هل علاقتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإحساس أم الإدراك ؟ و هل كل معرفة ينطوي عليها الإدراك مصدرها الإحساس ؟ و إذا كان الإحساس عملية أولية للاتصال بالعالم الخارجي فهل معنى ذلك أنه خال من أي نشاط ذهني ؟
ا- النظرية الحسيـــــــــــة / معارفنا الإدراكية تنبع كلها من الإحساس و قد ذهب الرواقيون و على رأسهم زينون الى القول أن العقل لا يمكن له أن يؤسس معرفة ان لم يستمدها من الحس
*الدليل / الحواس هي النافذة التي نطا بها على العالم الخارجي ، ومن فقد حاسة ، فقد المعاني المتعلقة بها ، فالبرتقالة مثلا ، يصل إلينا لونها عن طريق البصر ، و رائحتها عن طريق الشم ، و طعمها عن طريق الذوق ، و ملمسها عن طريق اللمس ، فلو تناول هذه البرتقالة كفيف البصر يدرك كل صفاتها الا لونها ، فالكفيف لا يدرك الألوان ، و الأصم لا يدرك الأصوات ، فلولا الحواس لما كان للأشياء الخارجية وجودا في العقل
إذن فكرتنا عن العالم الخارجي ليست سوى مجموعة من الإحساسات تحولت بحكم التجربة الى تصورات ،فالمعرفة تكتسب بالتدريج عن طريق الاحتكاك بالعالم الخارجي و ما تحدثه الأشياء من آثار حسية و بالتالي لا وجود لأفكار فطرية أو مبادئ قبلية سابقة عن التجربة يقول جون لــــــــــوك J.Loock (لنفرض أن النفس صفحة بيضاء فكيف تحصل على الأفكار ؟ إني أجيب من التجربة ، و منها تستمد كل مواد التفكير )
النقد / رغم أن الحواس ضرورية للاتصال بالعالم الخارجي إلا أنها غير كافية للإطلاع على حقيقة هذا العالم فالكثير من الأمور تغيب عن شهادة الحواس و تحتاج الى إدراك عقلي كالصور المجردة والعلاقة الثابتة بين الأشياء ، بالإضافة إلى أن الحواس مصدر غير موثوق في المعرفة
ب- النظرية العقليـــــــــة/ إن معارفنا الإدراكية لا تنبع من الإحساس بل من العقل كما جاء في رأي العقلييـــــــــــــــــــن
*الدليل / لان الحواس لا تدرك الحقيقة و لا تحقق معرفة مجردة التي يحتاجها التفكير ، التفكير يقوم على الكليات و هي صور مجردة تدرك بالعقل مثل صورة الإنسان و صورة الحيوان و صورة المعدن… .بينما الحواس لا تدرك الا الجزئيات و لا ينبغي أن نثق بالحواس لأنها مصدر غير موثوق و أحسن دليل على ذلك هو الخداع البصري ، ألا نرى البحر ملتصق بالسماء لما ننظر في الأفق ؟ ألا تبدو العصا المغموسة في الماء منكسرة؟ ألا نرى الجسم يكبر كلما اقترب منا و يصغر كلما ابتعد عنا فالمعرفة الحسية كثيرا ما تكون خاطئة .يقول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت R.Descarte (أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أن أراه بعيني ) لذلك يميز العقليون بين الاحساس و الادراك على أساس أن الإحساس هو عملية أولية بسيطة تتعلق بنشاط الحواس ، أما الادراك هو عملية ذهنية مركبة تحلل المعطيات و تؤول بعضها حتى تعطي لها دلالة أو معنى . و من العوامل الذهنية المدعمة للإدراك الذاكرة حتي قيل " إننا ندرك بذاكرتنا " مثلا عندما ندخل قسما و نرى معادلات في السبورة ندرك أنه درس رياضيات لمعرفتنا السابقة بهذه المادة ،أما الجاهل بهذه المادة يرى ما نرى لكنه لا يدرك ما ندرك . و العقل في نظر العقليين مزود منذ الفطرة بشروط المعرفة و هي عبارة مبادئ قبلية سابقة عن كل تجربة كمبدأ الهوية و التناقض و الثالث المرفوع و السببية و غيرها ، تعمل على تحليل ما يأتينا من العالم الخارجي ، و إدراك حقيقته .(+ دليل المكعب + البعد الثالث + تجربة شزلندن و ادراك المسافــة ) كلها أمثلة تدعم رأي العقليين .
النقد/ عندما نفكر لا نصيب دائما مما يعني أن الفكر غير معصوم من الخطأ ، و الحواس رغم أنها لا تقدم لنا معرفة يقينية أحيانا ، الا أنها تبقى ضرورية من أجل الاتصال بالعالم الخارجي ، و لو كانت المعرفة فطرية لكانت واحدة عند الجميع لكن الواقع يثبت أنها متفاوتة
الأستاذ ج فيصل يهدي هذه المقالة المفصلة لطلبة متمنيا لهم كل التوفيق و النجاح ان شاء الله
شكرا على المعلومة