الإسراء والمعراج"الأولي "
الحمد لله العلي الأعلى سبحانه مولي دان له كل مولي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . أحمد الله وأشكره أتوب إليه واستغفره وأستعين به وأستنصره وأساله من نعمه التي لا تحصي . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان خير من نصح أوصي . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير .يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين يشيد بعظمة نبيه الأمين ورسوله الكريم " بسم الله الرحمن الرحيم" سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "
عباد الله أيها المسلمون :
إنه والله لحدث عظيم إسراء رسول الله صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى بفلسطين حدث يذهل الألباب ويدهش العقول ويحير النفوس ويبعث التساؤل .
ماذا عسي أن تفعل الأهواء وضح الدليل وصحت الأنــــــباء
لا تسألن الدهر عنه فقد عني لله يفعل فيه كيف يشــــــــــــاء
هذا هو النور الذي فخرت به بدر التمام الليلة الليـــــــــــــلاء
إنه والله لحدث عظيم رؤية رسول الله صلي الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالي ميزة لا تنال وخصوصية تكاد تكون المحال سألها موسى عليه السلام فكان من أمره ما كان " ولما جاء موسي لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " وسألها قوم موسى عليه السلام فصعقوا وعنبوا أكبر تعنيب " وإذ قلتم ياموسي لن نؤمن لك حتى نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثنا كم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " وعرض بذلك سلطان العاشقين عمر بن الفارض رحمه فقال يخاطب رب العزة سبحانه وتعالي : زدني بفرط الحب فيك تحيرا وارحم حشا بلظى هواك تســعرا
وعرض بذلك الإمام البوصيري رحمه الله فقال يخاطب رسول الله صلي الله عليه وسلم :
كيف ترق رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سمــــــــــــاء
إنما مثلوا صفاتك للناس كما مثل النجوم المــــــــــــــــــــاء
لذلك كان حريا أن تفتتح هذه الآية بسبحان الله . بتقديس الله سبحانه وتعالي الذي له قدرته البارعة في تصريف عوالمه الواسعة الشاسعة . تقديسا يتطابق فيه القول والفعل تقديسا يتوافق فيه الأثر والعين تقديسا ينزه الله تعالي عن الريب والشبهات " قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلي ذي العرش سبحانه وتعالي عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا "وتصح الحكمة القائلة أعددت لكل أعجوبة سبحان الله ولكل نعمة ما شاء الله لا قوة إلا بالله . سبحان الله عجبا أن يقطع سار من المسافات في بضع ساعات بل في لحظات أو هنيهات مالا تقطعه الإبل الراشدة في شهرين كاملين فضلا عن عروجه إلى السماء سماء سماء ثم إلى الكرسي ثم إلى العرش ثم إلى حيث لا يعلم علمه إلا الله " ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع المر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما يعلمون " . حق أن تعجب أيها الإنسان عجبا يزيدك اعتقادا في قدرة الله عجبا يملؤك إيمانا بقول الله " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " .
