التصنيفات
أماكن خالدة

كربلاء مروية بدماء زكية

كربلاء مروية بدماء زكية


الونشريس

جاءوا برأسك يابن بنت محمـد *** متـزمِّـلاً بدمـائه تزميــلا
ويكبِّـرون بـأن قتلـت وإنما *** قتلوا بـك التكبيـر والتهليـلا مرحبًا يا عـراق جئت أغنيك *** وبعضٌ من الغنـاء بكـاء
فجراح الحسين بعض جراحي *** وبصدري من الأسى كربلاء في اليوم العاشر من المحرم وبعد أن صلى الإمام الحسين( عليه السلام ) بأصحابه صلاة الصبح، قام خطيبا فيهم وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله تعالى أذن في قتلكم و قتلي في هذا اليوم،فعليكم بالصبر و القتال.

ثم دارت أقصر معركة في تاريخ الإسلام و أعظمها على الإطلاق، معركة لم تستمر اكثر من نصف نهار، لكنها بقيت محفورة في ذاكرة الزمان، واستمر تأثيرها ولا يزال، معركة يتطلع المؤمنون والثوار والشرفاء في كل مكان أن يكونوا قد حضروها، ويرددون دائما: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما.

ولما زحف جيش بن زياد بقيادة عمر بن سعد زحف على الخيام، ورأى الحسين( عليه السلام ) جموع الأعداء كأنهم السيل، رفع يديه بالدعاء وقال:

"اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك، فكشفته وفرجته، فأنت ولي كل نعمة، ومنتهى كل رغبة". ثم دعا براحلته فركبها، ونادى بصوت عال يسمعه جلهم:

"أيها الناس..

إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون، إن وليي الله الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين.

عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت على أحد أو بقي عليها أحد لكان الأنبياء أحق بالبقاء، غير أن الله خلق الدنيا للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر، والمنزل تلعة، والدار قلعة، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وأتقوا الله لعلكم تفلحون.

أيها الناس..

إن الله تعإلى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من افتتنته، فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن اليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحل بكم نقمته، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد( صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد إستحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم ولما تريدون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أيها الناس..

إنسبوني من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وأنظروا هل يحل لكم قتلي وإنتهاك حرمتي؟

ألست بن بنت نبيكم، وأبن وصيه وأبن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟

أوليس حمزة سيدالشهداء عم أبي؟

أوليس جعفر الطيار عمي؟

أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول ـ وهو الحق والله ما تعمدت الكذب مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضر به من اختلقه ـ وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك، يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟".

فقال الشمر: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول!.

فقال له حبيب بن مظاهر: والله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك!.

ثم قال الحسين( عليه السلام ):

"فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم..يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم إستهلكته، أو بقصاص جراحة؟!

ثم نادى: يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا اليّ أن أقدم قد أينعت الثمار وأخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجنده؟!

فقالوا: لم نفعل.

قال( عليه السلام ): "سبحان الله بلى والله لقد فعلتم".

ثم قال: "أيها الناس..

إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض".

فقال له قيس ابن الأشعث: أولاً تنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه.

فقال الحسين( عليه السلام ): "أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنوا هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟! لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد.

عباد الله..

إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب".

ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها.وخرج إليهم زهير بن القين على فرس ذنوب وهو شاك في السلاح وقال:

يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله، إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الان إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة.

إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) لينظر ما نحن وأنتم عاملون، وإنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيدالله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما، يسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه".

فسبوه وأثنوا على عبيدالله بن زياد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيدالله بن زياد سلماً.

فقال زهير: عباد الله..

إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد..

فرماه شمر بسهم وهو يقول: أسكت أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك!.

فقال زهير: ما إياك أخاطب، إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.

فقال الشمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.

فقال زهير: أفبالموت تخوفني، فوالله للموت معه أحب إليّ من الخلد معكم.

عباد الله..

لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله لا ينال شفاعة محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.

فناداه رجل من أصحابه: إن أبا عبدالله يقول لك أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء فقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والبلاغ.

واستأذن برير بن خضير من الحسين في أن يكلم القوم فأذن له، وكان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن، ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة، وله في الهمدانيين شرف وقدر، فوقف قريباً منهم ونادى:

يا معشر الناس..

إن الله بعث محمداً( صلى الله عليه وآله وسلم) بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه، وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله، أفجزاء محمد هذا؟!

فقالوا: يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف عنا، فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله!!

فقال برير: يا قوم إن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، وهؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟! فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير عبيدالله بن زياد فيرى فيهم رأيه.

