التصنيفات
الفلسفة للشعب العلمية

مقالة بطريقة الوضع في البيولوجيا

مقالة بطريقة الوضع في البيولوجيا


الونشريس

السلام
أخترت لكم من ((كتاب الفلسفة لطلاب البكالوريا)) لصاحبه الأستاذ أوبليل . ح

الموضوع: كيف تدافع عن الطرح القائل بإمكانية التجريب ونجاعته في البيولوجيا ؟

أولا: قبل الشروع في تحرير المقال :

1/ تحديد معاني الكلمات المفتاحية:
J كيف تدافع: الدفاع عن أطروحة بمعنى إثبات صحتها بالبرهان مع تبرير مشروعية الدفاع .
J الإمكانية: الإمكان (Possibilité)، تقول أمكن الأمر لفلان، سهل عليه، أو تيسَّر له.
J التجريب: التجريب بمعناه الضيق هو التجريب الذي يجري في المختبرات العلمية وذلك، بإعادة إحداث الظاهرة في ظل شروط يصطنعها العالم تسمح له بالتحكم في عناصر الظاهرة المدروسة ، فيكون بذلك التجريب ملاحظة مصطنعة . أما في معناه الأوسع فالتجريب يأخذ مدلول التجربة العلمية في مفهومها العملي حيث تنمو وتتشكل حسب طبيعة الموضوع المدروس، وهو المقصود في نص سؤالنا .
J البيولوجيا: لفظ مركب من ((بيو)) بمعنى الحياة و((لوجيا)) بمعنى علم، فمعنى البيولوجيا إذن، علم الأحياء . وهو العلم الذي يدرس الظواهر الطبيعية الحيّة (الكائنات الحية) ويتفرع عن البيولوجيا عدة علوم، كعلم النبات والحيوان والإنسان .
2/ فهم السؤال: إنَّ الموضوعَ يطرح إشكالية تطبيق المنهج التجريبي في البيولوجيا ويجزم بإمكانية التجريب ونجاعته في هذا المجال ؟
3/ تحديد المطلوب: الدفاع عن القول بأنّ التجريب ممكن، بل وناجع في البيولوجيا .
4-تحديد طريقة المعالجة: إنَّ طبيعةَ الموضوعِ تقتضي استعمال طريقة الاستقصاء بالوضع .

ثانيا: أثناء الشروع في تحرير المقال :

