بات معروفا أنّ اللسانيات الحديثة تستهدف الدراسة العلمية للظاهرة اللغوية بمختلف أدواتها الإجرائية وعلى تنوّع جهازها المفاهيمي الواصف ، وبالنظر إلى عمق رصيد أسلافنا المتمثل في التراث اللغوي العربي بشتى حقوله المعرفية كعلم البلاغة ، وعلم النحو ، وأصول الفقه…وغيرها ، وانطلاقا من إشكالين كبيرين : كيف نفهم اللسانيات؟ وكيف نقرأ التراث؟ نتعاطى المقاربة .
إنّ دراسة التراث اللغوي الذي هو نتاج سياق تاريخي ومحيط معرفي خاص تفترض تجنب القطيعة أو الإسقاط قدر الإمكان ، ومن ثمّ تكون محاولة استثمار المناهج اللسانية للكشف عن التطبيقات المختلفة فيه ، إذن الغاية القصوى بين اللسانيات الحديثة والتراث اللغوي العربي تصوُرهما دون انبهار أو تقديس ، فربّ انبهار يقود إلى تحريف ، وتقديس يستطرد التزييف.
ومن خلال الوقوف على هذه المناهج وملاحظة قصور بعضها كالبنيوية والتوليدية التحويلية في استيعاب الظاهرة اللغوية من حيث ربطُها بالاستعمال ؛ ذلك أنّ البنيوية " تُعنى بدراسة المنجز في صورته الآنية بغضّ النظر عن السّياق الذي أُنتج فيه ، أو علاقته بالمرسل وقصده بإنتاجه ؛ ويتمّ ذلك بتحليل مستويات لغة بعينها مثل اللغة العربية بوصفها كيانا مستقلا ، ذات بنية كلية ، وإيجاد العلاقة بين هذه المستويات بدءا من تحليل الأصوات والصّرف والتراكيب إلى تحليل مستوى الدلالة" ، فالنظرة البنيوية للغة هي نظرة تجريدية صورية عامة تعتبر "الكلام والفرد والمتكلم والسّياق غير اللغوي عناصر خارجية عن اللغة ، ومن ثمّ تقوم بإقصائها من مجال الدراسة " ، أمّا التوليدية التحويلية فعلى الرّغم من سعيها نحو التفسير وعدم اكتفائها بوصف الظواهر وذلك "بوضع نظرية تعصم اللغة من سكونها وتمنحها طابعها الإبداعي الخلاق" ؛ فلا يُكتفى بالوصف المجرّد والتصنيف النموذجي لوحدات اللغة وتحديدها داخل نظامها بل مجاوزة ذلك إلى الاهتمام بكيفية حدوث اللغة منتقلة من الموجود بالقوة (اللغة) إلى الموجود بالفعل(الكلام) ؛ أي الكشف عن الحركية الداخلية للغة التي بإمكانها أن تُفسّر – ضمن عملية التبليغ اللغوي- سرّ الطاقة الإبداعية الخلاّقة عند الفرد المتكلم الذي لم يعد لدى التوليديين مجرّد مستقبل للغة يخزّنها في ذاكرته بكيفية سلبية ، إلا أنّ اعتبار اللغة مقدرة عقلية موجودة قبلا في ذهن الإنسان ، ومن ثمّ البحث عن "الكفاءة" التي يمتلكها "المتكلم السامع المثالي" دون الأداء الواقعي للمتكلم الحقيقي قد جعل منها دراسة شكلية تكتفي في دراسة اللغة بوصفها بنية مستقلّة بذاتها دون الاهتمام باستخداماتها وبالمتحدثين بها وبوظائفها ، وابتعدت بتجريدها من الكفاءة إلى نظرية الأداء عن آثار الاستخدام والسّياق .
وظهرت التداولية كمنهج سياقي موضوعه بيان فاعلية اللغة متعلقة بالاستعمال من حيث الوقوف على الأغراض والمقاصد ، ومراعاة الأحوال ، وفقه ملابسات الوضع والإنتاج والفهم ، فالتداولية تنظر إلى اللغة باعتبارها نشاطا يمارس من قبل المتكلمين لإفادة السامعين معنى ما ضمن إطار سياقي ، ولا تكتفي بوصف البنى في أشكالها الظاهرة ، ومن ثمّ فهي نظرية " لا تفصل الإنتاج اللغوي عن شروطه الخارجية ، ولا تدرس اللغة الميتة المعزولة بوصفها نظاما من القواعد المجرّدة ، وإنما تدرس اللغة بوصفها كيانا مستعملا من قبل شخص معين في مقام معين موجّها إلى مخاطب معين لأداء غرض معين " .
لقد عُنيت التداولية بالعناصر اللغوية والعناصر غير اللغوية التي يُنجز فيها الحدث الكلامي ، فلم تهمل الأشخاص المتكلمين ، ولم تقص الكلام ، فهذه العناصر من صميم بحثها ، وكذا لم تهمل السياق والظروف والملابسات ، فالمبدأ العام الذي تقوم عليه هو "الاستناد إلى الواقع الاستعمالي من أجل تفسير الظواهر اللغوية" وبذلك "تعطي للغة حجمها الحقيقي وتسدّ فراغات المناهج السابقة" .
وانطلاقا من مبدأ "الاستناد إلى الواقع الاستعمالي من أجل تفسير الظواهر اللغوية" ، وإيمانا بأهمية الربط بين اللسانيات الحديثة والتراث اللغوي العربي حدّد مؤلف "التداولية عند العلماء العرب" منهج دراسته من خلال إعادة قراءة التراث قراءة تبتعد عن التعسّف في تطبيق المفاهيم تطبيقا قسريا ، مع ضرورة استصحاب خصوصية هذا التراث واستقلاليته مما يجعل منه منظومة مستقلة ومتميزة ومتكاملة .
إنّ تطبيق المفاهيم التداولية على اللغة العربية-كما يرى المؤلف – سيُسهم في وصفها ورصد خصائصها وتفسير ظواهرها الخطابية ؛ فاللغة العربية تمتلك من وسائل الإيضاح والإبانة عن الدلالات المختلفة شأنها في ذلك شأن اللغات الطبيعية تتضمّن بنياتها وظائف دلالية تحقق آلية التواصل بين أفرادها.
ولعلّ أبرز هذه المفاهيم مفهوم "الفعل الكلامي" الذي يتجلى من خلال توظيف مبدأين هامين في دراسة اللغة:
أ.القـصدية: ربط اللغة كمنظومة من القواعد المجرّدة بالأغراض والمقاصد المراد تأديتها في إطار التواصل اللغوي ، فدلالة الكلام مبنية على معرفة المقاصد.
ب.المعطيات السياقية: استحضار متغيرات العالم الخارجي والمكونات الذاتية ، كالبيئة الاجتماعية ، والمعرفة المشتركة بين طرفي الخطاب …وغيرها ، مما يجعل اللغة حية لا ميتة معزوله عن الدلالات اللغوية التي تستمدّ منه .
ومن هنا نطرح التساؤل الآتي: إلى أيّ مدى استثمار المفاهيم التداولية في رصد الأفعال الكلامية في اللغة العربية؟.
قسّم المؤلف كتابه إلى خمسة فصول ، تناول في الفصل الأول"الجهاز المفاهيمي للدرس التداولي المعاصر"ثلاث نقاط رئيسية:
– عرض المناخ العام للنظرية.
– تحديد ماهية التداولية .
– أبرز المفاهيم التداولية.
في تحديد "ماهية التداولية" أشار المؤلف إلى ضرورة ربط كلّ بنية لغوية بمجال الاستعمال ، أو كما عبّر عنه بوظيفة التواصل ، "فالتداولية ليست علما لغويا محضا، علما يكتفي بوصف وتفسير البنى اللغوية ويقف عند حدودها وأشكالها الظاهرة، بل هي علم جديد للتواصل الإنساني يدرس الظواهر اللغوية في مجال الاستعمال … ، فقضية التداولية هي إيجاد القوانين الكلية للاستعمال اللغوي والتعرّف على القدرات الإنسانية للتواصل اللغوي ، وتصير التداولية من ثمّ جديرة بأن تسمى: علم الاستعمال اللغوي" ، فمقياس البحث في اللغة " ربط بنية اللغة بوظيفتها التواصلية ارتباطا يجعل البنية انعكاسا للوظيفة " كما حدّد المتوكل في النظرية الوظيفية ؛ ذلك أنّ كلّ تركيب تترتب ألفاظه تبعا لوظيفة التواصل ؛ أي رصد العلاقات بين الأنماط التركيبية المختلفة والوظيفة الإفصاحية ، وهنا نطرح تساؤلين هامين : هل النظرية الوظيفية التي حدّد أصولها أحمد المتوكل هي نفسها التداولية بموازاة ربط البنية بالوظيفة ؟ ، وهل القول بأنّ التداولية هي علم الاستعمال اللغوي -بمفهومها الواسع- يحقق الكفاية التداولية من حيث الاستقراء أوّلا ، والتقعيد ثانيا ؟ ومعلوم أنّ الاستعمال اللغوي ليس تمثلا منطقيا لغويا فقط ، بل هو إنجاز حدث اجتماعي ذو صبغة تأثيرية فهو(الاستعمال اللغوي) عبارة عن مجموعة سلوكات وتفاعلات لا نهائية ، أليس ذلك أمرا مستعصيا ؟.
وفي حديث المؤلف عن " أبرز المفاهيم التداولية" نلمس طابعا اختياريا ، يبرّره الخلط بين النظريات والمفاهيم ؛ فنظرية الاستلزام الحواري لغرايس ، ونظرية الملاءمة لولسن وسبربر تستثمر المعطيات التداولية ولكن هل تصلح أن تكون مفاهيم إلاّ على وجه معين ؟ ، وكيف نرفع هذا الإلباس ؟.
