التصنيفات
الحقوق

المسؤوليــــــــة الإداريــــــــــة

المسؤوليــــــــة الإداريــــــــــة


الونشريس

المسؤوليــــــــة الإداريــــــــــة

مقدمة:
إن مبدأ مسؤولية الدولة في الجزائر ليس حديث النشأة , إذا عرف هذا المبدأ في التشريعات القديمة أين كان النظام القانوني السائد هو نظام إسلامي تحكمه قواعد الشريعة الإسلامية تحت ظل الأعراف و التقاليد الوطنية .
و في الشريعة الإسلامية توجد قواعد عامة تقرر دفع الأضرار عن الرعية مهما كان مصدر هذا الضرر و ذلك طبقا للحديث الشريف " لا ضرر و لا ضرار في الإسلام " .
و زاد من مبدأ مسؤولية الدولة في تلك الفترة طبيعة الرابطة العقائدية بين الحكام و المحكومين .
لكن ومع التطور التاريخي بدأت هذه الرابطة يغلب عليها الطابع الدنيوي مما استوجب إيجاد نظام قانوني و قضائي يتولى تطبيق مبدأ المسؤولية , فظهر نظام المظالم الذي بواسطته يمكن بسط سلطات القانون على كبار الولاة و الموظفين في الدولة التي يعجز القضاء العادي على محاكمتهم .
و ما يميز هذه الفترة أن مبدأ مسؤولية الدولة عرف بواسطة تقرير قاعدة مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع في إطار المسؤولية المدنية و هي قاعدة طبقتها الشريعة الإسلامية قبل أن تعرفها النظم الوضعية
و بدخول الاستعمار الفرنسي سنة 1830م الذي عمل على تغيير النظام القانوني الجزائري و بالتالي تغيير مفهوم مسؤولية الدولة بالنسبة للجزائريين لتعارضه مع النظرية الفرنسية لمسؤولية الدولة فامتد تطبيق النظرية الفرنسية لمبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال موظيفها إلى الجزائر ,إذا كانت نفس القواعد الموضوعية و الشكلية المتعلقة بالاختصاص القضائي الفرنسي لا سيما تلك المتعلقة بأسس مسؤولية الإدارة العامة و مرت بذات التطورات التي مرت بها في القضاء الإداري الفرنسي .
و من حيث الاختصاص أقام النظام القضائي الفرنسي في الجزائر جهات قضائية خاصة للنظر في الدعاوى الإدارية من بينها الخاصة بمسؤولية الإدارة.
فبعد إلغاء المجالس التي كانت قائمة إلى جانب مجلس الدولة الفرنسي . أنشئت بمقتضى مرسوم 30-09-1953 محاكم إدارية بكل من الجزائر . وهران و قسنطينة تنظر في المنازعات الإدارية و لا سيما الخاصة بمسؤولية الدولة , و ذلك تحت رقابة مجلس الدولة الفرنسي كجهة استئناف و ونقض , و بهذا تم التمييز بين المسؤولية المدنية و المسؤولية الإدارية للدولة .
حتى و إن كان النظام القانوني السائد في المرحلة الاستعمارية و خاصة المتعلق بمسؤولية الدولة لم يعنى به الشعب الجزائري بل كان مقتصرا على الفرنسيين المقيمين في الجزائر و بعض الأجانب فقط .
و مع إعلان استقلال الجزائر بتاريخ 05 جويلية 1962 ظهرت نتائج هامة مارست تأثيرها على تنظيم و تسيير العدالة . فقد أصبحت العدالة اعتبارا من هذا التاريخ تصدر باسم الشعب الجزائري و ليس باسم الشعب الفرنسي . بموجب الأمر المؤرخ في 10 جويلية 1962 المتعلق بالصفة التنفيذية .
و قد نجم عن ذلك تخلي الهيئات القضائية الفرنسية ( مجلس الدولة ومحكمة النقض ) عن المنازعات العائدة للنظام القانوني الداخلي الجزائري و الأمر كذلك على وجه التقابل بالنسبة للهيئات القضائية الجزائرية .
إلا أنه و نظرا للإضطرابات التي شلت نشاط المحاكم الإدارية نتيجة مغادرة القضاة الفرنسيين و حتى لا تبقى الدولة الجزائرية دون قضاء إداري تحتم على المجلس الوطني التأسيسي المصادقة على الأمر رقم 62-157 المؤرخ في 31-12-1962 الذي سمح بتمديد حتى إشعار لاحق لمفعول التشريع النافذ , و بالتالي البقاء على الهيئات القضائية الإدارية القائمة في الجزائر قبل هذا التاريخ و هي المحاكم الإدارية بالجزائر , وهران و قسنطينة , لكن دون أن تخضع إلى رقابة مجلس الدولة الفرنسي لأن الدعاوى القائمة أمامه يجب أن يحال حكمها إلى السلطات الجزائرية كي تعرضه على الهيئة القضائية العليا المنتظر إحداثها
و قد تحقق ذلك بموجب الأمر المؤرخ في 18 جوان 1963 الذي شكل مجلسا أعلى يكلف بممارسة الاختصاصات التي كانت تعود سابقا إلى الهيئات القضائية العليا الفرنسية و إنشاء المجلس الأعلى في الجزائر أحدث ثغرة في التنظيم القضائي , لأن مبدأ ازدواجية الأنظمة القضائية المطبق في القاعدة من خلال استقبال المحاكم الإدارية حتى و إن تم تخفيض اختصاصها , تعايش مع وحدة الهيئات القضائية المطبقة في القمة .
و قد تكفل إصلاح نوفمبر 1965 بإعادة تنظيم الهيئات القضائية الدنيا و إلغاء المحاكم الإدارية و تحويل اختصاصها إلى المجالس القضائية التي تم إنشاؤها بموجب الأمر المؤرخ في 17-نوفمبر 1965 ومن هنا أصبح النظام القضائي الجزائري نظاما موحدا
حتى وإن كانت أحادية من نوع خاص أو أحادية مرنة كما سماها البعض إذ كانت أحادية القضاء مع ازدواجية في المنازعات التي كانت تظهر في اختصاص الغرف الإدارية بالمجالس القضائية بالفصل في المنازعات الإدارية و لا سيما المتعلقة بالمسؤولية الإدارية .
تعاقبت عدة دساتير بعد هذه الإصلاحات القضائية منها دستور 76 و دستور 89 لكنها لم تغير شيئا في النظام القضائي القائم ولا في مفهوم المسؤولية الإدارية إلى أن صدر التعديل الدستوري لسنة 1996 الذي أحدث نظام الازدواجية القضائية و ذلك بإنشاء مجلس الدولة و المحاكم الإدارية , لكن هل غير في نظام مسؤولية الدولة ؟
ماهي وضعية المسؤولية الإدارية في الجزائر ؟
هل تحديد المشرع الجزائري للمسؤولية المدنية كقاعدة عامة جعل القاضي يستبعد المسؤولية الإدارية ؟
ماهي حدود اجتهاد القاضي الإداري الجزائري في مجال المسؤولية الإدارية ؟

