التصنيفات
فقه السنة النبوية

دروس في السيرة منذ الهجرة للحبشة إلى المدينة

دروس في السيرة منذ الهجرة للحبشة إلى المدينة


الونشريس

دروس في السيرة منذ الهجرة للحبشة إلى المدينةالونشريسآ ـ الوقائع التاريخية
تتميز أحداث هذه الفترة بالوقائع البارزة التالية :
1- مات أبو طالب عم الرسول في السنة العاشرة من البعثة ، كان في حياته شديد الدفاع عن أبن أخيه رسول الله صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت قريش لا تستطيع أن تنال النبي بأذى في نفسه طيلة حياة أبي طالب احتراماً له وهيبة ، فلما مات أبو طالب ، جرؤت قريش على تشديد الأذى للنبي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كانت وفاته مبعث حزن عميق للنبي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حرص النبي أن يقول أبو طالب كلمة الإسلام وهو على فراش الموت ، فأبى خشية أن يلحقه العار من قومه .
2- ماتت خديجة رضي الله عنها في تلك السنة نفسها ، وقد كانت خديجة تخفف عن الرسول همومه وأحزانه لما يلقاه من عداء قريش ، فلما ماتت حزان عليها حزناً شديداً ، وسمي ذلك العام الذي مات فيه عمه أبو طالب وزوجه خديجة : "عام الحزن " .
3- ولما اشتد على الرسول كيد قريش وأذاها بعد وفاة عمه وزوجه ، توجه إلى الطائف لعله يجد في ثقيف حسن الإصغاء لدعوته والانتصار لها ، وكنهم ردوه رداً غير جميل ، وأغروا به صبيانهم ، فقذفوه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الطاهرتين ، ثم التجأ إلى بستان من بساتين الطائف ، وتوجه إلى الله بهذا الدعاء الخاشع : " الله إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري ؟ ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو تحل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
4-عاد رسول الله صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف دون أن تستجيب ثقيف لدعوته ، اللهم الا ما كان من اسلام " عداس " غلام عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وكان غلاماً نصرانياً ، طلب إليه سيداه أن يقدم قطفاً من العنب إلى الرسول وهوفي البستان لما رأيا من إعيائه وتهجم ثقيف عليه فلما قدم عداس العنب للرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الرسول بيداً في أكلمه قائلا : باسم الله ، فلفت ذلك نظر عداس ، اذ لا يوجد في القوم من يقول مثل هذا . وبعد حديث بين عداس والنبي اسلم عداس .
5- وقعت معجزة الإسراء والمعراج وقد أختلف في تاريخ وقوعها ، والمؤكد أنها وقعت قبل الهجرة في السنة العاشرة من بعثته أو بعدها ، والصحيح الذي عليه جماهير العلماء أنهما وقعا في ليلة واحدة يقظة بالجسد والروح ، اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج به إلى السماوات العلى ، ثم عاد بيته في مكة تلك الليلة ، وأخبر قريشاً بأمر المعجزة ، فهزئت وسخرت ، وصدقه أبو بكر وأقوياء الإيمان .
6- وفي هذه الليلة فرضت الصلوات خمساً على كل مسلم بالغ عاقل .
7- وفي أثناء مرور الرسول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبائل في موسم الحج ، كعادته في كل عام ـ لدعوتهم إلى الإسلام وترك عبادة الاوثان ، وبينما هو عند العقبة التي ترمي عندها الجمار لقي رهطاً من الأوس والخزرج ، فدعاهم إلى الإسلام ، فأسلموا ، وكان عددهم سبعة ، ثم عادوا إلى المدينة ، فذكروا لقومهم لقيامهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وما دانوا به من الإسلام .