حين عالج المؤلف مفهوم "الفعل الكلامي" كان جديرا به تقسيمه إلى قسمين : "فعل كلامي مباشر" و"فعل كلامي غير مباشر" ، هذا الأخير يرتبط بالاستلزام الحواري ومسلّماته عند غرايس ، أمّا حديثه عن "متضمنات القول" كمفهوم إجرائي يتعلق برصد جملة من الظواهر المتصلة بجوانب ضمنية من قوانين الخطاب بما تشتمل عليه من "افتراضات مسبقة" ، و"مضمرات قول" مع توضيح الأمثلة ، فحديث عن السّياق بشكل عام ، أو كما اصطلحنا عليه بمفهوم (المعطيات السياقية) -كما أوضحنا سابقا- إلا أنّ الإيجاز سمة غالبة في كشف حدود هذا المفهوم ومتضمناته .
ومن المفاهيم المهملة مفهوم القصدية ، فعلى الرغم من الإشارة إليه في مواضع مختلفة من الكتاب بوصفه مسلّمة تتضمن شبكة من المفاهيم المترابطة كمبدأ الإستراتيجية ، ونمط تنظيم الخطاب …وغيرها إلاّ أنّ هذا المفهوم يحتاج إلى مزيد تفصيل وبسط ، بتخصيص عنصر مستقل يتناوله كون التداولية ، والأفعال الكلامية تتخذ أساسا لها الاستعمال ، والاستعمال ينبني على المقاصد ، فـ "القصد هو في كلّ لحظة من لحظات استعمال اللغة" .
ويمكن وضع المخطط التالي لتوضيح مفاهيم التداولية :
الفعل الكلامي
المعطيات الساقية [ الافتراضات المسبقة ، الأقوال المضمرة]
القصدية [الاستلزام الحواري ، الاسراتيجية ، الحجاج]
أمّا في الفصلين الثاني والثالث "معايير التمييز بين الخبر والإنشاء في التراث العربي" ، و "تقسيمات العلماء العرب للخبر والإنشاء " على التوالي ، فبعد تحديد موقع الظاهرة من منظومة البحث اللغوي ، وشرح معايير التمييز بين الخبر والإنشاء شرحا مفصلا مع توضيح الإشكالات الواردة ، والتوغل في تقسيمات إجمالية وتفصيلية تارة لبعض الفلاسفة (الفارابي ، وابن سينا) ، وأخرى للبلاغيين (السكاكي) ، وثالثة لعلماء اللغة (الجاحظ ، والمبرد ، والأستراباذي) يتبادر إلى أذهاننا التساؤل الآتي: لماذا نعتدّ بمعايير التمييز بين الخبر والإنشاء ما دام كلاهما يحمل فعلا كلاميا إنجازيا ؟ ، وهل تحديد المعايير التمييزية بين الخبر والإنشاء يُعتبر ضرورة منهجية لكشف الأفعال الكلامية ؟ .
وإذا كانت ظاهرة الأفعال الكلامية موسومة بنظرية الخبر والإنشاء في التراث العربي اللغوي ، وكان الخبر والإنشاء من موضوعات البلاغة – على الخصوص- مقصودا لذاته ، تتولّد الحاجة إلى تخصيص فصل تحت عنوان (الأفعال الكلامية عند البلاغيين) ، ولا سيّما في علم المعاني ، وهذا ما لم يشر إليه المؤلف البتة فمعلوم أنّ مباحث البلاغة أقرب منها إلى التداولية من غيرها ، فالبلاغة تداولية في جوهرها ، دليل ذلك تناولهم كيفية إنتاج النص لدى المتكلم وآلية فهمه عند السامع ، ومدى مراعاة الظروف والأحوال المتلبسة بإنجازه ، وذلك من خلال توخي المتكلم أثناء إصدار الحدث الكلامي حال السامع وهيأته ، إلى جانب إدراك السامع لما يبلغه الأوّل من أغراض ومقاصد يسعى إلى توضيحها – في تراكيب معينة – بدلالة القرائن اللفظية والحالية التي تحفّ الكلام الذي يتلفظ به ؛ فتقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء ، وتحديد أنواع الخبر باعتبار السامع والحديث عن مقتضى الحال ، وتأثير العناصر السياقية ، والمقامات المختلفة من صميم بحث التداولية ، وهذا ما نجده خاصة عند أبي يعقوب السكاكي في "مفتاح العلوم" ، وابن سنان الخفاجي في "سرّ الفصاحة" ، وأبي هلال العسكري في "كتاب الصناعتين" ، فمن كيفية الانتقال من المعنى الحرفي إلى المعنى المتضمّن (المستلزم) عبر سلسلة من اللوازم أو الوسائط القريبة والبعيدة ، إلى معاني الأساليب المستفادة من ملاحظة المقاصد والأحوال إلى الشروط التداولية المتعلقة بالمتكلم ، والسامع ، والنص من خلال القوانين العامة للخطاب من حيث اختيار اللفظ المناسب ، والمعنى المناسب ، واللحظة المناسبة… وغيرها من القضايا التداولية.
هذه الخصوبة والحيوية في المباحث البلاغية وتطبيقاتها المختلفة "قد تكون وحدها كافية لأن تمثل كثيرا من مباحث اللسانيات التداولية ، فهي لا تختلف عن اهتمامات التداولية التي هي دراسة اللغة حال الاستعمال" .
وبالوقوف على الفصلين الرابع والخامس الموسومين بـ: "الأفعال الكلامية عند الأصوليين" ، و" الأفعال الكلامية عند النحاة" نلحظ أنّ الأفعال الكلامية تختلف من مجال معرفي إلى آخر ، وأنها في التراث أخصب منها في غيره ، فالأفعال غير محدّدة ولا نهائية.
في"الأفعال الكلامية عند الأصوليين" عالج المؤلف كيفية استثمار مفهوم الأفعال الكلامية ضمن الأسلوبين الخبري والإنشائي ، فنتج عن ذلك مجموعة من الظواهر الكلامية المنبثقة عن الخبر كـ (الشهادة والرواية ، والكذب والخلف ، والوعد والوعيد…وغيرها) مع توضيح الفوارق بينها ؛ فرغم المشابهة الأسلوبية إلا أنّ الاختلاف واقع بحسب القصد والسياق ، من الأمثلة تفريقه بين الشهادة والرواية ؛ من جهتين:
– جهة "نوع المخبر عنه" ، إن كان"المخبر عنه" أمرا عاما لا يختص بمعين فهو (رواية) ، أو أمرا معينا خاصا فهو (شهادة).
– جهة السياق الاجتماعي العام "الرسمي" أو "غير الرسمي" ؛ فإن كان في مقام غير رسمي فهو "رواية" أو في مقام رسمي كأن يكون أمام القاضي ، مثلا فهو "شهادة" .
وهذا مما ينبني عليه معرفة إلى أيّ مدى تتدخّل المفاهيم التداولية كالقصدية (اعتقاد المخبر) ، والسياق (مطابقة الواقع) كأسس تمييزية في فهم معنى النص ، كما تعرّض للأفعال الكلامية المنبثقة عن الإنشاء كـ (الإباحة والإذن …وغيرها ) ، بما تتضمنه من دلالات ومعانٍ لإيضاح الأحكام الشرعية ، فتجليات البعد التداولي في دراسة الأصوليين من خلال تأكيدهم على الوظيفة التواصلية للغة بالنظر إلى جملة الأغراض والمقاصد والملابسات التي تكتنف الخطاب ؛ فاللغة عندهم نظام محكم البناء تشكّل لبناته ألفاظ و تراكيب تضمن التعبير بدقة عن المعاني المختلفة ، واستعمالها يرتبط ارتباطا وثيقا بأدائها التواصلي ، ملاحظة هذا الجانب أدّاهم إلى اشتراط معرفة أسباب النزول و استحضار النص القرآنـي جميعه عند تفسير بعضه ، واستقراء وجوه الدلالة…وغيرها من القضايا التي تتصل بدراسة اللغة حال استعمالها.
فالمؤلف بحقّ أبان الأفعال الكلامية بدقة متناهية لا نكاد نجد لها مثيلا عند غيره من الباحثين الذين تناولوا التداولية في التراث اللغوي العربي بالدراسة ؛ فقد جلّى المبهم ، وفتح كثيرا مما استغلق في كتب الأصوليين من مفاهيم وتطبيقات.
وفي "الأفعال الكلامية عند النحاة" أشار المؤلف إلى عدم إغفال القدماء العرب عن دراسة المعاني والأساليب والأغراض والمقاصد من خلال البحث في الإسناد وعلاقته بالظواهر الأسلوبية ، و ذلك من خلال التعريف بأهمّ المبادئ التداولية المعتمدة في التقعيد اللغوي ، كمبدأ "الإفادة" ، ومبدأ "الغرض والقصد" وكشف علاقتهما بظواهر لغوية كالتعيين (التعريف والتنكير) ، والإثبات والنفي، والتقديم والتأخير، وما ينجرّ عنهما من أساليب نحوية مختلفة كالتأكيد ، والقسَم ، والإغراء والتحذير ، والدعاء ، والاستغاثة والندبة…وغيرها ، إضافة إلى ما يتعلّق بحروف المعاني بما تتضمنه من قوى إنجازية تحدّدها السياقات المناسبة كالعرض والتوبيخ ، والزجر…وغيرها .
لم يقف النحاة في دراستهم للفظ عند حدود الجملة بل تجاوزوها إلى ما يفوقها بحكم أنّ هدفهم الأسمى فهم القرآن الكريم باعتباره نصا متكاملا ؛ فلجأوا إلى إبراز أغراض المتكلم التي ينوي إبلاغها للسامع كوسيلة هامة في التقعيد النحوي ، وتوسّلوا بشتى العناصر التي تتكفّل بإنتاج الخطاب سواء أكانت لغوية أم غير لغوية وسلكوا طريق المعنى في تأديتهم ، فالمعنى عندهم يتبوأ مكانة عالية ، وما تقدّم الألفاظ إلاّ تعبيرا عنه ، ولعلّ الإشارات المبثوثة في مؤلفاتهم توحي بمقدار أهمية ربط اللغة بمستعمليها ، ومن ثمّ اختيار العبارة المناسبة على هدي الظروف والملابسات. لقد أسس النحاة قواعدهم بمراعاة حصول الفائدة لدى المخاطب وتطبيق مبدإ أمن اللبس في أداء التركيب دون أن يعتريه (التركيب) إشكال أو غموض من شأنه أن يذهب بأغراض العرب ومقاصدها في الكلام ، كما سعوا إلى طرد وشمولية تلك القواعد ليتسنى لهم الإحاطة بما في اللغة من ظواهر لئلاّ يعرض إليها الفساد ، فكان تصوّرهم للعلاقة القائمة بين ما نطقت به العرب وما أرادته من العلل والأغراض والمقاصد المنسوبة إليها الأساسَ الذي يُبنى عليه التقعيد .
