التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

صحة صور مرج البحرين يلتقيان ؟! و الله اعلم

صحة صور مرج البحرين يلتقيان ؟! و الله اعلم


الونشريس

صحة صور مرج البحرين يلتقيان ؟!

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

انتشر هذه الفترة صور تدل علي معجزة الله في الاية ( مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان))

الونشريس

الونشريس

فهل هذه الصورة صحيحة ؟؟

بارك الله فيكم

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .

لا يحسن التسرّع في قبول مثل هذ ونَشْره ، إلاّ بعد التأكّد من الصورة ، والتأكّد من الثِّقَاة من أهل الختصاص ، فقد اختلف السلف في تفسير الآية .

قال القرطبي : قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) (مَرَجَ) ، أي : خَلّى وأرْسَل وأهْمَل ، يُقال : مَرَج السلطان الناس : إذا أهملهم ، وأصْل الْمَرْج الإهمال ، كما تَمْرج الدابة في الْمَرْعَى ، ويُقال : مَرج خَلط … (الْبَحْرَيْنِ)

قال ابن عباس : بَحْر السماء وبَحْر الأرض ، وقاله مجاهد وسعيد بن جبير . (يَلْتَقِيَانِ) في كل عام ، وقيل : يلتقي طرفاهما ، وقال الحسن وقتادة : بَحْر فارِس والرّوم ، وقال ابن جريج : إنه البحر المالح والأنهار العذبة ، وقيل : بَحْر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان . (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ) ، أي : حاجز ؛ فَعَلَى القول الأول ما بين السماء والأرض ، قاله الضحاك ، وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما ، وهي الحجاز ، قاله الحسن وقتادة ، وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدم في " الفرقان " . اه .

ويقصد به قوله تعالى في سورة الفرقان : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) .

والله تعالى أعلم .

الشيخ عبد الرحمن السحيم




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

بشارة الأنبياء

بشارة الأنبياء


الونشريس

محمّد(صلى الله عليه و سلم .. بشارة الأنبياء
الونشريس * أسرة البلاغ
رسالة الأنبياء الكبرى ودعوتهم الجامعة هي "الدين"، فهم جميعاً بعثوا ليبشِّروا به ديناً واحداً هو دين الإسلام.. دين الخضوع والإستسلام لأمر الله.. دين الهداية والإنقاذ للبشرية مع تفاوت في درجات التبليغ، واختلاف في منهج التعبُّد والبناء الاجتماعي.
ومع هذا التفاوت في الرسالات، والدعوات الإلهيّة، فإنّ معالمها الرئيسيّة جميعاً تتركّز في الرسالة الشاملة لهذا الدين، رسالة محمّدصلى الله عليه و سلم .
فهي جميعاً قبس من أنوار هذا الدين، وتشكيلة عقائدية، وتشريعية من مادة هذا المنهاج الكبير.. وهي جميعاً تسلك كخطوات تمهيدية، ومبادئ تحضيرية لإعداد البشرية من أجل حمل رسالة هذا الدين، والإيمان بدعوته.
لذا كان طبيعيّاً أن يوجّه الأنبياء ـ أصحاب الرسالات الكبرى ـ كموسى وعيسى(ع) أتباعهم إلى انتظار هذا الدين العظيم، لإعتناق دعوته، والتصديق برسالته، والإيمان بنبيّه محمّد(ص)، فقد أشارت الكتب الإلهيّة المقدّسة ـ التوراة والإنجيل ـ إلى مجيء هذا النبيّ العظيم، موجهة أتباعها إلى انتظار الدين، والإنضواء تحت دعوته، والتصديق برسالته.
ولقد كان اليهود ينتظرون بعثة نبيّ يبعثه الله منقذاً وهادياً للبشرية ويعرفونه في كتبهم وتباشير مستقبلهم، ولقد كانوا يصرِّحون بذلك وينتظرون بعثته لينتصروا به على العرب من الأوس والخزرج.
ولقد سجّل القرآن هذه الحقيقة وذكّر اليهود بها، فخاطبهم بقوله: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقُ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ) (البقرة/ 89).
ولقد حدثت أحداث ووقائع تاريخيّة مشهورة في التاريخ اليهودي من قبل مجيء محمد(ص) دلّت على ذات المعنى الذي أشارت إليه الآية الكريمة من بعد البعثة (… وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ…).
فقد ورد عن ابن عبّاس في تفسير هذه الآية قوله: "كان اليهود يستفتحون – أي يستنصرون – على الأوس والخزرج برسول الله (ص) قبل مبعثه، فلمّا بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّد، ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث.فقال سلام بن مِشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالّذي كنّا نذكر لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية".
وروى العياشي بإسناده رفعه إلى أبي بصير عن أبي عبدالله، فقال: "كانت اليهود تجد في كتبها أنّ مهاجر محمّد رسول الله (ص) ما بين عيَر واُحُد، فخرجوا يطلبون الموضع فمرّوا بجبل يقال له حداد، فقالوا حداد وحد سواء فتفرّقوا عنده، فنزل بعضهم بتيماء، وبعضهم بفدك، وبعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم فمرّ بهم أعرابيّ من قيس فتكاروا منه، وقال لهم أمرُّ بكم ما بين عيَر واُحُد فقالوا له إذا مررت بهما فآذِنّا بهما، فلمّا توسّط بهم أرض المدينة، قال ذلك عيَر، وهذا اُحُد، فنزلوا عن ظهر إبله، وقالوا له قد أصبنا بغيتنا، فلا حاجة بنا إلى إبلك، فاذهب حيث شئت، وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر: إنّا قد أصبنا الموضع، فهلمّوا إلينا، فكتبوا إليهم: إنّا قد استقرّت بنا الدار، واتخذنا بها الأموال، وما أقربنا منكم، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم، واتخذوا بأرض المدينة أموالاً، فلمّا كثرت أموالهم بلغ ذلك، تبعاً، فغزاهم، فتحصّنوا منه، فحاصرهم ثمّ أمنهم فنزلوا عليه، فقال لهم إنّي قد استطبت بلادكم، ولا أراني إلاّ مقيماً فيكم، فقالوا له: ليس ذلك لك، إنّها مهاجر نبي، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك. فقال لهم: فإنّي مخلف فيكم من أُسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره، فخلف حيين تراهم الأوس والخزرج، فلمّا كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود، فكانت اليهود تقول لهم: أمّا لو بعث محمّد لنخرجنّكم من ديارنا وأموالنا، فلمّا بعث الله محمّداً (صلى الله عليه و سلم آمنت به الأنصار، وكفرت به اليهود".
وهو قوله تعالى: (وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحون عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى آخر الآية.
– بشارة الإنجيل بمجيء رسول الله محمد(ص):
على الرغم من التحريف الذي تحمله الأناجيل المتداولة، فإنّ ما وصل منها بأيدينا لازال يحمل البشارة برسول الله محمد(ص)، ومع ذلك فإنّ المترجمين للأناجيل حاولوا أن يُحرِّفوا ذلك أيضاً، كما سيتّضح فيما يلي:
جاء في إنجيل يوحنّا: (إن كنتم تحبّوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم "بار قليط" ـ معزّياً ـ آخر ليمكث معكم إلى الأبد…).
(وأمّا المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلّمكم كلّ شيء، ويذكّركم بكلّ ما قلته لكم).
(لا أتكلّم معكم كثيراً انّ رئيس هذا العالم يأتي، وليس له فيّ شيء).
(ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي..).
(لكنّي أقول لكم الحقّ، إنّه خير لكم أن أنطلق، لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله لكم ومتى جاء ذلك يبكت العالم على خطية وعلى برّ وعلى دينونة، أمّا على خطية فلانّهم لا يؤمنون بي، وأمّا على برّ فلانّي ذاهب إلى ربّي ولا ترونني أيضاً، وأمّا على دينونة فلانّ رئيس هذا العالم قد دين. إنّ لي أُموراً كثيراً أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأمّا متى جاء ذلك روح الحقّ، فهو يرشدكم إلى جميع الحقّ، لأنّه لا يتكلّم من نفسه، بل كلّ ما يسمع يتكلّم به ويخبركم بأمور آتية، ذلك يمجدني لأنّه يأخذ ممّا لي ويخبركم..).
وبالتأمل في هذه النصوص نجد أنّها تشير إلى:
1 ـ أنّ المسيح (ع) يوصّي ويبشّر بمجيء معزٍّ بعده.
2 ـ وأنّ مجيئه مشروط بذهابه.
3 ـ وأنّه مرسل من قبل الله تعالى.
4 ـ وأنّه يعلّم كلّ شيء.
5 ـ وأنّه يذكّر بما قاله المسيح (ع).
6 ـ وأنّه يشهد للمسيح (ع).
7 ـ وأنّ العالم سيتبع دينه.
8 ـ وأنّه لا يتكلّم من نفسه، بل يتكلّم بما يسمع.
9 ـ وأنّه يخبر بأمور آتية.
10 ـ وأنّه يمجد المسيح (ع).
11 ـ وأنّه يبقى معهم إلى الأبد.
وإذا راجعنا صفات رسول الله محمّد (ص) فنجد أنّ هذه تنطبق عليه تماماً، فإنّه يحمل القرآن الذي هو (تبيان لكلّ شيء)، ويخبّر عن أمور آتية وقعت بعد نزوله، وأنّه يشهد للمسيح (ع) بالنبوّة، والرسالة، ويمجّد المسيح (ع)، وهو لا يتحدّث من نفسه بل بما يوحى إليه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى) (النجم/ 3-4).
وقد انتشر دينه في العالم، وقرآنه حيّ خالد إلى الأبد، ويزداد يقيننا أكثر إذا علمنا أنّ كلمة المعزى هي ترجمة محرفة لكلمة (بيريكليتوس) اليونانيّة التي كتب بها إنجيل يوحنّا منذ البداية، وهي تعني في ترجمتها الدقيقة (أحمد)، وقد حرّفت الكلمة في الأناجيل عند ترجمتها إلى (باريكليتوس) والتي تعني المعزي.
وذلك ينطبق حرفيّاً مع ما أثبته القرآن من كلام المسيح (ع) إلى بني إسرائيل: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ…) (الصّف/ 6).
مَن يراجع التاريخ يجد أنّ تبشير المسيح (ع) بنبيّ يأتي بعده كان من الأمور المسلّمة لدى النصارى من زمن المسيح (ع)، وقبل ظهور الإسلام، وقد نقل المؤرّخون مثل (وليم مور)، بأنّه وجد
من أتقياء المسيحيّين بعد المسيح (ع)، مَن ادّعى كونه هو (البارقليط) الموعود، وإن ناساً كثيرين قد اتّبعوه مصدّقين.. وذلك يؤكّد بأنّ النصارى ظلّوا قروناً قبل البعثة النبويّة ينتظرون هذا المرسل.
وقد دفع هذا الاعتقاد بالبعض إلى استغلاله والادّعاء بأنّه هو النبيّ الموعود منهم (منتسي) الذي كان رجلاً روحانيّاً وادعى في عام (187) بأنّه هو الرّسول الذي أخبر عنه المسيح وقد تبعه جماعة من الناس. وهذا بدوره يؤكّد أنّ مسيحيّي القرون الاُولى كانوا يفهمون البارقليط إنساناً رسولاً سويّاً لا ملاكاً ولا روحاً إلهيّاً، حيث حاول بعض القسسة تفسير البارقليط بأنّه روح القدس، وأنّه حلّ بعد المسيح على تلاميذه فأنطقهم بكلّ اللغات!..
كما أنّنا لم نجد في التاريخ ورود معارضة من قبل نصارى صدر الإسلام عند نزول القرآن وإخباره بأنّ التوراة والإنجيل قد بشّرتا برسول الله محمّد (صلى الله عليه و سلم ولكن نقلت وقائع تأريخيّة عن نقاش اليهود والنصارى فيما إذا كان الرّسول الموعود هو هذا أم غيره، ممّا يؤكّد أنّ البشارة الواردة هي بشارة برسول إنسان يرسل من قبل الله تعالى.. وقد دخل الإسلام كثير من اليهود والنصارى بسبب تلك البشارة المثبتة في كتبهم.
وقد أشار القرآن إلى هذه الحقائق مثبّتاً إيّاها، ومحتجّاً بها على اليهود والنصارى بقوله: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ…) (الأعراف/ 157).
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرَاً بِرَسُولٍ يَأتِي مِن بَعْدِي اسْمهُ أَحْمَدُ) (الصّف/ 6).
ولقد تجلّت هذه الحقائق لدى كلّ منصف وباحث عن الحقّ.. يريد الاستجابة لدعوة الهدى.. كالنجاشي ملك الحبشة المسيحي الذي استجاب لكلمة الحقّ حينما وجّه إليه رسول الله (ص) كتاباً يدعوه فيه للإيمان ويحثّه على الدخول في الإسلام، فأسلم، وسجلت كلمته الخالدة التي احتضنها قلب التاريخ فحفظها شهادة انصاف.. وكلمة منصف لا يتأثّر بموروثات البيئة، ولا يخضع لضغط الكبرياء والعصبيّة..
قال كلمته الخالدة: "أشهد الله أنّه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب..".
وهكذا يتّضح لكلّ منصف وباحث عن الحقّ أنّ محمّداً (ص) كان بشارة الأنبياء ومنتظر الرُّسُل المرجو لإصلاح البشرية وإنقاذها.. يبشّر به الأنبياء ويدعون الله لبعثته.
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم (ع) بشّر قبل موسى وعيسى بالبعثة ودعا ربّه أن يبعث في هذه الأمّة نبيّاً منها، هادياً ومنقذاً فكانت هذه الدعوة إشارة إلى مجيء نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وسلم، كان القرآن قد كشف عنها، في آيتين متناسقتين في الصيغة والمعنى، فقال تعالى حاكياً عن لسان إبراهيم دعاءه: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِم رَسُولاً مِنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِك وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّك أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة/ 129).
فكان هذا الدُّعاء المستجاب بشارة، وإشارة إلى بعثة نبيّ الرّحمة محمّد (صلى الله عليه و سلم هادياً ومرشداً من ذرِّيّة إبراهيم (ع).
هذا الدعاء الذي وجد جوابه في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّنَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةِ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَ لٍ مُبِينٍ) (الجمعة/ 2).
قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم : "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى عليهما السّلام".




رد: بشارة الأنبياء

اللهم صلي و سلم على اشرف الخلق

بارك الله فيك اختي حياة
و لكن اختي عند الصلاة على رسول الله لا يجب كتابة (ص)و يجب كتابة (صلى الله عليه و سلم)

شكراااااا

ننتظر جديدك




رد: بشارة الأنبياء

شكرا لك وشكرا




رد: بشارة الأنبياء

ولم شكرا على الواجب




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

تفسير سورة القيامه

تفسير سورة القيامه


الونشريس

الونشريس

تفسير سورة القيامة عدد آياتها 40 ( آية 1-40 )
وهي مكية

{1 – 6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ }

ليست { لا } [ها] هنا نافية، [ولا زائدة] وإنما أتي بها للاستفتاح والاهتمام بما بعدها، ولكثرة الإتيان بها مع اليمين، لا يستغرب الاستفتاح بها، وإن لم تكن في الأصل موضوعة للاستفتاح.

فالمقسم به في هذا الموضع، هو المقسم عليه، وهو البعث بعد الموت، وقيام الناس من قبورهم، ثم وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم.

{ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة، سميت { لوامة } لكثرة ترددها وتلومها وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت ، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه، من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق، أو غفلة، فجمع بين الإقسام بالجزاء، وعلى الجزاء، وبين مستحق الجزاء.

ثم أخبر مع هذا، أن بعض المعاندين يكذب بيوم القيامة، فقال: { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أن لَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ } بعد الموت، كما قال في الآية الأخرى: { قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } ؟ فاستبعد من جهله وعدوانه قدرة الله على خلق عظامه التي هي عماد البدن، فرد عليه بقوله: { بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } أي: أطراف أصابعه وعظامه، المستلزم ذلك لخلق جميع أجزاء البدن، لأنها إذا وجدت الأنامل والبنان، فقد تمت خلقة الجسد، وليس إنكاره لقدرة الله تعالى قصورا بالدليل الدال على ذلك، وإنما [وقع] ذلك منه أن قصده وإرادته أن يكذب بما أمامه من البعث. والفجور: الكذب مع التعمد.

ثم ذكر أحوال القيامة فقال:

{ 7 – 15 } { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }

أي: إذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول العظيم، وشخصت فلا تطرف كما قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ }

{ وَخَسَفَ الْقَمَرُ } أي: ذهب نوره وسلطانه، { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى، فيجمع الله بينهما يوم القيامة، ويخسف القمر، وتكور الشمس، ثم يقذفان في النار، ليرى العباد أنهما عبدان مسخران، وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين.

{ يَقُولُ الْإِنْسَانُ } حين يرى تلك القلاقل المزعجات: { أَيْنَ الْمَفَرُّ } أي: أين الخلاص والفكاك مما طرقنا وأصابنا ?

