التصنيفات
القرآن الكريم و السنّة النبويّة الشريفة

. كـــــ،يــــــــ،،ــف تســــــ،تقبـــــــــ،ـــل رمــــــ،ضـــ،ــــانـ ؟ .

….. كـــــ،يــــــــ،،ــف تســــــ،تقبـــــــــ،ـــل رمــــــ،ضـــ،ــــانـ ؟ …..


الونشريس


الونشريس
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ،
ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
استقبال شهر رمضان
الونشريس

إن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، خلق الإنسان، وخلق الملائكة، وخلق الليل والنهار، وهو كما قال عز وجل:

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68].
.
فاختار الله تبارك وتعالى من فضَّله على غيره من مخلوقاته.
.
فاختار محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضَّله على سائر البشر، وفضَّل بعض النبيين على بعض.
.
واختار هذا البلد الحرام مكة وفضلها على جميع الأرض.
.
واختار جبريل عليه السلام وفضَّله على الملائكة.
.
واختار أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضلهم على جميع الأمة.
.
واختار من الأزمان كما اختار من الأمكنة، فاختار هذا الشهر العظيم -شهر رمضان- وفضله على سائر الأيام والشهور.
.
واختار -أيضاً- من هذا الشهر العشر الأواخر.
.
واختار من العشر ليلة القدر، فليس في ليالي السنة ليلةٌ هي أفضل من ليلة القدر، وليس هناك من ليالٍ هي أفضل من الليالي العشر.
.
وأما الأيام؛ فإن أفضل أيام العام أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة، فتلك أفضل الليالي وهذه أفضل الأيام، كما رجح ذلك بعض العلماء، ومنهم شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله- جمعاً بين الأقوال في التفضيل.
.
وذلك أن لهذه الليالي من ليالي رمضان فضل عظيم اختصت به من حيث العبادات، كما أن أيام الحج امتازت عن سائر الأيام بكثير من العبادات {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68].
.
والله تبارك وتعالى جعل الليل والنهار يتعاقبان كما قال: {خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}[الفرقان:62] فالإنسان يتبلد إحساسه ويغفل، إذا كان على حالة واحدة، فإذا تغيرت الحالة بحالة أخرى، كان ذلك أدعى إلى أن يفكر ويستيقظ وينتبه!!
.
وجعل الله تبارك وتعالى فصلاً للحر، وفصلاً للبرد، وبين ذلك فصلان؛ لكي يتذكر الإنسان. قال تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} [الفرقان:62] فهذه ذكرى حاضرة، ثم قال: {أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] أي: أن يشكر الله تبارك وتعالى، والشكر يشمل جميع العبادات والطاعات.
.
والإنسان لو تأمل في أمر واحد من هذه الأمور لكفى، فلو أن الخلق تأملوا في طلوع الشمس وفي غروبها، وفي إدبار الليل وإقبال النهار، لكفاهم ذلك، ولكانت ذكرى وأيما ذكرى.
.
لكن القلوب إذا تعودت شيئاً غفلت عنه ونسيته، فقليل من الناس من يُفكر ويعتبر بمرور الليل والنهار؛ لماذا؟! لأنه أمر متكرر، ولكن أولياء الله وعباد الرحمن، ومن كان قلبه معلقاً بالدار الآخرة لا تزيدهم إلا عبرة وعظة، فتتجدد لهم العبر والعظات بتجدد الليالي والأيام.
.