المبحث الثاني : المعالجة القانونية الموضوعية للمسؤولية الإدارية
المطلب الأول :مسؤولية المستشفيات العامة
يشير تطبق مسؤولية مرفق المستشفى صعوبة حقيقية . فالأطباء العاملين بالمستشفى العام معرضين للأخطاء . و من ثم لزم علينا دراسة طبيعة المسؤولية عن أعمال الأطباء و كذا الخطأ المستوجب لمسؤولية الطبيب و لمسؤولية الجهة الإدارية التي يتبعها .
الفرع الأول : علاقة كل من الطبيب و المريض بالمستشفى العام :
قبل التعرض لطبيعة العلاقة بين كل من الطبيب و المريض بالمستشفى العام يجدر بنا أولا معرفة ماهية المؤسسة الصحية العمومية .
تعتبر مؤسسة صحية عمومية ذات طابع إداري مجموعة هياكل الوقاية , التشخيص العلاج و الاستشفاء و إعادة التأهيل الصحي الموجودة داخل إقليم نفس الدائرة و المتكونة من المستشفيات و العيادات المتعددة الخدمات , المراكز الصحية , قاعات الفحص و العلاج مراكز الأمومة و مراكز المراقبة و كل منشئة صحية عمومية تحت وصاية وزارة الصحة و السكان …………………(1).يمكن من خلال هذا التعريف استنتاج أن القطاع الصحي أو المراكز الاستشفائية الجامعية أو المؤسسة الاستشفائية المتخصصة بتمنع من الاستقلالية القانونية و هي خاضعة للقانون الإداري فيما يتعلق بقواعد تنظيمها و تسييرها بالإضافة إلى المنازعات الناشئة بفعل النشاط الذي تمارسه و المسؤولية التي تقام عليها .
أنواع المؤسسات الصحية :
1-المراكز الاستشفائية الجامعية : التي من مهامها العلاج على التخصص و البحث في المجال الطبي و التكوين و قد جاء تعريفها ومهامها في المادتين 3 و4 من المرسوم التنفيذي 97- 467 المتعلق بإنشاء المراكز الاستشفائية الجامعية و تنظيمها و سيرها .
2- القطاعات الصحية : من مهامها التكفل بالصحة المدنية و الوقاية و تقديم العلاج الأولي و ينظم سيرها المرسوم التنفيذي 97-466 .

………………………………………….. ………………………….
(1) طاهري حسين : الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة دار هومة ,الجزائر طبعة 2022 ,ص 11.
3– المؤسسات الاستشفائية المتخصصة : تتكفل بنوع معين من العلاج التخصصي دون غيره و نظمها المرسوم التنفيذي 97-465 .
الطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية الصحية :
قضت المادة 2 من المرسوم التنفيذي 97- 466 " القطاع الصحي مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و يوضع تحت وصاية الوالي " .

أوضحت هذه المادة الطابع القانوني للقطاع الصحي و اعتبرته صراحة ذو طابع إداري و منه فهو يدخل ضمن المؤسسات ذات الطابع الإداري المنصوص عليها في المادة 7 (ق.إ.م) ونفس الشيء بالنسبة للمؤسسات الاستشفائية المتخصصة و المراكز الاستشفائية الجامعية فالطبيعة القانونية للمؤسسة الاستشفائية العمومية هي التي تحدد لنا نوع الدعوى التي يقيمها المريض المضرور و المبدأ العام بالمستشفى العام يدخل في اختصاص القاضي الإداري
و لتحديد مسؤولية المستشفى كمرفق عام يتحتم علينا معرفة طبيعة العلاقة بين المريض المضرور و المستشفى العام و كذا طبيعة علاقة الطبيب المخطأ بالمستشفى العام .

1– علاقة المريض بالمستشفى العام :
عندما يتعامل المريض مع المستشفى العام فإنه يتعامل مع شخص معنوي , فإن المريض لا يمكنه اختيار طبيعة المعالج بحرية بل إن هذا الأمر وأمور أخرى تنظمها لوائح هذا المرفق , و إذا كان المريض يتعامل مع أحد الأطباء الموظفين لدى المستشفى و الذي حددته إدارة المستشفى لتشخيص مرضه و علاجه فإنه لا يتعامل معه بصفته الشخصية و لكن بصفته مستخدما أو موظفا لدى هذا المستشفى وعلى هذا الأساس فإن علاقة المريض و الطبيب الممارس في مستشفى عام هي علاقة غير مباشرة لا تقوم إلا من خلال المرفق الصحي العام و تفترض وجود علاقة مباشرة بين المريض و المستشفى العام .
وبذلك فإن حقوق و التزامات كل من الطبيب و المريض تحدد بمقتضى اللوائح المنظمة لنشاط المرفق العام الذي يديره المستشفى
فعلاقة الطبيب بالمريض في المستشفى العام هي علاقة شخص مكلف بأداء خدمة عامة طبقا للوائح بشخص ينتفع بخدمات المرفق العام طبقا للقوانين و بذلك فإنه لا يوجد عقد بين الطبيب الممارس في المستشفى العام و المريض الذي ينتفع بخدمته .
علاقة الطبيب بالمستشفى العام :
الراجح أن الطبيب يعتبر تابعا للمستشفى الذي يعمل فيه , و إذا كانت علاقة الطبيب بالمستشفى هي علاقة تابع بالمتبوع أي علاقة تبعية يكون فيها للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمله و في الرقابة عليه و محاسبته .
و هنا حتى تسأل المستشفى العام عن أخطاء الطبيب باعتباره تابعا لها لابد من توافر شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه , و الأمر الذي قد يصعب تحقيقه بالنظر إلى ما يتمتع به الأطباء و الجراحون من استقلال في ممارستهم لعملهم الفني , و هنا يثور التساؤل عن مدى توافر عناصر رابطة التبعية بين إدارة المستشفى العام و الطبيب و التي يسأل بمقتضاها المستشفى عن خطأ الطبيب .
ذهب رأي في الفقه إلى أن الاستقلال الذي يتمتع به الطبيب في ممارسة عمله الذي يمنع تبعيته لشخص أخر المادة 10- المواد (92-276) و مؤدى ذلك إذا كان الطبيب يمارس عمله لحساب شخص أخر غير قادر على مباشرة سلطة التوجيه و الإشراف عليه في عمله الفني فإنه لا يكون تابعا له ………………………..(1).
و ذهب رأي أخر إلى أن الاستقلال الذي يتمتع به الطبيب في ممارسته عمله الفني لا يمنع من خضوعه لرقابتها في أدائه لوا جباته العامة التي تفرضها عليه الوظيفة , و لذلك اعتبرته بعض الأحكام القضائية تابعا لها و تسأل المستشفى عن أخطائه كمتبوع بالنسبة للأضرار التي تقع عند تأديته لهذه الواجبات أو بسببها , فالطبيب ليس موظفا بالمعنى الفني و هذا لا يحول دون مسؤولية الإدارة باعتبارها متبوع له و ذلك لان مسؤولية الإدارة عن أعمال مستخدميها لا تقتصر على الموظفين بمعناهم الفني بل أنها تشمل كل من يؤدي عملا لحسابها و تحت رقابتها و توجيهها …………………………..(2) .

………………………………………….. ……………………………
(1) ا.طاهري حسين: الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة , دار هومة , الجزائر ,طبعة 2022 ,ص 36.
(2) د. محمد حسنين منصور: المسؤولية الطبية ,دار الجامعة الجديدة الإسكندرية ,مصر , طبعة 2001 , ص115.