فقال برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه؟!، ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها، وأشهدتم الله عليها وعليكم؟

أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، وحلأتموهم عن ماء الفرات؟ بئشما خلفتم نبيكم في ذريته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم!.

فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول.

فقال برير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان.

فجعل القوم يرمونه بالسهام، فتقهقر.ثم أن الحسين( عليه السلام ) ركب فرسه واخذ مصحفا ونشره على رأسه، ووقف بازاء القوم وقال:

يا قوم إن بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم استشهدهم عن نفسه وما عليه من سيف النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) ولامته وعمامته، فأجابوه بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم على قتله؟

قالوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

فقال عليه السلام: تبا لكم أبتها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا والهين فاصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم إلباً لاعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل اصبح لكم فيهم.

فهلا لكم الويلات؟ تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم البها كطيره الدبا، وتداعيتم عليه كتهافت الفراش، ثم نقضتموها، فسحقا لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، عصبة الإثم، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن!.

ويحكم أهؤلاء تعضدون؟ وعنا تتخاذلون؟! أجل والله، غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم، وتآزرت فروعكم، فكنتم اخبث ثمرة، شجى للناظر، واكلة للغاصب.

ألا وإن الدعي بن الدعي، قد ركز بين إثنبين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد، وخذلان الناصر، ثم انشد يقول:

فإن نهزم فهزامون قدما وان نهزم فغير مهزمينا

وما أن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رفع عن أناس بكلكله أناخ بآخرينا

أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم)، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكون أمركم عليكم غمة ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون، اني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.

ثم رفع يديه نحو السماء وقال:

اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلط عليهم غلام ثقيف، يسقيهم كأسا مصبرة، فإنهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربنا، عليك توكلنا واليك المصير.

ولله لا يدع أحداً منهم إلا انتقم لي منه، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، وأنه لينتصر لي ولاهل بيتي وأشياعي.. ولما سمح الحر بن يزيد الرياحي كلامه واستغاثته، أقبل على عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟

قال بن سعد: إي والله، قتالا أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال الحر: مالكم فيما عرضه عليكم من الخصال؟

فقال بن سعد: لو كان الأمر اليّ لقبلت، ولكن أميركم أبى ذلك.

فتركه ووقف مع الناس، وكان إلى جنبه قرة بن قيس، فقال لقرة: هل سقيت فرسك اليوم؟

قال قرة: لا.

قال الحر: فهل تريد أن تسقيه؟

فظن قرة أنه يريد الإعتزال ويكره أن يشاهده.

فأخذ الحر يدنو من الحسين قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل؟ فسكت الحر، وأخذته الرعدة، فارتاب المهاجر من هذا الحال، وقال له: لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟

فقال الحر: إني أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو أحرقت.

ثم ضرب جواده نحو الحسين منكساً رمحه، قالباً ترسه، وقد طأطأ برأسه حياءً من آل الرسول، بما أتى إليهم وجعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ، فرفع صوته وهو يقترب من الإمام الحسين( عليه السلام ) قائلا: اللهم إليك أنيب فتب عليّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك، يا أبا عبدالله إني تائب فهل لي من توبة؟

فقال الحسين: نعم، يتوب الله عليك.ستأذن الحسين في أن يكلم القوم، فأذن له، فنادى بأعلى صوته:

يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر، أدعوتم هذا العبد الصالح، حتى إذا جاءكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلي أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه، وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن وأهل بيته، وأصبح كالأسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري، الذي يشرب به اليهود والنصارى والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ..

فحملت عليه رجالة ترميه بالنبل، فتقهقر حتى وقف أمام الحسين.. وتقدم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى بسهم وقال:

اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى..

ثم رمى الناس، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم، فقال( عليه السلام ) لأصحابه: قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم.

فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعا من أصحاب الحسين، فضرب الحسين( عليه السلام ) يده على لحيته وجعل يقول: اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم، أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي.

ثم صاح: أما من مغيث يغيثنا؟! أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟!

فبكت النساء وكثر صراخهم.

وسمع الأنصاريان (سعد ابن الحارث وأخوه أبو الحتوف) إستنصار الحسين واستغاثته وبكاء عياله، وكانا مع ابن سعد، فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين وقاتلا حتى قتلا.

وأخذ أصحاب الحسين بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم، يبرز الرجل بعد الرجل، فأكثروا القتل في أهل الكوفة، فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم!.

فقال عمر ابن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، أرسل في الناس من يعزم عليهم إن لا يبارزهم رجل منهم، ولو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم.

ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين( عليه السلام ) فثبتوا له وجثوا على الركب، و اشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين.ثم حمل عمرو بن الحجاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة فشد علبه مسلم بن عبدالله الضبابي وعبدالله البجلي وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة، وما انجلت الغبرة إلا ومسلم صريع وبه رمق من الحياة، فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر الأسدي، فقال له الحسين: رحمك الله يا مسلم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

ودنى منه حبيب وقال: عز عليّ مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة.