فما هذه الأيام والليالي إلا رواحل، تنقلنا من دار إلى دار، وتقربنا من دار هي الدار الآخرة، وتباعدنا عن هذه الدار الدنيا، لكن من الذي يستشعر ذلك؟! وكما قال بعض السلف : الأيام والليالي خزائن، فضع في خزينتك ما شئت، فسوف تلقاه.
.
فإن وضعت ذهباً وفضة، وجدت النهاية هناك ذهباً وفضة، وإن وضعت تراباً أو فحماً أو حصىً، وكذلك فإن الخزائن هناك إذا فتحت تجد فيها ما وضعت، فهذه الليالي والأيام هي بهذه المثابة.
.
.
وإن الله تبارك وتعالى قد فضَّل هذا الشهر على سائر الشهور، وكان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهم أكثر الأمة اجتهاداً وعبادةً واعتباراً واتعاظاً- يقدرون لهذا الشهر قدره؛ تأسياً واقتداءً بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذا الشهر هو شهر الصبر وشهر التقوى وشهر الكرم والجود، وإن ديننا هذا يقوم على أمرين: على الصبر وعلى الشكر، وأساس ذلك اليقين، لهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[الصبر شطر الإيمان، واليقين الإيمان كله ]].
.
رمضان شهر الصبر والجهاد
نعم! إنه شهر الصبر؛ لأنه يصبر الإنسان على الطاعة، ويصبر عن المعاصي، فإنه قد يفتن في نفسه وفي شهوته وفي جوارحه؛ فيكف ما كان يستمتع به، كما أمر الله تبارك وتعالى وكما شرع، إلى أن يأذن الله بأن يستمتع ويأكل.
.
وهو -أيضاً- شهر الجهاد: والجهاد من الصبر، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا في هذا الشهر غزوتين، هما أعظم الغزوات جميعاً: الأولى غزوة بدر؛ فإن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج من المدينة في الثاني عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، وهو أول رمضان صامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي اليوم (17) منه كان يوم الفرقان، وكانت معركة بدر الكبرى التي خلدها الله تبارك وتعالى في القرآن، ورفع أصحابها على سائر الأمة.
.
وأما الغزوة الأخرى: فهي فتح مكة المشرفة، هذا البلد الحرام الأمين.. فتحها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وكانوا في شدة الحر، لهذا أمرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإفطار شفقة عليهم.
.
.
رمضان شهر التقوى
وهو كذلك شهر التقوى؛ فالله تبارك وتعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183].
فالتقوى هي غاية كل عبادة، كما في الحديث الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم }.
.
فالعبرة في العبادات كلها بالتقوى، وليس مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، أو بمجرد الانحناء في الركوع والسجود، أو بمجرد أن يذبح الإنسان أو يحجَّ أو يتصدق كما في قوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37]، فالأساس هو التقوى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21].
.
ومن هنا كان اهتمام السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم باستقبال هذا الشهر، وبمعرفة ما يصلح قلوبهم فيه أعظم الاهتمام.
.
ولو أننا قارنا بين حالنا وحالهم لرأينا العجب العجاب والبون الكبير!!
.
اعلموا أن كل إنسان منا هو في الحقيقة تاجر، وبضاعتك هي عملك الذي تقدمه كل يوم، وسوف تعرف الربح والخسارة إذا نُصبت الموازين يوم القيامة، فهنالك يظهر الرابحون الفائزون، ويظهر الخائبون الخاسرون.
