التصنيفات
أدباء و شعراء

جميل الزهاوي

جميل الزهاوي


الونشريس

من مشاهير الكورد:الفيلسوف (جميل صدقي الزهاوي) شاعر العقل ومعرّي العصر ونصيرُ المرأة

د. أحمد الخليل :-
وصفه (كراتشوفسكي) بأنه من الشعراء الذين جمعوا بين الشعر والفلسفة والعلم، وبين الإحساس الجمالي المرهف والتأمل الفكري العميق، فأضحى شاعراً أصيلاً بقدر ما كان فيلسوفاً جليلاً، وكان أديباً قديراً بقدر ما كان عالماً فَطِناً: إنه (جميل صدقي الزهاوي) (1863 – 1936).إسمه الكامل (جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي)، ينتسب إلى قبيلة (بابان) الكوردية، في جنوبي كوردستان.

ولهذه القبيلة شأن كبير في التأريخ الكوردي الحديث، إذ قاد أمراؤها أكثر من ثورة ضد الحكم العثماني في بدايات القرن التاسع عشر، ولعل أقدمها تلك التي قادها عبد الرحمن باشا الباباني بين سنتي (1804 – 1813)م.
أما والد الشاعر فهو العلامة (محمد فيضي) مفتي العراق، وأمه (فيروز)، وكان جده لأبيه قد هاجر إلى مدينة (زهاو) وتزوج بسيدة زهاوية، لذا اشتهر والده بلقب (الزهاوي). (زَهاو) مدينة كوردية قديمة، ذكر (ياقوت الحموي) أن الفلكي الجغرافي اليوناني الشهير بطليموس (100 – 165) ق.م، أورد إسم (زهاو) في أحد كتبه. وهي تقع في المنطقة الغربية من كوردستان الشرقية التابعة لإيران، بين مدينتي (قصر شيرين) و(كرمنشاه)، بالقرب من الحدود العراقية، وتتبع ولاية (كرمنشاه) الكوردية في إيران، وتسمّى (زَهاب) و(دَرتـَنـْك) أيضاً، وكانت تسمى قديماً (الوان) نسبة إلى نهر (الوند)، وسماها العرب المسلمون خلال الفتوحات باسم (حُلْوان)، وشاع ذكرها بهذا الاسم في المصادر الإسلامية.
ولد الزهاوي في بغداد 1863م، وتلقى علومه في الكتاتيب، ثم قرأ على يد والده مبادئ الصرف والنحو والمنطق والبلاغة، إضافة إلى ديوان المتنبي، وتفسير البيضاوي، وشرح المواقف للنفـّري. أتقن الزهاوي إلى جانب لغته الكوردية الأم، اللغة العربية والتركية والفارسية، قراءة وكتابة، وحاول في كبره أن يتعلم الإنكليزية لكن مشاغله الثقافية حالت دون ذلك. استكمل الزهاوي دراسته في مدارس بغداد وتركيا، فأعجب بالروايات المترجمة إلى العربية والتركية، وتوسع في دراسة الفلسفة. كما توسع في دراسة القانون، عندما عيّنته الحكومة عضواً في محكمة الاستئناف. زوّجه أهله، وهو في الخامسة والعشرين، من فتاة اسمها (زكية هانم)، وكانت تركية الأصل فاضلة، فأضفت السعادة على حياته.
شخصيته وخصاله :-
إتصف الزهاوي بذكاء لمّاح، فبرع في الشعر والفكر، واشتهر أمره في العراق، وكبر شأنه بعد سفره إلى الإستانة بدعوة من السلطان، فمرّ في طريقه بمصر، وتعرف على نخبة من مشاهير العلماء والأدباء هناك. وكان شديد التأثر بالجمال، وقد خفق قلبه للحب أكثر من مرة، سواء أكان قبل الزواج أم بعده، كما كان معروفاً بالنشاط في شبابه. وقال(طه الراوي) يصف شخصية الزهاوي: ((كان- رحمه الله – عصبي المزاج، سريع الغضب، سريع الرضا، بعيداً عن الحقد والضغينة، ولوعاً بلفت الأنظار إليه… كثير التطلع إلى معرفة آراء الناس فيه… وكان شغوفاً بالحرية إلى حد بعيد، ويطالب بإطلاقها إلى الحد الأقصى: حرية التفكير، وحرية الاعتقاد،و حرية القول، وحرية النشر، … ولشدة ولوعه بالحرية ناضل كثيراً عن حرية المرأة الشرقية، وكان جريئاً في إبداء آرائه، وإن ناقضت آراء الآخرين، وجلبت عليه نقمة المخالفين، وقلما انتصر لرأي ورجع عنه، أو أعلن فكرة وتخلّى عنها….. وكان جَلداً على العمل، يطالع كثيراً ويكتب كثيراً، حتى إن الإنسان ليأخذه العجب عندما يرى نشاط فكره، ونتاج قلمه، مع انتكاث بنيته واختلال صحته، وكان يحفظ لأصحابه حقوق الصحبة، حتى بعد الوفاة،… كان يحب النكتة، ويعشق النادرة، وله في ذلك غرائب وعجائب)).