و ما قد يؤكد رابطة التبعية بين الطبيب و المستشفى هو نص المادة 3 من المرسوم التنفيذي 92- 276 المتضمن مدونة أخلاقيات الطبيب , إذ تقضي المادة بخضوع الطبيب للمسؤولية التأديبية أمام المجلس الوطني لأخلاقيات الطب , وهذا يفرض وجود علاقة تبعية ة لو كانت تبعية أدبية .
و في هذا الحال إذا قلنا بوجود علاقة تبعية بين الطبيب و المستشفى فإن هذا يستوجب تحمل المستشفى مسؤولية التعويض عن الأضرار الواقعة بسب أخطاء موظفيها .
الفرع الثاني : أساس مسؤولية المستشفى العام .
إذا كان الاعتراف بوجود مسؤولية الإدارة أصبح قائما إلا أن النقاش بقيا حول الأساس القانوني الذي ترتكز عليه هذه المسؤولية فإذا كانت القواعد العامة في التشريعات المدنية تستند إلى مبدأ عام يقرر وجوب التعويض عن كل خطأ يسبب ضررا للغير , فإن المشكلة التي يمكن أن تثار بصدد مسؤولية الإدارة تبرز من خلال التساؤل عن نطاق هذه المسؤولية و مدى تطبيق المبدأ السابق الذكر خصوصا إذا لاحظنا أن الإدارة شخص اعتباري نادرا ما يستند الخطأ إليه و أن الأخطاء التي تقع منها تصدر عن عمالها و موظفيها…………..(1).
الذين هم أشخاص طبيعيين يمكن نسب تلك الأخطاء إليهم ثم إن هناك من الأنشطة التي تقوم بها الإدارة لا تعد أخطاء بالمعنى القانوني المقرر في المسؤولية و قواعدها العامة , و ينتج عن ممارستها أضرار تلحق بالأفراد فهل تسأل الإدارة عن هذه الأعمال ؟.
إن هذه التساؤلات أثارها الفقه الإداري و توقف عندها القضاء و عالج بعض جوانبها التشريعات , و بدون الدخول في تفاصيل التطور التاريخي لهذا الأساس …………..(2).
فيمكن القول أن الأساس القانوني الرئيسي الذي تقوم عليه مسؤولية المتشفى في الوقت الحاضر يتمثل في الخطأ و استكمل هذا الأساس بنظرية المخاطر و هناك مسؤولية لا تبنى على أساس الخطأ أو المخاطر و إنما على القانون المباشرة ………………………………………….. ………………………….
(1) مسؤولية الطبيب و الصيدلي داخل المستشفيات العمومية
بحث للحصول على درجة الماجستير في الإدارة و المالية للطالبة حميدة جمعة 2001
(2) راجع إن شئت : قانون المسؤولية الإدارية للدكتور رشيد خلوفي , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر ,ص 74.
(3) يمكن الرجوع إلى المادة 210 و ما بعدها من المرسوم التنفيذي 92-276 المتضمن مدونة أخلاقيات الطب .
يمارس المستشفى إلى جانب نشاطه الإداري و التنظيمي نشاطا أساسيا أسس من أجله و هو النشاط الطبي , و يتميز هذا النشاط بأعمال مختلفة يقوم بها تقنيون مختلفون تطرح على القاضي مشاكل تحديد مسؤولية المستشفى .و قد توصل كل من الفقه و القضاء الإداريين إلى تحديد النشاط الطبي و ذلك بالتمييز بين العمل الطبي و العمل العلاجي
ففي مرحلة أولى اعتمد على المعيار العضوي للتمييز بين العمل الطبي و العمل العلاجي و من خلاله يكون .
العمل الطبي : هو ذلك العمل الذي يقوم به الطبيب أو الجراح أو المختص و كذلك العمل الذي يقوم به تقني أخر تحت إشراف الطبيب أو الجراح أو المختص و تقوم المسؤولية هنا على أساس الخطأ الجسيم .
العمل العلاجي : هو العمل الذي يقوم به التقنيون الآخرون غير الأشخاص المذكورة ضمن العمل الطبي و تقوم مسؤولية هؤلاء على أساس الخطأ البسيط .
أنتقد هذا التمييز القائم على المعيار العضوي لأنه غير مقنع و في غير صالح الضحية خاصة في حالة العمل الطبي إذ يقوم الطبيب ببعض الأعمال العلاجية الخفيفة مما يصعب على الضحية إثبات الخطأ الجسيم في هذه الحالة و لهذا فقد تخلى القضاء الإداري عن هذا المعيار و أخذ بالمعيار المادي الذي يستند على طبيعة العمل . إذ يعتبر العمل الطبي هو العمل الذي يتميز بصعوبة جدية و يتطلب معرفة خاصة و يكون عملا علاجيا عندما يقدم العمل العادي .
صور الخطأ الطبي :
1– رفض علاج المريض :
هناك واجب إنساني و أدبي على الطبيب تجاه المريض و المجتمع الذي يحيا فيه إلا أن هذا الالتزام يتحدد بنطاق معين و في ظروف معينة إذ نصت المادة 9 من المرسوم التنفيذي 92-276 على ما يلي "يجب على الطبيب أو جراح الأسنان أن يسعف مريضا يواجه خطرا وشيكا ,أو أن يتأكد من تقديم العلاج الضروري له ". فالطبيب الذي يعمل بمستشفى عام ليس له أن يرفض علاج أحد المرضى الذي ينبغي عليه علاجه ……………….(1).
………………………………………….. ………………………………………….. ……………………….
(1) ا,طاهري حسين : الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة .دار هومة ,الجزائر ,طبعة 2022,ص 21.

2– تخلف رضا المريض :
القاعدة العامة أنه يلزم لقيام الطبيب بالعلاج أو العمليات الجراحية الحصول على رضا المريض طبقا للمادة 44 من المرسوم التنفيذي 92-276 و تخلف هذا الرضا يجعل الطبيب مخطأ و يحمله قيمة المخاطرة الناشئة عن العلاج حتى و لو لم يرتكب أدنى خطأ في مباشرته و يزداد أهمية الحصول على رضا المريض كلما كان العلاج أو الجراحة ينطوي على كثير من المخاطر .
3– رفض المريض العلاج :
يعفى الطبيب من المسؤولية إذا رفض المريض التدخل الطبي لكن تشترط المادة 49 من المرسوم 92-276 أن يكون رفض المريض للتدخل كتابة .
4– التزام الطبيب بإعلام المريض :
يقع على عاتق الطبيب التزام بإعلام المريض بطبيعة العلاج و مخاطر العملية الجراحية .
5- الخطأ في التشخيص :
يسأل الطبيب على أخطاء التشخيص إذا كانت جسيمة و ينطوي على جهل بالعلوم الطبية وكان الغلط غير مغتفر كما إذا كانت علامات و أعراض المريض من الظهور بحيث لا يفوت على الطبيب مثل الذي قام بالتشخيص .
الخطأ العلاجي :
يتولد الخطأ العلاجي عادتا على العمل الذي يقوم به مساعدو الأطباء من تقنيين و ممرضين و يكفي قيام الخطأ البسيط لمساءلة المتسبب في الخطأ , فالنشاط العلاجي يتسم بالبساطة و لذا يتولد عند خطأ بسيط و يعد خطأ علاجي الإهمال في المراقبة أو إعطاء أدوية بطريقة سيئة …الخ.
فالمعيار المعتمد للتمييز بين الخطأ الطبي و العلاجي لا يتوقف عند القول أن النشاط الطبي هو ذلك العمل الذي يقوم به الطبيب أما النشاط العلاجي فهو العمل الذي يقوم به الممرض لأن الطبيب قد يقوم بنشاط علاجي إلى جانب النشاط الطبي .