{ كَلَّا لَا وَزَرَ } أي: لا ملجأ لأحد دون الله، { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } لسائر العباد فليس في إمكان أحد أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع، بل لا بد من إيقافه ليجزى بعمله، ولهذا قال: { يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أي: بجميع عمله الحسن والسيء، في أول وقته وآخره، وينبأ بخبر لا ينكره.

{ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } أي: شاهد ومحاسب، { وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } فإنها معاذير لا تقبل، ولا تقابل ما يقرر به العبد ، فيقر به، كما قال تعالى: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } .

فالعبد وإن أنكر، أو اعتذر عما عمله، فإنكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره، وجميع جوارحه بما كان يعمل، ولأن استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه: { فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }

{ 16 – 19 } { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالوحي، وشرع في تلاوته عليه، بادره النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص قبل أن يفرغ، وتلاه مع تلاوة جبريل إياه، فنهاه الله عن هذا، وقال: { وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }

وقال هنا: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ثم ضمن له تعالى أنه لا بد أن يحفظه ويقرأه، ويجمعه الله في صدره، فقال: { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } فالحرص الذي في خاطرك، إنما الداعي له حذر الفوات والنسيان، فإذا ضمنه الله لك فلا موجب لذلك.

{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي: إذا كمل جبريل قراءة ما أوحى الله إليك، فحينئذ اتبع ما قرأه وأقرأه.

{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي: بيان معانيه، فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه، وهذا أعلى ما يكون، فامتثل صلى الله عليه وسلم لأدب ربه، فكان إذا تلا عليه جبريل القرآن بعد هذا، أنصت له، فإذا فرغ قرأه.

وفي هذه الآية أدب لأخذ العلم، أن لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ من المسألة التي شرع فيها، فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه، وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان، أن لا يبادر برده أو قبوله، حتى يفرغ من ذلك الكلام، ليتبين ما فيه من حق أو باطل، وليفهمه فهما يتمكن به من الكلام عليه، وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين للأمة ألفاظ الوحي، فإنه قد بين لهم معانيه.

{ 20 – 25 } { كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

أي: هذا الذي أوجب لكم الغفلة والإعراض عن وعظ الله وتذكيره أنكم { تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ } وتسعون فيما يحصلها، وفي لذاتها وشهواتها، وتؤثرونها على الآخرة، فتذرون العمل لها، لأن الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة، والإنسان مولع بحب العاجل، والآخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم، فلذلك غفلتم عنها وتركتموها، كأنكم لم تخلقوا لها، وكأن هذه الدار هي دار القرار، التي تبذل فيها نفائس الأعمار، ويسعى لها آناء الليل والنهار، وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة، وحصل من الخسار ما حصل. فلو آثرتم الآخرة على الدنيا، ونظرتم للعواقب نظر البصير العاقل لأنجحتم، وربحتم ربحا لا خسار معه، وفزتم فوزا لا شقاء يصحبه.

ثم ذكر ما يدعو إلى إيثار الآخرة، ببيان حال أهلها وتفاوتهم فيها، فقال في جزاء المؤثرين للآخرة على الدنيا: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم: منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشيا، ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.

وقال في المؤثرين العاجلة على الآجلة: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } أي: معبسة ومكدرة ، خاشعة ذليلة. { تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } أي: عقوبة شديدة، وعذاب أليم، فلذلك تغيرت وجوههم وعبست.

{ 26 – 40 } { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى }

يعظ تعالى عباده بذكر حال المحتضر عند السياق ، وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة، ولهذا قال: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي: من يرقيه من الرقية لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فلم يبق إلا الأسباب الإلهية . ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له، { وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } للدنيا. { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } أي: اجتمعت الشدائد والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب، وأريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن ولم تزل معه، فتساق إلى الله تعالى، حتى يجازيها بأعمالها، ويقررها بفعالها.

فهذا الزجر، [الذي ذكره الله] يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على بغيه وكفره وعناده.

{ فَلَا صَدَّقَ } أي: لا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره { وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ } بالحق في مقابلة التصديق، { وَتَوَلَّى } عن الأمر والنهي، هذا وهو مطمئن قلبه، غير خائف من ربه، بل يذهب { إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى } أي: ليس على باله شيء، توعده بقوله: { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وهذه كلمات وعيد، كررها لتكرير وعيده، ثم ذكر الإنسان بخلقه الأول، فقال: { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } أي: معطلا ، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب؟ هذا حسبان باطل وظن بالله بغير ما يليق بحكمته.

{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ } بعد المني { عَلَقَةً } أي: دما، { فَخَلَقَ } الله منها الحيوان وسواه أي: أتقنه وأحكمه، { فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ } الذي خلق الإنسان [وطوره إلى] هذه الأطوار المختلفة { بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } بلى إنه على كل شيء قدير.

(واخر دعوانا انا الحمد الله رب العالمين)

مع خالص دعواتكم ..




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

معنى سورة الإخلاص

معنى سورة الإخلاص


الونشريس

ســورة الإخـلاص
آياتها : 4

سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد .

سورة الإخلاص

ذكر أن الكفار قالوا : يا محمد انسب لنا ربك ، فنزلت هذه السورة
ومن فضل هذه السورة : أنها تعدل ثلث القرآن ، وأنها تقرأ في صلاة الوتر ، وسنة الفجر، وسنة الطواف ، وفي أذكار الصباح والمساء ، وأذكار دبر الصلوات .
1- قوله تعالى : {قل هو الله أحد} ؛ أي : قل يا محمد : ربي هو الله لاذ له العبادة ، لا تنبغي إلا له ، ولا تصلح لغيره ، المتصف بالأحدية دون سواه ، لا مثيل له ، ولا ند ، ولا صحابة ولا ولد.
2- قوله تعالى : {الله الصمد} ؛ أي : الله الموصوف بالأحدية ، هو السيد الذي قد انتهى في سؤوده ، والغنى الذي قد كمل في غناه فلا يحتاج ما يحتاجه خلقه من الصاحبة والولد، ولا من المأكل والمشرب ، ولا من غيرها ، فهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله هذه صفته ، لا تنبغي إلا له.
3-4- قوله تعالى : {لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحدا} ؛ أي : هذا المعبود بحق ليس ممن يولد فيفني ، ولا هو بمحدث لم يكن فكان ، بل هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء . ولم يكن له مثيل يكافئه في أسمائه وصفاته وأفعاله .

أدعو الله لنا بالتوفيق والهداية والثبات على دين الله الحق




رد: معنى سورة الإخلاص

بـــــــــــارك الله فيــــــــــــــك
و جعـــــــله الله في ميــــــزان حسنــــــــــاتك




رد: معنى سورة الإخلاص

شكرا جزيلا لك




رد: معنى سورة الإخلاص

بارك الله فيك وجزاك الله الف خيرا شكراااااااااااااااااااااااااااااااااا لك




رد: معنى سورة الإخلاص

شكرا جزيلا على معلوماتك الثرية وجزاء الله عنا كل الخير




رد: معنى سورة الإخلاص

شكرا جزيلا لك أخي على المعلومة




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

شرح سورة الشرح

شرح سورة الشرح


الونشريس

وسمت هذا المقالة منذ: أبريل 2022
نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها ، فيها ظل العطف الندي ، وفيها روح المناجاة الحبيب وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرح . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق ..
( ألم نشرح لك صدرك ؟ ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ؟ ورفعنا لك ذكرك ؟ ) ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ؟ ونيسر لك أمرها ؟ وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !
( ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ) ووضعنا عنك عبئك بشرح صدرك له فخف وهان وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة . وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على بها إلى القلوب في يسر ولين .
(ورفعنا لك ذكرك ) رفعنا لك ذكرك في اللوح المحفوظ ، حين قدر الله أن تمر القرون ، وتكر الاجيال ، وملايين الشفاه في كل مكان تهتف بهذا الاسم الكريم مع الصلاة والتسليم ، والحب العميق .
(فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) . إن العسر لايخلومن يسر يصاحبه ويلازمه . وقد لازمه معك . فحينما ثقل العبء ، شرحنا لك صدرك ، فخف حملك ، الذي أنقض ظهرك ، وكان مصاحباً للعسر ، برفع إصره ، ويضع ثقله . وتكرار الآية تذكير واستحضار لمظاهر العناية والرعاية .
( فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب ) . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة .. فتوجه بقلبك كله إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد العبادة والتجرد والتطلع والتوجه ..(وإلى ربك فارغب ) .. إلى ربك وحده خالياً من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم .
وتنتهي السورة وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين : الشعور بعظمة الود من الله الودود الرحيم . والشعور بالعطف على شخصه – صلى الله عليه وسلم -إنها الدعوة . الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر . وهي مع هذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود !
المصدر : في ظلال القرآن – سيد قطب .
وتتضمن هذه السورة العديد من الإشارات التربوية التي تساعد على توجيه السلوك. ومن ذلك أن آية (فإذا فرغت فانصب)تفتح للمسلم نافذة على جانب من فلسفة الإسلام ودستوره في الحياة. إنه جانب يتعلق بالحركة المستمرة والنشاط الذي لا ينقطع. فالآية تحمل إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون في حركة دؤوب تصاحبه في كل آونة وحين. إنه يتحرك عندما يعمل، ويتحرك عندما يرتاح. فعمله راحة وراحته عمل. نعم، إن حاجة الإنسان الفطرية إلى الراحة لا تنتفي، وترسيخا لهذا الحق الفطري فقد جعل الإسلام لأبداننا علينا حقا. ولكن الراحة المعنية هنا هي الراحة النشيطة الإيجابية التي يتحول بها وقت الفراغ من نعمة مغبونة إلى نعمة مضمونة، يستفيد منها صاحبها متعة بالراحة وأجرا أخرويا على تلك الراحة. فيكون له بدل الأجر أجران؛ أجر على الراحة مع أجره على العمل. والراحة المأجورة هي التي توضع في موضعها الصحيح، ولا تستثمر فيما يعود على صاحبها وعلى محيطه بالضرر. فهذه مرتبة. وهناك مرتبة أعلى منها وهي مرتبة من يرتاح بالعمل، ويجعل وقت راحته مقدمة لعمل آخر دون كلل أو ملل. الذي يعيش في هذه المرتبة هو الذي يعيش اليسر في العسر. وهو الذي يعيش حياته كاملة بلا فجوات.




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

رأي العلامة محمد ناصر الدين الألباني في [ كيفية حجاب المرأة المسلمة ]

رأي العلامة محمد ناصر الدين الألباني في [ كيفية حجاب المرأة المسلمة ]


الونشريس

رأي العلامة محمد ناصر الدين الألباني في [ كيفية حجاب المرأة المسلمة ]

الرد المفحم، على من خالف العلماء و تشدد و تعصب، و ألزم المرأة بستر وجهها و كفيها وأوجب، و لم يقتنع بقولهم: إنه سنة و مستحب للشيخ محدث الشام ناصر الدين الألباني – رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
** يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} (آل عمران:102)، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً} (النساء: 1)، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (الأحزاب:70-71).
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد، فلما عزمت على إعادة طبع كتابي"حجاب المرأة المسلمة"- بعد أن مضى عليه عدة سنين، وطبع عدة طبعات تصويراً بالأوفست- رأيت أنه لا بد لي من إعادة النظر فيه لعلِّي ألهم أن أضيف إليه فوائد جديدة، علاوة على ما كان توفر لديَّ منها مع مضي الزمان، ووضعت كل شيء منها في نسختي موضعها فيه على مرِّ الأيام، وأصحح ما لا بد منه من الأخطاء المطبعية أو الفكرية التي لا يكاد ينجو من مثلها كتاب، وعُنيتُ عناية خاصة بمطالعة ما كان تجمع لدي من الكتب والرسائل المؤلفة في هذا العصر حول المرأة- وهي بالعشرات- فوجدت أكثرها قد تتابعت في الرَّد عليَّ، بعضها مباشرة باسم الكتاب ومؤلفه، وبعضها على المسألة مباشرة دون التعرُّض لشخصي، وهي التي زعم أحد الدكاترة أنني تفردت بالقول بها دون مَن قبلي من علماء السلف والخلف، ألا وهي: أن وجه المرأة ليس بعورة ولا يجب عليها ستره!
ولقد رأيت- والله- العجب العجاب، من اجتماعهم على القول بالوجوب، وتقليد بعضهم لبعض في ذلك، وفي طريقة الاستدلال بما لا يصح من الأدلة رواية أو دراية، وتأويلهم للنصوص المخالفة لهم من الآثار السلفية، والأقوال المشهورة لبعض الأئمة المتبوعين، وتجاهلهم لها، كأنها لم تكن شيئاً مذكوراً! الأمر الذي جعلني أشعر أنهم جميعاً- مع الأسف- قد كتبوا ما كتبوا مستسلمين للعواطف البشرية، والاندفاعات الشخصية، والتقاليد البلدية، وليس استسلاماً للأدلة الشرعية، لأن ما ذكروه من الأدلة- على مذهبهم- هم يعلمون جيداً أنها لم تكن خافية علىَّ، لأنهم رأوها في كتابي مع الجواب عنها، والاستدلال بما يعارضها، وهو أصح عندنا من استدلالاتهم التي تشبَّثوا بها، كما أنهم يعلمون أنني لا أنكر مشروعيَّته.
البحوث:
ولكن لا بد من الإشارة إلى أهم البحوث التي تناولها في المقدمة المشار إليها، مع تلخيص الكلام فيها قدر الاستطاعة، فأقول:
البحث الأول: آية الجلباب: **… يدنين عليهن من جلابيبهن} (الأحزاب: 95).
1- يصرُّ المخالفون المتشددون على المرأة- وفي مقدمتهم الشيخ محمود التويجري حفظه الله- على أن معنى ** يدنين}: يغطِّن وجوههن، وهو خلاف معنى أصل هذه الكلمة: " الإدناء" لغة، وهو التقريب، كما كنت ذكرت ذلك وشرحته في الكتاب- وكما سيأتي في محله منه- وبينت أنه ليس نصّاً في تغطية الوجه، وأن على المخالفين أن يأتوا بما يرجِّح ما ذهبوا إليه، وذلك مما لم يفعلوا، ولن يفعلوا، إلا الطعن على من خالفهم ممن تبع سلف الأمة ومفسريهم وعلماءهم. وهذا هو الإمام الراغب الأصبهاني يقول في " المفردات":
" (دنا)، الدنو: القرب… ويقال: دانيت بين الأمرين وأدنيت أحدهما من الآخر …"، ثم ذكر الآية. وبذلك فسرها ترجمان القرآن عبد الله بن عباس فيما صح عنه، فقال:: "تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به"، كما سيأتي تخريجه.
وهذا هو الشيخ التويجري- هدانا الله وإياه- يقول في آخر كتابه المذكور (249):

" ومن أباح السفور للنساء- (يعني: سفور الوجه فقط) – واستدل على ذلك بمثل ما استدل به الألباني، فقد فتح باب التبرُّج على مصراعيه، وجرّأ النساء على ارتكاب الأفعال الذميمة التي تفعلها السافرات الآن" !
كذا قال – أصلحه الله وهداه- فإن هذا التهجم والطعن لا ينالني أنا وحدي، بل يصيب أيضاً الذين هم قدوتي وسلفي من الصحابة والتابعين والمفسرين والفقهاء وغيرهم- ممن ذكرناهم في الكتاب- كما سيأتي، وفي المقدمة المشار إليها أيضاً، وحسبي منها الآن مثالاً واحداً، وهو ما جاء في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل" للشيخ علاء الدين المرداوي (1/452)، قال:
" الصحيح من المذهب أن الوجه ليس من العورة".
ثم ذكر مثله في الكفين، وهو اختيار ابن قدامة المقدسي في " المغني" 1/637)، واستدل لاختياره بنهيه صلى الله عليه وسلم المحرمة عن لبس القفازين" لو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء".
وهو الذي اعتمده وجزم به في كتابه" العمدة" (66).
فما رأي الشيخ التويجري بهذا النص من هذا الإمام الحنبلي الجليل؟! أتظنُّه داعية للسفور أيضاً، وفاتحاً لباب التبرج على مصراعيه،و …؟!
ألا يخشى الشيخ أن يحيط به وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما تبين فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".
أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في " الصحيحة" (2/540).
ولو أن الشيخ- هداه الله- قدَّم رأيه للناس ودافع بالأدلة الشرعية الصحيحة لقلنا: مرحباً به، أم أخطأ. أما أن يسلِّط " صارمة" على من خالفه في رأيه، ويطعن به حتى على القوارير- التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بهن- لمجرد أنهنَّ خالفنه، واتَّبعن الصحيح من "مذهبه" ! الذي أعرض عنه لهوسٍ غلب عليه ! فهذه مصيبة أخلاقية، ومخالفة أخرى مذهبية، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
" لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه".
البحث الثاني: يزعم كثير من المخالفين المتشددين: أن (الجلباب) المأمور به في آية الأحزاب هو معنى (الحجاب) المذكور في الآية الأخرى: ** فاسألوهن من وراء حجاب} (الأحزاب: 53)، وهذا خلط عجيب، حملهم عليه علمهم بأن الآية الأولى لا دليل فيها على أن الوجه والكفين عورة، بخلاف الأخرى، فإنها في المرأة وهي في دارها، إذ إنها لا تكون عادة متجلببة ولا مختمرة فيها، فلا تبرز للسائل، خلافاً لما يفعل بعضهن اليوم ممن لا أخلاق لهن، وقد نبَّه على هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تميمة فقال في " الفتاوى" (15/448):
" فآية الجلابيب في الأدرية عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن".
قلت: فليس في أي من الآيتين ما يدل على وجوب ستر الوجه والكفين.