1. طرح المشكلة:
Ý- مدخل: لقد ساد الاعتقاد لدى النزعة الغائية وعلى رأسها ((لاشوليي([1]))، أن الدراسة التجريبية للعضوية الحية غير ممكنة، فهي تمتنع أمام عوائق ابستيمولوجية تعرقل التطبيق الصارم لمقياس التجربة ..
ȝ- المسار: لكن، هناك من يؤكد على إمكانية إخضاع العضوية الحية للتجريب، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يؤكد على نجاعته . خاصة أنّ الصعوبات التي ظلت تحجب حقيقة عالم الأحياء بدأت تتلاشى مع تطور أساليب البحث العلمي، فأصبح من الممكن استثمار خبرات العلوم الفيزيائية في مجال علوم الأحياء ..
ج- السؤال: فكيف ندافع عن الأطروحة التي تقول بإمكانية إخضاع الكائنات الحية للدراسة التجريبية؟ وما الذي يبرّر إمكانية التجريب ونجاعته في البيولوجيا؟ وما الضامن أن العلماء يلتزمون بمقتضيات البحث العلمي وشروطه في مجال البيولوجيا ؟
2. محاولة حلّ المشكلة :
أ- عرض منطق الأطروحة:
j من حيث أنَّه فكرة: [ الطرح القائل بإمكانية التجريب ونجاعته في البيولوجيا ] .
j مسلماتها وما تستوجبه من برهنة:
– من خلال كتابه (مدخل لدراسة الطب التجريبي)، مهد ((كلود بيرنارد([2])) الطريق أمام إمكانية الدراسة التجريبية للكائن الحي، منطلقا من مسلمة وهي أن (الحياة هي الموت) . ومن ثمَّة، راح يؤكد أن ما يصدق من أساليب تجريبية على المادة الجامدة يصدق بالضرورة على المادة الحية وذلك للأسباب الآتية:
1- إنّ العضوية الحية تتكون من نفس العناصر الكيميائية المكوّنة للمادة الجامدة وإن كانت بنسب متفاوتة ؛
2- وأنّ الوظائف الحيوية ليست سوى تفاعلات تحركها آليات تخضع لنظام محكم يمكن تفسيره علميا بالاستناد إلى التجربة وكذا، مبدأ الحتمية الذي يؤكد أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج . وهناك أمثلة كثيرة يقدمها ((كلود بيرنار)) على تطبيق التجريب في البيولوجيا . من ذلك أنّه أوتي له بأرانب من السوق، فلاحظ أنّ بولها صاف حامض . والمعروف أن بول آكلة العشب عكر وقاعدي، وبول آكلة اللحم صاف وحامض . فأفترض أن تكون شروط تغذية هذه الأرانب تشبه شروط تغذية آكلة اللحوم، وأنّها صائمة (لم تأكل العشب منذ مدة) وهو ما يبرّر لون بول الأرانب . قام بالتجربة حيث أعطى هذه الأرانب عشبا ، وبعد ساعات قليلة أصبح بولها عكرا وقاعديا . ثم منع عنها العشب (صوَّمها) ، بعد ساعات عاد بولها ليصبح صافيا وحامضا . وكرّر التجربة عدة مرات فكانت تعطيه نفس النتائج . وعندئذ صاغ هذه النتائج في قاعدة عامة وهي ، أنّ آكلة العشب إذا فرغت بطونها تغذت بالمواد المدخرة في جسمها([3]).
ب- تدعيم الأطروحة :
j من خلال حجج شخصية:
تؤكد التجارب التي نجريها (نحن المتعلّمين) في مختبراتنا مع أساتذتنا لمادة علوم الطبيعة والحياة أن الوظائف الحيوية، ومنها عملية التنفس مثلا، يحكمها نظام ألي محكم لا يختلف في طبيعته عن ميكانيكا الفيزياء، فالتفاعلات الكيميائية التي تحدث في المختبرات العلمية تشبه التفاعلات التي تحدث في جسم الكائن الحي .
j على ضوء مذاهب فلسفية مؤسسة :
كان ((باسكال ([4])) يؤكد دوما هذه الحقيقة، في قوله: إنَّ الكائنَ الحي آلةٌ من طراز خاص»، فلا يوجد فرق بين ما يحدث داخل جسم الكائن الحي وما يحدث في المختبر..
ومن جهته، أستطاع ((باستور ([5])) إبطال الفكرة القائلة بالنشوء العشوائي للجراثيم، وتمكّن بفضل ذلك من محاربة الجمرة الخبيثة التي كانت تصيب الماشية .
j وما انتهى إليه علماء الفيزيولوجيا المعاصرة وعلماء الميكروبيولوجيا من نتائج علمية دقيقة تبرّر إمكانية التجريب في البيولوجيا . فقد عرفت الهندسة الوراثية انتصاراً هاماً بعد سنة 1950، حيث تمّ تجميد الحيوانات المنوية وحفظها ونقلها إلى الرحم ..
ج) نقد خصوم الأطروحة :
1) عرض منطق أطروحاتهم: لقد واجه القول بإمكانية التجريب في مجال البيولوجيا عدة انتقادات لعلّ أهمها ما يتعلق بطبيعة العضوية الحية: وهنا نسجل أن المادة الحية وحدة متكاملة، تتميّز بخاصة الحياة وهو ما يمثل عائقا إبستيمولوجيا يصعب تجاوزه. وبالفعل يواجه علماء البيولوجيا عدة صعوبات، فالملاحظة، تصطدم بدينامية الحياة وخاصة في مجال الفيزيولوجيا حيث يتم مراقبة العضو أثناء أدائه لوظيفته ؛
والتجريب بدوره يتعذَّر خاصة متى علمنا أن الكائن الحي كلٌّ متكامل، كلّ جزء فيه تابع للكل ولكلّ الأجزاء الأخرى . بينما لا تشكل المادة الجامدة أيَّ وحدة متعاضدة تحافظ على تماسكها . فهي ليست فردية بحيث لو وقع تدمير جزء منها، استحال تعويضه . فإذا كان بالإمكان تحليل الماء مثلا أو تفْتيتُ قطعة طباشير (مادة جامدة) وتفكيكها إلى أجزاء لامتناهية دون أن تفقد هذه المادة طبيعتها، فإنّ الأمر ليس كذلك مع العضوية الحية، وفي هذا المعنى يقول كوفيي ([6]) : « إنّ سائر أجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها. فهي لا تستطيع الحركة إلاّ بقدر ما تتحرك كلّها معا. والرغبة في فصل جزء من الكتلة معناها نقله إلى نظام الذوات الميِّتة ومعناها تبديل ماهيته تبديلا تاما » .
ويواجه علماء البيولوجيا صعوبة كبيرة في تعميم النتائج التي يصلون إليها عند تطبيقهم المنهج التجريبي .
ولعلَّ أكبر صعوبة واجهها البيولوجيون ومازالوا يواجهونها إلى يومنا هذا، هي صعوبة من طبيعة أخلاقية/ دينية يدلّ على ذلك، أن الكثير من علماء الدين ورجالاته، وفلاسفة الأخلاق يرفضون أن يكون الإنسان عينة للتجريب. ومازال الاستنساخ البشري يثير سخط هؤلاء العلماء والفلاسفة وعلماء الدين ورجالاته. وفي هذا الصدد يرى ((د. كاريتش))أنَّ مؤيدي هذا المشروع ينتهكون المعايير التي قامت عليها الحضارات الإنسانية بمختلف مشاربها، حيث يمثل استنساخ الإنسان تعدّياً صارخاً على كرامته، وينبغي النظر إليه على أنّه حرب عصابات يشنها ذلك العقل التقني العلماني، المتحلل من المسؤولية ضد الطبيعة البشرية . كما يُعدّ استنساخ الإنسان تمادياً تنظر إليه الأدبيات الدينية المعاصرة على أنّه تمرد على النظام الإلهي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى، وجعله ملائماً لتُخلق المخلوقات فيه وتتوالد . ويلفت ((د. كاريتش))– في سخرية – إلى أن أنصار الاستنساخ البشري ([7]) يحاولون عبثاً استخدام التقنية بغرض طرد الموت أو تأجيله إن تعذّر طرده، موضحاً أن الأديان – بالفعل- تؤكد على وجود الخلود،ولكن الوصول إليه يكون عبر الموت .
لقد وجد إذن، خصوم البيولوجيا في هذه الصعوبات والعقبات مبررات لمعارضة تطبيق المنهج التجريبي على الكائنات الحية .
2) إبطالها وتفنيدها:
ولكن، أليس من السذاجة اليوم التحدث عن تلك الصعوبات والعقبات الكلاسيكية التي لازمت البيولوجيا في حديث عهدها .
لقد أستطاع العلماء بفضل التطور التكنولوجي الهائل وتقدم تقنيات البحث العلمي وأساليبه، أن يستخدموا التجريب بشكل واسع في عالم البيولوجيا . فانتقلت علوم الأحياء بذلك من مرحلة الجمود والتحجر إلى مرحلة الدينامية والتطور . لقد أصبح من الممكن تطبيق المنهج التجريبي والالتزام بخطواته وذلك، نتيجة تحرّر العلماء من التصور الكلاسيكي لخطوات هذا المنهج التجريبي الذي كان يقتصر على المنظور الأكاديمي القائم على الصرامة والتقنين الدقيق إلى مفهومه العملي الذي يتصف بالمرونة التي تقتضيها طبيعة الكائن الحي .