خطأ المستشفى :
قلنا فيما سبق أن لمرفق المستشفى نشاط إداري إضافة إلى النشاط الرئيسي لها و هو النشاط الطبي وأن كل خطأ يقع في المستشفى أثناء تأدية هذا المرفق لمهامه المحددة قانونا يترتب عليه مسؤولية هذا الأخير . و الأخطاء التي تقع في المستشفى إما أن تكون مرتبطة بالنشاط الطبي للمستشفى مثل الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي و إما أن تكون مرتبطة بالنشاط الإداري لهذا المرفق .
و يمكن تحديد أخطاء المستشفى ( الخطأ المرفقي ) من خلال تحديد واجبات المستشفى إزاء المرضى , و التي حددها قانون 85-05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها ومن هذه الواجبات ما يلي : ………………………(1).
1– القيام بالخدمات العادية :إذ تلتزم المستشفى بتقديم الخدمات التي يحتاجها المريض أثناء إقامته فيه و بصفة خاصة بتنفيذ تعليمات الطبيب.
2– توافر التجهيزات اللازمة : فقد تسأل المستشفى إذا فقدت التجهيزات الأولية اللازمة لاستقبال المرضى و علاجهم و رعايتهم و كذا توفير الوسائل الأخرى مثل أدوات الجراحة و الأدوية .و لا يكفي توافر هذه الأجهزة بل لابد من سلامتها و عدم اختلالها.
3– انضباط والتزام العاملين بالمستشفى بواجبات المهنة :إذ تقع على عاتق إدارة المستشفى توفير العدد الكافي من العاملين المتخصصين و الممرضين لحسن أداء المستشفى للخدمات الطبية الملقاة على عاتقه , و يشترط في هؤلاء العاملين التخصص و التأهيل العلمي و الكفاءة و الانضباط في العمل حتى يؤدوا مهامهم على أكمل وجه و تقوم مسؤولية المستشفى إذا ثبت إخلال بالتزامات السابقة و تسأل الإدارة كذلك عن التقصير أو الخطأ الذي يقع من العاملين أو الممرضين .

………………………………………….. ………………………………………….. ……………
(1)ا.طاهري حسين: الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة , دار هومة ,الجزائر ,طبعة2002 ,ص(40-43).

4– التزام المستشفى بسلامة المريض :إن الراجح فقها وقضاءا هو التزام المستشفى بسلامة المريض و التزامه هذا يعد التزاما بتحقيق نتيجة خلافا لالتزامه بشفاء المريض الذي يعد التزاما ببذل العناية ……………………..(1).
وذلك لأن المريض أثناء تواجده في المستشفى يعد طرفا ضعيفا يحتاج للرعية , ومن ثم يقع على عاتق المستشفى التزام بضمان سلامة الأغذية و الأدوية المقدمة للمريض , ونفس الشيء بالنسبة للأجهزة المستخدمة و كذا التحاليل المجرات و عمليات نقل الدم , و يجب حماية المريض من المخاطر التي يتعرض لها و لو كانت مصدرها نفسه هو .
صور من خطأ المصلحة :
خطأ في المراقبة أدى إلى اختناق طفل بسبب الضمادات التي تربطه على سريره .
أخذ مولود من مصلحة الولادات بالمستشفى .
التأخر في إنذار الطبيب بالحالة السيئة للمريض .
وفاة مريض تم إدخاله المستشفى في النهار و توفي ليلا دون أن يجرى عليه أي فحص
مستشفيات الأمراض العقلية :
تتميز المؤسسات الخاصة بالأمراض العقلية بخصوصية تميزها على المؤسسات العادية , وذلك لخصوصية نزلاء هذه المؤسسات وقد خصص المشرع الجزائري الباب الثالث من القانون رقم 85-05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها ( من المادة 103 إلى المادة 149).
لتنظيم الصحة العقلية من خلال تحديد الهياكل الخاصة بالمصابين عقليا إذ نصت المادة 103 على " يتكفل بالمصابين عقليا أحد الهياكل التالية :
-المؤسسات الاستشفائية المتخصصة في الأمراض العقلية
-مصالح الأمراض العقلية و مصالح استعجالات الأمراض العقلية في المستشفيات العامة
-وحدة الشبكة الصحية القاعدية ".
من هنا فإن مرضى الأمراض العقلية يمكن أن يعرضون على مستشفيات عادية و يمكن أن يعهد بهم إلى مؤسسات متخصصة .
………………………………………….. ………………………………………….. …………………….
(1) د.محمد حسين منصور: المسؤولية الطبية ,دار الجامعة الجديدة الإسكندرية ,مصر ,طبعة2001,ص 128.
و هنا يثور التساؤل حول مسؤولية هذه المؤسسات من جهة , ومن جهة أخرى التمييز بين المسؤولية عن الأضرار التي تحدث للمريض أو التي يحدثها لنفسه و بين المسؤولية عن الأضرار التي قد يحدثها المريض بالغير .
انطلاقا من التزام المستشفى الرئيسي بسلامة المريض تشدد القضاء في تحديد مضمون هذا الالتزام خاصة في حالة حجز المريض و علاجه بوسط مقفل , و يراعي القضاء بطبيعة الحال وضعية المؤسسات العلاجية غير المتخصصة لاستقبال المرضى العقليين فالأضرار التي يلحقها المريض بنفسه أثناء عرضه على إحدى تلك المؤسسات مؤقتا حتى يحول إلى مؤسسة متخصصة لا تسأل عنها إلا في حدود إمكانياتها الأمنية المتوقعة منها , لذا تستوجب مسؤولية هذه المؤسسات وقوع خطأ جسيم و هذا راجع إلى الصعوبات المتعلقة بطبيعة المرض الذي يستلزم المراقبة الدائمة بسبب التصرفات الغير منتظرة للمرضى كذلك يختلف الأمر في حالة العلاج بالوسط المفتوح .
فأحيانا تكون عملية إخراج المريض عقليا و تركه حرا بعض الوقت عاملا هاما في علاجه و تحسن حالته و تلك الحرية النسبية و إن كانت مصحوبة بنوع من الرقابة و الرعاية إلا أنها تخفف من مسؤولية المستشفى في حالة الإخلال بالالتزام بسلامة المريض .
أما بالنسبة للمؤسسات العلاجية المتخصصة فالقضاء يتشدد إلى حد الأخذ بمجرد الخطأ المقدر من جانب المؤسسة حتى يضمن سلامة المريض , فلا يقع على المستشفى فقط مجرد تنفيذ تعليمات و أوامر الطبيب بل تلتزم التزاما مستقلا باتخاذ كافة التدابير و الإجراءات الأمنية التي تضمن سلامة المريض و عدم إيذاءه لنفسه كإبعاد الأشياء و الآلات التي يمكن أن يستعملها في إلحاق الضرر بنفسه و أحكام الشبابيك و الخارج التي يمكن إن يلقي بنفسه منها و مراقبته بصفة دائمة و منتظمة ……………………(1).و في هذا نصت المادة 145 من القانون 85-05 على "تعد المتابعة الطبية للمرضى الذين قد يكونون خطرا بسبب انعدام العلاج المتواصل أو المنتظم ,إجراء يستوجب متابعة خارجية و علاجا دوريا منتظما ,و يمكن أن يطبق هذا الإجراء التحفظي الوقائي على كل مصاب بمرض عقلي , مهما تكن طبيعة إصابته ".
………………………………………….. ………………………………………….. ……………………….
(1) د. محمد حسين منصور: المسؤولية الطبية ,دار الجامعة الجديدة ,الإسكندرية ,مصر ,طبعة 2001,ص 134.
الأضرار التي يحدثها المريض بالغير :
قد يصدر من المريض الفار من المستشفى تصرفات و أفعال قد تلحق أضرار بالغير ففي حالة فرار المريض يلزم الطبيب المعالج بإخبار الوالي على الفور ودون إبطال و إرسال إليه بشهادة تتضمن المخاطر المحتملة و المنتظرة من المريض الفار ……………….(1).
لأن الوالي هو المختص بمتابعة و مراقبة مستشفيات الأمراض العقلية و كل المؤسسات المخصصة لهذا الغرض طبقا للمادة 144 من قانون 85-05 .
و إذا وقع الفعل الضار من المريض أثناء الهروب ففي هذه الحالة تقوم مسؤولية المستشفى على أساس الخطأ في المراقبة , واستثناءا أخذ القضاء بالمسؤولية على أساس مخاطر الجوار , فالمريض يستفيد بقاعدة الخطأ المفترض و يقع على المستشفى عبء نفي الخطأ ………..(2).

