روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( مالي أراك متغير اللون )) فقال: يا محمد جئتُكَ في الساعة التي أمر الله بمنافخ النار أن تنفخ فيها، ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق، و أن النار حق، وأن عذاب القبر حق، وأن عذاب الله أكبر أنْ تقرّ عينه حتى يأمنها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا جبريل صِف لي جهنم ))
قال: نعم، إن الله تعالى لمّا خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فاحْمَرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فابْيَضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسْوَدّت، فهي سوداء مُظلمة لا ينطفئ لهبها ولا جمرها
والذي بعثك بالحق، لو أن خُرْم إبرة فُتِحَ منها لاحترق أهل الدنيا عن آخرهم من حرّها .
والذي بعثك بالحق، لو أن ثوباً من أثواب أهل النار عَلِقَ بين السماء و الأرض، لمات جميع أهل الأرض من نَتَنِهَا و حرّها عن آخرهم لما يجدون من حرها ..
والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله تعالى في كتابه وُضِع على جبلٍ لَذابَ حتى يبلُغ الأرض السابعة .
والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أنّ رجلاً بالمغرب يُعَذّب لاحترق الذي بالمشرق من شدة عذابها .
حرّها شديد ، و قعرها بعيد ، و حليها حديد ، و شرابها الحميم و الصديد ، و ثيابها مقطعات النيران ، لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزءٌ مقسومٌ من الرجال والنساء .
فقال صلى الله عليه وسلم: (( أهي كأبوابنا هذه ؟! ))
قال: لا ، ولكنها مفتوحة، بعضها أسفل من بعض، من باب إلى باب مسيرة سبعين سنة، كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يُساق أعداء الله إليها فإذا انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال و السلاسل، فتسلك السلسلة في فمه وتخرج من دُبُرِه ، وتُغَلّ يده اليسرى إلى عنقه، وتُدخَل يده اليمنى في فؤاده، وتُنزَع من بين كتفيه ، وتُشدّ بالسلاسل، ويُقرّن كل آدمي مع شيطان في سلسلة ، ويُسحَبُ على وجهه ، وتضربه الملائكة بمقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أُعيدوا فيها .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ سكّان هذه الأبواب ؟! ))
فقال: أما الباب الأسفل ففيه المنافقون، ومَن كفر مِن أصحاب المائدة، وآل فرعون ، و اسمها الهاوية ..
و الباب الثاني فيه المشركون و اسمه الجحيم ..
و الباب الثالث فيه الصابئون و اسمه سَقَر ..
و الباب الرابع فيه ابليس و من تَبِعَهُ ، و المجوس ، و اسمه لَظَى ..
و الباب الخامس فيه اليهود و اسمه الحُطَمَة .
و الباب السادس فيه النصارى و اسمه العزيز ، ثم أمسكَ جبريلُ حياءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه السلام: ((ألا تخبرني من سكان الباب السابع ؟ ))
فقال: فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا و لم يتوبوا . فخَرّ النبي صلى الله عليه وسلم مغشيّاً عليه، فوضع جبريل رأسه على حِجْرِه حتى أفاق، فلما أفاق قال عليه الصلاة و السلام: (( يا جبريل عَظُمَتْ مصيبتي ، و اشتدّ حزني ، أَوَ يدخل أحدٌ من أمتي النار ؟؟؟ ))
قال: نعم ، أهل الكبائر من أمتك .
ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و بكى جبريل .
و دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله و احتجب عن الناس ، فكان لا يخرج إلا إلى الصلاة يصلي و يدخل و لا يكلم أحداً، يأخذ في الصلاة يبكي و يتضرّع إلى الله تعالى .
فلما كان اليوم الثالث ، أقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى وقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى باكياً. .
فأقبل عمر رضي الله عنه فوقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى يبكي.
فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى مولاي رسول الله من سبيل ؟ فأقبل يبكي مرة، ويقع مرة، ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة ووقف بالباب ثم قال: السلام عليك يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان علي رضي الله عنه غائباً ، فقال: يا ابنة رسول الله ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا يكلم أحداً و لا يأذن لأحدٍ في الدخول .
فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية و أقبلت حتى وقفت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلّمت و قالت : يا رسول الله أنا فاطمة ، ورسول الله ساجدٌ يبكي، فرفع رأسه و قال: (( ما بال قرة عيني فاطمة حُجِبَت عني ؟ افتحوا لها الباب ))
ففتح لها الباب فدخلت ، فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت بكاءً شديداً لما رأت من حاله مُصفرّاً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من البكاء و الحزن ، فقالت: يا رسول الله ما الذي نزل عليك ؟!
فقال: (( يا فاطمة جاءني جبريل و وصف لي أبواب جهنم ، و أخبرني أن في أعلى بابها أهل الكبائر من أمتي ، فذلك الذي أبكاني و أحزنني ))
قالت: يا رسول الله كيف يدخلونها ؟!
قال: (( بلى تسوقهم الملائكة إلى النار ، و لا تَسْوَدّ وجوههم ، و لا تَزْرَقّ أعينهم ، و لا يُخْتَم على أفواههم ، و لا يقرّنون مع الشياطين ، و لا يوضع عليهم السلاسل و الأغلال ))
قالت: يا رسول الله كيف تقودهم الملائكة ؟!
قال: (( أما الرجال فباللحى، و أما النساء فبالذوائب و النواصي .. فكم من ذي شيبةٍ من أمتي يُقبَضُ على لحيته وهو ينادي: واشَيْبتاه واضعفاه ، و كم من شاب قد قُبض على لحيته ، يُساق إلى النار وهو ينادي: واشباباه واحُسن صورتاه ، و كم من امرأة من أمتي قد قُبض على ناصيتها تُقاد إلى النار و هي تنادي: وافضيحتاه واهتك ستراه ، حتى يُنتهى بهم إلى مالك ، فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة: من هؤلاء ؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء ، لم تَسْوَدّ وجوههم ولم تَزرقّ أعينهم و لم يُختَم على أفواههم و لم يُقرّنوا مع الشياطين و لم توضع السلاسل و الأغلال في أعناقهم !!
فيقول الملائكة: هكذا أُمِرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة .
فيقول لهم مالك: يا معشر الأشقياء من أنتم ؟!
وروي في خبر آخر : أنهم لما قادتهم الملائكة قالوا : وامحمداه ، فلما رأوا مالكاً نسوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من هيبته ، فيقول لهم : من أنتم؟ فيقولون: نحن ممن أُنزل علينا القرآن،ونحن ممن يصوم رمضان . فيقول لهم مالك: ما أُنزل القرآن إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا سمعوا اسم محمد صاحوا : نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
فيقول لهم مالك : أما كان لكم في القرآن زاجرٌ عن معاصي الله تعالى .. فإذا وقف بهم على شفير جهنم، ونظروا إلى النار وإلى الزبانية قالوا: يا مالك ائذن لنا نبكي على أنفسنا ، فيأذن لهم ، فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم دموع ، فيبكون الدم ، فيقول مالك: ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا، فلو كان في الدنيا من خشية الله ما مسّتكم النار اليوم .
فيقول مالك للزبانية : ألقوهم .. ألقوهم في النار
فإذا أُلقوا في النار نادوا بأجمعهم : لا إله إلا الله ، فترجع النار عنهم ، فيقول مالك: يا نار خذيهم، فتقول : كيف آخذهم و هم يقولون لا إله إلا الله؟ فيقول مالك: نعم، بذلك أمر رب العرش، فتأخذهم ، فمنهم من تأخذه إلى قدميه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذه إلى حلقه، فإذا أهوت النار إلى وجهه قال مالك: لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا للرحمن في الدنيا، و لا تحرقي قلوبهم فلطالما عطشوا في شهر رمضان . فيبقون ما شاء الله فيها ، ويقولون: يا أرحم الراحمين يا حنّان يا منّان، فإذا أنفذ الله تعالى حكمه قال: يا جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيقول: اللهم أنت أعلم بهم . فيقول انطلق فانظر ما حالهم
فينطلق جبريل عليه السلام إلى مالك و هو على منبر من نار في وسط جهنم، فإذا نظر مالك على جبريل عليه السلام قام تعظيماً له ، فيقول له يا جبريل : ماأدخلك هذا الموضع ؟ فيقول: ما فَعَلْتَ بالعصابة العاصية من أمة محمد ؟ فيقول مالك: ما أسوأ حالهم و أضيَق مكانهم،قد أُحرِقَت أجسامهم، و أُكِلَت لحومهم، وبقِيَت وجوههم و قلوبهم يتلألأ فيها الإيمان .
فيقول جبريل: ارفع الطبق عنهم حتى انظر إليهم . قال فيأمر مالك الخَزَنَة فيرفعون الطبق عنهم، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حُسن خَلقه، علموا أنه ليس من ملائكة العذاب فيقولون : من هذا العبد الذي لم نر أحداً قط أحسن منه ؟ فيقول مالك : هذا جبريل الكريم الذي كان يأتي محمداً صلى الله عليه وسلم بالوحي ، فإذا سمعوا ذِكْر محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم: يا جبريل أقرئ محمداً صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخبره أن معاصينا فرّقت بيننا وبينك، وأخبره بسوء حالنا .
فينطلق جبريل حتى يقوم بين يدي الله تعالى ، فيقول الله تعالى: كيف رأيت أمة محمد؟ فيقول: يارب ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم .
فيقول: هل سألوك شيئاً ؟ فيقول: يا رب نعم، سألوني أن أُقرئ نبيّهم منهم السلام و أُخبره بسوء حالهم فيقول الله تعالى : انطلق فأخبره .
فينطلق جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في خيمة من درّة بيضاء لها أربعة آلاف باب، لكل باب مصراعان من ذهب ، فيقول: يا محمد . قد جئتك من عند العصابة العصاة الذين يُعذّبون من أمتك في النار ، وهم يُقرِئُونك السلام ويقولون ما أسوأ حالنا، وأضيق مكاننا .
فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحت العرش فيخرّ ساجداً ويثني على الله تعالى ثناءً لم يثنِ عليه أحد مثله ..
فيقول الله تعالى : ارفع رأسك ، و سَلْ تُعْطَ ، و اشفع تُشفّع .
فيقول: (( يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذتَ فيهم حكمك وانتقمت منهم، فشفّعني فيهم ))
فيقول الله تعالى : قد شفّعتك فيهم ، فَأْتِ النار فأخرِج منها من قال لا إله إلا الله . فينطلق النبي صلىالله عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي صلى الله عليه وسلم قام تعظيماً له فيقول : (( يا مالك ما حال أمتي الأشقياء ؟! ))
فيقول: ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم . فيقول محمد صلى الله عليه وسلم : (( افتح الباب و ارفع الطبق )) ، فإذا نظر أصحاب النار إلى محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم فيقولون: يا محمد ، أَحْرَقت النار جلودنا و أحرقت أكبادنا، فيُخرجهم جميعاً و قد صاروا فحماً قد أكلتهم النار فينطلق بهم إلى نهر بباب الجنة يسمى نهر الحيوان ، فيغتسلون منه فيخرجون منه شباباً جُرْدَاً مُرْدَاً مُكحّلين و كأنّ وجوههم مثل القمر ، مكتوب على جباههم "الجهنّميون عتقاء الرحمن من النار" ، فيدخلون الجنة فإذا رأى أهل النار أن المسلمين قد أُخرجوا منها قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج من النار، وهو قوله تعالى :
} رُبّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفََرَواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ { [ الحجر:]
*و عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( اذكروا من النار ما شئتم، فلا تذكرون شيئاً إلا وهي أشد منه ))
* و قال: (( إنّ أَهْوَن أهل النار عذاباً لَرجلٌ في رجليه نعلان من نار ، يغلي منهما دماغه، كأنه مرجل، مسامعه جمر، وأضراسه جمر، و أشفاره لهب النيران، و تخرج أحشاء بطنه من قدميه ، و إنه لَيَرى أنه أشد أهل النار عذاباً، و إنه مِن أهون أهل النار عذاباً ))
* وعن ميمون بن مهران أنه لما نزلت هذه الآية : } وَ إِنَّ جَهَنّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ { [ الحجر:43 ] ، وضع سلمان يده على رأسه و خرج هارباً ثلاثة أيام ، لا يُقدر عليه حتى جيء به .
.
اللهم أَجِرْنَا من النار . اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار ..
اللهم أَجِر كاتب هذه الرسالة من النار .. اللهم أجر قارئها من النار .
اللهم أجر مرسلها من النار . اللهم أجرنا والمسلمين من النار .
آمين . آمين . آمين.
اللهم أَجِرْنَا من النار . اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار ..
اللهم أَجِر كاتب هذه الرسالة من النار .. اللهم أجر قارئها من النار .
اللهم أجر مرسلها من النار . اللهم أجرنا والمسلمين من النار .
اللهم أَجِرْنَا من النار . اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار ..
اللهم أَجِر كاتب هذه الرسالة من النار .. اللهم أجر قارئها من النار .
اللهم أجر مرسلها من النار . اللهم أجرنا والمسلمين من النار .
اللهم أَجِرْنَا من النار . اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار ..
اللهم أَجِر كاتب هذه الرسالة من النار .. اللهم أجر قارئها من النار .
اللهم أجر مرسلها من النار . اللهم أجرنا والمسلمين من النار .
آمين . آمين . آمين.
اللهم أَجِر كاتب هذه الرسالة من النار .. اللهم أجر قارئها من النار .
اللهم أجر مرسلها من النار . اللهم أجرنا والمسلمين من النار .
آمين . آمين . آمين.
ااااااااااااامين يارب العلمينhttp://filaty.com/i/805/8ed54b0.%D8%…8%A6%D8%B9.gif
الا يبكيكم ما ابك رسول الله
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii$
لا إله إلا الله محمد لرسول الله
يارب عظمت ذنوبنا ولا منجا لنا غيرك يا رب ذنوبنا كثير ولا غافر لنا إلا انت اللهم ارحمنا يارب العالمين
اللهم اجرنا من النار
اللهم ارزقنا توبة نصوحة قبل المماة يارب العالمين
اللهم نسالك حسن الخاتمة
يا سيد السادات جئتك قاصدا *** أرجو رضاك و أحتمي بحماك
والله يا خير الخلائق إن لي …*** قلبا مشوقا لا يروم سواك
و بحق جاهك إنني بك مغرم *** و الله يعلم أنني أهواك
أنت الذي لولاك ما خلق امرؤ *** كلا و لا خلق الورى لولاك
أنت الذي من نور البدر اكتسى *** و الشمس مشرقة بنور بهاك
في هذه السلسلة سنتحدث بصورة مبسطة و موجزة عن سيرة أولاد رسول الله، خاتم انبياء و المسلين محمد صلى الله عليه و سلم حتى تزداد معرفتنا ببيت النبوة،
فالمعرفة مفتاح الحب و طريق الرشد.
نتحدث عن سبعة أولاد … بنين و بنات… أربع إناث و ثلاثة ذكور، كلهم ولدوا في مكة المكرمة.. إلا واحدا منهم ولد بالمدينة المنورة.
كلهم فارقوا الحياة قبل أن يفارقهم والدهم.. إلا واحدة، عاشت بعد رحيله ستة أشهر فقط.
نتحدث عن أولاد محمد بن عبد الله، رسول الله و مصطفاه، زينب ، رقية، أم كلثوم، فاطمة، القاسم، عبد الله و إبراهيم.
زينب.. أول مولود يولد لرسول الله صلى الله عليه و سلم.. أول ثمرة لزواج والديها السعيد.. زواج محمد بن عبد الله بخديجة بنت خويلد، سيدة نساء قريش.
ولدت في مكة، قبل أن يبعث محمد رسولا بعشر سنوات، و كانت سنه يومها ثلاثين سنة. و كعادة أشراف قريش في إحضار مرضعات لأولادهم فقد كانت لها مرضعات غير أمها.
حين أنهت فترة الرضاعة عادت إلى بيت أبيها، لتلقى كل رعاية و عناية و حب، حتى نمى عودها و ترعرع، فتعهدتها أمها بالتدريب على أعمال البيت و مساعدتها بعد ذلك في رعاية أخواتها الصغار.. و لذلك لم تعرف لهو الطفولة و مرحها.
كانت عيون القرشيين تتجه نحوها، ترقب نموها، كل منهم يأمل في أن يفوز بها زوجة لأحد أبنائه، و هي لم تتجاوز عامها العاشر بعد.
و تزوجها أبو العاص بن الربيع.. ابن خالتها.. شاب مجتهد، مكافح و طموح، رجل أكسبته التجارة خبرة و نضجا.. رجل يثق بنفسه، يعتز بكرامته و يحفظ للبيوت حرمتها و قداستها.
عاشت مع زوجها كأسعد زوجين، و وجدت في أبي العاص كل خلق جميل و طبع حميد و عشرة كريمة… و أثمر زواجهما طفلا و طفلة .. عليا و أمامة.
كان زوجها كثير السفر في تجارته، و كانت في فترة غيابه تمكث في بيت أبيها حتى عودته.
و ذات يوم لا تنساه.. استقبلتها أمها بخبر وحي الله الذي نزل على والدها في غار حراء.. يومها.. رغم السعادة التي غمرتها، و الفرحة بنبوة والدها إلا أنها كانت تخشى عداء قريش له و لدينه الجديد. هكذا فهمت من كلام ورقة بن نوفل الذي قاله لوالدتها.
و ما كاد زوجها يعود من سفره، حتى استقبلته بالخبر السعيد.. و كلها أمل و ثقة في أنه سيسعد به، و يصدق قولها.. لكنه صمت و لم يتكلم.
و مرت الأيام.. زوجها على دينه و هي على الإسلام، لم يفترقا لأن الإسلام لم يكن بعد قد أمر بالتفريق بين المسلمة و غير المسلم.
لكن القلق و الخوف بدأ يخيم على نفس زينب و بيتها، و بدأت قريش حربها لوالدها و لدعوته و أتباعه، و رمت بكل ثقلها في اضطهاد المسلمين و تعذيبهم.
و تحمل محمد –رسول الله- و أصحابه كل هذا الظلم و الجبروت من كفار مكة، و كان إيمانهم بالله و يقينهم من نصره، خير معين. إلى أن جاء عام الحزن.. مات عم الرسول و سنده، و ماتت خديجة خير رفيق ونصير.. و خلفا في قلب محمد حزنا عميقا على فراقهما.
و بعد رحيلهما بثلاث سنوات، هاجر الرسول إلى المدينة المنورة، و من بعده أخواتها، و اصبحت زينب وحيدة مع زوجها و اولادها في مكة، تعيش على ذكريات عزيزة حبيبة، كلما مرت ببيت الأسرة الغائبة، و أذنها على أخبار المدينة المنورة، و عينها على زوجها و أولادها.
و بدأت الحروب بين المسلمين و الكفار، و وقع زوجها أسيرا عند المسلمين، و لما علمت أن كفار قريش أرسلوا غلى المدينة يفتدون أسراهم، أسرعت إلى أعز شيئ عندها.. قلادة كانت أمها خديجة قد أهدتها لها يوم زفافها.
و وصلت القلادة إلى الرسول.. فنظر إليها ثم نظر إلى الصحابة، و قد عرفوا قصة هذه القلادة، وقال لهم: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوا عليها مالها، فافعلوا…."
و إكبارا من الصحابة لرسولهم، و وفاء لذكرى أم المؤمنين خديجة، وافقوا على ما قال رسول الله.. و ردت القلادة و أطلق سراح الأسير.
لكن… قبل أن يغادر الأسير أبو العاص عائدا إلى مكة، أسر إليه الرسول أمرا، فهز رأسه بالموافقة.
