الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :
شريط مفرغ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (آل عمران :102 ) ،{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1 )، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.} ( الأحزاب : 70 – 71 ) .
ألا وإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسوف أفسِّر لكم بعض الآيات من سورة الأنعام ألا وهي قول الله تبارك وتعالى :
{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام :151 – 153 ) .
كان العرب في الجاهلية يُحلِّلون ويٌحرّمون بأهوائهم وبجهلهم وبضلالهم؛ كانوا يعبدون الأوثان، ويتقربون إليها بالقرابين من الأنعام والحرث والأولاد، فأنكر الله تبارك وتعالى عليهم هذا الشرك، وأنكر عليهم هذه التشريعات؛ يُحلّلون ويحرِّمون كما شاءوا بجهلهم وضلالهم ! قال الله تبارك وتعالى : { مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }
(المائدة : 103) .
البحيرة : الناقة يُمنَع درّها فلا تُحلَب إلا للطواغيت وسدنتها .
والسائبة : هي التي يسيبونها فلا يحمل عليها أحد شيئا؛ يسيبونها من أجل الأصنام والأوثان.
والوصيلة : هي الناقة البكر تلد أنثى ثم تلد أنثى وليس بينهما ذكر، فيسيبونها لطواغيتهم. والحام : الفحل من الإبل يضرب الضراب المعيّن، ثم بعد ذلك يُطلق سراحه فلا يُحمل عليه ولا يُركَب من أجل الأوثان، فأنكر الله ذلك وقال: ما شرع الله ذلك بل حرمه وهذا كذب وافتراء على الله عز وجل، { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا } ( الأنعام : 139 ) يحِلُّون لأنفسهم ما يشاءون ويحرِّمون على نسائهم ما يشاءون؛ من أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم -والعياذ بالله- .
وتشريعات أخرى أنكرها الله تبارك وتعالى عليهم، ومنها قول الله تبارك وتعالى :
{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ } ( الأنعام : 145 ) .
هذا الذي ورد في الكتاب، ثم أضاف الله بعد ذلك على لسان رسوله تحريم أكل الحمر الأهلية، وأكل كل ذي ناب من السباع، وأكل كل ذي مخلب من الطير .
وفي الحديث عن ابن عباس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير)([1]) وكل ذلك من تشريع الله سبحانه وتعالى .
ثم قال الله تبارك وتعالى في هذه الآيات : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } لا آباؤكم ولا أجدادكم، وإنما الله هو الذي يمتلك حقّ التحليل والتحريم والتشريع وحده سبحانه وتعالى؛ إذ هو الربّ الخالق، البارئ، المصوِّر، الذي خلق هذا الكون ودبّره، وخلق الجنّ والإنس لعبادته، فالحقّ التشريعي له سبحانه وتعالى، فحرّم الشرك به؛ أول المحرمات وأعظمها وأخطرها : الشرك بالله تبارك وتعالى؛ ذلكم الذنب العظيم الذي تهتزّ له السماوات والأرض، بل تكاد تتفطّر وتكاد تنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً منه، ذلكم الذنب الذي لا يغفره: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } (النساء : 116) { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }( الحج : 31 )، فهذا ذنب لا يُغفَر، فيجب على البشرية جميعا أن يخلصوا الدين لله وأن يعبدوه وحده وأن يحققوا الغاية التي خلقهم من أجلها .
{ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }
شيئا من الأشياء؛ يعني (شيئا) مفعولا؛ فلا تشركوا بالله شيئا من الأشياء، لا من الملائكة ، ولا من الأنبياء، ولا من الأوثان، ولا من الأشجار، ولا الشمس ولا القمر، ولا شيئا من المعبودات التي يعبدها الناس على اختلاف مللهم ونحلهم .
أو : لا تشركوا به شيئا من الشرك، و (شيئا) على هذا مصدر؛ لا تشركوا به شيئا من الأشياء، من كل ألوان الشرك صغيره وكبيره .
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }
الوالدان لهما حقّ عظيم؛ لذا يقرن الله حقهما بحقه في آيات كثيرة، واعتبر العقوق من أكبر الكبائر؛ لأنه نكران للمعروف ونكران للجميل، كما قال الله تبارك وتعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ( الإسراء : 23 – 24 ) .
يعني منّة عظيمة للوالدين عليك، وأيادٍ بيضاء، لا تستطيع أن تكافئهما مهما أطعتهما ومهما بالغت في البرّ والإحسان إليهما، إلا أن تجد أحدهما مملوكا فتشتريه فتعتقه كما جاء في الحديث، أما لو بذلت ما بذلت من البرّ والإحسان إلى أبويك والطاعة لهما، والإكرام لهما، والتواضع لهما، فلن تبلغ شكرهما .
فيجب أن يعرف المسلم حقّ أبويه، قال تعالى:{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ( لقمان : 14 )، قرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى .
كثير من الناس يتهاون في حقّ أبويه -مع الأسف الشديد- وينسى ذلك المعروف العظيم، يعني من الحمل إلى الولادة…المتاعب والمشقات، إلى كدّ الأب عليه وبرِّه به ورأفته به والإنفاق عليه، إلى أن يكبر ، ثم في الأخير ينسى أبويه ! هذا بلاء والعياذ بالله، ونكران للجميل والمعروف، ومن أحطّ أنواع نكران الجميل والمعروف .
فلابدّ من الإحسان إليهما، {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } : أحسنوا بالوالدين إحسانا؛ (إحسانا) مفعول لفعل محذوف، تأكيدٌ لهذا الفعل .
الإحسان ما هو ؟ كل ما يطلق عليه إحسان لابدّ أن تبذله لأبويك؛ استخدم كل ما تستطيع من إحسان وإكرام لأبويك .
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ }
كان هناك في الجاهلية عادة خبيثة؛ يقتل ولده خشية الإملاق سواء كان ذكرا أو أنثى، أو يقتل البنت خشية العار ! {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} (النحل :58 ) والعياذ بالله، كانوا يأنفون من البنات ويقتلونهنّ خشية العار، يئدوهنّ وهنّ أطفال لا ذنب لهنّ : { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }( التكوير : 8 – 9 ) يُسأل القاتل الذي وأد فلذة كبده؛ يسأل الموؤودة تنكيلاً به وتشهيرا به في ارتكابه لهذا الذنب.