………………………………………….. ………………………………….
(1) ا, طاهري حسين : الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة ,دار هومة ,الجزائر ,طبعة 2022,ص 53.
(2) مرجع سابق ص 54.

المبحث الأول : المعالجة القانونية الإجرائية للمسؤولية الإدارية :
المطلب الأول : المسؤولية المدنية كقاعدة عامة .
الفرع الأول :أحكام المسؤولية المدنية:
قسم المشرع الجزائري المسؤولية المدنية إلى ثلاث أنواع هي :
1- المسؤولية عن الأعمال الشخصية .
2- المسؤولية عن أعمال الغير .
3- المسؤولية الناشئة عن الأشياء .
1- المسؤولية عن الأعمال الشخصية :
المسؤولية عن أي عمل شخصي يصدر عن المسؤول نفسه هي مسؤولية تقوم على خطأ واجب الإثبات , فالخطأ هن غير مفروض بل يكلف الدائن إثباته في جانب المدين و هذه هي القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية و قد نصت المادة 124 من القانون المدني على " كل عمل أيا كان يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير , يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض ".
و يتضح من نص المادة أن المسؤولية عن الأعمال الشخصية لا تقوم إلا بتوافر أركانها و التي تتمثل في الخطأ,الضرر.العلاقة السببية .
أ-الخطأ: تعددت الآراء في تحديد الخطأ الذي يوجب المسؤولية على مرتكبه . و دون التعرض إلى هذه الآراء ……………………..(1).يمكن القول أن الخطأ هو كل عمل يقوم به الإنسان و هو يدرك تمام الإدراك أنه يضر الغير و من هنا يكون للخطأ ركنيين : ركن مادي و هو التعدي , و ركن معنوي وهو الإدراك .
أ-1: الركن المادي :الخطأ هو انحراف في السلوك , و يقع الانحراف إذا تعمد الشخص الإضرار بالغير , وهذا ما يسمى بالجريمة المدنية أو إذا هو دون أن يتعمد الإضرار بالغير أهمل و قصر وهذا ما يسمى بشبه الجريمة المدنية .

………………………………………….. ………………………………………….. ……………………
(1) يمكن الرجوع في هذا الشأن إلى الوسيط في شرح القانون المدني الجديد , المجلد الثاني ( مصادر الالتزام ) للدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري , منشورات الحلبي الحقوقية ,بيروت 1998 ,ص (879-881).
و الضابط في الانحراف يرد إلى أحد المعيارين إما المعيار الذاتي أو المعيار الموضوعي ,
و المعيار الذاتي يستلزم أن ننظر إلى شخص المتعدي نفسه فنبحث هل ما وقع منه يعتبر بالنسبة إليه انحرافا في السلوك , فقد يكون على درجة كبيرة من اليقظة و حسن التدبير فأقل انحرافا في سلوكه يعد تعديا و قد يكون دون المستوى العادي في الفطنة و الذكاء ,فلا يعتبر متعديا إلا إذا كان الانحراف في سلوكه انحرافا كبيرا و المقياس الشخصي على هذا النحو لا شك في عدالته , فهو يأخذ كل شخص بجريمته و يقيس مسؤوليته بمقدار يقظته و فطنته , و هو في الوقت ذاته يربط بين الخطأ القانوني و الخطأ الأدبي فالشخص لا يكون قد ارتكب خطأ قانونيا إلا إذا أحس أنه ارتكب خطأ أدبيا فضميره دليله و وازعه .
أما المعيار الموضوعي , فيعني أنه يجب أن ننظر إلى سلوك هذا الشخص المتعدي بسلوك الأشخاص الذين يتعامل معهم , ويعايشهم و لا يعني ذلك أننا سنقيس سلوكه بأكثر الناس ذكاءا و لا نقيسه بأقل الناس ذكاءا , و إنما بالشخص العادي الذي لا يتمتع بذكاء خارق و في نفس الوقت ليس محدود الفطنة و بالتالي يكون العمل خطأ إذا كان الشخص العادي لا يقوم به في نفس الظروف ……………………(1).
و هذا المعيار أي معيار الرجل العادي هو الراجح في تحديد ما إذا كان العمل الذي ارتكبته شخص يعتبر خطأ , و يقع عبء إثبات الخطأ على الشخص المضرور إلا إذا أقام المخطأ الدليل على أن عمل التعدي الذي قام به يعتبر عملا مشروعا و ذلك من خلال أنه كان وقت ارتكابه للعمل في إحدى الحالات التالية :
1- الدفاع الشرعي طبقا للمادة 128 قانون مدني .
2- حالة تنفيذ أمر صادر من الرئيس وفق المادة 129 قانون مدني .
3- حالة الضرورة التي نصت عليها المادة 130 قانون مدني .

