• أيهما أفضل : قراءة القرآن من المصحف أو غيباً ؟ الأفضل ماكان أخشع للقلب .
• احذر من رفع الصوت بالقرآن في المسجد لئلا تضايق المصلين والقراء ، وقد ورد النهي عن ذلك .
• لا يجوز تعليق الآيات على الجدران والمكاتب وفي المنازل ، والقرآن أنزل للعمل به ، لا لتعليقه وتحسين البيت به ، وفعل ذلك ليس من هدي السلف مع حبهم للقرآن .
• يحرم الدخول بالمصحف إلى دورات المياه -أكرمكم الله- لكن إذا خشي سرقته جاز للضرورة .
• ولا يجوز السفر بالقرآن إلى أرض العدو كما عند البخاري (2768) وذلك خشية امتهانه واحتقاره واللعب به ، ولكن إذا وثق الإنسان بأن العدو لن يأخذوه فلا بأس ، لأنه قد يسافر وتطول مدة السفر فلا يقرأ القرآن فقد ينساه .
• بعض الجرائد تكون فيها بعض الآيات ، فاحذر من اتخاذ تلك الجرائد سفراً أو نحو ذلك لما فيه من امتهان الآيات .
• من كان عنده مصحف ممزق أو كتب فيها آيات يريد التخلص منها فإما : أن يحرقها أو يدفنها في مكان طيب . ( قاله ابن باز ) .
• لا يصح وصف القرآن بأنه قديم ، وهذا من اصطلاح أهل البدع .
• تحدِّى اللهُ المشركين أن يأتوا بمثل القرآن أو بمثل عشر سورة ثم تحداهم بسورة فلم يستطيعوا .
• تسمية سور القرآن وقع بعضها من الرسول صلى الله عليه وسلم كالبقرة وآل عمران وغيرها ، والأكثر من السور وقعت تسميتها من الصحابة .
• ترتيب الآيات في المصحف كان من الرسول صلى الله عليه وسلم.
• أما ترتيب السور كان باجتهاد الصحابة .
• ولا يجوز لأحد أن يخالف في ذلك فقد أجمع الصحابة عليه .
• القراءات الأخرى للقرآن , الأولى عدم القراءة بها في الصلاة خشية أن لا يفهمها العامة فينكرونها .
• ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ومعنى ذلك : أن من قرأها ثلاث مرات فكأنه ختم القرآن كله وحصل على ثوابه .
• بعض الناس يستخدم بعض الآيات في أمور لا تستحق ، كقول أحدهم إذا رأى صاحبه ( " لقد جئت على قدر يا موسى " ) أو عند حضور الطعام يقول ( " كلوا واشربوا هنيئاً .. " ) والواجب ترك ذلك لما فيه من امتهان الآيات ، فيجب صيانة القرآن عما لا يليق . ( قاله ابن باز ) .
• بعض المؤسسات والشركات والمستشفيات تضع في جهاز الهاتف مقاطع من الآيات تكون عند انتظار المتصل ، وهناك فتوى من اللجنة الدائمة بأن ذلك العمل لا ينبغي لأن القرآن أنزل للتدبر وللعمل به ، لا لملء الفراغ أو للتسلية .
• حفظ القرآن من أعظم النعم وللحفظ أسباب : الدعاء ، صدق النية ، ترك الذنوب ، الحفظ على مصحف واحد لئلا تختلف عليك أماكن الآيات ، أن يكون لك أخ يساعدك في الحفظ وتجويد القراءة ، وأن تقرأ ما حفظت في الصلوات .
• نسيان القرآن لا بد منه ، ولكن فرق بين من ينسى لإعراضه عن القرآن وتركه له ، وبين من ينسى مع عنايته بالمراجعة . وهذا لا يأثم بخلاف الأول .
• احذر من هجر القرآن ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) وهجر القرآن أنواع : 1- هجر تلاوته . 2- هجر العمل به . 3- هجر الحفظ . 4- هجر التحاكم إليه . 5- هجر الاستشفاء به . 6- هجر تدبره .
• لا يجوز لمن كان على غير طهارة أن يمس المصحف لحديث (( لا يمس القرآن إلا طاهر )) رواه مالك (419) . وهذا مذهب جمهور العلماء .
• من كان عليه حدثاً أكبر "جنابة" فلا يجوز له مس المصحف ، ولا يجوز له قراءة شيء من القرآن لحديث علي (( كان صلى الله عليه وسلم لا يحجزه شيء من القرآن إلا الجنابة )) رواه أحمد (1/84،124) وأبو داوود (229) وحسنه الحافظ ابن حجر .
• من كان عليه حدث أصغر يجوز له القراءة فقط بدون مس . وقد نقل النووي الإجماع على ذلك . المجموع (2/69) .
• الحائض والنفساء لا يجوز لهما مس المصحف للحديث السابق ، أما القراءة بدون مس فالصحيح أنه يجوز لهما ذلك لأنه لم يثبت دليل يمنع من ذلك وهذا اختيار ابن تيمية وابن باز وغيرهم ، أما حديث (( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن )) فقد رواه الترمذي (131) ولايصح .
• قد يقول قائل لماذا الفرق بين الحائض والجنب ، فالجواب : أن أمر الحائض ليس بيدها وإنما هو أمر الله تعالى كتبه عليها وأما الجنب فيستطيع رفع الجنابة وذلك بالاغتسال.
• يجوز للحائض قراءة القرآن من كتب التفسير ونحوها من الكتب المشتملة على الآيات .
• إذا سلَّم عليك أحد وأنت تقرأ القرآن فرد عليه ثم عد للتلاوة لتجمع بين الأجرين .
حديث (( لا يمس القران إلا طاهر )) قال ابن تيمية : قال مما : لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لعمرو بن حزم وقال ابن عبد البر : تلقاه العلماء بالقبول .
• هل يجوز للأطفال الصغار مس المصحف بغير طهارة ؟ على أقوال ، الصحيح نعم يجوز ذلك لأمور :
1- لأنهم غير مكلفين من الناحية الشرعية بالوضوء .
2- أن في تكليفهم بذلك مشقة عليهم .
3- لأنهم بحاجة إلى تعلم القرآن ، وأمرهم بالطهارة قد يبعدهم عن ذلك .
ولكن ينبغي تعويدهم على الطهارة عند مس المصحف ليسهل ذلك عليهم .
• أشرطة التسجيل التي تحتوي على القرآن لا حرج من لمسها بغير طهارة .
• يجوز للمحدث حدثاً أصغر كتابة القرآن كما سبق وأنه يجوز له القراءة بدون لمس .
• بعض الناس يسمي القرآن بأسماء لم ترد في الكتاب والسنة كقولهم : نظام علمي ، أو الدستور ، ونحو ذلك ، والذي ينبغي الاقتصار على ما ورد في الكتاب والسنة .
• لا حرج في وضع مسابقات لطلاب تحفيظ القرآن .
• أخذ المال على تلاوة القرآن على أحوال :
1- ما يفعله بعضهم إذا مات له ميت يأتي بقارئ ليقرأ ، وهذا من البدع ، وأخذ المال على ذلك محرم لأنه ممن قصد بتلاوته "الدنيا".
2- ما يأخذه أئمة المساجد من راتب على عمله ذلك ، فهذا لا بأس به ، لأنه ليس لأجل التلاوة ولا لأجل الصلاة إنما يأخذه مقابل تفرغه عن شغله الخاص بواجب كفائي عن المسلمين ، وذلك المال هو من بيت مال المسلمين .
3- إذا كان يأخذ المال لتعليمه القرآن ، كما يأخذه المدرسين الذين يدرسون الأبناء فهذا لا حرج فيه ، لعموم حديث (( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )) رواه البخاري .
4- ما يأخذه القارئ الذي يقرأ على المرضى ، وهذا لا بأس به ، لقصة أبي سعيد لما قرأ على الكافر واشترط "جعلاً" أي ثمناً سواء مالاً أو غيره . وأقره النبي صلى الله عليه وسلم . البخاري (2115) .
• قراءة الإدارة : أن يقرأ قارئ ثم يقطع قراءته ويكمل غيره ، وهكذا ، لا بأس بها ، واختاره النووي وابن تيمية .
• قراءة القرآن بصوت واحد مسموع ليس مشروعاً ولم يكن من عمل السلف الصالح ، لكن إذا كان القصد من ذلك هو التعليم فلا بأس به . (اللجنة الدائمة ) .
• قول "صدق الله العظيم" : بدعة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوا ذلك . (اللجنة الدائمة) .
• تقبيل القرآن قبل القراءة أو بعدها ، ليس له أصل ، ولم يفعل ذلك سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، ولا صحابته الكرام . (اللجنة الدائمة ) .
• ترجمة القرآن لا تجوز لما فيه من تحريف المعاني ، ولكن لا بأس من ترجمة معاني القرآن ، ولكن لا بد أن تكون الترجمة صحيحة وأن يكون المترجم أهلاً لذلك خشية أن يوقع في كتاب الله ما ليس منه .
• ترجمة معاني القرآن ليس لها أحكام القرآن ، فيجوز لمسها بغير طهارة ، ويجوز للكافر النظر فيها ، لكن لا يجوز أن يتعبد بما فيها فلا يقرأ الترجمة في صلاته ، لأن ذلك خاص بذات القرآن .
• ينبغي العناية بقراءة كتب التفسير لأن في ذلك فهم لكتاب الله تعالى .
• وأفضل كتب التفسير : "تفسير السعدي" و "تفسير ابن كثير" .
• يجوز للكافر أن يمس الكتب المشتملة على بعض آيات من القرآن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل كتاباً فيه ( يا أهل الكتاب .. ) رواه البخاري .
• قراءة القرآن بالألحان ليست من السنة ، بل نص النووي على تحريمها ، واختاره الجمهور .
• قول "ورب المصحف" خطأ ، لأن القرآن كلام الله المنزل غير المخلوق ، وإذا قلت "ورب المصحف" أصبح "المصحف" مربوب ، أي مخلوق ، وبعض الناس يقول : أنا لا أقصد ذلك ، فالجواب : وإن كان القصد صحيحاً فالعمل ليس بصحيح .
• يجوز الحلف بالمصحف ، أو بالقرآن ، لأن القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفات الله ، والحلف بالصفات جائز بالإجماع ، كما نقله النووي وابن القيم .
• الحلف على المصحف ، كأن يقول : احضر المصحف لأحلف عليه ويضع يده عليه ، لا أصل لذلك .
• لا شك أن تعلم القرآن وقراءته من أفضل الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى ، وقد وردت الأحاديث بالحث على ذلك (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) رواه البخاري , وقال صلى الله عليه وسلم (( اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )) رواه مسلم.
• "الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق فله أجران "رواه البخاري" (4556) . فعليك أخي بالاستمرار ولا تترك ذلك لسبب ما تعانيه من ضعف القراءة .
• هناك آداب عامة ذكرها العلماء ، فينبغي لقارئ أن يحرص عليها :
1- الإخلاص لله عز وجل .
2- إجلال القرآن وتعظيمه .
3- تحسين الصوت بتلاوته لحديث (( زينوا القرآن بأصواتكم )) رواه أبو داوود (1256) .
4- إتقان التجويد .
5- التطهر قبل قراءته .
6- التسوك قبل القراءة لحديث : ( طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القران ) صحيح الجامع ( ).
7- تدبر معانيه ، والوقوف عند عجائبه .
8- ترتيل القرآن .
9- المواظبة على ذلك بأن تجعل لك في كل يوم بعض الوقت لقراءة القرآن .
– القرآن هو كلام الله المنزل غير المخلوق منه بدأ وإليه يعود .
– وقد أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم نزل مفرقاً على حسب الوقائع . (قاله ابن عباس) .
– وقد أنزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر .
– وأول مانزل ( اقرأ باسم ربك ) وآخر ما نزل ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ) .
– وقد تكفل الله بحفظ القرآن ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) فلا يستطيع أحد أن يحرِّف في القرآن أو يزيد أو ينقص .
– ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن القرآن مجموعاً في كتاب ، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت فجمعه ، وأقرَّه الصحابة .
– وفي عهد عثمان لما خشي الصحابة وقوع الاختلاف في الآيات بسبب الداخلين في الإسلام على اختلاف البلدان ، أمكر بكتابة المصحف على مصحف واحد .
– والمؤمن مأمور بأن يعمل بما جاء في القرآن .
– والقرآن حجة بذاته لأنه كلام الله تعالى .
– ويجب على المسلم أن يتحاكم إلى كتاب الله تعالى ويعرض عن التحاكم إلى آراء البشر وقوانينهم ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يؤمنون ) .
– وعند التنازع والاختلاف فالمرجع إلى القرآن والسنة ( فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول ) .
– والقرآن منزل غير مخلوق ، ومن قال إنه مخلوق فقد كفر بالله العظيم .
– ويجب تعظيم القرآن ، وتحرم السخرية به ، ومن استهزأ بشيء منه كفر بالاتفاق .
– ويجب أن نفهم القرآن على ضوء فهم السلف الصالح ، ولا نأتي بفهم يخالف ما جاء عنهم .
