وجدت هذه الشخصية البارزة بين ملفات اخي فاحببت ان اشارككم متعة التعرف عليها
السلام عليك يبدو أن أخاك مهتم بالوسيط الإسلامي إنه فقيه جليل دكرتني بالتاريخ المغربي الوسيط ’وبالقيروان العاصمة الأولى للمسلمين
إبان الفتح الأسلامي التي كانت منبع الولاية و العلوم و الصلاح الهداية و منها خرجت علوم المدهب وعلى أئمتها كل عالم ينتسب
وقاعدة الأمصار أسسها الصحابة الأخيار فلا بد أن يكون فيها فقيه مثل هدا,بارك الله فيك أختي.سلاااااااام.
اخي تخصص شريعة بالضبط اصول الفقه لذا يهتم بالشخصيات الاسلامية على غيرها من الشخصيات الاخرى …يبدوا انك انت ايضا ملمة بهذا التاريخ ….بوركت على هذه الاطلالة وهذا المختصر المفيد
السلام عليك,أنا أدرس تاريخ تخصص :التاريخ الوسيط في المغرب الإسلامي.
جمعة مباركة غفر الله لنا و لكم أمييييين.
وفقك الله وسدد خطاك وانصحك بعد معاودة استعمال جمعة مباركة لانها بدعة
و هو في السجن كان مدرسا حكيما يعرف كيف يوصل المعلومات إلى الأذهان و يدرب العقول على تحليلها .
و كان المرحوم يسكن ابسط منزل ذو غرف صغيرة و مطبخ صغير ، بعد زلزال الأصنام 1980، حيث عاد إلى مسقط رأسه.
لم يختفي عن الميدان حذرا من الموت أو خوفا من الأعداء ، بل خبا في لقاء الله و إلتقاء مع الأجل المكتوب و الخلق كلهم إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون الأجل المكتوب
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
لا merci على واجب حبيبتي
شكرا لمرورك و ردك على الموضوع
سليمان الفارسي قصة و عبرة
عن قصة :
سلمان الفارسى
" أريدك أن تذهب غداً إلي المزرعة يا سلمان ، فأنا مشغول بمتابعة بناء البيت الجديد "
نطق بها الأب بصوت مجهد ، وقد ظهر عليه الإرهاق من أثر عمل شاق طيلة اليوم، وتابع وهو مستلق على سريره مستعدا للنوم والراحة :
– سيأتي إليك تاجر الموز غداً ليدفع القسط الأخير ،لا تعطه طلبية جديدة إلا عندما آتى بعد غد ، ولا تسمح للعمال بالانصراف قبل مواعيد العمل الرسمية.
قال سلمان في طاعة :
– اطمئن يا أبى .. ستكون الأمور على ما يرام .
وخرج سلمان ليجلس قليلاً في غرفة الاستقبال في خشوع أمام النار المقدسة ، وأخذ يتضرع إليها في طقوس اعتاد عليها منذ زمن .
كان سلمان شخصية تميل ميلاً إلي التدين ، ونفسية لا تستقر إلا بوجود إله تناجيه وتطلب منه العون ، ولم تستطع حياته الرغدة أن تلهيه عن تلك الحاجة ، ولم تنجح الإمبراطورية الفارسية بكل سطوتها وجبروتها المادي ، أن تجعل منه شاباً عابثاً لاهياً ، لا يفكر إلا في شهواته وإرضائها ورغباته ونزواتها.
كان سلمان مجوسياً..
نعم ..ككل أهل فارس .. مجوس .. يعبدون النار …
هي الإله الذي يأمر وينهي ، ويستجيب ويرفض ، ويرضى ويغضب ، ويبنى ويهدم ..
وتفانى سلمان في عبادتها .. حتى إن النار لم تكن لتنطفئ في بيته.. تماماً كما لم ينطفئ نور بصيرته عن رؤية الطريق و…
"ما هذه الأصوات ؟!"
همس بها سلمان وهو في طريقه إلي مزرعة أبيه ، وقد شده صوت ترانيم تصدر من مكان قريب منه ، فالتفت إليه ثم اتجه نحوه ، وعندما وصل إليه ، اقترب منه بحذر يحاول أن يعرف ماذا يجرى بداخله..
كان المكان عبارة عن كنيسة يلتقي فيها النصارى ، يصلون صلاتهم ويدعون دعائهم..
كلام مختلف.. وطقوس غريبة ..
ولم يدع سلمان نفسه نهباً للتساؤلات الحائرة التي تلف رأسه كثيراً..
لقد دخل الكنيسة ، وتعرف على من فيها ، وعرف أسقفها وجلس بينهم يسألهم ويجيبون ويحكى لهم ويحكون …
واندمج سلمان في الحديث تماماً ، حتى أنه لم يذهب إلي مزرعة أبيه ، بل تأخر عن موعد عودته للمنزل ، مما اضطر أباه إلى أن يبعث من يبحث عنه .
ساعات وسلمان يسأل ويحاور ، ويفكر في الماضي والحاضر والمستقبل والحق والحقيقة .. حتى غابت الشمس..
وانطفأت معها نار المجوسية .. ليضاء قلبه بدين جديد ..
المسيحية ..
***********************************
"نعم إنها دين خير من ديننا.. ولماذا لا أدخل في دين اقتنعت أنه الأفضل ؟"
قالها سلمان لأبيه الذي وقف مذهولاً مما حدث ، وكيف لا يذهل وقد ترك ابنه في الصباح على المجوسية ، فيأتي إليه في المساء وهو على المسيحية ، أكانت تكفي بضع ساعات للمرء أن يغير عقيدته ، لتخالف عقيدة أبيه الذي رعاه وأحبه كأشد ما يكون الحب..
نعم .. كانت تكفي سلمان .. ولكنها لم تكن تكفي أباه كي يقتنع بوجهة نظره ، ساعات من الحوار والمجادلة بينه وبين أبيه ،انتهت بتدخل منطق القوة ..
فقد أمر أبوه بقيد رجليه بالسلاسل ، وحبسه حتى يعود إلي صوابه ..
يا إلهي ..
أيفعل هذا أب بابنه وقد أحبه حبا لا يعرفه إلا هو وسلمان..
ولكن يبدو أن العقيدة كانت أسمى وأعلى وأقوى وأحب ..