.
وبما أن كل إنسان منا تاجر؛ إذاً فكيف نتاجر مع الله؟!
.
أقول: إن الله تبارك وتعالى قد جعل لنا -نحن التجار- مواسم للتجارة، وكل أيام العام فيها تجارة؛ لكن هناك مواسم زمانية -كشهر رمضان- تضاعف فيها الأرباح، وتكون التجارة فيها أعظم منها فيما سواها.
.
وكذلك جعل مواسم مكانية لهذه التجارة، فهناك أمكنة للتجارة أرباحها مضاعفة أضعافاً كثيرة عن غيرها من الأمكنة؛ فالبلد الحرام الطاعة فيه مضاعفة.
.
فمثلاً: الصلاة في المسجد الحرام ليست كالصلاة فيما سواه لشرف المكان.
.
وأيضاً: فإن شرف الزمان -كما هو الحال- في شهر رمضان له أثره في أن تكون الطاعة أكثر أجراً وأكثر قبولاً، فجعل الله تعالى هذا الشهر موسماً لذلك؛ ولهذا لما علم الجيل الأول بذلك، ظهر هذا في أعمالهم وفي حياتهم، فقد ورد أن الصحابة الكرام كانوا يدعون الله تبارك وتعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان؛ فإذا صاموه دعوا الله تبارك وتعالى ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان.
.
فالحول كله تفكير في رمضان واهتمام بشأنه، إما استقبالاً له، وإما رجاءً أن يُتَقَبَّلْ؛ لأنه أشرف ما في العام، فكان الصحابة الكرام يتاجرون طوال العام بالذكر، وبالجهاد، وبقراءة القرآن، وبالصدقة، وبالتفكر في ملكوت السموات والأرض؛ لكن! إذا جاء هذا الشهر؛ ضاعفوا ذلك وغيَّروا طريقة حياتهم، واستقبلوه استقبال البصير العالم بقيمته وأهميته.
.
.
كان العلماء من السلف وهم الذين أناروا للأمة طريقها بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وببيان الأحكام، وهم الذين قاموا مقام الأنبياء، وورثوا ميراث النبوة، { وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم }.
فهؤلاء العلماء كانوا إذا جاء شهر رمضان، يتركون العلم، ويتفرغون لقراءة القرآن، حتى قال بعضهم: [[إنما هما شيئان: القرآن والصدقة ]].
.
وكان الإمام الزهري رحمه الله تعالى كذلك.
.
وكذلك كان الإمام مالك ، وهو ممن تعلمون منـزلته وقيمته واهتمامه بحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه له، حتى إنه كان لا يحدثهم إلا وهو على وضوء ويبكي ويتخشع، وكان يقدِّر ويُجل حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ومع ذلك كان إذا دخل رمضان، لم يشتغل بالحديث بل يترك الحديث ويقبل على القرآن.
.
وكذلك كان سفيان الثوري رضي الله عنه، وغيرهم من السلف كثير، ممن كانوا ينظرون إلى أن هذا هو موسم الخير تترك فيه الأعمال الفاضلة إلى ما هو أفضل منها، فهذا حالهم وهذا شأنهم.
.
.
لكن كيف يستقبل المسلمون اليوم شهر رمضان؟!
لنكن صرحاء ولنبدأ بأنفسنا، وكيف نستقبل شهر رمضان؟!
.
إن الأمة الإسلامية بأفرادها من: (تجار – موظفين – عمال – أصحاب شهوات – أخيار) يستقبلون هذا الشهر..
.
فكيف يستقبل التجار هذا الشهر؟!
التجار في رمضان
ونقصد بذلك: التجار الذين يتاجرون بالدرهم والدينار، لا بالأعمال؛ كيف يستقبلون شهر رمضان؟!
.
هل يقولون: قد جاء شهر الخير والبركة، فلنتصدق ولنؤد الزكاة، ولنحذر من الحرام، ومن الغش، ومن الربا؛ لأننا في شهر عظيم، وإذا صمنا دعونا الله تبارك وتعالى، ونحن نأكل الحرام من أي مصدر كان! فيكون حالنا كحال ذلك الرجل الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له؟! }.