– وصلاح هذه الأمة لن يكون إلا إذا تمسكت بالقرآن وعملت فيه .
– ويجب على من حضر القرآن أن يستمع وينصت لقوله تعالى ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) أما من مرَّ ولم يكن يقصد الاستماع فلا يجب عليه .
– وينبغي للمسلم أن يختم القرآن في كل شهر مرَّة على الأقل .
– أما الإشراع في ختم القرآن بدون تدبر فلا ينبغي ذلك .
– وليس هناك دعاء لختم القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم .
– وله أن يدعو بما شاء ، كما ثبت عن أنس أنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا . كما ثبت عند الدارمي (3340) .
– واللحن في قراءة القرآن إما : أن لا يؤثر في المعنى ، مثال : اهدنا الصراط بالكسر ، فهذا لا يضر بالاتفاق . أما إذا غيَّر المعنى ، مثال : أنعمت ، بضم التاء ، فهذا لا تصح صلاته . (قاله ابن باز) ويجب عليه أن يتعلم القراءة الصحيحة .
– بعض الناس يُهمل قراءة القرآن ويتعذر بانشغاله بالدعوة أو طلب العلم ، أو الأهل والدوام ، وهذه ليست بأعذار ، لأن المؤمن سيجد وقت ولو كان يسيراً لتلاوة كتاب الله تعالى .
– ورد في الحديث (( الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب )) الترمذي (2837) وقال : حسن صحيح . فأقول : يا ترى كم في قلبك من القرآن ؟
– وقد كره السلف كتابة الآيات على جدران المسجد .
– بعض الناس يفتتح المؤتمرات والندوات بالقرآن ، وهذا في الحقيقة ليس لأجله أنزل القرآن ، إنما أنزل ليكون شريعة للناس .
– كره بعض السلف تصغير المصحف ، كقولك : مصيحف .
– احذر من تفسير القرآن بالرأي المجرد ، بل لا بد من الرجوع لكلام العلماء الراسخين .
– لا بأس من القراءة من المصحف في الصلاة على الصحيح .
– قراءة القرآن على المختصر . ورد حديث (( اقرؤا على موتاكم يس )) رواه أبو داوود (2714) ولكن الحديث ضعيف .
فلا يشرع ذلك ، وكذلك القراءة عليه وهو في القبر من البدع .
– هل يصح قراءة القرآن وإهداء ثواب القراءة للميت ؟ قيل : لا يصح ذلك لعدم ورود دليل على ذلك . وقيل : يصح ذلك ، واختار ابن تيمية أن جميع الأعمال يصل ثوابها للميت ، وهو مذهب الإمام أحمد -رحم الله الجميع- .
– والرقية بالقرآن جائزة بالإجماع ، لقوله تعالى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) والأحاديث في الرقية بالقرآن مشتهرة .
– لا بأس من قراءة القرآن حال القيام أو المشي أو الاضطجاع ، لعموم حديث (( كان يذكر الله على كل أحيانه )) مسلم (558) .
– كره بعض العلماء للناعس قراءة القرآن خشية الغلط .
– لا بأس من بيع المصحف على الصحيح .
– كره بعض العلماء قراءة القرآن حال خروج الريح ، بل يمسك عن القراءة ثم يعود للقراءة ، هذا إذا كان يقرأ "غيباً" لأن لمس المصحف لا بد له من الطهارة .
– إذا تثاءب القارئ أمسك حتى ينقضي التثاؤب .
– يحرم الاتكاء على القرآن ، بل نقل النووي الاتفاق على تحريم الاتكاء على كتب العلماء ، فكيف بالقرآن .
– لا تضع شيء على القرآن ، كأوراق ، أو كتب ، أو جرائد .
– بعض الناس يضع القرآن في السيارة لدفع العين ، وهذا لا يجوز ، فالقرآن ، لا يجلب النفع ولا يدفع الضر .
– لا تضع المصحف على الأرض قال تعالى ( مرفوعة مطهرة ) .
– لا تمد رجليك وأمامك المصحف .
– كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتدارس مع جبريل القرآن في رمضان . البخاري ( 5 ) .
– وكان يتكئ في حجر عائشة وهي حائض فيقرأ القرآن ، . البخاري (288) .
– احذر من أن تخالف القرآن بأعمالك فيكون حجة عليك .
– إذا أردت تعلم القرآن فابحث عمَّن يجيد القراءة .
– بعض الناس ينشغل بالأناشيد والشعر حتى ينسى القرآن ، وهذا من الخذلان .
– لا تغتر بقارئ القرآن حتى تعرض عمله على السُنَّة ، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج أنهم يقرؤون القرآن بألسنتهم ، ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . رواه مسلم (1776) .
– ورد في الحديث : اقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإذا اختلفتم فيه فقوموا . رواه مسلم (4819) والخلاف المذكور هو ما كان يؤدي إلى خصومة وفتنة ، أو في معنى لا يسوغ فيه الاجتهاد ، أما الاختلاف في استنباط المعاني والمسائل فلا بأس له . قاله النووي .
– " كان صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات في خطبة الجمعة " الترمذي (466) فهل يجب ذلك ؟ لا شك أن ذلك مشروع وله أثر على الناس ، ولكن ذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق .
أحاديث ضعيفة في القرآن :
– حديث (( من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرّم حرامه أدخله الله الجنة وشفَّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار )) رواه الترمذي (2830) وقال : ليس إسناده بصحيح . فيه : كثير بن زاذان قال أبو حاتم : مجهول .
– حديث (( من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام ، كفضل الله على خلقه )) الترمذي (2850) وفيه : محمد بن الحسن . قال أحمد : ضعيف .
– حديث علي الطويل في (( شكواه عدم حفظه للقرآن وأن القرآن يتفلت عليه .. )) الترمذي (3493) وهو حديث ضعيف .
– حديث (( من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا .. )) أبو داوود (1241) وفيه : زبَّان بن فائد قال الذهبي : ضعيف . وفيه : سهل بن معاذ . ضعَّفه يحيى بن معين .
– (( حديث : ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم )) أبو داوود (1260) وفيه : عيسى بن قائد "مجهول" .
– حديث (( إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا .. )) ابن ماجة (1327) وفيه : أبو رافع "منكر الحديث" .
– من فضائل القرآن :
1. (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) رواه البخاري .
2. (( اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه )) رواه مسلم .
3. وهو طريق لزيادة الحسنات فلك بكل حرف عشر حسنات إلى أضعاف كثيرة , كما عند الترمذي بسند حسن.
4. (( يشفع للعبد يوم القيامة ويقول : منعتُه النوم بالليل فشفعني فيه )) رواه أحمد (6337) وهو صحيح .
– قال عبد الله بن مسعود : من أحب القرآن فليبشر . الدارمي (3190) .
– قال قتادة : اعمروا به قلوبكم وبيوتكم يعني القرآن . الدارمي (3209) .
محاذير:- احذر من السخرية بالقرآن أو الاستهزاء بشيء منه ، فإن ذلك كفر بالاتفاق ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) .
– احذر من الجدال في القرآن . جاء في الحديث (( جدال في القرآن كفر )) رواه أحمد (7195) وهو صحيح .
– احذر من الرياء بقراءة القرآن , فإن من الثلاثة الذين تسعر بهم النار قبل الكافرين ( القارئ المرائي ) كما في صحيح مسلم
شكرا موضوع مميز
شكرا لك اخي عنتر
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
فهذه النصائح هي من اهم ما يجب اتخاذه قبل قراءة القران
و هناك الكثير من لايعمل بها او بالاحرى لا يعرفها
اشكرك اخي الفاضل على التنبيه
و صدقت في قولك فالقران هو خير جليس و خير انيس في هذه الدنيا المملوءة بالمشاغل التافهة
فقبل بضعة ايام وجدت بعض الاوراق ممزقة فيها القران ملقاة في الشارع
عموما الله يغفر لمن رماها و يتجاوز عنه
اسال الله ان لا يحاسبنا بما فعله السفهاء منا
و اسال الله العافية
السلام عليكم شكرا لك اختي راحيل على المرور والله يهدي ماخلق
ااااامين
بارك الله فيك اخي حميد
دمت متالقا في المنتدى الاسلامي
تحياتي
السلام عليكم شكرا لك الله يخليك لينا يارب
وهل تقرأ البسملة من منتصف السورة ؟ ولماذا ؟
وما معنى اقرأ بسم ربك ؟.
الحمد لله قول القائل : " بسم الله " قبل الشروع في العمل معناه :
أَبتدأُ هذا الفعل مصاحبا أو مستعينا بـ (اسم الله ) ملتمسا البركة منه ، والله هو المألوه المحبوب المعبود الذي تتوجه إليه القلوب بالمحبة والتعظيم والطاعة ( العبادة ) وهو( الرحمن ) المتصف بالرحمة الواسعة ، ( الرحيم ) الذي يوصل رحمته إلى خلقه .
وقيل المعنى : أبدأ هذا الفعل بتسمية الله وذكره . قال الإمام ابن جرير رحمه الله : " إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه, أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله, وأمره أن يصفه بها قبل جميع مهماته, وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها, وسبيلا يتبعونه عليها, في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم; حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل {بسم الله} على ما بطن من مراده الذي هو محذوف .إ .هـ بتصرف يسير .
ويوجد محذوف في عبارة باسم الله قبل البدء بالعمل ، وهذا المحذوف تقديره : أبتدئ عملي باسم الله ، مثل باسم الله أقرأ ، باسم الله أكتب ، باسم الله أركب ، ونحو ذلك . أو ابتدائي باسم الله ، ركوبي باسم الله ، قراءتي باسم الله وهكذا ، ويمكن أن يكون التقدير أيضا : باسم الله أكتب ، باسم الله أقرأ , فيقدر الفعل مؤخرا ، وهذا حسن ليحصل التبرك بتقديم اسم الله ، وليفيد الحصر أي أبدأ باسم الله لا باسم غيره .
ولفظ الجلالة ( الله ) : هو الاسم الأعظم وهو أعرف المعارف الغني عن التعريف ، وهو علم على الباري جل جلاله مختص به دون سواه والصحيح أنه مشتق من أله يأله ، ألوهة وإلهة
فهو إله بمعنى مألوه أي معبود فهو : ذو الألوهية .
و( الرحمن ) : اسم من أسماء الله الخاصة به ، ومعناه ذو الرحمة الواسعة لأن وزن فعلان : يدل على الامتلاء والكثرة وهو أخص أسماء الله بعد لفظ الجلالة ، كما أن صفة الرحمة هي أخص صفاته ولذا غالبا يأتي ترتيبها بعد لفظ الجلالة كما في قوله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن .. الآية )
و( الرحيم ) : اسم من أسماء الله : معناه الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده .
قال ابن القيم رحمه الله : "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ، فكان الأول للوصف والثاني للفعل فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، وإذ ا أردت فهم هذا فتأمل قوله "وكان بالمؤمنين رحيما " وقوله " إنه بهم رءوف رحيم "ولم يجئ قط ( رحمن بهم ) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته "إ.هـ بدائع الفوائد ( 1/ 24 ) .
ثانياً :
وأما عن حكم قراءة البسملة قبل قراءة القرآن فلها أربعة أحوال :
الحالة الأولى : أن تكون في أول السورة ـ غير سورة براءة ـ فقد نص أكثر الأئمة على أنه : " َتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وينبغي أن يحافظ عليها حتى أن بعض العلماء اعتبر ختمة القرآن ناقصة إذا لم يأت بالبسملة في أول كل سورة غير براءة "ِ ولما سئل الإمام أحمد رحمه اللهَ عن قراءتها في أول كل سورة قال : " لا يَدَعَهَا " .
الحالة الثانية : أن تكون في أثناء السورة ـ وهو محل السؤال ـ فالجمهور من العلماء والقراء على أنه لا مانع من الابتداء بها ، قِيلَ للإمام أحمد في البسملة ـ بعد قوله : لا يدعها في أول السورة ـ : فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا ؟ قَالَ : " لَا بَأْسَ ." ، ونقل العبادي عن الشافعي رحمه الله استحبابها في أثناء السورة.
قَالَ الْقُرَّاءُ : وَيَتَأَكَّدُ الابتداء بالبسملة إذا كان في الآية التي سيقرأها بعد البسملة ضميرٌ يعود على الله سبحانه نَحْوِ قوله : { إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ } , وقوله : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ } لمَا فِي ذِكْرِ هذه الآيات بعد الاستعاذة مِنْ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الشَّيْطَانِ .
الحال الثالثة : قراءتها في ابتداء سورة براءة ، فلا يكاد يختلف العلماء والقراء في كراهة ذلك .
َقَالَ صَالِحُ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ أحمد رحمه الله : وَسَأَلْتُهُ عَنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ التَّوْبَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبِي : يَنْتَهِي فِي الْقُرْآنِ إلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فِيهِ وَلا يَنْقُصُ .