أما الأولى فلأن الجلباب هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها- وليس على وجهها- كما هو مذكور فيما يأتي من الكتاب (ص83)، وعلى هذا كتب اللغة قاطبة، ليس في شيء منها ذكر للوجه البتة.
وقد صح عن ابن عباس أنه قال في تفسيرها:
" تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به".

أخرجه أبو داود في " مسائله" (ص 110)، وما خالفه إما شاذ أو ضعيف، والتفصيل في تلك المقدمة.
وأما الآية الأخرى، فلما ذكرت آنفاً.
ولهذا، فقد بدا لي أن اجعل عنوان الكتاب: "جلباب المرأة…"، لأنه ألصق بموضوع الكتاب كما هو ظاهر. والله تعالى ولي التوفيق.
البحث الثالث: ومن تناقضهم، أنهم- في الوقت الذي يوجبون على المرأة أن تستر وجهها- يجيزون لها أن تكشف عن عينها اليسرى وتسامح بعضهم فقال: بالعينين كلتيهما ! بناء على بعض الآثار الواهية التي منها حديث لبن عباس الآتي في الكتاب (ص 88)، وروي عنه ما يناقضه بلفظ:
" وإدناء الجلباب أن تقنّع وتشده على جبينها". وهذا نص قولنا: إنه لا يشمل الوجه. ولذلك كتمه كل المخالفين، ولم يتعرضوا له بذكر! وهو ضعيف السند، لكن له شواهد كما يأتي، ولقد صدق من قال: أهل السنة يذكرون ما عليهم، وأهل الأهواء يذكرون ما لهم ولا يذكرون ما عليهم! ومن ذلك أن الشيخ عبد القادر السندي كتم في رسالته " الحجاب" إحدى علَّتي أثر ابن عباس الأول، وهوَّن من شأن الأخرى (ص19-20) ! واغترَّ به مؤلف " يا فتاة الإسلام" فصرح (ص 252) بصحته! وكذا صححه مؤلف" فقه النظر في الإسلام" (ص65) !
وأسوأ من ذلك ما فعله المسمى ب (درويش) فيما سماه ب "فصل الخطاب" حيث غيَّر إسناده، فجعله في موضعين منه (46-82) من رواية محمد بن سيرين عن ابن عباس. وهو محض افتراء! لا أصل له من هذه الرواية، ولا أدري إذا كان هذا منه عن عمد أو سهو؟! وكنت أود أن لا أميل إلى الأول منهما، لولا أنني رأيت له فرية أخرى (ص82)، لعلّي أنبِّه عليها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.
ويبدو لي أنهم- لشعورهم في قرارة نفوسهم بضعف حجتهم- يلجؤون إلى استعمال الرأي ولغة العواطف- أو ما يشبه الفلسفة- فيقولون: إن أجمل ما في المرأة وجهها، فمن غير المعقول أن يجوز لها أن تكشف عنه! فقيل لهم: وأجمل ما في الوجه العينان، فعمّوها إذن، ومروها أن تسترهما بجلبابها! وقيل لهم على طريق المعارضة: وأجمل ما في الرجل- بالنسبة للمرأة- وجهه، فمروا الرجال أيضاً- بفلسفتكم هذه أن يستروا وجوههم أيضاً أمام النساء، وبخاصة من كان منهم بارع الجمال، كما ورد في ترجمة أبي الحسن الواعظ المعروف بـ (المصري): "انه كان له مجلس يتكلم فيه ويعظ، وكان يحضر مجلس وعظه رجال ونساء، فكان يجعل على وجهه برقعاً تخوّفاً أن يفتتن به النساء من حسن وجهه". " تاريخ بغداد" (12/75-76).
فماذا يقول فضيلة الشيخ التويجري- ومن يجري وراءه من المتفلسفين- أمشروع ما فعله هذا المصري أم لا؟! مع علمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجمل منه ولم يفعل فعله! فإن قلتم بشرعيته، خالفتم سنة نبيكم وضللتم، وهذا مما لا نرجوه لكم، وإن قلتم بعدمها- كما هو الظن بكم- أصبتم، وبطلت فلسفتكم، ولزمكم الرجوع عنها، والاكتفاء في ردكم عليّ بالأدلة الشرعية إن كانت عندكم فإنَّها تغنيكم عن زخرف القول، وإلا حشرتم أنفسكم في (الآرائيين) ! كما روى أحمد في " العلل" (2/246) عن حماد بن سلمة قال:
" إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن يردُّها برأيه"!
البحث الرابع: الخمار والاعتجار، قوله تعالى: ** وليضربن بخمرهن على جيوبهم}.
ذكرنا فيما يأتي من الكتاب (ص 72) أن الخمار: غطاء الرأس فقط دون الوجه، واستشهدت على ذلك بكلام بعض العلماء: كابن الأثير وابن كثير، فأبى ذلك الشيخ التويجري- ومن تبعه من المذهبيين والمقلدين- وأصر على أنه يشمل الوجه أيضاً، وكرر ذلك في غير موضع، وتشبّث في ذلك ببعض الأقوال التي لا تعدو أن تكون من باب زلة عالم، أو سبق قلم، أو في أحسن الأحوال تفسير مراد وليس تفسير لفظ، مما لا ينبغي الاعتماد عليه في محل النزاع والخلاف، وفي الوقت نفسه أعرض عن الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء والأئمة من المفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين المخالفة له، وبعضها مما جاء في كتابه هو نفسه، ولكنه مر عليها وكتم دلالتها مع الأسف الشديد.
من ذلك أنه لما ساق آية: ** والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن…} (النور:60) الآية، وتكلم عليها في نحو صفحتين (161-163) بكلام مفيد، ولكنه لم يوضح لقرائه ما هو المقصود من النقول التي ذكرها في تفسير: ** ثيابهن} بأنها الجلباب، ومنها قوله:
" وقال أبو صالح: تضع الجلباب، وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار. وقال سعيد بن جبير: فلا بأس أن يضعن عند غريب أو غيره بعد أن يكون عليها خمار صفيق ".
وبهذا صرَّح جمع من الحنابلة وغيرهم، فذكر ابن الجوزي في " زاد المسير" (6/36) عن أبي يعلى- يعني: القاضي الحنبلي- أنه قال:
" وفي هذه الآية دلالة على أنه يباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال".
ونحوه في " أحكام القرآن" للحصاص (3/334)، وأشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية في " تفسير سورة النور" (ص 57) ونقله التويجري (ص 167) محتجاً به، وهذا كله يدل على أن هؤلاء الأفاضل من علماء السلف والخلف يرون أن الخمار لا يستر الوجه، وإنما الرأس فقط كما هو قولنا، ومن يتأمل في بعض أجوبة الشيخ التكلفة يتأكد من أنه يرى ذلك معنا، ولكنه يجادل ويكابر ويتكتم، فانظر مثلاً جوابه عن حديث جابر الآتي في الكتاب (ص 60) وفيه:" أنه رأى امرأة سفعاء الخدين".
فأجاب الشيخ (ص 208) باحتمال أن " تلك المرأة كانت من القواعد… " ! يعني: فكشف وجهها مباح، كما صرَّح به الشيخ ابن عثيمين في" رسالته" (ص 32)، وأما التويجري، فيلغز ويعمي ولا يفصح لقرائه، فهل يصح هذا الجواب من الشيخ، وهو يصر على أن الخمار يستر الوجه أيضاً؟! فاللهم! هداك.
واعلم أن المقصود من ذكر آية (القواعد) هذه، إنما هو إقامة الحجة على الشيخ بما تبناه لـ (القاعد) أن تظهر بخمارها" بحضرة الرجال الأجانب" يرون وجهها، ومعنى ذلك عندهم- الشيخ تبع لهم في ذلك- أن الخمار لغة لا يستر الوجه، وهذا وحده يكفي حجة على الشيخ هداه الله تعالى، فكيف إذا انضم إلى ذلك ما سيأتي من السنة وأقوال العلماء في كل علم، فيكون الشيخ مخالفاً لإجماعهم ومتَّبعاً غير سبيلهم؟!
أقول هذا لكي أذكِّر بأن هناك قولاً آخر في تفسير: ** ثيابهنَّ) – كنت ذكرته في محله من الكتاب- وهو الخمار، وهو الأصح عن ابن عباس كما سيأتي (ص 110- 111)، وقد كتم الشيخ هذا القول كعادته فيما لا يوافق هواه، خلافاً لأهل السنة الذين يذكرون ما لهم وما عليهم كما تقدم، وإذ قد اختار هو القول الأول وهو (الجلباب)، لزمه القول بأن (الخمار) لا يستر الوجه، وهو المراد.
واختار ابن القطان الفاسي في" النظر في أحكام النظر" القول الآخر، فقال (ق 35/2):
"الثياب المذكورة هي الخمار والجلباب، رُخِّص لها أن تخرج دونهما وتبدو للرجال… وهذا قول ربيعة بن عبد الرحمن. وهذا هو الأظهر، فإن الآية إنما رخصت في وضع ثوب إن وضعته ذات زينة أمكن أن تتبرج…" إلى آخر كلامه، وهو نفيس جداً، ولولا أن المجال لا يتحمل التوسع لنقلته برمَّته،فإني لم أره لغيره.
وأما مخالفته للسنة فهي كثيرة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار".
وهو حديث صحيح مخرج في " الإرواء" (196) برواية جمع، منهم ابن خزيمة، وابن حبَّان في " صحيحيهما".

فهل يقول الشيخ بأنه يجب على المرأة البالغة أن تستر وجهها في الصلاة؟!
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي نذرت أن تحج حاسرة:
" ومرورها فلتركب، ولتختمر، ولتحج".
وفي الرواية:" وتغطي شعرها".

وهو صحيح أيضاً خرجته في "الأحاديث الصحيحة" (2930).
فهل يجيز الشيخ للمحرمة أن تضرب بخمارها على وجهها وهو يعلم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتنقب المرأة المحرمة …؟!ومثل ذلك أحاديث المسح على الخمار في الوضوء فعلاً منه صلى الله عليه وسلم وأمراً، رجالاً ونساء، فمن ذا الذي يقول بقول الشيخ المخالف للقرآن والسنة وأقوال العلماء أيضاً، كما تقدم في تفسير آية القواعد؟! ولدينا مزيد كما يأتي.
ومن ذلك قول العلامة الزبيدي في" شرح القاموس" (3/ 189) في قول أم سلمة رضي الله عنهما: إنها كانت تمسح على الخمار. أخرجه ابن أبي شبيبة في " المصنف" (1/22):

" وأرادت ب (الخمار): العمامة، لأن الرجل يغطي بها رأسه، كما أن المرأة تغطيه بخمارها". وكذا في " لسان العرب".
وفي "المعجم الوسيط" – تأليف لجنة من العلماء تحت إشراف" مجمع اللغة العربية" – ما نصه:
" الخمار: كل ما ستر ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطي به رأسها، ومنه العمامة، لان الرجل يغطي بها رأسه، ويديرها تحت الحنك".
فهذه نصوص صريحة من هؤلاء العلماء على أن الخمار بالنسبة للمرأة كالعمامة بالنسبة للرجل، فكما أن العمامة عند إطلاقها لا تعني تغطية وجه الرجل، فكذلك الخمار عند إطلاقه لا يعني تغطية وجه المرأة به.
وعلى هذا جرى العلماء على اختلاف اختصاصاتهم من: المفسرين، والمحدثين، والفقهاء، واللغويين، وغيرهم، سلفاً وخلفاً، وقد تيسر لي الوقوف على كلمات أكثر من أربعين واحداً منهم، ذكرت نصوصها في البحث المشار إليه في المقدمة، وقد أجمعت كلها على ذكر الرأس دون الوجه في تعريفهم للخمار، أفهؤلاء الأساطين- أيها الشيخ!- مخطئون- وهم القوم لا يشقى متبعهم- وأنت المصيب؟!

1- فمن المفسرين: إمامهم ابن جرير الطبري (ت310) والبغوي أبو محمد (169) والزمخشري (538) وابن العربي (553) وابن تيمية (728) وابن حيان الأندلسي (754) وغيرهم كثير كثير ممن ذكرنا هناك.
2- ومن المحدثين: ابن حزم (ت456) والباجي الأندلسي (474) وزاد هذا بياناً وردّاً على مثل الشيخ وتهوّره، فقال:
" ولا يظهر منها غير دور وجهها".

وابن الأثير (ت606) والحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852)، ونص كلامه:

" والخمار) للمرأة كالعمامة للرجل".
وهنا لا بد لي من الوقفة- وإن طال الكلام أكثر مما رغبت- لبيان موقف للشيخ التويجري غير مشرف له في استغلاله لخطأ وقع في شرح الحافظ لحديث عائشة الآتي في الكتاب (78) في نزول آية (الخُمُر) المتقدمة، وبتره من شرح الحافظ نص كلامه المذكور لمخالفته لدعواه! فقال الحافظ في شرح قول عائشة في آخر حديثها:" فاختمرن بها" (8/490):

" أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها، وترميمه من الجانب الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار، و (الخمار) …" إلى آخر النص.

فأقول: لقد ردّ الشيخ في كتابه (ص 221) قولي الموافق لأهل العلم –كما علمت- بتفسير الحافظ المذكور: "غطين وجوههن"، وأضرب عن تمام كلامه الصريح في أنه لا يعني ما فهمه الشيخ، لأنه يناقض قوله: " وصفة ذلك …" فإن هذا لو طبَّقه السيخ في خماره لوجد وجهه مكشوفاً غير مغطى! ويؤكد ذلك النص الذي بتره الشيخ عمداً أو تقليداً، وفيه تشبيه الحافظ خمار المرأة بعمامة الرجل، فهل يرى الشيخ أن العمامة أيضاً- كالخمار عنده- تغطي الرأس والوجه جميعاً؟! وكذلك قوله:" وهو التقنع"، ففي كتب اللغة:" تقنّت المرأة أي: لبست القناع وهو ما تغطي به المرأة رأسها"، كما في " المعجم الوسيط" وغيره، مثل الحافظ نفسه فقد قال في " الفتح" (7/235 و 10/274):

" التقنع: تغطية الرأس" وإنما قلت: أو تقليداً. لأني أربأ بالشيخ أن يتعمد مثل هذا البتر الذي يغيّر مقصود الكلام، فقد وجدت من سبقه إليه من الفضلاء المعاصرين، ولكنه انتقل إلى رحمة الله وعفوه، فلا أريد مناقشته. عفا الله عنا وعنه.وبناءً على ما سبق فقوله: " وجوههن"، يحتما أن يكون خطأ من الناسخ، أو سبق قلم من المؤلف، أراد أن يقول: "صدورهن" فسبقه القلم! ويحتمل أن يكون أراد معنىً مجازياً أي: ما يحيط بالوجه من باب المجاورة فقد وجدت فق "الفتح" نحوه في موضع آخر من تحت حديث البراء رضي الله عنه:" أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ بالحديد …" الحديث. رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة" (2932) فقال الحافظ (6/ 25):

" قوله: "مقَنَّع" بفتح القاف والنون المشددة: وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب"

فإنه يعني ما جاور الوجه، وإلا لم يستطع المشي فضلاً عن القتال كما هو ظاهر.

وبعد هذا، فلنعد إلى ما كان في صدده من ذكر أسماء المحدثين المفسرين للخمار بغطاء الرأس:

بدر الدين العيني (ت855) في " عمدة القاري" (19/ 92) وعلي القاري (ت1014) والصنعاني (ت 1182) والشوكاني (ت125) وأحمد محمد شاكر المصري (ت1377) وغيرهم.

3- ومن الفقهاء: أبو حنيفة (ت150) وتلميذه محمد بن الحسن (ت189) في " الموطأ) وستأتي عبارته في (ص34) والشافعي القرشي (ت204) والعيني (855) وتقدم قال في " البناية في شرح الهداية" (2/58):

" وهو ما تغطي به المرأة رأسها"

4- ومن اللغويين: الراغب الأصبهاني (ت502) قال في كتابه الفريد" المفردات في غريب القرآن" (ص159):

" الخمر، أصل الخمر: ستر الشيء ويقال لما يستتر به: (خمار) لكن (الخمار) صار في التعارف اسماً لما تغطي به المرأة رأسها، وجمعه (خُمُر) قال تعالى: ** وليضربن بخمرهن على جيوبهن} وابن منظور (ت711) والفيروز أبادي (816) وجماعة من العلماء المؤلفين ل" المعجم الوسيط"- كما تقدم- مع نص قولهم الصريح في أنه غطاء الرأس.