.
وأعجب من ذلك أن بعض التجار ينتهزها فرصة؛ لزحمة الناس ولكثرتهم ولإقبالهم على المطعوم والمشروب وسائر الكماليات؛ فينتهزها فرصة للغش في شهر رمضان، وقد يأتي الغش بألوان متعددة.
.
فمن الغش: التخفيضات الكاذبة.
.
ومن الغش أيضاً: إخراج البضاعة التي تقادم عهدها وانقضى أوانها، فيقول: هذا رمضان والناس تشتري ولا ترى!! اخرجوا كل ما في المستودعات وبيعوا منها!!
.
فيكون موسماً للغش، وموسماً للتجارة الخاسرة في الدنيا والآخرة.
.
.
أصحاب الشهوات والعصاة في رمضان
وأما الشهوات فماذا نقول عنها؟
فما من شهر تتوالى النذر فيه عن قلة الطعام والشراب أو احتمالها كشهر رمضان؛ ولهذا يسعى الناس بطمع وشره ليكون المخزون كافياً في شهر الصوم! وكل منا يشفق ألا يجد في رمضان ما يكفيه من بعض المؤن.
.
ولهذا نستعد من أول شعبان أو في آخره، لنجمع أكبر ما نستطيع أن نتزود به لرمضان، حتى إن البيت الواحد قد يشتري ما يكفي لثلاثة بيوت؛ لماذا؟!
.
لأنه شهر تعارفنا أنه ربما نقصت فيه المؤن، مع أن المخزون كافٍ والأمر متيسر، وكل البضائع من ضروريات وكماليات متوافرة في شهر رمضان، وكأننا مقبلون على شهر مأمورون فيه أن نعبَّ من الشهوات عباً، وأن نملأ البطون كل ساعة وكل حين.
.
وليس هو شهر الصيام الذي كان يستقبله الصحابة الكرام بالفرح، حتى إن الفقراء وأصحاب الحاجة كانوا يُسَرُّون في رمضان؛ لأنهم يجدون أنهم هم والأغنياء سواء.
.
أما الآن فالفقير يزداد حسرة على حسرة؛ لأنه ينفق في غير شهر رمضان (1000) ريال، فيضطر أن يستدين في رمضان، ويقول للتجار: (أقرضوني! جاء رمضان وليس عندي شيء) لأنه سينفق بدلاً من الألف ألفين أو ثلاثة، وإلا ذهب هو والعيال في حسرة مما يرى الناس يتفننون فيه بأنواع الأطعمة، وهو على التمر والخبز كأنه في الفطر! فهذا واقعنا.
.
وأشنع من ذلك وأشد أصحاب الشهوات المحرمة!!
.
فرمضان عند أصحاب الشهوات المحرمة فرصة وموسم كبير، يستعدون له قبل رمضان بأشهر؛ فأصحاب السهرات يفكرون أين تكون الجلسات والسهرات في رمضان؟!
.
وأصحاب الإجازات يقولون: نأخذ الإجازة في رمضان ونغادر إلى خارج البلاد؛ لنلعب بالشهوات كما نشاء.
.
وأما وسائل الإعلام -ولأننا نريد الشهوات، ولأن فيها من يريد أن نتبع الشهوات- فيُستقبل هذا الشهر عندهم بأخبث المسلسلات والتمثيليات وأطول السهرات، وكذلك في الصحافة.. فأينما ذهبت تجد الكل -إلا ما رحم ربك- لا يشتد إلا إلى الشهوة الحرام وإن لم يكن إلى ذلك؛ فهو إلى الشبع وإلى النوم والكسل!!
.
فيتعاون علينا شياطين الجن وشياطين الإنس ليضيعوا منا هذا الموسم العظيم، إلا ما رحم ربك وقليل ما هم.
.
.
متى نستقبل هذا الشهر العظيم كما استقبله أولئك الجيل الذين اصطفاهم الله تبارك وتعالى على جميع الأمم؟!
لا بد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال وأن نعد الإجابة؛ فإن كنا حقاً نريد أن نغتنم أوقات الخير وفرصه ومواسمه، وأن نتاجر مع الله تجارة رابحة فلنعمل كما عملوا والطريق أمامنا ميسر، ولله الحمد.
.
.
الاستعداد بالإيمان
فلنستعد لشهر رمضان بإيمان صادق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد تقولون: نستعد بالإيمان! أولسنا مؤمنين؟!
