المسؤولية على إجراء الاعتقال الإداري
مراد بدران ***61482;
إذا كان خضوع الدولة لمبدأ المشروعية هو القاعدة الواجب احترامها في ظل الظروف العادية، فإن الدولة قد تمر بظروف استثنائية من شأنها أن تشكل خطرا على النظام العام أو استمرارية خدمات المرافق العامة. ولمواجهة هذا الخطر، فإنّ سلطات الإدارة قد تتسع. فالرغبة في حماية الدولة والحفاظ على النظام العام فيها ضد ما قد يهددها من أخطار جسيمة، أدت بالمؤسس الدستوري أو المشرع العادي بل وحتى القاضي، إلى الإعتراف للإدارة باتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة تلك الأخطار، حتى ولو كانت تلك الإجراءات مخالفة للقواعد القانونية القائمة.
ومن بين الإجراءات الإستثنائية التي يجوز للدولة أن تتخذها في ظل ظروف الأزمة، إجراء الإعتقال الإداري (المبحث الأول).
على أنّ هذه الإجراءات الإستثنائية المعترف بها للإدارة، تتضمن في الغالب الأعم مساسا بالحقوق والحريات العامة، وهنا يقع على الدولة بجميع أجهزتها واجب بذل مجهود للحد من هذا المساس. وفي هذا الصدد لابد من تقرير ضمانات للأشخاص الخاضعين لتلك الإجراءات الإستثنائية، والتي من أهمها تقرير حق الطعن في تلك الإجراءات (المبحث الثاني).
المبحث الأول : مفهوم الاعتقال الإداري
إنّ الاعتقال الإداري هو من الإجراءات التي تقوم بها الإدارة، وتقوم من خلاله بتقييد الحرية الشخصية للشخص المعتقل. ونظرا لأن هذا الإجراء فيه مساس خطير بحرية الشخص، فإن لجوء الإدارة إليه مقيد بتوفر مجموعة من الشروط (المطلب الأول).
وبما أن الاعتقال الإداري يتضمن حرمان الشخص من ممارسة بعض الحريات، فإنّه قد يقع خلط بينه وبين بعض الإجراءات الأخرى التي تتضمن هي الأخرى حرمان الشخص من ممارسة بعض الحريات. لذلك لا بد أن تحدد الطبيعة القانونية لهذا الإجراء (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مضمون الإعتقال الإداري و شروطه:
نظرا لخطورة موضوع الإعتقال الإداري، لا بد من تحديد المقصود به بدقة(أولا)، و بالتالي الوقوف على الشروط التي تجعله إجراء ممكنا(ثانيا).
أولا: تعريف الإعتقال الإداري:
طبقا للمادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91-196، يجوز للسلطة العسكرية أن تتخذ هذا الإجراء ضد أي شخص راشد يتبين أن نشاطه يشكل خطورة على النظام العام والأمن العمومي، أو السير الحسن للمرافق العامة. وحسب المرسوم التنفيذي رقم 91-201، المؤرخ في 25 جوان 1991، والذي يضبط حدود الإعتقال الإداري وشروطه -أي الوضع في مركز الأمن وشروطه- فإن إجراء الإعتقال الإداري هو ذلك الإجراء الذي يترتب عليه حرمان الشخص الراشد من حرية الذهاب والإياب، ووضعه بأحد المراكز التي تحدد بمقرر من القيادة العليا للسلطة العسكرية.
أما طبقا للمادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 92-75 المؤرخ في 20 فبراير 1992 فإن الإعتقال الإداري هو عبارة عن إجراء إداري ذو طابع وقائي، يتمثل في حرمان أي شخص راشد من حرية الذهاب والإياب، وذلك بوضعه في مركز أمن. على أن وزير الداخلية هو الذي له أن يأمر، بناء على اقتراح من مصالح الأمن بوضع أي شخص راشد يكون نشاطه خطيرا على النظام العام أو على السير الحسن للمرافق العامة، في مركز أمن أو في مكان محدد. ومع ذلك بإمكان وزير الداخلية أن يمنح تفويض إمضاء إلى الولاة فيما يخص الوضع في مراكز الأمن .
ومن خلال هذه النصوص يمكن القول بأن الإعتقال الإاري ، هو ذلك الإجراء الذي تتخذه السلطة الإدارية المختصة أوالسلطة المخولة قانونا بمقتضى أحكام القانون، و الذي تقوم من خلاله بتقييد الحرية الشخصية للشخص الخاضع له، عن طريق وضعه في مركز للأمن، و ذلك من أجل الحفاظ على النظام العام من الخطر الذي يتهدده.
إن الإعتقال الإداري بهذا الشكل يعد من أخطر الإجراءات المتعلقة بتقييد الحرية الشخصية. بل إنه الحرمان الكامل من الحرية، ما دام أن الشخص المعتقل سيوضع في إحدى مراكزالأمن، بحيث أنه سيحرم من حرية الذهاب و الإياب، و بالتالي سيحرم من ممارسة الحريات الأخرى، كالحق في التعبير عن رأيه مثلا.
هذا و تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن فصل الإعتقال عن جذوره الأصلية، المتمثلة في حالة الحصار و حالة الطوارئ ، و النصوص التطبيقية لهما . فالنصوص المنظمة لحالة الحصار و حالة الطوارئ هي الأصل بالنسبة للإجراءات الإستثنائية الصادرة في ظلها، و التي من بينها إجراء الإعتقال الإداري.