أتعلمون ماذا أسر إليه؟ لقد طلب منه حين يعود إلى مكة أن يرسل إليه زينب، فالإسلام قد فرق بينهما، و لم يعد جائزا لمسلمة أن تبقى زوجة لغير مسلم.
عاد إلى مكة و وجهه يعلوه الحزن و الكآبة، و اقترب من زينب قائلا: إنه الوداع يا زينب.. لقد طلب مني والدك أن أردك إليه لأن الإسلام فرق بيني و بينك. و قد أعطيته وعدا بالوفاء بما طلب.
و كان الفراق… خرجت من مكة متجهة إلى المدينة.. خرجت في وضح النهار تركب بعيرها الذي يقوده أخو زوجها، فجب جنون قريش، و اعتبروا ذلك تحديا لكبريائهم فلحقوا بها و أرادوا منعها و تسبب ذلك في فقدانها لجنينها، و كان لهم ما أرادوه فعادت إلى مكة حتى تسترد عافيتها. و ما هي إلا أيام حتى شدت الرحال، و في هذه المرة لم يعترض طريقها أحد، و خلفت في مكة زوجها و ذكرياتها.
عاشت زينب في المدينة و كلها أمل في أن يهدي الله زوجها إلى الإسلام، حتى يعودا كما كانا..نعم الزوجان..
و جاءها أبو العاص مستجيرا بعد أن حاول المسلمون أن يستردوا بعضا مما نهبت قريش من أموالهم و متاعهم، و كان هو يقود القافلة العائدة من الشام.. أجارته زينب و سألته الدخول في الإسلام.. فأخبرها أنه كره أن يبدأ الإسلام بخيانة الأمانة، فكفار مكة ائتمنوه على أموالهم…
سافر أو العاص بن الربيع إلى مكة و رد إلى قريش أموالها، ثم وقف في الناس مناديا: يا أيها الناس، إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله.
و عاد أبو العاص إلى المدينة و أرجع زوجته إليه، و عادت الحياة بينهما من جديد – في ظل الإسلام- أجمل و أسعد مما كانت.
أتعلمون متى كانت هذه العودة؟ كانت مع ظهور هلال شهر المحرم من السنة السابعة للهجرة.
و مضى عام واحد على عودة زوجها المسلم إلى بيت الزوجية.. و كان بعده الفراق… الفراق الذي قدر على كل عزيزين، و تلك سنة الله في خلقه.
لقد أسلمت زينب روحها لخالقها في السنة الثامنة للهجرة و خلفت وراءها زوجها أبا العاص و ولديها عليا و أمامة.
و مات علي.. ثم مات زوجها بعدها بحوالي أربع سنوات. و بقيت ابنتها التي تزوجت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بعد وفاة خالتها فاطمة، ثم من بعد وفاته تزوجت المغيرة بن نوفل و لم تنجب أولادا.
اشكرك على هذه السلسلة جعلها الله في ميزان حسناتك
شكرا لمرورك الكريم
بارك الله فيك وجزاك خيرا
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك
شكرا لكم
أثابنا الله و إياكم و تقبل منا ومنكم صالح الأعمال
عاشت في رعاية والديها الكريمين، الذين لم يضيقا ببنت ثانية في بيئة تحب الذكور، و تئد البنات، خوفا من العار أو ربما رحمة بهن من قسوة الحياة التي تنتظرهن.. و في ذات الوقت، كان بعضهم يكن بأحد بناته و يكرم بمدحهن، أو ينسب إلى أمه. تناقض غريب كانت تعيشه عرب الجاهلية، شأن كثير من أمور حياتهم الخاصة و العامة.
عاشت رقية و أختها أم كلثوم التي جاءت بعدها طفولة مرحة سعيدة، في أحضان أب حنون و أم ترعاهما خير رعاية، حتى تفتح صباهما و اكتمل نموهما سريعا.
كانت هي و أم كلثوم متلازمتين في الفراش و في الطباع و اللعب، بينما أختهما زينب تتحمل مع أمها أمور البيت و تشاركهما في فراغها عبث الطفولة.
و مرت الأيام، و ذات يوم جاء عم الرسول أبو طالب في جماعة من قومه يخطب رقية و أم كلثوم لابني عم الرسول عبد العزى (أبو لهب). واستجاب رسول الله لرغبة عمه وطلب مهلة لعرض الأمر على أهله و بناته. و الحقيقة أن خبر هذا الزواج لم يكن خبرا سعيدا لا على رقية و لا على أم كلثوم… حتى أمهما خديجة، لم تبد عليها الفرحة و السعادة كما كان حاله يوم خطبت زينب.
رقية لم تكن تعرف الزوج المقترح. فقط تعرف أنه شاب من شباب بني هاشم و والده عم أبيها و من أثرياء قريش، و أمه أم جميل معروفة بطبعها القاسي و شراستها و حدة لسانها. لكن شيئا واحدا كان يخفف على رقية حيرتها و قلقها و هو أن أختها أم كلثوم ستكون رفيقتها في بيت الزوجية.
و كان عتبة بن أبي لهب من نصيب رقية، و كان عتيبة أخوه من نصيب أم كلثوم.
و ذات يوم مشرق في سماء مكة… بل في سماء الدنيا كلها بعث محمد بن عبد الله رسولا إلى الناس كافة.. و تحرك الكفر و العناد في قريش و تصدت لدعوة الإسلام… و من بين الأسلحة التي استخدموها ضد محمد و دعوته، سلاح ظنوه باترا.. لكن سرعان ما ارتد على نحورهم.
لقد عقدوا أن يشغلوا محمدا بهموم بيته و بناته.. و قال أبو لهب لابنيه عتبة و عتيبة: (رأسي من رأسيكما حرام، إن لم تطلقا بنتي محمد)، و قالت أمهما و أقسمت ألا يجمعها و بنتي محمد بيت واحد.
و استجاب الولدان، و كان خلاص رقية و أم كلثوم من ابني حمالة الحطب. و تفرغتا لمشاركة والدهما و أمهما و توفير الجو الأسري الذي يساعدهما على أداء الرسالة.
لم يطل برقية المقام في بيت أبيها، حتى تقدم عثمان بن عفان يطلب الزواج منها. فبارك رسول الله زواجهما. و هكذا أبدلها الله خيرا.. فعثمان من السابقين إلى الإسلام، رجل ثري، بهي الطلعة، ذو خلق كريم و نسب عريق.
و عاشت رقية مع عثمان في أمن وسعادة. لكن قريشا زادت في محاربتها للرسول و دعوتها، و اضطهاد المسلمين و تعذيبهم. فأذن رسول الله بالهجرة إلى الحبشة.
و شدت رقية الرحال مع زوجها مهاجرين إلى الحبشة، مبتعدة عن أخواتها و مرتع صباها و ذكرياتها.
عاش المهاجرون في الحبشة يتلمسون أخبار الأحبة في مكة، و يجترون الذكريات، و يمنون النفس بعودة قريبة إلى وطنهم.
و مرت الأيام.. و كان لرقية في حب زوجها و رعايته خير سلوى و عزاء، إلى أن وصلت أخبار بأن قريشا هادنت محمدا، و دخل في الإسلام بعض ساداتها و كبرائها، فأسرعت رقية و عثمان بالعودة إلى مكة مع من عادوا.
و ما إن وصلت حتى أسرعت إلى بيت أبيها، و هناك ارتمت في أحضان أختيها أم كلثوم و فاطمة… لكن فجأة نظرت في عيون أختيها دمعة فانقبض قلبها و سألت في لهفة: أين أبي؟ أين أمي؟ فقالتا: أبوك بخير، لقد خرج للقاء العائدين من الحبشة، لكنهما لم يذكرا أمها… فقالت رقية: أين أمي؟… أمي رحلت؟.. ماتت دون أن أراها، أو أكون بجوارها… و أخيرا كفكفت رقية دمعها، و احتسبتها عند ربها ***64831; كل نفس ذائقة الموت…***64830;
و مرة أخرى ودعت مكة، و خرجت مع زوجها مهاجرين إلى المدينة المنورة… و لذلك سميت ذات الهجرتين… و هناك استقر بها المقام و شغلت بطفلها الوحيد الذي سمته عبد الله.
ذات يوم كان طفلها مريضا فنقر عينه ديك و تسمم جرحه، و سرعان ما لقي ربه. و هكذا تكالبت على رقية الأحزان و أضعفت من صحتها، و رقدت في فراشها رهينة المرض.
كان زوجها يسهر على راحتها و تمريضها، حتى أنه تخلف بأمر من رسول الله عن الخروج معهم إلى غزوة بدر.
و أخيرا… اختلط صوت بشير النصر القادم من بدر بصوت النعي الذي يحمل خبر وفاة رقية… بنت محمد و زوجة عثمان.. أول بنت تموت من بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم.
أتعلمون متى كانت وفاتها؟ كانت في السنة الثانية للهجرة و لم تخلف وراءها ولدا و لا بنتا.
بارك الله فيك وجزاك خيراً ..
اشاء الله عليك تحفة بمواضيعك المميزة
شكرا لمروركم
لقد قام رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم بإعدادأطفال الصحابة لقيادة الدنيا علما وعملا، وفقا للأسس التالية:
[1] الإعداد العقدي:
فمما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهابن عباس، قوله: " يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجدهتجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعتعلى أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروكبشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رُفعت الأقلام وجفت الصحف ". وينبغيعلى الوالد أن يكرر على ولده كلمة التوحيد، ويذكره بها ليلا ونهارا بكرةوعشيا.
[2] الإعداد التعبدي:
كان النبي صلى اللهعليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم يعوّدون الأطفال على دخول المساجد وأداءالصلوات في أوقاتها والعفو عن لعبهم وعثراتهم. ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم كانيمنع الأطفال دخول المساجد. كما كانت الصحابيات يأمرن أولادهن بالصيام بعض اليوم فيسن الرابعة والخامسة حتى يتعودوا على الصيام.