الحال الرابعة : قراءتها في أثناء سورة براءة : فقد اختلف القراء في ذلك كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الفقهية ( 1 / 52 ) فَقَال : " قال السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ : لا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أَثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ ( أي من القراء ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( أي أن القول بالكراهة هو الأقرب للصواب ) إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا , مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ , وَفِيهَا مِنْ التَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا , فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ . "
انظر ( الآداب الشرعية لابن مفلح 2 /325 ) و ( الموسوعة الفقهية 13 / 253 ) و ( الفتاوى الفقهية الكبرى 1 /52 ) .
ثالثاً :
وأما معنى قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك )
فقد قال الإمام ابن جرير رحمه الله : " القول في تأويل قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )
يعني جل ثناؤه بقوله: {اقرأ باسم ربك} محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك {الذي خلق} " . والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
شكرا لك اخي حميد موضوع في القمة
بارك الله فيك على هذه المعلومات القيمة
الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :
شريط مفرغ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (آل عمران :102 ) ،{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1 )، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.} ( الأحزاب : 70 – 71 ) .
ألا وإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسوف أفسِّر لكم بعض الآيات من سورة الأنعام ألا وهي قول الله تبارك وتعالى :
{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام :151 – 153 ) .
كان العرب في الجاهلية يُحلِّلون ويٌحرّمون بأهوائهم وبجهلهم وبضلالهم؛ كانوا يعبدون الأوثان، ويتقربون إليها بالقرابين من الأنعام والحرث والأولاد، فأنكر الله تبارك وتعالى عليهم هذا الشرك، وأنكر عليهم هذه التشريعات؛ يُحلّلون ويحرِّمون كما شاءوا بجهلهم وضلالهم ! قال الله تبارك وتعالى : { مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }
(المائدة : 103) .
البحيرة : الناقة يُمنَع درّها فلا تُحلَب إلا للطواغيت وسدنتها .
والسائبة : هي التي يسيبونها فلا يحمل عليها أحد شيئا؛ يسيبونها من أجل الأصنام والأوثان.
والوصيلة : هي الناقة البكر تلد أنثى ثم تلد أنثى وليس بينهما ذكر، فيسيبونها لطواغيتهم. والحام : الفحل من الإبل يضرب الضراب المعيّن، ثم بعد ذلك يُطلق سراحه فلا يُحمل عليه ولا يُركَب من أجل الأوثان، فأنكر الله ذلك وقال: ما شرع الله ذلك بل حرمه وهذا كذب وافتراء على الله عز وجل، { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا } ( الأنعام : 139 ) يحِلُّون لأنفسهم ما يشاءون ويحرِّمون على نسائهم ما يشاءون؛ من أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم -والعياذ بالله- .
وتشريعات أخرى أنكرها الله تبارك وتعالى عليهم، ومنها قول الله تبارك وتعالى :
{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ } ( الأنعام : 145 ) .
هذا الذي ورد في الكتاب، ثم أضاف الله بعد ذلك على لسان رسوله تحريم أكل الحمر الأهلية، وأكل كل ذي ناب من السباع، وأكل كل ذي مخلب من الطير .
وفي الحديث عن ابن عباس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير)([1]) وكل ذلك من تشريع الله سبحانه وتعالى .
ثم قال الله تبارك وتعالى في هذه الآيات : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } لا آباؤكم ولا أجدادكم، وإنما الله هو الذي يمتلك حقّ التحليل والتحريم والتشريع وحده سبحانه وتعالى؛ إذ هو الربّ الخالق، البارئ، المصوِّر، الذي خلق هذا الكون ودبّره، وخلق الجنّ والإنس لعبادته، فالحقّ التشريعي له سبحانه وتعالى، فحرّم الشرك به؛ أول المحرمات وأعظمها وأخطرها : الشرك بالله تبارك وتعالى؛ ذلكم الذنب العظيم الذي تهتزّ له السماوات والأرض، بل تكاد تتفطّر وتكاد تنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً منه، ذلكم الذنب الذي لا يغفره: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } (النساء : 116) { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }( الحج : 31 )، فهذا ذنب لا يُغفَر، فيجب على البشرية جميعا أن يخلصوا الدين لله وأن يعبدوه وحده وأن يحققوا الغاية التي خلقهم من أجلها .
{ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }
شيئا من الأشياء؛ يعني (شيئا) مفعولا؛ فلا تشركوا بالله شيئا من الأشياء، لا من الملائكة ، ولا من الأنبياء، ولا من الأوثان، ولا من الأشجار، ولا الشمس ولا القمر، ولا شيئا من المعبودات التي يعبدها الناس على اختلاف مللهم ونحلهم .
أو : لا تشركوا به شيئا من الشرك، و (شيئا) على هذا مصدر؛ لا تشركوا به شيئا من الأشياء، من كل ألوان الشرك صغيره وكبيره .
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }
الوالدان لهما حقّ عظيم؛ لذا يقرن الله حقهما بحقه في آيات كثيرة، واعتبر العقوق من أكبر الكبائر؛ لأنه نكران للمعروف ونكران للجميل، كما قال الله تبارك وتعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ( الإسراء : 23 – 24 ) .
يعني منّة عظيمة للوالدين عليك، وأيادٍ بيضاء، لا تستطيع أن تكافئهما مهما أطعتهما ومهما بالغت في البرّ والإحسان إليهما، إلا أن تجد أحدهما مملوكا فتشتريه فتعتقه كما جاء في الحديث، أما لو بذلت ما بذلت من البرّ والإحسان إلى أبويك والطاعة لهما، والإكرام لهما، والتواضع لهما، فلن تبلغ شكرهما .
فيجب أن يعرف المسلم حقّ أبويه، قال تعالى:{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ( لقمان : 14 )، قرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى .
كثير من الناس يتهاون في حقّ أبويه -مع الأسف الشديد- وينسى ذلك المعروف العظيم، يعني من الحمل إلى الولادة…المتاعب والمشقات، إلى كدّ الأب عليه وبرِّه به ورأفته به والإنفاق عليه، إلى أن يكبر ، ثم في الأخير ينسى أبويه ! هذا بلاء والعياذ بالله، ونكران للجميل والمعروف، ومن أحطّ أنواع نكران الجميل والمعروف .
فلابدّ من الإحسان إليهما، {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } : أحسنوا بالوالدين إحسانا؛ (إحسانا) مفعول لفعل محذوف، تأكيدٌ لهذا الفعل .
الإحسان ما هو ؟ كل ما يطلق عليه إحسان لابدّ أن تبذله لأبويك؛ استخدم كل ما تستطيع من إحسان وإكرام لأبويك .
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ }
كان هناك في الجاهلية عادة خبيثة؛ يقتل ولده خشية الإملاق سواء كان ذكرا أو أنثى، أو يقتل البنت خشية العار ! {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} (النحل :58 ) والعياذ بالله، كانوا يأنفون من البنات ويقتلونهنّ خشية العار، يئدوهنّ وهنّ أطفال لا ذنب لهنّ : { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }( التكوير : 8 – 9 ) يُسأل القاتل الذي وأد فلذة كبده؛ يسأل الموؤودة تنكيلاً به وتشهيرا به في ارتكابه لهذا الذنب.
والله تبارك وتعالى أكرم المرأة في الإسلام إكراما عظيما، وقد كانت من سقط المتاع، وكانت تمتهن، تورث ولا ترث ويعضلها الرجل ويتحكم فيها فيتزوجها ويطلق ويرجِّع، ويطلق ويرجِّع، وكم أهينت المرأة في الجاهلية وفي الجاهليات كلّها فأكرمها الإسلام وجعلها ترث وتورث، وأمًّا تُبرّ، وابنة تُحتَرم، وأختا توصل، وهكذا رفع من شأنها، ولكن أعداء الإسلام لا يرون هذا الإحسان إلى المرأة في الإسلام، فيشيرون من قريب أو من بعيد إلى أن الإسلام قد هضم المرأة – قاتلهم الله – !
أما المساواة التي يريدونها -والعياذ بالله- فهي ليست من العدل : { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَــدْراً } ( الطلاق : 3 )، والله تبارك وتعالى أعطى للرجال على النساء درجة، وكلّف الرجل بالإنفاق عليها وإسكانها ورعايتها وحمايتها وإلى آخره، فهي في راحة وهناء .
وإذا قارنت بين وضعها حتى الآن في بلدان غير بلاد المسلمين؛ المرأة لا تزال ممتهنة، بينما المرأة في الإسلام محجبة، محترمة، يعولها زوجها أو أبوها أو أخوها؛ يكفلها الرجل حماية لها وصيانة لها .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ }
يعني من الفقر؛ يعني لا تقتل ولدك ولو كنت فقيرا وتعيش في غاية من الفقر لتتخلص منه، يعني تخاف يشاركك في رزقك -والعياذ بالله- ! .
وقال في آية الإسراء : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } فلا تقتله؛ لا خشية إملاق -إذا كنت غنيا وفي حال السعة ترقبا للفقر-، ولا تقتله وأنت فقير، حماية وصيانة من هذه الوحشية التي كانت تمارس في تلك الجاهلية الجهلاء والعياذ بالله .
فيحمي الإسلام المرء صغيرا وكبيرا ويصونه، وهذا من فضل الله ورحمته سبحانه وتعالى بعباده؛ بالأطفال والنساء والأيتام وإلى آخره، كل ذلك تحدث عنه القرآن والسنة، حتى بالحيوانات كما قال صلى الله عليه وسلم: ( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )([2]) فكيف بالبشر ؟! كيف ببني الإنسان ؟! الذي كرمه الله : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (الإسراء :70 ) .
قال تعالى: { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } قدّم رزق الآباء هنا؛ لأنهم في حال الفقر، فقدم ذكرهم وذكر رزقهم على رزق الأبناء، وفي سورة الإسراء قال : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} يقدم الأهم فالأهم .
وقوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }
حماية للمجتمعات من الفواحش والرذائل والعياذ بالله؛ لأن الله خلق الناس لعبادته وطاعته، وشرّع لهم التشريعات لتكون المجتمعات في غاية النظافة والنزاهة والحياة الكريمة، ليست الحياة الجاهلية؛ سواء الجاهلية المتوحشة أو هذه الجاهلية المتحللة والعياذ بالله، يريد للبشر -الذين كرمهم الله- أن يحيوا حياة طيبة كريمة لا فحش فيها ولا فواحش، لا فحش اللسان ولا فحش الجوارح والقلوب، والعياذ بالله .
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ } فضلا عن ممارستها ،نهاك عن قربانها ،والنهي عن ممارستها والوقوع فيها أولى وأولى، فإذا نهاك عن قربانها؛ يعني الدندنة حول الشيء ، فكيف بالوقوع فيها والعياذ بالله ؟!
{ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ما يخفى منها وما يُعلَن، لا تقربوا الفواحش؛ منها الزنا والعياذ بالله ومقدماته؛ لا تقربوها، والنظر مقدمة للوقوع في هذه الفاحشة، فأمر الله تبارك وتعالى بغضّ الأبصار من الجانبين؛ من الرجال والنساء : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ( النور : 30 )؛ يعني هذا سدّ لذرائع الزنا والفواحش، { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ( النور : 31 )، كل هذا لسدّ الذرائع إلى الوقوع في الفواحش لتبقى المجتمعات التي تؤمن بالله نظيفة طاهرة من الفواحش الظاهرة والخفية :{ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }
حماية للدماء التي يستبيحها البشر إذا تمردوا على شرائع الله عز وجل واستباحوا لأنفسهم سفك الدماء وارتكاب الفواحش، وهذه توجد في المجتمعات الجاهلية .
أما الإسلام فإنه يصون الأعراض ويحفظ الدماء ويحميها، { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ }، { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } ( المائدة : 32 )، { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } (النساء : 93) : حماية، وعيد شديد؛ يعني بيان فظاعة القتل، الذي يقتل نفسا واحدة فكأنما قضى على الإنسانية كلها: { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً }، وشرع القصاص من أجل ذلك { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى } الآية . (البقرة : 187)، فأيّ حماية للدماء مثل هذه الحماية ؟!.
وقوله : { إِلاَّ بِالْحَقِّ } ؛يعني لا تقتلوها بحال من الأحوال إلا بالحقّ؛ وهو أن يَقتُل فيُقتَل، يُقاد منه، أو يرتكب وينتهك حرمة الإنسان، فيزني وهو مُحصَن فيُقتَل، أو يرتدّ عن دين الإسلام، يفتح بابا للشرّ على الإسلام فيرتدّ، فيُقتَل كما في الحديث : (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة )([3])، فهذا هو الحقّ الذي يستحقّ أن يُقتَل؛ أن تقتل هذه النفس التي حرم الله قتلها؛ لأنها هي انتهكت حرمات الله تبارك وتعالى، فيعدو على نفس مسلمة فيقتلها، أو نفس حماها الإسلام بالعهد فيقتلها؛ لأن نفس المسلم ونفس الذمّي محرّمة، لأنه في ذمّة الله وذمّة رسوله فلا نخفر ذمّة الله عز وجل فنقتل الذمّي : (من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما)([4]) هذا احترام لنفس المسلم ولنفس من يأوي ويعيش في ظلّ الإسلام وفي ذمّة المسلمين، هل يوجد دين كهذا ؟! الله أكبر، ما أعظم الإسلام .