.
نحن مؤمنون -إن شاء الله- ولكن الله يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}[النساء:136] فنؤمن بالله، أي: نجدد هذا الإيمان في قلوبنا، ونجدد توحيدنا، وننقي قلوبنا من الشوائب كالرياء والنفاق.
.
فأول ما نفتش عنه ليس البطن وماذا نعد له؛ وإنما القلب وماذا نعد له؛ وكيف يكون هذا القلب في هذا الشهر العظيم.
.
.
الاستعداد للصوم الحقيقي بترك المحرمات والمنكرات
فالصيام الذي هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كل المسلمين يشتركون فيه، لكن الصيام الحقيقي الذي يجب أن نعد أنفسنا له، ونوطن قلوبنا عليه: هو أن نطهر قلوبنا وأن نزكيها وأن تكون هذه القلوب بعيدة عما حرم الله تبارك وتعالى؛ فإذا كان الشرك والرياء والنفاق وما أشبهها كبائر ومصائب في الفطر، في شعبان أو رجب؛ فهي في رمضان أعظم، وأعظم!
فلنستقبل هذا الموسم بقلوب خالية من ذلك، وإذا كان الغش والغل والحقد والحسد للمسلمين والشحناء والبغضاء والعداوات بين الإخوان والأرحام والزملاء والجيران حراماً في سائر العام وهي كذلك؛ فهي في رمضان أشد حرمة.
.
فيجب أن ننتهز هذه الفرصة لنترك هذه المحرمات التي تشغل قلوبنا وتأكل حسناتنا؛ فإذا كان النظر إلى المرأة الأجنبية محرماً في سائر العام، فكيف يستحله الصائم في الليل أو في النهار؟
.
وإذا كان قبيحاً أن تجعل موسم الطاعة كغيره في الطاعة، فكيف إذا جعلنا موسم الطاعة موسماً للمعصية؟! إن ذلك لأقبح القبح!!
.
فإذا لم يصم القلب عن الشهوات المحرمة، ولم تصم الأذن عن سماع الحرام، وأكثر المسلمين لا تصوم آذانهم لا في رمضان ولا في غيره، وكيف تصوم الأذن ومزمار الشيطان: (المعازف والموسيقى) لا يكاد يخلو منها بيت، ولا سيارة؟! وهل صامت عيوننا؟! وكيف تصوم، والإنسان لا يكاد يفطر إلا ويمتد بصره إلى تلك المناظر المحرمة؟! بل ولربما امتدت السهرات إلى وقت السحر أو طلوع الفجر!! ثم بعد ذلك يكون الموت ويكون الخذلان!!
.
كيف يكون حال أسواقنا في هذا الشهر العظيم؟
إنما تعمر بما لا تعمر به في سائر الأيام، ويا ليت أنها تعمر -فقط- بالبيع والشراء! ولكن بالمعاصي والتبرج والسفور والاختلاط المحرم، وبالغش والنجش وبما لا يرضاه الله تبارك وتعالى، حتى إن الإنسان إذا رأى هذه المناظر، لا يصدق أنه في رمضان وأنه في أمة الإسلام!!
.
ولو كنا نستقبل هذا الشهر استقبال المؤمنين الأوابين، لكان أول ما يخف ويقل حتى يكاد يتلاشى هو الأسواق، فاللائق أن يقل إقبال الناس حتى على شراء المباحات، لماذا؟
.
لانصرافهم إلى اغتنام هذه الأوقات للعبادة، ولكن ليالي رمضان تشهد من الحركة ما لا يشهده سائر العام!!
.
أولاً: لا نجد الصبر ولا نجد التقوى كما ينبغي لنا وكما أمرنا الله تبارك وتعالى، وإن شئتم أن تروا دليلاً واضحاً أن هذه الأمة لا تقدر رمضان حق قدره، وأنه يجب علينا أن نأخذ بأنفسنا وبإخواننا المسلمين إلى طريق الخير ونذكرهم بذلك، فانظروا إلى حالنا قبل رمضان وإلى حالنا بعد رمضان، وإن شئتم أن أحدد، فانظروا إلى حال هذه الأمة أيام العيد؛ فإن علامة قبول الطاعة الاستمرار فيها، وعلامة ردها أن تعقب بمعصية.
