هكذا وصفت بعض الصحف والمجلات الغربية الشركات المتعددة الجنسيه المتخصصة في صناعة بدائل حليب الأم ( الحليب المجفف ) ، لأن هذه الشركات التي تروج أغذية الأطفال وخصوصا في البلدان النامية كانت تسهم في سوء تغذية حاد وزيادة ملحوظة في وفيات الأطفال بدل من المساعدة على تغذيتهم. ففي الدراسات المسحية التي أجريت في هذا المجال تبين أن أطفال المناطق الريفية المنتمية الى مناطق البلدان النامية والذين تغذوا على الرضاعة الصناعية ماتوا بأعداد كبيرة تفوق عدد وفيات الأطفال الذين تغذوا على لبن الأم ( الرضاعة الطبيعية) ، وبات من المؤكد بأن الرضاعة الصناعية تعد خطرا على حياة أطفال البلدان النامية ، للأسباب التالية :
1- لأن معظم العائلات لا تستطيع شراء الكمية الضرورية من الحليب المجفف ، فحسب التقديرات ، قد تصل قيمة شراء الغذاء المجفف لطفل واحد من 50 الى 80 % من دخل الفرد اعتمادا على الوضع الاقتصادي لمثل هذه الدول الفقيرة، وقد لا تتضمن هذه النسب من التكاليف الزجاجات وأدوات اعداد الطعام والتبريد والتعقيم ….الخ، فكيف يمكن لأسرة أن تكرس أكثر من نصف دخلها للغذاء لأصغر فرد غير منتج ؟ ببساطة لا تستطيع.
فما هو الحل ؟ الحل بسيط ، هو اللجوء الى تخفيف الرضعة من الحليب الصناعي ، والتقارير عن ذلك شائعة ، فهناك عائلات تجعل من علبة الحليب التي مدتها خمسة أيام ، تمتد الى أسابيع ، وكان الأطفال يتناولون كمية كبيرة من الماء قليلة المواد الضرورية ، اذ لم يكن يوجد من النقود ما يكفي لشراء العلب الكافية .
2- تتطلب الرضاعة الصناعية ماء نقيا وظروف اعداد صحية لا توجد غالبا بالنسبة للطبقات المتوسطة في بلدان العالم النامية، والغريب أن الكتب الارشادية لشركات الحليب الصناعي ترشد الامهات الى طرق الوقاية والتعقيم باستخدام طناجر كهربائية لامعة في مناطق يتطلب المضي بعيدا قبل أن تجد طنجرة تعمل على الكهرباء ، ولذلك تلجأ الأم الى استخدام طنجرة الطبخ الوحيدة لديهم لتعقيم أدوات الرضاعة الزجاجية ، ناهيك عن التعرض البكتيري الذي يصنع حلقة شريرة قاتلة للطفل .
3- لقد ثبت بشكل قاطع بأن حليب الثديات يمثل التخصص النوعي ، فمثلا حليب الانسان لا يناسب الا رضيع الانسان، وحليب البقر لا يناسب الا رضيع البقر ، وأن كل حليب يتناسب كما ونوعا رضيع ذلك الجنس ، اعتمادا على نمو الكائن الحي ، فمعدل نمو رضيع البقر يختلف عن معدل نمو رضيع الانسان وهذا يعني اختلافا واضحا في نوع وكمية محتويات الحليب بما يناسب هذا المعدل في النمو وقدرة أعضاء الجسم المختلفة في التعامل مع الحليب ومكوناته التي تتغير كما ونوعا مع متطلبات نمو ذلك الكائن الحي.
والذي يدل على خطأ فكرة الحليب المجفف وأنه خطر يهدد الطفل ويمنعه من حق من أهم حقوقه وهو الرضاعة الطبيعية، ما يلي :
– أكد القرآن الكريم على هذا الحق لمدة سنتين ، وان كان هناك خلافا بين الزوجين يمنع الأم من ارضاع طفلها ، فالحل هو اللجوء الى مرضعة أخرى ، وليس الى حليب البقر.
– تأكيدات منظمة الصحة العالمية في احتفالاتها بيوم الرضاعة الطبيعية بالعودة اليها ، وتشجيع الامهات على الرضاعة الطبيعية وبيان أهمية الأيام الأولى من الرضاعهة الطبيعية لأحتوائها على الجرعات المناعية التي تقي الطفل من الالتهابات البكتيرية والفيروسية ، وأن هذه المكونات المناعية لا توجد أبدا في الحليب المجفف، اضافة الى فوائد الرضاعة الطبيعية الأخرى المهمة التي تعود على الطفل والأم والأب وحتى على الطبيعية ، لأنها صديقة البيئة.
– ظهور العديد من المؤسسات والجمعيات البارزة التي تشجع على الرضاعة الطبيعية.
– تأكيدات المجلات العلمية وكشف سوء التغذية الصناعية .
ولكن هذه الشركات تحاول وبكل قوة الدفع باتجاه الرضاعة الصناعية ، من خلال ما يلي:
1 – زعزعة الثقة ووضع الشكوك في ذهن الأم حول قدرتها على الارضاع ، فمجرد ذكر عبارة ( الأمهات اللائي ليس لديهن حليب ) أو ( الحليب قليل الجودة ) أو للمساعدة بجانب الرضاعة الطبيعية، كل هذه العبارات الدعائية قد تضع شكوكا لدى الأم حول قدرتها على الارضاع.
2 – تشدد هذه الشركات على أن منتجاتها لازمة للمرأة التي تعمل.
3 – الادعاء بأن نشاطات الترويج موجه الى الأغنياء ولا تصل الى الفقراء الا بشكل عارض.
4 – استغلال موظفوا الطاقم الطبي في الترويج للحليب المجفف ، فالدراسات أكدت بأن هذه الشركات لها مروجين من الطاقم الطبي الذين يعملون في المستشفيات وخصوصا الممرضات والقابلات .
5 – تقديم العينات المجانية للأمهات والمراكز الصحية.
6 – الاعلانات والدعايات في وسائل الاعلام المختلفة.
وأخيرا يبدو أن شركات الحليب المجفف لم تكن راضية ولن ترضى عن الطبيعة ( الرضاعة الطبيعية ) التي لا تترك مجالا للاستغلال التجاري.
الصيدلاني راتب الحنيطي