعد ذلك؟
ذهبت به إلى ورقة بن نوفل.
ففي حديث عائشة السابق: (ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان امرءًا تنصر في الجاهلية، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، وأخبره صلى الله عليه وسلم الخبر).
35 ـ ماذا تمنى ورقـة؟
تمنى أن يكون حيًا حين يبعث.
قال: (يا ليتني أكون فيها حيًا جذعًا حين يخرجك قومك؟ قال: أومخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يلبث ورقة أن توفي).
قوله: (يا ليتني) الضمير يعود على أيام الدعوة.
قوله: (جذعًا) الجذع هو الصغير من البهائم.
في قوله: (يا ليتني..) جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل الخير؛ لأن ورقــة تمنى أن يعود شابًا وهو مستحيل عادة.
قوله: (أو مخرجي هم) استبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه؛ لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج، لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق.
قوله: (لم يأت أحد بمثل..) ذكر ورقة العلة في إخراجه هو مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم، ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك.
36 ـ ما أول ما أنزل من القرآن؟
أول ما أنزل من القرآن قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1، 2].
قال النووي: (هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف).
لحديث عائشة السابق (قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ.. قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق..).
فقوله: (ما أنا بقارئ) أي لا أحسن القراءة .
ـ هذا صريح في أنه لم يقرأ قبل ذلك شيئًا.
ـ ولأن الأمر بالقراءة في الترتيب قبل الأمر بالإنذار.
37 ـ ثم ماذا حدث بعد ذلك؟
انقطع الوحي.
وقد اختلف كم كانت مدة انقطاعه؛ قيل: كانت ستة أشهر، وقيل: كانت أربعين يومًا.
38 ـ ما الحكمة من هذا الانقطاع؟
ـ ليحصل للرسول صلى الله عليه وسلم التشوق إلى العود.
ـ تأكيد أن الوحي ظاهرة منفصلة عن ذات الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولقد جزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الانقطاع.
39 ـ ماذا حدث بعد هذا الانقطاع؟
بعد هذا الانقطاع نزل عليه الوحي مرة أخرى.
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله: يا أيها المدثر قم فأنذر، إلى قوله: والرجز فاهجر) متفق عليه.
فحمي الوحي وتواتر.
فكان أول ما نزل بعد فتور الوحي: (يا أيها المدثر..).
فائدة:
صفة الوحي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم توافق صفة الوحي إلى من تقدمه من النبيين.
كما قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163].
40 ـ اذكر مراتب الوحي كما ذكرها ابن القيم؟
قال ابن القيم:
1- الرؤيا الصادقة:
كما في حديث عائشة السابق (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة).
2 _ ما يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه:
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في رُوعي أن لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) رواه ابن ماجه.
قوله: (روعي) أي قلبي.
3 _ أنه كان يتمثل له الملَك رجلاً:
كما في حديث عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) رواه مسلم.
4 _ أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه:
عن عائشة (أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال..) رواه البخاري.
(صلصلة الجرس) الصلصلة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين .
(وهو أشده علي) قال الحافظ: يفهم منه أن الوحي كله شديد، لكن هذه الصفة أشدها.
(فيفصم عني) أي يقلع عني ويتجلى ما يغشاني .
ـ كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك.
كما تم ذلك في الإسراء والمعراج حيث فرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس وتردد عليه في ذلك عدة مرات يسأله التخفيف وكان ذلك بإرشاد موسى عليه السلام.
41 ـ اذكر مراحل الدعوة خلال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
المرحلة الأولى: الدعوة سرًا، واستمرت ثلاث سنين.
المرحلة الثانية: الدعوة جهرًا، واستمرت بقية حياته صلى الله عليه وسلم.
42 ـ اذكر أول أول من أسلم؟
من النساء: خديجة بنت خويلد.
من الرجال: أبو بكر الصديق، حيث قال صلى الله عليه وسلم لعمر: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال: أبو بكر: صدق..) رواه البخاري.
وقال هو عن نفسه عندما اختير خليفة للمسلمين: (ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم) رواه الترمذي.
ومما يدل على قدم إسلام أبي بكر قول عمار: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر) رواه البخاري.
وقد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال.
ومن الصبيان: علي بن أبي طالب، أسلم وعمره عشر سنين كما رجح ذلك الحافظ ابن حجر.
ومن الموالي: زيد بن حارثة، ففي قول عمار السابق (.. إلا خمسة أعبد..).