وهكذا لم يتخذ المفكرون العرب القدماء العبارة اللغوية موضوع دراسة مجرّدا مقطوعا عما يلابسه بل ركنا من أركان عملية تواصل تامة تتضمن مقاما ومتخاطبين بالإضافة إلى المقال نفسه … ورأوا أنّ التواصل لا يتمّ بواسطة مفردات أو جمل بل بواسطة نصوص باعتبار النص وحدة تواصلية متكاملة ، وما يؤيّد أنّ النص هو الوسيلة الطبيعية و المثلى للتواصل هو أنّ علماءنا العرب ميزوا بين القدرة اللغوية والقدرة الخطابية(التواصلية) وهي عندهم (القدرة الخطابية) " تجاوز معرفة أوضاع اللغة إلى معرفة تنظيم الخطاب وأحكام بنيته بما يناسب الغرض المتوخى" ، هذا الترابط القائم بين التراكيب اللغوية و استعمالاتها من خلال الكشف عن ملامح نظرية المعنى والوقوف على تطبيقاتها المختلفة نجدها عند سيبويه في "الكتاب" ، وابن جني في "الخصائص" والرضي الأستراباذي في "شرح كافية ابن الحاجب" …وغيرهم ؛ فمن دلالة الحواس إلى الاحتفاء بالقرائن اللفظية والمعنوية ، ومن امتناع إفساد الأغراض و نقض المعاني ، إلى اقتفاء آثار المعاني ، وتتبّع الوجوه والفروق …وغيرها .
إنّ تبني المنهج التداولي وتوظيفه في قراءة التراث اللغوي العربي -كما يرى المؤلف- "يكون كفيلا بأن يفتح نافذة جديدة على هذا التراث العظيم ، ويوسّع من آفاق رؤيتنا له وإدراكنا لخصائصه الإبستمولوجية والمنهجية" ، وهكذا يعدّ تطبيق المفاهيم التداولية في التراث اللغوي العربي ما هو إلاّ استجابة طبيعية لتمظهرات النص موضوع الدراسة كخطاب تواصلي ، يربط الصلة بين المتكلم والسامع ، بين اللغة والاستعمال ، وعلى تنوّع هذه النصوص بدءا من كونها كلاما عاديا إلى أعلى مراتبه المتمثلة في الإعجاز لا يمكننا أن نحظى بتبيان المعاني والدلالات ما لم نستحضر المقاصد والسياقات ، وهي من عمق رصيد المنهج التداولي ، فـ "التداولية بمقولاتها ومفاهيمها الأساسية كسياق الحال ، وغرض المتكلم ، وإفادة المخاطب …يمكن أن تكون أداة من أدوات قراءة التراث اللغوي العربي في شتى مناحيه ومفتاحا من مفاتيح فهمه بشرط كفايتها الوصفية والتفسيرية لدراسة ظواهر اللغة العربية" .
والحقيقة أنّ كتاب "التداولية عند العلماء العرب" قد ضمّنه صاحبه مباحث هامة تصلح أن تكون مقدمة تعين الباحثين والمبتدئين على وعي الأصول والمفاهيم بلغة سليمة دقيقة منهجية ، فهو محاولة جديدة لاستيعاب تراثنا اللغوي باستثمار المناهج الحديثة ، وإذا كان مدار هذا الكتاب الإشارة إلى قضية بالغة الأهمية تتصل باستعمال اللغة في السياق وخضوعها لمتطلباته إنتاجا وتأويلا ، ومن ثمّ ضرورة فقه الاستعمالات من أجل ضمان سيرورة عملية التواصل بنجاح ، فمن الواجب تتبّع الظاهرة اللغوية بكلّ معطياتها ، معنى ذلك حاجتنا إلى تكثيف الجهود للكشف عن الوجه الآخر للفكر اللغوي العربي تعميقا وإثراءً وتأصيلا.
1- التعاون
أ- قاعدة الكم
ب- قاعدة الكيف
ج- قاعة علاقة الخبر
د- قاعدة جهة الخبر
2- التأدب
أ- قاعدة التشكيك
ب- قاعدة التودد
3- القصد
العبارات الدالة على القصد
4- الإفادة
أ- الإفادة وظاهرة التعيين
ب- الإفادة ومسألتا الذكر والحذف
ج- الإفادة والتقديم والتأخير
د- الإفادة والبدل
* قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة
يقوم التخاطب على عدة مبادئ تَداوليّة، كل مبدأ منها يضم مجموعة من القواعد التي تضبط العمليّة التخاطبية، ومن هذه المبادئ* "مبدأ التعاون" المعروف بـ "الجانب التبليغي"، والمبدأ الثاني مبدأ التأدب" المعروف بـ "الجانب التهذيبي". والثالث "مبدأ القصد"، والرابع "مبدأ الإفادة". ستتناول الدراسة قواعد التخاطب من ناحية نظرية، وأخرى تطبيقية.
————————
* لا بدّ من الإشارة إلى أن المبادئ الأخرى تقوم على جوانب ليست بالأهمية التي يقوم عليه الجانبان "التبليغي والتهذيبي" والمبادئ الثلاثة، هي: "مبدأ التواجه واعتبار العمل" ، و" مبدأ التأدب الأقصى واعتبار التّقرُّب"، و "مبدأ التصديق واعتبار الصدق والإخلاص" .
فـ "مبدأ التواجه واعتبار العمل" قائم على مفهومين أساسيين، أحدهما مفهوم "الوجه"، والثاني مفهوم " التهديد".
فالوجه هو عبارة عن الذات التي يدعيها المرء لنفسه والتي لا يريد أن تتحد بها قيمته الاجتماعية، وهو على ضربين وجه دافع سلبي يريد المرء به أن لا يعترض الغيرُ سبيل أفعاله، ووجه جالب إيجابي يريد المرء به أن يعترف الغير بأفعاله، فتكون المخاطبة هي المجال الكلامي الذي يسعى فيه كل من المتكلم والمخاطب إلى حفظ ماء وجهه و وجه مخاطِبه. أمّا التهديد فهو الأقوال التي تعوق بطبيعتها إرادات المستمع المتكلم في دفع الاعتراض وجلب الاعتراف.
أمّا "مبدأ التأدب الأقصى واعتبار التّقرُّب" فإنّه مكمل لـ"مبدأ التعاون" فلا داعي لذكره هنا بشكل مفصل، ويصوغ مبدأه في صورتين اثنتين: إحداهما سلبية هي: "قلِّل من الكلام غير المؤدب"، والثانيّة إيجابيّة هي: "أكثِر من الكلام المؤدب.
أمّا مبدأ "التصديق واعتبار الصدق والإخلاص" فيصاغ هذا المبدأ على النحو الآتي "لا تقل لغيرك قولا لا يصدِّقه فعلك"؛ إذ ينبني هذا المبدأ على عنصرين اثنين: أحدهما، نقل القول الذي يتعلق بالجانب التبليغي، والثاني، تطبيق القول الذي يتعلق بالجانب التهذيبي "
انظر عبد الرحمن، طه.اللسان والميزان أو التكوثر العقلي.ط1.المركز الثقافي العربيّ، 1998.ص243-246.
أولا – مبدأ التعاون
ورد نصّ هذا المبدأ في اللّسانيات الحديثة عند الفيلسوف الأمريكي (بول غرايس) ذكره أوّل مرّة في دروسه المعروفة في "محاضرات في التخاطب"، ثم ذكره في مقالته الثانية "المنطق والتخاطب" وصيغة هذا المبدأ هي(1) "ليكن انتهاضك للتخاطب على الوجه الذي يقتضيه الغرض منه*.
وقد نقل لنا طه عبد الرحمن(2) عن (غرايس) "أن هذا المبدأ يوجب أن يتعاون المتكلم والمخاطب على تحقيق الهدف المرسوم من الحديث الذي دخلا فيه، وقد يكون هذا الهدف محدّدا
قبل دخولهما في الكلام أو يحصل تحديده أثناء هذا الكلام".
ويرى شاهر الحسن(3) أنّ المعنى المقصود من العبارة يبنى على الاستنتاج، فإذا كان المعنى المستنتج معلومًا للمتكلم والمخاطب فإن هذا الاستنتاج يدخل في إطار الافتراض المسبق، أما إذا كان المعنى المستنتج غير معروف للمخاطب مسبقًا فإن الاستنتاج يدخل في إطار تضمن المحادثة الذي ربطه (غرايس) بمبدأ التعاون.
————————
1- عبدالرحمن، طه.اللسان والميزان أو التكوثر العقلي.ط1. المركز الثقافي العربيّ،1998، ص243-246.
وترجمته فرانسواز بـ "قم بمساهمتك في التواصل، بالطريقة التي يتخذها الهدف التواصلي، المخوض في الفترة اللازمة، انظر أرمينكو، المقاربة التَداوليّة ، ص 53 و ترجمه عادل فاخوري بـ "اجعل مشاركتك على النحو الذي يتطلبه، في مرحلة حصولها، الغرض أو المآل المُسلم به من التخاطب المعقود" انظر فاخوري ، عادل. الاقتضاء في التداول اللّساني، ص 146 ، وترجمه صلاح إسماعيل بـ "اجعل إسهامك التخاطبي كما يتطلبه- عند المرحلة التي يحدث فيها – الغرض أو الاتجاه المقبول لتبادل الكلام الذي تشارك فيه".انظر إسماعيل، صلاح. النظرية القصدية. ص 87، وفي الموسوعة اللغوية ورد بصيغة "اجعل إسهامك بقدر ما هو مطلوب، في المرحلة التي يحدث فيها، من خلال الغاية المقبولة للمناقشة التي تجريها" انظر جيغري ليش، و جيني توماس الموسوعة اللغوية، المجلد الأول. ( االلغة والمعنى والسياق، البراغماتية المعنى في السياق). ص180.
2- عبد الرحمن، طه. اللسان والميزان، ص238.