ثانيا: شروط الإعتقال الإداري:
نظرا لجسامة الآثار المترتبة على إجراء الإعتقال الإداري، فلا بد أن تتوفر الشروط التي تبرر اتخاذه من طرف الإدارة. إن هذه الشروط تتمثل فيما يلي:
1- أن يكون الشخص الخاضع له راشدا.
2- أن يكون نشاط هذا الشخص خطرا على النظام العام و الإمن العمومي أو السير الحسن للمرافق العامة.
3- أن يتخذ هذا الإجراء من السلطة المختصة. وهي القيادة العليا للسلطة العسكرية إذا كنا بصدد حالة الحصار، ووزير الداخلية إذا كنا بصدد حالة الطوارئ و إن كان بإمكان هذا الأخير أن يفوض لإمضاءه لإلى الولاة.ومع ذلك يجب استشارة الأركان المختلطة.
أما الأعمال التي تسمح بوضع مرتكبيها في مركز أمن، فإنها تتمثل فيما يلي :
– التحريض على الفوضى، وعلى ارتكاب جنايات أو جنح ضد أشخاص وأملاك.
– النداء بأية وسيلة للعصيان المدني، وإلى الإضراب.
– حمل أي سلاح من أجل ارتكاب المخالفات.
– التحريض على التجمعات لغرض واضح يثير الإضطراب في النظام العام وفي طمأنينة المواطنين.
– رفض الإمتثال للتسخير الكتابي الذي تصدره السلطة المخولة صلاحيات الشرطة وحفظ النظام العام، إذا كان الرفض يعرقل سير الإقتصاد الوطني عرقلة خطيرة.
– معارضة تنفيذ التسخير الذي أعد بسبب الإستعجال والضرورة بغية الحصول على خدمات يؤديها مرفق عام أو مؤسسة عامة أو خاصة .
كما يمكن أن يكون موضوع تدبير الوضع في مركز الأمن، الأشخاص الذين يخالفون التنظيم الإداري المتعلق بالمرور وتوزيع المواد الغذائية، وكذلك بقصد إثارة إضطرابات في النظام العام.
أما عن مدة الوضع في مركز الأمن فهي 45 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن إجراء الإعتقال الإداري لا يمكن اتخاذه إلا بعد استشارة الأركان المختلطة .
وعلى خلاف المرسوم التنفيذي رقم 91-201 الذي حدد مدة الإعتقال الإداري المتخذ في حالة الحصار، فإن المرسوم التنفيذي رقم 92-75 لم يحدد مدة الإعتقال الإداري، وهو ما ترتب عليه من الناحية العملية الإبقاء على الأشخاص معتقلين لسنوات عديدة.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإعتقال الإداري:
إن إجراء الإعتقال الإداري هو من بين الإجراءات التي تتخذ في إطار ممارسة صلاحيات البوليس الإداري المتعلقة بالمحافظة على النظام العام. لذلك فإن هذا الإجراء يجب أن يتخذ قبل أن ترتكب الجرائم(أولا). و لكن على الرغم من ذلك، فقد يثور خلط بين إجراء الإعتقال الإداري وبين بعض الإجراءات الأخرى المشابهة له(ثانيا).
أولا: الطبيعة الوقائية لإجراء الإعتقال الإداري:
إن الإعتقال الإداري هو من الإجراءات الوقائية التي يكون الغرض منها الحفاظ على النظام العام و وقايته مما يتهدده. و لقد اعترف القاضي الإداري الفرنسي بهذه الطبيعة الوقائية في عدة مناسبات . فالمفروض أن الشخص المعتقل لم يرتكب أية مخالفة. لذلك فإن الهدف الأساسي من هذا الإجراء هو وقاية النظام العام مما يتهدده من أخطار، و هذا على خلاف العقوبة الجنائية التي يكون الغرض منها هو ردع المجرم. كما أن سبب الإعتقال الإداري هو مجرد أوصاف لا ترقى إلى وصف التجريم. أما سبب توقيع العقوبة هو ارتكاب جريمة معاقب عليها .
و من هنا، فإن الشخص الذي يخضع لإجراء الإعتقال الإداري هو من المفروض الشخص الذي تثور بصدده شكوك حول تصرفاته المستقبلة أو المحتملة، و التي قد تشكل خطورة على النظام العام. لذلك فإن المسألة تعتمد على الظاهر دون حاجة إلى البحث فيما إذا كان هذا الظاهر يتطابق مع الواقع أم لا . و لكن على الرغم من ذلك، بإمكان الجهة المختصة باتخاذ إجراء الإعتقال الإداري أن تعتمد على بعض القرائن التي تفيد خطورة الشخص على النظام العام، من ذلك مثلا، صدور حكم نهائي أو أكثر ضد الشخص الذي تريد الإدارة اعتقاله، و الذي يؤكد على ارتكابه لجريمة تمس النظام العام، أو اعتياده على ارتكاب مثل تلك الجرائم .
هذا و تجدر الإشارة إلى أن القرائن التي تفيد بأن الشخص يعد خطرا على النظام العام، تتطلب أن تكون تلك الوقائع دالة على خطورته . و لكي يتحقق هذا الشرط لا بد من نسبة وقائع محددة للشخص المعني، فالأقوال المرسلة و الشائعات لا يعتد بها في هذا المجال. و بالإضافة إلى ذلك يجب أن تصدر تلك الوقائع من الشخص المعني خلال ظروف الأزمة التي تمر بها الدولة، و ألا تشكل تلك الوقائع جريمة معاقب عليها . لذلك لا يجوز من المفروض اعتقال الشخص إداريا إذا ما كان قد ارتكب جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات.