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
الإشارة ترجع إلى هذه الأمور التي سلفت؛ من تجنب الشرك بالله تبارك وتعالى، ومن تجنب عقوق الوالدين، والقيام ببرهما، ومن قتل الأبناء، ومن قتل النفس، الإشارة تعود إلى هذه الخمس { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ } والوصية هي الأمر المؤكد اللازم الذي يجب القيام به، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } تعقلون الأمور وتدركون الأخطار التي تترتب على ارتكاب هذه الجرائم، وتدركون الفوائد العظيمة من التزام تشريع الله تبارك وتعالى تجاه هذه الأمور .
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
انظر كيف يعتني الإسلام باليتيم؛ لا تقربوا مال اليتيم في حال من الأحوال، إلا بالخصلة التي هي أحسن، وهي رعاية ماله وحفظه وتنميته، وبعضهم يفسر { بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } بالتجارة فيه، لينمو، ويحرِّم عليك أن تأكل من مال اليتيم شيئا، والوصي عليه إن كان غنياً فليستعفف، وإن كان فقيراً فليأكل بالمعروف : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }(النساء :10) وأوصى الله باليتيم في آيات كثيرة؛ انظروا هذه الرحمة في الإسلام والعناية بالكبير والصغير، والعناية بكل مخلوقات الله عز وجل ولا سيما اليتيم : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } ( الضحى : 9- 10 ) { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } ( الماعون : 1- 2 ) أي لا يحترمه، يهينه ويدفعه بعنف، فيدخل في الويل وهذا الوعيد الشديد -والعياذ بالله- فلابد من الرحمة والرأفة باليتيم والعناية به، والذي يعول يتيما يُبعث مع رسول الله، يقيم معه في الجنة : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) . وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا)([5]) عليه الصلاة والسلام، كافل اليتيم؛ تكفل يتيما لك أو لغيرك تنال منزلة عظيمة وجزاء عظيماً عند الله عز وجلّ، والوعيد الشديد على من لا يحترمه ويأكل ماله أو يهينه، ويل له إن أهانه والنار له إن أكل ماله .
ثم يقول تعالى: { وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ }؛ {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}
( الأعراف : 85 )، لابد من العدل، سواء أخذت أو أعطيت، لابد من العدل .
{ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }؛ يعني إذا اجتهدت غاية الاجتهاد على أن لا تخسر الميزان أو الكيل؛ اجتهدت فحصل خلل؛ نقص من حيث لا تدري، فلا يؤاخذك الله به لأن التكاليف كلها مقيدة بالقدرة والطاقة؛ فالذي يخرج عن طاقة الإنسان لا يكلِّفه الله به : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }في هذه الآية وفي غيرها : { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ( البقرة : 286 )، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }( الحج : 78 )؛ فالتكاليف في حدود القدرة والطاقة، فيجتهد الإنسان ويبذل أقصى وسعه في أن لا يظلم هذا الإنسان الذي يتعامل معه، سواء أخذ منه؛ كال له أو اكتال منه، يحرص أن يكون مقسطا في ذلك، عادلا في ذلك، فإن غُلِب على أمره من حيث لا يدري فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أما أن يتعمد فالله أكبر : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }( المطففين : 1-3 ) حتى لو كان كافرا أوف له الكيل؛ لو كان كافرا فضلا عن المسلم، فلابد أن تتعامل بالعدل مع كل الناس في الأقوال والأفعال، فقوله : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}؛ يعني إذا اجتهد الإنسان وبلغ أقصى طاقته في التحرز من الوقوع في الإثم، ونقص من يتعامل معه بكيل أو وزن أو نحو ذلك، ثم حصل زيادة حبة أو حبتين من حيث لا يدرك الإنسان أنه نقص أو زاد لنفسه فإنه لا يؤاخذ به؛ لأن الله لا يؤاخذك إلا بما تعمدت فيه، أما الخطأ والنسيان فمرفوع عن هذه الأمة .
ثم يقول تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ }
انظروا ! الآية السابقة في الفعل وهنا في القول؛ إذا قلت فاعدل سواء في الإخبار والأخبار أو في الشهادة، أو في الجرح والتعديل، أيّ قول تقوله فاعدل فيه، تكليف من الله تبارك وتعالى بهذا العدل، الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلابد من العدل؛ إذا قلت فاعدل، والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا } ( النساء : 135 )، الله أكبر ! فالعدل في القريب والبعيد، العدل في القول في أيّ مقام من المقامات وفي أيّ حال من الأحوال، بالنسبة للعدو والصديق ، والكافر والمسلم، لابد من العدل، فإن العدل واجب في كل حال، وعلى كل حال، ولكل أحد وعلى كل أحد .
العدل أمر عظيم، لا يحملنّك شفقة على قريب أو التعصب له أن تقول غير العدل، ولا يحملنّك شدّة العداوة والشنآن للعدوّ أن تتجاوز العدل، لابد من العدل، وإذا ظلمتَ كافرا، فاسقا، مجرما لإجرامه، واستجزتَ أن تظلمه ولا تقيم فيه ميزان الله العدل فإنك تحاسب على هذا؛ لأن الله هو العدل سبحانه وتعالى، الذي تنـزه عن الظلم، ولا يرضى أن تظلم أحدا مهما كان، لا بقول ولا بفعل، لا في مال ولا في عرض .
تشهد على قريبك ولو كان أبوك، تقوم بالقسط، وتشهد للعدو إذا كان له حقّ مهما بلغ بالعداوة إذا كنت تعرف أن له حقّا على شخص وطُلب منك الشهادة، عليك أن تدلي بهذه الشهادة على وجه العدل ولو كان على أبيك .
الظلم للناس في أموالهم وأعراضهم هذا ديوان لا يترك، ذنب لا يُغفر وهو الشرك، وذنب لا يُترك وهو تظالم العباد فيما بينهم، حتى لو جاز المسلمون الصراط؛ المؤمنون الناجون لو جاوزوا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ليؤخذ لبعضهم البعض، فالله لا يترك هذا، ويأتي الإنسان بحسنات أمثال الجبال وهو المفلس، سماه رسول الله المفلس؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) ([6]) هذا هو المفلس، فليصن الإنسان لسانه من الغيبة والنميمة والظلم وقول الباطل وشهادة الزور، كل هذه الأشياء تنافي العدل الذي شرعه الله تبارك وتعالى في القول .
ثم قال تعالى : { وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ }
الله أكبر ! رسول الله ضرب أروع الأمثلة في صلح الحديبية، عليه الصلاة والسلام، كان قد جاءه مندوب قريش وآخرهم سهيل بن عمرو واصطلحوا على هدنة عشر سنين ومن الشروط أن لا يدخلوا البيت في هذا العام، وأن لا يطوفوا ولا يسعوا، ومن ضمن الشروط المجحفة أن من ذهب إلى المدينة لابد أن يُعاد إلى مكة، ومن ذهب من المسلمين من المدينة إلى مكة لا يعود، فجاء أبو جندل ابن سهيل يرسف في القيود يقول: يا معشر المسلمين كيف أعود، كيف أرجع إلى هؤلاء فيفتنوني ؟! وسهيل يصرّ على أنه لابد أن يرجع، ورسول الله يتلطف به؛ يقول له : اترك هذا لي، يقول له: لا أتركه أبدا، ولن يبرم هذا العهد ولا ينفذ إلا إذا عاد هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل: ( أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد وإنا لا نغدر )([7]) هذا من الوفاء بالعهود :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }( المائدة : 1 )، { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }( الإسراء : 34 )
أمر العهود عظيم جدا في الإسلام، فلابد من الوفاء بالعهود سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، وأولى الأمور بالوفاء عهد الله علينا: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }
(ياسين : 60 – 61 )
فنفي بعهد الله بأن نلتزم الإسلام، ونلتزم ما جاء في كتابه، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، من الأوامر فننفذها، والنواهي فنجتنبها، ونجتنب كل ما حرم الله علينا سبحانه وتعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه )([8]) فنفي بعهد الله ونفي بالعهود؛ إذا كانت بيننا وبين دول أخرى يجب أن نوفي بها، وإذا كانت بين أفراد وأفراد، الإنسان يدخل في ذمّة المسلم؛ إذا دخل كافر حربي في ذمة امرأة أو عبد فإنه يلزم المسلمين جميعا أن يفوا بعهد هذه المرأة أو هذا العبد، انظروا إلى أي حد يحترم الإسلام العهود ؟!
{ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
يؤكد ويكرر هذه الوصايا : ( ذالكم وصاكم )، ( ذالكم وصاكم )؛ يعني أمور حازمة، جازمة لابد أن نقوم بها، ولماذا يوصينا بهذا ؟ يوصينا لنتذكر، فندرك ونعتبر ونتّعظ وننزجر، هذه أمور عظيمة جدا يجب أن يرعاها المسلمون؛ أفرادا ومجتمعات .
ثم قال بعد ذلك :{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }
ويدخل في هذا الصراط المستقيم هذه الأمور التي وصانا الله بها؛ من توحيده وإخلاص الدين له، ومن اجتناب الشرك، ومن اجتناب العقوق، والقيام بالبرّ ومن، ومن ..إلى آخر الأشياء التي ذُكرت في هذه الوصايا؛ كلها داخلة في صراط الله المستقيم، وعلينا أن نتبعه { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ } وهذه الوصية باتباع الصراط جاءت في آيات كثيرة، بأساليب مختلفة، منها : الأمر بالاعتصام بحبل الله وأن لا نتفرق، وهنا قال { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } فنتبع صراط الله المستقيم، في عقائدنا وفي عباداتنا، وفي معاملاتنا، وفي مناهجنا وفي سياستنا، وفي كل أمر شرعه الله تبارك وتعالى؛ فإنه صراطه، وإنه عدله سبحانه وتعالى، ولن تستقيم للمسلمين حياة إلا إذا اتبعوا صراط الله المستقيم، وإلا فهي حياة منحرفة، وحياة حقيرة ودنيئة، حياة الذلّ والهوان، لعدم التزامنا وسلوكنا هذا الصراط المستقيم وعدم إتباعنا لمنهج الله الحقّ .
( وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ) نهي عن التفرق ونهي عن الضلال: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) : كل الملل والنحل لا يجوز أن نتبع منها شيئا، طرق البدع والضلال لا نتبع منها شيئا، نلتزم صراط الله المستقيم، لا عوج فيه ولا أمتا، ( الصراط المستقيم ) هو المعتدل الذي يوصلك إلى الله تبارك وتعالى ومرضاته .
أما السبل الأخرى فكما جاء في حديث ابن مسعود وحديث جابر وغيرهما : قال : ( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال : " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال : " هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه )([9]) فللشيطان سبل كثيرة؛ سبيل اليهود، سبيل النصارى، سبيل الوثنيين؛ المجوس، الهندوك، سبيل مشركي العرب آنذاك، ولمن بقي منهم على الشرك، سبل للروافض وللخوارج، للمعتزلة، للمرجئة، لاثنتين والسبعين فرقة، على كل سبيل منها شيطان يزينه ويزخرفه ويلمعه للسخفاء الذين لا يعقلون ولا يتبصرون ولا يتّعظون ولا يتذكرون !!
{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
انظروا ! قال في الوصية الأولى : ( لعلكم تعقلون ) ثم قال في الثانية : ( لعلكم تذكرون) ثم قال هنا : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، قال بعض العلماء وأظن منهم ابن عطية : لأنه إذا عقِل تذكر، وإذا عقل وتذكر حصلت التقوى؛ إذا عقل وصية الله وعمل بها، وإذا تذكر هذه الوصايا العظيمة واستفاد من هذه الذكرى، قاده ذلك إلى تقوى الله ومراقبته وخشيته، استقام على الصراط المستقيم، وأخذ بمواعظ الله ونصائحه ووصاياه، لابدّ أن يكون من أفضل المتقين إن شاء الله .
وفي هذه الآيات رعاية وحفاظ على مقاصد الشريعة والمصالح العظيمة ودرء المفاسد الكبرى؛ حفظ المال، حفظ النفس، حفظ النسب، وحفظ الدين.
فمن هذه المقاصد العظيمة:
– الحفاظ على الدين وحماية العقيدة، ولهذا شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله، وحرّم الشرك وأوجب التوحيد وشرع الجهاد لتحقيق هذه الغاية؛ توحيد الله ونبذ الشرك بالله تبارك وتعالى .
– الحفاظ على الدماء، فحرّم قتل النفس وأوجب فيها القصاص .
– الحفاظ على المال: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّام} (البقرة: 188 ) إلى آخره من الآيات التي حرمت الاعتداء على المال بأي شكل من الأشكال؛ لأن المال به قوام الحياة أو كما يقال : عصب الحياة، فلابد من حمايته .
– حماية الأعراض {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } هذا لحماية الأعراض.
