لقد حاولت قدر المستطاع تجميع وتدوين كل المعلومات والمعطيات التي أرى أنها ستساعدني أثناء معالجة الظاهرة التربوية المختارة، معتمدا في ذلك على ما توفر لدي من مراجع لها علاقة بالموضوع .
وإني أسأل الله أن أكون قد وفقت في ملامسة الموضوع المرصود حتى نستطيع سويا أن نحارب هذه الظاهرة التي تلازم حجراتنا الدراسية والله سبحانه وتعالى هو الرقيب على صدق نيتنا.
تمهيد: إن التلاميذ الذين لا يشاركون شفويا وبصفة فعالة داخل القسم لا يعني أنهم متخلفون في مستواهم الدراسي، إذ نجد بعضهم يحصل على نتائج جيدة في الفروض الكتابية.
إذن لا بد أن تكون وراء هذا الغياب عوامل متعددة ومتنوعة.فمنها ما هو نفسي يرتبط بنفسية التلميذ، وما هو اجتماعي يرتبط بالوسط الاجتماعي الذي نشأ فيه، ومنها ما هو يتعلق بظروف العملية التعليمية- التعلمية.
1) العوامل النفسية:
إن الحديث عن هذه العوامل يجرنا إلى الحديث عن الأزمات التي تزخر بها مرحلة التلميذ المنخرط بالمستوى السادس من التعليم الأساسي وهي أزمات كثيرة لا يسمح لنا الوقت في هذا الحيز الضيق أن نتناولها بشكل مستفيض، بل سنقتصر على ذكر بعضها: فهناك الانطوائية والخوف والخجل وعدم الثقة بالنفس.
فهذه كلها أزمات تحد من نشاط التلميذ داخل جماعة الفصل ويستحيل تمييز بعضها عن البعض الآخر فهي "حلقات في سلسلة واحدة على حد تعبير الأستاذ محمد الدريج.
إن من شأن هذه الأزمات أن تساهم في كبح جماح نشاط التلميذ داخل الفصل وتجعله يلزم الصمت مخافة أن يجابه برفض ما قد طرحه، وغالبا ما يلوذ بالصفوف المتأخرة لتقيه شر الظهور والمشاركة أو تجعله منكمشا غير راغب في البوح بمكوناته والتعبير عن أفكاره مخافة عدم قدرة الآخرين على التجاوب مع آرائه عند محاولته المشاركة داخل جماعة قسمه.
2) العوامل الاجتماعية:
إن الأزمات النفسية التي تطبع شخصية التلميذ تعود بطبيعة الحال إلى المحيط الاجتماعي الذي أفرزه وترعرع فيه، فالتربية التي تلقاها في سنواته الأولى تغرس فيه مجموعة من القيم واللبنات التي تساهم في تكوين شخصيته استقبالا، بحيث لا يجب أن ننكر ما للتربية الأولى في الأسرة من أثر عميق في تحديد هذه الشخصيات وتشكيلها.
وخلاصة القول، إن غياب مشاركة بعض التلاميذ الشفوية داخل الفصل مرده لأسباب متعددة ومتداخلة ترتبط بوشائج قوية يستحيل الفصل بينها إلى حد كبير.
غير أن هذه العوامل ليست وحدها التي تعيق نشاط هؤلاء التلاميذ، بل هناك أسباب أخرى تساهم في هذه المشاركة وإعاقتها، وهي أسباب ترتبط أساسا بظروف العملية التعليمية- التعلمية.
3) العوامل التربوية:
إن العملية التعليمية من أكثر الظواهر الإنسانية تشابكا وتعقيدا، وذلك بسبب تعدد العوامل والمؤثرات المحيطة بها، فهناك شخصية الأستاذ التي ترتبط بمجموعة من الشروط تتوفر عند البعض ويفتقر إليها البعض الآخر، إذ لكل واحد ميولا واتجاهات خاصة ومنظومة قيمية تميزه عن غيره والتي تحدد انتماءه الاجتماعي والثقافي ونمط تكوينه التربوي والعلمي، مما يميز تدريسه ويطبعه بطابع متفرد حسب الأستاذ محمد الدريج، وانطلاقا من هذا التصور يمكن أن نميز بين صنفين من المدرسين، فهناك المدرس المرح الذي يخلق بحضور شخصيته جوا مشوقا، وهناك المدرس الذييأبى إلا أن يظهر أمام تلامذته بمظهر وقور وجدي إلى أبعد الحدود.
