التصنيفات
العقيدة الإسلامية و الإيمان

تهاوى حصون الأخلاق الإيمانية

تهاوى حصون الأخلاق الإيمانية


الونشريس

لما نقص حب النبي في قلوبنا وحلَّ حب الدنيا فيها وتهاوت حصون الأخلاق الإيمانية واحدا تلو الآخر تحت هجمات جيوش المكاسب الدنيوية وإغراءات المنافع الدنيَّة فترت الهمم وتراخت العزائم المضيَّة وتكاسلنا عن الوظيفة الأساسية والمكلفة الربانية التي كلَّف الله بها أمة خير البرية وهى دعوة خلقه إليه بالطريقة القرآنية والسنَّة المحمدية ولكي نفهم تأثير هذا على ما صرنا إليه وكيف أن تكاسلنا وتقاعسنا عن واجب دعوة غيرنا

لدين ربنا قد عاد علينا بالابتلاءات والمصائب فإنا نبيِّن بشئ من التوضيح كيف كلَّف الله هذه الأمة بشرف وظائف المرســـلين؟ ولنبدأ من عند سيد العالمين وكيف كان صلي الله عليه وسلم بداية التعيين؟ اختار الله نبيه ومصطفاه وحبيبه ومجتباه سيدنا محمد بن عبد الله رسولاً للثقلين للإنس والجن ورسولاً للعالمين عالم السماء بما فيه من أنواع الملائكة وعالم الأرض بما فيه من الإنس وكل ما عليها من الكائنات بل والعناصر والجمادات

فهو الذي قال فيه ربه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} وجعله الله رسولاً للمرسلين ونبياً للنبيين فهو رسول الأولين ورسول الآخرين ورسول أهل الأرض في كل زمان ومكان أجمعين الذي اختاره وربَّاه على عينه ربُّ العالمين وما الرسل السابقين إلا نواباً عن حضرته يبلغون هديه وشرعه إلى أممهم على قدر ما يتحملون من شرع ربهم فإذا اكتملت الأدوار وجاء أهل هذه الدار الذين جعل الله فيهم قوة واقتدار على حمل هذه الأنوار وعلى اتساع هذه الأسرار نزل النبي صلي الله عليه وسلم بالدين الجامع الشامل فالنبيون أجمعون قبله يبلغون شيئاً من تشريعه على قدر أممهم وقال أحد الصالحين في شأنهم :

الرسل من قبل الحبيب محمد . نوَّابه وهو الحبيب الهادي
موسى وعيسى والخليل وغيرهم . يرجون منه نظرة بوداد
رغبوا يكونوا أمة لمحمد وبفضله فازوا بكل مراد
وبمحكم القرآن عاهدهم له . أن يؤمنوا بسراجه الوقاد

فهو صاحب الكمال الذي أنزله الواحد المتعال وصاحب الجمال الذي أنشأه الله على هيئة بغير مثال وصدق حسان بن ثابت حيث يقول في شأن هذا النبي الأمي :

وأجمل منك لم تر قط عينٌ … وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً من كل عيب …. كأنك قد خلقت كما تشاء

[COLOR="DarkO****Green"]وأهل هذا الدين الذين شرفهم الله بنبوته واختارهم الله ليكونوا جنده صلي الله عليه وسلم في تبليغ رسالته – لأنه خير رسول ونزل بخير دين وأنزل عليه خير كتاب – قال الله في شأنهم {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ولم يقل الله ستكونون فيما يستقبل من الزمان مع أنهم الآخرون الأولون ولكنه قال من قبل القبل قبل أن يخلق الكائنات وقبل أن يكوّن المكونات : كنتم عند الله في أزله القديم وفي لوحه القديم خير أمة أخرجت للناس [/COLOR]

وبين الله في هذه الآية تكليف الله لهذه الأمة لمَ خلقنا الله؟ ولمَ كلفنا الله؟ خلقنا الله كما بيّن في هذه الآية ووضحها في أكثر من موضع في كتاب الله : لنكون رسل الهداية من الله للخلق أجمعين ندعو الخلق إلى الله وندلهم بالله على الله تلك هي مهمتنا وهذه هي رسالتنا ولذلك قال الله : خير أمة .. لمن أخرجت ؟ لا لنفسها ولا لأبنائها ولا لأزواجها وإنما أخرجت لمهمة كلَّفها بها الله لغيرها أخرجت لمن ؟ للناس ماذا يفعلون مع الناس؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}

فإن مهمة هذه الأمة مهمة الرسل والأنبياء فقد جعل الله الرسل والأنبياء نواباً عن حضرته صلي الله عليه وسلم قبل وجوده وأمرهم أن يبلغوا أممهم بأوصافه وشمائله وكمالاته حتى أنهم من شدة حرصهم بلَّغوا أممهم ليس بأوصافه في ذاته فقط بل بأوصاف أصحابه وأخبارهم ونعوتهم وأحوالهم فقد ذكروهم في التوراة والإنجيل بأسمائهم {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ما هي أوصافهم؟

{أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ} أين؟ {فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ} ولم يقل كزارع ولكنه قال {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} والزرع هنا هو أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من علية أصحاب النبي {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}فذكروا حتى أوصاف أصحاب حضرة النبي

ولا يسع الوقت لعد ولو لنماذج قليلة مما ذكرته التوراة والإنجيل عن أصحاب حضرة النبي فقد ذكروهم بنعوتهم وأوصافهم وأسمائهم وذكروه صلي الله عليه وسلم بتفصيل البلد التي يولد فيها والأبوين والميعاد الذي يظهر فيه مولده حتى أنهم لما خرج أبو طالب بتجارته إلى بلاد الشام وتعلق به رسول الله فأخذه معه ليرضيه وعندما ذهبوا إلى بحيرة الراهب ورأى أنوار الحبيب جهزَّ وليمة ودعاهم أجمعين وقال: يا معشر قريش لا تتركوا واحداً منكم

فذهبوا وتركوا رسول الله فتفقد القوم فلم يجده قال : هل تركتم أحداً خلفكم ؟ فقال أبو طالب : لا عليك إنه غلام صغير فقال: ائتوني به فآتاه به فقال : من يكون هذا منك ؟ قال: ابني . قال : لا ، قال: ولم ؟ قال : لأن عندنا أن أباه لا يكون حياً وإنما يكفله جده ثم عمه وانظر إلى التوصيف العجيب الذي وصفوه في كتبهم للحبيب

حتى من يكفله جده ثم عمه حتى أنه قال له : ارجع بابن أخيك؟ قال: ولم ؟قال: عندنا في التوراة أن هذا ميعاد خروجه إلى الشام ولو سرت إلى أي طريق ستجد يهوداً في انتظاره يريدون قتله وكل طريق وقف عليه نفر منهم لماذا؟ ومن أين عرفوا كل ذلك؟ هذا لأن موسى وعيسى وفوا لله ووصفوا لأممهم ما كلَّفهم به الله من أوصاف حبيب الله ومصطفاه وقد روى النبي[1] من ذلك كماً كثيراً
[1] اقرأ كتاب حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق

منقول من كتاب [ واجب المسلمين المعاصرين نحو رسول الله]

الونشريس