هناك اختلاف حول أصل عروج وإخوته خير الدين وإسحاق وإلياس، فمن قائل إن والدهم كان جندياً تركياً في قوة الاحتلال التركي في جزيرة مديلى (ميتلين Metellin)، وهي جزيرة في بحر إيجة قريبة من شاطئ تركية الغربي؛ فهم مسلمون إذن، ومن قائل إن والدهم كان خزَّافاً يونانياً وإنهم اعتنقوا الإسلام فيما بعد، وأيا كان الأمر فإن نشاط عروج وإخوته كان موجهاً إلى التحركات البحرية الأوربية في البحر المتوسط خدمة للإسلام والمسلمين.
ـ عروج (…ـ924هـ/…ـ1518م):
يلف الغموض تاريخ عروج في مراحل نشاطه الأولى، ويقال إنه جاهد في البحر منذ حداثة سنه. وكان لهذا الجهاد في منطقة الأرخبيل (بحر إيجة والبحر الإيوني) تقاليد عريقة ولاسيما بعد فتح القسطنطينية سنة 856هـ/1452م ووصول العثمانيين إلى أبواب فيينة في أواخر القرن التاسع الهجري /الخامس عشر ميلادي، وما أثاره هذا كله من ردود فعل دينية ظهرت في نداءات البابا إلى حرب صليبية.
وفي أوائل القرن العاشر الهجري/السادس عشر ميلادي، انتقل نشاط عروج من المتوسط الشرقي إلى المتوسط الغربي، وذاع صيته لجرأته ونقله أعداداً كبيرة من الأندلسيين إلى شمالي إفريقية،.
وعقد عروج اتفاقاً مع سلطان تونس الحفصي محمد بن حسن (900-933هـ/1494-1526م) منحه السلطان بموجبه جزيرة جربة، جزيرة بالقرب من سواحل تونس ليتخذ منها قاعدة لأسطوله الذي بلغ عدد سفنه سنة 916هـ/1510م اثنتي عشرة سفينة لقاء مشاركة السلطان الحفصي بخمس الغنائم.،وفي سنة 920هـ /1514م احتل عروجَّ جيجل Djidjelli واتخذها قاعدة له بدلاً من جربة بسبب خلافه مع السلطان الحفصي في تونس الذي امتنع عن إمداد عروج بالبارود في أثناء حصار بجاية لتحريرها من الاسبان
أحدث موت فرديناند ملك إسبانية سنة 922هـ/1516م اضطراباً في وضع المراكز الإسبانية في شمالي إفريقية. فسارع أهل مدينة الجزائر بوساطة رئيسهم سالم التومي إلى الاستنجاد بعروج لتحرير القلعة المقابلة لمدينة الجزائر من الإسبان الذين احتلوها للسيطرة على المدينة وهي قلعة "بنو ودليس" وكان وجود الإسبان فيها يحول دون استقبال السفن الإسلامية، مما كان له تأثير سلبي في اقتصاد المدينة، فأسرع عروج إلى الجزائر واحتلَّ في طريقه شرشال، واستقبله أهل الجزائر استقبال المحررين، إلاَّ أنَّ عروجاً أخفق في احتلال القلعة الإسبانية المنيعة، فزال في نظر أهل المدينة مسوِّغ وجوده بينهم، بعد أن ثقلت عليهم وطأة جنوده، وبدأت المؤامرات تحاك حوله لطرده، واشترك فيها سالم التومي، ونادى جند عروج به سلطاناً، ونجـح فـي الاحتفاظ بالجزائر وفـي صـدّ حملة إسبانية قادها دييغو دوفيرا Diego de Vera في 30 أيلول 1516م انتهت بكارثة على الإسبان، وبعد أن وطد عروج مركزه في مدينة الجزائر شرع في التوسع على حساب الإمارات المجاورة فاستولى على مليانة وتنيس، وشرع في تنظيم هذه المناطق، فوكل إلى أخيه خير الدين الأراضي الواقعة إلى الشرق من مدينة الجزائر وجعل مقرَّه دلّس Dellys ، وترك لنفسه مدينة الجزائر ومناطق الغرب. وفي سنة 923هـ/1517م احتلَّ عروج تلمسان من دون صعوبة بعد أن هزم السلطان أبا حمو الزيَّاني الذي كان خاضعاً للنفوذ الإسباني، وتسلم السلطة بنفسه ثم توغل في المغرب الشرقي حتى" وَجْدَة" ، وأخضع بني يزن آسن، وأجرى مباحثات مع الوطاسيين في فاس للتعاون معهم على الإسبان.