قال الحافظ ابن حجر: (الأعبد هم: بلال، وزيد بن حارثة، وعامر بن فهيرة..).
43 ـ هل ورقة بن نوفل من السابقين؟
نعم، فقد صدق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (.. يا ليتني فيها ـ أي أيام الدعوة ـ جذعًا حين يخرجك قومك… وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا).
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين) رواه البزار.
وقال أيضًا: (قد رأيته فرأيت عليه ثياب بيض) رواه أحمد.
44 ـ اذكر بعض من أسلم على يد أبي بكر؟
عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبـد الرحمن بن عوف، وسعـد بن أبي وقـاص، وطلحة بن عبيد الله.
ـ في هذا فضل أبي بكر، وأنه أول داعية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ـ بيان فضل الدعوة إلى الله، وفضل من يهدي الله على يديه فردًا أو أفرادًا.
45 ـ اذكر بعض السابقين إلى الإسلام؟
سعد بن أبي وقاص، فقد جاء في رواية صحيحة أنه بقي أسبوعًا: ثالث مسلم.
والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وبلال بن رباح.
فقد قال عمار: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر).
وقال ابن مسعود: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد) رواه أحمد.
عمرو بن عنبسة. فقد قال: (فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الإسلام).
ففي فترة وجيزة وصل عدد الذين سبقوا إلى الإسلام من بطون قريش إلى أكثر من أربعين نفرًا.
من بداية الدعوة سراً الى الجهر بالدعوة
46 ـ ما الحكمة في أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته سريًا؟
ـ الدعوة السرية فرصة للتربية، والتكوين، ومرحلة لإعداد المؤمنين حتى يشتد عودهم، وتقوى على تحمل البلاء نفوسهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءهم بدين لم يعرفوه، وبأمر لم يألفوه، فلو أنه واجههم به لأول وهلة لحالوا بينه وبين الاتصال بالناس، ولم يمكنوه من تبليغ دعوته، وحينئذ لم يتوفر لديه فرصة الالتقاء بمن آمنوا به ليعلمهم ويفقههم في الدين، ويربيهم التربية التي تؤهلهم للنهوض بالعبء الضخم الذي ينتظرهم.
ـ تعليم للدعاة وإرشاد لهم في كل زمان ومكان إلى مشروعية الأخذ بالحيطة والأسباب الظاهرة.
47 ـ من أكثر الناس استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
أكثر الذين استجابوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم من الضعفاء والموالي، وهم أقرب الناس إجابة لدعوة الرسل؛ لأنهم لا يصعب عليهم أن يكونوا تبعًا لغيرهم، أما الكبراء وأهل الجاه والسلطان فيمنعهم الكبر وحب الجاه والرفعة عن الانقياد غالبًا.
كما قال تعالى في قوم نوح عليه السلام: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27].
48 ـ كيف بدأت الدعوة الجهرية؟
بدأت بنزول قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].
عن علي قال: (لما نزلت هذه الآية ـ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ـ قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي بالجنة..) رواه أحمد.
ثم دعاهم ثانية … فقال أبو طالب: فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
49 ـ ما الحكمة في البداية أولاً بالأقربين؟
قال ابن حجر: (والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولاً أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم وإلا فكانوا علة للأبعدين في الامتناع، وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة فيحابيهم في الدعوة والتخويف، فذلك نص له على إنذارهم).
50 ـ ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك؟
بعدما تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته، قام على الصفا وصدع بالدعوة.
عن ابن عباس قال: (لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتكم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب عظيم، قال أبو لهب: تبًا لك ما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام فنزلت: تبت يدا أبي لهب وتب) متفق عليه.
قوله: (أرأيتكم إن أخبرتكم..) أراد بهذا تقريرهم بأنهم يعلمون صدقه إذا أخبر عن الأمر الغائب.
51 ـ هل عاقب الله عز وجل أبو لهب؟
نعم، فإن الله لم يترك أبو لهب بل سجله له في سورة تتلى إلى يوم القيامة، فكانت لعنة عليه في الدنيا حتى يلقى جزاءه في الآخرة فقال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ.وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 1 ـ 5].
(تبت يدا أبي لهب) أي هلكت يدا ذلك الشقي. (وتب) وخاب وخسر. (وامرأته) أم جميل أروى بنت حرب وكانت عونًا لزوجها على كفره وجحوده، ولهذا تكون يوم القيامة عونًا عليه في عذابه في نار جهنم.