وهو نفس السبب ، الذي جعل "سلمان " لا يبالي بما فعل به أبوه ، ووجد أن الصبر على مثل هذا ، ثمن زهيد لمعرفة الحقيقة ..
وكان السؤال الذي يشغل "سلمان" .. ما هي الخطوة القادمة ؟
ولم يكن ذكاء سلمان المعروف لدى الجميع ، بأن يعجزه عن إجابة السؤال .
ولقد بدأ في تنفيذ ما توصل إليه بالفعل ..
فلقد نجح في إرسال رسالة إلي النصارى الموجودين في بلدته (أصفهان) بإيران، يبلغهم فيها أنه قد دخل في دينهم ، ويطلب منهم أن يبلغوه بأي فوج قادم من بلاد الشام حيث الموطن الأصلي للمسيحية ، وعندها .. يستطيع أن يدبر هو خطة للهروب واللحاق بالفوج وهو عائد إلي الشام ..
ونجحت خطة سلمان ..
فلقد وصل إلي المكان الذي يريد .. وهناك استمر في بحثه عن المزيد والمزيد عن الدين الجديد ، حتى وصل إلي أسقف كنيسة النصارى في مكانه ، وهناك.. التقى به وحكى له قصته .
ياله من قرار صعب لشاب في مثل سن سلمان .
ويالها من جرأة ، أن يقرر أن يهجر بلده وأهله وحده ، دون معين ودون ترتيب لحاله في مكانه الجديد..
أين يسكن ؟ ومن أين يعيش ؟ وهو وحيد في بلد جديد لا يعرف من أهلها إلا أصحاب السفر .
لكن الأسئلة الصعبة لدينا ، لم تكن لتمثل أرقاً كبيراً لدى سلمان إزاء ما يسعى إليه من كشف لحقيقة كبيرة وخطيرة ..
حقيقة الوجود..
فليكن ما يكون .. حتى يعرف الحقيقة ..
حتى لو عمل ..خادما !!
نعم خادماً !!
تصوروا..!!!
سلمان الفارسي الذي كان يعيش في بيته تحت يديه الخدم عن يمينه وعن يساره ، يعمل الآن خادماً لدى أسقف الكنيسة !!
لقد قبل سلمان هذا العمل من أجل أن يظل قريبا من الأسقف ، فينهل من علمه ما شاء ، وتنجلي لدية الحقيقة أكثر وأكثر ، وتسنح له الفرصة في العبادة والصلاة.
وكان سلمان من الذكاء بحيث يحدد هدفه من وجوده مع أسقف الكنيسة .. العلم .. ولذا.. ظل ملازما للأسقف رغم اكتشافه لآمر خطير يمس نزاهته وشرفه ..
فلقد كان الأسقف لصاً!! نعم ..لصاً.!!
كان الأسقف يدعو رواد الكنيسة إلي التبرع بأموالهم ليخرجها صدقات للفقراء ، فإذا به يخدعهم ويأخذها لنفسه .!!
حقا إنه فعل مشين ، خاصة أنه ينسب إلى رجل دين .. لكن حكمة الشاب سلمان ، هدته إلي أن تصرف الأسقف لا يشين الدين الذي يدين به ، بل يشين الأسقف نفسه ..
فليستمر معه ، إلي أن يظهر جديد..
ولقد ظهر الجديد بالفعل .. فلقد مات الأسقف اللص ، وتولى أمر الكنيسة من بعده رجل عابد زاهد أحبه سلمان كأشد ما يكون الحب ، وجلس إليه سلمان يسأله ويحاوره وينهل من علمه ما استطاع ، ويسأله النصيحة في دينه والوصية من بعده ..
وكانت الوصية .. أن يذهب إلي رجل عابد زاهد مثله يعيش في الموصل ..
وبعد وفاته .. ذهب رحال الحقيقة عاشق التدين إلي الموصل ، ليلتقي بأسقف جديد.. في بلد جديد ..
وكانت الوصية هذه المرة في عمورية في بلاد الروم ، ليذهب سلمان إلي أسقف عمورية ، ويقيم عنده يعرف منه الجديد عن دينه الجديد ، ويصلى ويتعبد ويعمل راعيا للغنم.
ألا تتعجبون مما يحدث ؟ ألا تندهشون مما يفعله سلمان ؟
رحلة من فارس إلي الشام ، ثم أخرى إلي الموصل وثالثة إلي عمورية في بلاد الروم ..كل هذا وحده دون رفيق أو معين!!!
إن "سلمان" يبحث عن شئ لا يعرفه ..
إن نداء بداخله يعلو صوته شيئا فشيئا ، ولكنه لم يحدد كلماته بعد .. ولكن من المؤكد أنه يقترب.. ويقترب ..
فلقد وضعت وصية أسقف عمورية "سلمانً "على أول الطريق..
" يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلي أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص إليه فافعل. وإن له آيات لا تخفي، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته. "
يالها من وصية جديدة وخطيرة ..
إن الرجل ينبئ "سلمان " بأن هناك نبياً قد أتى بدين جديد ، وحدد له علامات النبي ، وعلامات المكان الذي يوجد فيه ..
وستبدأ رحلة لبلد جديد ..ودين جديد.. ويبدو أنها ستكون الرحلة الأخيرة ..
إنها تستحق أن يضحي سلمان بكل ما يملك من أجلها ..ثمناً للحقيقة ..
ولقد فعل سلمان ..فلقد عرض وبدون تردد كل ما يملك من أبقار وغنم ، على فوج علم أنهم من جزيرة العرب ، على أن يأخذوه معهم عند عودتهم ..
وبالفعل أخذوه معه إلي وادي القرى بجزيرة العرب ، لكنهم لم يكتفوا بما أعطاهم سلمان من أبقار وغنم دون ثمن ، بل باعوه كعبد إلي يهودي بها!!
ما هذا الذي يحدث لك يا سلمان ؟؟
أنت الذي كنت ملكاً في بلدك تصبح الآن عبداً ليهودي ؟!!
أبلغ إصرارك لمعرفة الحقيقة إلي هذا الحد ؟! سفر ومشقة وتضحية وذل ؟!
كان من المكن أن تضعف عند أي مرحلة ، وتكتفي بما اجتهدت فيه وتعود إلي بلدك وبيتك وأبيك ومالك وعزك ..
كان من الممكن أن تشفق على نفسك مما يحدث لك ، في لحظة تخلو بها معها ، وتقرر نهاية الرحلة .