والله تبارك وتعالى أكرم المرأة في الإسلام إكراما عظيما، وقد كانت من سقط المتاع، وكانت تمتهن، تورث ولا ترث ويعضلها الرجل ويتحكم فيها فيتزوجها ويطلق ويرجِّع، ويطلق ويرجِّع، وكم أهينت المرأة في الجاهلية وفي الجاهليات كلّها فأكرمها الإسلام وجعلها ترث وتورث، وأمًّا تُبرّ، وابنة تُحتَرم، وأختا توصل، وهكذا رفع من شأنها، ولكن أعداء الإسلام لا يرون هذا الإحسان إلى المرأة في الإسلام، فيشيرون من قريب أو من بعيد إلى أن الإسلام قد هضم المرأة – قاتلهم الله – !
أما المساواة التي يريدونها -والعياذ بالله- فهي ليست من العدل : { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَــدْراً } ( الطلاق : 3 )، والله تبارك وتعالى أعطى للرجال على النساء درجة، وكلّف الرجل بالإنفاق عليها وإسكانها ورعايتها وحمايتها وإلى آخره، فهي في راحة وهناء .
وإذا قارنت بين وضعها حتى الآن في بلدان غير بلاد المسلمين؛ المرأة لا تزال ممتهنة، بينما المرأة في الإسلام محجبة، محترمة، يعولها زوجها أو أبوها أو أخوها؛ يكفلها الرجل حماية لها وصيانة لها .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ }
يعني من الفقر؛ يعني لا تقتل ولدك ولو كنت فقيرا وتعيش في غاية من الفقر لتتخلص منه، يعني تخاف يشاركك في رزقك -والعياذ بالله- ! .
وقال في آية الإسراء : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } فلا تقتله؛ لا خشية إملاق -إذا كنت غنيا وفي حال السعة ترقبا للفقر-، ولا تقتله وأنت فقير، حماية وصيانة من هذه الوحشية التي كانت تمارس في تلك الجاهلية الجهلاء والعياذ بالله .
فيحمي الإسلام المرء صغيرا وكبيرا ويصونه، وهذا من فضل الله ورحمته سبحانه وتعالى بعباده؛ بالأطفال والنساء والأيتام وإلى آخره، كل ذلك تحدث عنه القرآن والسنة، حتى بالحيوانات كما قال صلى الله عليه وسلم: ( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )([2]) فكيف بالبشر ؟! كيف ببني الإنسان ؟! الذي كرمه الله : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (الإسراء :70 ) .
قال تعالى: { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } قدّم رزق الآباء هنا؛ لأنهم في حال الفقر، فقدم ذكرهم وذكر رزقهم على رزق الأبناء، وفي سورة الإسراء قال : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} يقدم الأهم فالأهم .
وقوله : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }
حماية للمجتمعات من الفواحش والرذائل والعياذ بالله؛ لأن الله خلق الناس لعبادته وطاعته، وشرّع لهم التشريعات لتكون المجتمعات في غاية النظافة والنزاهة والحياة الكريمة، ليست الحياة الجاهلية؛ سواء الجاهلية المتوحشة أو هذه الجاهلية المتحللة والعياذ بالله، يريد للبشر -الذين كرمهم الله- أن يحيوا حياة طيبة كريمة لا فحش فيها ولا فواحش، لا فحش اللسان ولا فحش الجوارح والقلوب، والعياذ بالله .
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ } فضلا عن ممارستها ،نهاك عن قربانها ،والنهي عن ممارستها والوقوع فيها أولى وأولى، فإذا نهاك عن قربانها؛ يعني الدندنة حول الشيء ، فكيف بالوقوع فيها والعياذ بالله ؟!
{ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ما يخفى منها وما يُعلَن، لا تقربوا الفواحش؛ منها الزنا والعياذ بالله ومقدماته؛ لا تقربوها، والنظر مقدمة للوقوع في هذه الفاحشة، فأمر الله تبارك وتعالى بغضّ الأبصار من الجانبين؛ من الرجال والنساء : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ( النور : 30 )؛ يعني هذا سدّ لذرائع الزنا والفواحش، { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ( النور : 31 )، كل هذا لسدّ الذرائع إلى الوقوع في الفواحش لتبقى المجتمعات التي تؤمن بالله نظيفة طاهرة من الفواحش الظاهرة والخفية :{ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }
حماية للدماء التي يستبيحها البشر إذا تمردوا على شرائع الله عز وجل واستباحوا لأنفسهم سفك الدماء وارتكاب الفواحش، وهذه توجد في المجتمعات الجاهلية .
أما الإسلام فإنه يصون الأعراض ويحفظ الدماء ويحميها، { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ }، { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } ( المائدة : 32 )، { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } (النساء : 93) : حماية، وعيد شديد؛ يعني بيان فظاعة القتل، الذي يقتل نفسا واحدة فكأنما قضى على الإنسانية كلها: { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً }، وشرع القصاص من أجل ذلك { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى } الآية . (البقرة : 187)، فأيّ حماية للدماء مثل هذه الحماية ؟!.
وقوله : { إِلاَّ بِالْحَقِّ } ؛يعني لا تقتلوها بحال من الأحوال إلا بالحقّ؛ وهو أن يَقتُل فيُقتَل، يُقاد منه، أو يرتكب وينتهك حرمة الإنسان، فيزني وهو مُحصَن فيُقتَل، أو يرتدّ عن دين الإسلام، يفتح بابا للشرّ على الإسلام فيرتدّ، فيُقتَل كما في الحديث : (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة )([3])، فهذا هو الحقّ الذي يستحقّ أن يُقتَل؛ أن تقتل هذه النفس التي حرم الله قتلها؛ لأنها هي انتهكت حرمات الله تبارك وتعالى، فيعدو على نفس مسلمة فيقتلها، أو نفس حماها الإسلام بالعهد فيقتلها؛ لأن نفس المسلم ونفس الذمّي محرّمة، لأنه في ذمّة الله وذمّة رسوله فلا نخفر ذمّة الله عز وجل فنقتل الذمّي : (من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما)([4]) هذا احترام لنفس المسلم ولنفس من يأوي ويعيش في ظلّ الإسلام وفي ذمّة المسلمين، هل يوجد دين كهذا ؟! الله أكبر، ما أعظم الإسلام .
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
الإشارة ترجع إلى هذه الأمور التي سلفت؛ من تجنب الشرك بالله تبارك وتعالى، ومن تجنب عقوق الوالدين، والقيام ببرهما، ومن قتل الأبناء، ومن قتل النفس، الإشارة تعود إلى هذه الخمس { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ } والوصية هي الأمر المؤكد اللازم الذي يجب القيام به، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } تعقلون الأمور وتدركون الأخطار التي تترتب على ارتكاب هذه الجرائم، وتدركون الفوائد العظيمة من التزام تشريع الله تبارك وتعالى تجاه هذه الأمور .
