التصنيفات
القرآن الكريم و السنّة النبويّة الشريفة

وسلام على عباده الذين اصطفى

وسلام على عباده الذين اصطفى(1)


الونشريس

  • وسلام علي عباده الذين اصطفي(1)

    بقلم:فؤاد الدقس
    كاتب سوري

    يقول الله ــ تعالي ــ في محكم تنزيله: "الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير" الحج:.75
    يقول صاحب صفوة التفاسير: الله سبحانه تجلت قدرته يختار رسلاً من الملائكة ليكونوا وسطاء لتبليغ الوحي إلي أنبيائه. ويختار رسلاً من البشر لتبليغ شرائع الدين لعباده.
    وهذا الاصطفاء: هو انتقاء واختيار. فلقد اصطفي الله تعالي أمين الوحي جبريل عليه السلام ــ وهو أفضل الملائكة ــ ليكونوا السفير بين الحق سبحانه وبين الرسل. ثم اختار المولي جل شأنه الرسل من خيرة خلقه: خلقاً وخلقاً. وحسباً ونسباً. وعقلاً وذكاء وفطنة وأعظمهم سيدنا محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ فهو صاحب النسب الأكمل والحسب الأفضل. ثم أفاض سبحانه عليه من الأنوار الربانية والأسرار الإلهية وخلع عليه حلل الكمال والجمال.
    وكل رسول اصطفاه الله ــ تعالي ــ من خيرة خلقه» ولكن عظمهم وصفوة الصفوة هو سيدنا محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً. حتي كنت من القرن الذي كنت منه.
    أي: أنه ــ صلي الله عليه وسلم ــ انتقي واصطفي من قرون وقرون. ومن عهد أبي البشر آدم عليه السلام إلي يوم القيامة. حتي اصطفي من خير قرن مصطفي من خير القرون. فهو صفوة الصفوات. وخلاصة الخلاصات وهو ذروة الذروات وقمة القمم ــ صلي الله عليه وسلم.
    ولما استعظم المشركون أن يختار سيدنا محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ من سائرهم نبياً ورسولاً: "وقالوا لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم" الزخرف: .31
    كانت حجة الله ــ تعالي ــ عليهم: "أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" الزخرف: .32
    ولما اعترض المشركون علي الاصطفاء واشترطوا ليؤمنوا فقالوا: "لن نؤمن حتي نؤتي مثل ما أوتي رسل الله" كانت حجة الله ــ تعالي ــ عليهم "الله أعلم حيث يجعل رسالته" الأنعام: .134
    والاصطفاء ثابت في القرآن الكريم حيث قال سبحانه: "قل الحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي" النمل: .59
    وعباده الذين اصطفي: هم المؤمنون به ــ عز وجل ــ الموحدون له. من الملائكة والنبيين وسائر المخلوقات من الإنس والجن» فإن الله ــ تعالي ــ اصطفاهم من سائر خلقه بالإيمان والتقوي والانقياد لأوامره والتسليم لإرادته سبحانه.
    وقد أفاض الله ــ تعالي ــ علي الرسل من أسراره وأنواره كل علي حسب درجته ومنزلته ومكانته فأعظم الأنبياء هم المرسلون. وأعظم الرسل هم أولو العزم ــ وهم نوح وخليل الرحمن وكليمه وكلمته وسيدنا محمد ــ صلوات الله عليهم ــ أجمعين . وأعظم أولي العزم سيدنا محمد ــ صلي الله عليه وسلم.
    فالرسل هم أنوار الله في أرضه. وهم أسرار الله في أرضه. وهم آيات الله في أرضه. وهم السفراء بين الحق وبين الخلق.
    وهذا هو معني الرسالة: سفارة من الحق إلي الخلق بأمور يأتون بها للناس يحذرونهم من كل شر. ويرشدونهم إلي كل خير. ويدلونهم علي كل سعادة لهم في الدنيا والآخرة.
    أما أن رسل الله ــ تعالي ــ هم أنوار الحق. وهم موضع إشراقات نور الله فقد قال الله ــ تعالي ــ: "… فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" الأعراف: .157
    ولقد جاء سيدنا محمد ــ صلي الله عليه سلم ــ بنور إلهي يهدي به العالم إلي الله تعالي. وقد أورد الإمام ابن كثير في تفسيره لسورة التين ما ورد في التوراة بعد ترجمتها إلي العربية: تجلي الله من طور سيناء. وأشرق من ساعير. واستعلن من جبال فاران.
    تجلي الله من طور سيناء أي: رسالة موسي عليه السلام.
    وأشرق نور الله من ساعير: أي جبال فلسطين الحبيبة ويعني رسالة عيسي عليه السلام.
    وجبال فاران أي: جبال مكة المكرمة.
    فقد استعلن نور الله علناً كالشمس وقت الظهيرة في كبد السماء. وهذا يعني نزول الرسالة علي سيدنا محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ» حيث ظهر نور الله جلياً مستعلناً برسالة وبعثة سيدنا محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ» فهو ــ صلي الله عليه وسلم ــ مظهر من مظاهر نور الله. وهو أعظم مظهر من مظاهر نور الحق.
    .
    والرسل صلوات الله عليهم هم مظاهر أنوار الحق» يعكسونها علي الخلق حتي يدلوهم علي الله تعالي.
    ومن هنا يفهم العاقل حاجته إلي رسالة محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ. وإن موقف العقل من نور رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ الذي جاء به» ما هو إلا كموقف نور البصر مع نور الشمس وغيرها من الأنوار» إذ لو كان لك عينان بصيرتان فلا يعني هذا استغناءك عن نور خارجي» إذ لا تستطيع رؤية الأمور إلا إذا التقي نور بصرك مع نور آخر. وإذا انعدم هذا النور الآخر فأنت وأعمي البصر سواء.
    وكذلك نور العقل فلا يكفي وحده لمعرفة الأمور» إلا إذا التقي بنور آخر واهتدي بنوره. وهو نور الشرع المحمدي القرآني» الذي جاء به رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ» فحينذاك يهتدي الإنسان إلي الحق والحقيقة» وإلي سعادة الدنيا والآخرة.




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.