و يترتب على ذلك أن الإعتقال الإداري باعتباره من التدابير الوقائية، لا يشترط تسبيبه، و هذا على خلاف العقوبة أو الجزاء. و بالإضافة إلى ذلك، فإن إجراء الإعتقال الإداري لا يخضع لمبدأ المواجهة و احترام حقوق الدفاع، و هذا على خلاف العقوبة أو الجزاء. وانطلاقا من هذه الطبيعة الوقائية للإعتقال الإداري، يتجه الرأي الراجح في فرنسا إلى أن عدم إتاحة الفرصة للمعتقل لإبداء دفاعه، لا يبطل القرار الصادر ضده، ما دام أن الغاية من ذلك القرار هي وقائية وليست عقابية، وذلك عكس الإجراءات الإدارية ذات الطابع العقابي، كالعقوبات التأديبية التي يشترط فيها احترام حقوق الدفاع . وتماشيا مع هذا الإتجه يرى Drago أن إجراءات الضبط الفردية لها غاية وقائية، وهي عبارة عن أوامر لا تصدر من أجل العقاب على مخالفة وقعت، وإنما الحفاظ على النظام العام .
وإذا كانت المادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91-196، المتضمن تقرير حالة الحصار، و المادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 92-44، المتضمن إعلان حالة الطوارئ، و المادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 92-75 المحدد لشروط تطبيق بعض أحكام المرسوم الرئاسي رقم 92-44 قد اعترفت بالصفة الوقائية لإجراء الإعتقال الإداري، فإن المادة 4 من المرسوم التنفيذي رقم 91-201 المؤرخ في 25 جوان 1991 الذي يضبط حدود الوضع في مركز الأمن و شروطه، تطبيقا للمادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91-196 المتضمن تقرير حالة الحصار، لم تعتبر بأن الإعتقال الإداري هو بمثابة إجراء وقائي، بل اعتبرته بمثابة إجراء ردعي، ما دام أن الأشخاص الذين خضعوا له، متهمين بارتكاب أفعال معاقب عليها في قانون العقوبات .
و هذا الموقف اتخذه كذلك القاضي الإداري الجزائري، إذ لم يميز في العديد من القضايا بين الإعتقال الإاري و بين العقوبة الجزائية. من ذلك قضية والي ولاية تلمسان ضد رئيس بلدية منصورة (ولاية تلمسان) السيد الأفندي سيدي محمد. فبعد أن تعرض السيد الأفندي رئيس المجلس الشعبي لبلدية منصورة إلى الإعتقال الإداري في 1 جويلية 1991، قام والي تلمسان في 7 جويلية 1991، بإصدار القرار رقم 2830 والذي يقضي بتوقيف السيد الأفندي عن مهامه كرئيس للمجلس الشعبي البلدي. ولقد برر الوالي قراره هذا من جهة، بالظروف الإستثنائية التي كانت سائد آنذاك، ومن جهة أخرى، بما تمنحه النصوص المتعلقة بحالة الحصار من اختصاصات في مجال النظام العام خاصة وأن السيد الأفندي قد شارك في الإضراب السياسي الذي قامت به الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فقام السيد الأفندي بالطعن بدعوى تجاوز السلطة ضد قرار الوالي أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء وهران بتاريخ 9 سبتمبر 1991، على أساس مخالفة المادة 32 من قانون البلدية. فقامت الغرفة الإدارية، في28 مارس 1992 بإلغاء قرار الوالي، وذلك على أساس مخالفة أحكام المادة 32 من قانون البلدية التي تتطلب ضرورة أخذ الرأي المسبق من المجلس الشعبي البلدي قبل اتخاذ قرار التوقيف. وبعد تبليغ الوالي بهذا القرار، قام في 2 أوت 1992 بالطعن فيه بالإستئناف أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا. فقامت هذه الأخيرة في 31 مارس 1996 بإلغاء قرار المجلس القضائي على أساس "أن قرار الوالي جاء لوضع حد للفوضى حيث شارك المدعي في الإضراب السياسي، وغلق أبواب البلدية" الشيء الذي ترتب عليه توقف نشاطها. وأن عدم احترام المادة 32 من قانون البلدية سببه "استحالة اجتماع أعضاء المجلس الشعبي البلدي الذين رفضوا الإجتماع" ما دام أن كلهم شاركوا في الإضراب وأن القرار جاء "من أجل الحفاظ على النظام العام واستمرارية خدمات المرافق العامة" واتخذ في "ظروف إستثنائية بعد إعلان حالة الحصار" وأن قرار مجلس قضاء وهران "أخطأ في تقدير الوقائع" .