شعر الإسبان بالخطر فوجهوا حملة بقيادة المركيز كومارس Comares حاكم وهران نحو تلمسان يساعده جماعة من أنصاره الزيَّانيين وحاصر عروجاً في تلمسان، فقاوم عروج بادئ الأمر مؤمِّلا أن تصله نجدة من فاس، ولكن أهالي تلمسان ثاروا عليه، وأجبروه على اللجوء إلى قلعة المِشوَر، ومنها هرب مع نفر من جنده. ونجح في اختراق صفوف الإسبان نحو الساحل حيث كان يأمل أن تصل سفن أخيه خير الدين، ولكن الإسبان لحقوا به، وبعد معركة ضارية قُتل عروج مع جميع أنصاره وكان عمره حين قتل أربعة وأربعين عاماً.
ـ خير الدين بربروس (…ـ953هـ/…ـ1546م):
لم يكن خير الدين والدنيا كما يسميه ابن أبي الضياف مجرد مغامر شهير، بل كان مجاهداً في البحر ومؤسس دولة وشخصية من أبرز شخصيات التاريخ العثماني بوصفه منظم القوة البحرية العثمانية في القرن العاشر الهجري.
بدأ خير الدين نشاطه بنقل البضائع على سفينة كان يملكها بين جزر بحر إيجة، فلما منع السلطان سليم الأول الإبحار في بحر إيجة إلاَّ بإِذن منه التحق بأخيه عروج في جَربة وأخذ يعمل تحت إمرته.
كان خير الدين نائباً لأخيه عروج في مدينة الجزائر حينما بلغه مقتله سنة 924هـ/1518م، فنادى به الجند خلفاً له، ولكنه وجد نفسه في وضع بالغ الصعوبة، و أدرك خير الدين ببعد نظره، بعد أن ثارت عليه مدينة تنيس وشرشال وسائر بلاد القبائل بقيادة أحمد القاضي، أنَّه لن يتمكَّن من مجابهة الخطر الإسباني بمغرب ممزَّق، وأنَّ عليه أن يعتمد على قوة الدولة العثمانية ليحصل على الهيبة والمال والقوة التي تسمح له بالسيطرة على المغرب الأوسط والتغلُّب على الإسبان، واستطاع خير الدين أن يُقنع علماء الجزائر وأعيانها بضرورة الدخول في طاعة السلطان سليم الأول والدعاء له على المنابر وضرب السكة باسمه.
أرسل خير الدين سفارة إلى السلطان سليم الأول الذي استقبلها بحفاوة، وقبل العرض الذي كان مفاجأة سارَّة له، وسارع بمنح خير الدين لقب بكلر بك Beglerbeg. وأرسل إليه قوة مؤلفة من ألفي انكشاري مزوَّدين بالمدفعية وخوَّله حق تجنيد المتطوعين مع منحهم امتيازات الانكشارية، وهكذا تلقى خير الدين أربعة آلاف جندي من الشرق. وبفضل هذه القوة انتصر انتصاراً ساحقاً على الحملة الإسبانية التي قادهـا سنة 925هـ/1519م هوغو دو مونكاد نائب الملك في صقلية، ولكنَّ خير الدين أُصيب بهزيمة منكرة أمام جيش السلطان الحفصي نتيجة خيانة ابن القاضي الذي كان السلطان الحفصي قد اتفق معه سراً على الانضمام إليه في الوقت المناسب. فاضطر خير الدين إلى اللجوء إلى جيجل مع سفنه التسع، ولم يجرؤ على العودة إلى الجزائر من دون جيش بعد أن احتل رجال ابن القاضي مدينة الجزائر، وثارت تنيس وشرشال في الوقت نفسه سنة 926هـ/1520م.