فقال مسلم بصوت ضعيف: بشرك الله بخير.

ثم قال له حبيب: لولا أعلم أني في الأثر من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك.

فقال مسلم: فأني أوصيك بهذا، وأشار للحسين فقاتل دونه حتى تموت.

فقال له حبيب: لأنعمنك عيناً.

ثم مات رضوان الله عليه.

وصاحت جارية له: وامسلماه، يا سيداه، يا ابن عوسجتاه.

فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين: قتلنا مسلما. ]وحمل الشمر في جماعة من اصحابه على ميسرة الحسين فثبتوا لهم حتى كشفوهم وفيها قاتل عبدالله بن عمير الكبي وكنيته ابو وهب فقال الحسين عنه احبسه لأقرانه، فقاتل قتالا شديداً فقتل تسعة عشر فارسا واثنى عشر راجلا وشد عليه هاني به ثبت الحضرمي فقطع يده اليمنى وقطع بكر بن حي ساقة.

وأخذت زوجته أم وهب بنت عبدالله من النمر بن قاسط عمودا واقبلت نحوه تقول له.

فداك أبي وامي قاتل دون الطيبن ذرية محمد صلى الله عليه واله وسلم فأراد أن يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول: لن ادعك دون أموت معك.

فناداهم الحسين جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيرا… ارجعي إلى الخيمة فانه ليس على النساء قتال … فرجعت.

وحينما قتل وهب مشت إليه زوجته أم وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول:

هنيئا لك الجنة اسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك

فقال الشمر لغلامه رستم: اضرب رأسها بالعمود فشدخه وماتت مكانها وهي اول امرأة قتلت من أصحاب الحسين.

وقطع رأسه ورمى به إلى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت الدم عنه ثم أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء فردها الحسين وقال:

ارجعي رحمك الله فقد وضع عنك الجهاد فرجعت وهي تقول: اللهم لا تقطع رجائي.

فقال الحسين: لا يقطع الله رجاءك.

وحمل الشمر حتى طعن فسطاط الحسين بالرمح وقال:

علي بالنار لأحرقه على أهله.

فتصايحت النساء وخرجن من الفسطاط وناده الحسين

يابن ذي الجوشن أنت تدعوا النار لتحرق بيتي على أهلي؟ أحرقك الله بالنار!.

وقال له شبث بن ربعي: أمرعبا للنساء صرت؟ ما رأيت مقالا أسوأ من مقالك وموقفا اقبح من موقفك فاستحى وانصرف.

وحمل على جماعته زهير بن القين في عشرة من اصحابه حتى كشفوهم عن البيوت. ولما نظر من بقي من أصحاب الحسين إلى كثرة من قتل منهم اخذ من قتل منهم اخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين في الذب عنه والدفاع عن حرمه وكل يحمي الآخر من كيد عدوه.

فخرج الجابريان وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن سريع وهما ابنا عم وهما يبكيان فقال الحسين:

– ما يبكيكما اني لارجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين قالا : جعلنا الله فداك ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا تقدر أن ننفعك فجزاهما الحسين خيرا فقاتلا قريبا منه حتى قتلا.

– وجاء عبدالله وعبدالرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا : قد حازنا الناس إليك فجعلا يقاتلان بين يديه حتى قتلا.

– وخرج عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلماني ومجمع بن عبدالله العائذي وشدوا جميعا على اهل الكوفة فلما أوغلوا فيهم عطفوا عليهم وقطعوهم عن اصحابهم فندب اليهم الحسين أخاه العباس فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد. والتفت أبوثمامة الصائدي إلى الشمس قد زالت، فقال للإمام الحسين( عليه السلام ): نفسي لك الفداء، اني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله لا تقتل حتى اقتل دونك، واحب أن ألقى الله وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها.

فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها، سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي.

فقال الحصين بن نمير: إنها لا تقبل.

فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) وأنصارهم، وتقبل منك يا فاسق؟!

فحمل عليه الحصين فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبت به ووقع عنه، فاستنقذه أصحابه، وقاتلهم حبيب قتالا شديدا حتى قتل.

فهد مقتله الحسين( عليه السلام ) وقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي.

ثم قام الحسين للصلاة مع من بقى من أصحابه، وأبى القوم إلا أن يمطروه بسهامهم، فقام أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي يمنعون عنه السهام، حتى أثخن سعيدا بالسهام وسقط على الأرض وهو يقول: "اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وابلغ نبيك مني السلام، وابلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك صلى الله عليه واله وسلم".