إن ما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن القاضي استند على المادة 32 من قانون البلدية وأسس حكمه عليها، على الرغم من أن هذه المادة لا تنطبق على هذا النزاع، لأنها تتكلم عن حق الوالي في إيقاف المنتخب البلدي في حالة تعرضه إلى متابعة جزائية تحول دون مواصلة عمله، وذلك بعد أخذ رأي المجلس الشعبي البلدي. في حين أن السيد الأفندي لم يتعرض إلى متابعة جزائية، بل تعرض إلى اعتقال إداري، وشتان ما بين المتابعة القضائية والإعتقال الإداري. فهذا الأخير لم يوجد ليحل محل الأنظمة القائمة لمواجهة السلوك المؤثم جزائيا، وعليه فإن اعتقال شخص إداريا، بسبب أفعال تشكل جريمة بمفهوم قانون العقوبات، معناه أن الشخص مهدد بالعقوبة الجزائية، وبالإعتقال الإداري في نفس الوقت. وخطورة هذا الوضع تتمثل في إمكانية استخدام الإعتقال الإداري للضغط عليه، وبالتالي إساءة موقفه في الدعوى الجنائية، ذلك أنه إذا كان المشرع قد جرم أفعالا في قانون العقوبات، فإنه لا يصح قيام السلطة الإدارية بالإعتقال الإداري عن تلك الأفعال، لأن وجود إجراءات لمتابعة الشخص جزائيا عن تلك الأفعال، معناه أن المشرع قدر كفاية تلك الإجراءات، وأن نيته لم تتجه إلى الإعتقال في هذا الفرض .
وبالإضافة إلى ذلك فإن العقوبة الجنائية هي إجراء ردعي تتطلب لإمكانية اتخاذها، بالإضافة إلى النية، سلوك إجابي أو سلبي. أما الإعتقال، فإنه يتعلق بأوصاف تقوم في حق صاحب الشأن –كخطورته على النظام العام- وهذا الوصف معناه أن المسألة إحتمالية، تسمح باتخاذ هذا الإجراء الوقائي، وهذا تماشيا مع طبيعة هذا الإجراء الذي تقوم به هيئات البوليس الإداري، وليس هيئات البوليس القضائي . فالعقوبة تقوم على أساس ارتكاب الشخص لمخالفة معينة. أما الشخص المعتقل فإنه لم يتركب أية مخالفة، ومن هنا فإنه لا يستقيم تشبيه الإعتقال بالعقوبات، سواء الجزائية أو الإدارية.
ثانيا:تمييز الإعتقال الإداري عن الحبس المؤقت:
بترتب على الحبس المؤقت سلب حرية المتهم لمدة زمنية محددة، تقتضيها مصلحة التحقيق، وفق ضوابط يحددها قانون الإجراءات الجزائية، تتمثل أساسا في اشتباهه بارتكاب جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات . و الحبس المؤقت بهذا المعنى لا يعد عقوبة، رغم أن طبيعته مشابهة للعقوبات السالبة للحرية، ما دام أنه لم يصدر بعد حكم بإدانة الشخص الخاضع له. و لكن على الرغم من ذلك، فإن للحبس المؤقت طبيعة مزدوجة، فهو ذو طبيعة وقائية، و أخرى عقابية، ما دام أنه يهدف إلى تهيئة الرأي العام للعقوبة .
و الإعتقال يشبه الحبس المؤقت من حيث الآثار المقيدة للحرية الشخصية، و الإتصال بالعالم الخارجي، بالإضافة إلى عدم صدور أية عقوبة جزائية. إلا أن أهم الفروق بينهما تكمن في أن المعتقل إداريا هو شخص يخشى من ارتكابه لأفعال تمس النظام العام، فالإعتقال الإداري يقوم على أسباب ليست واقعية مادية ملموسة، بل إنه يعتمد على الأوصاف.أما المحبوس مؤقتا، فإنه متهم بارتكاب جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات. و إذا كان المتهم هنا لم يصدر أي حكم بإدانته، إلا أن هناك دلائل قوية تثير نسبة الجريمة المرتكبة إليه.كما أن قرار الإعتقال الإداري يصدر من السلطة الإدارية، دون وجود تحقيق سابق، ما دام أن الشخص الخاضع له ليس متهما بارتكاب جريمة، في حين أن الحبس المؤقت تباشره السلطة القضائية تجاه المتهم بارتكاب جريمة جنائية، مع مراعاة الضوابط التي حددها قانون الإجراءات الجزائية و التي من أهمها ضرورة استجوابه، أو أن الفرصة أتيحت له لإبداء دفاعه، إلا إذا استحال ذلك. على أن الإستجواب يعد هنا إجراء خوهريا.
المبحث الثاني: الرقابة على إجراء الإعتقال الإداري:
إن الرقابة القضائية على أعمال الإدارة العامة تعتبر أفضل ضمانة لحماية الحقوق و الحريات العامة ضد تعسف الإدارة. فالإعتراف للإدارة بممارسة إجراءات استثنائية، كالإعتقال الإداري، يجب ألا يؤدي إلى إهدار كل الحقوق و الحريات العامة. و معنى ذلك أن الإدارة بإمكانها المساس بالحقوق و الحريات العامة في ظل ظروف الأزمة. إلا أن الإشكال المطروح هنا يتمثل في معرفة إلى أي مدى يمكن للإدارة أن تمس بالحقوق و الحريات العامة؟ إن هذه الإشكالية تبرز بوضوح أهمية موضوع الرقابة القضائية على الإجراءات الإستثنائية.
فمن الواجب أن يحاط الإنسان المعتقل بالضمانات الكفيلة للدفاع عن نفسه، و بالتالي إنهاء الإعتقال الإداري، خاصة في حالة ما إذا لم يكن هذا الإجراء مبررا. و في هذا الصدد من الواجب السماح له بالطعن في قرار الإعتقال الإداري بدعوى تجاوز السلطة (المطلب الأول). على أن قرار الإعتقال سواء كان مبررا أو ام يكن مبررا، إذا ما ألحق بالشخص الخاضع له أضرارا جسيمة، من العدل أن يسمح له بالمطالبة بالتعويض(المطلب الثاني).