كان خير الدين في حاجة إلى إعادة تنظيم قواته وإلى موارد لإعادة تنظيمها، فاستأنف من جيجل نشاطه القديم في اعتراض سفن الأعداء ومصادرتها، ما بين 926هـ و 932هـ، ولمَّا تأكد من قوته ومن استياء الجزائريين من ابن القاضي، هاجم الجزائر وهزم ابن القاضي، وقتل رجال ابن القاضي زعيمهم وحملوا رأسه إلى خير الدين علامة على خضوعهم، ودخل خير الدين الجزائر سنة 932هـ/1525م وكان خير الدين في السنوات ما بين 932و935هـ قد وطَّد سلطانه على شرشال وتنيس وقسنطينة، وأجبر عبد الله سلطان تلمسان على دفع جزية سنوية قدرها 20 ألف قطعة ذهبية. وفي سنة 935هـ/1528م قرر خير الدين التخلّص من قلعة بني ودليس المواجهة لمدينة الجزائر وشرع في قصفها في صيف 936هـ/1529م، وبعد قصف دام ثلاثة أسابيع نجح في الاستيلاء عليها واستخدم أنقاضها في إنشاء مرسى يصل الصخرة التي كانت تقوم عليه القلعة بالمدينة، فأوجد بذلك ميناءً لمدينة الجزائر، وملجأ لأسطوله الذي أصبح بإمكانه من هذا الموقع الاستراتيجي أن يقطع أقرب الطرق البحرية المباشرة بين مضيق جبل طارق والمتوسط الشرقي وبين جنوبي إسبانية وجنوبي إيطالية.
في سنة 939هـ/1532م هاجم خير الدين سلطان تلمسان الذي كان قد حصل على مؤازرة الإسبان فأجبره على أن يدفع إتاوة أكبر من السابقة وقدرها ثلاثون ألف قطعة ذهبية، ثم أرسل خمس سفن إلى السواحل الإسبانية، وقمع ثورة قام بها سبعة آلاف أسير مسيحي بقيادة عشرين من النبلاء الإسبان الذين سبق لخير الدين أن رفض إطلاق سراحهم مقابل فدية قدرها 000, 20 زكينو Zecchino (قطعة نقد ذهبية تعادل ديناراً كانت تسك في مدينة البندقية).
في سنة 940هـ/1533م استدعى السلطان سليمان خير الدين إلى اصطنبول ليتولى مهام قبودان باشا (قائد الأسطول العثماني) إضافة إلى لقبه السابق بكلربك مع كل امتيازات هذا اللقب، وبعد بضعة أشهر أبحر خير الدين على رأس أسطول مؤلف من أربع وثمانين سفينة للاستيلاء على تونس وإنهاء الحكم الحفصي فيها، وفي 18 آب 1534 دخل خير الدين تونس من دون مقاومة تذكر وأعلن تبعيتها للسلطنة العثمانية.
ولكن الامبراطور شارل الخامس (شارلكان) استولى على مدينة تونس سنة 942هـ/1535م واسترد مولاي حسن الحفصي مملكته على أن يدفع الجزية لإسبانية. ولكي يعوض خير الدين هذه الهزيمة وليشغل شارل الخامس عن متابعة الزحف، هاجم بأسطوله الذي كان في عنَّابة جزر البليار حيث اقتاد ستة آلاف أسير مع غنائم كثيرة.
عاد خير الدين في 15 تشرين الأول إلى اصطنبول حيث تولَّى إعادة تنظيم الأسطول العثماني وقيادة الأعمال البحرية في مواجهة خصوم الدولة العلية من البنادقة والإسبان، فحقق انتصارات مهمة زادت من مكانته في العاصمة العثمانية. وكان آخر نشاط بحري لخير الدين سنة 950هـ/1543م عندما عُهد إليه التعاون مع الأسطول الفرنسي في الحوض الغربي للبحر المتوسط، إلاَّ أن صلح كريبى Crépy عام (951هـ/1544م) أنهى الحرب بين فرانسوا الأول ملك فرنسة وشارل الخامس ملك إسبانية، فعاد خير الدين إلى اصطنبول بعد أن هاجم توسكانية Tuscany ومملكة نابولي.
توفي خير الدين في بشكتاش Besikcas على سواحل بحر إيجة التي بنى فيها مدرسة وجامعاً، فدفن في المدينة، ونُقِش على قبره عبارة «مات رئيس البحر» وبنى ضريحه المهندس المشهور سِنان، وأضحى من عادة الأسطول العثماني حين يبحر في حملة من الحملات أن يتوقف في بشكتاش ويطلق قذائف المدفعية تحية لذكرى خير الدين، وغدت مراسم الاحتفال بتقليد أي قبودان باشا جديد تجري عند ضريح خير الدين.
تــــ اسـمـاء ـــحــ الزهـورـــيات
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii