قال الله تعالى في القرآن الكريم :{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب} (39) سورة النور.
رأي المفسرين
جاء في صحيح مسلم بشرح الإمام النووي في كتاب الإيمان. باب معرفة طريق الرؤية رقم الحديث
302 _ (183) قوله صلى الله عليه واله وسلم فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً ) السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
يعتبر انتشار الضوء على هيئة خطوط مستقيمة ومتوحدة الخواص إحدى المسلمات الأساسية في علم البصريات، حيث ينتشر الضوء بالوسط الشفاف والمتجانس وموحد الخواص على هيئة خطوط مستقيمة طالما لم يعترضه عائق و يتميز الوسط البصري بوجود معامل يطلق عليه معامل الانكسار الذي يقيس سرعة الضوء بهذا الوسط، فكلما زاد هذا المعامل كلما كانت سرعة انتشار الضوء بالوسط صغيرة. ويتوقف معامل الانكسار للهواء على كثافته وبالتالي على درجة حرارته، فكلما زادت كثافة الهواء كلما انخفض معامل الانكسار ويتكون السراب نتيجة لانكسار الضوء في الهواء. و هو يحدث عندما تكون طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض أقل كثافة من طبقات الهواء الأعلى . فعندما تسطع الشمس في أيام الصيف في الصحراء أو على الطرق المرصوفة ترتفع درجة حرارة سطح الأرض و بالتالي درجة حرارة طبقة الهواء الملامسة والقريبة من سطح الأرض فتتمدد و تقل كثافتها وكذلك كثافتها الضوئية ومعامل انكسارها.
وبذلك يزداد معامل انكسار الهواء تدريجيا كلما ارتفعنا إلى أعلى حيث يبرد الهواء.
تعريف ظاهرة السراب
هي خدعة بصرية (ضوئية) تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة والأرض المستوية واختلاف في معامل الانكسار مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ليعكس صورا وهمية للأجسام وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبيرة,وترجع تسمية السراب عند العرب سرب الماء أي جرى وسار,أما التسمية الإنكليزية لهذه الظاهرة فتعود إلى كلمة mirageوتعني المرآة باللغة الفرنسية.
السبق العلمي لدراسة ظاهرة السراب :
أنواع السراب
(1) – السراب السفلي
1- السراب الصحراوي :يحدث هذا النوع في الصحراء نتيجة الحرارة الشديدة التي تنعكس عن رمالها مما يجعلها في حالة توهج شديد ليأخذ شكل سطح مائي أمام عين الناظر (المسافر) فيعكس صوراً عديدة وهمية تمثل انعكاسا للمسافة الممتدة أمامه,ويفسر ذالك بأن كثافة طبقة الهواء الساخنة القريبة من الأرض تكون أقل من الطبقات الأعلى منها مما يجعل الضوء المنعكس عن هذه المنطقة يصاب بدرجة من التقوس والانحناء تجعله يرتد عنها إلى أعلى فيبدو لعين الناظر وكأنه سطح مرآة ينعكس عليه صفحة الماء الهادئ يمتد أمامه إلى مالا نهاية بسبب شدة الحرارة بدليل أنه كلما اقترب منه ابتعد عنه.
2- السراب في المدن :يحدث هذا النوع من السراب في المدن وخاصة على الطرق المبلطة والمعبدة بالإسفلت التي تسخن بشدة تحت تأثير أشعة الشمس وبفضل لونها الأسود فيبدو سطح الطريق من بعيد وكأنه مغطى ببركة من المياه ويعكس الأجسام البعيدة وبذالك يدرك الناظر إلى هذه الظاهرة أنها خدعة بصرية لأنه كلما اقترب منها ابتعدت عنه, وتبقى المسافة ثابتة بين البركة الخادعة وعين الناظر.
(2) – السراب الجانبي : وهو انعكاس لأحد الجدران العمودية الساخنة بتأثير الشمس, وقد أتى على وصفه أحد المؤلفين الفرنسيين حين لاحظ عند اقترابه من سور القلعة أن الجدار المسطح للسور بدأ يلمع فجأة مثل المرآة وقد انعكس فيه المنظر الطبيعي بما فيه الأرض والسماء وعند اقترابه عدة خطوات إلى الأمام لاحظ نفس التغيير قد طرأ على الجدار الآخر للسور وبدا له وكأن السطح الرمادي غير المنتظم قد تحول إلى سطح لماع وكان يوماً شديد الحر أدى إلى تسخين الجار بشدة واختلفت الكثافة بين طبقات الهواء وبالتالي اختلاف معاملات الانكسار وهذا السبب الفيزيائي لرؤية الجدار يلمع.
