التصنيفات
عالم الحيوان

النحل يعلمنا أن العمل طريقنا إلي الفوز بالآخرة

النحل يعلمنا أن العمل طريقنا إلي الفوز بالآخرة


الونشريس

حثت الشريعة الإسلامية عليالعمل وأكدت علي قيمته للفرد وللمجتمع الذي يعيش فيه.. ولقد حرص علي ذلك سيدنا رسولالله صلي الله عليه وسلم في كثير من مواقفه وأحاديثه ومنها هذا الحديث حيث قال: "إنقامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتي يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر" وبهذا جعل الإسلام طريق الآخرة هو نفسه طريق الدنيا ليس هناك طريق للآخرة اسمهالعبادة وطريق للدنيا اسمه العمل وإنما هو طريق واحد أوله في الدنيا وآخره فيالآخرة لا يفترق فيه العمل عن العبادة ولا العبادة عن العمل فكلاهما شيء واحد فينظر الإسلام.

وقد مرت علي البشرية فترات طويلة في الماضي والحاضر كانت تحسفيها بالفرقة بين الطريقين كانت تعتقد أن العمل للآخرة يقتضي الانقطاع عن الدنياوالعمل للدنيا يزحم وقت الآخرة.

وقد كانت تؤدي في القديم إلي عزلة بعضالناس وتنسكهم وتكالب آخرين علي الحياة يجعلونها همهم الأوحد فتوردهم موارد الحتفوالشقاء وما تزال هذه الفرقة تؤدي إلي نتائجها تلك في العالم الحديث ولكنها تزيد فيمدنيتنا الحاضرة حتي تبلغ مبلغ الجنون وحالات الهستيريا وضغط الدم وهي صدي لتلكالفرقة التي توزع النفس الواحدة في وجهات شتي ثم لا تربط بينها برباط. والطريقلتوحيد هذا الشتات وربطه كله في كيان هو توحيد الدنيا والآخرة في طريق. عندئذ لاتتوزع الحياة عملا وعبادة منفصلين ولا تتوزع النفس جسما وروحا منفصلين ولا تتوزعالأهداف عملية ونظرية أو واقعية ومثالية لا تلتقيان.

والإسلام يصنع هذهالعجيبة في سهولة ويسر قال الله تعالي: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسنصيبك من الدنيا" 77 القصص وإن أمام المسلمين الكسالى اليوم قدوة في رسول الله صليالله عليه وسلم أن عليهم أن يعملوا دائما ولا يكلوا ليعوضوا العقود الطويلة وهذه هيالفطرة السليمة التي نشاهدها في كل خلق الله المسير ومنها النحل الذي نتعلم منهدرسا نستفيد منه ألا وهو العمل الجاد والمثمر الذي وعاه النحل قبل الإنسان بملايينالسنين.

هذا العالم العجيب للنحل والذي يسير وفق منهاج دقيق لا يقدم ولايؤخر نتعرف عليه من خلال هذه الدراسة للدكتور رضا فضل علي بكر أستاذ علم الحشراتبكلية العلوم جامعة عين شمس علنا نستفيد من هذه الحشرة الضئيلة في الحجم العظيمة فيالمكانة والمقدار في جعل الدنيا طريقا للآخرة عن طريق العمل الجاد والمثمر.

إيحاء للنحل

يستهل الكاتب دراسته بهذه الآية من سورة النجل "وأوحيربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كلالثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إنفي ذلك لآية لقوم يتفكرون" "النحل 68 :69".

ويضيف: إيحاء الله للنحل هوإلهامها والإلقاء في روعها وتعليمها في وجه أعلم به لا سبيل لأحد إلي الوقوف عليهلم يأتها رسول الله من عند الله ولكن الله تعالي عرفها الأعمال العجيبة التي يعجزفيها العقلاء من البشر. وذلك في بنائها البيوت المسدسة من أضلاع متساوية بمجردطباعها ولا يتم مثل ذلك للعقلاء إلا بآلات قياسية حديثة وكل ذلك إلهام ولا خلاف بينالمتأولين أن الوحي هنا بمعني الإلهام وهو ما يخلقه الله تعالي في القلب ابتداء منغير سبب ظاهر. والفعل أوحي فعل معجز خالد ونلحظ أن الظاهرة الزمنية قد تلغي تمامافالفعل أوحي هنا غير مرتبط بزمن فالله سبحانه وتعالي أوحي إلي النحل ومازال الوحيمستمرا وسيستمر حتي يرث الله الأرض ومن عليها وخص الله سبحانه وتعالي هذا الوحيللنحل. فالآية الشريفة عمت الوحي لجنس النحل كله سابقه وحاضره ومستقبله وبذلك يتميزالنحل عن باقي الكائنات الحياة فيما عدا البشر بأن الله سبحانه وتعالي يوحي إليها. بل إن وحي الله للبشر إنما يكون لخاصتهم ممن اصطفاهم الله لرسالته بينما الوحي إليالنحل فهو لجميعها وعامتها. وهناك من الآثار الواضحة المحسوسة وما يشير إلي وجودهذا الوحي وتري ذلك جليا في وحي الله للنحل حيث ميزه بخصال تتعلق باختيار المسكنوجمع الغذاء لإخراج ما فيه شفاء للناس والنحل لا يشاركه الإنسان أو أي كائن نافعآخر في هذه الخصال. فمن حيث السكن فإن نحل العسل في حياته البرية يبني أقراصهالشمعية في الأماكن التي لا تكاد تصلح لسكن أي كائن آخر سواء كان نافعا أو ضارًابالإضافة إلي ذلك فإن النحل لا يفسد الأرض التي يعيش فيها.. ومن حيث حصوله عليالطعام فهو لا يشارك أي كائن آخر نافع في تناول غذائه فإن غذاءه من رحيق الأزهاروحبوب اللقاح فإن لم يجمعها النحل ذهب هباء. بل إن ميكانيكية هذا الجمع تعودبالفائدة الكبرى علي سائر الكائنات بما فيها الإنسان. والميزة الثالثة التي خص اللهبها وأوحاها إليه من تحويل غذائه إلي مواد شافية متعددة لا تتحقق في مخلوق آخر سواءكان نباتًا أو حيوانًا وذلك بتذليل سبل الطعام لها حتي تخرج شرابا من أجوافها فيهشفاء للناس.

ودلائل وحي الله للنحل يتمثل في سلوكه وإتباع ما أوحي اللهإليه به وهو في الأفعال "اتخذي من الجبال بيوتًا" "النحل 68" "ثم كلي من كلالثمرات" "النحل 69" "فاسلكي سبل ربك ذللا" ولكل أمر من هذه الأوامر مجمل والنحليذعن لوحي الله له فيقوم بهذه الأعمال علي أكمل وجه فنجد في طاعته وتنفيذه لوحيالله تفصيلات لما هو مجمل وفي هذا عبرة للإنسان ودرس يجب تأمله.

إعجاز

ويشير الكاتب إلي إعجاز لغوي وعلمي في آية النحل حيث جاء الأمر بصفةالتأنيث بقوله "اتخذي" ثم كلي. فاسلكي" فمملكة النحل تتربع عليها ملكة أنثى وعددضئيل من الذكور أما باقي أفراد المملكة فهو الشغالات ومن هنا يتبين لنا دقة التعبيرفإن الحقيقة العلمية أكدت أن الذي يقوم بتلك الأفعال إنما هي الشغالة وجاء الضميرمفردا لأن وحي الله للنحل جعلها غريزة موروثة في كل نحلة علي حدة فتعرف كل شغالةعملها بمجرد نشأتها ولم يعرف حتي الآن أنها تتعلم وتتدرب علي ذلك لتكتسب هذا السلوكبل تقوم بعملها علي أكمل وجه بدون سابق معرفة لها به.

وذكر الله الجبالوالشجر ومما يعرشون كأماكن لبيوت النحل لكي يتعرف الناس منها علي أماكن وجود النحلوالحقيقة العلمية تثبت أن هناك بعض الأنواع تسكن الجبال والأشجار ولا يمكناستثناؤها وهي صورة رائعة لاستجابة النحل لوحي الله فهي تعيش في الجبال والأشجار أوفيما يعده لها الإنسان من يوم أوحي الله لها حتي تقوم الساعة لتضرب أروع الأمثلةللإخلاص فيطاعة ربها. وقد يفهم أيضا من هذا التسلسل إشارة إلي أن النحل موجود قبلالإنسان.

نظام الحكم

عندما يرفع الغطاء الشمعي وتخرج الملكة من طورالعذراء يقابلها الجميع كعضو عادي في المجتمع .. بل تمتنع العاملات عن تغذيتهابالغذاء الملكي مادامت عذراء لم تلقح ولا يقوم بخدمتها أي فرد فتمارس الملكةالعذراء غير الملقحة نشاطا غير منتظم داخل الخلية علي الأقراص فتأكل ما تحويهالأعين السداسية من العسل بنفسها ثم تبدأ بمهاجمة البيوت الملكية التي لم تفقسمثيلاتها بعد فتقرض أغطيتها وتمد آلة لسعها وتقتل الطور الموجود بداخلها وأحياناكثيرة تعترضها الشغالات وتمنعها من ذلك. وأفراد الرعية في الخلية يقابلن هذا الأمربفتور شديد فلا يتدخلن لأن هذا الأمر يخص فئة قليلة جدا منهم ألا وهي الملكات الجددثم بعد ذلك يأتي موكب الزفاف حيث تتهيأ الملكة العذراء للطيران وخلفها الذكور فإذاعادت وفي مؤخرتها الجهاز التناسلي للذكر الذي يظل عالقا بها بعد التلقيح عندئذتستقبلها العاملات بمهرجان عظيم فتلتف حولها الوصيفات لأول مرة فيزال العضوالتناسلي الذكري العالق بها ويبدأ النحل كله باحترامه وتقديم الغذاء الملكي لهاوخدمتها بعناية فائقة أما إذا عادت الملكة العذراء بدون تلقيح لأي سبب ما يستقبلهاالنحل بفتور وينعزل عنها ويحتقرها حتي تعيد الكرة مرة ثانية وتنجح في التلقيح.