من أجل هذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول، لم يسع الشيخ الفاضل محمد بن صالح بن عثيمين إلا أن يخالف الشيخ في تعصبه لرأيه، ويوافق هؤلاء الأئمة فقال في رسالته (ص6):

" (الخمار):ما تخمّر به المرأة رأسها وتغطيه به ك (الغدفة) ".

قلت: فبهذه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة التفسير والحديث والفقه واللغة، ثبت قولنا: إن الخمار غطاء الرأس وبطل قول الشيخ التويجري ومقلديه، كابن خلف الذي زعم (ص 70) من " نظراته" " أن الخمار عام لمسمى الرأس والوجه لغة وشرعاً. واغترَّ به-مع الأسف- أخونا الفاضل محمد بن إسماعيل الإسكندراني، فطبع في كتابه" عودة الحجاب" (3/285) عنواناً نصه:" الاختمار لغة يتضمن تغطية الوجه". ثم لم يأتيا على ذلك بأي دليل، سوى البيتين من الشعر اللذين كنت سقتهما في كتابي (ص73) مؤيداً قولي هناك: بأنه لا ينافي كون الخمار غطاء الرأس أن يستعمل أحياناً لتغطية الوجه، واستدللت على ذلك ببعض الأحاديث فتجاهلوها مع الأسف ولم يحيروا جواباً!

وأزيد هنا فأقول: قد جاء في قصة جوع النبي صلى الله عليه وسلم أن أنساً رضي الله عنه قال عن أم سُلَيم:

" فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه…" الحديث.

أخرجه البخاري (3578) ومسلم (6/ 118) وغيرهما.

والشاهد منه واضح وهو أن الخمار الذي تغطي المرأة به رأسها قد استعملته في لف الخبز وتغطيه، فهل يقول أحد: إن من معاني الخمار إذا أطلق أنه يغطي الخبز وتغطيه؟! لا أستبعد أن يقول ذلك أولئك الذين تجرؤوا على مخالفة تلك النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة الدالة على أن (الخمار) غطاء الرأس دون دور وجهها، فقال أولئك: ووجهها. لا لشيء، إلا لأنه قد استعمل لتغطية الوجه كالجلباب ! ولو أحياناً!

وإذا عرفت هذا فمن أخطاء التويجري- ومن لفَّ لفَّه- قوله بعد تفسيره الخمار بما تبين خطؤه (ص122):

" فالاعتجار مطابق للاختمار في المعنى".

فأقول: نعم هو كذلك بالمعنى الصحيح المتقدم للاختمار وأما بمعنى تغطية الوجه عند الإطلاق فهو باطل لغة ولا أريد أن أطيل في نقل الشواهد على ذلك من كلام العلماء، وإنما أكتفي هنا على ما قاله الإمام الفيروزأبادي في " قاموسه" والزبيدي في " تاجه" عاجلاً كلام الأول بين هلالين قال (3/383):

" (الاعتجار): لي الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك وفي بعض العبارات: هو " لف العمامة دون التلحِّي) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه دخل مكة يوم الفتح معتجراً بعمامة سوداء" المعنى: أنه لفها على رأسه ولم يتلح بها. والمعجر (كمنبر: ثوب تعتجر به) المرأة أصغر من الرداء وأكبر من المقنعة وهو ثوب تلفّه المرأة على استدارة رأسها ثم تجلبب فوقه بجلبابها، كالعجار ومنه أخذ الاعتجار بالمعنى السابق".

قلت: وهذا لا ينافي ما احتجَّ به الشيخ التويجري لدعواه بقوله (ص 161):

" قال ابن كثير: وفي حديث عبدالله بن عدي بن الخيار: جاء وهو معتجر بعمامته ما يَرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه. الاعتجار بالعمامة: هو ن يلفّها على رأسه ويَرُدُّ طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئاً تحت ذقنه. انتهى". قلت: لا ينافي هذا ما تقدم عن العلماء باللغة من الشرح لـ (الاعتجار) لأن ما قاله ابن الأثير مصرح به في الحديث: " ما يرى منه إلا عينيه" فهو صفة كاشفة لـ (الاعتجار) وليست لازمة له كما لو قال قائل: (جاء مختمراً أو متعمماً لا يرى منه إلا عيناه) فذلك لا يعني عند من يفهم اللغة أن من لوازم الاختمار والتعمم تغطية الوجه إلا العينين. ولذلك لم يزد الحافظ في " الفتح" (7/ 369) على قوله:

" (معتجر) أي: لافّ عمامته على رأسه من غير تحنيك".

وجملة القول: إن الخمار والاعتجار عند الإطلاق إنما يعني: تغطية الرأس فمن ضمَّ إلى ذلك تغطية الوجه فهو مكابر معاند لما تقدم من الأدلة وعلى ذلك يسقط استدلال الشيخ – ومن قلده- بالأحاديث التي فيها اختمار النساء أو اعتجارهن على دعواه الباطلة شرعاً ولغة ويسلم لنا –في الوقت نفسه- استدلالنا بآية (الخمار) وحديث فاطمة الآتي (ص66) رقم (5) على أن وجه المرأة ليس بعورة كما سيأتي بيانه هناك. والله المستعان. (انظر حديث عائشة في اختمار النساء المهاجرات فيما يأتي من الكتاب صفحة 87).
البحث الخامس: هل أجمع المسلمون على أن وجه المرأة عورة وأنها تمنع أن تخرج سافرة الوجه؟

ذلك ما ادَّعاه الشيخ التويجري-هداه الله وقلده فيه بعضهم- يعيد ذلك ويكرره في مواضيع كثيرة وفي صفحات عديدة متقاربة من كتابه لا يكل ولا يمل! (156و197و 217و244و245و147) يفعل هذا وهو يعلم في قرارة نفسه أن لا إجماع فيه لأنه يمر على الخلاف ولا ينقله وقد ينقله ثم يتجاهله! كما سيأتي بيانه قريباً بما لا يدع أي شك في ذلك وكلامه في ذلك مختلف لفظاً متفق معنىً وحسبي أن أنقل منه نصين فقط طلباً للاختصار:

الأول: قوله (ص197 و 217) بالحرف الواحد:

" وحكى ابن رسلان: اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه. نقله الشوكاني عنه في (نيل الأوطار) "

فأقول: إليك نص ما في " نيل الأوطار" (6/98- البابي الحلبي) تحت حديث عائشة:

" يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه":

" وفيه دليل لمن قال: إنه يجوز نظر الأجنبية. قال ابن رسلان: وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو دونه أما عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساق. وحكى القاضي عياض عن العلماء: أنه لا يلزم ستر وجهها في طريقها، وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة".

قلت: يشير إلى بحث له في الباب الذي قبل حديث عائشة المذكور آنفاً شرح فيه آية: ** ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} (النور: 31) ونقل تحتها تفسير الومخشري للزينة فيها ومنه قوله:

"فما كان ظاهراً منها كالخاتم والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب…".

ثم قال الشوكاني عقبه:

" والحاصل: أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه الحاجة عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة، فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثنى"

فتأمل أيها القارئ الكريم! هل المسألة مجمع عليها كما قال الشيخ أولاً؟! وهل كان أميناً في نقله لكلام ابن رسلان، ثم لكلام الشوكاني ثانياً؟! والذي تبنى ما دل عليه حديث عائشة الذي قويناه في الكتاب (ص 75- 60) كما تبنَّاه مجد الدين ابن تيمية رحمه الله بترجمته له بـ" باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين"، أما الشيخ فضعفه بشطبة قلم –كما يقال- ولم يعرّج على الشاهد وعمل السلف وتقوية الحافظ البيهقي وغيره كما سيأتي فأغمض عينيه عن ذلك كله مكابرة وعناداً وبطراً وتورَّط به ما واحد من الكتابين المقلدين في هذه المسألة.

-والآخر من نصيبه: قوله في بعض أجوبته (ص243):

" الصواب مع المشايخ الذين يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه عند الرجال الأجانب ودليلهم على ذلك الكتاب والسنة والإجماع"!

بطلان الإجماع الذي ادعاه:

فأقول وبالله وحده أستعين:

لم ينطق بكلمة " الإجماع" في هذه المسألة أحد من أهل العلم فيما بلغني وأحاط به علمي إلا هذا الشيخ وما حمله على ذلك إلا شدَّته وتعصبه لرأيه، وإغماضه لعينيه عن كل ما يخالفه من النصوص فإن الخلاف فيها قديم لا يخلو منه كتاب من الكتب المتخصصة في بحث الخلافيات ولو كان في قوتي متسع لألّفت رسالة خاصة أسرد فيها ما تيسّر لي من أقوالهم في هذه المسألة ولكن لا بدَّلي من أن أنقل هنا بعضها، مما يدل على بطلان الإجماع الذي ادَّعاه فأقول:

الأول: قال ابن حزم في كتابه" مراتب الإجماع" (ص29) ما نصه:

" واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟"

وأقرَّه شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه، ولم يتعقبه كما فعل في بعض المواضع الأخرى.

الثاني: قال ابن هبيرة الحنبلي في " الإفصاح" (1/118-حلب):

" واختلفوا في عورة المرأة الحرة وحدِّها فقال أبو حنيفة: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين. وقد روي عنه أن قدميها عورة وقال مالك الشافع: كلها عورة إلا وجهها وكفيها وهو قول أحمد في إحدى روايتيه والرواية الأخرى: كلها عورة إلا وجهها وخاصة. وهي المشهورة واختارها الخرقي".

وفاتته رواية ثالثة وهي: أنها كلها عورة حتى ظفرها كما بأتي مع بيان رد ابن عبد البر لها قريباً.

الثالث: جاء في كتاب" الفقه على المذاهب الأربعة" تأليف لجنة من العلماء منهم الجزيري: في بحث حد عورة المرأة (1/167-الطبعة الثانية):

" أما إذا كانت بحضور رجل أجنبي أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين فإنهما ليسا بعورة فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة".

ثم استثنى من ذلك مذهب الشافعية وفيه نظر ظاهر لما تقدم في " الإفصاح" وغيره مما تقدم ويأتي.

الرابع: قال ابن عبد البر في "التمهيد" (6/364) – وقد ذكر أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين وأنمه قول الائمة الثلاثة وأصحابهم وقول الأوزاعي وأبي ثور-:

" على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها!"

ثم قال ابن عبد البر:

" قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به وأجمعوا أنها لا تصلي منتقبة ولا عليها أن تلبس القفازين في الصلاة وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة؟! وقد روي نحو قول أبي بكر هذا عن أحمد بن حنبل…"

قلت: وقد كنت نقلت فيما يأتي من الكتاب (89) عن ابن رشد: أن مذهب أكثر العلماء على وجه المرأة ليس بعورة وعن النووي مثله، وأنه مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد فبعض هذه الأقوال من هؤلاء العلماء الكبار كافية لإبطال دعوى الشيخ الإجماع فكيف بها مجتمعة؟! وإذا كان الإمام أحمد يقول فيما صح عنه: " من ادعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا؟!" إذا كان هذا قوله فيمن لا يدري الخلاف، فماذا كان يقول يا ترى فيمن يدري الخلاف ثم يدعي الإجماع؟!

فإن قيل: فمن أين لك أن الشيخ يعلم الخلاف المذكور ومع ذلك فهو يتجاهله ويكابر؟

فأقول: علمت ذلك من كتابه أولا، ثم من كتابي الذي ردَّ عليه ثانياً.

أما الأول فإنه نقل (ص157) عن الحافظ ابن كثير: أن الجمهور فسر آية الزينة بالوجه والكفين وأعاد ذلك (ص234).

وأما الآخر فقد ذكرت في غير موضع من كتابي من قال من العلماء بخلاف إجماعه المزعوم مثل ابن جرير وابن رشد والنووي ومنهم ابن بطال الذي نقلت عنه فيما يأتي في الكتاب (ص63) أنه استدل بحديث الخثعمية أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً.

تأويل الشيخ لكلام العلماء وتعطيله إياه: فتجاهل الشيخ ذلك كلّه ولم يتعرض له بجواب اللهم إلا جوابه الذي يؤكد لكل القراء أنه مكابر عنيد وهو قوله (ص236):

" إن المذهب الذي نسبه الألباني لأكثر العلماء- ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه- إنما هو في الصلاة إذا كانت المرأة ليست بحضرة الرجال الأجانب"!

وقلّده في هذا القول جمع ممن يمشي في ركابه كابن خلف في " نظراته"، وأخينا محمد بن إسماعيل الإسكندراني في" عودة الحجاب" (3/228) وغيرهما كثير والله المستعان.

ونظرة سريعة في قول ابن بطال المذكور يكفي في إبطال جواب الشيخ هداه الله وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيخ خرِّيت ماهر- ولا فخر!- في تضليل قرائه وصرفهم عن الاستفادة من أقوال علمائهم بتأويله إياها وإبطال دلالاتها الصريحة تماماً كما يفعل أهل الأهواء بتعطيلهم لنصوص الكتاب والسنة وأقوال الأئمة المتعلقة بالأسماء المتعلقة بالأسماء والصفات الإلهية وهذا شيء يعرفه الشيخ منهم فيبدو أنه قد سرت عدواهم إليه حفظه الله ولو في مجال الأحكام هداه الله.

وتأكيداً لهذا الذي ذكرت لا يسعني هنا إلا أن أذكر مذاهب الأئمة الذين افترى الشيخ عليهم بتأويله لكلامهم على خلاف مرادهم فأقول:

أولا: مذهب أبي حنيفة:

قال الإمام محمد بن الحسن في " الموطأ" (ص 205 بشرح التعليق الممجّد- هندية):

" ولا ينبغي للمرأة المحرمة أن تنتقب فإن أرادت أن تغطي وجهها فلتستدل الثوب سدلاً من فوق خمارها. وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا".

وقال أبو جعفر الطحاوي في " شرح معاني الآثار" (2/392- 393):

" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرَّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".

ثانياً: مذهب مالك: روى عنه صاحبه عبد الرحمن بن القاسم المصري في "المدونة" (2/221) نحو قول الغمام محمد في المحرمة إذا أرادت أن تسدل على وجهها وزاد في البيان فقال:

" فإن كانت لا تريد ستراً فلا تسدل".

ونقله ابن عبد البر في " التمهيد" (15-111) وارتضاه.

وقال بعد أن ذكر تفسير ابن عباس وابن عمر لآية: {إلا ما ظهر منها} بالوجه والكفين (6/369):

" وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب. (قال (هذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها". تأمل قوله:" وغير صلاتها"!

وفي " الموطأ" رواية يحيى (2/935):

" سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله".

قال الباجي في" المنتفى شرح الموطأ" (7/252) عقب هذا النص:

" يقضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها".

ثالثاً: مذهب الشافعي:

قال في كتابه" الأم " (2/185):

" المحرمة لا تخمِّر وجهها إلا أن تريد أن تستر وجهها فتجافي…"

وقال البغوي في " شرح السنة" (9/ 23):

"فإن كانت أجنبية حرة فجمع بدنها عورة في حق الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضاً عند خوف الفتنة".

فهل هذه النصوص- أيها الشيخ! – في الصلاة؟!

رابعاً: مذهب أحمد:

روى ابنه صالح في " مسائله" (1/310) عنه قال:

" المحرمة لا تخمِّر وجهها ولا تتنقب والسدل ليس به بأس تسدل على وجهها".

قلت: فقوله: " ليس به بأس" يدل على جواز السدل فبطل قول الشيخ بوجوبه كما بطل تقييده للرواية الأخرى عن الإمام الموافقة لقول الأئمة الثلاثة بأن وجهها وكفيها ليسا بعورة كما تقدم في كلام ابن هبيرة وقد أقرّها ابن تيمية في" الفتاوى" (15/371) وهو الصحيح من مذهبه كما تقدم عن" الإنصاف" وهو اختيار ابن قدامة كما تقدم في " البحث الأول" وعلل ذلك بقوله:

" ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما بالنقاب لأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء".

ومثل هذا التعليل ذكر في كثير ممن الكتب الفقهية وغيرهما ك" البحر الرائق" لإبن نجيم المصري (1/284) وتقدم نحوه عن الشوكاني في أول هذا" البحث الخامس" (ص27).