[3] الإعداد العلمي والعقلي:
كان أطفال الصحابة يرضعونالقرآن الكريم والسنة النبوية منذ نعومة أظفارهم. ورأينا هؤلاء الأطفال الأعلاميرحلون في طلب العلم ويتواضعون لمعلميهم وينقادون لأساتذتهم، رغم علو قدرهم وشرفنسبهم وشدة صلاحهم.
[4] الإعداد اللغوي:
منالعلوم التي يحرص عليها الطفل البطل: العلوم الأدبية، من بلاغة وأدب وشعر ونثر، حتىيستقيم اللسان وتظهر الفصاحة.
[5] الإسلام ينادي بقاعدة:
" المؤمن القوي خيروأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ". وذلك لأن قوته قوة لدينه وإخوانه وكسر لشوكةعدوه. وقد فطر الله تعالى الأطفال على حب اللعب والمسارعة إليه. وفي هذه العصورالتي هجر المسلمون فيها بعض أمور دينهم المهمة، تنازل بعضهم في بيته نحو أولاده،وتركوا الأمر لوسائل الإعلام المنحرفة لتخرب عقول أطفالهم، وتشغلهم بما لا يسمن ولايغني من جوع، كأفلام الكرتون. أما المسلمون السابقون فقد استغلوا حب الأطفال للمرحواللعب بما يخدم دينهم ويقوي بنيانهم، حيث حرصوا على تدريب الأطفال على القتالبالسيوف والحِِرَب والمصارعة والمسابقة.
[6] الإعداد النفسي:
حرص الصحابة رضي الله عنهم على تخلية قلوب الأطفال من أمراض القلوب وعيوبالنفوس، كالنفاق والاعتقاد في غير الله تعالى والكبر والغرور والعجب والحقد والحسدوالتعلق بالدنيا وحب الجاه والسلطان. وتحلية قلوب أطفالهم باعتقاد الأثر في اللهتعالى وحده والتوكل عليه والخوف منه واللجوء إليه والتعلق به والركون إليهوالاعتماد عليه والاستعاذة به والتفويض إليه والجراءة في الحق والشجاعة الأدبيةوالحياء.
[7] الإعداد الخلقي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته يغرسون في قلوب الأطفال أصولالأخلاق الحميدة، كالشجاعة والصبر والصدق والأمانة والرحمة والشفقة والعفو عندالمقدرة والإحساس بالغير والكرم واحترام الكبير وتقبيل يد العالم والوالدين وتقديرأهل الصلاح وإجلال أهل العلم وتعظيم حملة القرآن وإنزال الناس منازلهم والإعراض عنالجاهلين ومصاحبة المتقين وعدم مخالطة السفهاء.
[8] الإعدادالدعوي:
وهذا غاية الإعداد. فلا يكفي أن يكون ولدك صوّاما قواما عالماعاملا صاحب خلق عظيم وآداب سامية وشجاعة نادرة وبطولة فريدة وقلب نقي واعتقاد صحيح،بل لابد من ثمرة هذه التربية. وثمرة ألوان التربية السابقة هي الدعوة إلى اللهتعالى. والدعوة إلى الله تعالى لا تقتصر على الخطب الوعظية والمحاضرات الدينية، بلتكون بأي وسيلة تؤدي الغرض، كالمقال وشريط الكاسيت والأناشيد الإسلامية والكتابووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والأخلاق العالية …
بارك الله فيك
لك مني اجمل تحية
الأخذ بها كثيرة جدا من الكتاب ومن السنة.
فمن الكتاب:
1- قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31].
2- قوله سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
3- قوله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
ومن السنة:
1- قول النبي عليه الصلاة والسلام في الموعظة التي حكاها العرباض بن سارية رضي الله عنه، وفيها: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)[2].
2- حديث المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)[3] وأجمع المسلمون على ذلك.
والسنة تبين ما أجمل في القرآن، وتفصل ما اختصر، وتعين ما أبهم، وقد خاطب الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بهذا المعنى في قوله عز وجل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]. وفي آية أخرى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64].
والسنة النبوية بالنسبة إلى ما ورد في القرآن على ثلاثة أنواع:
1- مؤكدة لما جاء في القرآن، فيكون الكتاب مثبتاً والسنة مؤيدة.
2- مبينة لما جاء في القرآن بتفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامه.
3- مشرعة لأحكام لم ترد في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها.
وللسنة مكانة عظيمة في نفوس المسلمين لمحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وشغفهم باتباعه لنيل رضوان الله تعالى ومحبته {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]..
ولا يجمل بالخطيب أو الداعية أو الواعظ أن تكون خطبته أو موعظته خالية من هدايات النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وتقريراته.
والملاحظ أن الانفتاح الإعلامي، وانتشار كثير من الحوارات والمناظرات على الفضائيات قد أثر كثيرا في بعض الخطباء والدعاة فصاروا يتقمصون شخصيات من يسمون بالمثقفين والمفكرين في كثرة الاستدلالات العقلية على حساب النصوص من الكتاب والسنة، وبعضهم صار يستبدل بالنصوص المعصومة أقوال الفلاسفة والمفكرين والكتاب الغربيين لما يلي:
1- إرضاء جمهوره من الحضور أو المستمعين الذين يستمعون له.
2- كسب ود الوسيلة الإعلامية التي أبرزته للناس، وخصته ببرنامج فيها دون غيره.
3- مجاراة ما يُلقى على أسماع الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة من ألفاظ ومصطلحات وأفكار لم تكن من قبل في معاجم الدعاة والمصلحين،ولا تجري على ألسنتهم؛ وذلك مثل: مصطلحات: أنا، والآخر، والرأي، والتعايش السلمي، والحوار، وغير ذلك.
4- محاولة إظهار نفسه أمام المستمعين بمظهر الخطيب المثقف الذي يُلم بأدوات العصر ومصطلحاته. ولو كان ممحصا لها، وناقدا لخللها لكان ذلك محمودا ولكن يغلب على هذا الصنف استخدامها والموافقة عليها والقناعة بها وربما ترويجها والدفاع عنها.
وقد تجتمع هذه الأسباب أو بعضها في الواحد من الخطباء.
ولا يجوز للخطيب أن يطوع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لضغوط العصر ومصطلحاته، أو يعرض عنه لأجلها؛ بل الواجب عليه أن يرد الناس إلى الجادة، ويربيهم على تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله والاستدلال به والتسليم له.
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالىإن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل)[4].
وذَكَر الشافعي رحمه الله تعالى حديثا فقال له رجل: تأخذُ به يا أبا عبد الله ؟ فقال: أفي الكنيسة أنا ؟! أو ترى على وسطي زُنَّارا ؟! نعم أقول به ، وكلما بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به)[5].
وقال إبراهيم الحربي رحمه الله تعالىينبغي للرجل إذا سمع شيئا من آداب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به)[6].
الموازنة بين أحاديث موضوعه وبين خطبته:
أغلب الموضوعات التي يتناولها الخطباء هي موضوعات شرعية تتعلق بالمعتقدات أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق أو غيرها، وتتفاوت هذه الموضوعات من جهة وفرة النصوص النبوية فيها وكثرتها من قلتها، وعليه فلا تخلو الأحاديث التي جمعها الخطيب لموضوع خطبته من حالات ثلاث:
الأولى: أن تكون في عددها ومساحتها مناسبة لخطبته فلا هي كثيرة تطول الخطبة بها ولا هي قليلة تقصر بها عن المطلوب، وهذه لا إشكال فيها.
الثانية: أن تكون كثيرة لا يمكن استيعابها في خطبة واحدة، وهذه يعمل معها ما ذكرته سابقا في الآيات الكثيرة بتقسيمها على موضوعات لعمل خطب عدة منها، ويمكن مراجعة ما ذكرته في تقسيم الآيات لتتضح الصورة أكثر[7].
الثالثة: أن تكون قليلة بحيث تقصر بها الخطبة قصرا مخلا، فيكملها بالآيات والآثار عن الصحابة والتابعين والأئمة وأقوال العلماء المتبوعين، ويمكن مراجعة ما ذكرته في فقرة الآيات القليلة في الموضوع وكيف يتعامل الخطيب معها لتكون الصورة أوضح[8].
ما يراعى في الاستدلال بالسنة:
في الاستدلال بالأحاديث النبوية أرى أنه يحسن بالخطيب مراعاة ما يلي:
أولاً: التأكد من صحة الحديث الذي يستدل به؛ فإن كان متواترا أو في الصحيحين أو أحدهما فلا إشكال، ولا يحتاج إلى مراجعة؛ لتلقي الأمة لهما بالقول، ولإجماع العلماء على الاحتجاج بأحاديثهما في الجملة.
وهنا يحسن التنبيه على أن الخطيب قد ينقل الحديث ممن نقل عن الصحيحين أو أحدهما وعزاه مؤلفه إلى الصحيح فالأولى أن يتأكد من ذلك بمراجعة الصحيح لما يلي:
أ- قد يكون مؤلف الكتاب الذي نقل منه واهما في عزوه للصحيح، أو أخطأ في ذلك، أو حصل خلل في الحواشي فنُقلت تخريجات أحاديث لأخرى، وهذا محتمل بل يقع في كثير من الأحيان.
ب- قد يكون أصل الحديث في الصحيح، والمؤلف ساقه بتمامه وألحق به زيادات أو ألفاظا ليست في الصحيح، ثم عزا الحديث للصحيح يريد أصل الحديث الذي ساقه بتمامه دون الزيادات أو الروايات الأخرى، ويكون استدلال الخطيب بجزء من الحديث، ويكون هذا الجزء من الزيادات لا من أصل الحديث، أو يكون من الألفاظ الأخرى التي ليست من ألفاظ الصحيح، فيعزوه للصحيح تبعا للمؤلف، مع أن اللفظ أو الزيادة التي ذكرها ليست في الصحيح.