ثانياً: لو كنا نستعد لرمضان ونستقبله استقبال المؤمنين الأوابين، لظهر أثر ذلك فينا في رمضان؛ ولو كنا نصوم رمضان كما يجب أن يكون؛ لظهر أثر ذلك فينا فيما بعد رمضان، ولكن لا هذا ولا ذاك، فيأتي العيد فكأنما كان رمضان عقالاً ففك، فلننطلق ولنفعل ما نشاء!!
.
والذين كانوا في ليالي رمضان يفرحون ويمرحون في الأسواق، ويتركون زوجاتهم وبناتهم يتبرجن فيها ويغفلون، يزدادون أيام العيد، وأعجب من ذلك أن الذين كانوا يقرءُون القرآن ويصلون التراويح، تجدهم في أيام العيد مشاركين لأولئك، وكأنهم منهم، وحالهم كحالهم.
.
والغريب من الناس: من تراه في أيام العيد محافظاً على ما أمر الله، ومتمسكاً بالمقدار نفسه من التقوى، أو بقريب منه كما كان حاله في رمضان، فأين أثر القرآن؟! وأين أثر التراويح والقيام؟! وأين أثر الصيام؟! إنه أثر قليل، وربما كان معدوماً.
.
إذاً يجب أن نعلم أننا ما دمنا كذلك؛ فإن واقعنا هذا لن يتغير أبداًَ، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد:11]، فالمسلمون اليوم أذل أمم الدنيا جميعاً؛ وفي الفقر هم أفقر شعوب العالم، ولهم حظ وافر من المرض والجهل ومن كل مصيبة؛ مع أن القرآن والسنة بين أيديهم، ومواسم الخير تمر عليهم وتأتيهم، لماذا؟!
.
لأنهم لم يغيروا ما بأنفسهم؛ فلو صاموا حق الصيام لتغيرت حياتهم.. لو حجوا حق الحج لتغيرت حياتهم، ولتبدل هذا الذل عزاً ونصراً؛ ولأَعقَبَ هذا الخذلان توفيقاً وسداداً؛ ولانتقلنا من هذا الهوان والجوع والفقر والمرض، إلى العزة والعافية والقوة والتمكين؛ كما كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فالصوم الذي هو الإمساك عن الطعام والشراب هو هو، لم يتغير في الجيل الأول ولا في هذا الجيل، لكن أين القلوب من القلوب؟! وأين الأعمال من الأعمال؟! وأين الصيام من الصيام؟!!
.
.
لم لا نفتش هذه القلوب؟!
فنحن ما نزال في فسحة، ولم يدخل الشهر بعد، وأمامنا الفرصة.
.
ولم لا نفتش أموالنا: أهي من حلالٍ أم من حرام؟! ونفتش أسماعنا: أتسمع الحلال أم الحرام؟! ونفتش أبصارنا: أترى الحلال أم الحرام؟! ونفتش أيدينا وأرجلنا..؛ نفتش علاقاتنا: كيف علاقتنا مع أهلينا وزوجاتنا؟! كيف علاقتنا مع آبائنا وأمهاتنا؟! كيف علاقتنا مع جيراننا، ومع أرحامنا، ومع من ولانا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم من موظف أو عامل أو طالب منهم تحت أيدينا؟
.
هل هي كما يرضي الله عز وجل؟!
.
أين التقوى والصبر إن كنا – كما هو حال كثير من المسلمين- إذا جاء نهار رمضان امتنع عن التدخين، فإذا أذن المؤذن ربما بدأ بعضهم بالتدخين قبل التمر أو الماء!
.
الصبر وحلاوة الإيمان
أين الصبر وأنت تضيع موسم الصبر؟
.
فلو صبرت عن هذه المعصية الحقيرة؛ لكان لك في هذا الموسم عبرة وعظة، ولانتصرت على أمور أكبر!!
.
أين الذي يقول: كنت أرى هذه التمثيليات أو المسلسلات وأرى فيها النساء في غير رمضان؛ أما الآن وقد أطل رمضان فلن أرى في رمضان وفيما بعده شيئاً من ذلك أبداً؟
.
نعم! هذه عزيمة تحتاج إلى صبر، وليست مما يفوت على الإنسان شيئاً، وما الذي يفوتك إن فعلت ذلك؟! فماذا علينا لو آمنا بالله؟! وماذا علينا لو كففنا أعيننا وجوارحنا عما حرم الله؟!
.
بل إن هذا من الفوز بالدنيا والآخرة {النظرة سهم من سهام إبليس من تركها خوفاً من الله آتاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه } كما جاء في الحديث.