ومما سبق يتبين للقراء الكرام أن أقوال الأئمة الأربعة متفقة على تخيير المرأة المحرمة في السدل على وجهها وعدم إيجاب ذلك عليها خلافاً للمتشددين والمقلدين‍ هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فقد دل قول مالك في " الموطأ" وقول ابن عبد البر:"وغير صلاتها" على تأويل التويجري المذكور وكذلك تخيير الأئمة المحرمات بالسدل لأن ذلك خارج الصلاة.

فأريد الآن أن أتبيَّن لقرائنا الأفاضل علماً كتمه المذكورون- أو جهلوه وأحلاهما مر‍-: أن سلف الأئمة رحمهم الله تعالى- فيما سبق- أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قولاً وفعلاً.

أما القول فهو:" المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مَسَّه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تَلَثَّم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت".

أخرجه البيهقي في "سننه" (5/47) بسند صحيح وعزاه إليه الحافظ في " الفتح" (4/52-53) ساكتاً عليه فهو عنده فهو شاهد قوي لحديثها المتقدم في هذا " البحث الخامس" صفحة (27-28): " يا أسماء إذا بلغت المرأة المحيض… ". وكذلك يشهد له حديثها الآتي.

وأما الفعل فهو ما جاء في حديث عمرتها من التنعيم مع أخيها عبد الرحمن قالت:

" فأردفني خلفه على جمل له قالت: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بعلّة الراحلة قلت له:و هل ترى من أحد…".

أخرجه مسلم (4/34) والنسائي في "السنن الكبرى" (2/223- المصورة) والطيالسي أيضاً في " مسنده" (1561) لكن بلفظ:

"فجعلت أحسر عن خماري فتناولني بشيء في يده …".

فسقط منه قولها:" عنقي" ورواية مسلم أصح سنداً وأرجح متناً كما بينته في "المقدمة" ولذلك لم يعزه الشيخ إلى مسلم وتبعه على ذلك بعض المقلدة- كالمدعو درويش في " فصله" (ص43) – لأنها حجة عليهم من جهة أن الخمار لا يغطي الوجه لغة كما تقدم وكونها معتمرة فلا يجوز لها أن تلثم به كما قالت آنفاً فتغطيتها لوجهها بالسدل- كما في بعض الروايات- فعلٌ منها نقول به، ولكن لا يدل على الوجوب خلافاً لزعم المخالفين.

قلت: فبطل بهذا البيان تأويل الشيخ المذكور لمخالفته أقوال أئمة الفقه المصرّحة بجواز الكشف عن الوجه في الصلاة وخارجها بحضرة الرجال ولتعليل بعضهم الجواز بحاجة المرأة إلى البيع والشراء والأخذ والإعطاء وبجواز المؤاكلة أيضاً. فهذه الأقوال يحملها الشيخ على الصلاة وليس بحضرة الرجال

فما أبطله من تأويل بل تعطيل. فأنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم إن مما يؤكد جهل الشيخ بالفقه وأقوال الفقهاء- أو على الأقل تجاهله وتحامله عليَّ وبَطره للحق- أن من مراجع كتابه (ص 109) ابن مفلح في " الآداب الشرعية" وابن مفلح هذا من كبار علماء الحنابلة في القرن الثامن،ومن تلامذة ابن تيمية وكان يقول له:" ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح". وقال ابن القيم فيه:

" ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح".

إذا عرفت هذا فقد قال المفلح هذا في كتابه المذكور " الآداب الشرعية " (1/316) ما نصه:

" هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟

ينبني (الجواب) على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها أو يجب غض النظر عنها؟ وفي المسألة قولان قال القاضي عياض في حديث جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم. قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي. ذكره الشيخ محيي الدين النووي ولم يزد عليه".

يعني: غي " شرح مسلم" قبيل (كتاب السلام) وأقرَّه.

ثم ذكر المفلح قول ابن تيمية الذي يعتمد عليه التويجري في كتابه (ص170) وتجاهل أقوال جمهور العلماء وقول القاضي عياض الذي نقله المفلح وارتضاه تبعاً للنووي. ثم قال المفلح:

" فعلى هذا هل يشرع الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف وقد تقدم الكلام فيه فأما على قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة.

قلت: هذا ما قاله هذا الإمام الحنبلي قبل ستة قرون (ت763) تبعاً لمن اقتديت بهم من الأئمة السالفين أفلا يعلم الشيخ ومن ضلَّ –هداهم الله- أنهم رحمهم الله ينالهم القدح الذي وجهه إلي في آخر كتابه- كما تقدم- وهو قوله:

"ومن أباح السفور للنساء واستدل على ذلك بمثل ما استدل به الألباني فقد فتح باب التبرج على مصراعيه…" إلى آخر هرائه هداه الله.
البحث السادس: تعطيلهم الأحاديث الصحيحة المخالفة لهم

قد جاءت أحاديث كثيرة في كشف النساء لوجوههن وأيديهن- كما سيأتي في الكتاب- يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي عند أهل العلم فلا جرم عمل بها جمهور العلماء ولن المقلدين المتعصبين قد سلَّطوا عليها أيضاً معاول التخريب والتهديم بتأويلها وتعطيلها وإبطال معانيها ودلالاتها الظاهرة البينة كما فعلوا بأقوال الأئمة كما عرفت آنفاً ولا يتسع المجال هنا لمناقشتهم في كل تأويلاتهم فإنها لكثرتها تتطلب تأليف رسالة خاصة بها لسرد الأحاديث وأقوالهم في تأويلها ثم الرد عليها فلا أقل من ذكر بعض النماذج منها تغني القارئ المنصف عن الباقي.الحديث الأول: وهو الثاني في الكتاب (ص61-62) حديث الخثعمية وفيه أنها كانت حسناء وضيئة وفيه:" فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها".

فأقول:اضرب الشيخ وقلدوه أو موافقوه في الانفصال من دلالة الحديث الصريحة على وجوه:

فتارة يقول (ص208):

" ليس فيه امرأة كانت سافرة بوجهها فيحتمل أن ابن عباس أراد حسن قوامها وقدّها و وضاءة ما ظهر من أطرافها"!

وهذا كلام ينقض أوله آخره وآخره أوله فإن " أطرافها" هي اليدان والرجلان والرأس- كما هو معلوم في اللغة- وعليه فما نفاه في أوله أثبته في آخره ولكن بطريقة اللف والدوران- مع الأسف- فإن " أطرافها" تشمل الوجه لغة ففي"القاموس":

" الأطراف من البدن: اليدان والرجلان والرأس".

فهل جَهلَ الشيخ هذه الحقيقة اللغوية- كما هو شأنه في تفسيره ل (الجلباب) و (الخمار) و (الاعتجار) –أم تناساها تمويهاً وتضليلاً؟! فإن كان الأول فهل جهل قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهه وكفاه…" الحديث، أم تناساه أيضاً؟ وسواء كان هذا أو ذاك فإنه قال هناك:" أطراف يديها"!

وتارة يقول (ص219):" وإن كان الفضل قد رأى وجهها فرؤيته لا تدل على أنها كانت مستديمة لكشفه…".

وهذه مكابرة أخرى تشبه سابقتها من حيث التجاهل فإن قول ابن عباس: "فأخذ الفضل ينظر يلتفت إليها"، وفي الرواية الأخرى:" فطفق ينظر إليها وأعجبه حسنها" يبطل قول الشيخ ومن قلده-مثل أخينا الطيب محمد بن إسماعيل (3/368) – وذلك من وجهين:

الأول: قوله:" ينظر يلتفت"، فإنه يفيد استمرار الفعل لغة كما هو معلوم.

والآخر: قوله: " فطفق" فإن معناه: استمر ينظر، كقوله تعالى: ** فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} (ص33) وقوله: ** وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} (الأعراف:22) ومثله في البخاري في قصة اغتسال موسى عليه السلام وحده:" فطفق بالحجر ضرباً" وفيه أيضاً في حديث الهجرة:" فطفق أبو بكر يعبد ربه".

ولذلك قال ابن بطال- كما سيأتي في الكتاب (ص36) -:

" لم يحول النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها…" إلخ

ثم استدل بذلك على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً وهذا هو الذي لا يمكن أن يفهم سواه العلماء المنزَّهون عن التعصب المذهبي ولذلك لم يستطع الحافظ ابن حجر –مع علمه الواسع ومعرفته باللغة وآدابها– إلا أن يقول ردّاً على ابن بطال:

" إنها كانت محرمة"، كما سيأتي هناك.

ولا يخفى على أهل العلم أن هذا الجواب إنما يستقيم لو كان لا يجوز للمحرمة أن تغطي وجهها بالسدل عليه، وهذا مما لا يقول به الحافظ أو غيره من العلماء فرده مردود وقد يشعر بعضهم بضعف هذا الرد فينحرف عن دلالة الحديث الظاهرة في جواز كشف وجهها إلى القول بأنه لا دليل فيه على جواز النظر إلى وجهها كما جاء في رسالة الشيخ ابن عثيمين وغيرها. فنقول: نعم لا يجوز ذلك عند خشية الفتنة ولذلك لا يجوز لها أن تنظر إلى وجه الرجل الأجنبي عنها عند الفتنة أفيجب عليه أن يستره عنها؟!

الحديث الثاني: وهو الثالث في الكتاب (ص64- 65) حديث المرأة التي قالت: "يا رسول الله ! جئت لأهب لك نفسي…" الحديث.

أقول: فمن المضحك المبكي أن الشيخ التويجري حشر هذا الحديث في جملة الأحاديث التي استدل بها على أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى وجه خطيبته ورقبتها (كذا) وأطراف يديها. ولما أجاب (ص 219) عن استدلالي بالحديث أوهم أنه في المخطوبة! وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد خطبها- كما ذكرت هناك عن الحافظ ابن حجر- وإنما هي عرضت نفسها عليه صلى الله عليه وسلم كما هو صريح الحديث وكان ذلك في المسجد كما في رواية الإسماعيلي وعلى مرأى من سهل بن سعد راويه والقوم الذين كان فيهم كما في رواية للبخاري وأبي يعلى والطبراني وروايتيهما أتم كما ستراها هناك.

فهل استقام في ذهن الشيخ ومقلديه جواز الخِطبة على مرأى من الأجانب؟! وهو الأمر الذي ينكرونه ويبالغون في إنكاره ولو بتحريف الكلام عن مواضعه! كقول بعضهم:

" ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه…".

ذكره الأخ في " العودة" (3/368) مع أقوال أخرى لا تستحق الذكر لظهور بطلانها منها قول التويجري المذكور ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم. وهذه الكلمة حق أريد بها باطل لأن البحث في رؤية الصحابة كما لا يخفى على ذي عين!

وفي ظني أن الشيخ الفاضل محمد بن صالح بن عثيمين إنما لم يتعرض للجواب عن الحديث بشيء من هذه الأجوبة لظهور ضعفها فرأى السلامة في السكوت وترك المراء جزاه الله خيراً وإن كنت آمل منه إعادة النظر في المسألة على ضوء ما تقدم من البيان وما سيأتي في الكتاب من الفوائد الجديدة والزيادات التي لم تكن في الطبعات السابقة.

الحديث الثالث" وهو الخامس في الكتاب (ص66) وهو حديث فاطمة بنت قيس وأمره صلى الله عليه وسلم إياها بالانتقال إلى ابن أم مكتوم الأعمى وقال لها:" فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك" لقد بينت هناك وجه دلالة الحديث على أن الوجه ليس عورة فرد الشيخ ذلك (ص221-223) بعد كلام طويل لا طائل تحته ودس فيه ما لا أقول به ومن ذلك قوله:

" وأين النص في الحديث على وجوب ستر الرأس وحده وتحريم كشفه عند الرجال الأجانب دون الوجه والرقبة"!

فأقول: أما النص فهو في إذن لها في أن تظهر أمام الضيفان بخمارها الذي لا يغطي الوجه لولا خشية سقوطه عنها فيرون رأسها ولذلك أمرها بالانتقال إلى ابن أم مكتوم رضي الله عنه وعلل صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:"فإنك إذا وضعت خمارك لم يركِ" والخمار غطاء الرأس عند جماهير العلماء كما تقدم تحقيقه بما لا مرد له عند من يعقل وينصف فهذا هو النص على الرأس دون الوجه. وأما قولك:" والرقبة" فهو دس رخيص لا أدري هل يمكن أن يصدر مثله من الشيخ فاضل متّق يدري ما يخرج من فيه؟! فإنه يعلم أن ذكر الرقبة ليس من موضوع البحث! وأنه لا خلاف في كونها عورة منها وأن الخمار يسترها فأعوذ بالله من الحور بعد الكور!

وأما اعتراضك على استدلالي المذكور بقولك (ص 222):

" ولو كان الأمر كذلك لقال صلى الله عليه وسلم: فإنك إذا وضعت خمارك لم ير رأسك أولم ير شعرك".

فأقول: كفاك أيها الشيخ! جدلاً ومكابرةً! فإن النبي صلى الله عليه سلم لا يتكلم حسب هواك فإنه أفصح من نطق بالضاد وأوتي جوامع الكلام فإن (الخمار) معناه في اللغة التي كانت تفهمها فاطمة رضي الله عنها على خلاف فهمك المستعجم فلا داعي ليقول لها ما طرحته وألزمتنا به، ألا ترى أنه يستطيع أقل الناس فهماً أن يقلبه عليك فيقول لك:" ولو كان الأمر على ما ذهبت إليه أن الخمار لم ير رأسك ووجهك". فهل تلتزم هذا أيها الشيخ المسكين! أم تجيب بنحو جوابي المذكور وأن الخمار بزعمك يشمل الوجه أيضاً؟! وحينئذٍ يتبين لك ما ألزمتنا به غير لازم وأنك تجادل بالباطل لتضلَّ الناس بغير علم فأنك في كل كتابك وردِّك لم تأت بنص ممن الكتاب والسنة وأقوال الأئمة المتقدمين – على اختلاف اختصاصاتهم- يشهد لزعمك المذكور ولن تستطيع إلى ذلك سبيلاً البتة.

ومن الدليل على ذلك تصريح ابن بلدك الشيخ الفاضل محمد بن عثيمين: بأن الخمار ما تغطي المرأة رأسها- كما تقدم نقله عنه- ولذلك –فيما أظن- رأى السلامة أيضاً أن لا يدخل نفسه في مثل مجادلتك ومكابرتك فلم يتعرض للجواب عن استدلالنا بهذا الحديث وما ذاك إلا لقوة دلالته والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

البحث السابع: استدلالهم بالأحاديث الضعيفة والآثار الواهية وإصرارهم على ذلك بعد أن وقفوا على عللها التي تمنعهم شرعاً من الاحتجاج بها لو أنصفوا ولم يتبعوا أهواءهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"الفتاوى" (1/ 246):

" والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه ومعرفة دلالته كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله".

والشيخ كأنه قول ابن تيمية هذا فإنه لم يتثبَّت فيما نقل عن السلف ولا في دلالته بل بعضه حجة عليه وإليك بعض الأمثلة:

الحديث الأول: عن ابن عباس قال:" أمر الله النساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن… ويبدين عيناً واحدة" وسيأتي في الكتاب (ص88).

لقد بينت هناك أن للحديث علتين فأغمضوا أعينهم عنهما وتتابعوا جميعاً على الاحتجاج به وصرح السندي (ص19- 20) بصحة سنده دون أن يبين ذلك على أسلوب علماء الحديث عامله الله بما يستحق وخفي ذلك على الإسكندراني فأقره (3/ 265) ! والله المستعان! وكرره الشيخ التويجري مراراً (ص 163- 226-232) ونسبني بسبب مخالفتي إياه للإلحاد ! فقال (ص233):

" وكلام الألباني في تفسير آية الأحزاب لم يَسبقه إليه أحد من الصحابة والتابعين وقد خالف ما جاء عن حبر الأمة وغيره من أكابر التابعين في تفسيرها فهو إذاً من الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلام…".

كذا قال – هداه الله – ولست أقابله إلا بقوله تعالى تعليماً لنا: ** وإنّا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين} (سبأ: 24) ولكني سأثبت لكل منصف أن كلام الشيخ سيحور عليه مصداق قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:" ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله ! وليس كذلك إلا حار عليه" وقول المثل السائر:" رمتني بدائها وانسلّت" وذلك أن هناك رواية أخرى عن ابن عباس- في المصدر الذي نقل الشيخ الرواية الأولى منه وهو "الدر المنثور" – كتمها الشيخ ومقلدوه، لأنها تخالف أهواءهم ونصها في تفسير آية الإدناء:"وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" رواه ابن جرير وابن مردويه.

وهذا نص قولنا وذكره ابن جرير (22/33) تحت قوله:

" وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن". وهذا وإن كان إسناده ضعيفاً فإنه أرجح من الأول لأمور:

1- أنه الأقرب إلى لفظ (الإدناء) كما تقدم في " البحث الأول ".