جـ- قد يكون الحديث في الصحيح موقوفا أو معلقا، والمؤلف رفعه أو وصله باعتبار طرق أخرى رفعته أو وصلته وهي ليست في الصحيح، فينسب للصحيح ما ليس منه لمجرد أنه اطلع على حديث فيه كلام طويل أو تخريج كثير فانتزع منه (أخرجه البخاري أو مسلم) دون أن يقرأ بقية الحاشية ليعلم أن ما في الصحيح موقوف أو معلق.
ومراجعة الصحيح للتأكد لا تضر الخطيب، بل تنفعه بتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعناية به، واكتساب معرفة جديدة مع كل مراجعة يطالع فيها الصحيحين، وقد يقع بصره على حديث ما كان يعرفه من قبل، ويناسب هذا الحديث أن يكون موضوع خطبة أخرى، أو هو محتاج إليه في خطبته تلك وهو بجوار حديثه الذي أراد التأكد من ثبوته ولفظه، وقد وقع ذلك لي كثيرا.
أما إن كان الحديث في غير الصحيحين فلا يخلو الخطيب من حالات ثلاث:
1- أن يكون صاحب حديث عالما بتخريجه ورجاله والبحث فيهم والحكم عليه، فهذا خطيب محدث ، وليس مثلي من يرشد مثله.
2- أن لا يكون عنده أي معرفة بمراجعة كتب الحديث ومصادره، ولا يحسن بالخطيب أن يكون كذلك، ولا بد أن يتعلم ذلك ويمارسه حتى يعرف ما يخدم به خطبته.
وبإمكان المبتدئ أن يعتمد على كتب الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، ولاسيما صحيح الجامع وضعيفه؛ لسهولة تناول كتب الشيخ، وحسن فهرستها وترتيبها على الحروف الهجائية.
وبإمكانه أيضا أن يسأل المختصين أو طلاب العلم عن الأحاديث التي أشكلت عليه ولا يدري ثبوتها من عدمه، ويوجد مواقع على الشبكة العالمية تخدم السائلين في ذلك، أو يسأل بالهاتف أو غير ذلك، والحريص لن تعوزه الوسيلة في زمن ليس لمحتاج إلى علم فيه عذر أبدا.
وكم هو جميل أن تتوثق الصلات بين الخطباء والوعاظ والدعاة وبين علماء الحديث؛ للاستفادة منهم في علم الحديث، ولتوثيق ما يلقونه على الناس من خطب ومواعظ، فواجب على الخطباء والدعاة الاتصال بأهل الحديث، وواجب على أهل الحديث التعاون معهم، وتقديمهم بالرعاية والاهتمام على غيرهم من سائر طلاب العلم؛ وذلك لأن خطاب الخطباء والدعاة عام في الجوامع، وربما في وسائل الإعلام الأخرى من إذاعات وفضائيات وإنترنت، ويصل إلى جموع الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وتوثيقه بالصحيح من الأدلة والمعلومات أمر واجب، وفيه نفع عام. بخلاف الدروس التي لا يحضرها إلا القليل من الطلاب، وهم ممن لا يخشى عليهم في الغالب.
وقد فعل ذلك أسلافنا من قبل؛ إذ كان رئيس الخطباء في القرن الخامس قد تقدم إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه على الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى فما صححه أوردوه وما رده لم يذكروه[9].
3- أن يكون ملما بتخريج الحديث من مصادره الأصلية، ولكنه لا يستطيع الحكم عليه ولا معرفة رجاله، وهذا يتكئ في ذلك على علماء الحديث:
أ- فيبدأ بالمتقدمين المشهورين كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل وأبي حاتم وأبي زرعة الرازييين والبخاري ونحوهم. وقد ينقل العلماء تصحيحاتهم لبعض الأحاديث، كما ينقل الترمذي أحكام شيخه البخاري على بعض الأحاديث في سننه[10].
ب- ينظر إلى أحكام من بعدهم من أهل الحديث كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم.
ت- ينظر في أحكام المتأخرين من الحفاظ كالمنذري والذهبي وابن حجر والعراقي والهيثمي والسيوطي.
ث- ينظر في أحكام المعاصرين من أمثال أحمد شاكر والألباني والأرناووط وغيرهم.
وكل كتب هؤلاء العلماء موجودة ومتداولة ومتوافرة في المكتبات العامة، وأكثرها -إن لم يكن كلها- موجود على الموسوعات الالكترونية والشبكة العالمية وبإمكان الخطيب مراجعتها والاستفادة منها.
وأحسب أن السنة من جهة الرواية قد خدمت خدمة عظيمة على أيدي علماء الحديث على مر العصور، واللاحق من العلماء يكمل ما بدأه السابق، ويبدأ شيئا جديدا يكمله من بعده حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في عصرنا بحمد الله تعالى.
ثانياً: إن رأى أن العلماء قد اختلفوا في الحديث تصحيحا وتضعيفا، وعنده من الصحيح ما يغني عنه فيعرض عن هذا المختلف فيه، وإن اتحد معنى الحديثين فجعل الصحيح شاهدا لهذا المختلف فيه فأورده من هذا القبيل فتلك هي طريقة أهل الحديث في الضعيف المنجبر.
ثالثاً: إن كان الحديث مختلفا فيه وهو محتاج إليه ويمثل أصلا في خطبته، وليس عنده ما يغني عنه؛ فيزيد من البحث والتأمل حتى يصل إلى نتيجة، ويستعين في ذلك بأهل التخصص وطلاب العلم المتمكنين في الحديث فلعل أحدهم بحثه ووصل فيه إلى نتيجة فيفيده بها.
رابعاً: يحسن التنبيه على أنه لا يجوز للخطيب أن يعتمد شهرة الحديث وتداول الناس له على الألسنة، فيظن بذلك صحته فيورده في خطبته دون التأكد من ثبوته؛ فإن ما يتداوله الناس من أحاديث فيه الصحيح والضعيف والموضوع، وفيه ما ليس بحديث مما هو من الأمثال أو أقوال السلف أو أقوال الحكماء أو غيرهم، سرت هذه الأقوال بين العوام على أنها أحاديث وليست كذلك.
وقد كثر ذلك في الأزمان المتأخرة فكتب العلماء فيه كتبا فالحافظ ابن حجر كتب كتابه (اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة) ثم ألف السيوطي كتابه (الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة) وألف السخاوي كتابا عنوانه (المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة) ثم جاء تلميذه عبد الرحمن بن الديبع فاختصره في كتابه (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث) ثم كتب العجلوني رحمه الله تعالى كتابا سماه (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس).
وما كانت هذه العناية من العلماء حتى أفردوا كتبا في ذلك إلا حماية لجناب السنة، وحرصا على الناس من الضلال، وتنقية لما يتناقلونه من أقوال، وبيانَ ما هو حديث منها وما ليس بحديث، فلا يجوز للخطيب أن ينقل ما يجري على الألسنة في خطبته لمجرد شهرته وسريانه في الناس.
ويلحق بذلك ما هو من محفوظات الخطيب، مما لم يتيقن أنه حديث؛ فقد يكون الخطيب قد حفظ في صباه حديثا أو مقولة على أنها حديث من أبيه أو جده أو معلمه أو خطيب مسجدهم أو غيرهم، ورسخ في ذهنه أنه حديث، ولم يراجعه في كبره، فلا يجدر به أن ينقله في خطبته حتى يتأكد من ثبوته.
وكثيرا ما سمعنا بعض الخطباء والوعاظ يستدلون بأحاديث مشهورة ولكنها لا تثبت، وقد يكون منها ما هو موضوع، وينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما ذكره المؤلفون في الموضوعات من دواعي وضع الأحاديث واختلاقها: القص على الناس وتذكيرهم وموعظتهم.
ومرة سمعت واعظا في إحدى المساجد الكبرى يعظ الناس على إثر ريح شديدة أصابتهم فبدأ موعظته يأمر الناس أن يقولوا (اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) وردد ذلك عليهم، وكرر الدعاء به، مستدلا بالحديث المشهور في ذلك، وهو لا يثبت، ومبينا لهم أن الرياح في كل آيات القرآن رحمة، وأن الريح عذاب، ولم تأت مفردة في سياق الرحمة أبدا. وفي هذا الإطلاق ذهول منه عن قول الله تعالى {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} [يونس:22].
بل إنه يجمل بالخطيب وإن كان حافظا للحديث عارفا بدرجته أن يراجعه حال التحضير لخطبته؛ لاحتمال الوهم، أو اختلاطه عليه بحديث آخر، وليستفيد رسوخه أكثر في ذهنه، وهو بمثابة المراجعة لحفظه.
خامساً: أرى أنه ينبغي للخطيب أن يذكر صحابي الحديث ومن أخرجه في خطبته باختصار؛ فإن ذلك أدعى للثقة فيما ينقل لدى المستمعين، ثم إنه قد يكون من المصلين معه من يستفيد من ذلك بترسيخ محفوظاته من الحديث النبوي.
سادساً: التأكد من مفردات الحديث وجمله؛ فإن التصحيف والتحريف قد يقعان أثناء النسخ أو الطباعة، وقد يرويه الراوي على الخطأ؛ ولذلك اعتنى العلماء قديما وحديثا بضبط ألفاظ الحديث، وإصلاح ما به من التحريف والتصحيف.
وخصوا هذا الموضوع بكتب أفردوها فيه ككتاب تصحيفات المحدثين، وكتاب شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف، كلاهما لأبي أحمد العسكري،وكتاب إصلاح غلط المحدثين للخطابي، وكتاب تصحيح التصحيف وتحرير التحريف لصلاح الدين الصفدي، ونبهوا فيها على ما وقع لبعض الرواة أو النساخ من تصحيف وتحريف.
ومن أمثلة ذلك: ما وقع لشيخ يعرف بمحمش أجلس للتحديث بعد وفاة محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله تعالى فحدث بحديث (يا أبا عُمير ما فعل النغير) فصحفه إلى (يا أبا عَمير ما فعل البعير) وحدث بحديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس) فصحفه إلى (خرس)[11] وأخطأ ابن لهيعة في حديثأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد) فحرفه إلى (احتجم في المسجد).