ثم التفت إلى الحسين( عليه السلام ) قائلا: "أوفيت يابن رسول الله؟".

قال الحسين( عليه السلام ): "نعم، أنت أمامي في الجنة".

وقضى نحبه، فوجد فيه ثلاثة عشر سهما غير الضرب والطعن.

ولما فرغ الحسين( عليه السلام ) من الصلاة قال لأصحابه: "يا كرام هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيه، وذبوا عن حرم الرسول".

فقالوا: "نفوسنا لنفسك الفداء، ودماؤنا لدمك الوفاء، فو الله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب..!". ثم خرج الحر بن يزيد الرياحي، ومعه زهير ابن القين يحمي ظهره، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم، شدّ الآخر واستنقذه منهم، هذا والحر يرتجز ويقول:

إني أنا الحر ومأوى الضيـف أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف أضربكم ولا أرى من حيف

فقال الحصين ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله.

فقال يزيد: نعم، وخرج إليه يطلب المبارزة، فما أسرع أن قتله الحر.

ثم رمى أيوب بن مشرح الخيواني فرس الحر بسهم فعقره، وشبّ به الفرس فوثب عنه كأنه ليث وبيده السيف، وجعل يقاتل راجلا حتى قتل نيفاً وأربعين، فشدت عليه الرجالة فصرعته، فحمله أصحاب الحسين( عليه السلام ) ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه، فقال الحسين( عليه السلام ):

لنعم الحر حر بني رياح صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحر إذ فادى حسيناً وجاد بنفسه عند الصباحثم أن عمر بن سعد وجه عمرو ابن سعيد في جماعة من الرماة، فرموا أصحاب الحسين وعقروا خيولهم، ولم يبق مع الحسين فارساً إلا الضحاك بن عبدالله المشرقي، يقول الرواة أن الضحاك كان يقول: لما رأيت خيل أصحابنا تعقر، أقبلت بفرسي وأدخلتها فسطاطاً لأصحابنا، واقتتلوا أشدّ القتال، وكان من أراد الخروج يودع الحسين بقوله: السلام عليك يا ابن رسول الله، فيجيبه الحسين( عليه السلام ): وعليك السلام، ونحن خلفك.. ثم يقرأ: "ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".وخرج سلمان بن مضارب البجلي، وكان ابن عم زهير ابن القين، فقاتل حتى قتل.

وخرج بعده زهير ابن القين، فوضع يده على منكب الحسين( عليه السلام )، وقال مستأذناً:

أقدم هديت هادياً مهديا فاليوم ألقى جدك النبيا

وحسناً والمرتضى عليا وذا الجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيا

فقال الحسين( عليه السلام ): وأنا ألقاهم على أثرك.

فحمل على القوم وهو يقول:

أنا زهير وأنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسين

فقتل مائة وعشرين، ثم عطف عليه كثير ابن عبدالله الصعبي والمهاجر ابن أوس، فقتلاه، فوقف الحسين( عليه السلام ) على جثمانه وقال: لا يبعدنك الله يا زهير، ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير. ورمى نافع بن هلال الجملي المذحجي العدو بنبال مسمومة كتب اسمه عليها وهو يقول:

مسومة تجري بها أخفاقها
أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لاينفعها اشفاقها
ليملأن أرضها رشاقها

فقتل اثني عشر رجلا سوى من جرح ولما فنيت نباله جرد سيفه يضرب فيهم فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه فقال له ابن سعد: ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ فقال:

إن ربي يعلم ما أردت.

فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته: أما ترى مابك؟

فقال:والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت وما الوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد ما اسرتموني !

وجرد الشمر سيفه,فقال له نافع:

والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ثم قدمه الشمر وضرب عنقه. ولما صرع واضح التركي مولى الحرث المذحجي استغاث بالحسين فأتاه أبو عبدالله واعتنقه!

فقال: من مثلي وابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) واضع خده على خدي ثم فاضت نفسه الطاهرة.

ومشى الحسين إلى أسلم مولاه واعتنقه وكان به رمق فتبسم وافتخر بذلك ومات! ونادى يزيد بن معقل:

يا برير كيف صنع الله بك؟

فقال:صنع الله بي خيراً وصنع بك شراً.

فدعاه برير إلى المباهلة فرفعا أيدهما إلى الله سبحانه وتعالى يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله ثم تضاربا فضربه برير على رأسه فقدت المغفر والدماغ كأنما هوى من شاهق وسيف برير ثابت في رأسه وبينما هو يريد أن يخرجه إذ حمل عليه رضي بن منقذ العبدي واعتنق بريرا واعتركا فصرعه برير وجلس على صدره فاستغاث رضي بأصحابه فذهب كعب بن جابر عمرو الأزدي ليحمل على برير فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس (هذا برير بن خضير القاري الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة) فلم يلتفت إليه وطعن بريراً في ظهره فبرك برير على رضي وعض وجهه وقطع طرف أنفه وألقاه كب برمحه وضربه بسيفه فقتله. ونادى حنظلة بن سعد الشبامي:

(يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد… ياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد…. يا قوم لاتقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى.