2- أنه الموافق لما صح عن ابن عباس من طرق سبعة عنده: أن الوجه والكفين من الزينة الظاهرة

التي يجوز كشفها وقد خرجت الطرق السبعة في " المقدمة" وبعضها صحيح-كما سيأتي في الكتاب- وهو نص في المقصود كما قال ابن القطان الفاسي في " النظر في أحكام النظر" (ق 20/2) وقواه بتوثيقه لرجاله وأشار السندي إلى أسانيده وجزم بعدم صحتها (ص18) وإن من خبثه وتدليسه أنه ساق الضعيف منها وأفاض في إعلالها وكتم الصحيح منها ! وأقره الإسكندراني (3/ 265) لجهله بهذا العلم الشريف ولذلك فقد أساء إلى نفسه وإلى قرائه بدخوله فيما لا يحسنه!

3- أنه الموافق لما رواه أبو الشعثاء: أن ابن عباس قال:

" تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به".

أخرجه أبو داود في " مسائله" (ص110) بسند صحيح جدّاَ

4- أنه المنقول عن بعض تلامذة ابن عباس رضي الله عنه كسعيد بن جبير فإنه فسر الإدناء: بوضع القناع على الخمار وقال

" لا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رأسها ونحرها". وسيأتي في الكتاب (ص85).

وذكر نحوه أبو بكر الجصاص في" أحكام القرآن" (3/372) عن مجاهد أيضاً مقروناً مع ابن عباس:

" تغطي الحُرَّة إذا خرجت جبينها ورأسها".

ومجاهد ممن تلقى تفسير القرآن عن ابن عباس رضي الله عنه.

ثم تلقاه عن مجاهد قتادة رحمهما الله تعالى فإنه من تلامذته والرواة عنه فقال في تفسير (الإدناء) "

"أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب".

أخرجه ابن جرير (22/23) بسند صحيح عنه.

فقوله:" يقنعن" أي: يلبسن القناع ويشددنه على الحواجب والرأس فإن القناع هو أوسع من المقنع والمقنعة ما تقنع به المرأة رأسها كما في "القاموس" وغيره وتقدم مثله (ص19- 20) عن الحافظ وغيره.

فمن العجيب الغريب حقاً أن يذكر الشيخ التويجري- ومن قلده من المحوِّشين والمقمِّشين- هذا الأثر عقب حديث ابن عباس الضعيف هذا وعقب أثر عبيدة السلماني- الآتي بيان ما فيه من العلل- ذكر هذا الأثر عقب ذلك مستشهداً به! وهو حجة عليه كما ترى ولست أدري- والله – أهذا من جهل الشيخ بلغته أو تجاهل مقصود منه؟! فإن كان الأول فهل خفي عليه أن الإمام ابن جرير ذكره مترجماً به القول الثاني المخالف لقول من قال بحديث ابن عباس الضعيف فقال عقبه (22/33):

" وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن ذكر ممن قال ذلك…"؟!

ثم ساق تحته حديث ابن عباس الذي أنا في صدد ترجيحه بهذه الأمور الأربعة وأتبعه بأثر قتادة هذا.

أفلا يحق لي بعد هذا البيان أن أقول:إن ما اتهمني الشيخ به من المخالفة للصحابة والتابعين، والإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلام… أنه وصفه هو؟! وأن ما نسبه إلى ابن عباس جازماً به كذب عليه؟! وأني أنا أسعد الناس بمتابعته رضي الله عنه في الرواية الراجحة عنه في تفسير الآية الكريمة وفي غيرها كما سيأتي في تفسير: {إلا ما ظهر منها} (ص102)

وإذا تبين ضعف حديث ابن عباس في أمر النساء بتغطية وجوههن إلا عيناً واحدة وأن الرواية الأخرى عنه المصرحة بشد الجلباب على جبينها أقوى منها- لشواهدها وموافقتها ل (الإدناء) لغة ولتفسيره- يتبين للقراء الكرام حقيقة مرّة مؤسفة: وهي أن الشيخ التويجري قد سنَّ لمن كتب في هذه المسألة سنّة سيئة وهي الاحتجاج بما لم يصح من الأحاديث مع علمه بضعفها وعلتها المبينة في كتابي- كما سيأتي (ص73) – وإعراضه عن الإجابة عنها وعن ذكر ما يعارضها فعليه يصدق قوله صلى الله عليه وسلم- الذي وضعه في آخر كتابه (ص249) في غير موضعه فظلمني بذلك- ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"… ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة…" الحديث. فقد قلده عامة من وافقوه على الاحتجاج بهذا الحديث الواهي والسكوت عليه ومنهم من عزَّ علىَّ احتجاجه به في " رسالة الحجاب" (ص12) لظني به أنه يتحرّى السنة الصحيحة وبخاصة فيما يعلم أن العلماء مختلفون فيه فكيف يكون حال الآخرين الذين لا يحسنون إلا التقليد والجعجعة بل إن بعضهم زاد عليهم وَقَفا ما لا علم له به فصححه وهو المدعو صالح بن إبراهيم البليهي فيما سماه " يا فتاة الإسلام" (ص 201و 252) وهذا مما لم يقله عالم من قبل ولا يمكن أن يتفوَّه به مبتدئ في هذا العلم. فهذا مؤلف كتاب " الحجاب" الأخ مصطفى العدوي من الناشئين في هذا المجال لم يسعه إلا أن يعترف بضعف إسناده (ص28و46) وإن كان كتم العلة الثانية منه وهي ضعف عبد الله بن صالح كما تقدم لكنه قد صرح بها في كتابه الآخر " أحكام النساء" (ص19) !

وإن مما يسترعي الانتباه ويلفت النظر قول الشيخ الفاضل ابن عثيمين بعد أن ساق الحديث جازماً به!:

" وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

فأقول: نعم ولكن أثبت العرش ثم انقش! فقد كان الواجب عليك يا فضيلة الشيخ! قبل أن تقول هذا أن تجيب عن علَّتي الحديث وتثبت صحته على أصول علم الحديث كما هو المفروض في أمثال هذه المسألة الخلافية ولا سيما وأنت في صدد الرد على مخالفك وقد ضعف حديثك هذا من قبل فإذا كنت مسَلِّماً بضعفه فلم احتججت به؟! وإن كنت ترى صحته فلماذا لم ترد عليه وتقيم الحجة على صحته؟! أليس هذا مما يتنافى مع الكلمة الطيبة التي ذكرتها في رسالتك وقد جاء فيها (ص32):

"وأنه يجب على كل باحث يتحرى العدل والإنصاف…أن يقف بين أدلة الخلاف موقف الحاكم من الخصمين؟! ** يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون. كَبِرَ مَقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف: 3و2).
الحديث الثاني: من الضعيف الذي استدلوا به ولَهَجَ به الشيخ التويجري ومقلدوه:" سؤال ابن سيرين عبيدة السلماني عن آية (الإدناء)؟ فتقنَّع عبيدة بِملحفة وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى". أخرجه السيوطي في " الدر" ونقله التويجري (ص163- 164).

وبيان ضعفه من وجوه:

2- أنه مقطوع موقوف فلا حجة فيه لأن عبيدة السلماني تابعي اتفاقاً فلو أنه رفع حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان مرسلاً لا حجة فيه فكيف إذا كان موقوفاً عليه كهذا؟! فكيف وقد خالف تفسير ترجمان القرآن: ابن عباس ومن معه من الأصحاب؟!

أنهم اضطربوا في ضبط العين المكشوفة فيه فقيل: "اليسرى" –كما رأيت- وقيل:" اليمنى" وهو رواية الطبري (22/33) وقيل: "إحدى عينيه " وهي رواية أخرى له ومثلها في " أحكام القرآن " للحصاص (3/ 444) وغيرهما.

ذكره ابن تيمية في " الفتاوى" (15/ 371) بسياق آخر يختلف تماماً عن السياق المذكور فقال:

" وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره: إن نساء المؤمنين كنَّ يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق".

ونقله عنه التويجري (166) وابن عثيمين (ص13) وغيرهما وارتضوه.

وإذا عرفت هذا فاعلم أن الاضطراب عند علماء الحديث علة في الرواية تسقطها عن مرتبة الاحتجاج بها حتى ولو كان شكلياً كهذا لأنه يدل على أن الراوي لم يضبطها ولم يحفظها على أن سياق ابن تيمية المذكور ليس شكلياً كما هو ظاهر لأنه ليس في تفسير الآية وإنما هو إخبار عن واقع النساء في العصر الأول وهو بهذا المعنى صحيح ثابت في أخبار كثيرة كما سيأتي في الكتاب بعنوان:" مشروعية ستر الوجه" (ص104) ولكن ذلك لا يقتضي وجوب الستر لأنه مجرد فعل منهن ولا ينفي وجود من كانت لا تستر وجهها بل هذا ثابت أيضاً في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده كما سيأتي وتقدم بعضها.

4-مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه فما خالفه مطرح بلا شك.

الحديث الثالث: عن محمد بن كعب القرظي مثل حديث ابن عباس الأول قي:" يدنين عليهن ممن جلابيبهن " قال:" تخمِّر وجهها إلا إحدى عينيها".

أخرجه ابن سعد في " الطبقات"

الملخص : و قلت مما استدللت به من الكتاب و السنة و قول اغلب المفسرين كالطبري احد اكبر الشيوخ و الائمة و المفسرين الكبار و المحدثين و الراوين الذين سبق و ان ذكرتهم و دون اي تعصب او تهجم او رفض متشدد لبعض الاراء امثال الشيخ محمد التويجري فان حجاب المرأة المسلمة هو كل ما يستر عورتها مع العلم ان الوجه و الكفين و القدمين ليست بعورة على الاطلاق ويجب على الرجال غض البصركما ورد في الاية الكريمة و نسال الله تعالى الهداية لمن ادعى على ديننا الحنيف انه مولى ذلك و القادر عليه .
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته




رد: رأي العلامة محمد ناصر الدين الألباني في [ كيفية حجاب المرأة المسلمة ]

السلام عليكم …بارك الله فيك
معلومات قيمة لكن ما لا حظته انه في ختام الكلام عن مشروعية كشف المرأة لقدميها وهو ما لا يجوز لثبوت ذلك
كما انك لم تشر اليه فيما تقدم من الكلام




رد: رأي العلامة محمد ناصر الدين الألباني في [ كيفية حجاب المرأة المسلمة ]

لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير
بارك الله فيك .الله اعطيك العافية




رد: رأي العلامة محمد ناصر الدين الألباني في [ كيفية حجاب المرأة المسلمة ]

موضوع قيم ومفيد
جزاك الله خيرا
ونطمع بالمزيد




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

يوسف عليه السلام

يوسف عليه السلام


الونشريس

قصص الانبياء – يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام

نبذة:

ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.

المسيرة

سيرته:

قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) (يوسف)

واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.

ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.

لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.

المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:

ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.

المشهد الثاني:

اجتمع أخوة يوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).

قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.

انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.

المشهد الثالث:

توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟

وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .

ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.

وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته!

المشهد الرابع:

خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذا وينبئهم بما فعلوه.

المشهد الخامس:

عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.

أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:

أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.

فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية.

انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم، لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.

ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.

ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.

وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطبقة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماء المصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.

وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يوسف.

ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسف فيقول:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)

كان يوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.

وأدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامة وشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.

ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:

في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)

لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.

والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.

(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.

ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.

يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.

ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.

قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.

يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي

تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).

انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
http://www.almhml.com/c/-806




رد: يوسف عليه السلام

بارك الله فيك اخي على القصة
شكراااا




رد: يوسف عليه السلام

ان في قصص الأنبياء لعبر لمن يعتبر من ذوي الألباب….
شكرا أخي في الله على القصة وجزاك المولى عز وجل ألف خير




رد: يوسف عليه السلام

السلام عليكم شكرا لكم على
مروركم العطر كما اتمنى لكم المزيد من التالق




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

فوائدو منافع سورة الفاتحة

فوائدو منافع سورة الفاتحة


الونشريس

.هي ام القران .و السبع المثاني .و الشفاء التام . و الدواء النافع . و الرقية الشرعية و مفتاح الغنى و الفلاح و حافظة القوة و دافعة الهم و الغم و الخوف و الحزن. لمن عرف مقدارها.. و أعطاها حقها.. و أحسن تنزيلها على دائه. و عرف وجه الاستشفاء و التداوي بها……..و قد قال الرسول الكريم صلوات ربي و سلامه عليه في حقها "ما انزل الله عز وجل في التوراة ولا في الانجيل مثل ام القران وهي السبع المثاني ……………..رواه احمد والنسائي.




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

فاتحة القرآن فوائدها لا تعد ولا تحصى ولا يمكن استيعابها في اسطر




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

شكرااااااا جزيلا على المعلومة المفيدة
شكراااا لك
بوركت




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

بارك الله فيك




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

بارك الله فيك




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

بارك الله فيك




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

مشكور ع الطرح خوي




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

مشكوووووووووووووووور والله بعطيك الف عافية




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

مشكككووووووووووررررين جزاكم الله خيرا
يقال ايضا انها تمنع غضب الله عليك




رد: فوائدو منافع سورة الفاتحة

بورك فيك يا اختنا ام معتصم




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

الوصايا العشر في اواخر صورة الانعام

الوصايا العشر في اواخر صورة الانعام


الونشريس

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده رسوله ]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ ( [1]) .
]يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ ( [2]) .
]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ ( [3]) .
أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد:
فهذا بحث مختصر بعنوان: (الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام) مبينًا فيه ما تضمنته هذه الآيات الكريمات من وصايا عظيمة، وهذه نبذة مختصرة عن سورة الأنعام.
سورة الأنعام مكية إلا آيات يسيرة، وعدد آياتها (165) آية. قال القرطبي رحمه الله: وهي مكية في قول الأكثرين. وقال ابن عباس وقتادة: هي مكية كلها إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة، قوله تعالى: ]وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ ( [4]) نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين، والأخرى قوله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ [ ( [5]) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وقال ابن جرير: نزلت في معاذ بن جبل، قال الماوردي، وقال الثعلبي: سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة، ]وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ ( [6]) إلى آخر ثلاث آيات، ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [ ( [7]) إلى آخر ثلاث آيات، وقال ابن عطية: وهي الآيات المحكمات – إلى قوله.
تنبيه:
قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجَّة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومَنْ كذَّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة؛ لأنها في معنى واحد من الحجة ( [8]) .
قلت: قال ابن عباس: إذا سرَّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام ]قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [ إلى قوله: ]قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) [ ( [9]) . انتهى كلام ابن عباس ( [10]) .
تنبيه: قد ورد في فضل سورة الأنعام عدة أحاديث أعرضت عن ذكرها لعدم علمي بصحتها ولم أقف على تصحيح أحد لها من الأئمة، فأتورع عن ذكرها حتى لا أنسب إلى النبي r ما لم يقله.
والله أعلم

* * *

تمهيد
معنى الوصية في اللغة: قال الجوهري: أوصى له بشيء وأوصى إليه: جعله وصيه، والاسم الوصاية بفتح الواو وكسرها، وأوصاه ووصاه توصية بمعنى، والاسم: الوصاة، وتواصى القوم: أوصى بعضهم بعضًا ( [11]) .
والوصية في الشرع: قال ابن منظور: ]يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [ ( [12]) معناه: يفرض عليكم؛ لأن الوصية من الله إنما هي فرض، والدليل على ذلك قوله تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [ ( [13]) ، وهذا من الفرض المحكم علينا ( [14]) .
قلت: والوصية في قوله: ]ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [ ( [15]) هي وصية من الله لعباده بأن يلتزموا بما وصَّاهم به في هذه الآيات ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
أسأل الله السعادة لي ولمشايخي ولإخواني يوم المعاد.

* * *

الموضوع
الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام
قال الله – تبارك وتعالى -: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) [ ( [16]) .

* * *

الباب الأول
في بيان أكبر الكبائر التي أمر الله باجتنابها
الفصل الأول: النهي عن الشرك.
الفصل الثاني: الوصية بالوالدين والنهي عن عقوقهما.
الفصل الثالث: النهي عن قتل الأولاد.
الفصل الرابع: في النهي عن اقتراب الفواحش.
الفصل الخامس: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
الفصل السادس: النهي عن أكل مال اليتيم.

الفصل الأول
النهي عن الشرك
المبحث الأول: تعريف الشرك
الشرك في اللغة: قال ابن منظور: الشريك. والجمع أشراك وشركاء، يقال: شريك وأشراك، يقال: شاركت فلانًا: صرت شريكه، وشركته في البيع والميزان ( [17]) .
والشرك في الشرع: قال ابن منظور: والشرك أن تجعل لله ندًّا في ربوبيته أو ألوهيته ( [18]) .
قلت: والشرك: هو اتخاذ العبد ندًّا من دون الله يسويه بربه يحبه كحب الله، ويخشاه كخشية الله، ويلتجئ إليه ويدعوه ويخافه ويرجوه ويتوكل عليه ويستغيث به، ونحو ذلك ( [19]) .