3-الحسن، شاهر. علم الدلالة السمانتيكية والبراجماتية في اللغة العربيّة ، ص 168-169.
ويرفض (جيفري ليش)(1) ما يعتقده العديد من المعلقين أن مبدأ التعاون عند (غرايس) مبني على نزعة إنسانية تعاونية. ويرى أن مبدأ التعاون هو ببساطة وسيلة لشرح كيفية وصول الناس للمعاني.
لقد استعمل (غرايس) مصطلح "المعنى الضمني"(2) للحديث عما يمكن أن يوحي به المتكلم فوق ما يصرح به ظاهر كلامه، والمعنى الضمني يعتمد أساسا على مبدأ عام يسمى مبدأ التعاون.
إن الهدف من مبدأ التعاون الذي وضعه (غرايس) أنّه أراد أن يضع ضوابط يحقق بها المتكلم فائدة للمخاطب، أو يقيس بها المحلل مدى تحققها اعتمادًا على تمسك المرسل بها.
وبما أن مبدأ التعاون يهدف إلى غاية تبليغية نقصدها من وراء خطابنا وترتكز بشكل أساسي على دور المتكلم، وما يقدمه من معلومات تساعد مخاطبه على إدراك ما ينوي قوله، أو ما تقوله كلماته .
فلا شكّ أن العمليّة التواصليّة تحتاج إلى شيء من البحث الدقيق الجاد، فمن المعروف أن مبدأ التعاون هو ما أسماه (غرايس) بـ "حكم المحادثة"، الذي يفترض أن يكون هناك متكلم ومخاطب و عناصر أخرى- قد تكون استدلالية – تساهم في إتمام العمليّة التواصليّة.
————————————-
1- انظر الموسوعة اللغوية، المجلد الأول. ( االلغة والمعنى والسياق، البراغماتية المعنى في السياق) جيغري ليش و جيني توماس. ص179-181.
2- بروان، ويول. تحليل الخطاب. ترجمة محمد الزليطي، ومنير التريكي، جامعة الملك سعود. ط1. 1997م. ص 40.
و أدرك (غرايس)(1) أن هناك حالات كثيرة يخفق فيها الناس في مراعاة القواعد واحترامها، وقد ينشأ هذا الإخفاق عن تعمد الكذب وخداع الآخرين أو عدم القدرة على التعبير عن المقاصد من وراء الكلام تعبيرًا واضحًا. ولكنه صبّ جلّ جهده على الحالات التي يعجز فيها المتكلم عجزًا بينًا عن ملاحظة القواعد رغبة منه في حثِّ السامع على أن يلحظ معنى إضافيًا يختلف عن المعنى الذي تعبر عنه كلماته. هذا ويتحقق الاقتضاء التخاطبي بطريقتين: الطريقة الأولى هي الامتثال لقواعد التخاطب ومراعاتها، أمّا الطريّقة الثانيّة فهي الخروج على قواعد التخاطب وكسرها.
1 – قاعدة الكم
تعدّ "قاعدة الكم" القاعدة الأولى من قواعد التخاطب التي وضع أسسها (غرايس)؛ إذ تنص هذه القاعدة على أن تكون المساهمة إخباريّة دون زيادة أو نقصان، أي تقديم المتكلم المعلومة لمخاطبه بالقدر المطلوب. وإذا تعدّى ذلك بالزيادة أو النقصان أدى تعديه إلى خرق هذه القاعدة. هذا وقد وجدت هذه القاعدة صدى لها واستعمالا لدى الدارسين، ومن هؤلاء:
(شاهر الحسن) في كتابه "علم الدلالة السمانتكية والبراجماتية في اللغة العربيّة" وقد جاء ذكرها عنده كما يأتي(2) : "أن تكون مساهمة المتخاطبين بالقدر الكافي دون زيادة أو نقصان*"
———————
1- إسماعيل، صلاح. النظرية القصدية في المعنى عند بول جرايس.حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، الحولية الخامسة والعشرون، الرسالة الثلاثون بعد المئتين.200م، ص 89.
2- شاهر الحسن، علم الدلالة السمانتكية والبراجماتية في اللغة العربيّة، ص 169.
* (جيفري ليش) في " اللغة والمعنى والسياق" وجاء ذكرها كما يأتي(2): "اجعل إسهامك إخباريًا بقدر ما هو مطلوب لغرض المحادثة الجارية، ولا تجعل إسهامك أكثر مما هو مطلوب" جيفري ليش، اللغة والمعنى والسياق، ص 180. ( فيليب بلانشيه) في كتابه "التَداوليّة من أوستن إلى غوفمان"، الذي ذكرها على النحو الآتي(3): "تقول ما هو ضروري بالضبط ولا تزيد أكثر مما هو ضروري" انظر فيليب بلانشيه، التَداوليّة من أوستن إلى غوفمان، ص84. ( دومينيك) في كتابه "المصطلحات المفاتيح"، وقد أطلق عليها " الحكم الحديثية" ومن تلك الحكم "التحلي بالصدق(4)" انظر دومنيك، المصطلحات المفاتيح، ص33( صلاح إسماعيل) في كتابه ( النظرية القصدية في المعنى عند "جرايس")، إذ ترتبط مقولة الكم لديه بكمية المعلومات التي يجب تقديمها في التخاطب وتتحقق بقاعدتين "الأولى – اجعل إسهامك التخاطبي بالقدر المطلوب بغية تحقيق الأغراض الحالية للتخاطب"، والثانية –" لا تجعل إسهامك التخاطبي إخباريًا أكثر مما هو مطلوب(5)" انظر صلاح إسماعيل، النظريةالقصدية في المعنى عند جرايس، ص 88.
وتتضح كمية المعلومات التي يقدمها الرضيّ لمخاطبه لاستمرار العملية التواصلية في قوله(1):"..وقد تعطف مضارعا على مضارع، وهو قليل نحو: أقوم، لا أقعد، والمجوّز: مضارعته للاسم، فكأنك قلت: أنا قائم لا قاعد".
فسر الرضيّ قلة هذا (أي عطف المضارع على المضارع بلا النافية) ومخالفته على أساس أن التبليغ بالجملة الاسمية، التي تفيد الإثبات ساعة التكلم، غير التبليغ بالمضارع الذي من شأنه أن يفيد تزجية الحدث شيئا فشيئًا، أو أن الحدث مما هو نعت، ووقوعه على نحو متكرر يمكن أن يحمل هذا على "مبدأ التعاون".
وفي موطن آخر يقول الرضيّ(2): "فلا تقول: جاءني العبد كله، وذهب زيد كله، فإن أجزاء العبد لا تفترق بالنسبة إلى المجيء، بأن يجيء بعض منه، ولا يجيء الباقي. فعلى هذا القياس: لا يقال: اختصم الزيدان كلاهما، لأن (الزيدان) لا يصح افتراقهما بالنظر إلى الاختصام، إذ هو لا يكون إلا بين اثنين أو أكثر، فلا يصح أن يقال اختصم زيد وحده".
فسر الرضيّ عدم جواز التركيب (جاءني العبد كله، وذهب زيد كله)- من حيث تضمنه التوكيد بـ ( كل)- بالاستناد إلى ما هو متعارف عليه بين أبناء البيئة اللغوية بأن أجزاء العبد لا تفترق بالنسبة إلى المجيء والذهاب وهذا أمر يفترض- تداوليًا – أن كلاً من المرسل والمتلقي في البيئة الواحدة يعلمه ويبني على أساسه كلامه التبليغي.
—————————————-
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 6 /187.
2- السابق 3/10.
وفسر عدم جواز (اختصم الزيدان كلاهما)- من حيث التوكيد بـ (كلا)- بأن فعل الاختصام يحدث بين اثنين، وزيادة (كلاهما) على التركيب تعطي معنى مخالفا للمعنى المتضمن في (اختصم)، فالتبليغ بإضافة (كلاهما) أو (وحده) في (اختصم زيد وحده) مخالف للعرف اللغوي، و مخالف لقواعد التخاطب؛ لأن المخاطب على معرفة تامة بما يفيده فعل الاختصام.
من هنا كانت إضافة ألفاظ مثل (كله) و (كلاهما) و (وحده) تتعارض مع ما يعرفه كل من طرفي الخطاب عن الكيفية التي يجب أن يَرِدَ عليها التركيب بالاستناد إلى طبيعة معناه، ذلك المعنى المقتضي لوجود طرفين لتحققه.
* بيان مواضع دخول الفاء في جواب الشرط
وفي سياق حديثه عن (بيان مواضع دخول الفاء في جواب الشرط)، يقول الرضيّ(1): "ولا يصدّر الماضي شرطًا بلا ، فلا يجوز؛ (إن لا ضرب ولا شتم)، لقلة دخولها في الماضي.
فعلى هذا لا تقول: إن ستفعل، وإن لن تفعل، وإن ما تفعل، وإن قد فعلت وإن قد تفعل، وإن ما فعلت".
تفسيره يستند إلى أن معلومات مشتركة يفترض بطرفي الخطاب أن يكونا على علم بها على نحو ييسر التواصل بينهما تيسيرًا يقوم على "مبدأ التعاون" الذي يقضي بعدم احتواء التركيب على معلومة تتعارض مع ما استقر لدى أبناء البيئة اللغوية من كيفيات التراكيب والمعاني التي يفترض أن تؤديها.
——————
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 5/12.
* تأنيث ألفاظ العدد باعتبار المعدود
وفي سياق حديثه عن ( تأنيث ألفاظ العدد باعتبار المعدود)، يقول الرضيّ(1): "أمّا جمع المذكر السالم فلا يقع مُمَيِّزًا للعدد عند سيبويه، إن كان وصفًا، إلا نادرًا، فلا يقال: ثلاثة مسلمين، ولا ثلاث مسلمات، إذ المطلوب من التمييز تعيين الجنس، والصفات قاصرةٌ في هذه الفائدة، إذ أكثرها للعموم، فلذا لا نقول في الجمع المكسَّر وصفًا: ثلاثة ظرفاء".
