إن معرفة توزيع الجسم للدواء تعتبر نقطة مهمة لاختيار الدواء المعطى وتحديد جرعته. إن توزيع معظم الأدوية في الجسم يتأثر بعدة عوامل مختلفة ويكون مرتبطاً بالفئات العمرية للإنسان، ومن هذه العوامل ما يتعلق بالدواء نفسه والمتمثلة بخصائصه الفيزيائية والكيميائية، إضافة إلى درجة ارتباط الدواء بالبروتينات وحجم سوائل وانسجة الجسم ، معدل ضخ القلب، ومعدل جريان الدم إلى مناطق الجسم المختلفة، ونفاذية الأغشية البيولوجية المختلفة للدواء . يتم توزيع الدواء في الجسم بعد امتصاصه عن طريق الدورة الدموية . ومن المعروف أن حجم الدم عند الإنسان البالغ متوسط العمر هو 6 لتر، وهذا لحجم يضخ عن طريق القلب إلى جميع أجزاء الجسم كل دقيقة حاملاً معه الدواء الممتص .
تعبر جميع الأدوية تقريباً بسهولة الشعيرات الدموية حيث يتم انتقال بعضها إلى خارج الحيز الوعائي القلبي والذي يطلق عليه ( Extracellular Space ) ، وأن الشعيرات الدموية – عدا تلك الموجودة في الدماغ – تقوم بعملية الترشيح (Filtration ) مقارنة بالأغشية الدهنية من حيث الخاصية النفاذية ، فالأدوية التي يكون أوزانها الجزيئية من 500 إلى 600 تنفذ بسرعة من حيز النظام الوعائي القلبي (Vascular System ) إلى حيز السائل الخارجي الذي تسبح فيه الخلايا (Interstitial Fluid Bathing the cells ) ، بعض سوائل الجسم يمكن أن تكون نوعاً ما غير قابلة لدخول الأدوية فيها من مجرى الدم، وهذه السوائل تشمل سائل الحبل الشوكي المخي (Cerebrospinal Fluid CSF ) وإفرازات القصبات الهوائية ( Bromchial Secretions ) والسائل المحيط بالقلب ( Pericardial Fluid ) وسائل المنطقة الوسطى للأذن ( Middle Ear Fluid ) إلا أن حدوث الالتهابات في أغشية هذه المناطق من الجسم تزيد من نفاذية الأدوية لها .
يعتمد تركيز الدواء في سوائل الجسم أيضاً على درجة ارتباط الدواء في ذلك السائل، لذلك نجد بأن سوائل الحبل الشوكي المخي وسائل اللعاب تفتقر إلى وجود البروتينات التي ترتبط بها الأدوية، ولذلك فان تركيز الأدوية فيها يكون قليلاً وأن تركيز الأدوية بشكل عام في السوائل الخارجية بالنسبة لسائل الجهاز الوعائي القلبي يكون قليلاً لأن تركيز بروتينات الألبيومين فيها يكون أقل من تركيزه في البلازما .
أما التوزيع الخلوي للأدوية ( Cellular Distribution ) بمعنى انتقال الأدوية داخل الخلايا فهذا يعتمد على عوامل مختلفة تتفق مع العوامل التي تؤثر على امتصاص الأدوية عن طريق الجهاز الهضمي، ولهذا فان الأدوية ذات الأوزان الجزئية الواطئة ، والذوابة في الماء إضافة إلى الكهارل ( electrolytes ) فإنها تنفذ بسهولة عبر القنوات ( الثقوب ) المائية في جدار الخلية، في حين أن الأدوية الذوابة في الدهون تخترق الجدار الخلوي نفسه بينما الأدوية المتوسطة في الأوزان الجزئية ( من 50 فأكثر ) ، والذوابة في الماء لا تنفذ بسهولة داخل الخلية عن طريق الغشاء الخلوي إلا إذا كان هناك آليات نقل خاصة ( Special Trarsport Mechanisms ) .