فهذه آيات عظيمة جامعة لمصالح الدين والدنيا، فلابد من العناية بها؛ فهما وتطبيقا .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا وإيّاكم في دينه، وأن يوفقنا لالتزام شريعته، وأن يثبتنا عليها، وأن يجنبنا هذه المعاصي والكبائر ما ظهر منها وما بطن، إن ربنا لسميع الدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
منقول للافائدة
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني " رواه ابن أبي حاتم وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في الدنيا فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عثمان يعني أبا سعد أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء وإني حرمت علي اللحم فنزلت" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعًا عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم النبيل به وقال حسن غريب وقد روي من وجه آخر مرسلًا وروي موقوفًا على ابن عباس فالله أعلم وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية أخرجاه من حديث إسماعيل وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة والله أعلم وقال الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عمرو بن شرحبيل قال جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال إني حرمت فراشي فتلا هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية وقال الثوري عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق قال كنا عند عبد الله بن مسعود فجيء بضرعٍ فتنحى رجل فقال له عبد الملك ادن فقال إني حرمت أن آكله فقال عبد الله ادن فاطعم وكفر عن يمينك وتلا هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية رواهن ابن أبي حاتم وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه من طريق إسحاق بن راهويه عن جرير عن منصور به ثم قال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارًا له فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو علي حرام فقالت امرأته هو علي حرام وقال الضيف هو علي حرام فلما رأى ذلك وضع يده وقال كلوا بسم الله ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم ثم أنزل الله " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " وهذا أثر منقطع . وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيهٌ بهذا وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلًا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه ولا كفارة عليه أيضًا ولقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارةٍ . وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلًا أو مشربًا أو ملبسًا أو شيئًا من الأشياء فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين كما إذا التزم تركه باليمين فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه كما أفتى بذلك ابن عباس وكما في قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم " ثم قال " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" الآية وكذلك هاهنا لما ذكر هذا الحكم عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير والله أعلم وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال : أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت هذه الآية إلى قوله " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " قال ابن جريج عن عكرمة أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا فجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل وهموا بالاختصاء وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار فنزلت هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " يقول لا تسيروا بغير سنة المسلمين يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار وما هموا به من الاختصاء فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله فقال " إن لأنفسكم حقًا وإن لأعينكم حقًا صوموا وأفطروا وصلوا وناموا فليس منا من ترك سنتنا " فقالوا : اللهم سلمنا واتبعنا بما أنزلت . وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك ولله الحمد والمنة وقال أسباط عن السدي في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يومًا فذكر الناس ثم قام ولم يزدهم على التخويف فقال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة منهم : علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون ما حقنا إن لم نحدث عملًا فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك وأن يأكل بالنهار وحرم بعضهم النوم وحرم بعضهم النساء فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء فكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها الحولاء فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما بالك يا حولاء متغيرة اللون لا تمتشطين ولا تتطيبين فقالت : وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع علي زوجي وما رفع عني ثوبًا منذ كذا وكذا قال فجعلن يضحكن من كلامها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن فقال ما يضحككن قالت : يا رسول الله إن الحولاء سألتها عن أمرها فقالت ما رفع عني زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا فأرسل إليه فدعاه فقال : ما لك يا عثمان قال إني تركته لله لكي أتخلى للعبادات وقص عليه أمره وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك " فقال يا رسول الله إني صائم فقال : أفطر قال فأفطر وأتى أهله فرجعت الحولاء إلى عائشة وقد امتشطت واغتسلت وتطيبت فضحكت عائشة وقالت : ما لك يا حولاء فقالت إنه آتاها أمس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء فمن رغب عني فليس مني فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا " يقول لعثمان لا تجب نفسك فإن هذا هو الاعتداء وأمرهم أن يكفروا عن أيمانهم فقال " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" رواه ابن جرير وقوله تعالى " ولا تعتدوا " يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم كما قاله من قاله من السلف ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ولا تجاوزوا الحد فيه كما قال تعالى " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" الآية وقال " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا " فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه لا إفراط ولا تفريط ولهذا قال " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .
تفسير بن كثير للآيه رقم (87) من سورة " المائدة (5)"
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده رسوله ]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ ( [1]) .
]يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ ( [2]) .
]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ ( [3]) .
أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد:
فهذا بحث مختصر بعنوان: (الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام) مبينًا فيه ما تضمنته هذه الآيات الكريمات من وصايا عظيمة، وهذه نبذة مختصرة عن سورة الأنعام.
سورة الأنعام مكية إلا آيات يسيرة، وعدد آياتها (165) آية. قال القرطبي رحمه الله: وهي مكية في قول الأكثرين. وقال ابن عباس وقتادة: هي مكية كلها إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة، قوله تعالى: ]وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ ( [4]) نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين، والأخرى قوله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ [ ( [5]) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وقال ابن جرير: نزلت في معاذ بن جبل، قال الماوردي، وقال الثعلبي: سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة، ]وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ ( [6]) إلى آخر ثلاث آيات، ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [ ( [7]) إلى آخر ثلاث آيات، وقال ابن عطية: وهي الآيات المحكمات – إلى قوله.
تنبيه:
قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجَّة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومَنْ كذَّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة؛ لأنها في معنى واحد من الحجة ( [8]) .
قلت: قال ابن عباس: إذا سرَّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام ]قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [ إلى قوله: ]قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) [ ( [9]) . انتهى كلام ابن عباس ( [10]) .
تنبيه: قد ورد في فضل سورة الأنعام عدة أحاديث أعرضت عن ذكرها لعدم علمي بصحتها ولم أقف على تصحيح أحد لها من الأئمة، فأتورع عن ذكرها حتى لا أنسب إلى النبي r ما لم يقله.
والله أعلم
تمهيد
معنى الوصية في اللغة: قال الجوهري: أوصى له بشيء وأوصى إليه: جعله وصيه، والاسم الوصاية بفتح الواو وكسرها، وأوصاه ووصاه توصية بمعنى، والاسم: الوصاة، وتواصى القوم: أوصى بعضهم بعضًا ( [11]) .
والوصية في الشرع: قال ابن منظور: ]يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [ ( [12]) معناه: يفرض عليكم؛ لأن الوصية من الله إنما هي فرض، والدليل على ذلك قوله تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [ ( [13]) ، وهذا من الفرض المحكم علينا ( [14]) .
قلت: والوصية في قوله: ]ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [ ( [15]) هي وصية من الله لعباده بأن يلتزموا بما وصَّاهم به في هذه الآيات ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
أسأل الله السعادة لي ولمشايخي ولإخواني يوم المعاد.
الموضوع
الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام
قال الله – تبارك وتعالى -: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) [ ( [16]) .
الباب الأول
في بيان أكبر الكبائر التي أمر الله باجتنابها
الفصل الأول: النهي عن الشرك.
الفصل الثاني: الوصية بالوالدين والنهي عن عقوقهما.
الفصل الثالث: النهي عن قتل الأولاد.
الفصل الرابع: في النهي عن اقتراب الفواحش.
الفصل الخامس: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
الفصل السادس: النهي عن أكل مال اليتيم.
الفصل الأول
النهي عن الشرك
المبحث الأول: تعريف الشرك
الشرك في اللغة: قال ابن منظور: الشريك. والجمع أشراك وشركاء، يقال: شريك وأشراك، يقال: شاركت فلانًا: صرت شريكه، وشركته في البيع والميزان ( [17]) .
والشرك في الشرع: قال ابن منظور: والشرك أن تجعل لله ندًّا في ربوبيته أو ألوهيته ( [18]) .
قلت: والشرك: هو اتخاذ العبد ندًّا من دون الله يسويه بربه يحبه كحب الله، ويخشاه كخشية الله، ويلتجئ إليه ويدعوه ويخافه ويرجوه ويتوكل عليه ويستغيث به، ونحو ذلك ( [19]) .
المبحث الثاني: أنواع الشرك
قسَّم العلماء الشرك إلى نوعين:
أحدهما: أكبر، وهو المخرج من الملة.
والآخر: أصغر، وهو الذي لا يخرج من الملة.
فالأول: يحبط جميع الأعمال، والآخر: يحبط العمل الذي خالطه الشرك ولا يحبط الأعمال الخالصة لله، فمثال الأول: عبادة غير الله، والدليل قول الحق تبارك وتعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [ ( [20]) ، ومثال الثاني: يسير الرياء، وقول: ما شاء الله وشئت والدليل: حديث محمود بن لبيد – t – عن النبي r قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» فسُئِل عنه فقال: «الرياء» ( [21]) . وحديث حذيفة بن اليمان – t – عن النبي r قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» ( [22]) .
قلت: وللاطلاع على هذا التقسيم يرجع إلى «أعلام السنة» للحكمي رحمه الله ( [23]) .
فائدة: ما الفرق بين الواو وثم في الحديث المتقدم ونحوه من الأحاديث؟
العطف بالواو يقتضي المقارنة والتسوية فيكون مَنْ قال: ما شاء الله وشئت. قارنًا مشيئة العبد بمشيئة الله، بخلاف العطف بثم المقتضية للتبعية، فمن قال: ما شاء الله ثم شئت، فقد أقرَّ بأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى، فلا تكون مشيئة العبد إلا بعد مشيئة الله ( [24]) .
المبحث الثالث: في عقوبة الله للمشركين
من العقوبات للمشركين أن الله حرَّم عليهم الجنة ومأواهم النار، فقد قال تعالى: ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [ ( [25]) ، وقال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [ ( [26]) ، ومنها أنهم حُرِمُوا دعوة النبي r والمؤمنين، قال تعالى: ]مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [ ( [27]) .
قلت: النهي عن الشرك هو أول وصية في آيات الأنعام.
الفصل الثاني
الوصية بالوالدين والنهي عن عقوقهما
المبحث الأول: الآيات التي جاء الأمر فيها بطاعة الوالدين والإحسان إليهما
أحد هذه الآيات وصية الله لعباده في آية سورة الأنعام قال تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ ( [28]) ، قال القرطبي رحمه الله: الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما ( [29]) .
قلت: وقَرن الله تعالى الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ ( [30]) ، وأمر الله ببر الوالدين وإن كانا كافرين، فقال تعالى: ]وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ ( [31]) ، قال ابن كثير رحمه الله: ولهذا قَرَنَ بعبادته بر الوالدين فقال: ]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ أي وأمر بالوالدين إحسانًا لقوله في الآية الأخرى: ]أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [ وقوله: ]إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [ أي: لا تسمعهما قولاً سيئًا حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء ]وَلَا تَنْهَرْهُمَا [ أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله ]وَلَا تَنْهَرْهُمَا [ أي: لا تنفض يدك عليهما ( [32]) .
المبحث الثاني: جملة أحاديث في بر الوالدين وتحريم عقوقهما
وهاك جملة من الأحاديث الشريفة التي تبين فضل بر الوالدين وتحريم عقوقهما:
الأول: عن أبي هريرة – t – قال: قال رجل: يا رسول الله! مَنْ أحق الناس بحُسن الصحبة؟ قال r : «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك فأدناك» ( [33]) .
الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص – t – قال: جاء رجل إلى النبي r يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» ( [34]) .
الثالث: عن أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف»، فقيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: «مَنْ أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة» ( [35]) . قوله: «رغم أنف»: أي لصق على التراب ( [36]) .
الرابع: عن عبد الله بن عمرو – t – عن النبي r قال: «رضا الرب برضا الوالد، وسخط الرب بسخط الوالد» ( [37]) ، وعند الطبراني بلفظ: «الوالدين» ( [38]) .
الخامس: عن ابن عمرو – t – عن النبي r قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» ( [39]) .
قال الذهبي رحمه الله: «موعظة: أيها المضيع! تذكر الحقوق من بر الوالدين، العقوق الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه ببر الوالدين عليك دين وأنت تتعاطاه باتباع السنن تطلب الجنة بزعمك وهي تحت أقدام أمك… الخ» ( [40]) .
الفصل الثالث
النهي عن قتل الأولاد
المبحث الأول: في بيان رحمة الوالد لولده
إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلا مَنْ شطَّ مِن الشواذ، أن أودع في قلوب الوالدين محبة الولد والشفقة عليه والحزن على فراقه، فهذا يعقوب u يقول: ]يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [ ( [41]) ، وقال تعالى: ]وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ ( [42]) .
ولا شك أن الولد ثمرة الفؤاد، ففي حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله r قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد» ( [43]) .
قال ابن كثير: « ]وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [ أعرض عن بنيه، وقال متذكرًا حزن يوسف القديم: ]يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [ جدد له حزن الابنين الحزن الدفين ( [44]) وقال رحمه الله: ]تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ [ أي: لا تفارق تذكر يوسف ]حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا [ أي ضعيف القوة ]أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ [ ، يقولون: إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف ]إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي [ أي: همي وما أنا فيه ]إِلَى اللَّهِ [ وحده ( [45]) .