والسبب الفيزيائي للسراب السفلي و الجانبي :يكون الهواء بالحالات الثلاث السابقة أسخن بالقرب من الأرض ومعامل الانكسار ضعيفاً مما يجعل الضوء يسير بسرعة أكبر وتنحني أشعة الضوء إلى الأعلى لذا نرى انعكاس السماء أو جسم بعيد على الأرض كما لو كان هناك ماء وما يحدث في هذه الحالة ليس مجرد انعكاس بل ما يسمى بلغة الفيزياء (الانعكاس الكلي) ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن يكون الشعاع الداخل في طبقات الهواء مائلا أكثر من الميل الذي هو عليه وفيما عدا ذالك لا تتكون لديه (الزاوية الحرجة) لسقوط الشعاع التي لا يحدث بدونها انعكاس كلي ولكي يحدث هذا الانعكاس يجب أن تكون طبقات الهواء الكثيفة أعلى من الطبقات التي تقل عنها كثافة وتتحقق هذه الحالة بوجود الهواء المتحرك حيث لا تتحقق بدونه، وعند الاقتراب من السراب تزداد قيمة الزاوية المنحصرة بين الأشعة والأرض فيقل انحناء الأشعة فيختفي الماء .
(3) – السراب القطبي (العلوي)
وهو ظاهرة مألوفة لسكان الشواطئ خاصة في المناطق الباردة وفيه تبدو الأجسام الموجودة على سطح الأرض و كأنها مقلوبة ومعلقة في السماء كما بالشكل التالي.
وتحدث هذه الظاهرة عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة بينما تهب في الطبقات العليا تيارات ساخنة، وبذلك تقل كثافة طبقات الهواء بزيادة بعدها عن سطح الأرض، وبالتالي تقل معاملات انكسار طبقات الهواء المتتالية صعودا .
لذلك إذا تتبعت شعاعا ضوئيا صادرا من مركب شراعي تجده ينكسر في طبقات الهواء المتتالية بعدا عن العمود ومتخذا مسارا منحنيا حتى تصبح زاوية سقوطه في إحدى الطبقات أكبر من الزاوية الحرجة لهذه الطبقة بالنسبة للطبقة التي تعلوها فينعكس انعكاسا كليا ليتخذ مسارا منحنيا في الاتجاه المضاد ليصل إلى العين فيبدو المركب معلق في الهواء وهو مقلوب.
تفسير حدوثه :
1- عندما تكون طبقات الهواء السفلي باردة وطبقات الهواء العليا دافئة، فإنه كلما ارتفعنا إلى أعلى تقل كثافة الهواء وبالتالي تقل معاملات الانكسار لطبقات الهواء المتتالية .
2- الشعاع الصادر من مركب شراعي ينتقل من طبقة معامل انكسارها كبير إلى طبقة أخرى معامل انكسارها صغير لذا ينكسر الشعاع مبتعدا عن العمود المقام على الحد الفاصل .
وجه الإعجاز:
عبر القرآن الكريم عن ظاهرة السراب تعبيرا رائعا ووصفا علميا دقيقا يضاهي تعريف العلماء وأصحاب الاختصاص, كما جاء وصفها أيضا بكلام نبيه المصطفى عليه صلوات الله وسلامه بالحديث الشريف , وقبل شرح أوجه الإعجاز دعونا نتذكر صفات السراب لنبين الإيجاز في التعبير والوصف العلمي الدقيق.
صفات ظاهرة السراب
1- المكان المناسب لحدوثها ……. 2- هي خدعة بصرية سببها اشتداد الحرارة
3- السراب يشبه سطح الماء …….. 4- وجود الهواء المتحرك
5- كلما اقتربنا منه ابتعد عنا
قال الله تعالى في محكم تنزيله في سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب) , ( 39)
أما في قوله سبحانه (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ) فهذا يعني أن السراب لا يحدث إلا في الأرض القيعة والتي تعني الأرض المستوية أو ما ابسط من الأرض ولا يتكون السراب إلا بوجود هذا المكان الخاص.