الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد :
فهذا منتقى من صحيح السيرة
باب ذكر نسبه الشريف وطيب أصله المنيف
قال الله تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] .
ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان تلك الأسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام قال : كيف نسبه فيكم ؟ قال : هو فينا ذو نسب . قال : كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها . يعني : في أكرمها أحسابا وأكثرها قبيلة صلوات الله عليهم أجمعين . فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة .
أسماؤه
أبو القاسم وأبو إبراهيم محمد وأحمد والماحي الذي يمحى به الكفر والعاقب الذي ما بعده نبي والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة وخاتم النبيين وعبد الله .
نسبه كاملا صحيحا
وهو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو من ولد إسماعيل لا محالة على اختلاف كم أب بينهما .
وهذا النسب بهذه الصفة لا خلاف فيه بين العلماء فجميع قبائل عرب الحجاز ينتمون إلى هذا النسب ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ الشورى : 23 ] : لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم .
اصطفاه الله من بني هاشم
وفي ( صحيح مسلم ) من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) .
باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين لما رواه مسلم في ( صحيحه ) عن أبي قتادة أن أعرابيا قال : يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ فقال :
( ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه ) .
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل .
فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام
وروى محمد بن إسحاق عن حسان بن ثابت قال :
والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة ب ( يثرب ) : يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به .
ذكر حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام
أخرج البخاري ومسلم عن أم حبيبة بنت أبي سفيان [ أنها ] قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان ( ولمسلم : عزة بنت أبي سفيان ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أو تحبين ذلك ؟ ) . قلت : نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن ذلك لا يحل لي ) . قالت : فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة ( وفي رواية : درة بنت أبي سلمة ) . قال : ( بنت أم سلمة ؟ ) . قلت : نعم . قال :
( إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ) .
زاد البخاري : قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
شق البطن
وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك . قال :
( نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام .
واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذ أتاني رجلان – عليهما ثياب بيض – بطست من ذهب مملوء ثلجا ثم أخذاني فشقا بطني واستخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال : زنه بمئة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال : زنه بألف من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم فقال : دعه عنك فوالله لو وزنته بأمته لوزنها ) .
وإسناده جيد قوي .
وثبت في ( صحيح مسلم ) عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج معه علقة سوداء فقال : هذا حظ الشيطان . ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني : ظئره – فقالوا : إن محمدا قد قتل . فاستقبلوه وهو منتقع اللون . قال أنس : وقد كنت أرى ذلك المخيط في صدره .
وفي ( الصحيحين ) عن أنس وعن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء – كما سيأتي – قصة شرح الصدر ليلتئذ وأنه غسل بماء زمزم .
ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين : مرة وهو صغير ومرة ليلة الإسراء ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى ولمناجاة الرب عز وجل والمثول بين يديه سبحانه وتعالى .
الرضاع في بني سعد
وقد روى أحمد وأبو نعيم في ( الدلائل ) عن عتبة بن عبد : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف كان أول شأنك يا رسول الله ؟ قال :
( كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت : يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا . فانطلق أخي ومكثت عند البهم فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ فقال : نعم . فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه : ائتني بماء وثلج فغسلا به جوفي ثم قال : ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال : ائتني بالسكينة . فذرها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه : خطه . فخاطه وختم على قلبي بخاتم النبوة فقال أحدهما لصاحبه : اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة . فإذا أنا أنظر إلى الألف فوق أشفق أن يخر علي بعضهم فقال : لو أن أمته وزنت به لمال بهم . ثم انطلقا فتركاني وفرقت فرقا شديدا ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد لبس بي فقالت : أعيذك بالله . فرحلت بعيرا لها وحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت : أديت أمانتي وذمتي . وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها وقالت : إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام ) .
موت أمه آمنة وهي وأباه في النار
فصل
روى الإمام أحمد عن بريدة قال :
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا ب ( ودان ) قال :
( مكانكم حتى آتيكم ) . فانطلق ثم جاءنا وهو ثقيل فقال :
( إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة – يعني : لها – فمنعنيها وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) .
وروى مسلم أيضا عن أنس :
أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : ( في النار ) . فلما قفى دعاه فقال :
( إن أبي وأباك في النار ) .
(وكذا جده عبد المطلب وعمه أبو طالب )
وقد قال البيهقي بعد روايته هذه الأحاديث في كتابه ( دلائل النبوة ) :
( وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ولم يدينوا بدين عيسى ابن مريم عليه السلام وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام لأن أنكحة الكفار صحيحة ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن إذ كان مثله يجوز في الإسلام . وبالله التوفيق ) .
خروجه عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلى الشام وقصته مع بحيرى الراهب
روى الحافظ أبو بكر الخرائطي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال :
خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب – يعني : بحيرى – هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم . قال :
فنزل وهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا سيد العالمين ( وفي رواية البيهقي زيادة : هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين ) .
فقال له أشياخ من قريش : وما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه .
ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به – وكان هو في رعية الإبل – فقال : أرسلوا إليه . فأقبل وغمامة تظله فلما دنا من القوم قال : انظروا إليه عليه غمامة فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه قال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه .
قال : فبينما هو قائم عليهم وهو ينشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر من الروم قد أقبلوا قال : فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا أخبرنا خبره إلى طريقك هذه . قال : فهل خلفكم أحد هو خير منكم ؟ قالوا : لا إنما أخبرنا خبره إلى طريقك هذه . قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ فقالوا : لا . قال : فبايعوه وأقاموا معه عنده قال :
فقال الراهب : أنشدكم الله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب .
فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت .
وهكذا رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن عساكر وغير واحد من الحفاظ وقال الترمذي :
( حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) .
فصل
في منشئه عليه الصلاة والسلام ومرباه وكفاية الله له وحياطته وكيف كان يتيما فآواه وعائلا فأغناه
قال جابر بن عبد الله :
لما بنيت الكعبة ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة . ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال : ( إزاري ) . فشد عليه إزاره . أخرجاه في ( الصحيحين )
شهوده عليه الصلاة والسلام حلف الفضول
روى الحافظ البيهقي بسنده عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( شهدت مع عمومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكثه – أو كلمة نحوها – وأن لي حمر النعم ) .
قال : و( المطيبون ) : هاشم وأمية وزهرة ومخزوم .
قال البيهقي : كذا روي هذا التفسير مدرجا في الحديث ولا أدري قائله . وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين .
قلت : هذا لا شك فيه وذلك أن قريشا تحالفوا بعد موت قصي وتنازعوا في الذي كان جعله قصي لابنه عبد الدار من السقاية والرفادة واللواء والندوة والحجابة ونازعهم فيه بنو عبد مناف وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش وتحالفوا على النصرة لحزبهم فأحضر أصحاب بني عبد مناف جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت فسموا المطيبين كما تقدم وكان هذا قديما .
ولكن المراد بهذا الحلف حلف الفضول وكان في دار عبد الله بن جدعان كما رواه الحميدي وابن إسحاق .
وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب .
فصل
في تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
قال البيهقي : ( باب ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة ) .
ثم روى بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم ) . فقال له أصحابه : وأنت يا رسول الله ؟ قال :
( وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط ) .
ورواه البخاري .
فصل
في تجديد قريش بناء الكعبة قبل المبعث بخمس سنين
وروى أبو داود الطيالسي عن علي رضي الله عنه قال :
لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه ؟ فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل فخذ أن
يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه .
وروى أحمد عن مجاهد عن مولاه – وهو السائب بن عبد الله – أنه حدثه :
أنه كان فيمن بنى الكعبة في الجاهلية قال : وكان لي حجر أنا نحته [ بيدي ] أعبده من دون الله قال : وكنت أجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه فيجيء الكلب فيلحسه ثم يشغر فيبول عليه قال :
فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر ولا يرى الحجر أحد فإذا هو وسط أحجارنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل . فقال بطن من قريش : نحن نضعه . وقال آخرون : نحن نضعه . فقالوا : اجعلوا بينكم حكما . فقالوا : أول رجل يطلع من الفج فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتاكم الأمين . فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فرفعوا نواحيه [ معه ] فوضعه هو صلى الله عليه وسلم .
قلت : وقد كانوا أخرجوا منها الحجر – وهو ستة أذرع أو سبعة أذرع من ناحية الشام – قصرت بهم النفقة – أي : لم يتمكنوا أن يبنوه على قواعد إبراهيم – وجعلوا للكعبة بابا واحدا من ناحية المشرق وجعلوه مرتفعا لئلا يدخل إليها كل أحد فيدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا .
وقد ثبت في ( الصحيحين ) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها :
( ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا وأدخلت فيها الحجر ) .
ولهذا لما تمكن ابن الزبير بناها على ما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت في غاية البهاء والحسن والسناء كاملة على قواعد الخليل لها بابان ملتصقان بالأرض شرقا وغربا يدخل الناس من هذا ويخرجون من الآخر .
فلما قتل الحجاج ابن الزبير كتب إلى عبد الملك بن مروان – وهو الخليفة يومئذ – فيما صنعه ابن الزبير – واعتقدوا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه – فأمر بإعادتها إلى ما كانت عليه . . . فهي إلى الآن كذلك .
ماكانوا عليه في الجاهلية وجاء الإسلام بإزالته
قال الألباني :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول : من يعيرني تطوافا ؟ تجعله على فرجها وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية : خذوا زينتكم عند كل مسجد [ الأعراف : 31 ] .
رواه مسلم ( 8/243 – 244 ) .
وقال عروة :
كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس – والحمس : قريش وما ولدت – وكانت الحمس يحتسبون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم تعطه الحمس طاف بالبيت عريانا .
وكان يفيض جماعة الناس من ( عرفات ) وتفيض الحمس من ( جمع ) .اهـ
فصل
في مبعثه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :
إن مما دعانا إلى الإسلام – مع رحمة الله تعالى وهداه لنا – لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم .
فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين [ البقرة : 89 ]
وروى ابن إسحاق عن سلمة بن سلامة بن وقش – وكان من أهل بدر – قال :
كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل – قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي فروة لي مضطجع فيها بفناء أهلي – فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار . قال : فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت . فقالوا له : ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم والذي يحلف به ويود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا .
قالوا له : ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟
قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد . وأشار بيده إلى نحو ( مكة ) واليمن .
قالوا : ومتى تراه ؟
قال : فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه .
قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله [ محمدا ] رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا .
قال : فقلنا له : ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ولكن ليس به
رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق .
ورواه البيهقي عن الحاكم بإسناده من طريق يونس بن بكير .
وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) عن محمد بن سلمة قال :
لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول – وإني لغلام في إزار – : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت – ثم أشار بيده إلى بيت الله – فمن أدركه فليصدقه .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا .
الرجاء نقل الموضوع الى جميع المنتديات لتعم الفائدة, ولا حاجة لذكر المصدر
والسلام على من اتبع الهدى