ماتت خديجة وهلك أبو طالب وسمي رسول الله صلي الله عليه وسلم عام موتهما عام الحزن واشتد الإيذاء برسول الله صلي الله عليه وسلم فخرج من مكة يعرض نفسه علي القبائل المجاورة لعله يجد من يأخذ بيده ليبلغ رسالة ربه فقوبل بالتهكم والاستهزاء ورد بالإهانة والإباء فما كان ليحزن وما كان ليستكين وقد صور لنا هذا المشهد العظيم قول القائل :
لقد رمي الهادي الحبيب محمد بأفتك سهم في صميم سويــــــــــــداء
فراح إلى الرحمن يشكو ويرتجي بمقلة بكاء وراحة دعــــــــــــــــــاء
يقول إلهي أنت لي من مجبه يقابل إحساني بأقبح أجـــــــــــــــــــواء
وما كان رب الورى وهو كفيله ليتركه يشكو الأسى دون إشجــــــاء
فسل من الأعماق سل همومه وصب علي نار الأسى قصد إطفـــــــاء
لنعلم أن لا عز دون مذلة ولا صبح إلا بعد ليل وظلمــــــــــــــــــــاء
من أجل ذلك الله أسري بعبده وأطلع إصباح الرضا بعد ليل وإمساء
عباد الله أيها المسلمون: ذهب بن حزم وبن عبد البر وبه جزم النووي في الروضة أنه في ليلة السابع والعشرين من شهر الله رجب سنة اثنتين وخمسين من عمر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو نائم في بيت أم هاني بين عمه حمزة والعباس رضي الله عنهما هبط عليه جبريل الأمين في طائفة من الملائكة المقربين فأيقظوا النبي صلي الله عليه وسلم في هدوء وسكون واحتمل الملائكة الكرام محمدا عليه الصلاة والسلام حيث جاءوا به زمزم ثم شقوا عن صدره المعظم وملؤه بالعلم واليقين والنور ليقوي علي مشاهدة مافي هذه الرحلة من عظائم الأمور ثم أطبقوه كما كان . ثم جيء بالبراق مسرجا ملجما فأركبوا النبي مفخما معظما وأخذ بالركاب جبريل وتولي الزمام ميكائيل وطار البراق وسط الرفاق يسابق بحافره منتهى ناظره وما هو إلا قليل من الوقت حتى وصلوا إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه السميع البصير . وهناك أطلعه الله من مكنوناته علي ما نطقت به محكمات آياته صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون . وهناك جمع الله له الأنبياء والمرسلين فصلي بهم إماما أجمعين و بعد الصلاة عطش رسول الله صلي الله عليه وسلم فأسرع جبريل في غمضه العين فأحضر خمرا ولبنا في إناءين مختلفين فاختار اللبن لأول مرة فقال له جبريل أصبت الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ثم جيء بالمعراج فانتصب مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب فعرج فيه رسول الله إلى السبع الطباق ثم إلى سدرة المنتهي حيث وقف جبريل السير وانتهي فعاتبه ليسلك سبيله أهاهنا يترك الخليل خليله فقال له تقدم يا محمد والذي نفسي بيده لو أنك تقدمت اخترقت ولو أني تقدمت احترقت وما منا إلا له مقام معلوم وصدق من قال :
هناك جثي جبريل واحتبس الخطا وقال وداعا يا أعز الأخــــــــــلاء
هذا مقامي لست أعدو حدوده وكل مليـــــــــــــــك ذو حدود وأجواء
بربك لو أني تقدمت خطوة لصرت شعاعا واحترقت بأضـــــــــــواء
ثم زج به إلى الكرسي الذي وسع الأرض والسماوات العلي ثم إلى العرش الذي تمتثل له العوالم امتثال أصغر حلقة إلى أوسع فلك ثم إلى المستوي الذي سمع فيه صريف الأقلام وهي تخط حوادث الأكوان علي صفحات الأيام ثم زج به في بحار لا نهائية عميقة حيث عاين ربه كما جاءت به الأخبار الوثيقة عاين بلا كيف ولا انحصار من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ثم زج به في اللانهائية التي تناهي النهي عن وصفها دون إنهاء وشاهد بين الحق والنور والهدي مشاهد لا تغني بإنسان سوداء رأي ربه بالعين والقلب والحجا رأي النور لا يقوي علي وصفه رائي روي البيهقي رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي صلي الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ فقال نورا أني أراه وفي رواية الإمام مسلم رأيت نورا . وصدق من قال :