لكن غريزة المعرفة عند سلمان كانت أقوى من أي شئ..
لم يفكر سلمان فيما يحدث له وما حدث له وما سيحدث له .. كان يفكر فقط في كلمات أسقف عمورية .. ووصف المدينة التي بها نبي الدين الجديد .
مدينة بها نخل كثير ..
كانت وادي القرى بها نخل كثير بالفعل ، وكان سلمان يرجح أن تكون هي المدينة المقصودة ، وظل سلمان عند اليهودي الذي اشتراه ، حتى أتى إليه رجل من بنى قريظة فاشتراه منه وعاد به إلي المدينة ، فما أن وصل إليها سلمان ونظر إليها نظرة فاحصة ، حتى أيقن أنها هي ..
المدينة الموعودة ..
" قاتل الله بني قبيلة (أهتم) .. ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي.. "
هتف بها رجل يهودي ، وقد تملكه الغضب والغيظ إلي سيده الذي يجلس تحت نخلة من النخل الذي يملكه ، في الوقت إلي كان فيه سلمان يتسلق على النخلة ليجمع ثمارها ، وما إن سمعه سلمان ، حتى نزل مسرعاً من على النخلة حتى كاد يسقط على صاحبها ، وما إن استقر على الأرض حتى هتف لصاحب الخبر قائلاً:
– ماذا تقول يا رجل ؟؟ ما الخبر ؟؟
رفع سيده يده في حنق ، ليضربه ضربة شديدة وهو يقول في عنف :
– مالك وما نتحدث فيه ..عد إلي عملك بسرعة .
وبالفعل ..عاد سلمان إلي العمل .. ولكنه ظل يتسمع الحديث الدائر، ليعلم أن النبي قد نزل بمسجد يسمى قباء في المدينة ..
وما أن انتهي من عمله ،حتى جمع بعض مستلزماته ولكن لرحلة قصيرة هذه المرة .. مسجد قباء..
وعندما دخل سلمان المسجد ، استطاع بسهولة أن يميز الرسول الكريم ، ربما لالتفاف بعض الصحابة حوله يتحدثون إليه ويسألونه .. فشاركهم سلمان الحوار ، ليعلم بأمر هجرتهم من مكة ، وليبدأ أول اختباراته للتأكد من شخصية الرسول قائلاً:
– لدى بعض الطعام كنت قد نذرته كصدقة ، وأرى أنكم أولى به فأنتم أهل غربة .. تفضلوا معي ..
فنزل سلمان إلي أرض المسجد يفترش الطعام ومعه الصحابة متهللين بهذه الوجبة التي جاءت إليهم من السماء ، وأخذوا يأكلون الطعام وهم يتجاذبون أطراف الحديث مع سلمان ، والذي تظاهر بأنه معهم ، وهو في الحقيقة يتابع الرجل الذي بدت عليه أول علامات النبوة ..
فالجميع تناولوا الطعام مع سلمان ..إلا الرجل .
لقد صدقت أول العلامات.. فالرجل بالفعل لا يأكل الصدقة .
وفي اليوم التالي .. حضر سلمان إلي المسجد وفي يده جعبة بها طعام ، وبعد أن دخل المسجد ، اتجه إلي الرسول فحياه وجلس إليه وقال له وهو يبتسم :
– لقد لاحظت أنك لم تأكل معنا بالأمس، فأحببت أن أكرمك بهدية، فلتقبلها منى .
فقبل الرسول مبتسما ودعا الصحابة معه للطعام وهو يقول :
"كلوا باسم الله "
إنها العلامة الثانية تظهر أمام سلمان .. إن الرجل يقبل الهدية .
لقد نجح سلمان في أن يختبر الرسول في العلامة الأولى والثانية دن أن يشعر أحد أنه
يبحث عن شئ ما ..
لكن الذي لم يشعر به سلمان ، أن الرسول كان قد شعر بما يريد ، وقرر أن يساعده في الوصول إلي العلامة الثالثة ، التي لولا مساعدته لأجهد "سلمان" في التوصل إليها . وهو ما دعي الرسول إلي أن يزيح بردته قليلاً بعد أن سلم عليه سلمان وهو يسير في جنازة بالبقيع ، وبعد أن سلم عليه ، لا حظ الرسول أن "سلمان " قد عدل من وضعه لينظر في ظهره ، ليعطى الرسول "سلمان "الفرصة لأن يرى خاتم النبوة بين كتفيه ، وليتأكد سلمان من العلامة الثالثة .. والأخيرة .
"إنه النبي ..لا شك في ذلك "
لابد أن قد هتف بها سلمان في نفسه قبل أن يفقد السيطرة على مشاعره ، و ينكب على الرسول باكياً يقبل يديه.
ويشعر الرسول بصدق سلمان ، ويطلب منه تأجيل الحديث الآن حتى تنتهي الجنازة ، ثم دعاه إلي جلسة الدخول في دين جديد ..
ظل سلمان يحكى للرسول وظل الرسول يشرح لسلمان
وأسلم سلمان ..
لتدخل قلبه العقيدة الثالثة ..
ولكنها الأخيرة …
أخيرا.. لقد نجح سلمان في الوصول إلي الحقيقة ..
الحقيقة الكاملة..
نسى بها كل ما تكبده من جهد ومشقة في السفر والترحال ..
إلا أن شيئاً واحداً لم يستطع ولن يستطيع أن ينساه ..إنه العقبة الكئود بينه وبين مشاركة المسلمين وجهاده معهم ..
إنه الرق .. الذي منعه من الاشتراك في غزوتي بدر وأحد..
وكم كان حزن سلمان لذلك .. وفي جلسة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ، أثيرت المشكلة.. فدعا الرسول "سلمان" أن يكاتب سيده يطلب منه العتق ، ودعا الرسول أصحابه ليعينوه على ذلك ..
وتحرر سلمان بالفعل
وكانت نعم الهدية التي أهداها الإسلام لسلمان …
لقد وصل سلمان إلي الحقيقة وأنهي طريقاً مضنياً صعباً لسنوات ، وتنفس نسيم الحرية .. لينطلق سلمان بعدها ليشارك لأول مرة في الجهاد ضد كفار قريش ويهود المدينة في غزوة الخندق .. وفيها..
كان ينتظر سلمان لقاء حارً..
مع التاريخ.