8 وفي العام التالي لاثنتي عشر سنة من البعثة وافى موسم الحج اثناعشر رجلا من الأنصار ، فاجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه ، فلما عادوا أرسل معهم مصعب بن عمير إلى المدينة ليقرئ المسلمين فيها القرآن ، ويعلمهم الأسلام ، فانتشر الإسلام في المدينة انتشاراً كبيراً .
9- وفي العام الذي يليه حضر من الأنصار جماعة في موسم الحج فاجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مستخفين وكانوا سبعين رجلاً وامرأتين ، وبايعوه على النصرة والتأييد ، وعلى أن يمنعوه مما يمنعوه منه نساءهم وأبناءهم ، وعادوا إلى المدينة بعد أن اختار منهم أثنى عشر نقيباً يكونون على قومهم .
ب ـ الدروس والعظات
1- قد يحمي الداعية أحد أقربائه ممن ليسوا على دعوته، وفي ذلك فائدة للدعوة حين تكون مستضعفة، إذا لم يسايرها على ما هي عليه من منكرات .
2- الزوجة الصالحة المؤمنة بدعوة الحق تذلل كثيراً من الصعاب لزوجها الداعية إذا شاركته في همومه وآلامه ، وبذلك تخفف عنه عبء هذه الهموم ، وتبث في نفسه الاستمرار والثبات ، فيكون لها أثر في نجاح الدعوة وانتصارها ، وموقف السيدة خديجة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى لما تستطيع الزوجة المؤمنة بدعوة الخير أن تلعبه من دون كبير في نجاح زوجها الداعية ، وثباته ، واستمراره في دعوته ، وفقد مثل هذه الزوجه في احتدام معركة الإصلاح خسارة كبيرة لا يملك معها زوجها الداعية إلا أن يحزن وبأسي .
3- والحزن على فقد القريب الحامي لدعوة الحق غير المؤمن بها ، وعلى فقد الزوجه المؤمنة المخلصة ، حزن تقتضيه طبيعة ولذلك قال الرسول لما مات أبو طالب: " رحمك الله وغفرلك، لا أزال استغفر لك حتى ينهاني الله " فاقتدى المسلمون برسولهم يستغفرن لموتاهم المشركين ،حتى نزل قول الله تبارك وتعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَو كَانَوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبينَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيم ) .[ التوبة : 113 ] فامتنع النبي عن الاستغفار لأبي طالب ، كما امتنع المسلمون عن الاستغفار لموتاهم .
ولذلك أيضاً ظل الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته يذكر فضل خديجة ، ويترحم عليها ، ويبر صديقاتها ، حتى كانت عائشة تغار منها ـ وهي متوفاة ـ لكثرة ما كانت تسمع من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، فقد روى البخاري عنها رضي الله عنها أنها قالت : ما غرت على احد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ماغرت على خديجة ،وما رأيتها ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائن ـ صديقات ـ خديجة ، فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة الا خديجة ،فيقول : إنها كانت ، وكانت ، وكان لي منها ولد .
4- في توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعد أن أعرضت عنه مكة ، دليل التصميم الجازم في نفس الرسول على الاستمرار في دعوته ، وعدم اليأس من استجابة الناس لها ، وبحث عن ميدان جديد للدعوة بعد أن قامت الحواجز دونها في ميدانها الأول ، كما أن في إغراء ثقيف صبيانها وسفهاءها بالرسول ، دليل عن أن طبيعة الشر واحدة أينهما كانت ، وهي الاعتماد على السفهاء في إيذاء دعاة الخير .
وفي سيل الدماء من قدمي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو النبي الكريم ، أكبر مثل لما يتحمله الداعية في سبيل الله من أذى واضطهاد ، أما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في البستان ذلك الدعاء الخالد ، ففيه تأكيد لصدق الرسول في دعوته ، وتصميم على الاستمرار فيها مهما قامت في وجهه الصعاب ، وأنه لا يهمه إلا رضي الله وحده ، فلا يهمه رضي الكبراء والزعماء، ولا رضى العامة والدهماء " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي " كما أن فيه استمداد القوة من الله باللجوء إليه والاستعانة به عندما يشتد الأذى بالداعية ، وفيه أن خوف الداعية كل الخوف هو من سخط الله عليه وغضبه ، لا من سخط شيء سواه .