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
انظر كيف يعتني الإسلام باليتيم؛ لا تقربوا مال اليتيم في حال من الأحوال، إلا بالخصلة التي هي أحسن، وهي رعاية ماله وحفظه وتنميته، وبعضهم يفسر { بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } بالتجارة فيه، لينمو، ويحرِّم عليك أن تأكل من مال اليتيم شيئا، والوصي عليه إن كان غنياً فليستعفف، وإن كان فقيراً فليأكل بالمعروف : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }(النساء :10) وأوصى الله باليتيم في آيات كثيرة؛ انظروا هذه الرحمة في الإسلام والعناية بالكبير والصغير، والعناية بكل مخلوقات الله عز وجل ولا سيما اليتيم : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } ( الضحى : 9- 10 ) { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } ( الماعون : 1- 2 ) أي لا يحترمه، يهينه ويدفعه بعنف، فيدخل في الويل وهذا الوعيد الشديد -والعياذ بالله- فلابد من الرحمة والرأفة باليتيم والعناية به، والذي يعول يتيما يُبعث مع رسول الله، يقيم معه في الجنة : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) . وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا)([5]) عليه الصلاة والسلام، كافل اليتيم؛ تكفل يتيما لك أو لغيرك تنال منزلة عظيمة وجزاء عظيماً عند الله عز وجلّ، والوعيد الشديد على من لا يحترمه ويأكل ماله أو يهينه، ويل له إن أهانه والنار له إن أكل ماله .
ثم يقول تعالى: { وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ }؛ {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}
( الأعراف : 85 )، لابد من العدل، سواء أخذت أو أعطيت، لابد من العدل .
{ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }؛ يعني إذا اجتهدت غاية الاجتهاد على أن لا تخسر الميزان أو الكيل؛ اجتهدت فحصل خلل؛ نقص من حيث لا تدري، فلا يؤاخذك الله به لأن التكاليف كلها مقيدة بالقدرة والطاقة؛ فالذي يخرج عن طاقة الإنسان لا يكلِّفه الله به : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }في هذه الآية وفي غيرها : { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ( البقرة : 286 )، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }( الحج : 78 )؛ فالتكاليف في حدود القدرة والطاقة، فيجتهد الإنسان ويبذل أقصى وسعه في أن لا يظلم هذا الإنسان الذي يتعامل معه، سواء أخذ منه؛ كال له أو اكتال منه، يحرص أن يكون مقسطا في ذلك، عادلا في ذلك، فإن غُلِب على أمره من حيث لا يدري فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أما أن يتعمد فالله أكبر : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }( المطففين : 1-3 ) حتى لو كان كافرا أوف له الكيل؛ لو كان كافرا فضلا عن المسلم، فلابد أن تتعامل بالعدل مع كل الناس في الأقوال والأفعال، فقوله : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}؛ يعني إذا اجتهد الإنسان وبلغ أقصى طاقته في التحرز من الوقوع في الإثم، ونقص من يتعامل معه بكيل أو وزن أو نحو ذلك، ثم حصل زيادة حبة أو حبتين من حيث لا يدرك الإنسان أنه نقص أو زاد لنفسه فإنه لا يؤاخذ به؛ لأن الله لا يؤاخذك إلا بما تعمدت فيه، أما الخطأ والنسيان فمرفوع عن هذه الأمة .
ثم يقول تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ }
انظروا ! الآية السابقة في الفعل وهنا في القول؛ إذا قلت فاعدل سواء في الإخبار والأخبار أو في الشهادة، أو في الجرح والتعديل، أيّ قول تقوله فاعدل فيه، تكليف من الله تبارك وتعالى بهذا العدل، الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلابد من العدل؛ إذا قلت فاعدل، والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا } ( النساء : 135 )، الله أكبر ! فالعدل في القريب والبعيد، العدل في القول في أيّ مقام من المقامات وفي أيّ حال من الأحوال، بالنسبة للعدو والصديق ، والكافر والمسلم، لابد من العدل، فإن العدل واجب في كل حال، وعلى كل حال، ولكل أحد وعلى كل أحد .
العدل أمر عظيم، لا يحملنّك شفقة على قريب أو التعصب له أن تقول غير العدل، ولا يحملنّك شدّة العداوة والشنآن للعدوّ أن تتجاوز العدل، لابد من العدل، وإذا ظلمتَ كافرا، فاسقا، مجرما لإجرامه، واستجزتَ أن تظلمه ولا تقيم فيه ميزان الله العدل فإنك تحاسب على هذا؛ لأن الله هو العدل سبحانه وتعالى، الذي تنـزه عن الظلم، ولا يرضى أن تظلم أحدا مهما كان، لا بقول ولا بفعل، لا في مال ولا في عرض .
تشهد على قريبك ولو كان أبوك، تقوم بالقسط، وتشهد للعدو إذا كان له حقّ مهما بلغ بالعداوة إذا كنت تعرف أن له حقّا على شخص وطُلب منك الشهادة، عليك أن تدلي بهذه الشهادة على وجه العدل ولو كان على أبيك .
الظلم للناس في أموالهم وأعراضهم هذا ديوان لا يترك، ذنب لا يُغفر وهو الشرك، وذنب لا يُترك وهو تظالم العباد فيما بينهم، حتى لو جاز المسلمون الصراط؛ المؤمنون الناجون لو جاوزوا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ليؤخذ لبعضهم البعض، فالله لا يترك هذا، ويأتي الإنسان بحسنات أمثال الجبال وهو المفلس، سماه رسول الله المفلس؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) ([6]) هذا هو المفلس، فليصن الإنسان لسانه من الغيبة والنميمة والظلم وقول الباطل وشهادة الزور، كل هذه الأشياء تنافي العدل الذي شرعه الله تبارك وتعالى في القول .
