كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم ، ويستعيذ بالله من الفقر والفاقة والذلة ، وكان يدعو الله
« اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى » رواه مسلم
وأما قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم أغنني من الفقر» مع قوله عليه الصلاة و السلام « اللهم أحيني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين، ولا تجعلني جبارًا شقيًا »، فإن هذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوة والكفاف ولا يستقر معه في النفس غنى لأن الغني عنده غنى النفس البخاري فقد ثبت عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال «ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس »
وكان الغنى كله في قلبه ثقة بربه وسكونًا إلى الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له
وكذلك قال لعبد الله بن مسعود « يا عبد الله ، لا يكثر همك ، ما يُقَدّر يكن، وما يُقَدَّرَ يأتيك » شعب الإيمان للبيهقي،
وقال الإمام أحمد وهو إن صح فليس فيه المنع من الطلب، وإنما فيه المنع من الهم
وقال صلى الله عليه وسلم «إن روح القدس نفث في روعي فقال لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حُرم » السلسلة الصحيحة
فغنى النفس يعين على هذا كله، وغنى المؤمن الكفاية، وكذلك كان النبي يقول :
«اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا » متفق عليه
ولم يرد بهم إلا الذي هو أفضل لهم
وقال «ما قل وكفى خير مما كثر وألهى» مسند أحمد
وقال أبو حازم إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس في الدنيا شيء يغنيك
فالزيادة الكثيرة على القوت والكفاية ذميمة ولا تؤمن فتنتها، والتقصير عن الكفاف محنة وبلية لا يأمن صاحبها فتنتها أيضًا، ولا سيما صاحب العيال
وكان يقول صلى الله عليه وسلم « تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» البخاري ، عن أبي هريرة …
أفضل الغِنَى «غنى النفس»
عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما «إنما الغنى في النفس»، وأصله في مسلم، ولابن حبان من حديث أبي ذر قال لي رسول الله «يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى» ؟ قلت نعم، قال «وترى قلة المال هو الفقر؟» قلت نعم يا رسول الله، قال «إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب»
قال ابن بطال معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أُوتي، فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب، فكأنه غني
وقال القرطبي معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله.
اللهم إنا نسألك "الهدى والتقى والعفاف والغنى"