**************************************
وكأن الله أراد لسلمان أن يدخل الإسلام وهو على درجة من فهم الحياة ونفوس البشر ، ولم لا ؟ وهو الذي قضى سنوات من عمره في غمار السفر ، يصارع الأيام ويقهر الصعاب في بلاد لا يعرفها ولا تعرفه ..
لقد أكسبت المواقف العديدة والصعبة التي تعرض لها سلمان ، أكسبته حكمة نافس بها من سبقوه بسنوات ، ولقد كان سلمان مهيأ بقدرته على البحث وحب العلم وجمع المعلومات وتحليلها بصور منطقية ، وقدرة على اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة .. ولهذا امتلك سلمان صفات ندر أن تجدها في العديد من الصحابة ..
فلقد أصبح ذا علم وحكمة وذكاء وخبرة بالحياة ، وحب للمغامرة وشجاعة في اتخاذ القرار..
ألا ترون معي أن سلمان ..قد صار رائعاً..؟
وربما كانت هذه هي الأسباب التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يختار أبا الدرداء أخاً له ضمن مشروع الأخوة الذي بدأ الرسول في تنفيذه منذ العام الثاني للهجرة ، لإزالة الخلافات المترسبة بين المسلمين من أهل المدينة قبل الإسلام ، وإذابة الفوارق الاجتماعية بينهم من ناحية ، وبينهم وبين المهاجرين من ناحية أخرى، وتشجيع الأنصار على احتضان المهاجرين في غربتهم .
فلقد كان أبو الدرداء مبالغاً في العبادة إلي الحد الذي أهمل فيه نفسه وزوجته وحياته ، حتى أن "سلمان" عندما رأى زوجة أبى الدرداء في زيارة له في إحدى المرات وهى في حالة رثة ، سألها متعجبا:
– ما شانك؟!
أجابت أم الدرداء في استسلام :
– إن أخاك ليس في حاجة إلي الدنيا .
وفي مرة ثانية زاره في يوم جمعة فوجده نائماٌ ، فلما سأل قالت له زوجته:
– إنه يقوم الليل كله يوم الجمعة ثم يصوم .
هنا شعر سلمان أن الأمر في حاجة إلي التدخل بموجب عقد الأخوة الذي بينهما ، إن واجب الأخوة يفرض على سلمان أن ينصح أبا الدرداء بتعديل أسلوبه في الحياة وفكرته عن الإسلام ، فاستأذن زوجته أن تصنع طعاماً ، فلما جلس للطعام ، قال له أبوالدرداء :
– تفضل يا سلمان .. لم لاتأكل ؟
قال سلمان :
– أنتظرك .
رد أبو الدرداء :
– لا..لا تنتظرني يا أخي .. فإني صائم .
وأصر سلمان على أن يأكل معه أبوالدرداء ، وإلا امتنع هو عن الطعام أيضاً ..وأمام إلحاح سلمان، قطع أبو الدرداء صيامه على مضض ، وأكل مع سلمان .
بعدها استمر سلمان في مراقبة تصرفات "أبو الدرداء" التعبدية ، ومحاولة إثناءه عن المبالغة فيها بهذا الشكل ، حتى ضاق أبو الدرداء يوماً وهو يلومه عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام والقيام ، فقال له أبو الدرداء معاتبا ً:
– أتمنعني أن أصوم لربى وأصلى له ؟؟!
فقال سلمان ناصحاً في عطف :
– يا آخى .. إن لعينك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقاً، صم وأفطر، وصل ونم.
وكان صعبا على أبى الدرداء أن يقتنع بكلام سلمان، فلم يجد الاثنان بدا ًمن أن يطرحا القضية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وأكرر دون مبالغة ..(القضية) ، فعندما يرتبط الأمر بأسلوب الحياة وطريقة التفكير ، يصبح الأمر قضية ..
ولقد حسم الرسول الأمر وهو يربت بيده بحنان على فخذ أبى الدرداء قائلاً:
"عويمر .. سلمان أعلم منك ـ ثلاث مرات ـ لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام"
رائع يا سلمان ..رائع .
وسيزيد من روعتك شهادة الرسول (ص) لك وهو يقول :
"لقد أشبع سلمان علماً"
فلقد كان الرسول (ص) معجباً بذكائه وعلمه كثيراً ، كما كان معجبا ًبخلقه ودينه ..
لقد كان سلمان متفرداً بحق ليس في صفاته وحسب ..ولكن في تصنيفه أيضا بين الصحابة ..
فلم يكن سلمان مهاجراً ولا أنصارياً..
وهذا التميز والتفرد هو الذي جعل المهاجرين والأنصار يتنازعون عليه يوم الخندق، فيقول المهاجرون: سلمان منا.. ويرد الأنصار : لا .. بل سلمان منا !!
وللمرة الثانية يحسم الرسول (ص ) أمراً يخص سلمان ،حسماً لا يجرؤ أن يرد عليه أحد .. فينادى قائلاً :
" سلمان منا آل البيت "
ياله من شرف أكبر من أن تصفه الكلمات ..
ولكن الرسول لم يكن ليعطى فارسياً هذا الشرف ، إلا إذا كان يستحقه عن جدارة ، ولقد أثبت سلمان بالفعل أنه يستحقه في الماضي .. وسيثبت أنه يستحقه في المستقبل القريب ..والقريب جداً ..
في غزوة الخندق..
*************************************
تحالف رهيب بين يهود المدينة ومشركي مكة وقبائل الجزيرة العربية في حرب الفرصة الأخيرة ، حرب حاسمة .. تريد أن تنهي وجود المسلمين تماماً.. وإلي الأبد .
ولقد كانت الخطة غادرة ماكرة مباغته مفاجئة .. تفقد الطرف الآخر التركيز وتصيبه بالإحباط والشلل..
يهاجم جيش قريش وغطفان وبقية القبائل "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم يهود بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، ليقف المسلمون محاصرين بين اليهود من الخلف، وجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل من الأمام ،جاءوا وكلهم عزم على كتابة كلمة النهاية ..
كان الموقف على المسلمين أقسى من أن يتوقعه أحد ..
وكان وصف القرآن له بليغاً دقيقاً :
(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).
ما العمل إذن؟؟ و ما هي الوسيلة لردع هذا الهجوم الضاري غير المسبوق؟؟
وكان إجراءا طبيعياً أن يجمع الرسول مجلس الحرب للتشاور.
