يهود جزيرة العرب ونعنى بهم : من سكن منهم المدينة وضواحيها كبني قينقاع والنضير وقريظة ونعنى بهم -أيضا- من سكن المدينة كيهود خيبر وتيماء ووادي القرى والذي ارتضاه بعض المؤرخين هو الرأي القائل بأن الهجرة الكبرى لليهود إلى جزيرة العرب كانت في القرن الأول الميلادي بعد تنكيل الرومان بهم سنة 70م وخراب القدس وهذا لا يمنع أنه كان يوجد عدد قليل من اليهود توطنوا الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ يقول الدكتور ولفنسون : بعد حرب اليهود والرومان سنة 70م التي انتهت بخراب فلسطين وتدمير هيكل بيت المقدس وتشتت اليهود في أصقاع العالم قصدت جموع غفيرة من اليهود بلاد العرب كما حدثنا عن ذلك المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) الذي شهد تلك الحروب وكان قائدا لبعض وحداتها
ويرجع الدكتور جواد على أيضاً أن هجرة اليهود إلى جزيرة العرب كانت بعد غزو الرومان لهم فيقول (أما ما ورد في روايات أهل الأخبار عن هجرة بعض اليهود إلى أطراف يثرب وأعالي الحجاز على أثر ظهور الروم على بلاد الشام وفتكهم بالعبرانيين وتنكيلهم مما اضطر ذلك بعضهم إلى الفرار إلى تلك الأنحاء البعيدة عن مجالات الروم فإنه يستند إلى أساس تاريخي صحيح فالذي نعرفه أن فتح الرومان لفلسطين أدى إلى هجرة عدد كبير من اليهود إلى الخارج فلا يستبعد أن يكون يهود الحجاز من نسل أولئك المهاجرين ومن هؤلاء المهاجرين على رأى الإخباريين بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير وبنو بهدل ساروا إلى الجنوب في اتجاه يثرب فلما بلغوا موضع الغابة وجدوه رديئا فكرهوا الإقامة فيه وبعثوا رائدا أمروه أن يلتمس لهم منزلا طيبا وأرضا عذبه حتى إذا بلغ (العالية ) بطحان ومهزوز وهما واديان بأرض عذبه بها مياه وعيون استقر رأيهم على الإقامة فيها فنزل بنو النضير ومن معهم على بطحان ونزلت قريظة وبهدل ومن معهم على مهزوز
وبذلك نرى أن الرأي القريب من الصواب هو أن غالبية يهود جزيرة العرب حلوا بها في القرن الأول الميلادي أي بعد تدمير أورشليم الثاني على يد تيطس الروماني وكان أهم أسباب حلولهم بها هو فرارهم من وجه الرومان حتى يأمنوا من بطشهم وفتكهم بهم ومن أهم الأعمال التي اشتغل بها اليهود التجارة حتى صار لبعضهم فيها شهرة كبيرة ويمكن أن يقال إن تجارة التمر والشعير والقمح والخمر تكاد تكون وقفا عليهم في شمال الحجاز كذلك اشتغل اليهود بالزراعة التي كانت المهنة الرئيسية لسكان القرى منهم واشتغلوا بتربية الماشية والدواجن وكانوا يشتغلون بصيد الأسماك وكانت نساؤهم يشتغلن بنسج الأقمشة ومن الصناعات التي كان يهود الجزيرة العربية يزاولونها صناعة الصياغة وقد اشتهر بها بنو قينقاع كما كانوا يزاولون صناعة السيوف والدروع وسائر الآلات الحربية وكانت معظم معاملات اليهود مع غيرهم تقوم على المراهنات وتعاطي الربا وقد وبخهم القرآن الكريم على أخذهم الربا الذي نهاهم الله عن أخذه فقال تعالى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}
وقد ترتب على سيطرة اليهود على الجوانب الاقتصادية في المدينة وضواحيها أن قوى نفوذهم المالي وتحكموا في الأسواق فحشاً وإحتكاراً لمصلحتهم ومنفعتهم فكرههم أغلب الناس لأنانيتهم واشتطاطهم في أخذ الربا وسعيهم للثراء بطرق خبيثة يأنفها العربي ويأباها وأما علاقة اليهود بالأوس والخزرج فقد كانت خاضعة للمنفعة الشخصية والمكاسب المادية فكان اليهود يعملون على إثارة الحرب بين الفريقين متى وجدوا في إثارتها فائدة لهم كما حصل ذلك في كثير من الحروب التي أنهكت الأوس والخزرج لأنهم كانوا يهمهم أن تكون لهم السيطرة المالية على المدينة والسيطرة على صناعة السلاح وجزء كبير من الزراعة ومصادر المياه وفوق ذلك كانوا يتحدثون عن النبي المرتقب وأنه لابد سيكون منهم وعندها يتحكمون فيهم ديناً ودنيا
منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة]
موضوع قيم مشكور