القرآن سبيل النجاة
القرآن سبيل النجاة
الحمد لله الذى أنعم على عباده بالإيمان ووفقهم إليه ، وأمرهم بالعمل الصالح وأثابهم عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وحبيبه ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عباد الله ، العلم علمان :
علم تسمعه فتعمل به فهو حجة لك ، وعلم تسمعه وتدعه فهو حجة عليك ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع ، فتفهموا ما نلقى عليكم ، واجتهدوا فى العمل بما علمتم لتكونوا من الفائزين .
يا عباد الله لو جاءكم خطاب من أمير ، أو ألقى إليكم كتاب من كبير ، فإنكم تحترمونه وتعملون به، وتعظمونه وتسرون له، وتسارعون إلى إنفاذ ما فيه إرضاءاً لصاحبه وتقرباً إليه ، وقد بعث إليكم الملك الجبار ، والواحد القهار ، كتاباً كريماً أنزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ليكون لكم من المنذرين ، ذلكم هو القرآن الذى
" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " ( فصلت : 42 ) .
" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " ( هود : 1 ) .
" قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " ( المائدة : 15 16 ) .
فتعالوا يا عباد الله ننظر موقفنا أمام هذا الكتاب الكريم ، ونحاكم أنفسنا قبل أن يحاكمنا الخبير العليم ، هل أحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأنفذنا أحكامه ، أم هجرناه واتخذناه نسياً منسياً ؟ .
هاهو كتاب الله – تبارك وتعالى – ينادى فى الناس ليلاً ونهاراً: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون "
( البقرة : 278 – 279 )،
فهل تجنبنا الربا وابتعدنا عنه أم أدخلناه فى كل معاملاتنا، وجعلناه قوام بيعنا وشرائنا ورهننا وإيجارنا وقرضنا وسلفنا؟.
وهاهو الكتاب الكريم ينادى أتباعه ليلاً ونهاراً : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله " ( النساء : 34 ) ،
فهل قام رجالنا على نسائنا وأمروهن بما أمرهن الله به ، أم تركوهن خليعات متبرجات ، مائلات مميلات ، كاسيات عاريات ، يتسكعن فى الشوارع والطرقات ؟ .
وهاهو القرآن الكريم ينادى أتباعه ليلاً ونهاراً : " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً " ( آل عمران : 103 ) ،
فهل اتحدت كلمتنا وارتبطت قلوبنا وائتلفت أهواؤنا أم تفرقنا طرائق قدداً وطوائف بدداً أغراض متعاكسة وأهواء متشاكسة ، وقلوب مختلفة ، وريح ذاهبة ووحدة ضائعة ؟ .
هذه مثل ثلاثة وغيرها كثير نرى فيها أننا فى طريق أخرى .
فكيف يكون جوابكم أيها الإخوان إذا خاصمكم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلى ربه فقال :
" يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجوراً " ( الفرقان : 30 ) ؟.
اعلموا أيها الإخوان أن ما نحن فيه من الذل والهوان والمصائب والخسران إنما وقعنا فيه لتركنا شريعة نبينا وانحرافنا عن كتاب ربنا ، وقرءوا قول الله تعالى " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ( النحل : 112 )
ذلك فى الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى ، وعقوبة الله فيها أشد ، ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
والدواء – عباد الله – ولا دواء سواه أن ترجعوا إلى قرآنكم وتتبعوا سنة نبيكم وتجعلوا ذلكم أمامكم فى كل شئونكم ، وتنزلوا على حكمها فى كل أعمالكم ، وقد رسم الله لكم طريق النجاة فى كتابه ، فقال تعالى : " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً " ( نوح : 10- 12 )
فتوبوا إلى ربكم واستغفروه تكونوا من الفائزين .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القرآن شافع مشفع وماحل صدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار " .
كتبه / الإمام حسن البنا