ودون شكً.. أجمعوا على الدفاع والقتال..
ولكن كيف الدفاع؟؟
حيرة بين الصحابة .. وتوتر وقلق .. ومشكلة كبيرة تبحث عن حل .
وهنا.. تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان يحمل له الرسول حباً عظيماً، واحتراماً كبيراً.
تقدّم سلمان الفارسي .. ونظر من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة كلها، فوجدها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها..
إلا فجوة واسعة.. ومهيأة كي يستطيع جيش المشركين أن يقتحم منها المدينة في يسر..وهنا هتف سلمان قائلاً:
– إنه الخندق .. الخندق .
وبسرعة الرياح ..أخذ يشق طريقه للرسول ليعرض عليه الفكرة ..
كانت الفكرة معتادة في بلاد فارس ، ولكنها كانت جديدة على العرب ..
كانت الفكرة جديرة بأن تخيف قائدًاً عادياً ، ينظر للجنود العاديين بمنطق أن التفكير في آرائهم مضيعة للوقت ..
كانت الفكرة تخيف قائدأً روتينياً ، يرتبك أمام الأفكار الجديدة ، وتتوتر أعصابه ، ويجد رأسه قد ثقلت فجأة، فلا يستطيع أن يتخيل الأحداث في الوضع الجديد ، ويفقد الإحساس بالواقع والقدرة عل التوقع ، فيختار حلاً سهلاً بسيطاً ..
أرفض الفكرة فوراً ..ولا نقاش ..سننفذ ما نعرفه ولا مجال للفلسفة والإختراعات الآن ..
ولكن من قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قائدأ عادياً ..
إنه معلم البشرية ..
فكر الرسول في الفكرة ..
ووجدها قيمة جديرة بالبحث ..
والتنفيذ ..
وعلى الفور.. بدأ الرسول يقسم المجموعات لحفر خندق سلمان ، لإنجازه في وقت محدد وبمواصفات محددة..
ونجح المسلمون في إنجاز المهمة في الوقت المحدد ، وأصيب المشركون بالدوار من هذا الخندق الغريب العجيب الذي لم يكن في الحسبان ، واكتسب المسلمون الوقت للتفكير وتفكيك تحالف الشر بين قريش وحلفائها و..
وأخيراً.. وبعد أربعة وعشرين يوماً من الحصار ..أمر أبو سفيان جيوشه بالرحيل ..
لقد كان اليوم يوم سلمان بلا شك ..ليس بسبب بالخندق فحسب ..بل بسبب واقعة أخرى لن ينساها التاريخ …
واقعة الصخرة ..
صخرة النبوءة.
******************************
كان الرسول قد وزع المسلمين على مجموعات لحفر الخندق ، كل مجموعة تقوم بحفر رقعة معينة ، وفي الرقعة التي كان مسئولا عنها سلمان ومجموعة من أصحابه ، اعترضتهم صخرة صلبة شديدة الصلابة ، لم ينجحوا جميعا في كسرها ، حتى سلمان رغم عافيته و قوة بنيانه .. فلم يجد سلمان بداً من أن يستأذن الرسول (ص) في تغيير مسار الحفر لتفادى تلك الصخرة ..
وقبل أن يتخذ الرسول القرار ، عاد مع سلمان إلي الموقع لدراسة المشكلة على الطبيعة ، وعندما رأى الصخرة ، وجد أن الأمر لا يخلو من محاولة أخيرة ، فطلب معولاً وطلب ممن معه من الصحابة أن يبتعدوا قليلاً ، كي لا تصيبهم الشظايا الناتجة عن الاصطدام.
وسمى الرسول بالله ..ورفع الرسول يديه الشريفتين وهو يمسك المعول بكل عزم وقوة ، وهوى بها على الصخرة بضربة قوية ،أحدثت بها فلقاً عميقاً ، وخرجت على أثرها شرارة عظيمة أضاءت جوانب المكان!
نعم .. هكذا وصف سلمان بعد أن تملكته الدهشة مما رأى ، والتي ما كاد أن يفيق منها حتى تملكته مرة أخرى مما سمعه من رسول الله وهو يهتف قائلاً :
"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسري، وإن أمتي ظاهرة عليها"..
نبوءة نصر.. في وقت تنبأ معظم المسلمين لأنفسهم الهزيمة ..
ومع ضربة الرسول الثانية ، كان سلمان على موعد مع الحلقة الأخيرة من مسلسل الدهشة ..
"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصورها الحمراء، وإن أمتي ظاهرة عليها".
هكذا هتف رسول الله .. وهكذا سمع سلمان والصحابة الذين ارتفعت روحهم المعنوية فجأة ، وأيقنوا أن النصر آت لا محالة ..
واختتم المشهد بتهليل وتكبير من المسلمين ، رج الأرض من شدته ، بعد أن صاحوا جميعاً في إيمان عظيم :
– هذا ما وعدنا رسول الله.
هل يا ترى انتهي المشهد العجيب المبهر أمام سلمان ..
لا.. إن المشهد لم ينته بعد .
لقد كان سلمان على موعد لرؤية النبوءة حقيقة أمام عينيه ..
نعم .. لقد أطال الله في عمر سلمان ، حتى رأى مدائن الفرس والروم ، ورأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق.
مد الله في عمر سلمان .. فعاصر أبا بكر وعمر وعلي بن أبى طالب .. ورأى بلدان العالم وهي تفتح ذراعيها للإسلام تستقبله بالحب و الشوق و الترحاب.
ليس هذا فحسب .. فلقد أصبح سلمان أميراً على المدائن ، بعد إلحاح شديد من عمر بن الخطاب ..
فلقد كان سلمان يكره الإمارة ، ويشعر أنها قيد عليه لا يستطيع الفكاك منه .
إلا أن "سلمان " لم يجد مفرا من أن يقبلها مضطراً ً.. وقد أخذ يحتاط لنفسه منها ، وكأنها وحش يريد أن ينقض عليه !!
كان سلمان يخاف أن تشده الإمارة إلي الدنيا وتبعده عن الآخرة ..فظل على زهده وتواضعه و..