ويحمد للزهاوي أنه:
– تحدى طغيان السلطان عبد الحميد الثاني في عدد من قصائده، ووقف إلى جانب المناهضين لذلك الطغيان، ورثى من أمر السلطان بإعدامهم.
– دافع عن العراقيين خاصة، وعن العرب عامة، في (مجلس المبعوثان) العثماني حينما كان عضواً فيه.
– وقوفه إلى جانب الثوار العراقيين في ثورة العشرين ضد الحكم الإنكليزي، رغم استياء المندوب السامي البريطاني.
– رفضه طلب الملك فيصل أن يكون شاعر البلاط بعد إعلان الحكم الملكي في العراق 1921م.
وكان الزهـاوي مولعاً بثلاثة أشياء، هي: التدخين الذي كان يسرف فيه بقدر زهده في الطعام؛ والقراءة والكتابة شعراً ونثراً؛ والجلوس بمقهى في شارع خالد بن الوليد وسط حلقة من تلاميذه والمتأدبين وجلهم من الشبان، فإذا جلس وبدأ يتحدث فلا يقاطعه أحد، ويظل يروي كثيراً من نوادر الآداب العربية والتركية والفارسية، وغير ذلك من ذكرياته عن الحكم التركي، ونوادر الولاة، بإلقاء شائق، وببراعة في التنويع تدعو إلى العجب. أصيب الزهاوي بمرض عضال وهو في الخامسة والعشرين، فتداوى، وما أن نجا من الداء حتى شلّت أصابع رجله اليسرى، وقد أصيب بالفالج وتصلب الشرايين، وأمراض أخرى في أواخر عمره، فلم يكن يستطيع السير وحده طويلاً.
جواسيس السلطان :-
لما حط الزهاوي رحاله في الإستانة عاصمة الدولة العثمانية أخذ الجواسيس يتتبّعون خطاه، وعلم السلطان عبد الحميد أن أصحاب الجرائد يترددون عليه، فأوجس منه خيفة. وأراد الزهاوي أن يرجع إلى بغداد، لكن السلطان أمره أن يلتحق بالبعثة الإصلاحية التي كان أوفدها إلى اليمن، فذهب فيها، ثم رجع بعد سنة إلى الإستانة، فأنعم السلطان عليه بالوسام المجيدي الثالث، وبرتبة البلاد الخمس تقديراً لخدماته، وعاد الجواسيس إلى سيرتهم الأولى بتتبّعه ومراقبته، فضاق بهم ذرعاً، وقال قصيدة يذمّ فيها سياسة السلطان، جاء فيها: أيأمر ظــلُّ الله في أرضه بما نهى الله عنه والرسولُ المبجّلُ؟! فيُفقِر ذا مــال، ويَنفي مبرَّأً ويسجن مظلوماً، ويَسبي ويقـتلُ تمهّل قليلاً، لا تُغـظ أمــة ً إذا تحرّكَ فيــها الغيظُ لا تتمهّــلُ وأيديكَ إن طالت فلا تغتر بها فإن يدَ الأيـــام منهـنّ أطولُ وكانت هذه القصيدة سبباً في سجنه مع الثائر العربي (عبد الحميد الزهراوي)، والشاعر التركي (صفا بگ)، ثم نفيه إلى بلاده العراق. وسافر الزهاوي إلى الإستانة مرة ثالثة في السنة الأولى من الانقلاب العثماني، فعُيّن في العام 1906م أستاذاً للفلسفة الإسلامية في أكبر مدارسها، ومدرّساً للآداب العربية في فرع الآداب من جامعة (دار الفنون).
دفاعه عن المرأة :-
مرض الزهاوي في الإستانة، فرجع إلى بغداد بعد اشتداد المرض عليه، فعُيّن مدرساً للمجلة (أي الدستور العثماني) في مدرسة الحقوق، وظل يواصل مراسلة مجلات المقتطف والمؤيد بالقصائد والمقالات، وأحدثت رسالته (المرأة والدفاع عنها) ضجة كبرى في العالم العربي الإسلامي، فهاج الناس لها وماجوا في بغداد واحتجوا في العام 1908م إلى (ناظم باشا) والي بغداد، يطلبون عزله من وظيفته. ونتيجة لهياج الناس أقاله الوالي، واشتد سخط الجمهور عليه، ولا ريب في أن بعض القائمين على المؤسسات الدينية، ومن معهم من أعمدة الفكر المتخلف، هم الذين أثاروا الجمهور ضد الشاعر. فاضطر إلى ملازمة داره خوفاً من الاغتيال، ونصره الدكتور (شبلي شميّل) والأديب (وليّ الدين يكن) في مقالات نشراها في صحيفة المُقطَّم المصرية وغيرها. وأعيد في عهد الوالي (جمال باشا) إلى تدريس المجلة في مدرسة الحقوق.
