أولا: العالم الخارجي ونشاطاتنا الذهنية : الذاكرة والخيال
-1- العالم الخارجي يشكل المادة الأولية لكل من الذاكرة والخيال
-2- تعريف الذاكرة:
عندما تواجهنا مشكلة ما فإننا لا نواجهها وفق عناصرها الحاضرة فحسب وإنما نستمد حلها من خلال ماضي حياتنا كلها ( التجارب والخبرات السابقة ) لهذا نتساءل عن معنى الذاكرة ؟
ــ الذاكرة هي ملكة ذهنية تخزن المدركات وتثبتها وتستحضرها عند الضرورة .
* يعرفها العالمان الأكاديميان ‘روزنتال ‘و ‘يودين ‘ بأنها حفظ الذات لنتائج تفاعلها مع العالم الخارجي مما يجعل في إمكانها ترديد واستخدام هذه النتائج في نشاط لاحق وتصنيفها وربطها في أنساق .
"وظيفة نفسية تتمثل في إعادة بناء (استرجاع)"André Lalande * و يعرفها لا لاند "
حالة شعورية ماضية مع التعرف عليها من حيث هي كذلك ".
ــ من خلال هذه التعاريف يمكن أن نميز بين ثلاث مراحل في الذاكرة :
– التثبيت ( التخزين ، الاحتفاظ ، التحصيل )ـــــــ لكي نسترجع لابد من وجود الذكرى التي يجب بدورها أن تحتفظ . وعملية الاحتفاظ يستلزم مجموعة من العوامل الموضوعية ( – التكرار
الموزع أفضل من التكرار المستمر ، هذا ما أثبتته الدراسات والتجارب التي قام بها العالم النفساني الألماني .
" وتتمثل في عدد القراءات اللازمة لحفظ موضوع أو كلمات ما.Ebbinghaus اينجهوس" – الفهم ، فكلما كان النص المراد حفظه ذو معنى كلما سهل ت عملية التثبيت عكس الصعب .
النغمة والتسميع ، أثبتت التجارب أن تسميع ما تم حفظه يساعد في عملية التثبيت ، نفس الشيء يقال على القراءة بنغمة كالشعر على سبيل المثال ، فهو يسهل عملية الحفظ إذ يساعد على اكتساب عادات حركية …) والعوامل الذاتية (- كالحالة الصحية للفرد وسلامة أعضائه فكما يقول ‘الجابري ‘التعب يعوق الحفظ بسهولة ، نفس الشيء بالنسبة للمشي أو الاستلقاء على السرير لا يساعد على الحفظ بسرعة ‘فهي شروط فيزيولوجية .
– التأثر بما تم إدراكه ،- الانتباه القوي – الرغبات والميول – عامل الجزاء كالعقاب والثواب ( أو المدح والذم )–فالاهتمام والدافع إذن يساهمان في عملية الحفظ . فهي شروط نفسية .)
دون أن ننسى عامل السن ونوعية الذاكرة ، الطفل الصغير يتذكر أكثر من الإنسان الراشد وهكذا)
– الاسترجاع ( التذكر )
بعد تثبيت الذكريات تأتي عملية التذكر أو الاسترجاع سواء بطريقة عفوية أو إرادية
– التعرف أو -التحديد المكاني و الزماني
بعد استرجاع ذكرى ما تأتي مرحلة التعرف عليها إن كانت فعلا مرت بنا أم أنها من إنتاج مخيلتنا .لأن أحيانا تنحرف الذاكرة عن مدارها في أحد الاتجاهين – في اتجاه يعتقد فيه الشخص أنه مرت به حادثة ما وفي الواقع لم يحدث ذلك ) Déjà vu يسمى عند علماء النفس " الشعور بما سبقت رؤيته"()Jamais vu – أما الثاني فهو عكس الأول، إذ ينكر فيه الشخص حدوث موقف ما مثلا وهي (بعدها تأتي مرحلة التحديد الزماني والمكاني للذكرى كإطارين اجتماعين .
ــ أنواع الذاكرة :
للذاكرة ميزتان أساسيتان ، أولا أنها وسيلة للاستحضار الماضي والثانية مصحوبة بجهد عقلي وانتباه ، هذا ما يوحي إلى أنها فعالية عقلية تلعب دور أساسي في إنشاء المعرفة ولكن الأمر لا يتوقف عند مجرد تذكر الأشياء وإنما تذكر الحالة الشعورية التي رافقت الحادثة ( حالة انفعالية)
لهذا يقول العالم والفيلسوف الأمريكي ‘ جون ديوي ‘: " إننا لا نسترجع الماضي بذاته بل لأجل ما يضيفه إلى الحاضر …فحياة الذاكرة هي بالأساس حياة انفعالية أكثر منها عقلية ، فالإنسان لا يختار أن يسترجع في ذاكرته إلا الأحداث التي تكون لها قيمة انفعالية في اللحظة الراهنة …"
كما يوضح ذلك ‘ محمد عابد الجابري ‘
لذا أثير التساؤل أين تكمن القيمة النفسية للتذكر هل في دور العقل ؟ أم في دور الانفعالات التلقائية ؟
– الذاكرة العقلية والتذكر الإرادي ( القصدي ) :
للفرد ذاكرة عقلية الى جانب الذاكرة الحسية أين يتذكر المعنى فقط وتظهر أهميتها في اكتساب المعارف ومن صورها نجد :
التذكر الإرادي : عملية معقدة تستلزم شعورا وانتباها وتأويلا و انتقاءا وتمييزا وحكما مثلا:
رؤية شخص ـــــــــ انتباه ـــــــ البحث أين ومتى ( الزمان والمكان )ـــــــ التعرف عليه.
فهذا النوع يقوم على وظائف عقلية عليا كالذكاء والإدراك والتخيل .ففي الامتحانات مثلا ، يقوم الطالب باختيار المعلومات التي توافق طبيعة الأسئلة المقترحة وإلا وقع في الخطأ.
– الذاكرة الانفعالية والتذكر العفوي :
إن الذاكرة الانفعالية هي التي تجعلنا نعيش الماضي من خلال استرجاعها للحالات الشعورية التي صاحبت الميولات و العواطف التي تلعب دور في وحدة الشخصية ومن صورها نجد :
التذكر العفوي: وهو فعل تلقائي نفسي أساسه استرجاع ذكرى ماضية لغاية عملية حاضرة دون أدنى جهد إرادي وهذه العفوية لا تتم بمعزل عن عوامل نفسية وعضوية ، على أساس لا شيء ينطلق من العدم وهي قوانين تداعي الأفكار منها الأساسية ومنها الثانوية