………………………………………….. ………………………………………….. ……………………………..
(1) د .أحمد حسن قدادة : الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري الجزء الأول , ص 243.
أ-2 الركن المعنوي : لا يكفي لقيام الخطأ كركن من أركان المسؤولية التقصيرية مجرد التعدي من الشخص و إنما يجب أن يكون هذا الشخص مدركا لأعمال التعدي التي قام بها سواء بقصد أو بغير قصد , و الإدراك يرتبط ارتباطا وثيقا بالتميز إذ يقال لا مسؤولية دون تمييز , و سن التمييز في القانون المدني الجزائري هو 16 سنة طبقا للمادة 125 قانون مدني
ب- الضر : لا يكفي لقيام المسؤولية أن يقع خطأ ,و إنما يجب أن يترتب على الخطأ ضرر يصيب أحد الأشخاص في جسمه أو في ماله و هذا هو الضرر المادي .
أما إذا وقع الضرر على شعور الشخص أو عاطفته كان هذا الضرر أدبيا .
ب-1الضرر المادي :يشترط فيه :
أ- الإخلال بمصلحة ذات قيمة مالية للمضرور:
وقد تتمثل هذه المصلحة بحق المضرور و قد تتمثل بمجرد مصلحة مالية له , فعندما يقع تعد على حياة أحد الأشخاص يكون هناك إخلال بحق للمضرور سواء في حياته أو في سلامة جسمه فيعتبر ضررا إذا ما أصيب الإنسان من جراء فعل شخص أخر بتلف في أحد أعضائه , و كذا يعتبر ضررا بحق المضرور في أملاكه إذا لحقها تلف , و قد يقع الضرر في مجرد مصلحة مالية لأحد الأشخاص يحق له , كأن يصاب عامل فيستحق معاش عند رب العمل , فيكون المسؤول عن إصابة العامل قد أصاب رب العمل في مصلحة مالية له و يرى في ذلك أن تكون المصلحة مشروعة.
ب- تحقق الضرر :
إذ يجب أن يكون الضرر محقق الوقوع بأن يكون قد وقع فعلا أو سيقع حتما و لا يكفي أن يكون محتمل الوقوع لأنه ضرر غير محقق فقد يقع و قد لا يقع , و من ثم لا يكون التعويض عن الضرر الاحتمالي إلا في حالة وقوعه و كذلك قد يكون الضرر مجرد تفويت فرصة لأحد الأشخاص .

ب-2 الضرر الأدبي : و هو الضرر الذي يقع بمصلحة غير مالية لأحد الأشخاص و قد اختلف حول قابلية الضرر الأدبي للتعويض …………………………(1).
إلا أن القانون المدني الجزائري لم يرد فيه ما يدل بصراحة أنه يجيز التعويض عن الضرر الأدبي الذي يلحق بالإنسان ,لذا يمكن الاعتماد على عبارات النصوص التي وردت في شأن الضرر و التعويض عنه بأنها عبارات عامة مطلقة يمكن تطبيقها على الضرر المادي و الأدبي .
ج- العلاقة السببية : العلاقة السببية مابين الخطأ و الضرر معناها أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول و الضرر الذي أصاب المضرور وهي ركن مستقل عن ركن الخطأ إذ قد توجد و لا يوجد الخطأ كما لو أحدث شخص ضررا فعل صدر منه و لا يعتبر خطأ و تتحقق مسؤوليته على أساس تحمل التبعة , و قد يوجد الخطأ و لا توجد السببية و هنا لا يكون الشخص مسؤولا عما ارتكبه من أعمال إذا أثبت أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يدل له فيه و صور السبب الأجنبي طبقا للمادة 127 قانون مدني هي القوة القاهرة , الحادث المفاجئ , خطأ المضرور و خطأ الغير …………………..(2).
2– المسؤولية عن عمل الغير :
2-أ مسؤولية متولي الرقابة: نصت المادة 134(ق-م) على "كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة , بسبب قصر أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله الضار و يترتب هذا الالتزام و لو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز ".
من هذه المادة يتضح أن متولي الرقابة يكون مسؤولا عن جميع الأفعال الضارة التي رتبت للغير ضررا بالتعويض لكن يجب أن يتوافر شرطين هما :

………………………………………….. ………………………………………….. ……………………………
(1) د. أحمد حسن قدادة: المرجع السابق ,ص 250.
(2) لأكثر تفصيل يمكن الرجوع إلى د. عبد الرزاق أحمد السنهوري ,المرجع السابق ,ص (993-1022).
1-أن يكون الشخص متولي رقابة على شخص أخر:
لا تتحقق المسؤولية إلا إذا قام التزام بالرقابة و مصدر هذا الالتزام إما أن يكون القانون أو الاتفاق مثال الرقابة القانونية رقابة الأب على ابنه , و مثال الرقابة الاتفاقية رقابة مدير مستشفى الأمراض العقلية على مرضاه فلا يكفي أن يتولى شخص بالفعل رقابة شخص أخر حتى يكون مسؤولا عنه , بل يجب أن يكون هناك التزام قانوني أو اتفاقي بتولي هذه الرقابة .
2- صدور عمل غير مشروع ممن تحت الرقابة : حتى تقوم مسؤولية متولي الرقابة يجب أن يقع فعل غير مشروع من الشخص الخاضع للرقابة بسبب ضررا للغير , أما إذا وقع الفعل الضار على من تحت الرقابة فلا توجد مسؤولية على من له حق الرقابة كأن يصيب أجنبي المشمول بالرقابة بضرر .
أساس مسؤولية متولي الرقابة :
تقوم مسؤولية متولي الرقابة على أساس الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس , و يعني الخطأ المفترض أن متولي الرقابة يكون قد أخل بما عليه من واجب الرقابة بمجرد وقوع فعل ضار من الشخص المشمول بالرقابة و هذا يعني أن الخطأ دائما مفترض في جانبه .
2-ب مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع:
تقضي المادة 136 (ق-م) : " يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع , متى كان وقعا منه في حالة تأدية وظيفته أو سببها و تقوم رابطة التبعية و لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته و توجيهه ".
يتضح من خلال هذا النص أن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع تقوم بتوافر شرطين هما :
1– وجود علاقة تبعية :
تقوم على التبعية طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 136 على توافر عنصري السلطة الفعلية و الرقابة و التوجيه التي تثبت للمتبوع على التابع . و لا يشترط في السلطة الفعلية أن تكون قائمة على عقد بين التابع و المتبوع , بل ليس من الضروري أن تكون السلطة شرعية بل يكفي أن تكون سلطة فعلية و هذا كاف في قيام علاقة التبعية .
و يجب أن تكون هذه السلطة الفعلية منصبة على الرقابة و التوجيه . فالمتبوع يجب أن تكون له السلطة في أن يصدر لتابعه من الأوامر ما يوجهه بها في عمله و لو توجيهها عاما , و أن تكون له الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر لا يكفي أن يكون هناك مطلق رقابة و توجيه بل لابد أن تكون هذه الرقابة و التوجيه في عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع .
2– صدور خطأ من التابع أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها:
يجب أن يكون التابع قد ارتكب الخطأ حال تأديته وظيفته أو بسببها و هذا هو الضابط الذي يربط مسؤولية المتبوع بعمل التابع فإنه لا يجوز إطلاق مسؤولية المتبوع عن كل خطا يرتكبه التابع و كذلك لا يكفي أن يقع الخطأ بمناسبة الوظيفة بأن تكون الوظيفة قد سهلت ارتكاب الخطأ ……………………………. (1).
و يقع الخطأ بسبب الوظيفة إذا كانت هناك رابطة وثيقة بين الخطأ و الوظيفة بحيث أنه لولا الوظيفة ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ .
3- المسؤولية الناشئة عن الأشياء :
يتبين من نص المواد ( 138- 139- 140 ) ق-م أن الشخص يسأل عما هو في حراسته في حالات ثلاث هي :
1- المسؤولية عن حراسة الشيء.
2- المسؤولية عن حراسة الحيوان .
3- مسؤولية مالك البناء و الحائز لعقار أو منقول .
1- مسؤولية حارس الشيء :
نصت المادة 138 (ق-م) :" كل من تولى حراسة شيء و كانت له قدرة الاستعمال و التسيير و الرقابة , يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء ".
يتضح من نص المادة أن تحقق مسؤولية حارس الشيء يستلزم توافر شرطين هما :

………………………………………….. ………………………………………….. ……………………………….
(1) د. عبد الرزاق أحمد السنهوري : المرجع السابق ,ص 1170 .