وهذه أم موسى حين التقط آل فرعون موسى فرغ قلبها من الصبر فقال تعالى: ]وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ( [46]) ، قال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى مخبرًا عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر: كأنه أصبح فارغًا، أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى، قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، والضحاك، والحسن البصري، وقتادة وغيرهم ]إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ [ أي: إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد وتخبر بحالها لولا أن الله ثبَّتها وصبَّرها، قال تعالى: ]لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ( [47]) .
المبحث الثاني: في تحريم قتل الأولاد خشية الإملاق
نهى الله نهي تحريم عن قتل الأولاد خشية الإملاق وهو الفقر، ووصفه الله بأنه خطأٌ كبيرٌ فقال تعالى: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [ ( [48]) فالنهي عن قتل الأولاد أحد الوصايا التي تضمنتها هذه الآية الكريمة، قال البغوي رحمه الله: «أي: لا تئدوا بناتكم خشية العيلة فإني رازقكم وإياهم» ( [49]) ، قال ابن الجوزي رحمه الله: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ [ يريد دفن البنات أحياء ]مِنْ إِمْلَاقٍ [ أي: من خوف الفقر ( [50]) .
قلت: قول ابن الجوزي رحمه الله «قتل البنات أحياء» لعله يشير إلى ما كان عليه الجاهلية، والتحريم هنا يتناول قتل البنات والبنين ودفنهم وهم أحياء ودفنهم بعد قتلهم أعاذنا الله وحفظنا بحفظه.
قال ابن كثير رحمه الله: الوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان للأبناء والأحفاد، قال تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ [ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سوَّلت لهم الشياطين فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الفقر ( [51]) .
ومن الآيات الدالة على التحريم قوله تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [ ( [52]) ، قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية الكريمة دلَّت على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهلية ليئدون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ [ أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال، ولهذا قدم الاهتمام فقال: ]نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [ وقوله: ]إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [ أي: ذنبًا عظيمًا، وقرأ بعضهم ( كَانَ خَطْئًا ) بفتح الخاء وهو بمعناه ( [53]) . ومن الأدلة على أن قتل الأولاد من أعظم الذنوب حديث عبد الله بن مسعود، قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب عند الله أكبر؟ وفي لفظ لمسلم: أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول الرسول r : ]وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [ ( [54]) ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» أي: من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان» ( [55]) .
قلت: ويدخل في التحريم قتل البنات خشية العار كما كانت تفعله الجاهلية، قال تعالى: ]وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [ ( [56]) .
الفصل الرابع
في النهي عن اقتراب الفواحش
المبحث الأول: تعريف الفواحش
الفحش في اللغة: قال ابن منظور: الفحش معروف، وقال ابن سيده: الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها الفواحش. والفحشاء اسم الفاحشة، والفحش قد يكون بمعنى الزيادة والكثرة ( [57]) .
وفي الشرع: قال ابن منظور: هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ( [58]) .
المبحث الثاني: في بيان معنى الفواحش
أحد الوصايا في سورة الأنعام النهي عن اقتراب الفواحش الظاهرة والباطنة، قال تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) [ ( [59]) .
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: «فيه خمسة أقوال:
أحدها: أن الفواحش: الزنا، وما ظهر منه: الإعلان به، وما بطن: الإسرار به. قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: أن ما ظهر: الخمر ونكاح المحرمات، وما بطن: الزنا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثالث: أن ما ظهر الخمر، وما بطن: الزنا، قاله الضحاك.
الرابع: أنه عام في الفواحش وظاهرها علانيتها، وباطنها: سرها، قاله قتادة.
الخامس: أن ما ظهر أفعال الجوارح، وما بطن: اعتقاد القلوب، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع، وفي تفسيره قوله: ]وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [ ( [60]) ، وقال السدي: أما ما ظهر منها فزواني الحوانيت، وأما ما بطن: فما خفي ( [61]) . وقال الضحاك: ما ظهر منها يعني العلانية، وما بطن يعني السر ( [62]) . وقال أيضًا: ما ظهر: الخمر، وما بطن: الزنا ( [63]) . قال البغوي رحمه الله: ما ظهر يعني العلانية، وما بطن يعني السر، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسًا في السر، فحرم الله الزنا في العلانية والسر ( [64]) . وقال القرطبي رحمه الله: قوله: ما ظهر: نهي عن جميع الفواحش وهي المعاصي، وما بطن: ما عقد في القلب من المخالفة ( [65]) .
قلت: والفواحش: كل ما قبح وفحش من الذنوب، والله يغار على محارمه، قال ابن مسعود – t -: قال رسول الله r : «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» ( [66]) الحديث. وأما صغائر الذنوب التي سمَّاها الله سبحانه وتعالى «اللمم»، حيث قال: ]الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [ ( [67]) ، فلا يسلم منها أحد إلا ما شاء الله، ولهذا مدح الله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.
المبحث الثالث: وعيد الله لمن فعل شيئًا من ذلك
ساق الله سبحانه وتعالى جملة من المعاصي التي فحش قبحها فتوعدهم بمضاعفة العذاب فقال: ]وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [ ( [68]) .
وتوعَّد قاتل النفس التي حرم الله، فقال: ]وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [ ( [69]) .
وتوعَّد المرابي فقال: ]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ ( [70]) .
وعن جابر قال: «لعن رسول الله r آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء» ( [71]) ، وعن أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» ( [72]) .
قلت: ذكرت هذه الأدلة بناءً على مَنْ قال أن الفواحش عامة في كل ما قبح وفحش من الذنوب.
الفصل الخامس
النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
المبحث الأول: منزلة الإنسان عند ربه تعالى
لا شك أن منزلة الإنسان عند الله – عز وجل – منزلة عظيمة، كيف والله جلَّ ذكره يقول: ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [ ( [73]) .
ولهذا كُتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا والعكس، فقال تعالى: ]مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [ ( [74]) ، قال سعيد بن جبير: «من اسفك دم مسلم فكأنما استحلَّ دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعا». قال ابن كثير: وهو الأظهر ( [75]) .
المبحث الثاني: موقف الإسلام من إراقة الدماء
قال الله تعالى في آية الأنعام: ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ ( [76]) . قال البغوي: «حرَّم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما أبيح قتله، من ردة أو قصاص أو زنا بموجب الرجم» ( [77]) .
وقال الشوكاني: « ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ [ اللام في النفس: للجنس التي حرم الله صفة للنفس، أي: لا تقتلوا شيئًا من الأنفس التي حرم الله إلا بالحق، أي: إلا بما يوجبه الحق» ( [78]) .
قلت: لقد حرَّم الله سفك الدماء وإزهاق الأرواح تحريمًا شديدًا إلا ما استثناه الشرع، وهذا يشمل المسلم والكافر والمعاهد والمستأمن وأهل الذمة.
أما المسلم فقد دلَّ عليه حديث أبي هريرة – t – قال: قال رسول الله r : «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله» ( [79]) ، وحديث ابن مسعود – t – قال: قال رسول الله r : «سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ( [80]) ، وأما المعاهد قد دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو – t – عن النبي r قال: «مَنْ قَتَل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» ( [81]) ، وأما أهل الذمة فقد دلَّ عليهم حديث رجل من أصحاب النبي r قال: قال رسول الله r : «مَنْ قتل رجلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة سبعين عامًا» ( [82]) .
قلت: وهذه الأدلة المتقدمة التي جاء فيها كفر القاتل محمولة عند أهل السنة والجماعة على الكفر الأصغر الذي لا يُخرج من الملة.
المبحث الثالث: القصاص والحكمة منه
القصاص ثابت بالكتاب والسنة والإجماع،
أما الكتاب: فقال تعالى: ]وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [ ( [83]) ، وقال: ]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) [ ( [84]) .
وأما السُّنَّة: فلحديث أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «من قتل له قتيل فهو بأحد النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد» ( [85]) .
وأما الإجماع: فلا خلاف بين أهل اعلم في قصاص القاتل الذي توفرت فيه شروط القصاص وانتفت عنه الموانع، والقاتل عليه ثلاثة حقوق، قال خليل هراس: «والصحيح أن على القاتل حقوقًا ثلاثة: حقًا لله، وحقًا للورثة، وحقًا للقتيل. وحق الله يسقط بالتوبة، وحق الورثة يسقط بالاستيفاء في الدنيا أو العفو، وأما حق القتيل فلا يسقط حتى يجتمع لقاتله يوم القيامة ويأتي ورأسه في يده ويقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني» ( [86]) .
قلت: وللقصاص حِكَم عظيمة لعل من أبرزها ردع الناس عن سفك الدماء التي حرمها الله، وإقناع أولياء المقتول حتى لا يطول النزاع وأخذ الثأر وغير ذلك من الحكم.
الفصل السادس
النهي عن أكل مال اليتيم
المبحث الأول: تعريف اليتيم لغة وشرعًا
اليتيم في اللغة: قال الجوهري: اليتيم جمعه أيتام ويتامى، وقد يتم الصبي بالكسر يتم يتيمًا بضم الياء وفتحها مع سكون التاء فيهما، واليتيم في الناس من قِبَل الأب، وفي البهائم من قِبَل الأم، وكل شيء مفرد يعز نظيره فهو يتيم، يقال: درة يتيمة ( [87]) . وقال ابن منظور: اليتيم الانفراد واليتيم الفرد، واليتم: فقد الأب، وقد يتم بالضم وبالكسر وبالتسكين فيهما أي بتسكين التاء فيهما ( [88]) واليتيم في الشرع: قال الجوهري: اليتيم في الناس من قِبَل الأب وفي البهائم من قِبَل الأم ( [89]) . وقال ابن منظور: اليتيم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وفي الدواب فقد الأم ( [90]) .
المبحث الثاني: رعاية اليتامى والمحافظة على أموالهم
قال تعالى: في وصية للناس في آية الأنعام: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ ( [91]) .
قال الطبري رحمه الله: «يعني جل ثناؤه بقوله: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره» ( [92]) . قال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك وعامر: حتى يبلغ أشده: يعني الحلم ( [93]) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: قوله: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ [ لأن الطمع فيه لقلة مراعيه وضعف مالكه أقوى، وفي قوله: ]إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ أربعة أقوال:
أحدها: أنه أكل الوصي المصلح للمال بالمعروف وفق حاجته. قاله ابن عباس وابن زيد.
ثانيًا: التجارة فيه. قاله سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي.
الثالث: حفظه له إلى وقت تسليمه إليه. قاله ابن السائب.
الرابع: أنه حفظه عليه وتثميره له، قاله الزجاج، إلى قوله: والأشد استحكام قوة الشباب والسن. قال ابن قتيبة: ومعنى الآية: حتى يتناهى في النبات إلى حج الرجال ( [94]) . وقال القرطبي رحمه الله: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ أي: بما فيه صلاحه وتثميره، وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه. وهذا أحسن الأقوال في هذا؛ فإنه جامع ( [95]) .
قلت: وهناك أقوال أخرى أعرضت عن ذكرها لبعدها في نظري عن مفهوم الآية.. والله أعلم.
ومما يدل على رعاية اليتيم وحفظ ماله قول الحق تبارك وتعالى: ]وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (3) [ ( [96]) .
قال ابن كثير: يأمر تعالى بدفع أموال اليتامي إليهم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالكم، ولهذا قال: ]وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [ وقوله: ]وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [ .
قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل والسدي وسفيان بن حسين: أبى إلا أن تخلطوها فتأكلوها جميعًا، وقوله: ]إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [ ، قال ابن عباس: أي إثمًا عظيمًا ( [97]) .
قلت: كافل اليتيم والقائم على رعايته مع النبي r في الجنة، فعن أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والإبهام ( [98]) .
قلت: لا يرعى مال اليتيم إلا من كان وقافًا عند حدود الله، مراقبًا له لم يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة.
المبحث الثالث: عقوبة آكل مال اليتيم ظلمًا
توعَّد الله – عز وجل – الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا بأنهم يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعير جهنم لِمَا في ذلك من الظلم والقهر، فقال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ ( [99]) .
قال القرطبي رحمه الله تعالى: «قال الجمهور: إن المراد للأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وسمى المأكول نارًا بما يؤول إليه، وقيل: نارًا أي حرامًا؛ لأن الحرام يوجب النار فسمَّاه باسمه ]وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ الصلي: التسخين بقرب النار وبمباشرتها، والسعير: الجمر المشتعل ( [100]) ، وعدَّه النبي r من الموبقات كما في حديث أبي هريرة – t – قال: قال رسول الله r : «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله، ما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» ( [101]) . قال النووي رحمه الله: أما الموبقات فهي المهلكات، يقال: وبق الرجل بفتح الباء: يبق بكسرها، ووبق – بضم الواو وكسر الباء-: يوبق: إذا هلك. وأوبق غيره أي أهلكه ( [102]) .
