التصنيفات
القضايا الإسلامية

الخــواف الإســلامِي بين الحقيقة والتضلِيل

الخــواف الإســلامِي بين الحقيقة والتضلِيل


الونشريس

الونشريسأن خطابنا الإسلامي بحاجة ملحة إلى تطوير، وهذا لا يعني تغيير الثوابت والأهداف، بل تغيير أساليب الدعوة وطرائق البيان وفنون التعليم؛ وذلك لأننا تعودنا الحديث إلى أنفسنا وأن غيرنا لا يسمع صوتنا، أما الآن فما يقال في مكان يصل إلى أطراف العالم كله لأن العالم صار بمنزلة قرية صغيرة، وما يقال للمسلمين من أحكام فقهية غير ما يقال لغير المسلمين من البدء بالعقيدة ثم التدرج معه، وما يقال للمسلم الجديد غير ما يقال للمسلم العريق، كما أن الحوار أو الخطاب يختلف باختلاف المدرسة التي ينتمي إليها الداعية ويعبّر عنها، والأولى أن يجمعَ الخطابُ بين روحانية المتصوف وتمسك الأثري، وعقلانية المتكلم، وعلمية الفقيه، يأخذ من كل صنف خيرَ ما عنده، وإننا بحاجة إلى مراعاة الانتقال من الشكل والمظهر إلى الحقيقة والجوهر، ومن الجدل إلى العطاء والعمل، ومن العاطفية إلى العقلانية، ومن الفروع إلى الأصول، ومن التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير، ومن الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد، ومن التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق، ومن الغلو إلى الوسطية، ومن العنف إلى الرفق والرحمة، ونؤكد هنا ان الأبحاث المنشورة تمثل راي كاتبها

الخواف الإسلامِي بين الحقيقة والتضلِيل
النص

على الرغم من أن مسألة التخويف من الإسلام قديمة نسبياً – من حيث ظروفها وملابساتها… بيد أنها لم تشحن في العقلية الغربية بصورة مركزة ومكثفة على هذا النحو الأسوأ من نوعه في التاريخ إلا في أواخر القرن العشرين؛ فلقد كانت ثلة من المعنيين بالشؤون الإستراتيجية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما المفكرون والفلاسفة غير الحزبيين، غير مبتهجة بنهاية "الحرب الباردة"، كما أنهم لم يحفلوا كثيراً بأطروحات الكُتَّاب التي تدلل على مدى الزهو والانتشاء الساذج نتيجة الإحساس الغامر ببلوغ العالم نهاية التاريخ على متن الليبرالية الحرة..! فراحوا يبحثون عن عدو جديد تكتمل به ثانية حلقات مسلسل الصراع في الفكر الغربي.!
ولعله من الملاحظ أن هناك إصراراً عجيباً – من جانب غالبية الساسة والمفكرين والكتاب والصحفيين ورجال الكنيسة.. على تعميق القناعات الغربية بأن الإسلام دين تطرف وعنف وإرهاب.. دين غير قادر على التلاقي والتعايش والتسامح والحوار، وغير ذلك من الافتراءات التي أعانهم عليها قوم من بني جلدتنا مع كل أسف ومرارة !..
فأي شكل يمكن أن يفيده الغرب من تلك الهجمة التخويفية الشرسة المنظمة على دين أحوج ما تكون الإنسانية إلى قيمه الروحية وإشعاعاته الحضارية. بعيداً عن دورة التعصب والأنانية التي يتقلب في حمأتها العالم الغربي المعاصر..؟!
الملخص