أسري بك الرحمن من أم القري ليلا تؤو علي البراق الشامــــا
ورأيت ربك رؤية بصرية لا فهم يدركها ولا إفهامــــــــــــــــــا
فرض الإله عليك خمس فرائض وكساك أثواب الرضا إكرامــا
طفت العوالم رحلة ميمونة وسعت عجائبه الورى أقلامـــــــــا
ورجعت لم يبرد منامك .. يالها لحظات ليل مثلت أعوامــــــــــا
اتقوا الله عباد الله واعلموا أن قدرة الله لا يستعصي عليها شيء ولتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما . روي الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماوات العليا أوحي الله فيما أوحي إلى خمسين صلاة فهبط إلى نبي الله موسي فسأله ماذا انزل الله عليك قال خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فما زال بين موسي وربه حتى قال له الله ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد هي خمسون في الأجر خمس في العمل فنزل إلى موسي قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال لقد راجعت ربي حتى استحييت أن أراجعه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
الثانية :
يقول الله " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " هنا يعبر الله عن الإسراء والمعراج أنها كانت رؤيا أي أنها كانت بالروح وفي المنام وفي الآية التي في صدر السورة عبر "بعبده " أي بجسد عبده وبمجموع الآيتين يكون الإسراء بالروح والجسد معا وهي معجزة من المعجزات التي أيد بها رب العزة رسوله صلي الله عليه وسلم والتي لها مقدماتها ونتائجها فمن مقدماتها أنها كانت تسلية لرسول الله صلي الله عليه وسلم لما مات عمه وزوجته وأوذي بعدها ممن عرض نفسه عليهم . ومن نتائجها إنها كانت فتنة للناس ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة فعن بن عباس رضى الله عنهما قال لما كانت الليلة التي أسري فيها برسول الله صلي الله عليه وسلم اصبح الرسول معتزلا حزينا يجلس في ظل الكعبة فمر عليه عدو الله أبو جهل فقال له هل عندك شي فقال اسري بي الليلة قال من أين إلى أين قال من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قال وأصبحت بين ظهرانينا فقال له لو جمعت لك الناس أتحدثهم بهذا الحديث فقال نعم فجمع له القوم فحدثهم فقالوا له صف لنا بيت المقدس قال الرسول فوصفت لهم البيت بابا بابا وشباكا شباكا حتى التبس عليه الوصف فأحضر له جبريل بيت المقدس علي كفه فوصفه وكان من القوم من رأي بيت المقدس وعرفه فمنهم من صفق ومنهم من وضع يديه علي قلبه ومنهم من ارتد فذهبوا إلى أبي بكر فقصوا عليه الخبر فقال إن كان قال ذلك فقد صدق فهو يحدثني بما هو أكبر من ذلك فأصدقه يحدثني بخبر السماء يأتيه ومن هنا سمي أبو بكر بالصديق .
الإسراء والمعراج " الثانية "
الحمد لله القدير بيده الأمر . أمره بين الكاف والنون إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الوقاية والحماية من جميع الآفات وأتوكل في جميع الأمور عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلى يوم الدين أما بعد : فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله فالتقوى مخرج من الضيق وسعة في الرزق (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) .
وصدق من قال :
تزود للذي لابــــــــــــــد منه فان الموت ميقات العبــــــاد
أترضى أن تكون رفيق قــوم لهم زاد وأنت بغــــــــير زاد
وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :
" والنجم إذ اهوي . ما ضل صاحبكم وما غوي . وما ينطق عن الهوي . إن هو إلا وحي يوحي .علمه شديد القوي ذو مرة فاستوي . وهو بالأفق العلي . ثم دني فتدلي . فكان قاب قوسين أو أدني . فأوحي إلي عبده ما أوحي . ما كذب الفؤاد ما رأي . أفتمارونه علي ما يري . ولقد رآه نزلة أخري . عند سدرة المنتهي . عندها جنة المأوي . إذ يغشي السدرة ما يغشي . ما زاغ البصر وما طغي . لقد رأي من آيات ربه الكبرى ".