(حمالة الحطب) تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: كانت تمشي بالنميمة.
52 ـ اذكر بعض من أسلم خلال الدعوة الجهرية؟
ضماد من أزد شنوءة.
عن ابن عباس (أن ضمادًا قدم مكة وكان يرقي من الريح، فسمع سفهاء أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يديّ، قال: فلقيه، فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، فقال: هاتك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعلى قومك، قال: وعلى قومي) رواه مسلم.
53 ـ اذكر بعض أساليب المشركين في محاربة الدعوة؟
1ـ التهديد بمنازلـة الرسول وعمه أبي طالب.
ففي الحديث (جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: أرأيت أحمد؟ يؤذينا في نادينا، وفي مسجدنا فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل، ائتني بمحمد فذهبت فأتيته به، فقال: يا ابن أخي إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم فانته عن ذلك، قال: فلحظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره (وفي رواية: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره) إلى السماء فقال: ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تشعلوا لي منها شعلة، يعني الشمس، فقال أبو طالب: ما كذب ابن أخي، فارجعوا).
2ـ الاتهامات الباطلـة لصد الناس عنه:
اتهموه بالجنون؛ قال تعالى: {ويقولون إنه لمجنون}.
وقال تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمحنون}.
وقد أجابهم الله في آية القلم: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}.
3ـ اتهموه بالسحر:
قال تعالى: {وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحورًا}.
وقال عنهم: {.. هذا ساحر كذاب}.
4ـ اتهموه بالكذب:
كما قال تعالى: {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب}.
وقال تعالى: {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون}.
5ـ اتهموه بالإتيان بالأساطير:
قال تعالى: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً}.
وقالوا إن القرآن ليس من عند الله وإنما من عند البشر:
كما قال تعالى: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}.
6ـ السخرية والاستهزاء والضحك.
يقول تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا، أليس الله بأعلم بالشاكرين}.
جاء في البخاري أن امرأة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم ساخرة مستهزئة: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثًا! فأنزل الله: {والضحى والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى}.
(ما ودعك) ما تركك. (وما قلى) ما أبغضك.
وروى البخاري (أن أبا جهل قال مستهزئًا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}).
وجاء في مسند الإمام أحمد (أن أشراف قريش اجتمعوا يومًا في الحجر يتذاكرون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وبينما هم في ذلك إذا طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطوف بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول ثلاث مرات، فقال لهم: يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح …).
(وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقال هؤلاء جلساؤه {منّ الله عليهم من بيننا} قال تعالى: {أليس الله بأعلم بالشاكريـن}.
وكانوا كما قص الله علينا:
{إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وإذا مروا بهم يتغامزون. وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون. وما أرسلوا عليهم حافظين}.
7ـ تشويه تعاليمـه وإثارة الشبهات، وبث الدعايات الكاذبة:
قالوا عن القرآن: (أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً).
وقالوا (إن هذا إلا إفك افتراه وأعانـــه عليه قوم آخرون).
وكانوا يقولون أيضًا (إنما يعلمه بشر).
54 ـ هل الاستهزاء سنة ماضية في أنبياء الله ورسله؟
نعم؛ ولذلك قال الله لنبيه مسليًا: {ولقد استهزىء برسل من قبلك. فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون}.
فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أن الكفار استهزءوا برسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم حاق بهــم العذاب بسبب ذلك.
55 ـ اذكر بعض أنواع الاستهزاء الذي وقع لأنبياء الله قبل نبينا؟
قول قوم هود له: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء}.
وقال قوم صالح له {يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين}.
وقال قوم لوط فيما حكى الله عنهم: {لئن لم تنتـه يا لوط لتكونن من المخرجين} وقال عنهم: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم}.
وقال قوم شعيب: {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفًا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}.
56 ـ ماذا فعلت قريش عندما لم تثمر الأساليب الماضية في صد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دينهم؟
لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء الجسدي.
57 ـ اذكر بعض الاعتداءت الجسدية على النبي صلى الله عليه وسلم؟
1ـ عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) رواه البخاري.
2 _ وعن ابن مسعود قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض، فأقبلت فاطمة فطرحته عنه، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم… فوالذي بعث محمدًا بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى يوم بدر) رواه البخاري.
(ثبت بالروايات الصحيحة أن الذي رمى الفرث عليه هو عقبة بن أبي معيط).