أما فيما يتعلق بتوزيع الدواء في الجهاز العصبي المركزي ، فان الشعيرات الدموية الموجودة في الدماغ لها خاصية نفاذية تختلف عن باقي الشعيرات الموجودة في أجزاء الجسم الأخرى لكونها تمتلك طبقة خلوية تجعلها أقل نفاذية للمواد الذائبة في الماء . هذه الطبقة من الخلايا هي التي تعرف بالحاجز الدموي الدماغي (Blood-Brain Barrier ) ، وأن عبور الأدوية إلى الدماغ يعتمد على درجة تأين ذلك الدواء في البلازما وعلى ذائبيته في الدهون. فمثلاً دواء ثيوبنتال (Thiopental ) يصل إلى الدماغ بسرعة بعد إعطائه مقارنة بدواء له درجة عالية في الذوبان في الماء مثل باربيتال (Barbital ) والذي يصل إلى الجهاز العصبي المركزي بمعدل أقل مقارنة بالثيوبنتال . إلا أنه في حالة الالتهابات التي تصيب الجهاز العصبي المركزي فان نفاذية الحاجز الدموي الدماغي للأدوية تزداد .
يعتبر جريان الدم ( Blood Flow ) أحد العوامل المهمة في تحديد مدى توزيع معظم الأدوية، كذلك نلاحظ أن التوزيع يتم بسرعة إلى مناطق الكلى، الكبد ، القلب والدماغ بحكم أنها الأكثر تروية بالدم مقارنة بأعضاء أخرى تزود بالدم بدرجة قليلة مثل العضلات الهيكلية ( Skeletal Muscle ) والأنسجة الدهنية (Adipose Tissue ) .
إن ارتباط الأدوية ببروتينات الدم يشكل عاملا مهما في حدوث التداخلات الدوائية حيث أن ارتباط الأدوية ببروتينات البلازما يعتمد على الكمية المتوفرة للبروتينات التي ترتبط بها الأدوية وعلى درجة الارتباط بين الدواء والبروتين ، وعلى عدد مناطق الارتباط المتوفرة في البروتينات ووجود حالات مرضية أو مركبات داخلية والتي ممكن أن تؤثر على درجة الارتباط ما بين البروتينات والدواء . وحدوث التداخلات الناتجة عن ارتباط الأدوية ببروتينات الدم تنتج عندما يتم أخذ دواء بوجود دواء آخر لهما القدرة على الارتباط بالبروتينات ، هذا الارتباط إما أن يكون على مناطق متشابهة على البروتين ، وفي هذه الحالة فان الدواء الذي له درجة ارتباط أعلى سوف يحل محل الدواء الذي له درجة ارتباط أقل مما يزيد من تركيز الجزء غير المرتبط ( الحر ) للدواء المزاح وهذا هو الجزء الذي يعطي الفعالية الدوائية وقد يصل إلى مستوى تظهر معه علاماته السامة ، كما أن الجزء الحر من الدواء هو فقط الذي يكون عرضة للاستقلاب الدوائي وطرحه من الجسم . وهذا النوع من التداخلات الدوائية يطلق عليه الإزاحة التنافسية ( Competitive displacement ) .
أما إذا كان للدوائين مناطق ارتباط مختلفة على البروتين بحيث يؤثر كل دواء على الخاصية الارتباطية للدواء الآخر فان هذا النوع من التداخلات يطلق عليه الإزاحة غير التنافسية ( noncompetitive displacement ) . يجب أن يفهم بأن الدواء يكون في الجسم جزء منه مرتبط بالبروتينات ( غير الحر ) والجزء الآخر غير مرتبط ( حر ) وأن الجزء الحر هو الذي يعطي الفعالية الدوائية وهو الذي تجرى عليه عملية الاستقلاب والطرح من قبل الجسم ، وأن هناك توازنا ما بين الجزئين بحيث إذا قل تركيز الجزء الحر تم تحرر كمية من الدواء المرتبط حتى تحافظ على الاتزان وعلى الفعالية الدوائية المطلوبة .
