الحكـاية الشـعبية :
الحكاية الشعبية هي أقدم من الموضوعات التي ابتدعها الخيال الشعبي ، تتجلى فيها حكمة الشعب ، و نتائج ممارساته و معايشته للحياة و هي خلاصة تجارب الأجيال مصاغة في قالب قصصي مشوق ، زاخر بالعبر و القيم النبيلة فالحكاية تسمع ثم تكرر بقدر ما تعيها الذاكرة و قد يضيف الراوي الجديد إليها شيئاً أو يحذف منها أشياء و قد تروي مرة أخرى كما هي دون حذف أو إضافة و إن أصابها بعض التغيير من تقديم أو تأخير بعض الفقرات و قد تدون هذه الروايات و يتناقلها البعض عن طريق السمع أو القراءة .
و تقوم الحكايات الشعبية بدور كبير في تأكيد الروابط الاجتماعية بما تحمل من قصص عن القيم الاجتماعية و الروابط الأسرية ، و ما تحققه من مشاركة فكرية و وجدانية بين الراوي و السامع ، و الراوي للحكاية الشعبية هو مجرد صدى لصوت الشعب نفسه، يقدم من خلال ما يحفظه من حكايات يرويها، تقاليد المجتمع و عاداته ، و من خلال ما يقدمه تنتقل معالم الحياة الفاضلة بطريق غير مباشر من أذن السامع إلى فكره.
فعند الشعبيات قبل أن تخلد الأسرة إلى النوم ، و في وقت كان فيه البيت هو المدرسة الوحيدة التي يتخرج منها الإنسان ، كانت الحكاية الشعبية بطريق غير مباشر إحدى وسائل التلقين و توصيل المعلومات بهدف توجيه النشء و تأصيل المبادئ والأعراف وتفتيق الذهن و توسيع الخيال .
وتتميز الحكايات الشعبية بأنها تصوير للحياة الواقعية بأسلوب واقعي ، أو بتجريد الأحداث و إعطائها صبغة خيالية، أو بتضارب الأحداث و تناقضها حتى تصبح شيئاً فوق الواقع ، و أعلى من التجربة الملموسة ، و هذا ينطبق على الأشخاص حينماً تحمل شخصيات الحكاية الشعبية جوانب من عالم الخرافة و أحداثاً خارقة للطبيعة .
و مازالت الحكايات الشعبية تلعب دورها في إثراء المعرفة البشرية من خلال تصويرها أحداث الحياة و انتقالها من فرد إلى فرد ، و من جيل إلى جيل ، و من مجتمع إلى مجتمع، فهي بالإضافة إلى أنها تحمل في بعض جوانبها بقايا من الأساطير و المعتقدات الشعبية القديمة في منطقة الخليج ، فهي تعكس أيضاً تصويراً و وصفاً لبعض قطاعات من الحياة الإنسانية و الأحداث التاريخية و الجغرافية التي شهدتها المنطقة ، مما لم يصل إلينا من خلال كتب التاريخ المدون أو كتب الرحلات ، ومن خلال ما يرويه الراوي يتعلم السامعون قيم المجتمع و فضائل الحياة و غرائب الطبيعة، حيث تشدهم بطريق غير مباشر أحداث البطولة و مغامرات الشجاعة إلى اعتناق و ممارسة قيم البطولة و عاداتها و أنماط السلوك الفاضل ، كما أنها تقوم بدور تربوي بجانب المتعة الفنية التي تقدمها للسامعين .
و قد تصف الحكاية الشعبية أحداثا معينة و عادات و تقاليد أشخاص معينين في قطاع مكاني محدود و فترة زمنية معروفة، و لكن بأسلوب فني يعتمد على السرد و استشارة خيال السامعين و أحاسيسهم و هم ينصتون للراوي و هو يقص صراع البطل ضد أعداء قومه، و يكبرون في نفوسهم تواضعه حينما يعود منتصراً ، و يبحثون مع البطل المحب ، و هو يغالب العقبات التي تحول بينه وبين الحصول على اللؤلؤة المجهولة التي تطلبها حبيبته، و يتعاطفون في حنان مع البحار الذي سقط من سفينته ليصارع البحر و الموج ، أو تاجر اللؤلؤ حين يفقد لؤلؤه الذي جمعه عندما يسقط منه في البحر ، و لكنه لا ييأس ، و الغواص الفقير حين تضيع اللؤلؤة الوحيدة التي رزقه الله بها ، يحزن و يسأل الله العوض ، حتى يصطاد سمكه لطعامه فيجد في جوفها لؤلؤة كبيرة .
و من الحكايات الشعبية أيضاً ما يروى عن أهوال الصحراء و وفاء الحيوان و ممارسات الإنسان مع الطبيعة و الصيد و الفروسية و غيرها .
و كما يتغنى "النهام" بأغانيه للرفاق يحكي الغواص "السوالف" و الأحداث التي مر بها و سمعها و كانت من واقع الحياة ، أو يتبادل البحارة "حكايات" تناقلوها عن الأجداد ، يمتزج فيها الخيال بالحقيقة و الوهم بالواقع ، و الأسطورة بأحداث الحياة ، منها ما يحمل قيماً أخلاقية و منها ما يؤكد الإيمان الديني و المعتقد ، و البعض منها ساخر، و البعض الآخر يهدف إلى حكمة و يسجل بالرمز تجربة إنسانية ، و إن كانت أحياناً ترد على لسان الحيوان أو الطير، و من الحكايات ما يقدم جوانب من التاريخ لم تكن معروفه ، أو غفل التاريخ المسجل عن ذكرها، و تروى أحداث أبطال من صنع الخيال الشعبي ، فالحكايات الشعبية لأي مجتمع هي سجل متنوع الصفحات لقصة الشعب نفسه، صاغ فيها الشعب جيلاً بعد جيل ، أحداث حياته و تطلعات مستقبله ، يصف الواقع في أسلوب روائي يمزج الواقع، يضفى من فيض خياله، و تصورات أوهامه أوصافاً أسطورية على قصص البطولة ، أو حوادث المغامرات ، كما يسجل من خلال الحكاية ، جوانب من تاريخ أمتـه .
منكم نتعلم