مقدمة:
عمود الإسلام الصلاة، جاء بهذا الحديث الشريف، لأنها بمثابة المفتاح لباقي الأعمال الصالحة فإذا قبلها الله تعالى قبل ما دونها من الأعمال، وإذا لم تكن كما علّمنا إياها صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل غيرها من الأعمال، قال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله»(1).
بالإضافة إلى أنها العبادة الوحيدة التي تقوم بتصفية صغائر الذنوب، فهي كمثل نهر على باب أحدنا يغتسل منه المسلم خمس مرات في اليوم والليلة كما سيأتي بيان ذلك، هذا بالإضافة إلى فوائدها الكثيرة الأخرى، بل إنها خير كلها، فما يسبقها من أعمال وما يعقبها كذلك كله لا يكاد ينفك عنها في تحصيل الخير والثواب الجزيل من الله سبحانه، فالنهوض لها والوضوء من أجلها والمشي للمساجد لتحصيلها مع جماعة المسلمين وانتظارها، كل ذلك قد نص ديننا على أن فيه من الأجر العظيم ما لا يدركه المحرومون منها، وما بعدها من الاستغفار والأذكار والتسبيح بل حتى الجلوس بعدها والمشي عائدا لبيته من مسجده قد تفضل الله تعالى به علينا بالأجر العظيم من تكفير الذنوب ورفع الدرجات.
هذا وإن للصلاة من الفوائد الاجتماعية الكثيرة ما يعجز القلم هنا من تسطيرها ولا يشعر بقيمتها إلا من التزم بها وذاق حلاوتها، وقد فتح الله سبحانه للمؤمنين فتوحا كثيرة وجعل لهم بها معجزات جليلة وكرامات جميلة كان آخرها ما يثبته اليوم العلماء ذوي الاختصاص من معارف وكشوفات تزخر بها هذه الصلاة على صحة الإنسان وعقله وبدنه.
وسيقسم البحث إلى أقسام: قسم أتناول فيه الصلاة من جانبها الديني في الإسلام، وقسم يضم فوائد الصلاة على الإنسان من الناحية الطبية، ثم مبحث آخر يتناول وجه الإعجاز في ذلك كله.
القسم الأول/ الصلاة في الإسلام
نصوص من القرآن:
اهتم القرآن بالصلاة اهتماما كبيرا، حتى إنك لترى تكرارها في القرآن تكرارا يلفت نظر المتأمل، فقد تكرر لفظ يقيموا الصلاة – بصيغة المضارع المستمر- ثلاث مرات، وأقاموا الصلاة – بصيغة الماضي- تسع مرات، وأقيموا الصلاة – بصيغة الأمر- إثنا عشر مرة، أما لفظ الصلاة فقد تكرر ثلاث وستين مرة في القرآن، في سياق الكلام على أمور عدة، فمرة جعلها الله تبارك وتعالى صفة للمؤمنين وعلامة لهم، وتارة يأمر بإقامتها، وتارة يجعلها من أبواب الاستعانة بها على أمور الدنيا وابتلاءاتها، وتارة يذكّر المحافظين عليها بما أعده لهم في دار الخلد، وتارة يبين ما يجب على المسلم من أحكام قبلها وخلالها وما بعدها، وتارة يجعل تركها علامة على المنافقين، وتارة يذكرها في معرض دعاء الأنبياء والصالحين، وتارة يمدح الآمرين بها، وتارة يذكر الوعيد الشديد لمن تركها، وتارة يأمر بالاصطبار عليها والتمسك بها، فهي علامة المؤمنين، وتجارة الرابحين، وراحة العارفين، وهي حبل الله المتين من تمسك بها نجى، ومن حافظ عليها فقد استمسك بالعروة الوثقى.
وفيما يلي بعض آيات من الذكر الحكيم ورد فيها ذكر الصلاة:
قال تعالى: ***64831;وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ***64830;[البقرة: 43]
وقال تعالى: ***64831;وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ***64830;[البقرة : 45]
وقال تعالى:***64831;حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ***64830;[البقرة : 238]
وقال تعالى:***64831;إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ***64830;[المائدة : 91]
وقال تعالى:***64831;إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر***64830; [لعنكبوت: 45]
وقال تعالى:***64831;وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ***64830;[الأنعام : 72]
وقال تعالى:***64831;وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ***64830;[هود : 114]
وقال تعالى:***64831;قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ***64830;[إبراهيم : 31]
وقال تعالى:***64831;فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً***64830;[مريم : 59]
وقال تعالى:***64831;إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي***64830;[طه : 14]
وقال تعالى:***64831;وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى***64830;[طه : 132]
وقال تعالى:***64831;وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ***64830;[النور : 56]
…