فسر ندرة وقوع جمع المذكر السالم مميزًا للعدد في حال كونه وصفًا على أن التبليغ بالتمييز يعتمد على تعيين الجنس، وأن الصفات تخلو من هذه الفائدة (تعيين الجنس) بالإضافة إلى أن أكثرها يعتمد على العموم؛ لذلك لم يجز أيضا في الجمع المكسرَّ (ثلاثة ظرفاء) لعدم تحقق الفائدة المرجوة من الجمع (جمع المذكر السالم وجمع التكسير). وهذا يعني ضرورة تجنب طرفي الكلام لما يقلل من فائدة الكلام كالتمييز بالوصف الذي لا يعتني عادة بتعيين الجنس الذي يفتقر إليه العدد.
2 – قاعدة الكيف
تعدّ قاعدة الكيف القاعدة الثانية من قواعد التعاون التي وضع أسسها (غرايس)؛ إذ تنص هذه القاعدة على "لا تقل ما تعلم كذبه، ولا تقل ما ليس لك عليه بينة(2)". وهناك من ترجمه بالنوعية من مثل شاهر الحسن، إذ يقول(3): "قاعدة النوعيّة: (Maxim Of Quality)، وتنص على أن تتصف مساهمة المتخاطبين بالصحة، فلا تحتوي أفكارًا أو شيئًًا لا تعززه الشواهد".
اليكم وحصريا امتحان السداسي الخامس في اللسانيات التداولية
السؤال:
يقول بارهيل :"التداوليات سلة المهملات"
المطلوب ناقش هذه الفكرة و معالجا مايلي :
1 المرجعية المعرفية للسانيات التداولية
2 وما هي الموضوعات التي تعالجها اللسانيات التداولية
انتهى وبالتوفيق
بارك الله فيك
بالتوفيق ان شاء الله
إليكم في هذا الموضوع:
التداولية: الاهتمامات والمفاهيم والأهداف
بقلم: أ رخرور محمد
يميل جل المهتمين بشأن التداولية إلى الإحجام عن تعيين موضوع التداولية ، وتحديد مجال تخصصها ، لأنهم لاحظوا مدى تعدد توجهات اللسانيات التداولية· ، وبالتالي تشعب مواضيعها وكثرة اهتماماتها ، الأمر الذي صعّب على الباحثين الاهتداء إلى رؤية موحدة أو مقاربة حول موضوعها . ومن جانب آخر يعتقد هؤلاء أن تحديد موضوع التداولية هو عمل لا فائدة منه ، بل فيه زج للمبحث والباحث في ركن ضيق يحول دون التعمق والتحري السديد في اللغة الطبيعية ـ على غناها ـ وما يتصل بها ، إلا أنه وبالرغم من الصعوبات المعيقة على تعيين حد موضوع التداولية. فقد اقترح بعض الباحثين عدة تحديدات ، أو بالأحرى استشرفوا توجهات تتماشى وطبيعة هذا المبحث . على غرار ما فعل "ش . موريس" حينما عدّ التداولية العلم الذي يعالج العلاقة بين الأدلة ومؤوليها . وكما حصر كل من "ريكاناتي" و"ديلر" وظيفة التداولية في أنها تخصص يدرس ÷ استخدام اللغة داخل الخطابات والسمات المميزة التي تؤسس وجهته الخطابية في صلب اللغة ×([1]) .
أما "فان جاك" فيعتبرها تخصصا÷ يتناول اللغة بوصفها ظاهرة خطابية وتبليغية واجتماعية في نفس الوقت ×([2])
. ولقد سبق لي وأن أشرت إلى أن التداولية تعنى بدراسة الكيفية التي يسلكها الناس لفهم الفعل الكلامي وفقهه ، وكيفية إنتاجهم له . ليتطرق بحثنا أيضا إلى تعقب أسباب نجاح المتخاطبين والمشاركين في الموقف الكلامي أثناء عملية التخاطب والتحادث التي تدور فيما بينهم . ذلك لأن إنجاز التحادث بين طرفين أو عدة أطراف ، يحملهم ـ للمحافظة على استمرار الكلام أو المحادثة ونجاحها ـ على أن يتبعوا مبادئ ومعايير محددة ومتعارف عليها بين المتشاركين في الحديث . وأسمى مبدإ تهتم به التداولية هو "مبدأ التعاون" لأهميته في إنجاح المحادثة ، أي أن المتحادثين يتعاونون لاستمرار الحديث من خلال المساهمة والمشاركة في الحدث الكلامي المتواصل. وثاني مبدإ نال اهتمام التداولية، والذي لا يقل أهمية عن سابقه، وهو "مبدإ التأدب" ، الذي يفرض على المتحدثين أن يحترم بعضهم بعضا في الكلام . وبالتالي فقد أخذت التداولية على عاتقها ÷ البحث في صياغة شروط إنجاز العبارة من لدن باث ما من جهة ، ومن جهة أخرى بيان أي جهة يمكن لها أن تكون مثل هذا الإنجاز عنصرا في مجرى الفعل المتداخل الإنجاز الذي يصبح بدوره مقبولا أو مرفوضا عند فاعل آخر ×([3])
. ويمكن حصر مهام ومرامي التداولية الرئيسة ، وإن كان من الصعوبة بمكان تحديدها ، لأن حقل التداولية واسع جدا . إذ يشمل كل جوانب اللغة، ولكن بغرض تيسير فهم موضوع التداولية للدارسين، سنحاول التركيز على أكثر المواضيع تناولاً من قبل المبحث التداولي ومنها : ـ تعن التداولية بتتبع أثر القواعد المتعارف عليها من خلال العبارات الملفوظة وتأويلها ، كما تهتم أيضا ÷بتحليل الشروط التي تجعل العبارات جائزة ومقبولة في موقف معين بالنسبة للمتكلمين بتلك اللغة ×([4])
. ـ تسعى التداولية لأن تجد مبادئ تشتمل على اتجاهات مجاري فعل الكلام المتشابك الإنجاز الذي يجب أن يوجد عند إنجاز العبارة كي تصير ناجحة ومفهومة . ـ كما تحاول التداولية البحث في كيفية تماسك ظروف نجاح العبارة كفعل إنجازي ، وكمبادئ فعل مشترك الإنجاز التواصلي مع الخطاب أو تأويله ، إي إنزال الأعمال المنجزة في موقف (سياق) معين ، وأن تصوغ الشروط التي تعين أيَّ العبارات تكون ناجحة في موقف ما ، والذي ندعوه "السياق" . وكما نرى فإن اهتمام التداولية الأساس يتجه نحو تحويل دراسة الموضوعات ـ والتي هي ضرب من ضروب الخطاب ـ إلى دراستها كأفعال منجزة ، والتي هي أفعال الكلام المنبثقة عن الاستعمال ؛ بمعنى أن المنهج التداولي يحوّل مجرى الدراسات التي كانت مقتصرة على البنية المجردة لموضوع العبارة ـ وهذا مذهب البنيوية ـ إلى الدراسة التي تأخذ في الحسبان دراسة هذه البنية لإنجاز العبارة ، أي الحث على تحويل الخطاب إلى أفعال منجزة يمكن أن ندعوها " تأويلا تداوليا للعبارة " . ومما سبق يتضح بجلاء الإطار العام للهدف الذي تصبو إيه التداولية ، والذي دأبت تحث الخطى للوصول إليه . فهي تسعى لتتجاوز النظرة الصورية للغة التي كانت محل اهتمام المدارس اللسانية السابقة، لتدعو إلى ضرورة إيلاء العناية الكافية بالظروف المواتية والمناسبة عند استعمال اللغة ، منطلقة في ذلك من اقتناعها من أن ÷ اللغات الطبيعية بنيات تحدد خصائصها (جزئيا على الأقل) ظروف استعمالها في إطار وظيفتها الأساسية ، وظيفة التواصل ×([5])
. وتبعا لموضوعات التداولية هذه ، فقد سعى أعلام هذا المنهج إلى التأكيد على أهمية البحث التداولي لبيان الكيفية التي يتم بها توصيل معنى اللغة من خلال الإبلاغ . وهو ما نعثر عليه في أعمال "أوستين" و"سيرل"و"روسل"و"فريجة" .الذين ألحوا كثيرا على حتمية دراسة اللغة أثناء الاستعمال ، والنأي عن تجريدها من تداولها العادي([6]) .
ووصلوا إلى حد المبالغة حينما حصروا المعنى في الاستعمال لاقتناعهم الشديد بألا فائدة مرجوة من اللغة إذا لم تكن حاملة للمعنى ، وشارحة لأحوال الناس ، ومفصحة عن حاجاتهم . وكنتيجة طبيعية لهذا التوجه الجديد ، فقد اتجهت الدراسات الحديثة ـ بإيحاء من الدرس التداولي ـ إلى الاهتمام بالتواصل والاستعمال الفعلي للغة ؛ أي محاولة دراسة استعمال اللغة في الخطاب (أثناء التخاطب) . لأن التواصل هو الذي يحدد ظروف بنية اللغة التركيبية ، فالمتكلم حينما يلقي كلامه إنما يفعل ذلك وفق ظروف التواصل ، وطبيعة المتلقي ، وليس وفق ظروف النظام اللغوي في حد ذاته . إن ما انبثق عن هذه البحوث من آثار ـ تنظيرية كانت أم إجرائية ـ تتفق على أن التداولية ـ باعتبارها فرعا حديثا من فروع العلوم اللغوية ـ تُعنى بدراسة وتحليل عمليات الكلام والكتابة ، في محاولة منها لتوصيف وظائف الأقوال اللغوية ،وبين خصائصها خلال إجراءات عملية التواصل بشكل عام .الأمر الذي يتيح لدراستها أن تكون ذات صبغة تنفيذية إجرائية . وبالموازاة مع هذه الوسمة التطبيقية ، تهدف التداولية إلى إرساء قواعد نظرية لأفعال الكلام وتطويرها ، بالانطلاق من إمعان النظر في الأنماط المجردة ، أو للأصناف التي تمثل الأفعال المحسوسة والشخصية التي ننجزها أثناء كلامنا . واضعة بذلك موضع السؤال التقابل السوسيري بين "اللغة"و"الكلام" ؛ رافضة اعتبار "الكلام" موضوعا غير قابل للدراسة المنهجية . وبانتقال الدراسات اللغوية إلى المجال الأدبي فإن هدف التداولية يوجب على الشعرية (نظرية الأدب) ألا تنحصر بوصف مجموعة محتملة من الأشكال ("لغة" ما في مقابل "كلام") ، بل عليها أن تشتمل على نظرية (للأفعال) الأدبية أيضاً
([7]) . أن اهتمام التداولية إذا منصب على جانبين : دراسة اللغة ، ودراسة الشق الاستعمالي لها . وبذلك يكون المبحث التداولي قد انفرد عن بقية المدارس اللسانية السابقة له، بانكبابه على اللغة ، ومن ثمّ مراعاة الجانب الاستعمالي فيها . وإن هذا التيار كان وليد "فلسفة اللغة العادية" الذي أرسى دعائمه الفيلسوف "فيتغنشتاين" ، الذي دعا إلى دراسة اللغة في جانبها الاستعمالي([8]) ،
هذا الاتجاه تلقفه كل من "ج.ل.أوستين" وكذا تلميذه "ج.سيرل" ، اللذان تأثرا بهذا الفيلسوف واستلهما منه بعض أفكاره التي تبدو واضحة في دراسة ÷ القوى المتضمنة في القول ×([9]) .