1-أ أن يتولى شخص حراسة شيء من الأشياء :
و الحراسة هنا تعني السيطرة الفعلية على الشيء في رقابته و توجيهه و التصرف في أمره و يستوي بعد ذلك أن تكون هذه السيطرة مستندة إلى حق مشروع أو غير مشروع , و حارس الشيء ليس بالضرورة أن يكزن مالكا له .
1-ب أن يحدث الشيء ضرر بالغير :
لكي تتحقق المسؤولية يجب أن يقع ضررا بالغير بفعل هذا الشيء و يحدث ذلك إذا تدخل الشيء تدخلا إيجابيا و كان هو السبب في إحداث الضرر , و هذا ما يقتضي أن يكون الشيء في وضع يسمح له بأن يحدث الضرر بالغير كأن تكون السيارة التي أحدثت الضرر سائرة في الطريق أو واقفة في غير المكان المعد للوقوف , أما إدا كان تدخل الشيء سلبيا فلا يكون الضرر إذا وقع بأحد الأشخاص في هذه الحال من فعل الشيء , كأن يرتطم شخص بسيارة واقفة و يقع على الشخص المضرور عبء إثبات تدخل الشيء تدخل إيجابي في إحداث الضرر الذي وقع به , و للمسؤول أن ينفي المسؤولية بإقامة الدليل على عكس ذلك …………………………(1).
و إذا توافر هذين الشرطين قامت المسؤولية على أساس الخطأ المفترض في جانب الحارس و هذا يعني أن المضرور ليس عليه إثبات الخطأ في جانب الحارس و إنما عليه أن يقيم الدليل على توافر شروط المسؤولية .
2– مسؤولية حارس الحيوان :
تنص المادة 139 (ق-م)على أنه:" حارس الحيوان , و لو لم يكن مالكا له , مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر و لو ضل الحيوان أو تسرب ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه ".حتى تقوم مسؤولية حارس الحيوان يجب توافر شرطين هما :

………………………………………….. ………………………………………….. ………………..
(1) د. خليل أحمد حسن قدادة: المرجع السابق ص,279.
2-أ أن يتولى شخص حراسة حيوان :
و الحراسة كما قلنا عبارة عن السيطرة الفعلية على الحيوان في رقابته أو توجيهه , أو التصرف في أمره و يستوي في الحارس أن يكون مستندا على حق شرعي أو غير شرعي ما دامت له السيطرة الفعلية على الحيوان و ليس بالضرورة أن يكون حارس الحيوان مالكا له أو منتفعا به ما لم يكن له السيطرة الفعلية في توجيه الحيوان و في رقابته , و المقصود بالحيوان هنا كل حيوان مستأنس أو غير مستأنس و يستوي كذلك في الحيوان أن يكون من الدواب أو من الحيوانات الأليفة أو من الحيوانات المفترسة .
2-ب أن يحدث الحيوان ضررا بالغير:
و لكي تقوم مسؤولية حارس الحيوان يشترط وقوع ضرر للغير من الحيوان الذي وجد في حراسة الشخص المسؤول , و هذا ما يقتضي أن يكون الحيوان قد تدخل تدخلا إيجابيا في إحداث الضرر و إلا فلا مسؤولية على حارس الحيوان .
و تقوم مسؤولية حارس الحيوان على خطأ مفترض و هو خطأ في الحراسة و هو افتراض لا يقبل إثبات العكس من جانب حارس الحيوان و هنا يستطيع نفي مسؤوليته بإثبات انعدام العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر .
3– مسؤولية مالك البناء و حائز العقار أو المنقول :
نصت المادة 140 (ق-م) على:" من كان حائزا بأي وجه كان لعقار أو جزء منه أو منقولات , حدث فيها حريق لا يكون مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي سببها هذا الحريق إلا إذا ثبت أن الحريق ينسب إلى خطأه أو خطأ من هو مسؤول عنهم .
مالك البناء مسؤول عما يحدثه انهدام البناء من ضرر و لو كان انهداما جزئيا , ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة , أو قدم في البناء , أو عيب فيه .
و يجوز لمن كان مهددا بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية للوقاية من الخطر فإن لم يقم المالك بذلك جاز الحصول على إذن من المحكمة في اتخاذ هذه التدابير على حسابه ".
يتضح من نص الفقرة الأولى من المادة 140 (ق-م) أن الحائز لأحد العقارات كله أو جزء منه ,أو أحد المنقولات لا يعتبر مسؤولا عما يصيب هذا العقار أو المنقول من أضرار من جراء الحريق الذي شب في العقار أو المنقول و بالتالي لا يجوز للغير الذي وقع له الضرر نتيجة للحريق الذي شب في العقار أو المنقول أن يطالب الحائز بالتعويض عما لحقه من ضرر و هذا هو الأصل و لكن يسأل الحائز عن الأضرار التي سببها الحريق الذي شب في العقار أو المنقول الذي في حيازته إذا أثبت الشخص المضرور أن الحريق شب بسبب الخطأ الذي ارتكبه الحائز أو بسبب الخطأ الذي ارتكبه الأشخاص المسؤول عنهم , و على ذلك فإن مسؤولية حائز العقار أو المنقول لا تقوم على أساس الخطأ المفترض , و إنما على أساس الخطأ الواجب الإثبات من قبل المضرور .
أما الفقرة الثانية من المادة 140 فتشترط لقيام المسؤولية عن البناء أن يكون البناء مملوكا للمسؤول عن تهدمه كليا أو جزئيا , و المسؤولية هنا تقوم على خطأ مفترض في جانب مالك البناء و هذا الخطأ المفترض يقوم على أساس إهمال المالك في اتخاذ الإجراءات اللازمة لصيانة البناء أو لأن البناء قديم أو لوجود عيب في البناء و لا يستطيع الحارس التخلص من المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي ……………….. (1).

………………………………………….. ………………………………………….. …………………………..
(1) د . خليل أحمد حسن قدادة : المرجع السابق ,ص (282-284).