إن هذا النوع من المدرسين يخلف دون أدنى شك رواسب جد سلبية في نفسية التلميذ حيث تتولد لديه الأزمات السالفة الذكر. كما أن لطبيعة بعض المواد المدرسة وطرق التدريس المتبعة وحالة القسم الأثر الكبير فيما يخص مشاركة التلاميذ الشفوية أو عدم مشاركتهم. يقول أستاذنا الدريج:"إن العملية التعليمية عملية جد معقدة نظرا للعديد من الصعوبات المتشابكة، ومن ضمنها ما يرتبط بصفة عامة بمحتويات التعليم ومواده، وكذا بالمصادر الديداكتيكية والتكنولوجية المتوفرة والمستعملة في كل قسم، وبالظروف السيكولوجية التي تحيط بالمدرسة وأنواع التنظيمات …والتي تجعل من ظاهرة القسم ظاهرة معقدة تتفاعل داخلها عوامل متشعبة وتنصهر فيها متغيرات شديدة التباين.."
كما أن لحالة القسم دورها في هذا الغياب فالاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات يؤثر سلبا على العملية التعليمية، كما أن بعض الأقسام في العالم القروي يتميز بكونه يحتوي على مستويات متعددة مما يدفع المدرس أن لا يتعامل مع جميع التلاميذ ويوزع الكلمة بينهم توزيعا عادلا، وغالبا ما نجده يركز على مستوى واحد ويغيب المستوى الآخرأو المستويات الأخرى(بعض الأقسام تتضمن أكثر من مستوى: الثالث + الرابع+ الخامس + السادس)(عربية وفرنسية).
كما أن لظاهرة فارق السن- والتي تظهر جليا بالمستوى السادس- الأثر البالغ في هذا الغياب. فهناك تلاميذ يبلغون من العمر اثنتا عشر سنة في مقابل آخرين يبلغ سنهم سبعة عشر سنة.
إن من شأن هذا الفارق في السن أن يؤدي بالتلميذ الذي يفوق سنه سن باقي زملائه الانزواء إلى الوراء إحساسا منه بالخجل والضعف وعدم الثقة بالنفس.
خلاصات:
إن الاستمارة التي أعددتها لهذه الغاية مع عينة من التلاميذ عززت إل حد كبير الفرضيات التي أشرت إليها .فالمقام لا يسمح لأن أوردها في هذا المبحث لعدة اعتبارات، فقط وددت أن أطرح أمام الزملاء الأساتذة هذه الظاهرة للبحث فيها .
ومن خلال تصنيفي لأجوبة التلاميذ والأساتذة وبعد ترتيبها وتفريغها، فإنها لم تستطع الجزم بتغليب عامل على باقي العوامل الأخرى، نظرا لتداخل عناصرها.
والذي ينبغي أن نؤكد عليه، فسبب إحجام بعض التلاميذ عن المشاركة الشفوية داخل جماعة القسم أمر يستدعي منا – باعتبارنا فاعلين تربويين- التدخل توا لمحاربة هذه الظاهرة التي تنعكس خطورتها سلبا على حياة هؤلاء الأبرياء مستقبلا، وقد تترتب عنها سلوكات ورواسب من شأنها أن تعيقهم في الاندماج وتصاحبهم في حياتهم المهنية والاجتماعية عموما.
وحتى لا تفوتني الفرصة أتقدم للسيدات والسادة الأساتذة ببعض الاقتراحات التي من شأنها أن تساعد على محاربة الظاهرة الخطيرة التي تلازم حجراتنا الدراسية ، ومن جملتها :
1- على الأستاذ أن يتفهم شخصية الطفل ويتعرف أيضا على اهتماماته وانشغالا ته.
2- ضرورة انفتاح المدرسة على محيطها الخارجي وربط العلاقة بينها وبين الأسرة.
3- استغلال المنهاج التعليمي الذي يساير خصوصيات الطفل المغربي.
4- اعتبار التلميذ الفاعل الحقيقي والمحور الأساسي في العملية التعليمية- التعلمية.
منقووول.