لطالما كان يحدو "جيف بيزوس" خلال سنوات طفولته حلم بأن يصبح راعي بقر أو رائد فضاء. ولكن بدلاً من ذلك، قرر أن ينشئ ظاهرة لم يسبقه إليها أحد – وهي إنشاء أول موقع إلكتروني للتسوق عبر الإنترنت وسماه "أمازون". يضم هذا الموقع أضخم قاعدة بيانات تحوي معلومات عن الزبائن وأذواقهم، فإذا اشتريت أي شيء من "أمازون"، فستجد أنهم يعرفون عن ذوقك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك. لهذا السبب اختارته مجلة "تايم" في عام 1999 ليكون شخصية العام، فانضم بذلك إلى قائمة الشخصيات التاريخية المؤثرة.
ولد "بيزوس" في مدينة "ألبوكوركي" المكسيكية عام 1964، ومنذ باكر حياته أظهر شغفًا شديدًا بالمجال العلمي والأجهزة الإلكترونية. فقد صمم جهاز إنذار كهربائيًا ليمنع أشقاءه من دخول غرفته واقتحام خصوصيته، ثم حوّل جراج المنزل إلى معمل يجري فيه مشروعاته العلمية. وبعد انتقال الأسرة إلى مدينة "ميامي"، أهّله تحصيله العلمي للالتحاق بجامعة "برينستون" العريقة لدراسة الفيزياء، ولكنه سرعان ما غيّر تخصصه وتخرج في الجامعة عام 1982 حاملاً شهادة في مجال الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر. بعد ذلك تنقل "بيزوس" بين ست شركات كبرى، ولكنه لم يكن سعيدًا في أي منها بسبب رغبته في إنشاء شركته الخاصة.
في عام 1994 لم تكن شبكة الإنترنت قد ارتبطت بعد بالنشاط التجاري نظرًا إلى كونها ابتكارًا عسكريًا في الأساس تبنته لاحقًا المؤسسات الأكاديمية. ولكن "بيزوس" لاحظ أن معدل الاهتمام بالإنترنت يتزايد بنسبة 2.3% كل عام. وبحسه التجاري عرف أنه يستطيع أن يساهم في صنع التاريخ باستغلال هذا الإقبال الشعبي.
في البداية لم يستطع أن يحدد نوع المجال الذي يمكن أن يستقطب العملاء، ثم اكتشف أن خدمات البيع البريدية هي أكثر الخدمات التجارية رواجًا، وأن أكثرها ملاءمة لممارسته عبر الإنترنت هو تجارة الكتب بسبب صعوبة توزيع قوائمها الضخمة بريديًا. تخيل "بيزوس" ما سيحدث لو توفرت هذه القوائم لعدد لا نهائي من العملاء الذين يحددون خياراتهم ويدفعون ثمنها إلكترونيًا لترسل طلباتهم بالبريد. وفورًا قرر السفر لحضور مؤتمر في "لوس أنجلوس" خاص بدور النشر الأمريكية، فعرف أن هذه الدور تحتفظ بقوائم إلكترونية بعناوين الكتب المتوفرة لديها. ومن هنا قرر "بيزوس" أن يكون أول من ينشئ مكتبة إلكترونية في العالم.
كان أكبر تحدٍّ واجهه هو جمع المال اللازم لإطلاق شركته. فالمستثمرون كانوا يخشون المخاطرة بأموالهم في تأسيس شركة تمارس نشاطًا لم يكن موجودًا من قبل، مما دفعه إلى استعارة المال من أصدقائه وعائلته لبناء إمبراطوريته الإلكترونية. وفي نوفمبر 1994، بدأ "بيزوس" مشروعه من جراج صغير في منزله، مستخدمًا جهاز كمبيوتر ومنضدة، ولا تسانده سوى زوجته ومجموعة صغيرة من أصدقائه. عمل "بيزوس" معهم على تصميم موقعه الإلكتروني وربطه بقواعد بيانات موزعي الكتب، ثم أطلق عليه اسم "أمازون" تيمنًا باسم أكبر أنهار العالم الذي يغذي بخيراته أمريكا الجنوبية. وقبل افتتاح الموقع طلب من 300 من أصدقائه تجربته، ثم طلب منهم الترويج له وسط معارفهم وجيرانهم. وفي يوليو 1995، افتتح "بيزوس" موقع "أمازون" الذي غيّر وجه التجارة في العالم وحوّل شكل عملية التسوق التقليدي إلى تجارة إلكترونية واسعة النطاق.
حقق "بيزوس" نجاحًا باهرًا منذ اليوم الأول لمشروعه، ووصلته خلال أسابيع قليلة طلبات شراء تتعدى 20 ألف دولار. وبنهاية عام 1999، صار موقع Amazon.com شركة يتعدى رأسمالها المليارات وتبيع أكثر من 3 ملايين كتاب وتشعبت شبكتها التسويقية إلى أقصى حد. وعامًا وراء عام لم تعد شركة "أمازون" تقتصر على بيع الكتب، بل توسعت لتلبي طلبات الملابس والإكسسوارات والألعاب وأجهزة الكمبيوتر والمعدات الرياضية والعلمية، بل وحتى الأدوية والحيوانات وأسطوانات الموسيقى والأفلام. هذا غير إنشاء محركات البحث الداعمة للتجارة الإلكترونية، وإحداث ثورة تكنولوجية جديدة بطرح جهاز قراءة الكتب الإلكترونية "كيندل".
يعد "جيف بيزوس" مديرًا تنفيذيًا منقطع النظير استطاع أن يفرض نوعًا جديدًا من التجارة. وإذا حللنا تجربته للاستفادة منها، فسنجد أن سياسته اعتمدت على تقديم أفضل سعر وأفضل خدمة وأفضل خيارات ممكنة إلى العميل. ليس هذا وحسب، بل وفّر خدمات إضافية، فهو ينصحك بشراء أشياء أخرى، ويطلعك على ما اشتراه غيرك مع الكتاب الذي تبحث عنه، ويبيع الكتب المستعملة، ويقدم عروضًا سعرية متميزة إذا اشتريت أكثر من كتاب، ويتابع خياراتك في الكتب ليقترح عليك عناوين أعجبت غيرك من القراء، وهو بذلك يعمل بالشعار الذي تبناه: "اعرف ما يريده العميل ووفره له قبل أن يعرف حتى أنه بحاجة إليه".
منقول