وإن دعوة التداولية لدراسة اللغة ، لا لذاتها كما فعلت البنيوية ،وإنما في إطار البحث في "استعمال اللغة" ؛ ليستدعي بالضرورة تناول عناصر أخرى جديدة مرتبطة بهذا الاستعمال وتابعة له ، كالمتكلم والكلام واللفظ والمقام والتواصل والغرض والمتلقي … إلخ . مصادر التداولية : ما يمكن أن يقال عن مصادر التداولية إنها متعددة ، ذلك أن لكل مفهوم من مفاهيمها حقل معرفي ÷فـ "أفعال الكلام" مثلاً ، مفهوم تداولي منبثق من مناخ فلسفي عام ، هو تيار "الفلسفة التحليلة"· بما احتوته من مناهج وتيارات وقضايا ، وكذلك مفهوم "نظرية المحادثة" ، الذي انبثق من فلسفة "بول غرايس"Grice ، وأما "نظرية الملاءمة " فقد ولدت من رحم علم النفس المعرفي وهكذا … ×([10])
. إلا أن ما يلاحظ أن أهم حقل كان له الأثر البالغ في ظهور التداولية هو حقل "الفلسفة التحليلية"، وهذا ما يؤكده د/ مسعود صحراوي حين قال : ÷ والفلسفة التحليلية لا تعنينا لذاتها ، ولكن ما يهمّنا منها هو لحظة انبثاق ظاهرة "الأفعال الكلامية" من قلب التحليل الفلسفي ثم ما انجر عن ذلك من ولادة التيار التداولي في البحث اللغوي ، لأن الفلسفة التحليلية هي السبب في نشوء اللسانيات التداولية ×([11]).
وبالتالي يمكن اختزال أسس التداولية في اعتمدها على دعامتين أساسيتين ، تتكئ عليهما ، وتؤدي دورها بهما ؛ إنهما : الشق المعرفي ، والشق التواصلي . ـ فالجانب المعرفي مستمد أساسا من ÷ علم النفس المعرفي : الاستدلالات ، الاعتقادات ، والنوايا ×([12])
. ـ وأما الجانب التواصلي فيهتم بالبحث في ما يصدر عن المتكلمين والبحث في أغراضهم واهتماماتهم ورغباتهم . وتسعى التداولية في النهاية إلى معالجة الكثير من المفاهيم ، ذكرتها الكتب المتخصصة ، وركز عليها الباحثون في ميدان التداولية منها : أفعال الكلام ، السياق ، متضمنات القول ، نظرية الملاءمة ، الاستلزام الحواري ، القصدية … إلخ .
——————————————————————————– ·
هذا المصطلح مستعمل بالمغرب في مقابل ما نستعمله عندنا [ التداولية ، التداوليات ] .
[1] ـ مجلة "La pragmatique" ، العدد 42 ، مايو (1970) ، دار لاروس .
[2] ـ فان . ف . جاك ،"La pragmatique" ، ضمن الموسوعة العالمية ، المدونة رقم 15 / 1985 .
[3] ـ قنيني عبد القادر ، النص والسياق ، استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي .
[4] ـ م ن .
[5] ـ أحمد المتوكل ، الوظائف التداولية في اللغة العربية ، المغرب ، ط1 /1985 ، ص 08 .
[6] ـ لمزيد من المعلومات ، يرجى النظر : مصطفى غلفان ، اللسانيات العربية الحديثة ، المغرب / 1988 ، ص 246 وما تلاها .
[7] ـ ينظر فرناند هالين ، التداولية ، تر:زياد عزالدين العوف ، مجلة الآداب الأجنبية ، عن اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، العدد 125 / شتاء 2022 .
[8] ـ للتوسع أكثر ، ينظر د/ مسعود صحراوي ، التداولية عند العلماء العرب ، م س ، ص 22 ـ 23 .
[9] ـ م ن ، ص 24 . · لمعرفة معنى الفلسفة التحليلية ، ينظر كتاب د/ مسعود صحراوي ، التداولية عند العلماء العرب ، م س ، ص 18 ت 26 .
[10] ـ المرجع نفسه ، ص 17 . [11] ـ م ن ، ص 17 . القول لـ : Françoise Récanati
إليكم في هذا الموضوع المنقول:
التداوليـــــة
ترجمة: د. زياد عز الدين العوف
يقدم النص خلاصة دقيقة لأهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها (التداولية)، مع عرض منهجي محكم لأبرز اتجاهات وتوجهات هذا العلم اللغوي الأحدث بين بقية العلوم اللغوية الأخرى.
تقوم (التداولية) في جوهرها على رفض ثنائية:
اللغة/ الكلام (Langue/ parole) التي نادى بها رائد اللسانيات الحديثة (دوسوسير F.de. Sussure) القائلة بأن (اللغة) وحدها دون (الكلام)، هي الجديرة بالدراسة العلمية. وعلى ذلك فإن (التداولية) تعنى بالبحث في العلاقات القائمة بين اللغة ومتداوليها من الناطقين بها. فتأخذ على عاتقها تحليل عمليات الكلام ووصف وظائف الأقوال اللغوية وخصائصها لدى التواصل اللغوي.
أما صاحب النص (فرناند هالين ـــ F.HALLYN) فمعروف بإسهامه الواضح في التنظير للأدب وللأشكال الأدبية، فضلاً عن بحوثه المتعلقة بطبيعة وآليات حضور المجتمع في النص الأدبي.
ويعمل أستاذاً للأدب الفرنسي
في جامعات بلجيكيا وفرنسا.
لمترجم
مدخل:
تهدف التداولية إلى تطوير نظرية لأفعال الكلام، أي للأنماط المجردة أو للأصناف التي تمثل الأفعال المحسوسة والشخصية التي ننجزها أثناء الكلام. واضعة بذلك موضع السؤال التقابل (السوسري) بين اللغة والكلام، ورافضة اعتبار هذا الأخير موضوعاً غير قابل للدراسة المنهجية.
بالانتقال إلى المجال الأدبي فإن هدف التداولية يفترض أنه يتوجب على الشعرية [نظرية الأدب] أن لا تنحصر بوصف مجموعة محتملة من الأشكال ("لغة" ما في مقابل "الكلام")، بل عليها أن تشتمل على نظرية (للأفعال) الأدبية أيضاً.
ينشأ هذا الاختيار، من بين أمور أخرى، عن ملاحظة أن دراسة مقصورة على الأشكال تؤدي ـــ غالباً ـــ إلى نظريات بالغة القوة، أي قابلة للتطبيق ـــ بالمثل ـــ على وقائع غير أدبية. أو نظرية بالغة الضعف بحيث لا تنطبق على كل الوقائع الأدبية.
إن الدراسات التداولية دراسات حديثة، وهي في أوج تطورها وانتشارها؛ بحيث أنه من المبكر جداً تقديم حصيلة حقيقية لها.
إلا أننا سنحاول ـــ على الرغم من ذلك ـــ الإشارة بشكل غير قطعي بالأحرى، ودون إسراف بذكر النواحي الفنية، إلى بعض خطوط البحث.
سنفعل ذلك انطلاقاً من التمييز الأساسي الموضوع من قبل (ج. أوستين) بين ثلاثة أصناف من أفعال اللغة:
ـــ (فعل الإنجاز): المتصل بقيمة الملفوظية ذاتها: وعد، توكيد، وعيد، (…).
ـــ (فعل التأثير بالقول): استهداف غايات محددة، مصرح بها أو غير مصرّح، تكون تالية للمفلوظية متسببة عنها، الأخبار، بث الطمأنينة، التخويف، …).
ـــ (فعل القول): إنتاج وتركيب الصوت أو العلامات الخطية لوحدات تركيبية مزودة بمعنى ما وملائمة للسياق.
فعل الإنجاز:
ثمّة تمييز مهم بين الفعل الأدبي والفعل "العادي" تمّ توضيحه بجلاء في وقت سابق من قبل (فاليري). يمكن أن نقرأ في كتابه المعنون بـ(الشعر والتفكير المجرد) ما يلي:
(( (…) اللغة التي خدمتني في التعبير عن مقصدي، عن رغبتي، عما أوصي به، عن رأيي، هذه اللغة التي أدّت مهمتها، سرعان ما تتلاشى بمجرد وصولها. لقد أطلقتها كيما تنعدم، كيما تتحول جذرياً إلى شيء آخر في أذهانكم؛ وسوف أدرك أني فهمت هذه الواقعة المتميزة التي تفيد بأن خطابي لم يعد موجوداً: لقد حلّ معناه محله بشكل كلي، أي لقد حلّت صور، نوازع، ردود أفعال، أو أفعال تعود لكم، محله… يترتب على ذلك أن كمال هذا النوع من اللغة ـــ التي تتمثل غايتها الوحيدة بكونها مفهومة ـــ يكمن بشكل واضح في السهولة التي تتحول بها إلى شيء آخر تماماً)).