ثم قال تعالى : { وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ }
الله أكبر ! رسول الله ضرب أروع الأمثلة في صلح الحديبية، عليه الصلاة والسلام، كان قد جاءه مندوب قريش وآخرهم سهيل بن عمرو واصطلحوا على هدنة عشر سنين ومن الشروط أن لا يدخلوا البيت في هذا العام، وأن لا يطوفوا ولا يسعوا، ومن ضمن الشروط المجحفة أن من ذهب إلى المدينة لابد أن يُعاد إلى مكة، ومن ذهب من المسلمين من المدينة إلى مكة لا يعود، فجاء أبو جندل ابن سهيل يرسف في القيود يقول: يا معشر المسلمين كيف أعود، كيف أرجع إلى هؤلاء فيفتنوني ؟! وسهيل يصرّ على أنه لابد أن يرجع، ورسول الله يتلطف به؛ يقول له : اترك هذا لي، يقول له: لا أتركه أبدا، ولن يبرم هذا العهد ولا ينفذ إلا إذا عاد هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل: ( أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد وإنا لا نغدر )([7]) هذا من الوفاء بالعهود :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }( المائدة : 1 )، { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }( الإسراء : 34 )
أمر العهود عظيم جدا في الإسلام، فلابد من الوفاء بالعهود سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، وأولى الأمور بالوفاء عهد الله علينا: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }
(ياسين : 60 – 61 )
فنفي بعهد الله بأن نلتزم الإسلام، ونلتزم ما جاء في كتابه، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، من الأوامر فننفذها، والنواهي فنجتنبها، ونجتنب كل ما حرم الله علينا سبحانه وتعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه )([8]) فنفي بعهد الله ونفي بالعهود؛ إذا كانت بيننا وبين دول أخرى يجب أن نوفي بها، وإذا كانت بين أفراد وأفراد، الإنسان يدخل في ذمّة المسلم؛ إذا دخل كافر حربي في ذمة امرأة أو عبد فإنه يلزم المسلمين جميعا أن يفوا بعهد هذه المرأة أو هذا العبد، انظروا إلى أي حد يحترم الإسلام العهود ؟!
{ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
يؤكد ويكرر هذه الوصايا : ( ذالكم وصاكم )، ( ذالكم وصاكم )؛ يعني أمور حازمة، جازمة لابد أن نقوم بها، ولماذا يوصينا بهذا ؟ يوصينا لنتذكر، فندرك ونعتبر ونتّعظ وننزجر، هذه أمور عظيمة جدا يجب أن يرعاها المسلمون؛ أفرادا ومجتمعات .
ثم قال بعد ذلك :{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }
ويدخل في هذا الصراط المستقيم هذه الأمور التي وصانا الله بها؛ من توحيده وإخلاص الدين له، ومن اجتناب الشرك، ومن اجتناب العقوق، والقيام بالبرّ ومن، ومن ..إلى آخر الأشياء التي ذُكرت في هذه الوصايا؛ كلها داخلة في صراط الله المستقيم، وعلينا أن نتبعه { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ } وهذه الوصية باتباع الصراط جاءت في آيات كثيرة، بأساليب مختلفة، منها : الأمر بالاعتصام بحبل الله وأن لا نتفرق، وهنا قال { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } فنتبع صراط الله المستقيم، في عقائدنا وفي عباداتنا، وفي معاملاتنا، وفي مناهجنا وفي سياستنا، وفي كل أمر شرعه الله تبارك وتعالى؛ فإنه صراطه، وإنه عدله سبحانه وتعالى، ولن تستقيم للمسلمين حياة إلا إذا اتبعوا صراط الله المستقيم، وإلا فهي حياة منحرفة، وحياة حقيرة ودنيئة، حياة الذلّ والهوان، لعدم التزامنا وسلوكنا هذا الصراط المستقيم وعدم إتباعنا لمنهج الله الحقّ .
( وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ) نهي عن التفرق ونهي عن الضلال: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) : كل الملل والنحل لا يجوز أن نتبع منها شيئا، طرق البدع والضلال لا نتبع منها شيئا، نلتزم صراط الله المستقيم، لا عوج فيه ولا أمتا، ( الصراط المستقيم ) هو المعتدل الذي يوصلك إلى الله تبارك وتعالى ومرضاته .
أما السبل الأخرى فكما جاء في حديث ابن مسعود وحديث جابر وغيرهما : قال : ( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال : " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال : " هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه )([9]) فللشيطان سبل كثيرة؛ سبيل اليهود، سبيل النصارى، سبيل الوثنيين؛ المجوس، الهندوك، سبيل مشركي العرب آنذاك، ولمن بقي منهم على الشرك، سبل للروافض وللخوارج، للمعتزلة، للمرجئة، لاثنتين والسبعين فرقة، على كل سبيل منها شيطان يزينه ويزخرفه ويلمعه للسخفاء الذين لا يعقلون ولا يتبصرون ولا يتّعظون ولا يتذكرون !!
{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
انظروا ! قال في الوصية الأولى : ( لعلكم تعقلون ) ثم قال في الثانية : ( لعلكم تذكرون) ثم قال هنا : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، قال بعض العلماء وأظن منهم ابن عطية : لأنه إذا عقِل تذكر، وإذا عقل وتذكر حصلت التقوى؛ إذا عقل وصية الله وعمل بها، وإذا تذكر هذه الوصايا العظيمة واستفاد من هذه الذكرى، قاده ذلك إلى تقوى الله ومراقبته وخشيته، استقام على الصراط المستقيم، وأخذ بمواعظ الله ونصائحه ووصاياه، لابدّ أن يكون من أفضل المتقين إن شاء الله .
وفي هذه الآيات رعاية وحفاظ على مقاصد الشريعة والمصالح العظيمة ودرء المفاسد الكبرى؛ حفظ المال، حفظ النفس، حفظ النسب، وحفظ الدين.
فمن هذه المقاصد العظيمة:
– الحفاظ على الدين وحماية العقيدة، ولهذا شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله، وحرّم الشرك وأوجب التوحيد وشرع الجهاد لتحقيق هذه الغاية؛ توحيد الله ونبذ الشرك بالله تبارك وتعالى .
– الحفاظ على الدماء، فحرّم قتل النفس وأوجب فيها القصاص .
– الحفاظ على المال: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّام} (البقرة: 188 ) إلى آخره من الآيات التي حرمت الاعتداء على المال بأي شكل من الأشكال؛ لأن المال به قوام الحياة أو كما يقال : عصب الحياة، فلابد من حمايته .
– حماية الأعراض {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } هذا لحماية الأعراض.
