بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أيها القارئ وفقني الله وإياك لطاعته واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن الكذب محرم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:
"إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".
وإن عاقبة الكذب على رسول الله صلى الله عيه وسلم ليست كعاقبته على أي أحد ،لأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الدين وفعله وتقريره تشريع للأمة كالقرآن الكريم، كما قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} وقال تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي}، ولهذا فالذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون قد كذب على الله عز وجل أيضاً، وقد قال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه} ، وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، وقال عليه الصلاة والسلام فيما تواتر عنه: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" ، ففي هذا الحديث وعيد شديد لمن يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله ، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: "من حدَّث بحديث أو حدث عني حديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه البخاري .
ولهذا فالذي يروي حديثاً مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتيقن أن الحديث كذب فهو أحد الكذابين إن لم يبين حال الحديث ، وإن لم يكن الراوي أو القائل هو الكاذب ، لأن الرسول عليه السلام قال: "وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه تيقن أنه كذب ، وفي الحديث: "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في مقدمة صحيحه ، ولعل إرساله أقوى من رفعه وهنا آثار تشهد لمعناه وقد قال الإمام مالك رحمه الله : اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ..
وقال الحافظ ابن حبان -رحمه الله-: "في هذا الخبر الزجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم على اليقين صحته ثم يحدث به دون ما لا يصح على حسب ما ذكرناه قبل".
واعلم أيها القارئ اللبيب أن الإنسان الذي يتحدث وهو شاك في صحة حديثه لا يكون صادقاً ، وقد قال الإمام ابن حبان في ترجمة صالح بن أبي الأخضر في كتابه "المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين":
"إن من اختلط عليه ما سمع بما لم يسمع ، ثم لم يرع عن نشرها بعد علمه بما اختلط عليه منها ، حتى نشرها وحدث بها وهو لا يتيقن بسماعها لبالحري أن لا يحتج به في الأخبار، لأنه في معنى من يكذب وهو شاك ، أو يقول شيئاً وهو يشك في صدقه ، والشاك في صدق ما يقول لا يكون بصادق".
وقد قال علي رضي الله عنه: "لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل". رواه البخاري وغيره .
وقد سئل الإمام أحمد – رحمه الله – كيف تعرف الكذابين؟ فقال: بمواعيدهم رواه ابن عدي في مقدمة الكامل .
وقد يتسائل الإنسان كيف توجد الروايات الموضوعة في بعض كتب الحديث؟
والجواب: إن علماء عصرهم كانوا يعرفون الإسناد فتبرأ ذمتهم من العهدة بذكرهم السند لتك الروايات، وقد قال الحافظ السخاوي – رحمه الله -:
"ولا تبرأ العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك لعدم الأمن من ألمحذوريه"
قلت: هكذا قال السخاوي – رحمه الله – في عصره فكيف ولو رأى كثيراً من الناس حتى من له صلة بالعلم – إلا ما شاء الله – لا يكاد يميز بين إسناد رجاله ثقات وبين إسناد مسلسل بالكذابين والضعفاء. فلا شك إذا في وجوب التبيان للأحاديث الموضوعة ، ولا يجوز الاقتصار فقط على السند في هذا الوقت أو قولنا رواه فلا ن وفلان – من الذين جمعوا الصحيح والسقييم – .
وفي ختام هذا التنبيه الوجيز على خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي نفسي ، وكل خطيب وداعية ، بل وكل مسلم يهمه النجاة يوم القيامة أن يرجع إلى أهل الاختصاص في هذا العلم عملاً بقوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }، وقد سئل الإمام عبدالله بن المبارك – رحمه الله – عن الأحاديث الموضوعة فقال: تتعيش لها الجهابذة قال الله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .
وهنالك من كتب الحديث ما اختصت بالصحيح من الحديث، وبعضها حوت الصحيح وغيره، وبعضها حوت الضعيف والموضوع تحذيراً للناس منها ، وكل ذلك مرتب على الكتب والأبواب الفقهية أو باعتبار المسانيد، ،كما أنه هنالك الكتب المؤلفة بحسب بداية الحديث وبإمكان الباحث أو المدرس الرجوع إليها والاستفادة من كلام العلماء المحدثين في الأحكام عليها حتى لا يدخل المسلم في زمرة الكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يتحدث وهو على غير يقين بما يتحدث به .