3. حلّ المشكلة :
مما سبق نؤكد على مشروعية الدفاع عن هذه الأطروحة، بل يمكننا الجزم بصحتها، مادام التجريب على العضوية الحية واقعاً ملموساً وحقيقة موضوعية لا يمكن إنكارها .
طالع مقالات أخرى من كتاب الفلسفة لطلاب البكالوريا للأستاذ أوبليل .

[1] – لاشوليي (1832-1918) فيلسوف فرنسي اهتم بفلسفة العلوم . أهم مؤلفاته: أساس الاستقراء .

[2] – C. Bernard 1813-1878 ، عالم بيولوجي فرنسي كان له الفضل في وضع الأساليب الخاصة بالبحث العلمي في مجال البيولوجيا (علم الأحياء)، من مؤلفاته، مدخل لدراسة الطب التجريبي .

[3] – منقول عن كتاب الوجيز في الفلسفة، لصاحبه محمود يعقوبي ، ص 286 ، بتصرف .

[4] (Pscal , Blaise1623-1662) عالم طبيعي ورياضي وفيلسوف فرنسي وواحد من مؤسسي نظرية الاحتمال . مؤلفه الرئيس (الأفكار) نشر بعد وفاته عام 1669م .

[5] -(Pasteur, Louis 1822- 1895) عالم فرنسي، مؤسس علم الميكروبات العلمي . من أهم مكتشفاته (الطبيعة الجرثومية لمرض الجمرة الخبيثة، وإعداد المصل المضاد لها وكذا، المصل المضاد للكلَب .

[6]– جوج كوفيي (Cuvier 1769-1832) عالم فرنسي اهتم بدراسة المستحاثات الحيوانية والنباتية ، أسس علم التشريح المقارن.

[7] – يعود تاريخ بدء عمليات الاستنساخ إلى خمسينيات القرن الماضي حيث تم استنساخ أول كائن حي وهي صغار الضفادع . أما أول حيوان لبون تم استنساخه فهي النعجة الشهيرة دولي و التي أحدثت ثورة في عالم الاستنساخ و تم ذلك بأخذ خلية من ثدي نعجة وجمعها ببويضة منزوعة النواة من نعجة أخرى و كان الناتج هي دولي التي هي نسخة طبق الأصل عن النعجة الأولى .




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.