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: وهذه رواية فاسدة من كل جهة، فاحش خطؤها في المتن والإسناد جميعا، وابن لهيعة المصحف في متنه المغفل في إسناده، وإنما الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد بخوصة أو حصير يصلي فيها[12].
ومع كثرة الناشرين للكتب في هذا العصر، وازدهار سوق الطباعة، وتحول هذا العمل الجليل تدريجيا من قصد خدمة تراث المسلمين، وإخراجه للناس إلى تجارة بحتة، حتى صار بعض النصارى الموارنة في لبنان يشتغلون في كتب المسلمين ويطبعونها، وهكذا الأقباط في مصر، وبعض أتباع الفرق الضالة ينشرون كتب أهل السنة، وكثير من ملاك دور النشر والقائمين عليها هم من أجهل الناس بالكتب وقيمتها؛ وأيضا تصدى لتحقيق الكتب وتخريجها في كثير من الأحيان أناس ليسوا من أهل الصنعة، ولا علم لديهم بأصول الفنون التي يحققون الكتب فيها تارة بأسمائهم، وتارة أخرى بأسماء اللجان العلمية للدار فإن الأخطاء الفاحشة، والتحريفات الكثيرة قد أصابت كثيرا من كتب التراث المطبوعة؛ مما يوجب على المستفيد منها من الخطباء وغيرهم أخذ الحيطة والحذر، والتأكد من صحة النصوص المنقولة فيها ولا سيما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك يكون وفق الخطوات التالية:
1- على الخطيب أن يحرص على اقتناء الطبعات الجيدة لمكتبته، المحققة تحقيقا علميا ممن يوثق بعلمهم وورعهم، وخاصة فيما يتعلق بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم وغيرها، وكذلك الكتب الناقلة عنها من كتب الترغيب والترهيب والآداب والمواعظ والزهد وأدلة الأحكام ونحوها؛ فإنها وإن غلا ثمنها -بسبب حقوق المحققين الذين أمضوا سنوات طويلة في تحقيقها- فإن قيمتها فيها، وهي خير من الطبعات التجارية الرخيصة في قيمتها وفي تحقيقها.
وهذا يريح الخطيب والباحث على مدى الزمن، بطمأنينته إلى أكثر كتبه التي يملكها، ووثوقه فيها، ويوفر عليه وقتا طويلا قد يقضيه بسبب أغلاط في حديث حولت معناه أو أوجدت فيه إشكالات يستنزف وقته وجهده في حلها، ولربما رجع إلى كتب الشروح والغريب واللغة ثم يتبين له بعد جهد جهيد، ووقت طويل أن في متن الحديث خطأ في الطباعة!!
2- إذا كان الكتاب الذي سيأخذ منه الحديث لم يخدم كما ينبغي، ولا يوجد له طبعة جيدة -وهذا مع الأسف كثير في كتب التراث- أو هو لا يملك طبعة جيدة، فأرى أن يأخذ الحديث من طبعته السقيمة، ولكن يراجع كتبا أخرى مساعدة يغلب على ظنه أن الحديث فيها، مثل كتب الزوائد والشروح، والكتب المصنفة في موضوعات معينة، وهذا الحديث من ضمن موضوعاتها.
وكثيرا مما تتوارد نسخ عدة، وكتب متنوعة على الخطأ؛ لأن الخطأ في المصدر المنقول عنه، وقد يكون الخطأ في أصل المخطوط، ويكون اللفظ محتملا وليس فيه ما يستنكر، وقد يعذر الخطيب في هذه الحالة. لكن زيادة الاستيثاق، وحرص الخطيب على إدراك معنى الحديث يوصله إلى الصواب، ويقلل احتمال وقوع الخطأ بإذن الله تعالى، ولأهمية المثال العملي في توضيح الصورة للخطيب أسوق هذا المثال:
لو كان عند الخطيب حديث في مسند أحمد، والطبعة التي عنده للمسند رديئة، فيراجع طبعة جيدة ولو في مكتبة عامة، فإن لم يتوفر له ذلك، وكان الحديث في أحد الكتب الستة راجعه فيه- ويستعين في بحثه بجامع الأصول وفيه الموطأ وباقي الستة إلا ابن ماجه- فإن لم يكن في أحدها فيراجع مجمع الزوائد للهيثمي، وبإمكانه أن يراجع ترتيب المسند وشرحه للساعاتي المسمى (الفتح الرباني).
فإن كان الحديث في موضوع من موضوعات الترغيب أو الترهيب أمكنه مراجعة كتاب المنذري، وإن كان الحديث قولا للنبي صلى الله عليه وسلم أمكنه مراجعة الجامع الصغير للسيوطي، وزياداته للمناوي، وصحيحه وضعيفه للألباني. وهكذا …. ولن يعدم طريقة من الطرق يجد بواسطتها الحديث في مصادر أخرى.
ويستفيد من مراجعته لهذه الكتب المتنوعة فوائد كثيرة منها:
أ- الاطمئنان إلى لفظ الحديث، وتوثيقه قدر المستطاع.
ب- زيادة خبرته في التعامل مع كتب التراث، ومعرفة مناهج مصنفيها فيها، ومع كثرة المراجعة والممارسة يمتلك دربة في ذلك تمكنه من الوصول إلى المعلومة التي يريدها في أسرع وقت وأقل جهد؛ إذ إن هذه المراجعات تشبه دورات تعليمية سريعة في هذه الكتب العظيمة.
ت- قد يجد أحاديث أخرى تخدمه في موضوعه الذي يكتبه، وربما كانت هذه الأحاديث بالنسبة لموضوعه أهم من الحديث الذي قصده؛ مما يثري موضوعه ويقويه بالنصوص ويوسعه.
فمراجعته لمجمع الزوائد تمكنه من معرفة أحاديث أخرى في موضوعه أو قريبة منه في مسند أحمد أو مسند أبي يعلى أو مسند البزار أو في معاجم الطبراني.
ومراجعته للترغيب والترهيب تكسبه أحاديث أخرى في موضوعه أو قريبة منه، وقد يكون منها ما هو أقوى من حديثه أو في الصحيح، وقد غفل عن هذه الأحاديث أو لا يعلمها قبل مراجعته لهذا الكتاب.
ومراجعته للفتح الرباني تكسبه أحاديث أخرى وآثارا عن الصحابة والتابعين؛ لأن الساعاتي رحمه الله تعالى يعقد بابا في نهاية كل باب من ترتيبه لأحاديث المسند يجعله لزوائد الباب وأحكامه، يسوق فيه أحاديث وآثارا وأحكاما يكثر فيها النقل من كتب الشروح، وقراءة الخطيب لذلك تجعله أكثر إلماما بموضوعه، وتمكنا فيه، وتفتح له أبوابا عظيمة من العلم والمعرفة.
وإذا كان لديه كتاب ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزياداته على الأبواب الفقهية لعوني الشريف، أمكنه الاطلاع على أحاديث قولية أخرى في موضوعه الذي يريده أو قريبة منه.
ث- أنه يطلع على تخريج الحديث، فالمنذري والهيثمي والساعاتي يخرجون الأحاديث.
جـ- أنه يطلع على حكم على الحديث أو حكم على رجاله؛ فالمنذري والهيثمي يحكمان أحيانا على الحديث بالصحة أو بالحسن أو بالضعف أو النكارة، ويحكمان أكثر على رجاله بعبارات: ورجاله رجال الصحيح، ورجاله ثقات، أو موثوقون، أو فيه فلان مختلف فيه، أولم يوثقه إلا ابن حبان، أو ضعيف، أو منكر الحديث أو كذاب…
فإن كان الحديث لا يحتج به أسقط ذلك عن الخطيب عناء كبيرا من البحث في درجة الحديث. وكانت مراجعته تلك عونا له في السلامة من الاستدلال بحديث لا يحل الاستدلال به، ولا نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان الحديث مما حكما على رجاله بالتوثيق احتاج إلى التأكد من اتصال السند وعدم العلة المانعة من الاحتجاج بالحديث؛ لأنه لا يلزم من توثيق الرجال، أو كونهم من رجال الصحيح صحة الحديث؛ لاحتمال الانقطاع أو علة أخرى خفية.
وكذلك الساعاتي يحكم أحيانا على الأحاديث أو ينقل حكم من قبله عليها.
والسيوطي والألباني يحكمان أيضا على الأحاديث.
سابعاً: الاستيثاق من قراءته للحديث وإعرابه بشكل صحيح؛ فإن بعض الكلمات والجمل أو أسماء الرواة قد تكون عالقة في ذهنه على الخطأ، إما لأنه حفظه هكذا في صغره، أو سمعه من متحدث على الخطأ فرسخ في ذهنه، أو هو يقرأه ابتداء بشكل خاطئ، ويكون استيثاقه بما يلي:
أ- أن يراجع الحديث في طبعة محققة موثوقة مضبوطة بالشكل ويقرأه منها بتمعن، ويضبط في كتابته ما يحتاج إلى ضبط.
ب- أن لا يملك طبعة مشكولة، وفي هذه الحالة يراجع كتب الشروح، والشارحون غالبا ما يضبطون الكلمات المشكلة، ويذكرون الأوجه أو الخلاف إن كان ثمة خلاف، أو كان للكلمة أكثر من وجه.
ومما يحضرني من الأمثلة حديث (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا) فكلمة (عودا) اختلفوا في ضبطها على أقوال ثلاثة:
1- عَوْذَا عوذا، بالذال المعجمة، ومعناه: الاستعاذة بالله تعالى منها.
2- عَوْدَا عودا، بفتح الدال، على معنى أن الفتنة كلما زالت عادت مرة أخرى.
3- عُوْدَا عودا، على معنى أن الفتن تتوالى على القلب، كما يتوالى العود بإزاء العود في نسج الحصير.وقد توارد شراح صحيح مسلم القاضي عياض والقرطبي والنووي والأبي على ذكر هذه المعاني والترجيح بينها.