فهذه آيات عظيمة جامعة لمصالح الدين والدنيا، فلابد من العناية بها؛ فهما وتطبيقا .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا وإيّاكم في دينه، وأن يوفقنا لالتزام شريعته، وأن يثبتنا عليها، وأن يجنبنا هذه المعاصي والكبائر ما ظهر منها وما بطن، إن ربنا لسميع الدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
منقول للافائدة
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني " رواه ابن أبي حاتم وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في الدنيا فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عثمان يعني أبا سعد أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء وإني حرمت علي اللحم فنزلت" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعًا عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم النبيل به وقال حسن غريب وقد روي من وجه آخر مرسلًا وروي موقوفًا على ابن عباس فالله أعلم وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية أخرجاه من حديث إسماعيل وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة والله أعلم وقال الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عمرو بن شرحبيل قال جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال إني حرمت فراشي فتلا هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية وقال الثوري عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق قال كنا عند عبد الله بن مسعود فجيء بضرعٍ فتنحى رجل فقال له عبد الملك ادن فقال إني حرمت أن آكله فقال عبد الله ادن فاطعم وكفر عن يمينك وتلا هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية رواهن ابن أبي حاتم وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه من طريق إسحاق بن راهويه عن جرير عن منصور به ثم قال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارًا له فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو علي حرام فقالت امرأته هو علي حرام وقال الضيف هو علي حرام فلما رأى ذلك وضع يده وقال كلوا بسم الله ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم ثم أنزل الله " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " وهذا أثر منقطع . وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيهٌ بهذا وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلًا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه ولا كفارة عليه أيضًا ولقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارةٍ . وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلًا أو مشربًا أو ملبسًا أو شيئًا من الأشياء فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين كما إذا التزم تركه باليمين فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه كما أفتى بذلك ابن عباس وكما في قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم " ثم قال " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" الآية وكذلك هاهنا لما ذكر هذا الحكم عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير والله أعلم وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال : أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت هذه الآية إلى قوله " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " قال ابن جريج عن عكرمة أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا فجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل وهموا بالاختصاء وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار فنزلت هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " يقول لا تسيروا بغير سنة المسلمين يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار وما هموا به من الاختصاء فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله فقال " إن لأنفسكم حقًا وإن لأعينكم حقًا صوموا وأفطروا وصلوا وناموا فليس منا من ترك سنتنا " فقالوا : اللهم سلمنا واتبعنا بما أنزلت . وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك ولله الحمد والمنة وقال أسباط عن السدي في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يومًا فذكر الناس ثم قام ولم يزدهم على التخويف فقال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة منهم : علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون ما حقنا إن لم نحدث عملًا فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك وأن يأكل بالنهار وحرم بعضهم النوم وحرم بعضهم النساء فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء فكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها الحولاء فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما بالك يا حولاء متغيرة اللون لا تمتشطين ولا تتطيبين فقالت : وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع علي زوجي وما رفع عني ثوبًا منذ كذا وكذا قال فجعلن يضحكن من كلامها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن فقال ما يضحككن قالت : يا رسول الله إن الحولاء سألتها عن أمرها فقالت ما رفع عني زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا فأرسل إليه فدعاه فقال : ما لك يا عثمان قال إني تركته لله لكي أتخلى للعبادات وقص عليه أمره وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك " فقال يا رسول الله إني صائم فقال : أفطر قال فأفطر وأتى أهله فرجعت الحولاء إلى عائشة وقد امتشطت واغتسلت وتطيبت فضحكت عائشة وقالت : ما لك يا حولاء فقالت إنه آتاها أمس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء فمن رغب عني فليس مني فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا " يقول لعثمان لا تجب نفسك فإن هذا هو الاعتداء وأمرهم أن يكفروا عن أيمانهم فقال " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" رواه ابن جرير وقوله تعالى " ولا تعتدوا " يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم كما قاله من قاله من السلف ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ولا تجاوزوا الحد فيه كما قال تعالى " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" الآية وقال " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا " فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه لا إفراط ولا تفريط ولهذا قال " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .
تفسير بن كثير للآيه رقم (87) من سورة " المائدة (5)"
فوائد من سورة الكهف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}إلى أن قال:{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى
وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله. فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.
ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.
ومنها: جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى.
ومنها: أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى: { لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا }
وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة.
ومنها: إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى: { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ }
ومنها: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا }
ومنها: استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده.
ومنها: استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله: { آتِنَا غَدَاءَنَا } إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعا.
ومنها: أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفر على الحقيقة. وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه { آتِنَا غَدَاءَنَا } فحينئذ تذكر أنه [ ص 484 ] نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده.
ومنها: أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره.
وأما قوله في آخر القصة: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا }
ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله [لعباده] (2) نوعان:
علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده. ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }
ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:
{ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.
ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.
ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.
فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه.
فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.
ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: { تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ } أي: مما علمك الله تعالى.
ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق (3) الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: { أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا }
ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم (4) فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر -يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه- إنه لا يصبر معه.
ومنها: أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر.
ومنها: الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود.
ومنها: تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء: إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول { إِنْ شَاءَ اللَّهُ }
ومنها: أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى قال: { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل.
ومنها: أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا لا يتعلق في موضع البحث.
ومنها: جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها.
ومنها: أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله: { لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ }
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر.
ومنها: أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى عليه السلام، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى عليه السلام لا يسعه [ ص 485 ] السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل عليه السلام، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار.
ومنها: القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه " يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير " ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا.
ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن " عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير " كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن.
ومنها: أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله: { يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ } ولم ينكر عليهم عملهم.
ومنها: أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة.
ومنها: أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا }
ومنها: أن القتل قصاصا غير منكر لقوله { بِغَيْرِ نَفْسٍ }
ومنها: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته.
ومنها: أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح.
ومنها: استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله { فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا } وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله: { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } كما قال إبراهيم عليه السلام { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } وقالت الجن: { وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } مع أن الكل بقضاء الله وقدره.
ومنها: أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى.
ومنها: أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة.
ومنها: أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة….
تفسير السعدي سورة الكهف الآيات من { 60إلى82}ص456-457-458
انتشر هذه الفترة صور تدل علي معجزة الله في الاية ( مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان))
فهل هذا الموضوع صحيح ؟؟
خاصة ان معنا في المنتدي غير مسلمين …. ونريد التأكد اذا صحيح .. نعيد نشره وان خطأ ننزل الرد علي الموضوع مصاحب له
بارك الله فيكم
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .
لا يحسن التسرّع في قبول مثل هذ ونَشْره ، إلاّ بعد التأكّد من الصورة ، والتأكّد من الثِّقَاة من أهل الختصاص ، فقد اختلف السلف في تفسير الآية .
قال القرطبي : قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) (مَرَجَ) ، أي : خَلّى وأرْسَل وأهْمَل ، يُقال : مَرَج السلطان الناس : إذا أهملهم ، وأصْل الْمَرْج الإهمال ، كما تَمْرج الدابة في الْمَرْعَى ، ويُقال : مَرج خَلط … (الْبَحْرَيْنِ)
قال ابن عباس : بَحْر السماء وبَحْر الأرض ، وقاله مجاهد وسعيد بن جبير . (يَلْتَقِيَانِ) في كل عام ، وقيل : يلتقي طرفاهما ، وقال الحسن وقتادة : بَحْر فارِس والرّوم ، وقال ابن جريج : إنه البحر المالح والأنهار العذبة ، وقيل : بَحْر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان . (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ) ، أي : حاجز ؛ فَعَلَى القول الأول ما بين السماء والأرض ، قاله الضحاك ، وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما ، وهي الحجاز ، قاله الحسن وقتادة ، وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدم في " الفرقان " . اه .
ويقصد به قوله تعالى في سورة الفرقان : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) .
والله تعالى أعلم .
barak allah fiky
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انتشر هذه الفترة صور تدل علي معجزة الله في الاية ( مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان))
فهل هذه الصورة صحيحة ؟؟
بارك الله فيكم
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك .
لا يحسن التسرّع في قبول مثل هذ ونَشْره ، إلاّ بعد التأكّد من الصورة ، والتأكّد من الثِّقَاة من أهل الختصاص ، فقد اختلف السلف في تفسير الآية .
قال القرطبي : قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) (مَرَجَ) ، أي : خَلّى وأرْسَل وأهْمَل ، يُقال : مَرَج السلطان الناس : إذا أهملهم ، وأصْل الْمَرْج الإهمال ، كما تَمْرج الدابة في الْمَرْعَى ، ويُقال : مَرج خَلط … (الْبَحْرَيْنِ)
قال ابن عباس : بَحْر السماء وبَحْر الأرض ، وقاله مجاهد وسعيد بن جبير . (يَلْتَقِيَانِ) في كل عام ، وقيل : يلتقي طرفاهما ، وقال الحسن وقتادة : بَحْر فارِس والرّوم ، وقال ابن جريج : إنه البحر المالح والأنهار العذبة ، وقيل : بَحْر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان . (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ) ، أي : حاجز ؛ فَعَلَى القول الأول ما بين السماء والأرض ، قاله الضحاك ، وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما ، وهي الحجاز ، قاله الحسن وقتادة ، وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدم في " الفرقان " . اه .
ويقصد به قوله تعالى في سورة الفرقان : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) .
والله تعالى أعلم .
الشيخ عبد الرحمن السحيم
الصلاة و السلام على سيدنا محمد خاتم الانبياء و سيد المرسلين و على آله وصحبه اجمعين
قال تعالى : (( ورتل القرآن ترتيلا )) المزمل 4 وقال تعالى : (( كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا )) الفرقان 32
أما بعد احبتي في الله عملا بقول رسولنا الحبيب ( خيركم من تعلم القرآن و علمه )
أحبتي في الله ساقدم لكم في هذه المشاركة موسوعة كاملة باذن الله لكل المواقع
التي تقدم دروسا في احكام التجويد و بسم الله نبدأ :
The Holy Quran – القرآن الكريم – Koran Kareem
Quran Recitation :: القرءان الكريم
موقع التفسير – يعين المبتدئين على تعلم القراءة و الحفظ
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
دروس تعليم التجويد ( بطريقة حية استاذ وطالب )
::+:[الــــــــAL-WEDـــــود]:+::
ملفات صوتية للاستماع و التحميل
برنامج لتعليم الاطفال الصلاة و الوضوء و القرآن
تعليم القرآن للاطفال – ملفات للاستماع و التحميل ( أيمن سويد )
ملفات صوتية للاطفال بصوت القارىء مشاري العفاسي
جميع شروحات الشيخ ايمن سويد بالصوت و الصورة
|||موقع الطريق إلى الله|||صفحة الشيخ أيمن سويد|||
ملفات صوتية لعلوم التجويد ( استماع و تحميل )
المصحف المرمز – بصوت الشيخ ابو بكر الشاطري – ثلاثون ملف صوتي مرئي جاهزة للتحميل
ملف بوور بوينت – شرح اكثر من رائع و سلس
الملخص المفيد في علم التجويد – محمد معبد
الصفحة الرئيسية لموسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية
التفسير و المفسرون
المكتبة الصوتية للقرآن الكريم – MP3 Quran
تسجيلات الشبكة الإسلامية – القرآن الكريم حسب الرواية- Islamweb.net
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالانجليزية ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالفرنسي) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالالماني ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالروسي) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالصيني ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالاسبانية ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( باليونانية ) – تحميل
القرآن الكريم – كاملا نص مكتوب ( بالاندونيسية ) – تحميل
حمل القرآن الكريم كاملا على جهازك
تلاوات قرآنية لمجموعة من الشيوخ
*********************************************
ترددات جميع القنوات الاسلامية الفضائية و التي تبث دروسا مرئية مسموعة – ملف وورد
*********************************************
المكي و المدني
§- 1 – تعريف المكي و المدني:
و فيه وردت ثلاثة آراء
– أ – باعتبار زمن النزول:
المكي ما نزل قبل الهجرة و إن كان بغير مكة. أما المدني فهو ما نزل بعد الهجرة
و لو بمكة نفسها.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]
و الذي نزل في حجة الوداع أو نزل في حجة الوداع كقوله تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]
فالمكي ما وقع خطابا لأهل مكة و المدني ما وقع خطابا لأهل المدينة
و ذلك لأن الغالب على أهل مكة الكفر، فخوطبوا بـ: {يا أَيُّها النَّاسُ}
وإن كان غيرهم داخلا فيه، و لقد كان الغالب على أهل المدينة الإيمان
فخوطبوا بـ: {يا أيها الذين آمنوا} و إن كان غيرهم داخلا فيه.
و هذا الضابط لا ينطبق دوما؛ و ذلك لأننا نجد في سورة البقرة و النساء
و هما مدنيتان خطابا مكيا وهو : {يا أَيُّها النَّاسُ}.