الفرع الثاني : مدى صلاحية قواعد المسؤولية المدنية للتطبيق على مسؤولية الإدارة
يرى جانب من الفقه بإمكانية تطبيق النظام القانوني للمسؤولية المدنية المؤسسة على الخطأ المفترض على حالات المسؤولية الإدارية و هذا من منطلق أن أحكام المسؤولية على أساس الخطأ المفترض في المسؤولية المدنية كفيلة باستغراق حالات المسؤولية الإدارية و لا سيما المسؤولية على أساس الخطأ .
فمسؤولية المتبوع على أعمال التابع و مسؤولية متولي الرقابة و مسؤولية حارس الشيء و حارس الحيوان قابلة للتطبيق على حالات المسؤولية الإدارية ……………..(1).
فمثلا مسؤولية متولي الرقابة الواردة في المادة 134(ق-م) يمكن تطبيقها على مسؤولية مستشفى الأمراض العقلية على الأضرار التي يحدثها نزلاء هذا المستشفى من المرضى عقليا بالغير بحكم أن المستشفى يتولى رقابة المرضى عقليا.
لكن أحكام المادة 134 (ق-م) تقضي بعدم مسؤولية متولي الرقابة على الأضرار التي قد يتعرض لها المشمول بالرقابة , و في مثالنا السابق إذا اعتمدنا على أحكام المادة 134 (ق-م) على أي أساس يمكن أن تقوم مسؤولية المستشفى على الأضرار التي تلحق المريض عقليا سواءا التي يلحقها بنفسه أو التي يلحقها به الغير ؟
أما مسؤولية المتبوع على أعمال التابع يمكن أن تجسد مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها إذا اعتبرنا أن الموظف هو تابع للإدارة أيضا المسؤولية عن الأشياء يمكن أن تستغرق المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية .
ويرى جانب أخر من الفقه بعدم صلاحية قواعد النظام القانوني للمسؤولية المدنية لتطبيقها على مسؤولية الإدارة و ذلك لعدة أسباب ربما هي أسباب و أسس إنشاء نظام القضاء الإداري الخاص بالفصل في المنازعات الإدارية و منها المنازعات المتعلقة بالمسؤولية الإدارية , و أهم .هذه الأسباب ما يلي :

………………………………………….. ………………………………………….. ……………………………..
(1) د. عوابدي عمار : نظرية المسؤولية الإدارية , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر , 1994,ص80.
1- المسؤولية التي تقع على عاتق الإدارة لتعويض الأضرار التي يسببها المرفق العام لا يمكن أن تنظمها المبادئ القائمة في التقنين المدني لتنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض , إضافة إلى أن هذه المسؤولية لها قواعدها الخاصة التي تختلف تبعا لحاجات المرفق و ضرورة التوفيق بين حقوق الدولة و حقوق الأفراد ………………(1).
2- نصوص القانون المدني المراد تطبيقها على مسؤولية الإدارة عاجزة عن مواجهة جميع مسؤولية السلطة الإدارية فإذا استطعنا تطبيق أحكام مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع أو مسؤولية متولي الرقابة على بعض مسؤوليات الإدارة عن أعمال موظفيها و ذلك بتجسيد علاقة التبعية أو علاقة الرقابة بين الإدارة و الموظف و إن كانت لا تجسد كل العلاقات , فإنه من المستحيل تطبيق قواعد المسؤولية عن الأعمال الشخصية الواردة في نص المادة 124 (ق-م) على مسؤولية الإدارة و ذلك لأن نص المادة 124 جاء صريحا في مخاطبة الأفراد أي الأشخاص الطبيعية وهنا يتوجب الرجوع إلى أحكام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ المرفقي .
3- إن مضمون المسؤولية الإدارية يهيمن عليه ثلاث مصالح متعارضة هي , مصلحة المضرور و مصلحة الخزينة العامة و مصلحة الموظف العام .
و القواعد الإدارية في مجال المسؤولية تحقق التوفيق بين هذه المصالح المتعارضة من خلال مختلف الحلول التي جاء بها القضاء الإداري في تأسيس المسؤولية الإدارية مثل نظرية جمع الأخطاء و نظرية جمع المسؤوليات أما قواعد المسؤولية المدنية فهي محددة لا تتماشى و تطورات النشاط الإداري .
4- إذا كانت القضايا ذات الصبغة الإدارية يحكم فيها وفقا لنفس الأنظمة و الوسائل المتبعة في القضايا المدنية , لما كانت بنا حاجة إلى المحاكم الإدارية , فالذي يميز القانون الإداري أساسا عن القانون المدني هو بروز فكرة سمو النفع العام في أولهما…………….(2).

………………………………………….. ………………………………………….. ……………………………
(1) د. عوابدي عمار: المرجع السابق , ص 81 .
(2) د. فؤاد العطار : القضاء الإداري , دار النهضة العربية , مصر , ص 184.
لذا فقد نتساءل عن غرض المشرع الجزائري من الاستثناء الوارد في المادة 7 مكرر من قانون الإجراءات المدنية المتعلق باختصاص المحاكم العادية بالفصل في المنازعات المتعلقة بالمسؤولية عن الأضرار الناجمة عن السيارات التابعة للدولة , في حين أنه في المادة 7 من نفس القانون قد أجبر القاضي الإداري على اعتماد أحكام المسؤولية المدنية .
5- يتميز القضاء الإداري بأنه ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء المدني بل هو في أغلبه قضاء إنشائي , فهو الذي يستحدث القاعدة القانونية التي تلائم العلاقات التي تنشأ بين الإدارة و الأفراد و هو الذي يطورها أو يستبدل بها غيرها مراعيا في ذلك كله التوفيق بين احتياجات الإدارة التي تهدف إلى تحقيق النفع العام , و احتياجات الأفراد التي ترمي إلى تحقيق النفع الخاص و لذا فإن القانون الإداري قانون قائم بذاته و إذا كان للقاضي الإداري أن يسترشد بالقانون المدني فإن عليه أن يقتصر في هذا الاسترشاد بالمبادئ العامة التي تحكم قواعده لا بنصوصه إلا إذا كان تطبيق هذه النصوص متفقا و فكرة سمو النفع ل العام ………..(1).
6- توجيه القاضي الإداري إلى قواعد القانون الخاص يعد بمثابة تثبيط لسلطته في الاجتهاد إضافة إلى أنه بتطبيق القاضي الإداري لقواعد المسؤولية المدنية على مسؤولية الإدارة يكون قد قضى على قواعد المسؤولية الإدارية التي هو بصدد إنشائها و تطويرها وفق حريته في الاجتهاد .
7- و أخيرا فإن توجيه المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية للقاضي الإداري إلى أحكام المسؤولية المدنية يتنافى و مضمون الازدواجية القضائية التي تعني تطبيق أحكام المسؤولية الإدارية بصورة شاملة و كأصل عام و تطبيق أحكام المسؤولية المدنية كاستثناء……(2).
حتى و إن كان نص المادة 7 السابقة الذكر قد جاء في فترة كان فيها النظام القضائي الجزائري نظاما موحدا , لذا لا بد من إعادة صياغة المادة 7 (ق-إ-م) لتتوافق و النظام القضائي الحالي ,أو أن تقتصر قراءة القاضي الإداري الجزائري لهذه المادة في معرفة اختصاصه فقط.

………………………………………….. ………………………………………….. ………………………
(1) د. فؤاد العطار : المرجع السابق ص (9-10).
(2) د. عوابدي عمار : المرجع السابق ,ص 87.




رد: المسؤوليــــــــة الإداريــــــــــة

الونشريس