بدأ الإسراء بشق صدر النبي صلي الله عليه وسلم وهنا تتجلى العظمة الإلهية فقد تولاه جبريل بنفسه فشق من نحره إلى لبته بدون مخدر ولا آلات جراحة ثم غسل صدر الحبيب بماء زمزم ذلك الماء الذي له من الخصائص مالا يعلمه إلا الله. لذلك فعند الشرب منه يدعو الإنسان " اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء " . ذلك الماء الذي قال عنه الحبيب " ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم " . ذلك الماء قال عنه الحبيب " ماء زمزم لما شرب له " . ثم ملأ صدر الحبيب بالعلم والنور واليقين ثم أطبق صدر الحبيب كما كان بدون ألم ولا جراحة ولا فترة نقاهة . بل واصل الحبيب رحلته في الحال . ثم جيء بالبراق وهو دابة فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى ناظره فلما ركب الحبيب تحرك واضطرب فقال له جبريل مه أيها البراق فوالله ما ركبك أفضل من محمد .وأخذ بالركاب جبريل وتولي الزمام ميكائيل وطار البراق وسط الرفاق . وفي الطريق رأي عجوزا شمطاء قد تزينت بكل زينة وعليها من الحلل والجوهر تنادي هلم إلي يا محمد فقال النبي من هذه يا جبريل فقال سر يا محمد ثم رأي رجلا متنحيا علي جانب الطريق ينادي هلم إلي يا محمد فقال من هذا يا جبريل فقال سر يا محمد ثم رأي خلقا كثيرين يقولون السلام عليك يا أول السلام عليك يا آخر السلام عليك يا حاشر السلام عليك ياعاقب . ثم قال جبريل أما العجوز الشمطاء التي تزينت بكل زينة فهي الدنيا لم يبق من عمرها إلا مثل ما يبقي من عمر هذه العجوز نعم فهي فانية وإلي زوال وهي دار غرور واسمع لربك " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " . وأما الذي كان متنحيا ينادي فهذا هو الشيطان هذا العدو الذي أخذ علي نفسه العهد ليقعدن في الصراط المستقيم لأمتك واسمع لربك "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير "لذلك ينبغي علي المسلم أن لا يغتر بالشيطان ولا وسوسته " يا أيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ " . وأما الخلق الذين سلموا عليك فهم إبراهيم وموسى وعيسي . قال النبي ثم بلغنا أرضا قال جبريل انزل هنا يا محمد فصل ثم قال أتدري أي أرض هذه ؟ هنا مدين هنا شجرة نبي الله موسى عليه السلام . ثم بلغنا أرضا فقال جبريل انزل فصل هنا ثم قال هذا بيت لحم حيث ولد عيسي عليه السلام . قال ثم أتينا الوادي الذي في المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي فقال شداد بن أوس كيف وجدتها قال مثل الحمة السنخة . قال ومررنا علي عير لقريش في مكان كذا وكذا فسلمت عليهم وقد ضل منهم بعير ومسكه لهم فلان بن فلان ويتقدمهم بعير أسود عليه مسح أسود وله غرارتان سوداوان ويصلون في يوم كذا . يروي لما كذبت قريش النبي قال أحدهم هذه شمس اليوم الذي حدد محمد لوصول العير قد أشرقت وإذا بآخر يصيح وها هي العير قد أقبلت . وصدق النبي وكذبت قريش وصدق الله " وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ".
ثم وصل بهم المسير إلى المسجد الأقصي الذي باركنا حوله . والبركة هنا أن الأرض من حوله خصبة طيبة التربة والأقصي بدأ نبي الله داوود بناءه وأوحي الله إليه ياداوود يبني هذا البيت ابن لك طاهر اليد من الدم فبناه نبي الله سليمان وعن هذا سئل النبي أي المساجد وضع أولا ؟ قال المسجد الحرام قيل ثم ماذا قال المسجد الأقصي قيل كم بينهما قال أربعون وهو أحد المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها ويصح في ذلك ما روي الإمام أحمد رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه " لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصي ومسجدي هذا ". فربط البراق في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخل المسجد فعرف النبيين ما بين راكع وساجد وقائم ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقاموا صفوفا ينتظرون من يؤمهم فأخذ جبريل بيد النبي صلي الله عليه وسلم فقدمه فصلي بهم إماما أجمعين . وبعد الصلاة عطش رسول الله صلي الله عليه وسلم فأسرع جبريل وأحضر خمرا ولبنا وماء فاختار النبي اللبن لأول مرة فقال له جبريل أصبت الفطرة لو اخترت الماء لغرقت أمتك ولو اخترت الخمر لغوت أمتك لكنك اخترت أفضل الثلاث اخترت اللبن ليدل علي فضل اللبن علي سائر الزاد لذلك كان الرسول إذا قدم إليه غير اللبن قال الحمد لله اللهم ارزقنا خيرا منه وإذا قدم إليه اللبن قال الحمد لله اللهم زدنا منه . وبعد الصلاة قيل هذا مالك خازن النار فسلم عليه قال فالتفت إليه فبدأني بالسلام .