المطلب الأول: دعوى تجاوز السلطة الموجهة ضد قرار الإعتقال الإداري:
إن إجراء الإعتقال الإداري هو من بين الإجراءات التي تتخذها السلطة الإدارية في ظل الظروف الإستثنائية للحفاظ على النظام العام، و ذلك بما لها من امتيازات السلطة العامة. و في هذا الصدد تثور مسألة مدى إمكانية الطعن بدعوى تجاوز السلطة في هذا الإجراء(أولا)، و ما هي الأسباب التي تبرر إلغاء هذا الإجراء(ثانيا).
أولا: مدى إمكانية الطعن بإلغاء قرار الإعتقال الإداري:
لقد اختلف الفقه في مسألة مدى إمكانية الطعن القضائي في قرار الإعتقال الإداري. فقد ذهب البعض إلى القول بأن هذا القرار يعد من أعمال الحكومة المحصنة . في حين ذهب الرأي الراجح في الفقه- وهو الإتجاه الذي يعبر عليه الفقه في الجزائر – إلى القول بأن قرار الإعتقال الإداري هو من القرارات الإدارية التي يجوز الطعن فيها قضائيا .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الأشخاص الذين كانوا موضوع إجراء الإعتقال الإداري في الجزائر، لم يبلغوا بقرارات اعتقالهم ، و هذا ما يبرر عدم تمكننا من الحصول على قرارات قضائية تتعلق بموقف القاضي الإداري الجزائري من الإعتقال الإداري.
على أن عدم تبليغ الشخص ببقرار الإعتقال الإداري، لا يحول دون إمكانية الطعن فيه بدعوى تجاوز السلطة ما دام أن قرار الإعتقال هو من القرارات المستمرة، التي تحدث آثارها بصفة متجددة و دائمة، و لا تنتهي بمجرد صدور القرار. و لذا يجوز الطعن في قرار الإعتقال بدعوى تجاوز السلطة، ما دام باقيا و لم يتم إلغاءه إداريا، و دون التقيد بمواعيد الطعن المقررة لدعوى تجاوز السلطة ، و هذا على خلاف القرارات الوقتية التي تبدأ آثارها بمجرد تبليغها، بحيث يتحدد ميعاد الطعن فيها من هذا التاريخ.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الشخص الذي كان محل إجراء الإعتقال الإداري تطبيقا لأحكام المرسوم الرئاسي المتعلق بحالة الطوارئ، فإنه بإمكانه أن يطعن في ذلك أمام والي الولاية التي يقيم فيها. على أن الوالي يقوم بإحالة هذا الطعن إلى المجلس الجهوي ، ويرفقه بكل الملاحظات التي تكون ضرورية. على أن المدة التي يجب تقديم الطعن فيها لم تحددها النصوص القانونية.
أما المجلس الجهوي للطعن، فإنه يتكون من رئيس، يعينه وزير الداخلية، وممثل لوزير الداخلية، وممثل لوزير الدفاع الوطني، وثلاث شخصيات مستقلة يعينها وزير حقوق الإنسان بسبب تعلقها بالمصلحة العامة. على أن يبت هذا المجلس في الطعن الذي يرفع إليه خلال 15 يوما الموالية لإخطاره.
وإذا كان المرسوم التنفيذي لم يتكلم عن مسألة الطعن في قرار المجلس الجهوي بدعوى تجاوز السلطة، فإن هذه الدعوى لا تحتاج في الحقيقة إلى نص لتقريرها، وذلك لاتصالها بالشريعة العامة.
ثانيا: أسباب إلغاء قرار الإعتقال الإداري:
إذا كان إجراء الإعتقال الإداري يتخذ بموجب قرار إداري، فإن ذلك يفترض صدوره من الجهة الإدارية المختصة، محترمة من المفروض كل عناصر القرار الإداري. و لكن نظرا لأن قرار الإعتقال الإداري، لا يمكن فصله عن جذوره الأصلية، المتمثلة في حالة الحصار أو حالة الطوارئ، و هي الحالات التي تدخل في ظل نظرية الظروف الإستثنائية، فإن القضاء الإداري- الفرنسي على وجه الخصوص- قد تساهل في رقابة عناصر القرار الإداري الصادر في ظل الظروف الإستثنائية. و على هذا الأساس، إذا كانت الظروف الإستثنائية مبررة، فإن ذلك يترتب عليه محو العيوب التي تصيب القرار الإداري في الشكل أو الإجراءات أو في الموضوع .
و لكن على الرغم من ذلك، فإن الإدارة عليها أن تتقيد بالمشروعية الإستثنائية، بحيث أن الهدف من الإجراءات التي تتخذها في ظل الظروف الإستثنائية، يجب أن يكون هو مواجهة الأزمة. و في هذا الصدد، يجب أن يكون الهدف من إجراء الإعتقال الإداري، هو حماية النظام العام من الأخطار التي قد يتعرض لها. أما إذا قصدت الإدارة هدفا آخر، فإن قرارها المتضمن الإعتقال الإداري سيعتبر مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة .
و من جهة أخرى، فإن الظروف الإستثنائية لا يترتب عليها إعفاء الإدارة من مراعاة عنصر السبب في القرار الإداري. فإذا كانت الظروف الإستثنائية هي التي تبرر قيام الإدارة باتخاذ إجراء الإعتقال الإداري، فإن سبب هذا الإجراء يجب أن يتمثل في خطورة هذا الشخص على النظام العام. أما إذا انعدم هذا السبب فإن ذلك يؤدي إلى إصابة القرار المتضمن الإعتقال الإداري بعدم المشروعية. على أن رقابة القاضي الإداري هنا لا تقتصر على التأكد من الصحة المادية للوقائع ، بل تشمل كذلك الرقابة على التكييف القانوني للوقائع، كما أنها قد تصل في بعض الأحيان إلى رقابة الملاءمة .
المطلب الثاني: دعوى التعويض عن آثار الإعتقال الإداري:
لقد اتضح لنا من خلال ما سبق، بأن الإعتقال الإداري يعد من أخطر الإجراءات التي تمس الشخص في حريته. فأثر هذا الإجراء لا يقتصر على مجرد حرمان الشخص من حريته الشخصية، بل إنه يمتد ليمس حريات أخرى، حتى تلك التي يصعب تصور المساس بها. و إذا كان إجراء الإعتقال الإداري تبرره في العديد من الحالات فكرة المصلحة العامة، فإن الشخص الذي يخضع له سيتعرض لا محالة إلى أضرار جسيمة. بل إن الإدارة قد تتعسف في اتخاذ هذا الإجراء، و هذا ما يبرر أحقية الشخص الذي تعرض له في المطالبة بالتعويض. و هنا تثور مشكلة ما هو أساس التعويض، هل هو الخطأ(أولا)،أم أن المسؤولية تثور حتى بدون خطإ (ثانيا).
أولا: المسؤولية القائمة على أساس الخطأ:
لقد استقر القضاء الإداري-الفرنسي على وجه الخصوص- على قاعدة مفادها أن الإجراءات الإستثنائية لا تثور بصددها مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ، إلا إذا كان الخطأ جسيما .و معنى ذلك أن الخطأ البسيط الذي يثير مسؤولية الإدارة في الظروف العادية، لا يؤدي إلى إثارة مسؤولية الإدارة في ظل الظروف الإستثنائية. و على هذا الأساس، فإن الإجراء الذي تقوم به الإدارة خارج الحدود التي وضعها القضاء لنظرية الظروف الإستثنائية يعتبر غير مشروع يثير مسؤوليتها على أساس الخطأ الجسيم ّ. فمجرد وجود الظروف الإستثنائية لا يعتبر مبررا لإعفاء الإدارة من تحمل عبء التعويض. و عليه إذا لم تحترم الإدارة عناصر المشروعية الإستثنائية حين إصدارها لقرار الإعتقال الإداري، فإن قرارها يعد غير مشروع يجوز المطالبة بإلغائه. و في حالة ما إذا رتب هذا القرار ضررا جسيما، يجوز للمتضرر منه أن يطالب بالتعويض على أساس ارتكاب الإدارة لخطإ جسيم.
و يتحقق الخطأ الجسيم مثلا، في حالة عدم احترام الإدارة للضمانات المنصوص عليها في القانون و الممنوحة للأشخاص المعتقلين ، أو عدم سلامة الوقائع من الناحية المادية ، أو عدم اتخاذ قرار الإعتقال بهدف المصلحة العامة و الحفاظ على النظام العام . كما أن أعمال العنف و التعذيب المتخذة تجاه المعتقل تثير مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الجسيم .
و لكي يتمكن الشخص المعتقل من الحصول على التعويض، يجب بالإضافة إلى ما سبق، أن يكون قد مسه ضرر جسيم من جراء ذلك الخطأ، و هذا ما يعبر عنه بعلاقة السببية بينهما.
ثانيا: المسؤولية بدون خطإ:
إذا كانت المسؤولية بدون خطإ تقوم على فكرتين أساسيتين، هما المسؤولية على أساس المخاطر، و المسؤولية على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ، فإن أساس مسؤولية الإدارة على إجراء الإعتقال الإداري، هو الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. فقرار الإعتقال الإداري الذي اتخذ من أجل المصلحة العامة-الحفاظ على النظام العام- رتب ضررا للشخص المعتقل فقط. و لكي تتحقق المساواة بين من انتفع من قرار الإعتقال-المجتمع- و بين الشخص الذي تضرر منه-المعتقل- لا بد أن يمنح التعويض لهذا الأخير. على أنه لكي يستحق المضرور التعويض، لا بد أن يكون الضرر جسيما.
و في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما جاء في المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 92-75، التي وضعت حكما في منتهى الخطورة، بحيث نصت على أن الأشخاص المعتقلين إذا كانوا مرتبطين بعلاقات عمل مع الإدارات، أو مع مؤسسات أو مرافق عامة، فإن الهيئة المستخدمة تعلق دفع مرتباتهم. و هذا ما قامت به فعلا الهيئات المستخدمة، بل إن السلطات المركزية قد أصدرت تعليمات إلى الهيئات المستخدمة تمنعهم من خلالها بإعادة إدماج الموظفين في مناصب عملهم و الذين تم الإفراج عنهم من مراكز الإعتقال الإداري، إلا بعد الموافقة الصريحة من السلطة المركزية . بل إن الأشخاص المعتقلين إداريا تم فصلهم عن وظائفهم بإجراء تأديبي(التسريح أو العزل) بسبب خضوعهم لإجراء الإعتقال الإداري.
و إذا كنا لم نتمكن من الحصول على قرارت قضائية تتعلق مباشرة بالطعن بالتعويض في قرار الإعتقال الإداري، فإننا تمكنا من الحصول على قرارات قضائية تتعلق بالآثار التي خلفها إجراء الإعتقال الإداري على العون العمومي. فالإدارات المستخدمة قامت بتسريح الموظفين الذين تعرضوا للإعتقال الإداري ، و لما قام هؤلاء بتقديم طلب إعادة الإدماج، و منحهم المرتبات و التعويضات، حكم القاضي فقط بإعادة إدماجهم و رفض الحكم لهم بالتعويض أو بالمرتب على أساس أن المرتب يقابله خدمة، و ما دام أن الموظف لم يعمل في فترة الإعتقال فإنه لا يستحق المرتب. و بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة المستخدمة ليست مسؤولة عن قرار اعتقاله حتى تتحمل هي التعويض. بل أكثر من ذلك فإن القاضي الجزائري أسس حكمه في بعض الحالات على المنشؤر الوزاري رقم 1 المؤرخ في 5 أفريل 1993 الصادر عن رئيس الحكومة، و الذي اعتبر فيه فترة الإعتقال الإداري بمثابة عطلة غير مدفوعة الأجر.
ولنا أن نتساءل هنا عن الدافع الذي أدى بالقاضي الجزائري إلى تبني هذه الحلول، وبالتالي رفض الحكم بالتعويض. إن موقف القاضي هذا يستدعي إثارة الملاحظات التالية :
إن الملاحظة الأولى تتمثل في معرفة هل أن القاضي الجزائري يعد ملزما باتباع ما جاء في المنشور رقم 1 المؤرخ في 5 أبريل 1993، والذي اعتبر فيه رئيس الحكومة أن فترة الإعتقال تعد بمثابة عطلة غير مدفوعة الأجر، على الرغم من أن المنشور لم يوجه إليه؟ فأين هو هنا الدور الإنشائي للقاضي الإداري؟
أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في أن القاضي الجزائري تعسف في حقوق المتضررين، بحيث أنه حرمهم من الحصول على الأجر، كما حرمهم من الحصول على التعويض، على الرغم من أنه قد اعتبر أن قرارات التسريح الصادرة ضدهم كانت تعسفية. فأين هو هنا دور القاضي الإداري في خلق التوازن بين السلطة و الحرية؟
أما الملاحظة الثالثة، فتتمثل في أن القاضي الإداري الجزائري قد تناقض مع نفسه في بعض القضايا، عندما اعتبر أن الإدارة تعسفت عندما قامت بتسريح الموظف المعتقل، ومع ذلك –أي على الرغم من قبوله فكرة تعسف الإدارة- فإنه لم يقم بمنح التعويض للمضرور من قرار التسريح التعسفي ، وعلى الرغم من أن شروط التعويض قد توفرت كلها. فالضرر كان جسيما لأن المدة الفاصلة بين صدور قرار التسريح، وقرار القاضي الذي ألزم الإدارة بإدماج الموظف طويلة جدا. كما أن هذا الضرر كان خاصا، لم يصب جميع المواطنين، بل أصاب فئة معينة فقط. فأين هنا منطق القاضي الإداري؟
إن هذه الملاحظات تؤدي بنا إلى القول بأن هذا القضاء كان لصالح النظام، وليس لصالح الأفراد المتضررين، ما دام أن القاضي حرم المتضررين من الحصول على مرتباتهم بسبب تغيبهم عن العمل لأسبـاب لم يكن لهم أي دخل فيهـا. كما حرمهم من الحصـول على التعويـض ، لذلك فإننا لا نؤيد هذا القضاء، لأنه حتى ولو سلمنا بأن الأجر يكون مقابل العمل، كما ذهب إلى ذلك القاضي الجزائري، فإنه من حق الشخص الذي صدر ضده قرار الإعتقال، أو الشخص الذي صدر لصالحه حكم بالبراءة أن يتحصل على التعويض، وذلك على أساس قاعدة الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. وإذا كان المشرع الجزائري قد تدخل ونص على حق المضرور فـي الحصـول على التعويض في حالة ما إذا تعرض لأضرار من جراء الحبس المؤقت، أو في حالة صدور حكم لصالحه بالبراءة، بعد استعماله لالتماس إعادة النظر ضد حكم جنائي صـادر بالإدانة ، فإن الشـخص المعتقل إداريا من حقـه هو الآخـر الحصـول على التعويض. فهذا الشخص قد اعتقل من أجل المصلحة العامة، ولكي تتحقق المساواة بين الأشخاص الذين استفادوا من قرار الإعتقال -المجتمع- والشخص الذي تضرر من قرار الإعتقال، فإنه يجب منح التعويض لهذا الأخير. وإذا كانت الإدارة المستخدمة التي رفضت منح التعويض للموظف المعتقل – والتي أيدها القاضي في ذلك – ليست مسؤولة عن قرار الإعتقال، فإن الموظف المعتقل هو الآخر غير مسؤول عن صدور قرار الإعتقال، وعليه كنا نتمنى أن يحكم القاضي الجزائري للمضرور بالتعويض الذي تدفعه الإدارة المستخدمة مع احتفاظها بحق الرجوع على الجهة التي أصدرت قرار الإعتقال ، لأن هذا الإعتقال لا دخل لإرادة المعتقل فيه، وعليه يمكن تشبيهه بالقوة القاهرة . ولكن هل كان بإمكان القاضي الجزائري الوصول إلى مثل هذه النتيجة؟ إننا لا نعتقد ذلك، ما دام أن مسألة عدم استقلالية القضاء كانت –خلال فصله في تلك المنازعات- من أهم العوائق التي تحول دون الوصول إلى ذلك.