– ج – باعتبار المكان:
فالمكي ما نزل على المصطفى عليه الصلاة و السلام بمكة
يترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة، فما نزل عليه بالأسفار
( مثل سورة الأنفال، سورة الفتح و سورة الحج ) لا يطلق عليه مكي و لا مدني
و ذلك مثل ما نزل عليه بتبوك و بيت المقدس
و يدخل في مكة ضواحيها: منى و عرفات و الحديبية
و يدخل في المدينة أيضا ضواحيها: بدر و أحد و سَلع
يوجد مـنهجـان:
منهج سماعي:
يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة و التابعين الذين عاصروا الوحي
أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة و سمعوا منهم كيفية
النزول و مواقفه و أحداثه
يستند إلى خصائص المكي و خصائص المدني، فإذا ورد في السورة المكية
آية تحمل طابع التنزيل المدني أو تتضمن شيئا من حوادثه قالوا: إنها مدنية.
و إذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي، أو تتضمن شيئا
من حوادثه قالوا: إنها مكية. وهذا منهج قياسي اجتهادي.
ولهذا نجدهم يقولون: كل سورة فيها قصص الأنبياء و الأمم الخالية فهي مكية
و كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية
– أ – المكي:
*- المميزات:
– الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله و ذكر القيامة والجنة والنار و مجادلة المشركين
– يفضح أعمال المشركين من سفك دماء و أكل أموال اليتامى و وأد البنات
– قوة الألفاظ مع قصر الفواصل وإيجاز العبارة
– الإكثار من عرض قصص الأنبياء وتكذيب أقوامهم لهم
*- الضوابـط:
– كل سورة فيها سجدة
– كل سورة فيها لفظ كلا
– كل سورة فيها "يا أيها الناس"
– كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة
*- المميزات:
– بيان العبادات و المعاملات و الحدود و الجهاد والسّلم و الحرب
و نظام الأسرة و قواعد الحكم و وسائل التشريع
– مخاطبة أهل الكتاب و دعوتهم إلى الإسلام
– الكشف عن سلوك المنافقين و بيان خطرهم على الدين
– طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر قواعد التشريع وأهدافه ومراميه
*- الضوابـط:
– كل سورة فيها فريضة أو حد
– كل سورة فيها ذكر المنافقين
– كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب
– كل سورة تبدأ بـ "يا أيها الذين آمنوا"
§- 4 -عدد السور المكية و المدنية و المختلف فيها:
– أ – المكية:
82 سورة، و هي:
الأنعام، الأعراف، يونس، هود، يوسف، إبراهيم ، الحجر، النحل، الإسراء،
الكهف، مريم، طه، الأنبياء، الحج، المؤمنون، الفرقان، الشعراء، النمل،
القصص، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة، سبأ، فاطر، يس، الصافات،
ص، الزمر ، غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، ق،
الذاريات، الطور، النجم، القمر، الواقعة، الملك، القلم، الحاقة، المعارج، نوح،
الجن، المزمل، المدثر، القيامة، الإنسان، المرسلات، النبأ، النازعات،
عبس، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الأعلى، الغاشية،
الفجر، البلد، الشمس، الليل، الضحى، الانشراح، التين، العلق، العاديات،
القارعة، التكاثر، العصر، الهمزة، الفيل، قريش، الماعون،
الكوثر، الكافرون، والمسد
– ب – المدنية:
20 سورة، و هي:
البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنفال، التوبة، النور، الأحزاب،
محمد، الفتح، الحجرات، الحديد، المجادلة، الحشر، الممتحنة، الجمعة،
المنافقون، الطلاق، التحريم، والنصر.
– ج – المختلف فيها:
12 سورة، و هي:
الفاتحة، الرعد، الرحمن، الصف، التغابن، المطففين، القدر،
البينة، الزلزلة، الإخلاص، الفلق، الناس
§- 5 -أمثلة لآيات مكية في سور مدنية و بالعكس:
– أ – آيات مكية في سور مدنية:
*- سورة الأنفال كلها مدنية ما عدا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ…}[الأنفال:64]
*- سورة المجادلة كلها مدنية ما عدا قوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ…}[المجادلة:7]
– ب – آيات مدنية في سور مكية:
*- سورة يونس كلها مكية ما عدا قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ..} [يونس: 40]
وقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ
لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ * وَ لا تَكُونَنَّ مِنْ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنْ الْخَاسِرِينَ} الآيتين [94-95]
*- سورة الكهف مكية و استثنى من أولها إلى {جُرُزاً} [الكهف: 1-8]
و قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: 28]
و {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا…}
إلى آخر السورة [الكهف: 107]
§- 6 -ما حمل من مكة إلى المدينة و بالعكس:
– أ – ما حمل من مكة إلى المدينة:
– سورة الأعلى حملها مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم – رضي الله عنهما –
– سورة يوسف حملها عوف بن عفراء في الثمانية الذين قدموا على رسول الله
صلى الله عليه و سلم مكة. ثم حمل بعدها سورة الإخلاص
ثم حمل بعدها من سورة الأعراف قوله تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}إلى آخر الآية [الأعراف: 158]
– ب – ما حمل من المدينة إلى مكة:
– حملت آية الربا من المدينة إلى مكة، فقرأها عتاب بن أُسيد عليهم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} [ البقرة: 278]
– سورة براءة حملها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في العام التاسع عندما كان
أميرا على الحج، فقرأها علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم النحر على الناس
– قوله تعالى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98]
إلى قوله {عَفُوًّا غَفُورًا} [ النساء: 99]
* ما حمل من المدينة إلى الحبشة:
– حمل من المدينة إلى الحبشة سورة مريم، فقد ثبت أن جعفر بن أبي طالب قرأها على النجاشي
– بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جعفر بن أبي طالب بهذه الآيات إلى الحبشة
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64]
إلى قوله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ…} [آل عمران: 68]
§- 7 -أهـمية علم المـكي و الـمدني:
– يعرف بالمكي والمدني الناسخ و المنسوخ
– الاستعانة به في تفسير القرآن و فهم معانيه
– تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة
– الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية
§- 8 -عناية الصحابة و التابعين و العلماء به:
– أ – عناية الصحابة بعلم المكي و المدني:
و نجدهم يضبطون منازل القرآن آية آية ضبطا يحدد الزمان والمكان
و هذا الضبط عماد قوي في تاريخ التشريع
فنرى ابن مسعود يقول: "و الله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله
إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا و أنا أعلم فيم نزلت
– ب – عناية التابعين به:
لقد اعتنى التابعون عناية تامة بهذا العلم، كيف لا و هم تلاميذ صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا رجل يسأل عكرمة عن آية
من القرآن فيجيبه أنها نزلت في سفح ذلك الجبل وأشار إلى "سَلْع"
– ج – عناية العلماء به:
بقد اعتنى العلماء بتحقيق المكي و المدني عناية فائقة فتتبعوا القرآن
آية آية وسورة سورة وفق نزولها و بذلوا جهدا كبيرا
يعطي صورة علمية في التحقيق لعلم المكي و المدني
ولك حبنا واحترامنا
جزاك الله خير الجزاء
معلومات قيمة,مع طابع الإختلاف في التحديد,لكنها واضحة في المغزى
شكرا جزيلا لك.