ثم جيء بالمعراج فانتصب مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب فعرج فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم السماوات السبع فكان كلما أتوا سماء استفتحوها قيل من ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل أو قد أوحي إليه ؟ قال نعم فيفتحون ويرحبون فأتوا علي السماء الدنيا فإذا فيها آدم أبو البشر فقال جبريل هذا أبوك آدم تقدم فسلم عليه فسلم عليه . فقال له مرحبا بابني نعم الابن أنت . ورأي عن يمينه ناسا كثيرين وعن شماله ناسا كثيرين . فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكي فقال من هؤلاء يا أخي يا جبريل قال أما الخلق الذين عن يمينه فهم أهل اليمين أهل الجنة وأما الذين عن الشمال فهم أهل النار . ثم رأي نهرين يطردان فقال ما هذان يا أخي يا جبريل ؟ فقال هذان هما النيل والفرات ثم رأي نهرا عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد قال فضربت بيدي فإذا هو مسك أزفر فقلت ما هذا يا أخي يا جبريل ؟ فقال هذا هو نهر الكوثر " إنا أعطيناك الكوثر " ووصفه النبي فقال " ماؤه أبيض من الثلج وأشهي من اللبن وأحلي من العسل من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا " . ثم تقدم نحو السماء الثانية فإذا فيها ابني الخالة عيسي ويحي عليهما السلام فسلم عليهما ورحبا به وأقرا بنبوته ودعوا له بخير . ثم تقدم نحو السماء الثالثة فإذا نبي الله يوسف وقد أوتي شطر الجمال فسلم عليه وأقر بنبوته ودعي له بخير . ثم تقدم نحو السماء الرابعة فإذا نبي الله إدريس عليه السلام وقد رفعه الله فقال ورفعناه مكانا عليا فسلم عليه وأقر بنبوته ودعي له بخير . ثم تقدم نحو السماء الخامسة فإذا نبي الله هارون فسلم عليه وأقر بنبوته ودعي له بخير . ثم تقدم نحو السماء السادسة فإذا نبي الله موسي عليه السلام فسلم عليه وأقر بنبوته ودعي له بخير . ثم تقدم نحو السماء السابعة فإذا نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء مسند ظهره إلى البيت المعمور الذي مثله في السماء كمثل الكعبة في الأرض وفي كل يوم يدخله سبعون ألف ملك ولا يعودون إلى يوم القيامة "قال تعالي : والبيت المعمور " أي تعمره الملائكة يتعبدون فيه ويطوفون حوله كما يطوف الناس بالكعبة في الأرض . ثم تقدم نحو سدرة المنتهي وقد غشيها من أمر الله ما غشيها فلا يستطيع أحد أن يصفها ( قيل غشيها نور الله وقيل غشيها فراش من ذهب ) أوراقها مثل آذان الفيلة وثمارها مثل القلال وهنا وقف جبريل السير وانتهي وقال للرسول لو أنك تقدمت اخترقت ولو أني تقدمت احترقت وما منا إلا له مقام معلوم . ثم إلى الكرسي الذي وسع الأرض والسموات العلي . ثم إلى العرش الذي تنتسب له العوالم انتساب أصغر حلقة إلى أوسع فلك . ثم إلى المستوي الذي سمع فيه صرير الأقلام تخط حوادث الأكوان علي صفحات الأيام ثم إلى بحار قدسية عميقة حيث عاين ربه كما جاءت به الأخبار الوثيقة . فقال التحيات لله والصلوات والطيبات فقال الله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فقال النبي السلم علينا وعلي عباد الله الصالحين اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله .
الثانية :
عباد الله :
في هذه الآيات الكريمات نزه الله علم نبيه عن الضلال . وعمله عن الغواية . ونطقه عن الهوى . وفؤاده عن التكذيب . وبصره عن الزيغ . وفى رحلة الإسراء والمعراج ما جاوز الحد بصره . وما التفت إلى غير الجهة التي تعنيه . وأكد الله ذلك وأقسم عليه وفى ذلك ثناء من رب العزة جل وعلا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في أروع صوره وأجلى معانيه واسمع لربك : (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ) .ويقول الله رب العالمين:" لقد رأي من آيات ربه الكبرى " . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : لما انتهيت إلى السماء فإذا برق وصواعق وأتيت علي قوم بطونهم كالبيوت الضخمة فيها الحيات تري من خارج بطونهم قلت من هؤلاء يا أخي يا جبريل فقال هؤلاء هم أكلة الربا .
ولقد رأي الرسول جبريل علي هيئته مرتين الأولي رآه قبل البعثة له ستمائة جناح سد بهما المشرق والمغرب قال تعالي " ولقد رآه بالأفق المبين " والمرة الثانية رآه يوم الإسراء والمعراج " ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي عندها جنة المأوي " .
منقووووووووووول
قال سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ اْلأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الإسراء:.1
إليكم بعض المعاني والأسرار الّتي تستنبط من هذه الذكرى العظيمة:
المعنى الأول: قال تعالى: {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ اْلأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبصِيرُ} وصف الله سيّدنا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم بالعبودية؛ ومقام العبودية لله عزّ وجلّ هو أشرف مقامات الإنسان فيه يتنافس المتنافسون وإليه يتطلّع المتطلّعون، صحيح أن كلمة عبودية في عرف البشر تعني الإذلال والاسترقاق واستغلال السيّد لجهود عبده لكن العبودية في عُرف الشّرع مِنْحَةٌ وعطاء يلجأ من خلالها العبد إلى مناجاة ربِّه في السّرَّاء والضّرّاء في السرّ والعلانية لينعم بدفء المحبّة والأنس به.. انظروا حين يمتن الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم في أشرف المنازل فيصفه بالعبودية لا بالنّبوة ولا بالرسالة ففي مقام الوحي: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَاب}، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}، {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَان}.
وفي مقام الدعوة {وَإِنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}.
وفي مقام الإسراء {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ اْلأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّهُ هُوَ السَّمِيعُ البصير} وهذا المعنى يتكرّر في سورة الإسراء كثيرًا فعاد فيها {ذُرِيَةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن}، ولذلك كان الإسراء جزاء من ربِّك عطاء حسابًا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهو خير من عبد الله وخير مَن دعَا إلى الله، وأحبُّ من جاهد في الله، وأفضل مَن صبر في جنب الله حين أوذي.
المعنى الثاني: أهمية المسجد الأقصى، ففي سنن النسائي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إنّ سليمان بن داوود عليه السّلام لمّا بنى بيت المقدس سأل الله عزّ وجلّ خلالاً ثلاثة: سأل الله عزّ وجلّ حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عزّ وجلّ ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده وسأل الله عزّ وجلّ حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهره إلاّ الصّلاة فيه، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمّه، وهو من المساجد الثلاثة الّتي لا يشدّ الرّحال إلاّ إليهم.
وحين أدرك المسلمون هذه الفضائل كانوا يتنافسون في شدّ الرِّحال إليه بداية من سيّدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
ولقد ضرب أسلافنا في المغرب العربي عمومًا وفي الجزائر خصوصًا، أمثالاً رائعة في تعظيم المسجد الأقصى حَجًا وجهادًا ورباطًا وإعانة، وقد ورد في التاريخ أنّ الإمام حسن بن شعيب الملقب بالغوث مدفون بتلمسان وتلميذ العالم عبد القادر الجيلالي كان من الّذين جاهدوا الصليبيين هناك وقطعت يده هناك ودفنت بالأرض المباركة، وكانت صدقات وإعانات الجزائريين ترصد باستمرار إلى البيت المقدس ولهم رواق ”رواق المغاربة” وعلى أرض الجزائر كما تعلمون أعلنت الدولة الفلسطينية سنة 1988 وفي الجزائر انعقد مؤتمر القدس العالمي سنة .2007
أيّها المؤمنون.. إنّ الإسراء معجزة دالة على مكانة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم عند ربِّه ورفعة شأنه عنده، ورفعة شأنه هي رفعة لأمّته صلّى الله عليه وسلّم.
***65279;