قال الذهبي رحمه الله: قال العلماء: فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرًا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه وتنميته ماله فلا بأس عليه، وما زاد على المعروف فسُحت حرام. يقول تعالى: ]وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [ ( [103])( [104]) .
الباب الثاني
في اتباع الأوامر التي جاءت في الوصايا العشر
الفصل الأول: الأمر بالوفاء في الكيل والميزان.
الفصل الثاني: في الأمر بالعدل بين الناس.
الفصل الثالث: الوفاء بالعهد.
الفصل الرابع: الأمر باتباع الصراط المستقيم.
الفصل الأول
الأمر بالوفاء في الكيل والميزان
المبحث الأول: الأمر بالوفاء في الكيل وعدم التطفيف
أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فضد الوفاء التطفيف والبخس، قال تعالى في آية الأنعام: ]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ ( [105]) ، قال الطبري رحمه الله تحت الآية: يقول تعالى ذكره: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [ يقول: لا تبخسوا الناس الكيل إذا كلتموهم والوزن إذا وزنتموهم ولكن أوفوهم حقوقهم، وإيفاؤهم ذلك إعطاؤهم حقوقهم تامة بالقسط يعني بالعدل ( [106]) . وقال القرطبي: قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ… [ العدل ( [107]) . ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [ ( [108]) .
قال ابن كثير: أوفوا الكيل إذا كلتم. أي من غير تطفيف ( [109]) .
المبحث الثاني: عقوبة من طفف في الوزن
توعَّد الله المطففين بالويل الذي هو من أنواع العذاب، قال تعالى: ]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [ ( [110]) .
قال ابن كثير رحمه الله: المراد بالتطفيف هنا البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم؛ ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك، وهو الويل بقوله تعالى: ]الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [ ( [111]) ، ومما أهلك الله به قوم شعيب البخس في الميزان، قال تعالى: ]كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [ ( [112]) .
روي عن ابن عباس قوله: «ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق» ( [113]) .
قال ابن كثير رحمه الله: يأمر الله تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء كما وعد على تركه بقوله تعالى: ]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ ( [114]) ، وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.
الفصل الثاني
في الأمر بالعدل بين الناس
المبحث الأول: المساواة بين الخصوم
الوصية الثامنة في آية الأنعام العدل وعدم محاباة القريب، فقال تعالى: ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [ ( [115]) . قال الطبري رحمه الله: «يعني تعالى ذكره بقوله: ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [ وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قرابة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه» ( [116]) ، وقال البغوي رحمه الله: « ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [ في الحكم والشهادة ولو كان ذا قربى ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قرابة ( [117]) ، وقال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد، والله يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال ( [118]) .
قلت: وكذلك العدل في الحكم، قال تعالى: ]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ ( [119]) .
وفي حديث عبد الله بن عمرو – t – قال: قال رسول الله r : «إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن – عز وجل – وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ( [120]) .
المبحث الثاني: التحري الدقيق قبل الحكم
يجب على الحاكم أو نائبه أو المصلح بين الناس أن يتحرى الدقة في القضية بين الخصوم فينظر في ملابساتها ولا يستعجل في الحكم حتى لا يندم، ولهذا قال تعالى: ]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ ، وفي قراءة: ]فتثبتوا [ ]أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ … نَادِمِينَ [ ( [121]) .
قال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبًا أو مخطئًا ( [122]) .
قلت: ذكر غير واحد من المفسرين أن الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أرسله النبي r لجباية زكاة الحارث بن ضرار وقومه من بني خزاعة، فلمَّا بلغ بعض الطريق فرق – أي خاف – فرجع وقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي… إلى آخر القصة ( [123]) ، وهذه القصة لا تثبت لا سندًا ولا متنًا، أما السند فإن مدار القصة على دينار الكوفي والد عيسى وهو مجهول فلم يروى عنه إلا ابنه عيسى كما في التهذيب، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، أي حيث يتابع وإلا فليس الحديث، وأما من حيث المتن، فمن المستبعد جدًا أن يحدث هذا من صحابي فيكذب على رسول الله r ثم يصفه الله بالفسق، والصحابة عدول بالإجماع، وقد زكَّاهم الله ورسوله فتنبه.
الفصل الثالث
الوفاء بالعهد
المبحث الأول: بيان معنى الوفاء بالعهد
معنى الوفاء بالعهد: امتثال ما أمر الله به ورسوله، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله، وقد أمرنا – سبحانه وتعالى – بالوفاء بالعهد في آية الأنعام، فقال: ]وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ ( [124]) قال الطبري رحمه الله: ]وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن يعلموا بكتابه وسنة رسوله r وذلك هو الوفاء بعهد الله ( [125]) . وقال القرطبي رحمه الله: ]وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ عام في جميع ما عهده الله إلى عباده، ويحتمل أن يراد به جميع ما انعقد بين إنسانين وأضيف ذلك العهد إلى الله من حيث أمر بحفظه والوفاء به ( [126]) . وقال ابن الجوزي رحمه الله: وعهد الله يشتمل على ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به، وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره ( [127]) .
قلت: ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) [ ( [128]) أي: يسأل الإنسان عنه.
المبحث الثاني:
مما لا شك فيه أن جميع العهود في غاية الأهمية، كيف والله يقول: ]إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [ . لكن من المهم ما هو أهم، فيمكن أن يقال: من أهم العهود الوفاء بعهد الله وعهد الرسول إذا أعطي لقوم، دل على ذلك حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي – t – قال: كان رسول الله r : «إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه، ثم قال: اغزوا بسم الله – وفيه – ثم قال: وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه؛ ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله» الحديث ( [129]) .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تحت هذا الحديث: «فيه مسائل، الأول: الفرق بين ذمة الله وذمة نبيه وذمة المسلمين» ( [130]) . وقال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: الذمة: العهد وتخفر: تنقض. يقال: أخفرت الرجل إذا انقضت عهده وخفرته أجره، ومعناه أنه خاف من نقض من لم يعرف حق الوفاء بالعهد في جملة الأعراب، وكأنه يقول: إن وقع نقض من معتد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الله تعالى والله أعلم.. ( [131]) . وكذلك العهد الذي عقد فيه الأيمان، قال تعالى: ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [ ( [132]) .
قال ابن كثير رحمه الله: ]وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [ لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق ( [133]) .
الفصل الرابع
الأمر باتباع الصراط المستقيم
المبحث الأول: معنى الصراط المستقيم
معنى الصراط المستقيم: القرآن الكريم والسنة المطهرة، أو الإسلام الحكيم أو الشرع القويم، أو الدين الحنيف، والمعنى واحد، ومن الأدلة: آية الأنعام، قال الله تعالى: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ( [134]) .
قال الطبري رحمه الله: «وصراطه: يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده، مستقيمًا: يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق فاتبعوه، يقول: فاعلموا به واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه» ( [135]) . وقال القرطبي رحمه الله: والصراط: الطريق الذي هو دين الإسلام مستويًا قويمًا لا اعوجاج فيه، فأمر باتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه وشرعه ونهايته الجنة ( [136]) .
قلت: والسير على الصراط المستقيم الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله على طريقة وفهم سلف الأمة عقيدة وعلمًا وعملاً وسلوكًا.
المبحث الثاني: بيان السبل التي يجب على المسلم اجتنابها
يجب على كل مسلم اجتناب السبل المخالفة للكتاب والسنة ومنهج أهل السنة كالملل الكافرة كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيره كالفرق الهالكة كالرافضة والجهمية والمعتزلة وغيرها، وهذا معنى قوله تعالى في آية الأنعام: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [ ( [137]) ، قال الطبري رحمه الله: يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهاجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات ( [138]) ، وقال البغوي رحمه الله: ]وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [ أي الطرق المختلفة عدا هذا الطريق مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل. وقيل: الأهواء والبدع ( [139]) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: «أما السبل فقال ابن عباس: هي الضلالات، وقال مجاهد: البدع والشبهات» ( [140]) . وقال القرطبي رحمه الله: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة لزلل ومظنة لسوء المعتقد، قاله ابن عطية.
قلت: وهو الصحيح ( [141]) .
قلت: وهاك بعض الشواهد على هذا المعنى، قال الله تعالى: ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [ ( [142]) .
قال القرطبي رحمه الله: اختلف في المغضوب عليهم والضالين من هم؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم: اليهود، والضالين: النصارى ( [143]) . وعن ابن مسعود – t – قال: خطَّ لنا رسول الله r خطًّا مستقيمًا، وخط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، فقال: «هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وتلا قوله تعالى: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ » ( [144]) .
قال ابن مسعود: لمَّا رأى قومًا جلوسًا بالمسجد ومعهم حصى في أيديهم يكبرون ويهللون ويسبحون به فقال: (ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد r أو مفتتحو باب ضلالة قالوا: والله ما أردنا إلا الخير، قال: «كم من مريد للخير لم يصبه») ( [145]) . وعن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله r : «إني قد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ( [146]) .
تنبيه:
اشتهر على الألسنة لفظ: (تركتكم على المحجة البيضاء) ولفظ المحجة لم أقف عليه فلا ينبغي نسبته إلى النبي r إلا بعد ثبوته.
قال مجاهد رحمه الله: ولا أدري أي النعمتين أعظم أن هداني للإسلام وعافاني من هذه الأهواء ( [147]) .
قال القرطبي رحمه الله: ومضى في النساء وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال: ]وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ ( [148]) .
ثم بيَّن في سورة النساء عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به، فقال: ]وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [ ( [149]) .
فألحق من جالسهم بهم، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم: أحمد بن حنبل، والأوزاعي، وابن المبارك، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع، قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن انتهى وإلا ألحق بهم، يعنون في الحكم ( [150]) .
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لِمَا اختلِف فيه من الحق بإذنك، أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم…
خاتمة البحث
هذا البحث المهذب في الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام حَمَل في طيَّاته أدلة عظيمة، وفوائد بديعة، وحِكَمًا بليغة، وجاء بفضل الله تعالى شاملاً كاملاً، ولم يواجهني فيه أية صعوبة تُذْكَر، وقد صغته بأسلوب سهل واضح وبإيجاز مهذب بعيدًا عن التطويل الممل والاختصار المخل، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على محمد ( [151]) .
ثبت في مراجع البحث
كتب التفاسير:
1- جامع البيان في تفسير القرآن – محمد بن جرير الطبري.
2- معالم التنزيل – الحسين بن مسعود البغوي.
3- الجامع لأحكام القرآن – محمد بن أحمد القرطبي.
4- زاد المسير – عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي.
5- تفسير القرآن العظيم – إسماعيل بن كثير.
6- فتح القدير – محمد بن علي الشوكاني.
كتب الحديث وأسماء الرجال:
1- صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري – محمد بن إسماعيل البخاري. والشارح: ابن حجر.
2- صحيح مسلم في شرحه للنووي – مسلم بن الحجاج النيسابوري. والشارح: النووي.
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل – أحمد بن محمد الشيباني.
4- مسند أبي داود – سليمان بن الأشعث السجستاني.
5- الجامع الصحيح – محمد بن عيسى بن سورة الترمذي.
6- سنن النسائي – أحمد بن شعيب النسائي.
7- الجامع الكبير – سليمان بن أحمد الطبراني.
8- شرح السنة – الحسين بن مسعود البغوي.
9- كتاب السنة – عمرو بن أبي عاصم.
10- كتاب الكبائر – محمد بن أحمد الذهبي.
11- فيض القدير – عبد الرءوف المناوي.
12- السلسلة الصحيحة – محمد بن ناصر الدين الألباني.
13- صحيح الجامع – محمد بن ناصر الدين الألباني.
14- تهذيب التهذيب – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
15- تقريب التهذيب – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
كتب العقائد:
1- أعلام السنة – حافظ بن أحمد الحكمي.
2- تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد – سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
كتب اللغة:
1- لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور.
2- مختار الصحاح – محمد بن أبي بكر الجوهري.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها :
رواه الترمذي في (الحديث: 3546) – الإمام أحمد في الحديث: 1/201 …
من فضائل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم: صلاة الله تعالى وملائكته على من صلى عليه، وتكفير الذنوب، وتزكية الأعمال، ورفع الدرجات:
عن أبى طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس، يرى في وجهه البشر، قالوا يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر قال أجل أتاني آت من ربى عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها" رواه أحمد في مسنده والترمذي. والملك هو جبريل كما في رواية النسائي واالطبرانى.
وما صلى أحد على النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى الله وملائكته معه على النبي، وصلى الله وملائكته عليه عشرا.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا" رواه مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن حبان.
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى قال: "من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات"، رواه أحمد, والنسائى واللفظ له، وابن حبان فى صحيحه.
وعن أبى بردة بن نيار رضى الله عنه قال: قال رسول الله: "من صلى على من أمتى صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات" رواه النسائى والطبرانى والبزار. قال ابن كثير ورواتهم ثقات.