فجزاه الحسين خيراً وقال:

(رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك ليستبيحوك واصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا أخوانك الصالحين.

قال: صدقت يا ابن رسول الله أفلا نروح إلى الآخرة؟ فأذن له فسلم على الحسين وتقدم يقاتل حتى قتل. واقبل عابس بن شبيب الشاكري على شوذب مولى شاكر وكان شوذب من الرجال المخلصين.

فقال: ياشوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: أقاتل معك حتى أقتل فجزاه خيراً وقال له: تقدم بين يدي أبي عبدالله( عليه السلام )حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى أحتسبك فان هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فسلم شوذب على الحسين وقاتل حنى قتل.

فوقف عابس أمام أبي عبدالله( عليه السلام )وقال:

(ما امسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي منك ولو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشيء أعز على من نفسي لفعلت السلام عليك اشهد أني على هداك وهدى أبيك! ومشى نحو القوم مصلتا سيفه وبه ضربة على جبينه فنادى:

ألا رجل فأحجموا عنه لأنهم عرفوه أشجع الناس, فصاح عمر بن سعد:

(أرضخوا بالحجارة فرمي بها فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره وشد على الناس أنه ليطرد أكثر من مائتين, ثم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل. وقف جون مولى أبي ذر الغفاري أمام الحسين يستأذنه فقال عليه السلام:

(يا جون إنما تبعتنا طلبا للعافية فأنت في اذن مني؟)

فوقع على قدميه يقبلهما ويقول (أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم…واضاف أن ريحي لنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض لوني لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم!

فأذن له الحسين فقتل خمسا وعشرين وقتل,

فوقف عليه الحسين وقال: اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) وعرف بينه وبين آل محمد( صلى الله عليه وآله وسلم). وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخا كبيرا صحابيا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع حديثه وشهد معه بدرا وحنينا فاستأذن الحسين وبرز شادا وسطه بالعمامة رافعا حاجبيه بالعصابة ولما نظر إليه الحسين بهذه الهيئة قال:شكر الله لك يا شيخ, فقتل على كبره ثمانية عشر رجلا وقتل. وجاء عمرو جنادة الانصاري بعد إن قتل أبوه وهو إبن إحدى عشر سنة يستأذن الحسين فأبى وقال:

(هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعل أمه تكره ذلك)

فقال الغلام:ان أمي امرتني والبستني لامة حربي

فأذن له فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلا قريبا فمات وعادت إلى المخيم فأخذت عمودا وقيل سيفا وأنشأت تقول:

خاوية بالية نحيفة
إني عجوز في النسا ضعيفة

دون بني فاطمة الشريفة
أضربكم بضربة عنيفة

فردها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلين.وقاتل الحجاج بن مسروق الجعفي حتى خضب بالدماء فرجع إلى الحسين يقول:

ثم أباك ذا الندى عليا
اليوم ألقى جدك النبيا

ذاك الذي نعرفه الوصيا

فقال الحسين:وأنا القاهما على أثرك فرجع يقاتل حتى قتلولما أثخن بالجراح سويد بن عمرو بن أبي المطاع سقط لوجهه وظن أنه قتل,فلما قتل الحسين وسمعهم يقولون(قتل الحسين) أخرج سكينة كانت معه فقاتل بها وتعطفوا عليه فقتلوه وكان آخر من قتل من الأصحاب بعد الحسين عليه السلام. لما لم يبق مع الحسين الا أهل بيته عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مر ونفوس أبية وأقبل بعضهم يودع بعضا وأول من تقدم أبو الحسن علي الأكبر وهو يرتجز:

نحن ورب البيت أولى بالنبي
أنا علي بن الحسين بن علي

أضرب بالسيف أحامي عن أبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي

ضرب غلام هاشمي قرشي

ولم يتمالك الحسين عليه السلام دون أن أرخى عينيه بالدموع وصاح بعمر بن سعد:

(ما لك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلط عليك من يذبحك على فراشك)

ثم رفع شيبته المقدسة نحو السماء وقال:

(اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمد خَلقا وخُلقا ومنطقا وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه اللهم فامنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا) ثم تلا قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).