* * *

المبحث الثاني: أنواع الشرك
قسَّم العلماء الشرك إلى نوعين:
أحدهما: أكبر، وهو المخرج من الملة.
والآخر: أصغر، وهو الذي لا يخرج من الملة.
فالأول: يحبط جميع الأعمال، والآخر: يحبط العمل الذي خالطه الشرك ولا يحبط الأعمال الخالصة لله، فمثال الأول: عبادة غير الله، والدليل قول الحق تبارك وتعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [ ( [20]) ، ومثال الثاني: يسير الرياء، وقول: ما شاء الله وشئت والدليل: حديث محمود بن لبيد – t – عن النبي r قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» فسُئِل عنه فقال: «الرياء» ( [21]) . وحديث حذيفة بن اليمان – t – عن النبي r قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» ( [22]) .
قلت: وللاطلاع على هذا التقسيم يرجع إلى «أعلام السنة» للحكمي رحمه الله ( [23]) .
فائدة: ما الفرق بين الواو وثم في الحديث المتقدم ونحوه من الأحاديث؟
العطف بالواو يقتضي المقارنة والتسوية فيكون مَنْ قال: ما شاء الله وشئت. قارنًا مشيئة العبد بمشيئة الله، بخلاف العطف بثم المقتضية للتبعية، فمن قال: ما شاء الله ثم شئت، فقد أقرَّ بأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى، فلا تكون مشيئة العبد إلا بعد مشيئة الله ( [24]) .

* * *

المبحث الثالث: في عقوبة الله للمشركين
من العقوبات للمشركين أن الله حرَّم عليهم الجنة ومأواهم النار، فقد قال تعالى: ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [ ( [25]) ، وقال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [ ( [26]) ، ومنها أنهم حُرِمُوا دعوة النبي r والمؤمنين، قال تعالى: ]مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [ ( [27]) .
قلت: النهي عن الشرك هو أول وصية في آيات الأنعام.

* * *

الفصل الثاني
الوصية بالوالدين والنهي عن عقوقهما
المبحث الأول: الآيات التي جاء الأمر فيها بطاعة الوالدين والإحسان إليهما
أحد هذه الآيات وصية الله لعباده في آية سورة الأنعام قال تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ ( [28]) ، قال القرطبي رحمه الله: الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما ( [29]) .
قلت: وقَرن الله تعالى الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ ( [30]) ، وأمر الله ببر الوالدين وإن كانا كافرين، فقال تعالى: ]وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ ( [31]) ، قال ابن كثير رحمه الله: ولهذا قَرَنَ بعبادته بر الوالدين فقال: ]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ أي وأمر بالوالدين إحسانًا لقوله في الآية الأخرى: ]أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [ وقوله: ]إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [ أي: لا تسمعهما قولاً سيئًا حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء ]وَلَا تَنْهَرْهُمَا [ أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله ]وَلَا تَنْهَرْهُمَا [ أي: لا تنفض يدك عليهما ( [32]) .

* * *

المبحث الثاني: جملة أحاديث في بر الوالدين وتحريم عقوقهما
وهاك جملة من الأحاديث الشريفة التي تبين فضل بر الوالدين وتحريم عقوقهما:
الأول: عن أبي هريرة – t – قال: قال رجل: يا رسول الله! مَنْ أحق الناس بحُسن الصحبة؟ قال r : «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك فأدناك» ( [33]) .
الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص – t – قال: جاء رجل إلى النبي r يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» ( [34]) .
الثالث: عن أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف»، فقيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: «مَنْ أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة» ( [35]) . قوله: «رغم أنف»: أي لصق على التراب ( [36]) .
الرابع: عن عبد الله بن عمرو – t – عن النبي r قال: «رضا الرب برضا الوالد، وسخط الرب بسخط الوالد» ( [37]) ، وعند الطبراني بلفظ: «الوالدين» ( [38]) .
الخامس: عن ابن عمرو – t – عن النبي r قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» ( [39]) .
قال الذهبي رحمه الله: «موعظة: أيها المضيع! تذكر الحقوق من بر الوالدين، العقوق الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه ببر الوالدين عليك دين وأنت تتعاطاه باتباع السنن تطلب الجنة بزعمك وهي تحت أقدام أمك… الخ» ( [40]) .

* * *

الفصل الثالث
النهي عن قتل الأولاد
المبحث الأول: في بيان رحمة الوالد لولده
إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلا مَنْ شطَّ مِن الشواذ، أن أودع في قلوب الوالدين محبة الولد والشفقة عليه والحزن على فراقه، فهذا يعقوب u يقول: ]يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [ ( [41]) ، وقال تعالى: ]وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ ( [42]) .
ولا شك أن الولد ثمرة الفؤاد، ففي حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله r قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد» ( [43]) .

قال ابن كثير: « ]وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [ أعرض عن بنيه، وقال متذكرًا حزن يوسف القديم: ]يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [ جدد له حزن الابنين الحزن الدفين ( [44]) وقال رحمه الله: ]تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ [ أي: لا تفارق تذكر يوسف ]حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا [ أي ضعيف القوة ]أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ [ ، يقولون: إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف ]إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي [ أي: همي وما أنا فيه ]إِلَى اللَّهِ [ وحده ( [45]) .
وهذه أم موسى حين التقط آل فرعون موسى فرغ قلبها من الصبر فقال تعالى: ]وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ( [46]) ، قال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى مخبرًا عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر: كأنه أصبح فارغًا، أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى، قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، والضحاك، والحسن البصري، وقتادة وغيرهم ]إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ [ أي: إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد وتخبر بحالها لولا أن الله ثبَّتها وصبَّرها، قال تعالى: ]لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ( [47]) .

* * *

المبحث الثاني: في تحريم قتل الأولاد خشية الإملاق
نهى الله نهي تحريم عن قتل الأولاد خشية الإملاق وهو الفقر، ووصفه الله بأنه خطأٌ كبيرٌ فقال تعالى: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [ ( [48]) فالنهي عن قتل الأولاد أحد الوصايا التي تضمنتها هذه الآية الكريمة، قال البغوي رحمه الله: «أي: لا تئدوا بناتكم خشية العيلة فإني رازقكم وإياهم» ( [49]) ، قال ابن الجوزي رحمه الله: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ [ يريد دفن البنات أحياء ]مِنْ إِمْلَاقٍ [ أي: من خوف الفقر ( [50]) .
قلت: قول ابن الجوزي رحمه الله «قتل البنات أحياء» لعله يشير إلى ما كان عليه الجاهلية، والتحريم هنا يتناول قتل البنات والبنين ودفنهم وهم أحياء ودفنهم بعد قتلهم أعاذنا الله وحفظنا بحفظه.
قال ابن كثير رحمه الله: الوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان للأبناء والأحفاد، قال تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ [ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سوَّلت لهم الشياطين فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الفقر ( [51]) .

ومن الآيات الدالة على التحريم قوله تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [ ( [52]) ، قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية الكريمة دلَّت على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهلية ليئدون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: ]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ [ أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال، ولهذا قدم الاهتمام فقال: ]نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [ وقوله: ]إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [ أي: ذنبًا عظيمًا، وقرأ بعضهم ( كَانَ خَطْئًا ) بفتح الخاء وهو بمعناه ( [53]) . ومن الأدلة على أن قتل الأولاد من أعظم الذنوب حديث عبد الله بن مسعود، قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب عند الله أكبر؟ وفي لفظ لمسلم: أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول الرسول r : ]وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [ ( [54]) ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» أي: من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان» ( [55]) .
قلت: ويدخل في التحريم قتل البنات خشية العار كما كانت تفعله الجاهلية، قال تعالى: ]وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [ ( [56]) .

* * *

الفصل الرابع
في النهي عن اقتراب الفواحش
المبحث الأول: تعريف الفواحش
الفحش في اللغة: قال ابن منظور: الفحش معروف، وقال ابن سيده: الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها الفواحش. والفحشاء اسم الفاحشة، والفحش قد يكون بمعنى الزيادة والكثرة ( [57]) .
وفي الشرع: قال ابن منظور: هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ( [58]) .

* * *

المبحث الثاني: في بيان معنى الفواحش
أحد الوصايا في سورة الأنعام النهي عن اقتراب الفواحش الظاهرة والباطنة، قال تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) [ ( [59]) .
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: «فيه خمسة أقوال:
أحدها: أن الفواحش: الزنا، وما ظهر منه: الإعلان به، وما بطن: الإسرار به. قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: أن ما ظهر: الخمر ونكاح المحرمات، وما بطن: الزنا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثالث: أن ما ظهر الخمر، وما بطن: الزنا، قاله الضحاك.
الرابع: أنه عام في الفواحش وظاهرها علانيتها، وباطنها: سرها، قاله قتادة.
الخامس: أن ما ظهر أفعال الجوارح، وما بطن: اعتقاد القلوب، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع، وفي تفسيره قوله: ]وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [ ( [60]) ، وقال السدي: أما ما ظهر منها فزواني الحوانيت، وأما ما بطن: فما خفي ( [61]) . وقال الضحاك: ما ظهر منها يعني العلانية، وما بطن يعني السر ( [62]) . وقال أيضًا: ما ظهر: الخمر، وما بطن: الزنا ( [63]) . قال البغوي رحمه الله: ما ظهر يعني العلانية، وما بطن يعني السر، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسًا في السر، فحرم الله الزنا في العلانية والسر ( [64]) . وقال القرطبي رحمه الله: قوله: ما ظهر: نهي عن جميع الفواحش وهي المعاصي، وما بطن: ما عقد في القلب من المخالفة ( [65]) .
قلت: والفواحش: كل ما قبح وفحش من الذنوب، والله يغار على محارمه، قال ابن مسعود – t -: قال رسول الله r : «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» ( [66]) الحديث. وأما صغائر الذنوب التي سمَّاها الله سبحانه وتعالى «اللمم»، حيث قال: ]الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [ ( [67]) ، فلا يسلم منها أحد إلا ما شاء الله، ولهذا مدح الله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.

* * *

المبحث الثالث: وعيد الله لمن فعل شيئًا من ذلك
ساق الله سبحانه وتعالى جملة من المعاصي التي فحش قبحها فتوعدهم بمضاعفة العذاب فقال: ]وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [ ( [68]) .
وتوعَّد قاتل النفس التي حرم الله، فقال: ]وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [ ( [69]) .
وتوعَّد المرابي فقال: ]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ ( [70]) .
وعن جابر قال: «لعن رسول الله r آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء» ( [71]) ، وعن أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» ( [72]) .
قلت: ذكرت هذه الأدلة بناءً على مَنْ قال أن الفواحش عامة في كل ما قبح وفحش من الذنوب.

* * *

الفصل الخامس
النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
المبحث الأول: منزلة الإنسان عند ربه تعالى
لا شك أن منزلة الإنسان عند الله – عز وجل – منزلة عظيمة، كيف والله جلَّ ذكره يقول: ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [ ( [73]) .
ولهذا كُتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا والعكس، فقال تعالى: ]مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [ ( [74]) ، قال سعيد بن جبير: «من اسفك دم مسلم فكأنما استحلَّ دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعا». قال ابن كثير: وهو الأظهر ( [75]) .

* * *

المبحث الثاني: موقف الإسلام من إراقة الدماء
قال الله تعالى في آية الأنعام: ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ ( [76]) . قال البغوي: «حرَّم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما أبيح قتله، من ردة أو قصاص أو زنا بموجب الرجم» ( [77]) .
وقال الشوكاني: « ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ [ اللام في النفس: للجنس التي حرم الله صفة للنفس، أي: لا تقتلوا شيئًا من الأنفس التي حرم الله إلا بالحق، أي: إلا بما يوجبه الحق» ( [78]) .
قلت: لقد حرَّم الله سفك الدماء وإزهاق الأرواح تحريمًا شديدًا إلا ما استثناه الشرع، وهذا يشمل المسلم والكافر والمعاهد والمستأمن وأهل الذمة.
أما المسلم فقد دلَّ عليه حديث أبي هريرة – t – قال: قال رسول الله r : «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله» ( [79]) ، وحديث ابن مسعود – t – قال: قال رسول الله r : «سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ( [80]) ، وأما المعاهد قد دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو – t – عن النبي r قال: «مَنْ قَتَل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» ( [81]) ، وأما أهل الذمة فقد دلَّ عليهم حديث رجل من أصحاب النبي r قال: قال رسول الله r : «مَنْ قتل رجلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة سبعين عامًا» ( [82]) .
قلت: وهذه الأدلة المتقدمة التي جاء فيها كفر القاتل محمولة عند أهل السنة والجماعة على الكفر الأصغر الذي لا يُخرج من الملة.

* * *

المبحث الثالث: القصاص والحكمة منه
القصاص ثابت بالكتاب والسنة والإجماع،
أما الكتاب: فقال تعالى: ]وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [ ( [83]) ، وقال: ]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) [ ( [84]) .
وأما السُّنَّة: فلحديث أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «من قتل له قتيل فهو بأحد النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد» ( [85]) .
وأما الإجماع: فلا خلاف بين أهل اعلم في قصاص القاتل الذي توفرت فيه شروط القصاص وانتفت عنه الموانع، والقاتل عليه ثلاثة حقوق، قال خليل هراس: «والصحيح أن على القاتل حقوقًا ثلاثة: حقًا لله، وحقًا للورثة، وحقًا للقتيل. وحق الله يسقط بالتوبة، وحق الورثة يسقط بالاستيفاء في الدنيا أو العفو، وأما حق القتيل فلا يسقط حتى يجتمع لقاتله يوم القيامة ويأتي ورأسه في يده ويقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني» ( [86]) .
قلت: وللقصاص حِكَم عظيمة لعل من أبرزها ردع الناس عن سفك الدماء التي حرمها الله، وإقناع أولياء المقتول حتى لا يطول النزاع وأخذ الثأر وغير ذلك من الحكم.

* * *

الفصل السادس
النهي عن أكل مال اليتيم
المبحث الأول: تعريف اليتيم لغة وشرعًا
اليتيم في اللغة: قال الجوهري: اليتيم جمعه أيتام ويتامى، وقد يتم الصبي بالكسر يتم يتيمًا بضم الياء وفتحها مع سكون التاء فيهما، واليتيم في الناس من قِبَل الأب، وفي البهائم من قِبَل الأم، وكل شيء مفرد يعز نظيره فهو يتيم، يقال: درة يتيمة ( [87]) . وقال ابن منظور: اليتيم الانفراد واليتيم الفرد، واليتم: فقد الأب، وقد يتم بالضم وبالكسر وبالتسكين فيهما أي بتسكين التاء فيهما ( [88]) واليتيم في الشرع: قال الجوهري: اليتيم في الناس من قِبَل الأب وفي البهائم من قِبَل الأم ( [89]) . وقال ابن منظور: اليتيم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وفي الدواب فقد الأم ( [90]) .

* * *

المبحث الثاني: رعاية اليتامى والمحافظة على أموالهم
قال تعالى: في وصية للناس في آية الأنعام: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ ( [91]) .
قال الطبري رحمه الله: «يعني جل ثناؤه بقوله: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره» ( [92]) . قال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك وعامر: حتى يبلغ أشده: يعني الحلم ( [93]) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: قوله: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ [ لأن الطمع فيه لقلة مراعيه وضعف مالكه أقوى، وفي قوله: ]إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ أربعة أقوال:
أحدها: أنه أكل الوصي المصلح للمال بالمعروف وفق حاجته. قاله ابن عباس وابن زيد.
ثانيًا: التجارة فيه. قاله سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي.
الثالث: حفظه له إلى وقت تسليمه إليه. قاله ابن السائب.
الرابع: أنه حفظه عليه وتثميره له، قاله الزجاج، إلى قوله: والأشد استحكام قوة الشباب والسن. قال ابن قتيبة: ومعنى الآية: حتى يتناهى في النبات إلى حج الرجال ( [94]) . وقال القرطبي رحمه الله: ]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ أي: بما فيه صلاحه وتثميره، وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه. وهذا أحسن الأقوال في هذا؛ فإنه جامع ( [95]) .
قلت: وهناك أقوال أخرى أعرضت عن ذكرها لبعدها في نظري عن مفهوم الآية.. والله أعلم.
ومما يدل على رعاية اليتيم وحفظ ماله قول الحق تبارك وتعالى: ]وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (3) [ ( [96]) .
قال ابن كثير: يأمر تعالى بدفع أموال اليتامي إليهم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالكم، ولهذا قال: ]وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [ وقوله: ]وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [ .
قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل والسدي وسفيان بن حسين: أبى إلا أن تخلطوها فتأكلوها جميعًا، وقوله: ]إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [ ، قال ابن عباس: أي إثمًا عظيمًا ( [97]) .
قلت: كافل اليتيم والقائم على رعايته مع النبي r في الجنة، فعن أبي هريرة – t – عن النبي r قال: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والإبهام ( [98]) .
قلت: لا يرعى مال اليتيم إلا من كان وقافًا عند حدود الله، مراقبًا له لم يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة.