في ميدان السياسة :-
خاض الزهاوي ميدان السياسة، فانتخب نائباً عن لواء المنتفق بالعراق، فذهب إلى الإستانة، وأُقفل المجلس بعد أشهر فعاد إلى بغداد، وما لبث أن انتخب نائباً عن بغداد، ودافع في البرلمان عن حقوق العرب في مواقف عديدة، وكان في عهد الاحتلال البريطاني يقيم في بغداد يراقب الأوضاع السياسية. ثمّ عُيّن عضواً في مجلس الأعيان العراقي، ولعل أفكاره الحرة الجريئة قد أثارت عليه كثيرين من أبناء العراق، وأضرّت به، فلم يُعَد انتخابه لعضوية مجلس الأعيان، ومنذ ذلك اليوم حنق الزهاوي على الحكومة والسياسة، وكان كثيراً ما يعلن سخطه في مجالسه الخاصة.
شعره وآراء النقاد :-
قال الزهاوي الشعر العربي والفارسي وهــو صبي، وأجاد فيهما بعد أن تخطّى الثلاثين من عمره، وتجلت عبقريته الشعرية بعد أن رجع من الإستانة إلى بغداد منفياً، فإنه طفق ينظم القصائد الشائقة، ويذيعها بتوقيع مستعار في كل من صحيفة (المُقتطَف)، و(المُقطَّم)، و(المؤيَّد) بمصر، بموضوعات فلسفية أو اجتماعية مستنهضاً بها الأمة، يريد إيقاظها من رقدتها. وأحدثت قصائده انقلاباً في الأدب، فدخل في طراز جديد لم يعهد قبله، وأخـذ القراء والأدباء يحذون حـذوه في نظم المعاني المستحدثة، وأبدع الإبداع كله في سنواته الأخيرة. يجمع شعر الزهاوي بين التقليد والتجديد، إذ عاش في مرحلة تأريخية كانت تنتمي بجذورها إلى التراث القديم، وتستشرف في الوقت نفسه ما يجود به العصر الحديث من علوم ومعارف جديدة.
مؤلفاته :-
من مؤلفاته النثرية: (كتاب الكائنات) 1896م، و(الخيل وسباقها) 1896م، (الجاذبية وتعليلها) 1910م، و(ترجمة لرباعيات الخيام) 1928م، و(رواية ليلى وسمير): ألفها لتمثّّل في بغداد في العام1927م، فضلاً عن عدد من المقالات والأبحاث والمحاضرات، ومن تلك المقالات ما هو خاص باللغة العربية وقواعدها، وبعلوم الطبيعة، وبالدفاع عن المرأة، وبالفيزياء. كما إن له مجموعة رسائل نُشرت في (مجلة الكاتب) المصرية، وله مناظرة دارت بينه وبين الكاتب المصري الكبير (عباس محمود العقاد). ومن آثاره الشعرية: (الكلِم المنظوم) 1911م، و(رباعيات الزهاوي) 1824م، و(ديوان الزهاوي) 1924م، و(ثورة الجحيم) 1931 وهي قصيدة طويلة عدد أبياتها (433) بيتاً.. توفي الزهاوي ببغداد في العام 1936م. وقد رثاه (إبراهيم المازني) قائلاً: ((والحق إن الزهاوي كان أعجوبة، وطراز وحده، وحسبك من أعاجيبه أن ذهنه رياضي أو علمي بفطرته، ولكنه اشتهر بالشعر أكثر مما اشتهر بسواه)). وكتب (طه حسين) حينما علم بوفاته (( إنني محزون لهذا النبأ الذي نعى إلينا الزهاوي، فلم يكن- رحمه الله- شاعر العربية فحسب، ولا شاعر العراق، بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار،… فقد كان مربياً لهذا الجيل الشعري؛




رد: جميل الزهاوي

بارك الله فيك وجزاك الله كل خير على هذا الطرح القيم والثري في فحواها بلاناره والمعرفه..حفظكم الله كل التقدير لكم




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.