هل من الشرع تصنيف القرءان إلى مكي ومدني أم مجرد إقتراح منهجي من علماء القرءان؟
ألاتكون السورة الواحدة فيها آيات متداخلة زمانيا,ومكانيا,وتوجها ,عقيدة ومعاملة.؟
أليس تصنيف القرءان إلى مكي ومدني تحكيم بشري تاريخي نسبي للقرءان المطلق المصدر؟وغياب التاريخ في قصص القرءان يكشف عن طبيعة كتاب الله؟
ودمت بكل خير
وتقبلي تساؤلاتي بكل رحابة عقل.
ولك حبنا واحترامنا
جزاك الله خير الجزاء معلومات قيمة,مع طابع الإختلاف في التحديد,لكنها واضحة في المغزى شكرا جزيلا لك. هل من الشرع تصنيف القرءان إلى مكي ومدني أم مجرد إقتراح منهجي من علماء القرءان؟ ألاتكون السورة الواحدة فيها آيات متداخلة زمانيا,ومكانيا,وتوجها ,عقيدة ومعاملة.؟ أليس تصنيف القرءان إلى مكي ومدني تحكيم بشري تاريخي نسبي للقرءان المطلق المصدر؟وغياب التاريخ في قصص القرءان يكشف عن طبيعة كتاب الله؟ ودمت بكل خير وتقبلي تساؤلاتي بكل رحابة عقل. |
أجد دائما نزعة فلسفية في معظم ردودك إن لم أقل جلها
مشكور على المرور الطيب
تحياتي . . .
ذكر تعالى علامة المؤمنين، فقال: {الذين آمنوا وتطمئنُّ قلوبُهم بذكر اللّه}؛ أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضُرُها أفراحها ولذَّاتها. {ألا بذكرِ اللّه تطمئنُّ القلوب}؛ أي: حقيق بها وحريٌّ أن لا تطمئنَّ لشيءٍ سوى ذكره؛ فإنَّه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها والأنس به ومعرفته،
وعلى قَدْرِ معرفتها باللّه ومحبَّتها له يكون ذِكْرُها له، هذا على القول بأنَّ ذكرَ اللّه ذِكْرُ العبد لربِّه من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك، وقيل: إن المراد بذِكْر اللّه كتابُه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين؛ فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر اللّه أنها حين تَعْرِفُ معاني القرآن وأحكامه تطمئنُّ لها؛ فإنَّها تدل على الحقِّ المبين المؤيَّد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئنُّ القلوب؛ فإنَّها لا تطمئنُّ إلا باليقين والعلم، وذلك في كتاب اللّه مضمونٌ على أتمِّ الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجِعُ إليه؛ فلا تطمئنُّ بها، بل لا تزال قلقةً من تعارض الأدلَّة وتضادِّ الأحكام، {ولو كان من عندِ غيرِ اللّه لَوَجَدوا فيه اختلافاً كثيراً}، وهذا إنما يعرفه من خَبَرَ كتابَ اللّه، وتدبَّره، وتدبَّر غيره من أنواع العلوم؛ فإنَّه يجد بينها وبينه فرقاً عظيماً.
منقول من موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
هل غرق جميع من على الأرض بعد الطوفان العظيم زمن نوح عليه السلام؟ أم هل غرق جميع من في الأرض – عدا من كان مع نوح – على ظهر السفينة عندما أرسل الله الطوفان ؟ وهل كل مَن في الأرض الآن يعتبرون مِن نسل مَن كان في السفينة ؟
<–SS–>drawGradient()
قال الله تعالى : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) الشعراء/119-120 .
وقال عز وجل : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود/40 .
وقال تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) يونس/73 .
كما جاء النص في القرآن الكريم على أن الأرض إنما عمرت بعد ذلك من نسل ذرية نوح عليه السلام فقط ، وأما المؤمنون الذين نجوا معه في السفينة فلم تبق لهم ذرية ، فجميع أهل الأرض الآن من ذرية نوح عليه السلام .
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) الصافات/77-81 .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام .
وقال قتادة في قوله : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) قال : الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام .
"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (7/22) .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
"وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة :
فعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا ، وقيل : كانوا عشرة .
قال جماعة من المفسرين : ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا ، وهو الذي عند أهل الكتاب ، وقيل : ثمانين ذراعا ، وعَمَّ جميع الأرض طولها والعرض ، سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ، ولا صغير ولا كبير .
قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم : كان أهل ذلك الزمان قد ملؤوا السهل والجبل .
…
فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام . قال تعالى : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة ، وهم : سام وحام ويافث" انتهى باختصار .
"البداية والنهاية" (1/111-114) .
وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" ضمير الفصل في قوله : ( هُمُ الْبَاقِينَ ) للحصر ، أي : لم يبق أحد من الناس إلا من نجاه الله مع نوح في السفينة من ذريته ، ثم من تناسل منهم ، فلم يبق من أبناء آدم غير ذرية نوح ، فجميع الأمم من ذرية أولاد نوح الثلاثة ، وظاهر هذا أن من آمن مع نوح غير أبنائه لم يكن لهم نسل . قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه . وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله في سورة هود : ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) هود/40 ، وهذا جار على أن الطوفان قد عم الأرض كلها ، واستأصل جميع البشر ، إلا من حملهم نوح في السفينة" انتهى .
"التحرير والتنوير" (23/47) .
وأما قوله سبحانه وتعالى : ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) الإسراء/3 . وقوله عز وجل : (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) مريم/58.
فلا يدل على استمرار نسل المؤمنين الذين حملهم نوح عليه السلام معه ، بل المقصود أبناء نوح عليه السلام الذين استمر نسلهم دون باقي المؤمنين .
قال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله : "قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ، بين أن ذرية من حمل من نوح لم يبق منها إلا ذرية نوح في قوله : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)" انتهى .
"أضواء البيان" (3/13) .
والله أعلم .
لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم
بوركت اخي
شكرا جزيلا
جزاك الله خير
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته شكرا على المرور