تمتلك الملفوظية الأدبية قوة مختلفة تماماً. إذ ((لا يتعلق الأمر بإنجاز عملية ذات نهاية، بحيث تقع نهايتها في مكان ما ضمن الوسط المحيط بنا (…) فالشعر على النقيض من ذلك، لا يموت ليحيا: لقد نظم عمداً لكي ينبعث من رماده، وليصبح بشكل لا نهائي ما قد سبق أن كان)).
الملفوظية الأدبية، شأنها شأن طائر الفينيق، يمكن أن تمارس قوتها ضمن عدد غير محدد من السياقات، لدى عدد غير محدود من الأشخاص.
القوة الأساسية التي تستند إليها (والتي لا تستبعد تواجد بواعث أخرى "غير أدبية") هي تلك المتعلقة بطريقة تقديمها الخاصة، بتفردها.
لا يمكن للمفلوظية أن ترتبط بسلسلة وحيدة من الأحداث؛ ذلك أنها معدة لإعادة تحقق لا نهائي. إنها تقحم من ـــ خلال كل قراءة ـــ أفعالاً أخرى (أفعال كلام، أو غيرها) ضمن سريانها المكاني ـــ الزماني. وهي بذلك تشترك مع القوة الكائنة لكل من الطقوس واللعب. يكتب (ل. دوبريه) بصدد موضوع الطقوس:
((كل فعل، كل خبرة تتلاشى خلال زمانيتها الخاصة بها. إلا أن زمن الخبرة العادية ينصهر مع زمن خبرات أخرى فيكونان معاً خبرتنا المشتركة للزمان. تقاوم الطقوس هذه الزمانية بخبرات أخرى)).
إن خاصية غياب الزمانية نفسها تميز اللعب ـــ كما يلاحظ (ر. كايوا) حيث يقول: (( (…) اللعب هو ـــ أساساً ـــ انشغال منفصل، معزول بعناية عن باقي الوجود، ويتم إنجازه ـــ عموماً ـــ ضمن حدود زمانية ومكانية محددة)).
يظهر (فعل الإنجاز) الأدبي ـــ إذاً ـــ بوصفه ملفوظية متحررة من زمانية مقيدة، مع استمرارية الأفعال الأخرى، مثلها في ذلك مثل الطقوس واللعب.
تتدخل زمنية نوعية فتضع بين قوسين مجرى الأحداث الخاضعة لتأثير الزمان.
إذا كان صحيحا بأن الملفوظية الأدبية ـــ بوصفها كذلك ـــ ودون الأخذ بالاعتبار مظاهر محتملة مكملة لها، تتملص من الاندماج الاستبدالي خلال سريان أفعال أخرى، فذلك لأنها تكون ـــ بالأحرى ـــ أيقونة لأحد أفعال اللغة بدلاً من الفعل بالمعنى الشائع للكلمة.
فبدلاً من التدخل ومن ثم التلاشي، تضاعف الملفوظية الأدبية الأحداث اللغوية وفق صيغة: التشابه والاختلاف.
إن قوة فعل الإنجاز الأدبي ليست هي التوكيد، الوعد، أو الطلب، بل هي إنتاج بنيات تقول التوكيد، الوعد، الطلب.
إنها تتكون ـــ بوجه الإجمال ـــ من اقتراح أنموذج لما يمكن أن يفعل (يقال ـــ يحتفظ له، يلمح إليه، يقرر، …) خلال الكلام.
عندما نقول: إن الكاتب يقترح أنموذجاً أيقونياً، فنحن لا ننوي إصدار حكم مسبق حول إخلاصه.
نحن نقول فقط: إن خطابه ـــ بوصفه عملاً أدبياً ـــ يخضع بالمقام الأول إلى شرط القبول الشكلي.
يفترض بالفعل [الأدبي] أن يكون مثيراً للاهتمام بذاته، بوصفه موضوعاً (وليس غاية) للاتصال.
إنه يقدم بوصفه موضوعاً جديراً بالقراءة خارج السياق الذي أنتج فيه، وضمن عدد غير محدد من سياقات التلقي، بغض النظر عن أية "شروط تحضيرية" أو غيرها (سيرل)، من تلك التي تدير نجاح الأفعال الأخرى.
فعل التأثير بالقول
تمّ إسناد تأثيرات متعددة إلى الملفوظية الأدبية عبر التاريخ، سواء أذهب بنا بالتفكير إلى "التطهير" في التراجيديا الإغريقية، أو إلى صيغة (هوراس)، أو إلى رغبة (مالارميه) في إعطاء "معنى أكثر نقاء للكلمات" أو إلى وظيفة اليقظة النقدية لدى (بريخت).
إن ما هو مشترك بين كل هذه المفاهيم، المختلفة جداً في الظاهر، وما يؤكد صلة القربى بين الأدب والطقوس واللعب، إنما هو عدم تحديد هدف محدد للتغيير في النص الأدبي، يتناول ـــ في لحظة ما وفي مكان ما ـــ العلاقات الاجتماعية أو غيرها من العلاقات.
إنما إثارة رد فعل تقييمي، بالأحرى، (فان ديجك) بالمقارنة مع النص نفسه، وربما من خلاله، بالمقارنة مع "العالم" الممثل في النص.
إن نصاً أدبياً ما لا يهدف إلى إثارة إجابة مباشرة خلال تسلسل الأحداث، بل إلى إثارة إجابة (بالقبول أو بالرفض، بالتحليل أو بالانفعال، الخ). إزاء نموذج فعل أو أفعال اللغة التي يقترحها. نحن نميز متبعين (بانج) بين ثلاثة أنماط كبرى لأفعال التشكيل الأدبي القادرة على إثارة رد فعل تقييمي [وذلك على النحو التالي]:
ـــ((في البداية، يمكن لعملية التشكيل الأدبي أن تجعل نماذج الواقع المقبول إشكالية (…) إذ يبتكر الأدب، نماذج بديلة للعالم: نماذج خيالية، عجائبية، مضحكة، أو نماذج تصحيحية: هجائية، أو نماذج مطابقة: تمجيدية، واقعية، الخ)).
ـــ يمكن للتشكيل الأدبي أن يتلاعب بأداة الاتصال، اللغة، بقواعد تركيبها، بالشروط التداولية لاستخدامها)).
ـــ ((أخيراً، يمكن للتشكيل الأدبي أن يتصرف بالمضطلعين بالاتصال، أو يتصرف بقيمهم ومعاييرهم، أو بكينونتهم ذاتها (…) وكذلك بعلاقاتهم الذاتية المتبادلة)).
الوظيفة التشكيلية واحدة من خصائص العلامات الأيقونية. لقد لاحظ (بيرس) سابقاً أن ما يلاحظ إنما هو الأيقونة عوضاً عمّا تمثله. إنها تكوّن بديلاً ممتازاً عن موضوعها، وذلك للحكم عليه أو لاختباره:
((لأن إحدى الخصائص الكبرى المميزة للأيقونة تكمن في أنه يمكن اكتشاف حقائق أخرى تتعلق بموضوعها غير تلك التي تكفي لتحديد بنيتها، وذلك من خلال الملاحظة المباشرة لها)). (بيرس).
يمكن للأيقونة أو للأنموذج أن تتصرفا مثلاً، بوصفهما بؤرة تركيز، تعزل بعض الأجزاء، أو بعض المظاهر لتركيز الانتباه عليها.
تتقبل الأيقونة ـــ فضلاً عن ذلك ـــ تداولات لا يمكن أن تخضع لها ـــ دائماً ـــ الموضوع ذاته في واقعه المحسوس، أو في وظيفته العملية: يمكن تبسيط أو تعقيد، إلغاء أو إضافة، استبدال أو قلب العناصر والعلاقات، أو إحداها [فقط]…
لا تتضمن العلامة الأيقونة بالضرورة، إعادة تمثيل، أو إعادة إنتاج (لنتأمل مخطط المهندس) بل [نفترض] بالتأكيد تشكيلاً مسبقاً، ابتكاراً مسبقاً، تشابهاً مسبقاً مع ذلك الذي لا يوجد بشكل موضوعي.
تسمح القيمة الممنوحة للنماذج المقترحة بالتمييز بين الوظيفة الطقسية والوظيفة اللعبية، فيقال: طبقاً لمفهوم الطقس (ج. طقوس) ـــ إن وظيفة التشكيل الأدبي وظيفة طقسية عندما تتلقى النماذج قيمة معيارية، فتقيمها بوصفها مثالاً يُحتذى أو يجتنب على صعيد الفعل.
لكن ـــ طبقاً لمفهوم اللعب ـــ يمكن أن يقال عن الوظيفة أنها وظيفة لعبية عندما يكون للنماذج قيمة وصفية للاستكشاف المعرفي.
فعل القول:
يتميز فعل القول الأدبي ـــ غالباً ـــ بتدخل قواعد إضافية (كالوزن الشعري)، أو باختلافات [لغوية] بالمقارنة مع الاستعمال الدارج (كاستخدام الماضي البسيط في السرد القصصي) لا تكفي هذه القواعد، بالتأكيد ـــ لتحديد الأدبية؛ إذ إنها يمكن تتبنى ضمن أنماط أخرى من الخطاب، وتتنوع من عصر إلى آخر، ومن مدرسة إلى أخرى، ومن كاتب إلى آخر. على الرغم من ذلك، فإن أهميتها مضاعفة:
أ ـــ فهي تسهم في توضيح أنموذج فعل القول، بوصفه كذلك، خارج أية وظيفة عملية.
ب ـــ وهي تسمح بإنتاج مؤثرات دلالية متنوعة، وتسهم من خلال ذلك بعملية التشكيل [الأدبي].
يرجع تحليل صيغ بناء موضوع (فعل القول) ـــ مهما كانت القواعد المتضمنة ـــ إلى مناهج وتقنيات طورت في إطار كل من البلاغة، السيميائية والسرديات، الخ.
لذا فإننا لن نتأخر عندها، لكن من المهم الإشارة إلى الأهمية المزدوجة للمقاربة التداولية مقارنة مع هذه التحليلات.
فمن جهة، تسمح التداولية، غالباً، بتحديد موضع التحليلات المطورة في إطار نظريات أخرى، وكذا بتوضيحها أو إكمالها. يتعلق الأمر هنا بعمل قد بدأ للتو، إلا أن نتائجه واعدة، وبخاصة عند (دكرو): إعادة تحديد مفهوم "البوليفونية" تطبيق على السرديات، ومنظورات جديدة حول بعض مجازات البلاغة، الخ.