"ألا تحمل عنى هذا الشيء يا رجل ؟"
نطق بها الرجل وقد بدا عليه الإرهاق الشديد من أثر حمل من التمر والتين ، كان يحمله على ظهره وهو قادم به من بلاد الشام ، وما إن بصر به من نادى عليه ، حتى هب إليه يحمل عنه ، وسارا معاً .. وفي الطريق، مرا على جماعة واقفين يتحدثون .. فألقى حامل الحمل عليهم السلام .
فأجابوا : وعلى الأمير السلام .
وهنا التفت الرجل الشامي في دهشة متسائلاً:
– أي أمير يعنون..؟!
وبعدها بلحظات وصلته الإجابة.. الإجابة المذهلة.
فلقد ذهل الرجل حينما رأى الناس يسارعون إلي من حمل عنه الحمل ، قائلين في أصوات متضاربة متلاحقة :
– عنك أيها الأمير سلمان .
وبدا الرجل غير مصدق لما سمع ، وتلعثمت شفتاه بكلمات الاعتذار، وهب محاولاً انتزاع الحمل من الأمير سلمان .
إلا أن الأمير "سلمان "رفض قائلاً في تواضع :
– لا .. حتى أبلغك منزلك.
كان سلمان يشعر أن الإمارة غولاً يهجم عليه كل لحظة.. فوضع خطة لحمايته منها بالتواضع .
..والزهد أيضاً ..
فقد رفض أن ينال من مرتب الإمارة درهماً وظل يأكل من عمل يده ..كان يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية..
كان يلبس ثوباً قصيراً انحسر من شد ة قصره إلي ركبتيه ..
يا لله ..أهذا هو سلمان ابن فارس صاحب الترف والبذخ والثراء ؟!!
يرضى بهذا التقشف وهذه البساطة والدنيا ملك يديه ؟!!
إنه مطمئن بهذه البساطة .. سعيد بها..متفائل بمصيره معها ..
سلمان الذي كان ينفق بلا حساب في بيت أبيه ، جعله الإسلام ينفق بلا حساب في سبيل الله ..
فلقد كان يتصدق بما بين أربعة آلاف وستة آلاف درهم في العام ، وكان يقول :
– أشتري خوصاً بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت!
لم يكن زهد الصحابة إذن لفقرهم أو لأنهم تعودوا على حياة صعبة خشنة في الجزيرة العربية .. بل كان حماية لهم من غرور الدنيا وطوفانها.
كان بيته ينطق بزهد وورع عجيبين ، عرفهما فيه البناء الذي قام بتصميم بيته ، فوصفه له قبل بناءه قائلاً:
– لا تخف.. إنها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، إذا وقفت فيها أصابت رأسك، وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك!!
وكأنه يريد أن يأخذ توقيع سلمان على رسم هندسي ، فإذا بسلمان يوقع مرحباً وهو يقول :
– نعم .. هكذا فاصنع.
لقد زهد سلمان حتى ظن أن طبقاً يأكل فيه ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ، خروجاً على القوانين التي وضعها لنفسه ليظل قريبا من الله والآخرة، وهو في غمار حياته في الدنيا.
زاره سعد بن أبى وقاص في أحد الأيام فوجده يبكى ، فقال له سعد:
– ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض.
فأجابه سلمان:
– والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً، فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وها أنا ذا حولي هذه الأساود"!!
والأساود تعنى الأشياء الكثيرة، والأشياء التي كان يظن سلمان أنها كثيرة، هي الطبق والمطهرة !!
إلا أن "سلمان" .. كان يحتفظ بشيء من طيبات الدنيا ، كان يخاف أن يكتشفه أحد ، ولذا .. طلب من زوجته أن تخبأه في مكان بعيد وأمين لا يعرفه أحد..
لم يكن ذهباً ولا مالاً ..
لم يكن خريطة لكنز أو مفتاحاً لحصن..
كان..
زجاجة عطر ..
ادخرها سلمان للقاء كان ينتظر فيه ضيوفا كان يعرف أنهم يحبون العطر ..
أنظر كيف كان سلمان كريم الضيافة ..
وعندما اقترب الموعد .. طلب من امرأته إحضار العطر ، وقال لها:
– إنضحيه حولي .. فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وإنما يحبون الطيب.
فلما نثرت العطر حوله قال لها:
– اقفلي على الباب وانزلي .
وتنسحب زوجته دامعة ، وهى تلقى عليه النظرة الأخيرة ، ثم تخرج و تغلق الباب على المشهد الأخير في حياة زوجها سلمان .
وفي العام الخامس والثلاثين من الهجرة ، وفي عهد عثمان بن عفان ، فارقت روح سلمان المباركة جسده ودنياه ودنيانا، ليحيا في دنيا أرحب وأوسع وأفضل .
رحمك الله يا سلمان..
رحمك الله يا لقمان الحكيم ..
رحمك الله يا أشبه الناس بعمر بن الخطاب
تحليل ودروس
1-الرفاهية لا تتعارض مع التدين ( تدين سلمان الواضح رغم رفاهيته ونشأته في بلاد الفرس المتقدمة )
الفطرة الإنسانية تجعل الإنسان – غنياً أو فقيراً – في حاجة مستمرة إلى إله يعبده ، يشعره بالاحتياج إليه والشكوى له وطلب نصرته ، وربما يكون الغنى المرفه الذي يعانى من طغيان المادة في حياته ، أحوج إلى ذلك من غيره وهذا يفسر الآتي :
أ- تزايد أعداد المسلمين في الدول المتقدمة اقتصادياً ،حيث يلبى فيها كل متطلبات الفرد ويستجاب لكل شهواته ، مثلما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية ، بالرغم من أن من يدخل في الإسلام يعلم تماماً بأنه سينتقل من عالم الحرية المطلقة للشهوات والرغبات ،إلى حيز الحرية المقيدة بالحلال والحرام ، ومع ذلك فهو يرحب ، لأنه يكتشف أن شعوره بوجود الله معه ورضاه عنه ، يعوضه عن كل شهوات الدنيا ، بل ويعطيه لذة في قلبه لا تعدلها لذة .
ب- استجابة الطبقات الغنية في مصر لمحاضرات الأستاذ عمرو خالد ، أكثر من استجابتهم لأفكار دعاة آخرين ، والسر في ذلك أنهم وجدوا في محاضراته الغذاء الروحي الذي افتقدوه في خضم المادة والشهوة التي تسيطر عليهم، ويعيشونها كل يوم .
2-حب العقيدة يسمو فوق أي حب (سلمان يصبر على عقاب والده له من أجل عقيدته )
كان سلمان يحب أباه حباً جماً ،ولكنه عندما تعارض حبه لله ودفاعه عن عقيدته مع حب أبيه ، اختار عقيدته دون تردد ، وفضل حبه لله على حب أبيه ، إن حب الله لابد أن يعلو على حب أي شي .. المال والنفس والشهرة والمجد وحب الدنيا والأب وألأم والزوجة والأولاد .
3- تفضيل حب الله على حب الوالدين ،لا يعنى سوء معاملتهما. ( سلمان لم يقم بعقوق والده رغم الخلاف بينهما في أمر خطير وهو العقيدة )
ليس معنى أن يغلب حب الله حب الوالدين ، أن نعامل آبائنا بجفاء أو تجهم أو تعالى ، إن يتنافى مع عقيدة الإسلام التي نؤمن بها ، ومهما وصل الخلاف، فلتكن المعاملة بالرفق واللين والبسمة والحوار ، ولتتحمل غضبهم إن حدث.. في سبيل الله .
4- الحث على التفكير والبحث ( سلمان لا يستسلم للأفكار التي نشأ عليها و يسافر من بلد لأخرى من اجل الوصول إلى الحقيقة )
ضرب سلمان مثالاً نادراً في التفكير والبحث ، فهو لم يستسلم للأفكار التي وجد مجتمعه عليها ، بل أعطى نفسه فرصة أن يسمع الأفكار الجديدة ، وأن يفكر فيها وأن يقبلها طالما تأكد من صحتها ووجدها أفضل من سابقتها ، وقد عانى الكثير والكثير في سبيل ذلك ، من إيذاء أبيه له وترحاله من بلد لبلد والتضحية بكل ما يملك من مال في سبيل استمرار بحثه للوصول إلى النتيجة التي ترضيه .
إن عقول الشباب المسلم لهى في أشد الحاجة إلى عقلية مثل عقلية سلمان ، تفكر في تصرفاتها وأفعالها ، وتزنها بميزان الحقيقة ،وتستمع إلى أفكار الآخرين وتفكر فيها وتلتزم بها إن وجدتها صحيحة تستحق الاتباع .
إن عقلية سلمان المتفتحة وحبه للبحث وتضحيته في سبيل ذلك ، أكسبته أقصى ما يستطيع أن يكسبه شخص في دنياه ..
أكسبته الجنة .
5- الاجتهاد والتضحية من أجل تحصيل العلم (سلمان يفقد حريته وماله من اجل معرفة الحقيقة )
تعيش الأمة الإسلامية أذل عصورها ، وتستهين بها كل الأمم ،ويعد أحد الأسباب القوية لذلك ، احتقارها للعلم وعدم تقديرها للعلماء ، فالشباب لا يجد للعلم نفعاً ، والغش في المدارس أصبح وسيلة معترفاً بها للنجاح ، والمعلم مهان بسبب احتياجه الدائم لعائد الدروس الخصوصية ، وحاملو المؤهلات العلمية يعانون من البطالة .
ولقد أعطانا سلمان الفارسي (حيث أنه كان ابناً لإمبراطورية متقدمة علمياً ) درساً في حب العلم وتقديره والتضحية من أجله ، حتى أنه قبل أن يعمل خادماً عند أسقف الكنيسة ، حتى تسنح له الفرصة كي ينهل من علمه للتعرف أكثر على المسيحية .. دينه الجديد .
6- عندما يصدر الخطأ من مسلم ، فليس هذا خطأ الإسلام ..بل خطأ المسلم في تطبيق الإسلام .(سلمان لم يترك المسيحية رغم علمه بان أسقف الكنيسة يستولي على الصدقات )
يقع الكثير من الناس فريسة لفكرة خاطئة ، وهو أنه طالما ارتكب متدين خطأ ، إذن الإسلام نفسه به خطأ ، وأنه لا يريد أن يكون متدينا حتى لا يقع في مثل هذه الأخطاء ، وفى الحقيقة ..إن سلوك بعض المتدينين وتعاملاتهم ، يفتن الناس بتصرفاتهم الخاطئة ، ويصرف الناس بأعمالهم عن التدين ، فيظلمون بذلك الإسلام نفسه ، ويؤذونه أشد الإيذاء قبل أن يؤذوا أنفسهم .
ولقد كانت حكمة الشاب سلمان بليغة حين رأى أسقف الكنيسة يأكل أموال الصدقات ، ففهم أن هذا التصرف يرجع إلى أسقف الكنيسة ، ولا يرجع إلى المسيحية نفسها ، ولم يلصق التهمة بالدين ولم يفكر في تركه بسبب تصرف من مسيحي ، حتى وإن كان أسقف الكنيسة نفسه ، بل توهجت حكمة سلمان بأنه سكت عما رآه ، في سبيل أن يأخذ من علمه ما استطاع أن يأخذ.
7- الإصرار على الوصول للهدف مهما تكن الصعوبات ( سلمان يسافر ثلاث مرات و يفقد حريته وماله من أجل الوصول إلى هدفه )
شبابنا ييأس بسرعة ، وطاقته تنفد عند أول محاولة ، أو الثانية على الأكثر ، ودائماً يتهم الزمن والحظ والمجتمع والناس ، ولكنه لا يعلم حقيقة هامة يعرفها كل الناجحين والمتفوقين ويحفظونها عن ظهر قلب ، وهو أن الهدف لن يتحقق من أول محاولة ، ولا ثاني محاولة ، بل إن تحقيق الهدف يستلزم محاولات ومحاولات ، يغير على أثرها صاحب الهدف تفكيره وأسلوبه في الوصول إليه ، إلى أن ينجح في النهاية ، وبالتأكيد سينجح ، لأن هذه الوسيلة ، هي الوسيلة الطبيعية والمضمونة للنجاح ، وكلما زاد سمو الهدف ، كلما زادت المحاولات المطلوبة للوصول إليه ، والمشقة التي تلزم لبلوغه ، وعلى ذلك .. فلا بد أن يتمتع صاحب الهدف – إن أراد أن يكون من الناجحين- بالإصرار والإرادة والثقة بالله والتوكل عليه .
وسلمان حاول محاولات عديدة ، وتعرض لمواقف صعبة ، كان من الممكن أن ييأس خلالها ويعود إلى بلده ، ولكنه ثابر وتحدى ، حتى وصل إلى الحقيقة التي أراد أن يصل إليها .. فكان جزاؤه خير الجزاء.. الإسلام .
8- ذكاء الصحابة والرسول في التعامل مع سلمان ( الصحابة لم يهجموا على سلمان لدعوته للإسلام عندما وجدوه يتردد على النبي )
لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم مجموعة من المبرمجين على إطلاق جمل معينة عندما يقابلون شخصاً جديداً بأن يدعونه إلى الإسلام بمجرد مقابلته ، ولكنهم كانوا على وعى وفهم للنفوس وفن الدعوة إلى الله ، فلم يطلبوا منه الدخول في الإسلام لا أول مرة ولا ثاني ولا ثالث مرة ، بعدما لاحظوا اهتمامه بالرسول ، فقد تركوا الأمر للرسول الذي علم بفطنته أن سلمان يبحث عن شئ ما، وعندما يجده سيصبح الطريق ممهداً لإسلامه .. وقد كان .. فلقد تركه الرسول حتى تأكد من نبوته ، فأسلم بعدها على الفور .
9- المجتمعات العربية تخاف من الأفكار الجديدة وتجهضها ( الرسول يقبل فكرة سلمان الخاصة بحفر الخندق و يناقشها و يوافق عليها رغم غرابتها )
كان موقف الرسول من قبول فكرة سلمان بحفر الخندق – وهى فكرة كانت جديدة على العرب والمسلمين بالطبع – دليلا قوياً على مرونة الرسول في قبول الجديد من الأفكار ، وإعطائه الحرية للمسلمين كي يبدعوا ويفكروا في حل المشكلات ، وكان ذلك سببا مباشراً في انتصار المسلمين في غزوة عصيبة، لك أن تتخيل ماذا سيكون حال المسلمين بدونها .
وربما كان أبلغ تقدير لسلمان وفكرته ، أن سميت الغزوة باسم ابتكاره ( غزوة الخندق ) وليس باسم مكانها كما كان الحال في بدر و أحد.
وفى مجتمعنا العربي – للأسف – ، نواجه الأفكار الجديدة بالسخرية والنقد الشديد اللاذع ، مما يجعل المبدع معزولا ومتهماً طوال الوقت ، فإما أن يصمد وكأنه في موقعة حربية مع مجتمع بأكمله ، وإما أن يتراجع ويتنازل عن أفكاره ويقتل مواهبه بنفسه، وإما أن يهاجر لبلاد تهتم بالمبدعين وترعاهم، ككل العقول المهاجرة من العالم العربي إلى أمريكا وأوروبا .
إننا لن نستطيع أن نواجه مشاكلنا طالما نقتل الإبداع ونحارب المواهب ونرتعش من الأفكار الجديدة ، والغرب إنما تقدم .. إلا لأنه يدرب أبناءه على التفكير المبدع غير التقليدي ، الذي يأتي بحلول غريبة لا يتوقعها أحد ، ولكنها تثبت صحتها بمرور الأيام ، وبعدها.. يسير وراءها التقليديون الكسالى .
10- لا بد من الأخذ بالأسباب بالرغم من نبوءة الرسول بالنصر ( المسلمون يستمرون في حفر الخندق رغم نبوءة الرسول لهم بالنصر )
لماذا لم يترك المسلمون المعركة ، أو على الأقل توقفوا عن حفر الخندق الشاق المضني ، بعد أن سمعوا نبوءة النبي بفتح بلاد فارس وبلاد الروم ، بل لماذا لم يفكر المسلمون في الأمر مجرد تفكير ؟!
ذلك لأن الإسلام علمهم أن النصر لا يأتي إلا بالأخذ بالأسباب ، وأن النجاح لا يأتي في الدنيا إلا بالجهد والتعب والمشقة .
11- الإسلام دين حياة متوازن ، ولا يجب أن تطغى العبادة على الجوانب الأخرى( سلمان يراجع أبا الدرداء في أسلوب حياته )
أخذ سلمان على أبى الدرداء مبالغته في العبادة إلى حد إهمال بيته وزوجته ، وعندما علم الرسول بذلك أيده في رأيه ..
إن العبادة ركن هام وخطير في الإسلام ، ولكننا لا بد أن نفهم دوره ، إنه يعطينا الطاقة الإيمانية التي نستطيع أن نتحرك بها لتطبيق الإسلام في حياتنا من معاملات مع الوالدين والأصدقاء والناس ، ومن اجتهاد في المذاكرة للنجاح والتفوق ، ومن إتقان في العمل . فالعبادة جعلت لننطلق بها في آفاق المجتمع لتغييره إلى الأفضل، وليس للانغلاق بها بين أربع جدران.
12- التواضع يحمى الإنسان من الغرور ويزيده عزاً أمام الناس ( سلمان يحمل عن الرجل الشامي حمل التمر وهو أمير )
كان سلمان يخشى أكثر مما يخشى من الغرور، الذي يهاجم النفس فيدمرها ويشقيها ، فكان يلزم نفسه دائماً بالتواضع ، فيدخل المدائن وهو على بغلة فينبهر أهل فارس المترفين بالحاكم الجديد ، الذي طالما سمعوا عن صولاته وجولاته ..
ولكن التواضع الذي يريده الإسلام ، تواضع في غير ذلة ولا مسكنة ، تواضع التبسط مع الناس وعدم التعالي عليهم، وحب خدمتهم والاستماع إليهم ومشاورتهم ..
هنا يصبح التواضع دافعاً لحب الناس ..وسيكافئك الله ساعتها على تواضعك( الصحيح ) معهم ، بالعزة والشموخ أمامهم .
salmasali
قصة جميلة
شكرا لك
ظل سلمان يحكى للرسول وظل الرسول يشرح لسلمان
وأسلم سلمان ..
لتدخل قلبه العقيدة الثالثة ..
ولكنها الأخيرة …
أخيرا.. لقد نجح سلمان في الوصول إلي الحقيقة ..
الحقيقة الكاملة..
بارك الله فيك فقصص الصحابة كثيرة العبرة .
بارك الله فيك اخي الفاضل
فما اجملها من قصة تحمل عدة عبر و مواعظ
اتمنى ان نستفيد منها و نتقيد بها
جعلها الله في ميزان حسناتك با رب
شكرا على المرور الطيب
اتمنى ان يستفيد الجميع