ولم يزل علي الأكبر يخمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوص في الاوساط فلم يقابله جحفل الا رده ولا برز إليه شجاع إلا قتله. فقتل مائة وعشرين فارسا وقد اشتد به العطش فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش فقال له الحسين:

(ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا) وأخذ لسانه فمصه ودفع إليه خاتمه ليضعه في فمه

ورجع علي إلى الميدان مبتهجا بما قاله أبوه.

فقال مرة بن منقذ العبدي، علي آثام العرب إن لم أثكل أباه به, فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته فاعتنق علي الأكبر فرسه فاحتمله إلى معسكر الأعداء وأحاطوا به حتى قطعوه بسيوفهم إربا إربا.

ونادى رافعا صوته: عليك مني السلام أبا عبدالله هذا جدي قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول إن لك كأسا مذخورة فأتاه الحسين عليه السلام وانكب عليه واضعا خده على خده وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول يعز على جدك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثنوك.

وأمر فتيانه أن يحملوه إلى الخيمة فجاؤا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه. وخرج من بعده عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب و أمه رقية الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول:

وعصبة باتوا على دين أبي
اليوم ألقى مسلما وهو أبي

فقتل جماعة بثلاث حملات ورماه يزيد بن الرقاد الجهني فاتقاه بيده فسمرها إلى جبهته فما استطاع أن يزيلها فقال:

(اللهم انهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا)

وبينما هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات فجاء إليه يزيد ابن الرقاد واخرج سهمه من جبهته وبقي النصل فيها وهو ميت.ولما قتل عبدالله بن مسلم حمل آل أبي طالب حملة واحدة فصاح بهم الحسين عليه السلام:

صبرا على الموت يا بني عمومتي والله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم.

فوقع فيهم عون بن عبدالله بن جعفر الطيار وأمه العقيلة زينب,وأخوه محمد و أمه الخوصاء وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وأخوه جعفر بن عقيل ومحمد بن مسلم بن عقيل.

وخرج أبو بكر بن أمير المؤمنين عليه السلام واسمه محمد فقتله زحر بن بدر النخعي.

وخرج عبدالله بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى أثخن بالجراح وسقط إلى الأرض فجاء إليه عثمان بن خالد التيمي فقتله. وخرج أبو بكر بن الحسين بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو عبدالله الأكبر و أمه رملة, فقاتل حتى قتل.

وخرج من بعده أخوه لامه وأبيه القاسم وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر إليه الحسين عليه السلام اعتنقه وبكى ثم أذن له فبرز وكأن وجهه شقة القمر وبيده السيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع نعله اليسرى وأنف ابن النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحتفي في الميدان فوقف يشد شسع نعله وهو لا يزن الحرب إلا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبال بالألوف.

وبينما هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الازدي فقال له حميد بن مسلم:

وما تريد من الغلام؟ يكفيك هؤلاء الذين تراهم احتوشوه!

فقال: والله لأشدن عليه, فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال يا عماه…فأتاه الحسين كالليث الغضبان فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من المرفق فصاح صيحة عظيمة سمعها المعسكر فحلت خيل ابن سعد لتستنقذه فاستقبله بصدرها ووطأته بحوافرها فمات.

(وانجلت الغبرة وإذا الحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك خصمهم يوم القيامة جدك.

ثم قال: عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل ناصره ثم احتمله وكان صدره على الحسين ( عليه السلام ) ورجلاه يخطان في الأرض فألقاه مع علي الأكبر والقتلى حوله من أهل بيته.

ورفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم احصهم عددا ولا تغادر منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا!

صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا. ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى من أهله قال لاخوته من أمه وأبيه عبدالله وعثمان وجعفر:

(تقدموا يا بني أمي حتى أراكم نصحتم لله ورسوله, والتفت إلى عبدالله وكان أكبر من عثمان وجعفر وقال:ت قدم يا أخي حتى أراك قتيلا وأحتسبك), فقاتلوا بين يدي أبي الفضل حتى قتلوا بأجمعهم. ولم يستطع العباس صبرا على البقاء بعد أن فنى صحبه وأهل بيته فجاء إلى الحسين وقال: قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأريد أن آخذ ثأري منهم فأمره الحسين ( عليه السلام ) أن يطلب الماء للأطفال فذهب العباس إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع فنادى بصوت عال:

يا عمر بن سعد:هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء قد أحرق الظمأ قلوبهم

فأثر كلامه في نفوس القوم حتى بكى بعضهم ولكن الشمر صاح بأعلى صوته: يا بن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد!

فرجع إلى أخيه يخبره فسمع الأطفال يتصارخون من العطش.

ثم أنه أخذ القربة فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الأعداء وحده ولواء الحمد يرف على رأسه فلم تثبت له الرجال ونزل إلى الفرات مطمأنا غير مبال بذلك الجمع.