وارتباط الدواء بالبروتينات يؤثر على توزيع وطرح الدواء، وان أهم بروتين موجود في الدم والذي يلعب دوراً أساسياً في الارتباط البروتيني الدوائي هو بروتين الألبيومين ( Albumine ) لأنه يشكل نصف مجموع بروتينات البلازما، وأنه يرتبط أساساً في الأدوية الحامضية الضعيفة والأدوية المتعادلة، أما الأدوية القاعدية الضعيفة (Weak Basic Drugs ) فترتبط ببروتين يسمى ( – Acid Glycoprotein ) أو ما يعرف بالأوروسوميوكويد (Orosomucoid ) ومن الأمثلة على الأدوية القاعدية هي : Lidocaine , Imipramine, Quinidine, Propranolol إضافة إلى وجود بروتينات خاصة مثل (الجلوبيولين ) للارتباط بالهرمونات الأستروئيدية ، والثايكروسين ، وفيتامين ب2 ولكنها قليلة الأهمية في مجالنا هذا .
لقد وجد بأن قوة ارتباط الأدوية الحامضية بالألبيومين تزداد – كما هو الحال في مستويات بروتينات البلازما الأخرى – منذ الولادة وحتى فترة الطفولة المبكرة وأنها لاتصل إلى درجة البالغين إلا بعد 10-12 شهراً من عمر الطفل، إضافة إلى ذلك وبالرغم من أن مستوى الألبيومين قد يصل إلي مستوى البالغين بفترات قليلة بعد الولادة، إلا أن مستوى الألبيومين في الدم يتناسب مع العمر الحملي والذي يعكس كلاً من الانتقال المشيمي ( Placental Transport ) والتصنيع الجنيني (Fetal Synthesis) ، والدراسات التي أجريت لتوضح الاختلاف في درجات الارتباط ما بين الدواء والبروتينات في بلازما الأطفال حديثي والولادة وفي بلازما البالغين لوحظ فرق كبير ما بين تراكيز الأدوية غير المرتبطة ( الحرة ) في دم الأطفال حديثي الولادة مقارنة بالتراكيز عند البالغين لكثير من المجموعات الدوائية مثل مجموعة الأدوية المستخدمة ضد الصرع ( Phenytion, Phenobarbitone ) ومجموعة المضادات الحيوية ( Sulphonamides, Methicillin, Nitrofurantoin, Chloramphenicol ) وكذلك الأمر لمجموعات الأدوية التالية : المسكنات، المهدئات، الأدوية النفسية وغيرها . وان هذا الاختلاف ظل ملحوظاً حتى بعد تعديل الجرعة على أساس مستوى البروتينات وتركيز الدواء .
خلصت الدراسات لوضع أربع آليات لتفسير الاختلاف في ارتباط الدواء بالبروتينات عند حديثي الولادة وعند البالغين وهذه الآليات هي :-
1 – ازاحة الدواء من مكان الارتباط عن طريق مادة البليروبين (Bilirubin ) في الدم.
2 – اختلاف في خصائص الارتباط بالألبيومين عند الأطفال والبالغين .
3 – اختلاف خصائص الارتباط لبروتينات الجلوبيولين ( Globulins ) .
4 – تدني خصائص الارتباط للألبيومين بسبب ارتباطه بالجلوبيولين في الأطفال حديثي الولادة .
إن مستويات البروتينات في بلازما الأطفال حديثي الولادة ، أقل منه عند البالغين فهناك انخفاض حاد في مستوى (- Acid Glycoprotein ) وانخفاض في ارتباط الأدوية القاعدية بهذا البروتين إضافة إلى انخفاض مستوى الألبيومين وقلة درجة الارتباط به عند الأطفال حديثي الولادة .
والأمثلة التالية توضح بعض التداخلات الدوائية الناتجة عن ارتباط الأدوية ببروتينات الدم :
v ازاحة مادة البليروبين من مكان ارتباطها بالألبيومين.