والمعنى الأخير هو الأشهر والأظهر، لكن معرفة الخطيب للمعاني الأخرى يفيده جدا، وقد يكون أحد المصلين حفظه على المعنى الآخر فيحتج عليه به، فيكون ملما بتلك المعاني، وهذا يُكسبه ثقة الناس فيه، وطمأنينتهم إلى ما يلقي عليهم.
وأحيانا يتصرف الرواة في الكلمة فيغيرون لفظها -بناء على جواز الرواية بالمعنى إذا لم يخل به- بزيادة حروف أو إبدالها بمرادف لكن المعنى يكون متقاربا، ومن لا علم له بذلك قد يظنه خطأ في الحديث، مع أن كل الألفاظ صحيحة لتقارب معانيها.
ومن أمثلة ذلك: ما جاء في حديث أبي رزين العقيلي لما سأل عن البعث وكيفيته فقال النبي صلى الله عليه وسلمأما مررت بوادي أهلك محلا….الحديث).
فكلمة (مَحْلا) هكذا جاءت في المسند، ومعناها: مجدبا، من أمحلت الأرض إذا أجدبت، وجاء في الرواية الأخرى للمسند وعند الطيالسي (مُمْحِلا) وهي بمعنى الأولى، ومثلها حديث النواس رضي الله عنه في شأن الدجال وفيه(فيصبحون مُمْحلين)، وجاء في رواية الطبراني (قَحْلا)، وقحل الناس: يبسوا من شدة القحط. فهذا اختلاف في الروايات لكن المعنى واحد.
ت- بإمكانه مراجعة كتب غريب الحديث إن كانت الكلمة غريبة -أي يقل استعمالها- أو كانت مشتركة مع غيرها في المعنى؛ فالمصنفون في الغريب يعتنون ببيان الفروق المعنوية بين المشتركات في الألفاظ، وأحيانا يوردون أحاديث أخرى فيها ذات الكلمة أو قريبة منها في المعنى فيستفيد الخطيب بمراجعتها نصوصا أخرى، واتساعا في علم معاني الحديث.
والكتب في الغريب كثيرة ومتداولة ومن أشهرها: كتب الخطابي والحربي وابن الأثير.
ث- يمكنه أيضا أن يراجع كتب أهل اللغة كالقاموس والصحاح واللسان ونحوها؛ فإن أهل اللغة يأتون بجذر الكلمة ويذكرون ما فيها من استعمالات، ويستدلون لما يوردون من المعاني بالقرآن والسنة وأشعار العرب وأمثالهم.
ثامناً: التأكد من أن استدلاله بالحديث صحيح، فقد يكون معنى الحديث أو الشاهد منه على غير الوجه الذي أراده الخطيب؛ إما لفهمه على الخطأ، أو سمعه من أحد خطأ، أو يكون المعنى الذي قصده شاذا أو مرجوحا، وقد يحكيه على أنه المعنى الوحيد للحديث مع كونه مرجوحا.
وتلافي الخطأ في ذلك يكون بمراجعة كتب الشروح، ويستفيد من مراجعتها بعض النصوص الأخرى غير حديثه المشروح، وقد يجد آثارا وأقوالا للعلماء تنفعه في موضوعه.
فإن كان حديثه في الكتب الستة فقد شرحت شروحا كثيرة، وإن كان الحديث في كتاب لم يطبع له شرح، أو هو لا يملكه، فلن يعدم حيلة يجد فيها الحديث:
فقد يجده في شروحات عمدة الأحكام أو المنتقى أو بلوغ المرام إن كان الحديث في الأحكام.
وإن كان الحديث قولا وجده في شروح الجامع الصغير كفيض القدير للمناوي.
وربما وجده في شروحات مشكاة المصابيح أو رياض الصالحين أو شرح السنة للبغوي أو غيرها من كتب المجاميع والشروح.
تاسعاً: ينبغي للخطيب أن لا يشير إلى الأحاديث إشارة لا يفهمها إلا من كان حافظا للحديث، مستحضرا له، فليس كل المصلين يحفظون الأحاديث، وليس كل من يحفظها يستحضرها في الحال، ولا سيما إذا كان الحديث لا يطرق الأسماع كثيرا.
عاشراً: إذا كان في الحديث إشارة توضيحية من النبي عليه الصلاة والسلام، فأرى أن يطبقها الخطيب وهو يقرأ الحديث؛ تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولإفهام المصلين كيف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالوصف وحده قد لا يفهمه كل المصلين، والفعل أبلغ من الوصف.
وكثيرا ما جاء في الأحاديث: وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، وخنس الإبهام، فبسط يديه أو قبضهما، وأشار بيده هكذا، أو قبل المشرق، يقول هكذا بأصبعه، وقبض أصابعه…
وأحيانا قد لا يجد الخطيب وصفا دقيقا في الرواية كيف فعل النبي عليه الصلاة والسلام، إما لاختصارها أو بدا للراوي أنها معروفة فلم يوضحها، وعلى الخطيب في مثل ذلك أن يجمع الروايات، ويطلع على شرح الحديث؛ ليتبين له الوصف كاملا إما من رواياته الأخرى وإما من كلام الشراح.
وذلك مثل حديث ابن عمر في أن الله تعالى يطوي السموات والأرضين بيديه، قال ابن عمر يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث بهذا: ويقبض أصابعه ويبسطها. هكذا في رواية مسلم، والحديث في الصحيحين. وزاد ذلك إيضاحا رواية للنسائي وفيها: وجعل باطنها إلى السماء[13].
الحادي عشر: إذا أنهى الخطيب صلاته، ثم سئل عن معنى في حديث استشهد به، أو أورد أحد المصلين عليه إشكالا في استدلاله، أو دليلا آخر ينقض ما قرره في خطبته، فلا يخلو الخطيب من حالين:
الأولى: أن يكون عنده جواب لهذا الإشكال، ويعلم ما قد يورد على استدلالاته من أدلة أخرى، ولديه أجوبة لها -ولا يتأتى ذلك للخطيب إلا بالتحضير الجيد- فليزل تلك الإشكالات، ويُجِبْ عنها بما آتاه الله تعالى من علم وفقه وتحضير جيد لموضوعه.
الثانية: أن لا يكون عنده جواب لهذا الإشكال، ولا يعلم بالأدلة التي أوردت عليه، فلا يجوز له حينئذ أن يخلص نفسه من هذا المأزق بالكذب، أو بنفي ما لا يعلم مع احتمال ثبوته، ولا يحل له أن يصر على رأيه وهو غير متأكد مما أورد عليه.
مثال ذلك: لو تحدث الخطيب عن فوائد الأمراض وما يحصل فيها من الأجر والثواب، وساق الآيات والأحاديث في فضل الصبر على المصائب، ثم أورد ما جاء في المسند وغيره من أن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قد دعا على نفسه بالحمى، فلازمته حتى إن حرها ليوجد من وراء اللحاف، واستشهد الخطيب بفعل أبي رضي الله عنه على جواز أن يدعو الإنسان على نفسه بالمرض ابتغاء الأجر، ولا سيما أن أبيا رضي الله عنه من فقهاء الصحابة وعلمائهم.
ثم أورد معترض على الخطيب الأحاديث التي فيها الأمر بسؤال الله تعالى العفو والعافية، والأخرى التي فيها النهي عن الدعاء على الأنفس أو الأولاد أو الأموال، وذكر قصة الرجل الذي دعا على نفسه فزاره النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكله المرض، فأنكر عليه الصلاة والسلام عليه دعاءه على نفسه، وقصته مخرجة في صحيح مسلم.
ولا شك في أن الخطيب في مثل هذه الحالة مخطئ، ولا يحل له المكابرة والإصرار على الخطأ، وفعل أبي رضي الله عنه اجتهاد منه يؤجر عليه إن شاء الله تعالى، ولكن لا يقضى باجتهاده رضي الله عنه على النصوص الصحيحة الصريحة في هذا الباب، ولا يوافق عليه بحجة أنه من علماء الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه وإن كان كذلك فهو غير معصوم من الخطأ، وقد تخفى عليه بعض النصوص، ولا عصمة إلا للرسل عليهم السلام.
والواجب الشرعي، ثم الشجاعة الأدبية يقضيان على الخطيب بأن يراجع الحق، ويعترف بخطئه، وأن يشكر من تعقبه فيه، وبينه له، وأن يسعى إلى تصحيحه في خطبة تالية سواء صرح بخطئه، وذكر لهم أنه راجع عنه، وهذا أحسن.
فإن عجز عن ذلك قرر الصواب الذي يعارض ما قرره من خطأ سابقا، ويؤكد عليه مستشهدا بما علمه من أدلة كان من قبل يجهلها، فإن نوقش عقب الصلاة بقوله السابق بين أنه اخطأ فيه، وأنه صححه في هذه الجمعة.
وقد يظن بعض الخطباء أن مثل هذا الاعتراف يقلل من ثقة المصلين في الخطيب، وهذا ظن خاطئ، بل الاعتراف بالخطأ يزيد من طمأنينة المصلين وثقتهم في خطيبهم؛ لأنهم سيتيقنون أو يغلب على ظنهم أن ما لم يعتذر خطيبهم عنه فهو صحيح، فهو قد عودهم على الاعتذار مما يخطيء فيه.
وقد بينت في مقال سابق أنواع المناقشين للخطيب، وكيفية التعامل مع كل نوع منهم[14].
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] أود التنبيه على أمرين:
الأول: أن هذه المقالة وما قبلها وما سيتلوها في هذا الباب لا تختص بالخطيب وحده، وإن خوطب بها، بل يشترك معه الداعية والمحاضر والواعظ، وكل من تصدى لدعوة الناس، وأراد تحضير موضوع من الموضوعات لخطبته أو محاضرته أو موعظته أو بحثه أو مقالته.