5- في معجزة الإسراء والمعراج أسرار كثيرة نشير إلى ثلاثة منها فحسب .
وأولاً ـ ففيها ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله ـ فلسطين ـ بقضية العالم الاسلامي إذا أصبحت مكة بعد بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم مركز تجمع العالم الإسلامي ووحدة أهدافه ، وأن الدفاع على فلسطين دفاع عن الإسلام نفسه ، يجب أن يقوم به كل مسلم في شتى أنحاء الأرض ، والتفريط في الدفاع عنها وتحريرها ، تفريط في جنب الإسلام ، وجناية يعاقب الله عليها كل مؤمن بالله ورسوله .
وثانياً ـ فيها رمز إلى سمو المسلم ، ووجوب أن يرتفع فوق أهواء الدنيا وشهراتها ، وأن ينفد عن غيره من سائر البشر بعلو المكانة، وسمو الهدف ، والتحليق في أجواء المثل العليا دائماً وابداً .
وثالثاً : فيها إشارة على إمكان ارتياد الفضاء والخروج عن نطاق الجاذبية الارضية ، فلقد كان رسولنا في حادثة الاسراء والمعراج أول رائد للفضاء في تاريخ العالم كله ، وأن ريادة الفضاء والعودة إلى الأرض بسلام أمر ممكن إن وقع لرسول الله بالمجزه في عصره ، فإنه من الممكن أن يقع للناس عن طريق العلم والفكر .
6- في فرض الصلاة ليلة الاسراء والمعراج إشارة إلى الحكم التي من أجلها شرعت الصلاة ، فكان الله يقول لعبادة المؤمنين : إذا كان معراج رسولكم بجسمه وروحه إلى السماء معجزة ، فليكن لكم في كل يوم خمس مرات معراج تعرج فيه أرواحكم وقلوبكم إلى ، ليكن لكم عروج روحي تحققون به التوفع عن أهوائكم وشهواتكم ،وتشهدون به من عظمتي قدرتي ووحدانيتي ، ما يدفعكم إلى السيارة على الأرض ، لا عن طريق الاستعباد والقهر والغلبة ، بل عن طريق الخير والسمو ، عن طريق الطهر والتسامي ، عن طريق الصلاة .
7- وفي عرض الرسول نفسه على القبائل في موسم الحج دليل على أن الداعية لا ينبغي ان يقتصر في دعوة الناس إلى الخير ضمن مجالسه وفي بيئته فحسب ، بل يجب أن يذهب إلى كل مكان يجتمع فيه الناس أو يمكن أن يجتمعوا فيه ، وأن لا ينبغي أن يبأس من إعراضهم عنه مرة بعد أخرى ، فقد يهيئ الله له أنصاراً يؤمنون بدعوته الخيرة من حيث لا يفكر ولا يحتسب ، وقد يكون لهذه القلة التي تهتدي به في بعض لمناسبات شأن كبير في انتشار دعوة الحق والخير ، وفي انتصارها النصر المناسبات شأن كبير في انتشار دعوة الحق والخير ، وفي انتصارها النصر النهائي على الشر واعوانه ، فلقد كان لإيمان السبعة الأوائل من الأنصار الذين التقوا برسول الله أول مرة ما أدى إلى تغلغل الإسلام في المدينة ، وكان لهذا التغلغل أثر في انتشار الإسلام وسيطرته عليها ، مما مهد للمؤمنين المضطهدين في مكة أن يجدوا في المدينة مهاجراً يتمكرزون فيه ، ولرسوله الله صلى الله عليه وسلم موئلاً أميناً يقيم فيه دولته ، ويبث منه دعوته ، وينطلق منه أصحابه إلى مقاومة الشرك والمشركين بالحروب والمعارك التي كانت نهايتها انتصاراً خالداً للإيمان ، وهزيمة أبدية للشرك ، فرضى الله عنهم الانصار من أوس وخزرج ، كم كان لهم على الإسلام والمسلمين والعالم كله من فضل لا ينتهي خيره ، ورضي الله عن إخوانهم المهاجرين الذين سبقوهم إلى الإيمان ، وضحوا في سبيله بالغالي من الاموال والأوطال ، وألحقنا بهم جميعاً في جنة الرضوان
المصدر: موقع السيرة النبوية .




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.