.
فإذا غض الإنسان بصره عن الحرام إيماناً ويقيناً بأن هذا حرام، وامتثالاً لأمر الله القائل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] { آتاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه } وليس في هذه الدنيا قط حلاوة أعظم من حلاوة الإيمان؛ فهي التي إذا ذاقها الإنسان وطعمها ينسى حلاوة كل شيء، فقد ذاق الصحابة الكرام حلاوة الإيمان؛ فرأينا منهم العجب العجاب!
.
أراد صهيب أن يهاجر وجاء أهل مكة ليمنعوه، فتحرك قلبه بالإيمان وتعلق بـالمدينة ، وتعلق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشرى نفسه منهم بماله كله في مكة ، ولسان حاله يقول: خذوا كل ما أملك ودعوني بهذا الجسد الذي لا شيء عليه؛ لأذهب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
.
وكذلك سلمان رضي الله عنه الذي أخذ يسأل الأحبار والرهبان، يريد أن يعرف من هو نبي آخر الزمان، حتى رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمن به وصدقه، فكل لذات الدنيا ونعيمها لا يساوي أن تذوق طعم ولذة الإيمان!
.
والصحابي الذي كان يقرأ القرآن فذاق من طعم القرآن ومن حلاوة الإيمان ما شغله عن السهام وهي تخترق جسمه سهماً بعد سهم، وهو واقف منتصب لم يكفَّ عن قراءة القرآن؛ وكل إنسان يمكنه أن يجد من مطعومات الدنيا ومشروباتها ما يشاء، لكن طعم الإيمان فضل يختص الله به من يشاء.
.
.
التغيير ومحاربة الفساد
لا بد أن نكف أعيننا عن مشاهدة هذه المناظر الخبيثة السافلة الهابطة، التي لو أن هناك أمة من الأمم الجادة العاقلة حتى من لا دين لها؛ فلن ترضى أن ينغمس شبابها فيها؛ فكيف بأمة القرآن وأمة الإيمان وأتباع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
الأمة التي قال الله عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110].
.
فواجب هذه الأمة أن تحارب الفساد والانحلال في أمريكا ، وفي روسيا ، في الشرق وفي الغرب؛ فكيف تعرضها وترضى بها وتراها وتسمعها؟!
.
حتى إن الشاب الغريب الْمُسْتَنْكِر الذي لا يراها!! يُلمز ويقال عنه: (عجيب! ماذا لديه؟) (هذا عجيب! لقد تاب) ويستنكر منه -أيضاً- حتى في أوقات الخير وفي مواطنها!!
.
فنحن إذاً لسنا أهلاً لأن نتاجر مع الله -في مواسم الخير هذه- ونحن على هذه الحال!
.
.
هذه أيام تمضي شاهدة لنا أو علينا، والحجة قائمة، وإن كانت في أي مكان قائمة؛ فهي في هذه البلاد أكثر قياماً، ونحن إن شئنا الحق فهو موجود.
والمسلمون في بعض البلاد يريدون أن يقوموا بما يفرض عليهم، فيفرض عليهم ألَّا يفعلوا، فيريدون -مثلاً- أن يقرءوا القرآن، أو فعل أي عمل آخر ويفرض عليهم ألَّا يعملوا.
.
وأيضاً: كيف يقومون بذلك وهم لا يجدون العلم الصحيح.. ولا يجدون الدعوة الصحيحة؟
.
وأما نحن فمن فضل الله علينا أن العلم -عندنا- والوقت والمال والأمن كله موجود، وكل ما يوفر لنا العبادة متيسر وموجود، وحلقات الذكر موجودة، وتعليم القرآن متيسر، وإن كان في بعضها شيئاً من المشقة.
.
