معلم ذكي
قال المعلم: حين كلفت بتدريس مادة اللغة العربية للصف الرابع الابتدائي طلبت من كل تلميذ أن يقرأ، حتى أعرف مستواهم، فلما وصل الدور إلى أحد التلاميذ ، قلت له اقرأ.. قال الجميع بصوت واحد: ما يعرف يا أستاذ؛ فآلمني الكلام، وأوجعني منظر الطفل البريء الذي احمر وجهه، وأخذ العرق يتصبب منه.
دق الجرس وخرج التلاميذ للفسحة، وبقيتُ مع هذا الطفل الذي آلمني وضعه، وتكلمت معه لعلي أساعده، فاتضح لي أنه غير واثق من قدراته لأنه يرى أن جميع التلاميذ أحسن منه،واستنتجت أن إحباطه يرجع حتماً إلى موقف محرج عرض له من معلم، أو زميل سخر من إجابته، أو قراءته، شعر بعدها بهوان النفس، وأخذت المواقف المحرجة تتراكم عليه في كل حصة من المعلمين والزملاء، عندها فكرت جدياً في انتشال هذا الطفل مما هو فيه.
بدأتُ معه خطتي، بأن أجلستُه أمامي، وقررت أن أعطيَ هذا التلميذ تميزاً لا يوجد إلا فيه وحده، لتعود له ثقته بنفسه، كتبت له جملة صعبة النطق، ووضعت عليها الحركات، وأفهمته معاني كلماتها، حتى يتخيلها فيسهل عليه حفظها، وقلت له: احفظ هذه الجملة سرًّا بسرعة، ولا يطَّلع عليها أحد من أسرتك، ولا من زملائك.
وفي أحد الأيام، قلت للتلاميذ: عندي قصة، يحكى أن جماعة يقال لهم (القراقبة)، كانوا يحتفلون بعيد الأضحى، ويذبحون فيه البقر، وكان عند (علي القرقبي) أكبر وأسمن بقرة في القرية كلها، والكل يتمنون متى يأتي العيد، وتذبح هذه البقرة، ليشربوا من مرقها، ويأكلوا من لحمها.وكان القراقبة إذا ذبحوا الأضاحي يطبخون رقابها، ويضعون المرق في أوانٍ، تجمع في مكان، فدخل الشباب وأخذوا يتذوّقون المرق من كلّ إناء، فصاح أحدهم مفتخراً بذكائه: أنا عرفت مرقةَ رقبةِ بقرةِ علي القُرقًبي من بين مراقٍ رقابِ أبقارالقراقبةِ.
وبعد هذه العبارة قلت لتلاميذي: من الذّكي الذي يعيد هذه العبارة ؟
فتفاجأوا جميعاً، وطلبوا مني إعادتها، فأعدتها لهم، وحاول رائد الصف، والذين يشعرون في أنفسهم بالتميز، فلم يستطيعوا إعادة حتى ثلاث كلمات منها، فقلت لهم: هذه لا يستطيع أن يقولها إلا ذكي فهم معناها، أين الذّكي فيكم؟ وأنا أنظر إلى هذا التلميذ، وهو يخفض يده؛ لأنه يخشى الإخفاق، فأين هو من هؤلاء الذين أخفقوا؟
لكنني طلبت من هذا الصبي أن يقول الجملة فقالها وهو جالس على كرسيه؛ فصفقت له، وإذا بي أنا الوحيد المصفق، وكأن التلاميذ لم يصدقوني، لأنه قالها بصوت خافت، فطلبت منه إعادتها مرة ثانية، ولكن أمرته بالوقوف في مكانه، مع رفع الصوت، وابتسمت في وجهه، وقلت له: أنت البطل، أنت الأذكى، فقام وأعاد الجملة، ورفع صوته والجميع منصتون، ويستمعون في ذهول ، فصفقت له أنا ومن حوله من التلاميذ، وقال الآخرون: قالها يا أستاذ! قلت نعم، لأنه ذكي.
دق جرس انتهاء الحصة، وجاء وقت النزول إلى فناء المدرسة للفسحة، فلم يخرج التلاميذ من الصف إلا بهذا الطالب معهم، وأخذوا ينادونه باسمه، وكوّنوا كوكبة تمشي وهو يمشي بينهم كأنه لاعب كرة يحمل الكأس، والفريق من حوله، لقد صار الكلّ أصدقاءه بعد أن كان بدون صديق.
وهكذا استعاد ثقته في نفسه وصار يحقق النجاح تلو النجاح، بل وحقق ما لم يكن متوقعاً أبداً حيث حفظ القرآن الكريم كاملاً، والتحق بالجامعة وتخرج من قسم الرياضيات فيها بامتياز مع مرتبة الشرف، وصار معلما في أعرق جامعة في البلاد.
عن الدكتور محمد بن أحمد الرشيد بتصرف
جزاك الله خيرا يا أم كلثوم وجعله في ميزان حسناتك إن شاء الله
[color="rgb(65, 105, 225)"]شكرا جزيلا على كل المجهودات ودمت ذخرا للبلاد وللمنتدى[/color]
شكرااااااا أم كلثوم على المجهود
شكر جزيلا يا أختي الفاضلة أم كلثوم