* * *

المبحث الثالث: عقوبة آكل مال اليتيم ظلمًا
توعَّد الله – عز وجل – الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا بأنهم يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعير جهنم لِمَا في ذلك من الظلم والقهر، فقال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ ( [99]) .
قال القرطبي رحمه الله تعالى: «قال الجمهور: إن المراد للأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وسمى المأكول نارًا بما يؤول إليه، وقيل: نارًا أي حرامًا؛ لأن الحرام يوجب النار فسمَّاه باسمه ]وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ الصلي: التسخين بقرب النار وبمباشرتها، والسعير: الجمر المشتعل ( [100]) ، وعدَّه النبي r من الموبقات كما في حديث أبي هريرة – t – قال: قال رسول الله r : «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله، ما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» ( [101]) . قال النووي رحمه الله: أما الموبقات فهي المهلكات، يقال: وبق الرجل بفتح الباء: يبق بكسرها، ووبق – بضم الواو وكسر الباء-: يوبق: إذا هلك. وأوبق غيره أي أهلكه ( [102]) .
قال الذهبي رحمه الله: قال العلماء: فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرًا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه وتنميته ماله فلا بأس عليه، وما زاد على المعروف فسُحت حرام. يقول تعالى: ]وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [ ( [103])( [104]) .

* * *

الباب الثاني
في اتباع الأوامر التي جاءت في الوصايا العشر

الفصل الأول: الأمر بالوفاء في الكيل والميزان.
الفصل الثاني: في الأمر بالعدل بين الناس.
الفصل الثالث: الوفاء بالعهد.
الفصل الرابع: الأمر باتباع الصراط المستقيم.

الفصل الأول
الأمر بالوفاء في الكيل والميزان
المبحث الأول: الأمر بالوفاء في الكيل وعدم التطفيف
أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فضد الوفاء التطفيف والبخس، قال تعالى في آية الأنعام: ]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ ( [105]) ، قال الطبري رحمه الله تحت الآية: يقول تعالى ذكره: ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [ يقول: لا تبخسوا الناس الكيل إذا كلتموهم والوزن إذا وزنتموهم ولكن أوفوهم حقوقهم، وإيفاؤهم ذلك إعطاؤهم حقوقهم تامة بالقسط يعني بالعدل ( [106]) . وقال القرطبي: قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ… [ العدل ( [107]) . ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [ ( [108]) .
قال ابن كثير: أوفوا الكيل إذا كلتم. أي من غير تطفيف ( [109]) .
المبحث الثاني: عقوبة من طفف في الوزن
توعَّد الله المطففين بالويل الذي هو من أنواع العذاب، قال تعالى: ]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [ ( [110]) .
قال ابن كثير رحمه الله: المراد بالتطفيف هنا البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم؛ ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك، وهو الويل بقوله تعالى: ]الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [ ( [111]) ، ومما أهلك الله به قوم شعيب البخس في الميزان، قال تعالى: ]كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [ ( [112]) .
روي عن ابن عباس قوله: «ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق» ( [113]) .
قال ابن كثير رحمه الله: يأمر الله تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء كما وعد على تركه بقوله تعالى: ]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ ( [114]) ، وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.

* * *

الفصل الثاني
في الأمر بالعدل بين الناس
المبحث الأول: المساواة بين الخصوم
الوصية الثامنة في آية الأنعام العدل وعدم محاباة القريب، فقال تعالى: ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [ ( [115]) . قال الطبري رحمه الله: «يعني تعالى ذكره بقوله: ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [ وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قرابة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه» ( [116]) ، وقال البغوي رحمه الله: « ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [ في الحكم والشهادة ولو كان ذا قربى ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قرابة ( [117]) ، وقال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد، والله يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال ( [118]) .
قلت: وكذلك العدل في الحكم، قال تعالى: ]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ ( [119]) .
وفي حديث عبد الله بن عمرو – t – قال: قال رسول الله r : «إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن – عز وجل – وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ( [120]) .

* * *

المبحث الثاني: التحري الدقيق قبل الحكم
يجب على الحاكم أو نائبه أو المصلح بين الناس أن يتحرى الدقة في القضية بين الخصوم فينظر في ملابساتها ولا يستعجل في الحكم حتى لا يندم، ولهذا قال تعالى: ]يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ ، وفي قراءة: ]فتثبتوا [ ]أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ … نَادِمِينَ [ ( [121]) .
قال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبًا أو مخطئًا ( [122]) .
قلت: ذكر غير واحد من المفسرين أن الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أرسله النبي r لجباية زكاة الحارث بن ضرار وقومه من بني خزاعة، فلمَّا بلغ بعض الطريق فرق – أي خاف – فرجع وقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي… إلى آخر القصة ( [123]) ، وهذه القصة لا تثبت لا سندًا ولا متنًا، أما السند فإن مدار القصة على دينار الكوفي والد عيسى وهو مجهول فلم يروى عنه إلا ابنه عيسى كما في التهذيب، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، أي حيث يتابع وإلا فليس الحديث، وأما من حيث المتن، فمن المستبعد جدًا أن يحدث هذا من صحابي فيكذب على رسول الله r ثم يصفه الله بالفسق، والصحابة عدول بالإجماع، وقد زكَّاهم الله ورسوله فتنبه.

* * *

الفصل الثالث
الوفاء بالعهد
المبحث الأول: بيان معنى الوفاء بالعهد
معنى الوفاء بالعهد: امتثال ما أمر الله به ورسوله، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله، وقد أمرنا – سبحانه وتعالى – بالوفاء بالعهد في آية الأنعام، فقال: ]وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ ( [124]) قال الطبري رحمه الله: ]وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن يعلموا بكتابه وسنة رسوله r وذلك هو الوفاء بعهد الله ( [125]) . وقال القرطبي رحمه الله: ]وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ عام في جميع ما عهده الله إلى عباده، ويحتمل أن يراد به جميع ما انعقد بين إنسانين وأضيف ذلك العهد إلى الله من حيث أمر بحفظه والوفاء به ( [126]) . وقال ابن الجوزي رحمه الله: وعهد الله يشتمل على ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به، وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره ( [127]) .
قلت: ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ]وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) [ ( [128]) أي: يسأل الإنسان عنه.
المبحث الثاني:

المقدمة

مما لا شك فيه أن جميع العهود في غاية الأهمية، كيف والله يقول: ]إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [ . لكن من المهم ما هو أهم، فيمكن أن يقال: من أهم العهود الوفاء بعهد الله وعهد الرسول إذا أعطي لقوم، دل على ذلك حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي – t – قال: كان رسول الله r : «إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه، ثم قال: اغزوا بسم الله – وفيه – ثم قال: وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه؛ ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله» الحديث ( [129]) .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تحت هذا الحديث: «فيه مسائل، الأول: الفرق بين ذمة الله وذمة نبيه وذمة المسلمين» ( [130]) . وقال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: الذمة: العهد وتخفر: تنقض. يقال: أخفرت الرجل إذا انقضت عهده وخفرته أجره، ومعناه أنه خاف من نقض من لم يعرف حق الوفاء بالعهد في جملة الأعراب، وكأنه يقول: إن وقع نقض من معتد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الله تعالى والله أعلم.. ( [131]) . وكذلك العهد الذي عقد فيه الأيمان، قال تعالى: ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [ ( [132]) .
قال ابن كثير رحمه الله: ]وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [ لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق ( [133]) .

* * *

الفصل الرابع
الأمر باتباع الصراط المستقيم
المبحث الأول: معنى الصراط المستقيم
معنى الصراط المستقيم: القرآن الكريم والسنة المطهرة، أو الإسلام الحكيم أو الشرع القويم، أو الدين الحنيف، والمعنى واحد، ومن الأدلة: آية الأنعام، قال الله تعالى: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ( [134]) .
قال الطبري رحمه الله: «وصراطه: يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده، مستقيمًا: يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق فاتبعوه، يقول: فاعلموا به واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه» ( [135]) . وقال القرطبي رحمه الله: والصراط: الطريق الذي هو دين الإسلام مستويًا قويمًا لا اعوجاج فيه، فأمر باتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه وشرعه ونهايته الجنة ( [136]) .
قلت: والسير على الصراط المستقيم الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله على طريقة وفهم سلف الأمة عقيدة وعلمًا وعملاً وسلوكًا.

* * *

المبحث الثاني: بيان السبل التي يجب على المسلم اجتنابها
يجب على كل مسلم اجتناب السبل المخالفة للكتاب والسنة ومنهج أهل السنة كالملل الكافرة كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيره كالفرق الهالكة كالرافضة والجهمية والمعتزلة وغيرها، وهذا معنى قوله تعالى في آية الأنعام: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [ ( [137]) ، قال الطبري رحمه الله: يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهاجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات ( [138]) ، وقال البغوي رحمه الله: ]وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [ أي الطرق المختلفة عدا هذا الطريق مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل. وقيل: الأهواء والبدع ( [139]) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: «أما السبل فقال ابن عباس: هي الضلالات، وقال مجاهد: البدع والشبهات» ( [140]) . وقال القرطبي رحمه الله: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة لزلل ومظنة لسوء المعتقد، قاله ابن عطية.
قلت: وهو الصحيح ( [141]) .
قلت: وهاك بعض الشواهد على هذا المعنى، قال الله تعالى: ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [ ( [142]) .
قال القرطبي رحمه الله: اختلف في المغضوب عليهم والضالين من هم؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم: اليهود، والضالين: النصارى ( [143]) . وعن ابن مسعود – t – قال: خطَّ لنا رسول الله r خطًّا مستقيمًا، وخط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، فقال: «هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وتلا قوله تعالى: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ » ( [144]) .
قال ابن مسعود: لمَّا رأى قومًا جلوسًا بالمسجد ومعهم حصى في أيديهم يكبرون ويهللون ويسبحون به فقال: (ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد r أو مفتتحو باب ضلالة قالوا: والله ما أردنا إلا الخير، قال: «كم من مريد للخير لم يصبه») ( [145]) . وعن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله r : «إني قد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ( [146]) .
تنبيه:
اشتهر على الألسنة لفظ: (تركتكم على المحجة البيضاء) ولفظ المحجة لم أقف عليه فلا ينبغي نسبته إلى النبي r إلا بعد ثبوته.
قال مجاهد رحمه الله: ولا أدري أي النعمتين أعظم أن هداني للإسلام وعافاني من هذه الأهواء ( [147]) .
قال القرطبي رحمه الله: ومضى في النساء وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال: ]وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ ( [148]) .
ثم بيَّن في سورة النساء عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به، فقال: ]وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [ ( [149]) .

فألحق من جالسهم بهم، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم: أحمد بن حنبل، والأوزاعي، وابن المبارك، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع، قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن انتهى وإلا ألحق بهم، يعنون في الحكم ( [150]) .
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لِمَا اختلِف فيه من الحق بإذنك، أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم…

* * *

خاتمة البحث
هذا البحث المهذب في الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام حَمَل في طيَّاته أدلة عظيمة، وفوائد بديعة، وحِكَمًا بليغة، وجاء بفضل الله تعالى شاملاً كاملاً، ولم يواجهني فيه أية صعوبة تُذْكَر، وقد صغته بأسلوب سهل واضح وبإيجاز مهذب بعيدًا عن التطويل الممل والاختصار المخل، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على محمد ( [151]) .

* * *

ثبت في مراجع البحث
كتب التفاسير:
1- جامع البيان في تفسير القرآن – محمد بن جرير الطبري.
2- معالم التنزيل – الحسين بن مسعود البغوي.
3- الجامع لأحكام القرآن – محمد بن أحمد القرطبي.
4- زاد المسير – عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي.
5- تفسير القرآن العظيم – إسماعيل بن كثير.
6- فتح القدير – محمد بن علي الشوكاني.
كتب الحديث وأسماء الرجال:
1- صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري – محمد بن إسماعيل البخاري. والشارح: ابن حجر.
2- صحيح مسلم في شرحه للنووي – مسلم بن الحجاج النيسابوري. والشارح: النووي.
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل – أحمد بن محمد الشيباني.
4- مسند أبي داود – سليمان بن الأشعث السجستاني.
5- الجامع الصحيح – محمد بن عيسى بن سورة الترمذي.
6- سنن النسائي – أحمد بن شعيب النسائي.
7- الجامع الكبير – سليمان بن أحمد الطبراني.
8- شرح السنة – الحسين بن مسعود البغوي.
9- كتاب السنة – عمرو بن أبي عاصم.
10- كتاب الكبائر – محمد بن أحمد الذهبي.
11- فيض القدير – عبد الرءوف المناوي.
12- السلسلة الصحيحة – محمد بن ناصر الدين الألباني.
13- صحيح الجامع – محمد بن ناصر الدين الألباني.
14- تهذيب التهذيب – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
15- تقريب التهذيب – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
كتب العقائد:
1- أعلام السنة – حافظ بن أحمد الحكمي.
2- تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد – سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
كتب اللغة:
1- لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور.
2- مختار الصحاح – محمد بن أبي بكر الجوهري.

* * *

تم بحمد الله




التصنيفات
تفسير ما تيسّر من القرآن

تفسير القرآن

تفسير القرآن (سورة الفاتحة)


الونشريس


سورة الفاتحة

– سورة الفاتحة – مكية – عدد أياتها 7


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)

سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة; لأنه يفتتح بها القرآن العظيم, وتسمى المثاني; لأنها تقرأ في كل ركعة, ولها أسماء أخر. أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به, (اللهِ) علم على الرب -تبارك وتعالى- المعبود بحق دون سواه, وهو أخص أسماء الله تعالى, ولا يسمى به غيره سبحانه. (الرَّحْمَنِ) ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق, (الرَّحِيمِ) بالمؤمنين, وهما اسمان من أسمائه تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

(الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال, وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه, فهو المستحق له وحده, وهو سبحانه المنشئ للخلق, القائم بأمورهم, المربي لجميع خلقه بنعمه, ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)

(الرَّحْمَنِ) الذي وسعت رحمته جميع الخلق, (الرَّحِيمِ), بالمؤمنين, وهما اسمان من أسماء الله تعالى.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة, وهو يوم الجزاء على الأعمال. وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر, وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح, والكف عن المعاصي والسيئات.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

إنا نخصك وحدك بالعبادة, ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا, فالأمر كله بيدك, لا يملك منه أحد مثقال ذرة. وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده, وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير اله, ومن أمراض الرياء والعجب, والكبرياء.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

دُلَّنا, وأرشدنا, ووفقنا إلى الطريق المستقيم, وثبتنا عليه حتى نلقاك, وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته, الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم, فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)

طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين, فهم أهل الهداية والاستقامة, ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم, الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به, وهم اليهود, ومن كان على شاكلتهم, والضالين, وهم الذين لم يهتدوا, فضلوا الطريق, وهم النصارى, ومن اتبع سنتهم. وفي هذا الدعاء شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال, ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام, فمن كان أعرف للحق وأتبع له, كان أولى بالصراط المستقيم, ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام, فدلت الآية على فضلهم, وعظيم منزلتهم, رضي الله عنهم. ويستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: (آمين), ومعناها: اللهم استجب, وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.




رد: تفسير القرآن (سورة الفاتحة)

***1605;***1588;***1603;***1608;***1585; hadido




رد: تفسير القرآن (سورة الفاتحة)

بارك الله فيك اخي هاديدو
موضوع رائع




رد: تفسير القرآن (سورة الفاتحة)

شكرا لكم اخواني على المرور الرائع
وردكم الأروع بارك الله فيكم
الونشريس




رد: تفسير القرآن (سورة الفاتحة)

بارك الله فيك أخي هديدو وشرح الله قلبك للأيمان
وصدق الله العظيم إد قال
((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أم القرآن:الفاتحة هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم ".
أخرجه البخاري
السبع المثاني: إنها الفاتحة أعظم وأفضل سورة في القرآن الكريم ..
إنها سورة التوحيد ..والصلاة ..و الشافية الناجية..الكافية ..

اللهم انفعنا بها يأرحم الرحمين




رد: تفسير القرآن (سورة الفاتحة)

الونشريس اقتباس الونشريس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة syam
بارك الله فيك أخي هديدو وشرح الله قلبك للأيمان
وصدق الله العظيم إد قال
((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أم القرآن:الفاتحة هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم ".
أخرجه البخاري
السبع المثاني: إنها الفاتحة أعظم وأفضل سورة في القرآن الكريم ..
إنها سورة التوحيد ..والصلاة ..و الشافية الناجية..الكافية ..

اللهم انفعنا بها يأرحم الرحمين

الونشريس




رد: تفسير القرآن (سورة الفاتحة)


السلام عليكم
شكرا لك اخي هديدو
على الموضوع
اتمنى لك المزيد من التألق
وبارك الله فيك
على التفسير الواضح