ولما اغترف من الماء لكي يشرب تذكر عطش الحسين ومن معه فرمى الماء وقال:

وبعده لا كنت أن كنت أن تكوني
يا نفس من بعد الحسين هوني

وتـــشـــربين بــــارد المـــــعين
هذا الحسين وارد المنون

تالله ما هذا فعال ديني

ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجه نحو المخيم فقطع عليه الطريق وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق وهو يقول:

حتى أوارى في المصاليت لقى
لا أرهب الموت إذا الموت زقا

إني أنا العباس أغدوا بالسقا
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقى

ولا أخاف الشر يوم الملتقى

فكمن له زيد بن الوقاد الجهني.من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل فضربه على يمينه فبتراها فقال ( عليه السلام ):

إني أحامي أبدا عن ديني
والله إن قطعتم يميني نجل النبي الطاهر الأمين
وعن إمام صادق اليقين

فلم يعبأ بيمينه,حيث أن همه كان إيصال الماء إلى أطفال الحسين وعياله, ولكن حكيم بن الطفيل كمن له وراء نخلة فلما مر به ضربه على شماله فقطعها وتكاثروا عليه!وأتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها وسهم أصاب صدره وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته!

وسقط على الأرض ينادي:

عليك مني السلام أبا عبدالله.

فأتاه الحسين فرآه مقطوع اليمين والشمال فانحنى عليه وبكى بكاءا عاليا وقال ( عليه السلام ) الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي.

ورجع الحسين إلى المخيم منكسرا حزينا باكيا يكفكف دموعه وقد تدافعت الرجال على مخيمه فنادى:

أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا إما من خائف من النار فيذب عنا!

فأتته سكينة وسألته عن عمها أخبرها بقتله! وسمعته زينب فصاحت: وا أخاه وا عباساه وا ضيعتنا من بعدك! وبكت النسوة وبكى الحسين معهن. ولما قتل العباس التفت الحسي ن( عليه السلام ) فلم ير أحدا ينصره ونظر إلى أهله وصحبه مجزرين كالأضاحي وهو إذ ذاك يسمع عويل الايامى وصراخ الأطفال فصاح بأعلى صوته:

(هل من ذاب عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا؟

ثم إنه عليه السلام أمر عياله بالسكوت,وودعهم وكانت عليه جبة خز دكناء وعمامة موردة أرخى لها ذوابتين والتحف ببردة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) وتقلد بسيفه. وطلب ثوبا لايرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه لئلا يجرد منه فانه مقتول مسلوب فأتوه بتبان فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة وأخذ ثوبا خلقا ولبسه تحت ثيابه. ودعا الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله وأمه الرباب فأجلسه في حجره ويقول:

(بعدا لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم).

ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورنى به نحو السماء.

وقال: هون ما نزل بي إنه بعين الله تعالى اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم من الظالمين واجعل ما حل بنافي العاجل ذخيرة لنا في الآجل اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نزل عن فرسه وحفر له قبرا بجفن سيفه ودفنه مرملا بدمه وصلى عليه.

وتقدم الحسي ن( عليه السلام ) نحو القوم مصلتا سيفه آيسا من الحياة ودعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل جمعا كثيرا ثم حمل على الميمنة وهو يقول:

والعار أولى من دخول النار
الموت أولى من ركوب العار وحمل على الميسرة وهو يقول:

آليت أن لا أنثني
أنا الحسين بن علي

أمضي على دين النبي
أحمي عيالات أبي

قال عبدالله بن عمار بن يغوث: ما رأيت مكثورا قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشا منه ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد ولم يثبت له أحد.

فصاح عمر بن سعد بالجمع: هذا ابن الانزع البطين هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب فأتته أربعة آلاف نبلة وحال الرجال بينه وبين رحله فصاح بهم:

(يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون.)

فناداه شمر: ما تقول يا بن فاطمة؟

قال:أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا.

فقال شمر: لك ذلك.

وقصده القوم واشتد به العطش فحمل من نحو الفرات على عمرو بن الحجاج وكان في أربعة آلاف فكشفهم عن الماء و اقحم الفرس الماء ولما مد يده ليشرب ناداه رجل أتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك؟

فرمى الماء ولم يشرب وقصد الخيمة.