الثاني: أنني ما جمعت مادة هذه المقالات من كتب متخصصة في الخطابة والدعوة وغيرها؛ لأنني لم أجد فيها ما أريد، وعليه فلا مراجع عندي لهذا الموضوع، ولا الذي قبله ولا ما يليه في هذا الباب، وإنما هي تجارب وممارسات خلال السنوات الماضية أردت أن أكتبها لإخواني، فالنقص والزلل محتمل فيها، والله الموفق.
[2] رواه أبو داود:4607 والترمذي وقال: حسن صحيح:2676 وابن ماجه:42 والدارمي: 95.
[3] رواه أبو داود (4604) وأحمد 4/130.
[4] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص142.
[5] الحلية لأبي نعيم9/106.
[6] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص142.
[7] انظر استدلال الخطيب بالقرآن، البيان عدد() ص().
[8] المصدر السابق.
[9] سير أعلام النبلاء 18/280وطبقات الحفاظ للسيوطي 1/435.
[10] انظر على سبيل المثال هذه الأحاديث في الترمذي: فحديث رقم (128)نقل فيه تصحيح أحمد والبخاري لحديث حمنة بنت جحش فيما تفعل المستحاضة وحديث(614) نقل فيه استغراب البخاري لحديث كعب ابن عجرة رضي الله عنه في الأمراء، وحديث(620) نقل فيه تصحيح البخاري لحديث في الصدقة عن علي رضي الله عنه وانظر أيضا644 و683 و758 و1016 و1177 و1178 و1461 و1366 و1776 و1841 و2697).
[11] انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم ص146 وفتح المغيث 3/74.
[12] التمييز، ص187.
[13] السنن الكبرى (7695).
[14] انظر: استدلال الخطيب بالقرآن، البيان عدد () ص ().
***9829; صلوا على من علمنا الحب ***9829;
***9829; واخى القلب بالقلب ***9829;
***9829; وفتح للخيرات كل درب ***9829;
***9829; صلوا على من ينادى يوم القيامة ***9829;
أمتــــى ***9829; أمتــــى
اللهم صلي وسلم على اشرف خلقك و اجعله لنا قدوة
[
اعمال يحبها الله في رمضـــــــــــــان
هذه بعض السنن الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام والتى من شأنها مضاعفة الثواب والحسنات لمن فعلها,فشمروا عسى أن نكون ممن قبلهم الله فى رمضان,ومن عليهم بالعتق والغفران.
أولا: الجلوس بعض صلاة الفجر إلى طلوع الشمس لذكر الله ثم صلاة الضحى
************ ********* *
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى الصبح في جماعة، ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كان له مثل أجر حجة وعمرة تامة".. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تامة تامة تامة". رواه الترمذى
ثانيا:من السنن المستحبة صلاة الضحى
************ ********* ********* *****
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى " : السلامى بضم السين وتخفيف اللام : هو العضو ، وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء.(صحيح مسلم)
وعنها قال النبى صلى الله عليه وسلم أيضا:
{ لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب ، وهي صلاة الأوابين } .
( حسن ) .
ثالثا:الذكر
***********
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، و أزكاها عند مليككم ، و أرفعها في درجاتكم ، و خير لكم من إنفاق الذهب و الورق ، و خير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : " ذكر الله " صحيح الإسناد
وقال صلى الله عليه وسلم:
"سبق المفردون ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات".
رواه مسلم
رابعا:الصدقة
************ *
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى }
[صحيح الترغيب].
وروى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما , كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس , و كان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاة جبريل عليه السلام , و كان يلقاة كل ليلة فى رمضان فيدارسة القرآن فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة .
خامسا:عمرة رمضان
************ ******
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
": عمرة فى رمضان كحجه معى" .
( متفق عليه)
سادسا: السحور
************ ***
و قد اجتمعت الأمة على استحبابة , فعن أنس رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (( تسحروا فإن السحور بركة )) رواة البخارى و مسلم
سابعا: تعجيل الفطر
************ ******
يستحب للصائم أن يُعجل الفطر متى تحقق غروب الشمس فعن سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )) رواة البخارى و مسلم .
و ينبغى ان يكون الفطر رُطبات وتراً فإن لم يجد فعلى الماء , فعن انس رضى الله عنه قال (( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يُفطر على رطبات قبل أن يُصلى , فإن لم يكن فعلى تمرات , فإن لم تكن حسا حسوات من ماء رواة ابو داود و الحاكم و صححة الترمزى و حسنة .
ثامنا: الدعاء عند الفطر و أثناء الصيام
************ ********* ********* ****
روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه و سلم قال (( إن للصائم عند فطرة دعوة ما تُرد))؟
و كان عبد الله إذا افطر يقول (( اللهم إنى أسألك برحمتك التى وسعت كل شىء ان تغفر لى))؟
و ثبت ان النبى صلى الله عليه و سلم كان يقول (( ذهب الظمأ و إبتلت العروق و ثبت الأجر إن شاء الله))؟
و رواى مرسلاً أنه صلى الله عليه و سلم كان يقول (( اللهم لك صمت و على رزقك أفطرت))؟
و روى الترمزى بسند صحيح انه صلى الله عليه و سلم قال (( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر و الإمام العادل و المظلوم))؟
تاسعا: السواك
************ **
يستحب للصائم أن يتسوك أثناء الصوم و لا فرق بين اول النهار و آخرة.
و قال الترمزى (( و لم ير الشافعى بالسواك , أول النهار و آخرة بأساً )) و كان النبى صلى الله عليه و سلم يتسوك و هو صائم .
عاشرا: الإجتهاد فى العبادة فى العشر الأواخر من رمضان
************ ********* ********* ** ***
روى البخارى و مسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه و سلم (( كان إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل , و أيقظ أهلة , و شد المئزر )) و فى رواية مسلم (( كان يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيرة))؟
اللهم اجعلنا من اهل الجنة…….
جعل الله مثواك الجنة غاليتي سارة ….بارك الله فيك …نتمنى دائما تتبع مواضيعك القيمة بارك الله فيك.
شكراااا غاليتي نور على مرورك العطر……
نورتي موضوعي بردك…..اللهم اجعلنا من اهل الجنة……
شكراااا غاليتي نور على مرورك العطر……
نورتي موضوعي بردك…..اللهم اجعلنا من اهل الجنة……
|
اللهم آمييييييييييين ….بارك الله فيك …جعل الله مثواك الجنة.
من فيض الهجرة النبوية
من فيض الهجرة النبوية
ياغار فزت بسيد الأكوان
ومضيت تحمل جذوة الإيمان
لما اصطفاك المصطفى كنت الحمى
من غدر أهل الكفر والطغيان
كم قام فيهم داعيا لفلاحهم
فأبو ا الضياء وشرعة الدياّن
هل مثل طه من يخالف رأيه
ويساء من أهل ومن جيران
وهو الأمين هو الشفيع المرتجى
خير الدعاة وأنبل الفرسان
جهلوا وضلوا حين قالوا كاذب
والضب يشهد فى هدى وبيان
ويقول للمختار أنت سراجنا
أنت الصراط لجنة الرضوان
كفروا وعاثوا فى الفساد وفى الهوى
لم يرتضون عبادة الأوثان ؟
كم عذبوا أهل الحقيقة والتقى
بالصخر والأشواك والحرمان
لكنه الإيمان بين قلوبهم
نورا يمزق عتمة البهتان
قال الرسول ولو أتيتم بالتى
هى نور هذا الكون فى إذعان
أنا لن أحيد عن الهداية لحظة
حتى أرى الإسلام فى الأكوان
قالوا اقتلوه ومزقوا أصحابه
يفن الخلاف وتصبحوا بأمان
ياداعى الرحمن ربك حارس
والكفر واه باء بالخذلان
جمعوا الظلام مع الضلال ليطفئوا
بدرا يضىء الكون بالقرآن
كل بسيف الغدر شان يمينه
والله فوق الماكر الفتّان
وعلى نام على فراش المجتبى
تفديه روحى من أذى وهوان
خرج الرسول على الذين تآمروا
فرآهموا كالصم والعميان
نثر التراب على رءوس لم تع
أن الهدى عال على الكفران
ومضى إلى الصدّيق هيا يا أخى
حان الرحيل وهجرة الأوطان
إن ساءنى أهلى وصاروا عورتى
فبمن ألوذ من الأذى والجان
يا بكة الحسناء أنت حبيبتى
لكن قربك ليس فى إمكانى
الغار أشرق وجهه للمصطفى
والورق باضت فى رضا وتفان
بحثوا وقالو أين راح محمد؟
نظروا ولكن تاهت العينان
همس الصديق إلى الحبيب برقة
أخشى الأذى يا شمس كل زمان
فأجابه المختار إن حمايتى
رب البرية جنده أعوانى
وإلى المدينة سار خير مهاجر
وسراقة الطماع فى خسران
فهدى وربى بالفضائل أمة
لم تسع الا فى رضا المنان
يا كامل الأخلاق خلفك نهتدى
ونقود هذا الكون للإحسان
بالعلم والقرآن والدنيا معا
كم قام صرح عالى البنيان
صلى عليك الله ثم من اهتدى
ياواصل الإنسان بالرحمان
وحمى سناك من الذين تجرءوا
من جهل باغ حقده أدمانى
لا لن يسىء إليك إلا فاجر
وغد بذىء آثم شيطانى
أسست للإنسان أكمل دولة
حوت الجميع بنعمة وأمان
أما سواك فمن وأين وقد عموا
وهم الطغاة على مدى الأزمان
هل يذكر التاريخ عنك سوى الهدى
النور أنت ومن سيجحد فان
Read more: http://www.anageed.com/vb/t34805.html#ixzz2ET3MLolQ
سبحان الله وبحمده.
أحسنتم إختيار هذا الموضوع المفيد
بارك الله لكم
نفسر الحديث والدعابة
ما أجتمع قوما يتدارسون كتاب الله
الا حفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده.
(جعلنا الله ممن يذكرون عنده)
ويريد ان يطبق الحديث على نفسه أو على الآخرين دون ان يفهم معنى الحديت
بالمرفقات تفسير لما كتبته .