(السلى) هي الجلدة التي يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم.
وعن أنس قال: (لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ فتركوه وأقبلوا على أبي بكر) رواه أبو يعلى. قال ابن حجر: بإسناد صحيح
وعن أبي هريرة قال: (قال أبو جهل: يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه، فأتى رسول الله وهو يصلي ـ يزعم ليطأ رقبته ـ فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقالوا: مالك يا أبا الحكم، قال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهوْلاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) رواه مسلم.
قال النووي: (ولهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل وغيره ممن أراد به ضررًا). (حاولت أم جميل ـ زوجة أبي لهب ـ أن تعتدي عليه بحجر فحماه الله منها) رواه البيهقي.
58 ـ اذكر بعض أنواع العذاب الذي لا قوه المسلمون؟
عن ابن مسعود قال: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمار وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد) رواه أحمد.
ثم اشترى أبو بكر بلالاً فأعتقته.
(ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بآل ياسر وهم يعذبون فقال: أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة) رواه الحاكم.
وكان أول من استشهد في سبيل الله من هذه الأسرة خاصة ـ وفي الإسلام عامة ـ أم عمار، سمية بنت خياط، فقد طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فماتت من جراء هذا الاعتداء العظيم، ومات ياسر في العذاب.
وتفننوا في إيذاء عمار، حتى أجبر على أن يتلفظ بكلمة الكفر بلسانه، وقد ذكر جمهور المفسرين، أن من أسباب نزول الآية الكريمة {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} هو موقف عمار بن ياسر.
وممن نال الأذى والتعذيب خباب بن الأرت. وممن ورد في ذلك:
(أنهم كانوا يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذبًا، ويلوون عنقه بعنف وأضجعوه مرات عديدة على صخور ملتهبة ثم وضعوه عليها فما أطفأها إلا ودك ظهره).
(وعن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: ادن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار، فجعل خباب يريه آثارًا بظهره مما عذبه المشركون) رواه ابن ماجه.
ومن شدة الأذى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله ليخفف من العذاب:
(قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهــو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت يا رسول الله: ألا تدعو لنا؟ فقعد ـ وهو محمر وجهه ـ فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله) رواه البخاري.
وعن سعيد بن زيد قال: (والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر) رواه البخاري.
(لموثقي) أي أن عمر ربطه بسبب إسلامه إهانة له وإلزامًا بالرجوع عن الإسلام.
(واعتدوا على عمر بن الخطاب عندما أسلم، وحاولوا قتله لولا أن أنقذه الله بالعاص بن وائل).
59 ـ ما الحكمة من هذه الابتلاءات؟
ـ ما حدث من تعذيب للمسـلمين هو تقرير وتأكيد لقوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} ولقوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} ولقوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا}.
ـ في الابتلاء تمحيص للمؤمنين، ومحق للكافرين {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 42]، فلابد من امتحان النفوس ليظهر بالامتحان الطيب من الخبيث.
ـ أن الأنبياء أشد الناس بلاء ، وهذا من المتقرر شرعًا وعقلاً، أنه كلما تشبث المسلم بدينه وشرع ربه انهالت عليه البلايا والمحن من كل حدب وصوب.
ولهذا جاء في حديث سعد بن أبي وقاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه الترمذي.
ولذلك كان أشد الناس بلاء في هذه الأمة هو الحبيب صلى الله عليه وسلم كما سبق.
ـ سنة الله في التكذيب بالرسل من قبل أقوامهم كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن} وقال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} وقال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: 43].
قال ابن القيم: فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين: إما أن يقول أحدهم آمنا، وإما أن لا يقول آمنا، بل يستمر على عمل السيئات، فمن قال آمنا امتحنه الرب عز وجل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب.
60 ـ أين كان يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في بداية الدعوة؟
في دار الأرقم بن أبي الأرقم.
61 ـ لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم بالذات؟
قال المباركفوري: (لأن الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، ولأنه من بني مخزوم التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، إذ يستبعد أن يختفي الرسول صلى الله عليه وسلم في قلب العدو، ولأنه كان فتى صغيرًا عندما أسلم في حدود الست عشرة سنة، إذ أنه في هذه الحالة تنصرف الأذهان إلى منازل كبار الصحابة).
سلسلة الرائعة السمعية للشيخ صالح المغامسي الأيام النضرة في السيرة العطرة