وبالرغم من أن الملكة هي أهم فرد في مجتمع النحل فإنها لا تحكم خلية النحلعلي الإطلاق غير أنها تنتج هرمونات تحدد مختلف نواحي سلوك النحل. أما من يحكم خليةالنحل فهن العاملات أنفسهن فهن اللواتي يقررن أين يقمن بيتا جديدا بعد المشاورةوالاستقرار علي رأي الجماعة ومتي وأين يجمعن رحيق الأزهار وهن اللواتي يقررن متيتستبدل مليكتهن ومن ذلك نخلص إلي أنه علي الرغم من أن ملكة النحل تتمتع بهذهالسيادة المطلقة والاحترام فيها فإنها لا تستعمل مركزها الممتاز في استبعاد الرعيةفهي ملكة ذات ملك قائم علي الفطرة السليمة يأتمر بأمر الرأي العام والرأي بينهمقائم علي الشورى لتحقيق وحي الله والملكة تنفذ في جميع أعمالها مشيئة أفراد الخليةالتي تحكما بحيث تبقي السيادة المطلقة التي تتمتع بها محصورة في الأمور الشكليةالنظرية فهي لا تمارس أي نوع من أنواع الحكم والنهي في مملكة النحل إنما هو للعمالللنحل الشغال فالذي يعمل وينتج هو الذي يمارس حق الحكم.

النحل والعلومالحديثة

في هذا الجزء من الدراسة يؤكد الباحث أن الله سبحانه وتعالي ألهمالنحل بعلوم يعتبرها الإنسان في العصر الحاضر تقنية حديثة وقد سبقت الإنسان بهذهالعلوم بملايين السنين ومن هذه العلوم:

علم دراسة الجدوى واتخاذ القرار: ففي النحل وقبل بناء البيت يتم تحديد كل من: ما الغرض من البيت؟ وما مكانه؟ وماطبيعة هذا البيت؟ ومتي يبني هذا البيت؟ وكيف تخطط لرسم البيت؟ وكم يلزم لبناء هذاالبيت؟ وماذا يترتب علي بناء هذا البيت للحفاظ عليه؟ وبعد هذه الدراسة تقرر ما تراهمناسبا وتتخذ القرار.

علم الاجتماع: هناك الشورى داخل هذا المجتمعواحترام ولي الأمر والمنافسة الشريفة بين طوائف النحل المختلفة وتقاسم النحل فيمابينه أعمال الخلية كل حسب سنه ومقدراته وكل أفراد الخلية مكفولة له حق الرعايةوتكافؤ الفرص لا فرق بين ضعيف وقوي.

العلوم السياسية والاقتصادية: أعطتالنحلة أروع مثل في سياسة مملكتها ومن النواحي الاقتصادية فقد وصلت إلي ما لم يصلإليه الإنسان. – العلوم الحربية والأمنية: النحلة البسيطة التي ليست أهلا لتحمل هذهالمسئولية الخطيرة وهبها الباريء سبحانه وتعالي من القوة والحكمة ما تستطيع بهالدفاع عن نفسها وعن خليتها دون أن تتعرض لهذا الخطر العظيم.

علمالكيمياء: أطلق البعض علي خلايا النحل أنها معامل لتصنيع العسل وإذا تتبعنا عمليةصنع العسل التي لا يقدر عليها إلا النحل سنجد أنها عملية كيميائية ماهرة ولا يعرفالعلم الحديث سببا لإضافة نوع من الأحماض الأمينية لعملية تركيب العسل ولا كيف يعرفالنحل أن العسل قد نضج.

علم الاستشعار عن بعد: عندما يبتعد النحل عنالخلية باحثا عن الرحيق حتي مسافة أحد عشر كيلو مترا يحفظ زاوية ميل الشمس فيالذهاب وفي العودة يكون قد تغيرت هذه الزاوية فيعدلها وكأن به جهاز كمبيوتر مبرمجًاحتى لو عاد بعد غروب الشمس.

فن الهندسة الوراثية: لقد اعترف العلم وأقرالعلماء بأن النحل تقيم بيوتها بوحي يلقي إليها وبيوت النحل تبني علي أساس مكينتتجلى فيه روعة الفن وجمال الذوق وإبداع الهندسة.. والنحل يراعي قوانين التهويةوالمتانة وخصائص مواد الأساس.

منقول




رد: النحل يعلمنا أن العمل طريقنا إلي الفوز بالآخرة

الونشريس




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.