التصنيفات
العقيدة الإسلامية و الإيمان

كيف يكون العبد مبارك اين ما كان

كيف يكون العبد مبارك اين ما كان


الونشريس

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف يكون العبد مباركًا أين ما كان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :
(وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ)
قال صاحب التحرير والتنوير :

المبارك :
الذي تُقارن البركة أحواله في أعماله ومحاورته ونحو ذلك .

كيف تظهر بركته ؟
قال الشوكاني في فتح القدير :
معنى المبارك :
النفاع للعباد .
وقيل :
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر .
قال مجاهد :
معلمًا للخير .

وقال عطاء :
أدعو إلى الله وإلى توحيدهـ وإلى عبادته .

إذن تظهر بركته في :
أي مكان وأي زمان ، فاالبركة جعلها الله فيه من :

· تعليم الخير
· والدعوة إليه
· وإلى عبادته
فكل من جالسه أو اجتمع به نالته بركته ، وسَعُد به مصاحبه .

كيف أكون عبدًا مباركًا ؟!
*اعلم :
أن البركة من الله ينزلها على العبد بقدر :.

· صدق قلبه .
· وصحة علمه .
· وقوة عزمه .

أولاً :
· صدق قلبه :
العبد المبارك صادق في :
· رغبته في الخير .
· وفي نفع العباد .

فأول أمر يحتاجه العبد المبارك :

قلبــه .. لماذا ؟!

لسببين :

الأول :
لأن بركته مرهونة بصلاح قلبه .
وعن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسد فسد الجسد كله ألا وهو القلب ) رواهـ البخاري كتاب الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه .
قال ابن القيم رحمه الله :
فالعمل على القلوب لا على الأبدان .
والمعول على الساكن لا على الأطلال ، والاعتبار بالمحرك الأول ولأن صلاحك مرهون بصلاح قلبك قيل لك :
{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }

قال ابن القيم :
وفي التعبير :.
عن الأعمال بالسر لطيفة وهي :
أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة .
فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحًا ، فتبدو سريرته على وجهه نورًا وإشراقًا وحياءًا ، ومن كانت سريرته فاسدهـ كان عمله تابعًا لسريرته لا اعتبارًا بصورته ، فتبدو سريرته على وجهه سودًا وظلمةً وشينًا ، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته ، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ويكون الحكم والظهور لها .
واعلم :
أن من سنة الله فيمن نوى الخير وعمل بمقتضى تلك النية أن :
يوفق ، ويُسدد ، ويؤيد ، ويُبلغ من الخير ما يُريد .
لذلك :
كان السبب الثاني لأهمية قلبك :.
أن التوفيق والتسديد من الله على حسب ما قام في القلب .
فانظر إلى تمام علمه :
{ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَمِنَ الْمُصْلِحِ }

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ}

وهو يعلم مافي نفسك :.
قال تعالى { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
فبحسن النية بلغ القوم ما بلغوا :.
ولذلك يقول الإمام أحمد موصيًا ابنه :
يابني انوِ الخير ، فإنك بخير ما نويت الخير .

وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم :
‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رجع من ‏ ‏غزوة ‏ ‏تبوك ‏ ‏فدنا من ‏ ‏المدينة ‏ ‏فقال ‏ ‏إن ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏قال وهم ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏حبسهم العذر ‏

قال ابن المبارك :.
رب عمل صغيرٍ تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية .
· وانظر إلى هذه البركة العجيبة ، وكيف أن صلاح القلب سبب في إرادة الخير للمسلمين .
قال ابن عباس رضي الله عنه :إن في ثلاث خصال، إني لآتي على الآية من كتاب الله تعالى فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل فيحكمه فأفرح به ولعلي لا أقاضي إليه أبدا ، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به وما لي به من سائمة .
ثانيًا :.
اعلم أن العبد قد يكون معه :.
قلب صادق ويدٌ للخير لكن قد يُخطئ الطريق لنقص علمه .
لذلك كن بصيرًا :
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
أومن كان ميتًا فأحييناه :
بنور العلم والإيمان والطاعة ، فصار يمشي بين الناس في النور متبصرًا في أموره ، مهتديًا سبيله ، عارفًا للخير ومؤثرًا له ، مجتهدًا في تنفيذه ، في نفسه وغيره ، وعارفًا بالشر مبغضًا له .
أفيستوي هذا بمن هو في ظلمات الجهل ؟!
{ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }
قد التبست عليه الطرق ، وأظلمت عليه المسالك ، فحضره الهم والحزن والشقاء .
واعلم :
أن هذا العلم إذا أُلقي في القلب أنار القلب واشتدت بركة العبد .
ولهذا انظر إلى المثل الذي ضربه الله تعالى لنور العلم والإيمان الذي يجعله في قلوب عباده المؤمنين جزاء تصديقهم وقبولهم لما نزل من البينات ، وتعلمهم لها وعلمهم بها .
ولذلك بعد أن قال :
{ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين}
قال سبحانه :

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35

ثالثًا :
من أجل أن تكون عبدًا مباركًا :
كن صاحب عزيمة قوية .
قال تعالى { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }
قال الشوكاني :
الأخذ :.
وهو القيام بما فيه كما ينبغي وذلك بالإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه .
ثم أكده بقوله { بقوة }
أي بجد وعزيمة واجتهاد .
واعلم أن :
من آوى آوى الله إليه ، ومن استحيا استحيا الله منه ، ومن أ‘رض أعرض الله عنه .
عَنْأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ ، فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ : أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ " .
فشد عزمك وآوي إلى الله .
واحذر من أن تكون صاحب قلب ويدعو لمصلحة نفسه من نفع العباد
وإذا فسدت فسد الجسد كله .
واحذر أن تكون صاحب قلب أعمى :.
قال تعالى :
{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}
واحذر من أن يهبك الله ما تنفع به العباد فتحبس نفعك .
وأخيرًا تأملوا هذا الحديث :
قال صلى الله عليه وسلم :
"إن لله عند أقوام نعما أقرها عندهم ؛ ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملوهم ،فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم"




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.