مادة البليروبين ( bilirubin ) هي إحدى المخلفات الناتجة عن تحطم كريات الدم الحمراء في الجسم ، ويكون جزء منها مرتبط بالألبيومين والجزء الآخر غير مرتبط حيث يكون عرضة للتحطم الانزيمي ومن ثم يتم طرحه من الجسم . ان ارتفاع نسبة البليروبين في الدم لأي سبب تؤدي للأصابة باليرقان النووي ( kernicterus ) وتتصف هذه الحالة بتآكل العقد العصبية القاعدية ( نوى الدماغ ) الموجودة في الحبل الشوكي والدماغ . وأن ارتفاع البليروبين يظهر عند الأطفال حديثي الولادة لعدم اكتمال الطرق الاستقلابية لديهم مما يؤدي إلى تراكم البليروبين في الدم وظهور حالة الاصفرار .
هناك بعض الأدوية المعروفة بقدرتها على إزاحة مادة البليروبين من مكان ارتباطها مما يزيد من تركيز الجزء الحر ، ومن هذه الأدوية : أدوية سلفونامايد ( sulfonamides ) ، الأسبرين ، وإزاحة مادة البليروبين من مكان ارتباطها لا تشكل أعراض سريرية تذكر إلا في حالة الأطفال الرضع وخصوصا إذا كانت الأم تتناول أدوية تظهر في حليبها ولها القدرة على ازاحة مادة البليروبين الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور حالة اليرقان النووي وخصوصا عند الأطفال غير مكتملي النمو .
v تقليل مستويات بروتين الألبيومين :
بما أن الكثير من الأدوية ترتبط بشكل عالي ببروتين الألبيومين فلا غرابة في أن انخفاض مستواه سوف يؤدي إلى تغير في توافر الدواء وبالتالي إلى تغير في فعاليته العلاجية . ولهذا فان ظهور الآثار الجانبية للأدوية تكون أكثر عند المرضى الذين لديهم نقص في مستوى الألبيومين في الدم ( hypoalbuminemia ) ناتجة عن حالات مرضية مثل أمراض الكلى والكبد والجهاز الهضمي .
لقد وجد بأن الآثار الجانبية لدواء بردنيزون ( prednisone ) تتضاعف عند المرضى الذين يقل لديهم مستوى الألبيومين عن (2.5 غم / 100 مل) ، والذي يساعد في زيادة ظهور الآثار الجانبية هو المستقلب الفعال لدواء بردنيزون ألا وهو بردنيزولون ( prednisolone ) . ولقد وجد أيضا بأن الآثار الجانبية لدواء فينايتون ( phenytoin ) تكون أكثر عند المرضى الذين لديهم انخفاض في مستوى الألبيومين في الدم ، الأمر الذي يزيد من تركيز الدواء الحر . بقي أن نشير إلى أن زيادة تركيز الدواء الحر قد ينشأ عن تغير نوعي في البروتينات التي ترتبط بالأدوية كنتيجة للإصابة ببعض الأمراض وليس نتيجة نقصان مستوى بروتينات الدم .
جدول رقم ( 3 ) يبين بعض الأمثلة على التداخلات الدوائية الناتجة عن إزاحة الأدوية من مكان ارتباطها .
المادة المسببة للإزاحة
النتيجة
تولبيوتامايد Tolbutamide
الصفصاف Salicylates
انخفاض مستوى سكر الدم Hypoglycaemia
ميثوتركسيت Methotrexate
الصفصاف و مركبات السلفا
نقص الكريات المحببة Agranulocytosis
ثيوبنتون Thiopentone
مركبات السلفا
إطالة زمن التخدير
وارفارين Warfarin
كلوفايبريت Clofibrate وحامض الخل ثلاثي الكلور Trichloroacetic acid **
نزيف Haemorrhage
** حامض الخل ثلاثي الكلور : هو أحد المستقلبات الرئيسة لدواء كلورال هيدريت .
الصيدلاني راتب الحنيطي
الحنيطي , راتب : كتاب التداخلات الدوائية ط1 2022م