وكما أننا في مواسم الدنيا قد نسهر ولا ننام فلنكن كذلك في مواسم الخير؛ فالحجة قائمة، والعلم بين أيدينا ظاهر، فما من حرام حرمه الله ورسوله ونرتكبه إلا ونحن نعلم أنه حرام، لهذا نخشى العقوبة؛ لأنه لا حجة لنا عند الله ولا عذر لنا بين يدي الله، فإننا نسمع العلماء في الإذاعة وفي الأشرطة المسجلة، وإن شئنا اتصلنا بهم بالهاتف ليفتونا ويعطونا الأدلة.
.
فأين نحن من العمل؟!
إذاً فهذا محك واختبار، فلنختبر أنفسنا -قبل أن يأتي هذا الشهر- ولنعدها، فالفرق بين المؤمنين والمنافقين: أن المؤمنين يعدون العدة وقد لا يبلغون ما يريدون، أما المنافقون فإنهم لا يعدون العدة؛ ولهذا قال الله تعالى عنهم: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}[التوبة:46] فالمنافقون لو كانوا -حقاً- يريدون الخروج، لأعدوا له العدة؛ ولذلك فإن نفاقهم يظهر في عدم إعدادهم للعدة.
.
ونحن إذا أعددنا العدة بأن نطيع الله في هذا الشهر، وأن نتقي الله فيه، وأن نبعد أنفسنا عن كل ما حرم الله، ونجعله فرصة لنطيع الله طوال العام وإلى أن نلقى الله..؛ فإذا عزمنا على ذلك؛ وفقنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وكان هذا من صدق الإيمان ومن صدق الاستقبال لهذا الشهر الكريم؛ وإذا أخلفنا ولم نُعِدَّ العدة؛ فمهما منَّينا أنفسنا؛ فإننا لن نحقق إلا الخسارة، ولا خسارة أكبر من أن يخسر الإنسان نفسه ووقته ويجوع ويعطش، وغاية ما فيه أنه أجزأه هذا الصوم.
.
مع أن بعض الناس قد لا يجزئه صومه إذا ارتكب ما يفسد إيمانه، كالشرك بالله، وكالنفاق الكلي؛ فهذا يفسد الإيمان كله ويحبطه كله، لكنَّ ما يُنغص الصيام من المعاصي والشهوات، وتعلق القلب بالمحرمات، إن لم يحبط الأجر كله؛ فإن أعلى ما يحصل عليه صاحبها؛ أن يسقط عنه فريضة الصوم، فإذا نظرت بعد ذلك إلى الذي عمل واجتهد، فادَّخر عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعظم الذخر، فأعتق من النار، ورُفِعَتْ درجته عند الله؛ علمت أنك في خسارة وغبن وتفريط! وهي أيامٌ وليالٍ مرت بك وبه، ولكن شتان بين حالك وحاله!!
.
وأكرر النصح والوصية لي ولكم؛ بأن نتقي الله تعالى في رمضان وفي غير رمضان، وأن نعد العدة في استقبال هذا الشهر العظيم بإيمان صادق، وإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعمل صالح، وتجارة رابحة مع الله تبارك وتعالى، وأن نكف أنفسنا عمَّا حرم الله، وأن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، وأن نكون رسل خير وهداية.. مذكرين واعظين لإخواننا المسلمين بما قد لا يعرفونه عن حرمة هذا الشهر وعن فضله وخيره.
.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم وأن يتوب علينا وعليكم.

الونشريس

.
.
فضيلة الشيخ د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي

الونشريس

الونشريس


الونشريس
الونشريس الونشريس
الونشريس




رد: ….. كـــــ،يــــــــ،،ــف تســــــ،تقبـــــــــ،ـــل رمــــــ،ضـــ،ــــانـ ؟ ..

شكرا جزيلا خويا أمين بورك فيك و جزاك الله خيرا




رد: ….. كـــــ،يــــــــ،،ــف تســــــ،تقبـــــــــ،ـــل رمــــــ،ضـــ،ــــانـ ؟ ..

الله يخليك وردة
هذا واجبنا نحو الله عز و جل
و بمناسبة دخول شهر رمضان الكريم




رد: ….. كـــــ،يــــــــ،،ــف تســــــ،تقبـــــــــ،ـــل رمــــــ،ضـــ،ــــانـ ؟ ..

بارك الله فيك اخي




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.