على الرغم من أن مسألة التخويف من الإسلام قديمة نسبياً – من حيث ظروفها وملابساتها… بيد أنها لم تشحن في العقلية الغربية بصورة مركزة ومكثفة على هذا النحو الأسوأ من نوعه في التاريخ إلا في أواخر القرن العشرين؛ فلقد كانت ثلة من المعنيين بالشؤون الإستراتيجية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما المفكرون والفلاسفة غير الحزبيين، غير مبتهجة بنهاية "الحرب الباردة"، كما أنهم لم يحفلوا كثيراً بأطروحات الكُتَّاب التي تدلل على مدى الزهو والانتشاء الساذج نتيجة الإحساس الغامر ببلوغ العالم نهاية التاريخ على متن الليبرالية الحرة..! فراحوا يبحثون عن عدو جديد تكتمل به ثانية حلقات مسلسل الصراع في الفكر الغربي.!
ولعله من الملاحظ أن هناك إصراراً عجيباً – من جانب غالبية الساسة والمفكرين والكتاب والصحفيين ورجال الكنيسة.. على تعميق القناعات الغربية بأن الإسلام دين تطرف وعنف وإرهاب.. دين غير قادر على التلاقي والتعايش والتسامح والحوار، وغير ذلك من الافتراءات التي أعانهم عليها قوم من بني جلدتنا مع كل أسف ومرارة !..
فأي شكل يمكن أن يفيده الغرب من تلك الهجمة التخويفية الشرسة المنظمة على دين أحوج ما تكون الإنسانية إلى قيمه الروحية وإشعاعاته الحضارية. بعيداً عن دورة التعصب والأنانية التي يتقلب في حمأتها العالم الغربي المعاصر..؟!

المقدمة

غَيْرُ خافٍ عَلَى كُلِّ مُتَحَسِّسٍ أحوالَ المُجْتَمَعاتِ الغَرْبِيَّةِ وَمُتَتَبِّعٍ صَيْرُورَتِها التّارِيخِيَّةِ، وَعارِفٍ بِنَزْعَتِها الدَّاروِينِيَّةِ وَثَقافَتِها الصِّراعِيَّةِ : أنَّ المُجْتَمَعاتِ الاسْتِعمارِيَّةَ مِنْها بِصِفَةٍ خاصَّةٍ : لَيْسَتْ بَعِيدةً فِي تَرْكِيبِها النَّفْسِيِّ عَنْ حالَةِ ذَلِكَ اللِّصِّ الَّذِي يَشْعُرُ دائمًا أنَّ هَواجِسَ الآثامِ تُلاحِقُهُ، وَأنَّهُ مُرَاقَبٌ، وَأنَّهُ مَطْلُوبٌ لِلثَّأرِ مِنْهُ!.. وَأنَّ الرَّفَاهِيَةَ وَحَياةَ « النَّعِيـمِ» الَّتِي يَتَقَلَّبُ فِيها تُوشِكُ أنْ تَتَبَدَّدَ وَتَزُولَ وَتَتَبَدَّلَ…؟! وَقَدْ أدَّى ذَلِكَ بِدَوْرِهِ إلَى الْتِماسِ كُلِّ سَبَبٍ وَتَوَسُّلِ أيَّةِ وَسِيلَةٍ يُمْكِنُ أنْ يَتَلاشَى بِهِا هَذا الشُّعُورِ، الَّذِي أخَذَ يَتَنامَى وَتَتَصاعَدُ وَتِيرَتُهُ فِي سِياقِ التَّداعِياتِ الهائلَةِ لِنهايَةِ ما يُعْرَفُ بِـ« الحَرْبِ البارِدَةِ» مَطْلِعَ تِسْعِينِيَّاتِ القَرْنِ العِشْرِينِ، حَيْثُ نَشأتْ حالَةٌ مِنَ الفَراغُ الاسْتِراتِيجِيُّ الغَرْبِيِّ الَّذِي جَلَبَ مَعَهُ مَزِيدًا مِنَ القَلَقِ الوُجُودِي وَالتَّوَجُّسِ وَالخَوْفِ والتَّرَقُّبِ إزاءَ مَجْهُـولٍ ما؟.. يُمْكِنُ أنْ يأتِي عَلَى حِينِ غِرَّةٍ فَيَذْهَبُ بِأمَلِهِ في الحَياةِ الهانِئةِ المُسْتَقِرَّةِ أدْراجَ الرِّياحِ!… ما أدَّى بِدَوْرِهِ إلَى تَضَخُّمِ الهاجِسِ الأمْنِيِّ الغَرْبِيِّ بِصُورَةٍ فِيها مُبالَغَةٌ شَدِيدَةٌ!…