ثم أخرج السهم من قفاه فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت رمى به نحو السماء وقال:

(هون علي ما نزل بي إنه بعين الله) ثم وضعها ثانيا فلما امتلأت لطخ به رأسه ووجهه ولحيته وقال:

(هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا مخضب بدمي وأقول: يا جدي قتلني فلان وفلان). ثم انهم لبثوا هنيئة وعادوا إلى الحسين وأحاطوا له وهو صريع على الأرض لا يستطيع النهوض فنظر عبدالله بن الحسن وله إحدى عشرة سنة إلى عمه وقد أحدق القوم به فأقبل يشتد نحو عمه وأرادت زينب حبسه فأفلت منها وجاء إلى عمه وأهوى بحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح الغلام :

(يا ابن الخبيثة أتضرب عمي؟ فضربه واتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة فصاح الغلام: يا عماه! ووقع في حجر الحسين فضمه اليه وقال: (يا ابن أخي أصبر على مانزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله تعإلى يلحقك بآبائك الصالحين)

ورفع يديه قائلا: اللهم ان متعتهم إلى حين ففرقهم تفريقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا.

ورمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه…و أمه واقفة بباب الخيمة تنظر إليه وهي مدهوشة. وبقى الحسين مطروحا مليا ولو شاءوا أن يقتلوه لفعلوا…إلا أن كل قبيلة تتكل على غيرها في قتله وتكره الإقدام.

فتقدم إليه زرعة بن شريك فضربه على كتفه الأيسر ورماه الحصين في حلقه, وضربه آخذا على عاتقه وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواني صدره,ثم رماه بسهم في نحره وطعنه صالح بن وهب في جنبه.

قال هلال بن نافع:

(كنت واقفا نحو الحسين وهو يجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلا قط مضمخا بدمه أحسن منه وجها ولا أنور ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله! فاستقى في هذه الحال فأبوا أن يسقوه!

وقال له رجل:

(لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها!)

فقال عليه السلام:

(أنا لا أرد الحامية و إنما أرد على جدي رسول الله واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر و أشكوا إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي. ولما اشتد به الحال رفع طرفه إلى السماء وقال:

(اللهم متعال المكان عظيم الجبروت شديد المحال غني عن الخلائق عريض الكبرياء قادر على ما تشاء قريب الرحمة صادق الوعد سابغ النعمة حسن البلاء قريب إذا دعيت محيط بما خلقت قابل التوبة لمن تاب إليك قادر على ما أردت تدرك ما طلبت شكور إذا شكرت ذكور إذا ذكرت أدعوك محتاجا وأرغب إليك فقيرا وافزع إليك خائفا وأبكي مكروبا واستعين بك ضعيفا وأتوكل عليك كافيا اللهم أحكم بيننا وبين قومنا فانهم غرونا وخذلنا وغدروا بنا و قتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اصطفيته بالرسالة و ائتمنته على الوحي فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا يا أرحم الراحمين.

(صبرا على قضائك يا رب لا إله إلا سواك يا غياث المستغيثين مالي رب سواك ولا معبود غيرك صبرا على حكمك يا غياث من لا غياث له يا دائما لا نفاد له, يا محيي الموتى يا قائما على كل نفس بما كسبت أحكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين.

ونادت أم كلثوم و زينب العقيلة

(وامحمداه واابتاه واعلياه واجعفراه واحمزتاه هذا الحسين بالعراء صريع بكربلاء) ثم نادت زينب: ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدك دكت على السهل!!) وانتهت نحو الحسين وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه والحسين يجود بنفسه! فصاحت:

(أي عمر أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر اليه؟!)

فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته.

فقالت: ويحكم أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد!

ثم صاح ابن سعد بالناس: أنزلوا إليه وأريحوه فبدر إليه شمر فرفسه برجله وجلس على صدره وقبض على شيبته المقدسة وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة و أحتز رأسه المقدس!! وأقبل القوم على سلبه فأخذ اسحاق ابن حوية قميصه,وأخذ الأخنس ابن مرثد بن علقمة الحضرمي عمامته وأخذ الأسود بن خالد نعليه وأخذ سيفه رجل من بني نميم اسمه الأسود بن حنظلة.

وجاء بجدل فرأى الخاتم في اصبعه والدماء عليه فقطع اصبعه وأخذ الخاتم وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته وأخذ ثوبه الخلق جعونة الحضرمي وأخذ القوس و الحلل الرحيل بن خثيمة الجعفي وهاني بن شبيب الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي. انا ادري أنا القصة طويلة ولكن والله تستحق عناء القرأة لأنها قصة سيد شباي الجنة الامام حسين عليه السلام حفيد الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم .




رد: كربلاء مروية بدماء زكية

عفوا في اخر النص من المفروض ان اكتب شباب الجنة ولكن سهوا اخطأت ولم استطيع التعديل لان الوقت قد مر والمسموح لنا فقط بي ثلاث دقائق بعد كتابة الموضوع بي التعديل .




رد: كربلاء مروية بدماء زكية

مالي لا ارى اي تفاعل للاعضاء هل هو جهل بالموضوع أو أنكم لم ترو له أهمية أرجوا منكم جواب؟




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.