ومن جهة أخرى، من المهم أن نلاحظ بأن كل التحليلات المعنية (حتى مبدأ تفسير النصوص نفسه) تستجيب، في الواقع، لتوجيه تداولي.
بما أن الملفوظية الأدبية لا تستهدف [إحداث] تغيير مباشر في العلاقات الاجتماعية أو غيرها، تلك التي تصل بين المرسل والمتلقين، فإن ما ينتج عن (فعل القول) يكرّس نفسه ـــ كما قلنا آنفاً ـــ بوصفه موضوعاً، أنموذجاً، علينا فحصه، علينا تقييمه.
هذا يعني أن الملفوظ الأدبي شيء مغلق: غير مصمم ليخترق باتجاه إدراك مقصد ما قد يعبر عن نفسه من خلال علامات (لغوية أو ما سواها) معادلة لـه بهذا المقدار أو ذاك.
لكنه مصمم ليستوقف النظر بواسطة مزاياه الخاصة به، وبواسطة نيته المتضمنة ـــ بالمقام الأول ـــ حسن عرضه للأنموذج المقترح.
تمنح التعاليم التداولية المؤسسة للتحليل الأدبي خطوة خاصة لـ(مبدأ التعاون) ذلك الذي يدير حسب غرايس. تبادلاً أقصى للمعلومات.
يضاف إلى هذا المبدأ (المستند ـــ هو ذاته ـــ إلى فعل التأثير بالقول) (قواعد) ذات بعد متصل بـ(فعل القول).
تتعلق هذه القواعد بأنساق (الكمية): (عدم الإفراط أو التفريط في القول)، (الكيفية): ("أن تكون مساهمتك ذات صدقية")، (العلاقة): ("تكلم بصدد الموضوع المقصود")، (الشكلية): ("كن واضحاً").
حقاً إن هذه القواعد لا تحترم ـــ دائماً ـــ خلال الاستعمال العادي [للغة]. ويمكن لذلك أن يحدث بسبب عدم الكفاءة، عدم الانتباه، الخطأ، أو بسبب رفض التعاون المقصود.
إلا أنه من الممكن أيضاً أن لا تؤدي تجاوزات ظاهرة لقاعدة محددة إلى الإضرار (عرضاً أو عمداً) بمبدأ التعاون: إنها تتم بشكل يتمكن فيه المتلقي من المواءمة ـــ ضمنياً ـــ بين الاختراق الظاهر والاحترام الحقيقي للتعاون.
ليس من الصعب العثور ـــ في الأدب ـــ على كل التجاوزات الممكنة بالمقارنة مع كل القواعد. الحال، أن المتلقي لنص أدبي ما سيكون لديه ميل للبحث في تفسير كل اختراق ممكن بوصفه تضميناً مقصوداً، بوصفه تجاوزاً ظاهرياً فحسب، يتوضع ضمن توافق تعاوني عميق، وذلك بتوظيف شرط حسن العرض، وتوظيف قيمة الأنموذج الواجب تقييمه.
إن مبدأ التعاون في الأدب، وفق عبارات (برات)، هو مبدأ بالغ الحماية، أو يفترض أن يكون كذلك.
أو كما يكتب (فان ديجك): ((بينما يبدو المؤلف حراً (…) في تحديد بناء ملفوظه، فإن القارئ هو المُطالب بالتعاون بالشكل الأقصى (…) ينتظر منه أن يتعرّف على معلومة بنائية إضافية (البحر الشعري، بنية إحدى القصص مثلاً)، وكذلك أن يقدم تفسيرات جديدة، وأن يفترض فرضيات، أو مقولات إن أمكن(…)،)).
ضمن هذه الشروط، وبناء على أنه ليس هناك من تفاعل "عملي" بين المؤلف والقارئ، فإنه يتوجب على هذا الأخير أن يبني موضوعاً لغوياً ـــ ومن هنا بالذات ـــ أن يبني عالماً محتمل [الوجود]. يقترح (فان ديجك) أن نحل ـــ في حالة الأدب ـــ "مبدأ البناء" محل "مبدأ التعاون".
نحن نلامس هنا مشكلات سبق أن عولجت بعمق ـــ على أساس تداولي ـــ غالباً ـــ ضمن الدراسات التي تتناول عملية التلقي.
إليكم في هذا الموضوع:
التحميل من الملفات المرفقة
منقول للفائدة
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
التداولية.doc | 168.5 كيلوبايت | المشاهدات 88 |
كل الشكرو الامتنان للمراقبة الصامدة أم كلثوم
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
التداولية.doc | 168.5 كيلوبايت | المشاهدات 88 |
السلام عليك يا أخت أم كلثوم
أختي العزيزة أريد بعض عناوين مذكرات التخرج : أدب عربي تخصص أدب ’ ليسانس نظام جديد
أريد ردا سريع والســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام عليك ورحمة اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــه
اسم الملف | نوع الملف | حجم الملف | التحميل | مرات التحميل |
التداولية.doc | 168.5 كيلوبايت | المشاهدات 88 |
السلام عليك يا أخت أم كلثوم
أختي العزيزة أريد بعض عناوين مذكرات التخرج : أدب عربي تخصص أدب ’ ليسانس نظام جديد أريد ردا سريع والســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام عليك ورحمة اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــه |
يمكنك الإطلاع على هذا الرابط:
http://www.ouarsenis.com/vb/showthread.php?t=13718
بالتوفيق
تحليل الخطاب ولسانيات النص والتداولية – بحث –
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم في هذا الموضوع بحثاً حول تحليل الخطاب ولسانيات النص والتداولية التحميل من الملفات المرفقة منقول للفائدة
| تحميل كتاب الوظائف التداولية في اللغة العربية لأحمد المتوكل
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إليكم في هذا الموضوع تحميل لكتاب: الوظائف التداولية في اللغة العربية لصاحبه الدكتور أحمد المتوكل التحميل من هنــــــــــــا أو من الرابط المباشر من هنـــــــا منقول للفائدة
|
رد: تحميل كتاب الوظائف التداولية في اللغة العربية لأحمد المتوكل
الرابط لا يعمل
التصنيفات
أهم المصادر في التداولية
| أهم المصادر في التداولية
أهم المصادر في التداولية:
1. أهم نظريات الحجاج في التقاليد العربية من أرسطو إلى اليوم: حمادي صمود وآخرون 2. كتاب عبد الهادي بن ظافر الشهري – استراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية – دار الكتاب الجديد المتحدة – 2022 3. الأسس الابستيمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه: إدريس مقبول 4. أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية ، تأسيس (نحو النص) محمد الشاوش جامعة منوبة ، المؤسسة العربية للتوزيع، 2001 5. آفاق جديدة في البحث اللغوي : د.محمود أحمد نحلة 6. بلاغة الخطاب وعلم النص : صلاح فضل 7. البنية والوظيفة: أحمد المتوكل 8. التداولية اليوم علم جديد في التواصل: آن روبول التداولية عند العلماء العرب : مسعود صحراوي . 10. التداولية من أوستن إلى غوفمان: بلانشيه 11. صابر الحباشة ـ التداولية والحجاج 12. الحجاج في البلاغة المعاصرة: د.محمد الأمين الطلبة 13. الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبية: عبد الله صوله 14. الحجاج في اللغة: أبو بكر العزاوي 15. دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي: أحمد المتوكل 16. الدلالة السياقية عند اللغويين : عواطف المصطفى 17. الشرط والإنشاء النحوي للكون: محمد صلاح الدين تونس 2022 18. شهادة الكفاءة في البحث: تعريب كتاب أوستن: محمد المنصوري 19. علم التخاطب الإسلامي: د.محمد يونس 20. علم النص، مدخل متداخل الاختصاصات: فان دايك، تج: بحيري 21. الفلسفة واللغة: الزواوي بغورة 22. في فلسفة اللغة: محمود فهمي زيدان 23. قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية: أحمد المتوكل 24. قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية(البنية التحتية): أحمد المتوكل 25. المدارس اللسانية المعاصرة: د.نعمان بوقرة 26. مدخل إلى اللسانيات: د.محمد يونس علي 27. مدخل إلى اللسانيات التداولية: الجيلالي دلاش، ترجمة:محمد يحياتن(ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر 1992 28. مدخل إلى علم النص: محمد الأخضر الصبيحي 29. المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب: دومنيك مانقونو 30. المعنى والترجمة : يوئيل عزيز 31. المقاربة التداولية: فرانسواز أرمينكو 32. مقدمة في علمي الدلالة والتخاطب: د.محمد يونس علي 33. الملفوظية: جان سيرفوني 34. نسيج النص: الأزهر الزناد 35. النص والسياق :استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي: فان دايك تج:عبد القادر قنيني 36. نظرية أفعال الكلام: جون أوستين، تج: عبد القادر قنيني 37. النظرية القصدية في المعنى عند جرايس: صلاح إسماعيل 38. نظرية المعرفة المعاصرة: د.صلاح إسماعيل 39. نظرية المعنى في فلسفة بول جرايس: د.صلاح إسماعيل 40. نظرية جون سيرل في القصدية: صلاح إسماعيل 41. الوظائف التداولية في اللغة العربية . د. أحمد المتوكل 42. في اللسانيات التداولية؛ مع محاوزلة تأصيلية في الدرس العربي القديم: د.خليفة بوجادي 43. الأفعال الإنجازية في العربية المعاصرة: د.علي محمود حجي الصراف 44. التداولية والسرد: جون . ك. آدامز : تج: د.خالد سهر 45. تحليل الخطاب : ج. ب. براون ، وج.يول: ترجمة: د.محمد الزليطني ود.منبر التريكي 46. التحليل اللغوي عند مدرسة أكسفورد: صلاح إسماعيل 47.الإطار التداولي في اللسانيات المعاصرة / عبد الإله بوغابة، بشرى العروصي, 2022 48.التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر 50 التداولية بين يدي الترجمة 52 التداولية ترجمة : وُبَّـا محمد 53 . التداولية وتنوع مرجعيات الخطاب في اللغة الإنجليزية
|