فَالغَرْبُ لَمْ يَألَفْ قَطٌّ أنْ عاشَ بِهَذِهِ الطَّفْرَةِ الأمْنِيَّةِ المُتَفَرِّدَةِ، تِلْكَ الطَّفْرَةُ الَّتِي مِثْلَما كانَتْ مَبْعثَ إحساسٍ طاغٍ بالقُوَّةِ المادِّيَّةِ الجَدِيرَةِ بِتَتْوِيجٍ إمْبِراطُورِيٍّ عالَمِيٍّ مَهِيبٍ وَعَظِيمٍ… كانَتْ مَبْعَثَ تَوَجُّسٍ غَرْبِيٍّ مِنْ شَيءٍ ما كامِنٍ فِي مَطاوِيَ الأقْدارِ قَدْ يَقْطَعَ مِنْ لَذَةِ تَجَلِّياتِ هَذا الحُلْمَ الواقِعِيَّ الفَرِيدِ فِي لَحْظَةٍ ما…؟!!

وَلَعَلَّنا نُلاحِظُ أنَّه فِي الوَقْتِ الَّذِي بَشَّرَ فِيهِ « فَرانْسِيس فُوكُوياما» بِفَجْرِ القُوَّةِ الكَوْنِيَّةِ الجَدِيدَةِ… سادِلاً السِّتارَ التَّارِيِخِيَّ عَلَى الفارِسِ الغَرْبِيِّ وَهُوَ مُتَّشِحٌ لأمَةَ اللِّيبْرالِيَّةِ الحُرَّةِ، وَمَسْكُونٌ بِنَشْوَةِ الانْتِصارِ وَبِحُلْمِ السِّيادَةِ الَّذِي بَدا وَكَأنَّهُ حَقِيقةً لا مِراءَ فِيها..! نَجِدُ أنَّ « هنتينجتون» يُقَرِّر بِأَنَّ هَذِهِ النَّظَرِيَّةَ مَحْضُ أوهامٍ وَأضْغاثُ أحْلام!.. فَما زالَتْ هُناكَ تَيَّاراتٌ حَضارِيَّةٌ تُغَذِّيها العَقِيدَةُ وَيُحَرِّكُها التّارِيخُ… تَتَدافَعُ خَلْفَ سِتارِ الأحْداثِ لِتَقْطَعَ عَلَى الفارِسِ الغَرْبِيّ نَشْوَةَ الانْتِصارِ.. مُشِيرةً إلَيْهِ بِأنَّ مَعْرَكَةَ « نَهايَةِ التَّارِيخِ» لَمْ تُحْسَمْ بَعْدُ، بَلْ لَمْ تَزَلْ فِي مُتَوالِيَةِ « الصِّراعِ الحَضارِيِّ» جَولاتٌ أُخْرَى!… الأمْرُ الَّذِي كَرَّسَ مِنْ حالَةِ الخَوْفِ هاتِهِ، لِتَتَخَلَّقَ وَتَتَطَوَّرَ فِي اللاَّوَعْي الغَرْبِيِّ مِنْ جَدِيدٍ بِصُورَةٍ حَثِيثَةٍ وَخَبِيثَةٍ، حَيْثُ بَدَا ذلِكَ الخَوْفُ مَوْهُومًا وَمُفْتَعَلاً أكْثَرَ مِنْهُ حَقِيقَةً وَواقِعًا.. بل أضْحَى لازِمَةً وَضَرُورَةً مِنْ ضَرُوراتِ الحَياةِ في المُجْتَمَعاتِ الغَرْبِيَّةِ!.