هذا و تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية أصدر مرسوما ، سمح من خلاله للأشخاص الذين تم تسريحهم بسبب تعرضهم لإجراء الإعتقال الإداري، أن يطالبوا إما بإعادة إدماجهم في وظائفهم، أو أن يطالبوا بالتعويض عما أصابهم من أضرار نتيجة تعرضهم للتسريح أو العزل، و ذلك من خلال تقديمهم لطلب إلى اللجنة المنشأة خصيصا لهذا الغرض. و معنى ذلك أنه لا يجوز لهؤلاء الأشخاص الجمع بين طلب إعادة الإدماج و طلب التعويض.
إلا أن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن هذا المرسوم الرئاسي لم يميز بين من ارتكب أفعالا كانت سببا في المأساة الوطنية، و تعرض لأحكام بالإدانة من طرف الجهات القضائية، و قامت الجهات المستخدمة بتسريحه على أساس ارتكابه لتلك الأفعال، و بين الذي لم يرتكب أي فعل يتعلق بالمأساة الوطنية، و كان ضحية لتلك المأساة كالمعتقل إداريا. فهل يعقل أن تتم معاملتهم بنفس الطريقة التي يعامل بها من تسبب في تلك المأساة ؟ إن الملاحظات التي أبديناها سابقا تتأكد هنا و المتمثلة في أن السلطات العامة اعتبرت الإعتقال الإداري بمثابة عقوبة.
إن هذا المرسوم ألحق في الحقيقة أضرارا بالأشخاص الذين تم تسريحهم نظرا لتعرضهم لإجراء الإعتقال الإداري، ما دام أن المادة 12 منه نصت على أنه لا يترتب على إعادة الإدماج أثر مالي بالنسبة للفترة التي لم يعمل فيها المعني. وعلى هذا الأساس، فإن الأشخاص المعتقلين ليس لهم الحق في المطالبة بالمرتب و الأقدمية و العلاوات… عن الفترة التي كانوا فيها رهن الإعتقال الإداري. إن هؤلاء الأشخاص كانت لهم أسر يعولونها. فإذا كان القاضي الإداري الجزائري قد رفض الحكم لهم بالمرتب، عن المدة التي قضوها في مراكز الأمن، نظرا لتعرضهم لإجراء لم يكن لهم أي دخل فيه . و إذا كان رئيس الحكومة قد اعتبر أن فترة الإعتقال الإداري هي بمثابة عطلة غير مدفوعة الأجر،فمن الذي يعوضهم عن الأضرار المادية و المعنوية المترتبة على قيام الإدارة بتسريحهم عن وظائفهم، ما دام أن المرسوم الرئاسي رقم 06-124 قد حرمهم من الآثار المالية المترتبة على إعادة الإدماج .
الخاتمة:
لقد نص المؤسس الدستوري في المادة 86 من دستور 1989 الذي طبقت فيه إجراءات الإعتقال الإداري-وتقابلها المادة 91 من دستور 1996- على أنه "يقرر رئيس الجمهورية، إذا دعت الضرورة الملحة، حالة الطوارئ أو حالة الحصار لمدة معينة…و يتخذ رئيس الجمهورية التدابير اللازمة لاستتباب الوضع…" و معنى ذلك أن المؤسس الدستوري هو الذي تدخل وحدد الآثار المترتبة على إعلان حالتي الطوارئ و الحصار. أو بالأحرى هو الذي حدد الإختصاصات التي يمكن اتخاذها في تلك الحالتين، أي تنظيم الحالتين، و السلطة المختصة بذلك التنظيم. إن هذه السلطة تتمثل في رئيس الجمهورية. على أن المادة 83 من دستور 1989-و تقابلها المادة 87 من دستور 1996- منعت أي تفويض في هذا الصدد.
و لكن إذا رجعنا إلى ما وقع من الناحية العملية، لوجدنا بأن إجراء الإعتقال الإداري باعتباره من التدابير اللازمة لاستتباب الوضع في ظل حالتي الطوارئ و الحصار، قام رئيس الحكومة بتنظيمها بمرسوم تنفيذي، على الرغم من أنه من الإجراءات التي لا يجوز لرئيس الخمهورية أن يفوض سلطته فيها. و هنا تثور مسألة مدى دستورية الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة في ظل حالتي الطوارئ و الحصار؟
و إذا كانت المادة 91 من دستور 1996، قد أخذت بنفس الحكم، أي حددت السلطة المختصة بتنظيم حالتي الحصار و الطوارئ، و السلطة المختصة بتقرير الحالتين. إلا أن المادة 92 من نفس الدستور، نصت على أن تنظيم حالة الطوارئ و حالة الحصار هي من المسائل المحجوزة للمشرع. و هنا تكمن المشكلة، إذ لا يمكن إعمال المادتين معا. فهل أن المؤسس الدستوري فكر جيدا في تلك المادتين، أم أن الأمر يتعلق بمجرد تقليد لغيره من المؤسسين أو المشرعين؟
رد: المسؤولية على إجراء الاعتقال الإداري
|
رد: المسؤولية على إجراء الاعتقال الإداري
|
رد: المسؤولية على إجراء الاعتقال الإداري
|