ومن فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: إجابة الدعاء، وكفاية هم الدنيا والآخرة، والبراءة من النفاق، والعتق من النار، وكان صاحبها من أولى الناس به, صلى الله عليه وسلم, يوم القيامة واسكنه الله مع الشهداء:
روى الطبرانى فى الأوسط موقوفا ورواته ثقات، عن على رضى الله عنه قال: "كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد". ورواه الترمذى عن سعيد بن المسيب عنعمر بن الخطاب بلفظ: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شئ حتى تصلى على نبيك".
وروى الترمذى عن عبد الله بن مسعود قال كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "سل تعطه سل تعطه", وقال حسن صحيح.
وعن ابن مسعود رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة". رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وابن حبان في صحيحه.
وروى الطبراني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا، ومن صلى على عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلى على مائة كتب الله بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار، وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء"
الحث على الإكتار من الصلاة النبى صلى الله عليه وسلم
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا على من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة على". قالوا يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ (قال: يقولون بليت) قال: "إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء". رواه أبو داود بإسناد صحيح. ورواه النسائى وابن ماجة، ورواه الحاكم فى المستدرك من حديث أبى مسعود الأنصارى وقال: صحيح الأسناد.
وأخرج عبدالرزاق والنميرى مرسلا عن يونس بن خباب عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم تعرضون على بأسمائكم وسيماكم فأحسنوا الصلاة على.
وأخرج الأمام أحمد عن عاصم بن عبيدالله قال: سمعت عبدالله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: "من صلى على صلاة، لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى على، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر". ورواه ابن ماجة من حديث شعبة.
وروى الترمذى عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أبي قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال قلت فالثلثين قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وفى رواية للأمام احمد: قال رجل: يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتى كلها عليك؟ قال "إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك".
قال فى الترهيب والترغيب: قوله أكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتى؟ معناه: أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائى صلاة عليك. قلت: لعل الشيخ أبو المواهب الشاذلى أصاب حين قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله، ما معنى قول كعب بن عجرة فكم أجعل لك من صلاتى؟ قال: أن تصلى على وتهدى ثواب ذلك إلى لا إلى نفسك.
التحذير من ترك الصلاة النبى صلى الله عليه وسلم
جاء فى تفسير الثعالبى بما نصه: والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى كل حين، من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التى لا يسع تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
وعن الحسين بن على عن أبيه رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل على". رواه الأمام أحمد والنسائى وابن حبان والحاكم والترمذى وحسنه.
وأخرج البخارى فى الأدب عن جابر بن عبدالله رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم رقى المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال آمين ثم رقى الثانية فقال: آمين ثم رقى الثالثة فقال: آمين. قالوا: يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاث مرات قال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءنى جبريل فقال شقى عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له، فقلت آمين. ثم قال: شقى عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قلت آمين. ثم قال: شقى عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك، فقلت آمين. وفى رواية البخارى عن أبى هريرة بلفظ "رغم أنف عبد..الحديث"، وعن كعب بن عجرة رضى الله عنه بلفظ "بعد.." وقال الحاكم صحيح الأسناد.
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب. وروى عن جابر وأنس رضى الله عنهما.
وروى ابن ماجة عن جبارة بن المغلس، بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسى الصلاة على أخطأ (خطئ) طريق الجنة". ورواه اسماعيل القاضى مرسلا من غير وجه عن أبى جعفر محمد بن على الباقر بسنده عن جده حسين بن على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نسى الصلاة على أخطأ طريق الجنة". ورواه أيضا البيهقى فى الشعب عن أبى هريرة رضى الله عنه، والطبرانى مرسلا عن محمد ابن الحنفية بلفظ "من ذكرت عنده فخطئ الصلاة على خطئ طريق الجنة".
وأخرج الترمذى، وحسنه، عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم".
قال العلامة ابن حجر فى كتاب الزواجر عن إقتراف الكبائر: الكبيرة الستون ترك الصلاة على النبى عند سماع ذكره صلى الله عليه وسلم. وهذه الأحاديث مصرحة بالذل والهوان والشقاء والبخل على من لم يصل على النبى صلى الله عليه وسلم.
كيفية الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
اخرج مسلم في صحيحه عن أبى مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدرى رضي الله عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال له بشير بن سعد رضي الله عنه أمرنا الله أن نصلى عليك يا سول الله فكيف نصلى عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم" وأخرجه أيضا مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والبيهقى بنحوه.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يثيب الله عليها بأي صيغة كانت: جاء فى تفسير الألوسى أنه نقل عن جمع من الصحابة ومن بعدهم أن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا يوقف فيها مع النصوص وأن من رزقه الله تعالى بيانا فأبان عن المعانى بالألفاظ الفصيحة المبانى الصريحة المعانى مما يعرب عن كمال شرفه صلى الله عليه وسلم وعظيم حرمته فله ذلك، واحتج له بما أخرجه عبدالرزاق، وعبد بن حميد، وابن مردويه، وابن ماجة موقوفا بإسناد حسن، عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، قالوا: فعلمنا؟ قال: قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وروى ابن كثير, في تفسيره موقوفا, من طريق سعيد بن منصور ويزيد بن هرون وزيد بن الحباب، ثلاثتهم عن نوح بن قيس: حدثنا سلامة الكندي أن عليا رضي الله عنه كان يعلم الناس هذا الدعاء: "اللهم داحى المدحوات، وبارئ المسموكات، وجبار القلوب على فطرتها: شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامى بركاتك، وفضائل آلائك، على محمد عبدك ورسولك الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل، كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك غير نكل قدم، ولا واهن عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورى قبسا لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، وأقام موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة، اللهم أفسح له في عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنآت غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول وجزيل عطائك المجمول، اللهم أعل على بناء البانين بنيانه، وأكرم مثواه لديك ونزله، واتمم له نوره واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضى المقالة ذا منطق عدل، وخطة فصل، وحجة وبرهان عظيم". هذا مشهور من كلام على رضي الله عنه وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي؛ ورواه الطبراني وابن أبى شيبة في مصنفه.
وصيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تختلف خواصها وتتفاضل. والمصلى الحقيقي على النبي صلى الله عليه وسلم هو الله سبحانه وتعالى، أما نحن فإنما نطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يصلى على نبيه لعجزنا عن إدراك كنه الصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم، أو أدراك فضله ومقامه عند ربه. وقد نقل أبو اليمن بن عساكر قول بعض الأجلة وحسنه: لما أمرنا الله تعالى بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم لم نبلغ معرفة فضلها ولم ندرك حقيقة مراد الله فيه فأحلنا ذلك إلى الله عز وجل فقلنا اللهم صل أنت على رسولك لأنك أعلم بما يليق به وبما أردته له صلى الله عليه وسلم.
فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هى من أبرك وأفضل الأعمال المقربة إلى الله فى الدنيا والآخرة وأكثرها نفعا, وبها يلتمس مظان الخير.
قال سيدي العربي ابن السائح في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه مما لا يقدر قدره ولا ينال إلا بالتخصيص الإلهي الذي اقتضاه انبساط جاهه العظيم صلى الله عليه وسلم، وإلا فمن أين للعبد الذليل الحقير أن يصلى عليه ربه عز وجل وملائكته لولا انبساط جاهه صلى الله عليه وسلم.
اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار
بارك الله فيك
انتشر هذه الفترة صور تدل علي معجزة الله في الاية ( مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان))
فهل هذا الموضوع صحيح ؟؟
خاصة ان معنا في المنتدي غير مسلمين …. ونريد التأكد اذا صحيح .. نعيد نشره وان خطأ ننزل الرد علي الموضوع مصاحب له
بارك الله فيكم
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .
لا يحسن التسرّع في قبول مثل هذ ونَشْره ، إلاّ بعد التأكّد من الصورة ، والتأكّد من الثِّقَاة من أهل الختصاص ، فقد اختلف السلف في تفسير الآية .
قال القرطبي : قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) (مَرَجَ) ، أي : خَلّى وأرْسَل وأهْمَل ، يُقال : مَرَج السلطان الناس : إذا أهملهم ، وأصْل الْمَرْج الإهمال ، كما تَمْرج الدابة في الْمَرْعَى ، ويُقال : مَرج خَلط … (الْبَحْرَيْنِ)
قال ابن عباس : بَحْر السماء وبَحْر الأرض ، وقاله مجاهد وسعيد بن جبير . (يَلْتَقِيَانِ) في كل عام ، وقيل : يلتقي طرفاهما ، وقال الحسن وقتادة : بَحْر فارِس والرّوم ، وقال ابن جريج : إنه البحر المالح والأنهار العذبة ، وقيل : بَحْر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان . (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ) ، أي : حاجز ؛ فَعَلَى القول الأول ما بين السماء والأرض ، قاله الضحاك ، وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما ، وهي الحجاز ، قاله الحسن وقتادة ، وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدم في " الفرقان " . اه .
ويقصد به قوله تعالى في سورة الفرقان : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) .
والله تعالى أعلم .
barak allah fiky
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انتشر هذه الفترة صور تدل علي معجزة الله في الاية ( مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان))
فهل هذه الصورة صحيحة ؟؟
بارك الله فيكم
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .
لا يحسن التسرّع في قبول مثل هذ ونَشْره ، إلاّ بعد التأكّد من الصورة ، والتأكّد من الثِّقَاة من أهل الختصاص ، فقد اختلف السلف في تفسير الآية .
قال القرطبي : قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) (مَرَجَ) ، أي : خَلّى وأرْسَل وأهْمَل ، يُقال : مَرَج السلطان الناس : إذا أهملهم ، وأصْل الْمَرْج الإهمال ، كما تَمْرج الدابة في الْمَرْعَى ، ويُقال : مَرج خَلط … (الْبَحْرَيْنِ)
قال ابن عباس : بَحْر السماء وبَحْر الأرض ، وقاله مجاهد وسعيد بن جبير . (يَلْتَقِيَانِ) في كل عام ، وقيل : يلتقي طرفاهما ، وقال الحسن وقتادة : بَحْر فارِس والرّوم ، وقال ابن جريج : إنه البحر المالح والأنهار العذبة ، وقيل : بَحْر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان . (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ) ، أي : حاجز ؛ فَعَلَى القول الأول ما بين السماء والأرض ، قاله الضحاك ، وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما ، وهي الحجاز ، قاله الحسن وقتادة ، وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدم في " الفرقان " . اه .
ويقصد به قوله تعالى في سورة الفرقان : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) .
والله تعالى أعلم .
الشيخ عبد الرحمن السحيم
الصلاة و السلام على سيدنا محمد خاتم الانبياء و سيد المرسلين و على آله وصحبه اجمعين
قال تعالى : (( ورتل القرآن ترتيلا )) المزمل 4 وقال تعالى : (( كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا )) الفرقان 32
أما بعد احبتي في الله عملا بقول رسولنا الحبيب ( خيركم من تعلم القرآن و علمه )
أحبتي في الله ساقدم لكم في هذه المشاركة موسوعة كاملة باذن الله لكل المواقع
التي تقدم دروسا في احكام التجويد و بسم الله نبدأ :
The Holy Quran – القرآن الكريم – Koran Kareem
Quran Recitation :: القرءان الكريم
موقع التفسير – يعين المبتدئين على تعلم القراءة و الحفظ
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
دروس تعليم التجويد ( بطريقة حية استاذ وطالب )
::+:[الــــــــAL-WEDـــــود]:+::
ملفات صوتية للاستماع و التحميل
برنامج لتعليم الاطفال الصلاة و الوضوء و القرآن
تعليم القرآن للاطفال – ملفات للاستماع و التحميل ( أيمن سويد )
ملفات صوتية للاطفال بصوت القارىء مشاري العفاسي
جميع شروحات الشيخ ايمن سويد بالصوت و الصورة
|||موقع الطريق إلى الله|||صفحة الشيخ أيمن سويد|||
ملفات صوتية لعلوم التجويد ( استماع و تحميل )
المصحف المرمز – بصوت الشيخ ابو بكر الشاطري – ثلاثون ملف صوتي مرئي جاهزة للتحميل
ملف بوور بوينت – شرح اكثر من رائع و سلس
الملخص المفيد في علم التجويد – محمد معبد
الصفحة الرئيسية لموسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية
التفسير و المفسرون
المكتبة الصوتية للقرآن الكريم – MP3 Quran
تسجيلات الشبكة الإسلامية – القرآن الكريم حسب الرواية- Islamweb.net
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالانجليزية ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالفرنسي) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالالماني ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالروسي) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالصيني ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالاسبانية ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( باليونانية ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالاندونيسية ) – تحميل
حمل القرآن الكريم كاملا على جهازك
تلاوات قرآنية لمجموعة من الشيوخ
*********************************************
ترددات جميع القنوات الاسلامية الفضائية و التي تبث دروسا مرئية مسموعة – ملف وورد
*********************************************
بسم الله الرحمان الرحيم
قراءة القرآن الكريم مع التفسير والترجمة
– – – – –
– – – – – ————————————————————- – – – –
– – – – –
– – – – –
في أمان الله
بارك الله فيك