وَلَقَدْ كانَ عَجِيبًا أنْ يَتَحَبَّبَ الغَرْبِيُّونَ إلَى هَذا الخَوْفِ بِاعْتِبارِهِ أحَدَ الرَّوافِدِ الإيجابِيَّةِ لِتَحْقِيقِ حياةٍ آمِنَةٍ، فَهُوَ الباعِثُ عَلَى التَّسَلُّحِ وَالتَّأهُّبِ وَالمُرابَطَةِ الدَّائمَةِ فِي مُواجَهَةِ الأعْداءِ القائمِينَ أو المُحْتَمَلِينَ… وَهُوَ الدِّافِعُ إلَى خَلْقِ المَزِيدِ مِنْ فُرَصِ التَّنْمِيَةِ المُرْتَكِزَةِ عَلَى السَّطْوِ وَالسَّلْبِ وَالنَّهْبِ وَاللُّصُوصِيَّةِ الحَضارِيَّةِ للاسْتِزادَةِ مِنْ فائضِ القِيمَةِ الرَّأسِمالِيِّ، الَّذِي يُؤَمِّنُ فُرَصًا أفْضَلَ لِلْحِياةِ الدُّنْيَوِيَّةِ!… وَبِدُونِ هَذا الخَوْفِ : يَخْلُدُونَ إلَى الدَّعَةِ وَالرَّاحَةِ وَالطُّمَأنِينَةِ الجالِبَةِ لِمَزِيدٍ مِنَ الأخْطارِ… وَالمُؤْذِنَةِ بدخُولِ الغَرْبِ فِي دَوْرَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ المُشْكلاتِ السِّياسِيَّةِ والاقْتصادِيَّةِ والحضارِيَّةِ والاجْتِماعِيَّةِ وَغَيْرِها!…

فَمِنَ المُسَلَّماتِ اليَقِينِيَّةِ، أنَّ الحَيَاةَ فِي الفِكْرِ الغَرْبِيِّ : « لا يُمْكِـنُ أنْ يَحْياها البَشَرُ وَتَسْتَمِرَّ إلاَّ عَلَى حِسابِ حَيَـاةِ بَشَرٍ آخَرِين»!. ذَلِكَ، بِأنَّ الحَيَاةَ كما يَراها « فِريدريك نِيتشَه» مَثَلاً، هِيَ : النِّمُـوُّ؛ وَهِيَ : الرَّغْبَةُ فِي الاقْتِناءِ؛ وَهِيَ : إرادَةُ السَّيْطَرَةِ عَلَى الآخَرِينَ»!؛ وإنَّ الطّابَعَ المُمَيِّزَ لَهَذِهِ الحَياةِ هُوَ : سَهُولَةُ هَضْـمِ ما لِلآخَرِينَ مِنْ حُقُوقٍ…! وَإِيذاءُ مَشاعِرِهِمُ وَتَشْوِيهُ عَقائدِهِمُ وَهَـدْمُ آمالِهِمُ وَتَعْمِيقُ آلامِهِمُ وَتَحْطِيمُ أحْلامِهِمُ وَإِفْناءُ وُجُودِهِمُ وَإذهابُ أثَرِهِمُ…! وَلا يُمْكِـنْ أنْ تُفْهَمَ الحَيَاةُ عَلَى غَيْرِ هَذَا النَّحْوِ العُدْوانِيِّ؛! ثُمَّ إنَّ هَذَا العُدوانَ سيَجِدُ مُقَاوَمةً مِنْ أُولَئكَ الآخَرِينَ بِطَبِيعَةِ الحالِ، وَحَيْثُ يَصْطَدِمُ هَؤلاءِ بِأُولَئكَ… تَزِيدُ المُقَاوَمَةُ وَتَشْتَدُّ الخُصُومَةُ وَتَتَصاعَدُ وَتِيرَةُ العُنْفِ والصِّراعِ.. كُلَّما زَادَ الإحْساسُ الحَقِيقِيُّ بِقِيمَةِ الحَيَاةِ!؛ وَلَمّا كانَ فِي المُقَاوَمَةِ أخْطـارٌ.. فإنَّ الحَيَاةَ تَنْشُدُ الأخْطارَ؛ فَكَأنَّ إرادةَ الحَياةِ لَدَى « نِيتشَه»، هِيَ فِي الوَقْتِ ذاتِهِ : إرادَةُ الخَطَـرِ؛ وَلِذا نَراهُ يَقُولُ : « لِكَي تَجْنِيَ مِنْ الوُجُـودِ أسْمَى ما فِيهِ : عِشْ فِي خَطَـرٍ». وَلَقَدْ كانَ الإيعازُ بِالاسْتِخْدامُ الفاحِشُ لِلقُوَّةِ شَيئًا بَدِيهِيًّا فِي سِياقِ مُواجَهَةِ أيِّ خَطَرٍ أو تَهْدِيدٍ يُمْكِنُ أنْ يَعْرِضَ لِلْمُجْتَمَعاتِ الغَرْبِيَّةِ بَيْنَ يَدَي أيَّةِ تَغَيُّراتٍ مُحْتَمَلَةٍ فِي مَوازِينِ القُوَى الدِّوَلِيَّةِ!…

وَفِي مُحاوَلَةٍ لإعادَةِ إنتاجِ الخَوْفِ مِنَ الآخَرِ فِي اللاَّوَعْي الغَرْبِيِّ، انْبَرَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنْ مُنَظِّري الـ« سِي آي إيه» فِي التَّحْضِير لِجَولاتٍ قادِمَةٍ مِنَ الصِّراعِ الَّذِي تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ النَّفْسِيَّةُ الغَرْبِيَّةُ مُنْذُ قَدِيمٍ!… وَلَقَدْ كانَ مِنَ المُؤْسِفِ أنْ تُوضَعَ الحضارَةُ الإسْلامِيَّةُ فِي مُقابِلِ مُتَوَاليَةٍ هُجومِيَّةٍ غَرْبِيَّةٍ مُحْتَدَمَةٍ… تُعِيدُ إنتاجَ القَوالَبِ التّارِيخِيَّةِ وَالصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ المَغْلُوطَةِ وَالمُزَيَّفَةِ عَنِ الإسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ!… وَتَرَى فِي الإسْلامِ العَدُوَّ التَّقْلِيدِيَّ، وتَنْظُرُ إلَى عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ وَإلَى القِيَمَ الإسلامِيَّةِ عَلَى أنَّها بِمَثابَةِ جَبْهَةِ تُمَثِّلُ المَوْقِفَ الإيمانِيَّ الرّافِضَ- بكُلِّ ثِقَةٍ واقْتِدارٍ- لِجَمِيعِ البَدائِلِ العَالَمانِيَّةِ المَطْرُوحَةِ مَعَ مَوجَةِ المَدِّ العَولَمِيِّ الغَرْبِيِّ الَّتِي تَجْتاحُ العالَمَ المُعاصِرَ…!

وَمِنْ ثَمَّ، فَإنَّ هَذِهِ الدِّراسَةَ تَنْطَلِقُ مِنَ الاعْتِقادِ الإيجابِيِّ الصّارِمِ بِأنَّنا عَلَى القَدْرِ الَّذِي نَبْدُو بِهِ رافِضِينَ لِكُلِّ ظُلْمٍ يُمْكِن أنْ يَقَعَ عَلَينا أو عَلَى غَيْرِنا، فَإنَّنا مِنْ خِلالِ هَذِهِ السُّطُورِ : نُحاوِلُ إزالَةَ الألْغامِ الأيْدُيُولُوجِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ كُلِّ سالِكٍ دَرْبَ الحَقِيقَةِ وَكُلِّ مُلْتَمِسٍ سُبَلَ الهِدايَةِ إلَى صِراطِ الله المُسْتَقِيمِ لِيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ!… وَفِي هَذا تَأكِيدٌ لِحَقِّنا فِي تَفْنِيدِ الشُّبَهِ وَرَدِّ المُفْتَرَياتِ وَتَرْشِيدِ كُلِّ اجْتِراءٍ يَطالُ كُلَّ غايَةٍ مِنْ أجْلِ بِلُوغِها خَلَقَنا اللهُ I فِي هَذا الوُجُودِ- والَّتِي مِنْ أهَمِّها : تَحَرِّي التَّعَرُّفِ إلَى الدِّينِ الحَقِّ وَمَنْطِقِ الفِطْرَةِ وَالمِيزانِ الَّذِي تَنْتَصِبُ فِي ضَوئهِ علاقاتُ النّاسِ مَعَ بَعْضِهِمُ البَعْضِ وَتَتَأكَّدُ أواصِرُهُم وَمَساعِيهمِ الاسْتِخلافِيَّةِ التَّي تُثْرِي وَجْهَ الحَياةِ… ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ الحُجُراتِ/13. بَلِ انْتَدَبَ الإنْسانِيَّةِ المُؤمِنَةَ بِرسالَةِ التَّوحِيدِ لِتَأكِيدِ هَذِهِ الغاياتِ المُحَقِّقَةِ رِضاءَ اللهِ وَسَعادَةِ الإنسانِ في الدُّنيا وَالآخَرَةِ!… ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[ النحل/97.

وَلَمَّا كانَ التَّخْوِيفُ الغَرْبِيُّ مِنَ الإسْلامِ داخِلاً فِي إطارِ الدَّجَلِ وَالافْتِئاتِ بِإصْدارِ الأحْكامِ المُسْبَقَةِ وَتَسْوِيقِ المُغالَطاتِ وَخارِقًا لِسُنَنِ وَقَوانِينِ التَّعارُفِ بَيْنَ البَشَرِ وَقاطِعًا طَرِيقَ الحَياةِ الطِّيَّبَةِ وَالسَّعادَةِ عَلَيْهِم… فَإنَّ مِنَ الضَّرُورَةِ بِمَكانٍ : اسْتِدْعاءُ الجُهُودِ المُخْلِصَةِ المَعْنِيَّةِ بِتَجْلِيَةِ المَعالِمِ الحَضارِيَّة لِلإسْلامِ.. وَالمَنُوطُ بِها الكَشْفِ المَنْهَجِيِّ الأمِينِ عَنْ مَواطِنِ العَظَمَةِ وَالعَبْقَرِيَّةِ الإيجابِيَّةِ الفاعِلَةِ فِي مَشْرُوعِنا الحَضارِيِّ الإسلامِيِّ… تَحَرِّيًّا لِما يُمْكِنُ أنْ تَفِيدَهُ البَشَرِيَّةُ مِنْ رِسالَةِ الإسْلامِ بِصُورَةٍ عَمَلِيَّةٍ وَمُتَكامِلَةٍ… تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى كُلِّ ذِي غايَةٍ رَخِيصَةٍ وَمَقْصِدٍ شَرِّيرٍ غَيْرِ شَرِيفٍ… يُحاوِلُ النَّيْلَ مِنَ الإسْلامِ وَرَسُولِهِ r بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ التَّخْوِيفِيَّةِ الخَبِيثَةِ!…

إنَّ هَذِهِ الدِّراسَةَ مُحاوَلَةٌ لِتَأكِيدِ وَتَكْرِيسِ- بَلْ وَتَكْثِيفِ الثِّقَةِ المُطْلَقَةِ بِصَلاحِيّاتِ المَنْهَجِ الإسْلامِيِّ لانْتِظامِ حاضِرِ الإنسانية وَمُسْتَقْبَلِها بِلا تَعَسُّفٍ وَلا ابْتِسارٍ وَلا مُزايَدَةٍ… وَبِما لا يَدَعَ مَجالاً لِشَكِّ الشَّاكِّينَ أو لأباطِيلِ المُرْجِفِينَ أو لِتَرَدُّدِ المُتَرَدِّدِينَ أو لِغَفْلَةِ الغافِلِين…؛!

إنَّ هَذِهِ الدِّرَسَةَ تَضَعُ فَرَضِيَّةَ « الإسْلامِ فوبيا» فِي مُخْتَبَرٍ عِلْمِيٍّ نَزِيهٍ مَعْنِيٍّ بالحَقِيقَةِ المُجَرَّدَةِ فَحَسْبُ، تَعْتَمِدُ مَنْهَجِيّةً وَسَطِيَّةً، وَتُتِيحُ لِلمَعْنِيِّينَ رُؤْيَةً دَقِيقةً مُتَوازِنةً لِحَقائِقِ الأشياءِ وطبائِعِ الظَّواهِرِ الماثَلِةِ في ذَلِكَ الواقِعِ الإنسانِيِّ الساخِنِ!… فَلَرُبّما كانَ ثَمَّةَ تَوَرُّعٌ عَنْ هَذِهِ الحَمْلَةِ الظّالِمَةِ عَلَى الإسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ.! لَعَلِّي أكونُ قَدْ وُفِّقْتُ إلَى ذَلِكَ؛!

وَعَلى الله قَصْـدُ السَّبِيـلِ..!